|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خيرا (قصة) هارون محمد غزي مكافأةُ بلوغِ قطارِ إنجازاته محطةَ الهبوطِ الاضطراريِّ - صرفُ معاشِه. تدهوَرَتْ عافيته استعدادًا لعبوره للعالم الآخر. ثم دهمه اليقين. تنكش أرملتُه البَصْمَجيَّةُ لباسَه البالي؛ بحثًا عن أيِّ فلوسٍ، فتُقابِل إفلاسًا! وتُفتِّش عن بطاقة المعاش، فلا تجد لها أصلًا ولا صورة. تتعمَّق في بحرِ مخلَّفاته، فلم تَصْطَدْ ما يُقِيم أَوَدَها! بلغت أضعف الكِبَر. سألتُها: • كم معاشُك من المرحوم؟ • فاحمرَّت عيناها، وسحَّت وأنَّت، وفركَتْ كفَّيها المعروقتين تعبيرًا عن صِفْرِيَّتِها. • مستحيلٌ! كان له تأمينٌ اجتماعي، أنا متأكد. استطعتُ بعد لَأْيٍ الإلمامَ بحالها. فلِأُنْعِشَها من الموت الاعتباري: صوَّرتها. سنَّنتها. استخرجتُ لها شهادةَ ساقطةِ قَيدِ ميلاد. استخرجتُ لها إثبات الشخصية. نقشتُ ختمًا باسمها عند العجوزِ خلف المحكمة. عبَّأت استمارة التأمينات والمعاشات. وبتقديمِها لمدير التأمينات، رحَّب بي، وعزاني بتأثرٍ في المرحوم. ذهب بنفسه للبحث في السجلات. وعاد نمرًا، مقتحمًا وحدتي، مكشرًا عن أنيابه الصفر، قائلًا: • سأسجنُك يا حرامي، يا مُزوِّر، يا مُجرم، تريدُ تكرارَ الصرف؟! أنظرُ حولي بانزعاجي الدهش: • هل يُهدِّد غيري؟ • لا. تتابع رصاصُ كلماته يدمي أعصابي، ورشاش لعابه يكوي وجهي. شعرت بالقرف. قلت مصطنعًا الهدوء: حتي إن حدثت جنايةٌ، فأنا محامٍ، ولست المستلمَ لشيءٍ. دخل المكتب موظفُ التأمينات وقال للمدير: • المعاش سيُورده الصراف حالًا. لحظاتٌ ثقيلاتٌ كتمتُ أنفاسي، ووجداني يفور غضبًا، ويأتي المكتبَ موظفٌ نحيلٌ، أصلع، طويل اللحية الرمادية، تزين جبهتَه علامةُ الصلاة الناتئة، ناول المدير ظرفًا منفوخًا. يخرج ثلاثتهم لغرفةٍ جانبية، وأنا في محنتي. يعودون ويسلمون الأرملةَ شيكًا بمبلغ المعاش، شاملًا ما لم يُصرَف منذ وفاة زوجها. فتُناوِله لي بيدٍ مرتجفة. يهجُمُ عليَّ المدير يحتضنُني قائلًا: بالله عليك لا تدعُ عليَّ، أنا آسف لك وأعتذر لك، سأحيل الصرَّاف للتحقيق. فقلت. • لا عليك، حصل لنا خير. تصرِفُ الأرملة مبلغًا تراه ثروة، فتتسع مُقلتاها، وتظهر علامات الدهشة ناطقةً على مُحيَّاها. تُلَمْلِمُ في حرص الشغفة، ولهفةِ الظمآنة - الجنيهاتِ وكسورَها في طرحتِها السوداء الكالحة، ولا تستثني! قلت لها: • هاتيها في الحقيبة أأمنُ لك. • قالت في شدة: • لا. • واحتضنتهم لصدرها الماحل. ليلًا جاءت لي السخيَّة الوفية! المكتب بمبلغ عشرين جنيهًا، تراه كامل أتعابي، بل أكثر! رفضتُ قبضه كاتمًا مِرْجَل غضبي، وقلت لها مجاملًا - رغم حنقي -: • أنا أخدمك بعيني؛ لأنك جارتُنا. فانصرفت بالعشرين جنيهًا على الفور، مُتمتِمَةً: "جزاك الله خيرًا".
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |