|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
اسمع بأذنك واحكم بعقلك
اسمع بأذنك واحكم بعقلك محمد فريد فرج فراج بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العْالمينَ، وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِيْنَ، صلى الله عليه وسلم... وبعد: يعلمنا التاريخ تكرار الأحداث باختلاف الأسماء، وتطابق الوقائع مع تباين الأشخاص. ألا فمن تلك المكررات التاريخية، وهذه التطابقات العملية منهج الزائغين في حرب المؤمنين. فقد لخص الله عز وجل هذا المنهج في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26]. وقد أشار القرآن إلى تكرار الزائغين لهذا المنهج على مر العصور بقوله تعالى: ﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 53]. فكأنهم من شدة تطابق منهجهم على مختلف العصور قد أوصى به بعضهم بعضًا. ألا فإنهم وإن لم يلتقوا فقد جمع بينهم هدف تشويه الحق، كما جمعهم من وسوس لهم بهذا المنهج. إحدى الأمثلة التطبيقية لهذا المنهج القديم في حرب الحق؛ ما جرى للطّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدّوْسِيّ رضي الله عنه. وذلك عندما تفرق الصادون عن سبيل الله على السبل والطرقات ليتلقوا وفود العرب في موسم الحج ليصدوهم عن سبيل الله من خلال إعلامهم الكاذب. ونترك القصة يرويها ابْنُ إسْحَاقَ إمام السير والمغازي حيث قال في سيرته: "وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ يَبْذُلُ لَهُمْ النّصِيحَةَ، وَيَدْعُوهُمْ إلَى النّجَاةِ مِمّا هُمْ فِيهِ. وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ، حِينَ مَنَعَهُ اللّهُ مِنْهُمْ يُحَذّرُونَهُ النّاسَ وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَرَبِ. وَكَان الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدّوْسِيّ يُحَدِّثُ أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانَ الطّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا - فَقَالُوا لَهُ: يَا طُفَيْلُ! إنّك قَدِمْت بِلَادَنَا، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتّتْ أَمْرَنَا، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَأَبِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَأَخِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَزَوْجَتِهِ، وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك، وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَلَا تُكَلّمَنّهُ، وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ: فَوَاَللّهِ مَا زَالُوا بِي حَتّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا أُكَلّمَهُ حَتّى حَشَوْتُ فِي أُذُنِي حِينَ غَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا [أي: قطنًا] فَرَقًا، مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ: فَغَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَقُمْت مِنْهُ قَرِيبًا، فَأَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ. قَالَ: فَسَمِعْت كَلَامًا حَسَنًا. قَالَ: فَقُلْت فِي نَفْسِي: وَاثُكْلَ أُمّي [أي: فقدتني أمي، وهي كلمة تقولها العرب عند السخط لا يراد بها معناها]!. وَاَللّهِ إنّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ، مَا يَخْفَى عَلَيّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرّجُلِ مَا يَقُولُ؟!. فَإِنْ كَانَ الّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قِبْلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْته. قَالَ: فَمَكَثْت حَتّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى بَيْتِهِ فَاتّبَعْته، حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْت عَلَيْهِ فَقُلْت: يَا مُحَمّدُ! إنّ قَوْمَك قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا - لِلّذِي قَالُوا - فَوَاَللّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوّفُونَنِي أَمْرَك حَتّى سَدّدْت أُذُنِي بِكُرْسُفِ لِئَلّا أَسْمَعَ قَوْلَك، ثُمّ أَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَك، فَسَمِعْته قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عَلَيّ أَمْرَك. قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاَللّهِ مَا سَمِعْت قَوْلًا قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ وَلَا أَمْرًا أَعَدْلَ مِنْهُ. قَالَ: فَأَسْلَمْت، وَشَهِدْت شَهَادَةَ الْحَقّ. بعض العبر من القصة • كل من يريد غوايتك ومخادعتك لابد أن يتسربل بسربال الناصح الشفيق، كالذئب في ثياب الحمل، وهذا ما فعله إبليس مع آدم عليه الصلاة والسلام حين أراد إخراجه من الجنة حيث قال له: ﴿ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]؟!؟!؟!. كما قال له أيضًا: ﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ [الأعراف: 20]. وأكد له تلك الغواية بالقسم قائلا: ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21]. وكما فعل فرعون في إضلال أهل مصر إذ حشدهم لقتال نبي الله موسى - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال لهم مضلا إياهم متسربلا سربال الناصح الشفيق: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]. وهذه عبرة يجب أن نفهمها جيدًا وهي أن كل مُضِلٍ لك لابد أن يتسربل بسربال الناصح الشفيق، وهذا ما فعله الضالون مع الطفيل حيث قالوا له: ((يَا طُفَيْلُ! إنّك قَدِمْت بِلَادَنَا، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتّتْ أَمْرَنَا، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَأَبِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَأَخِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَزَوْجَتِهِ، وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك، وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا)). وبعد هذه الديباجة الكاذبة، والمقدمة الناعمة. قالوا له المراد صراحة: ((فَلَا تُكَلّمَنّهُ، وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْهُ شَيْئًا)). وأهم عبرة من القصة السابقة!. ألا وهي: إن السلاح الوحيد لأهل الباطل في القضاء على الحق هو الحيلولة بين أهل الحق والدعوة المباشرة للناس. وأنه متى سقط الحاجز الإعلامي الكاذب بين دعوة الحق والناس بطل هنالك السحر، وانهزم الباطل، وآمن الناس كلهم أجمعون، إلا من يمنعه العناد، والجحود، والاستكبار. وذلك أن الطفيل ما إن خلع الكرسف [القطن] من أذنيه؛ حتى شرح الله صدره للحق. فليس بينك ياطالب الحقيقة وبين أن تعرف الحقيقة على وجهها إلا أن تخلع كرسف الإعلامِ الكاذبِ الْمُضِلِّ، وتلقي به تحت نعليك، حتى يستنير قلبك بأشعة الحق التي لا مصدر لها إلا كتاب ربك جل وعلا، وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -. فهذه دعوة صريحة لنخلع جميعًا كرسف الإعلام الكاذب المضل الذي يصد عن سبيل الله ليل نهار، كي تدخل أشعة الحق القرآني، والهدي النبوي. فإياك أن تسمع بإذن غيرك، أو تفكر بعقولهم. ولكن دع عنك الشائعات الباطلة، والأوهام الكاذبة، واسمع من أصحاب الشأن يأتيك الحق المبين فتكون من الناجين بإذن الله عز وجل. ألا: فاسمع بأذنك واحكم بعقلك. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |