رسالة إلى عاشقة خيال - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 6 )           »          فوائد الصيام.. كيف تنعش صحتك لشهر كامل؟ يوميا فى رمضاننننن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 50 )           »          هل يجب التقيد بعلامات الوقف التي في المصحف ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 123 )           »          الزواج من فتاة لها علاقات سابقة بالشباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 106 )           »          ابنتي تصاب بمغص شديد وترجيع وشحوب في الوجه كل فترة.. ما تشخيصكم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 92 )           »          حكم تلاوة القرآن خارج الصلاة بغير استعاذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          Translation of the meanings of SuratAl - Imran (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 54 )           »          من تصميمي صور فتاوى هامة لمواضيع مختلفة، فتاوى عصرية اسلامية 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          Khalwah if Another Woman is Present (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          هل تزول الخلوة بوجود امرأة أخرى ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-03-2022, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,921
الدولة : Egypt
افتراضي رسالة إلى عاشقة خيال

رسالة إلى عاشقة خيال
محمد بن حسين حداد الجزائري





هذه رسالة وصلتني عبر مدونتي الشّخصية مِن أختٍ تريد الخير لدينها ولنفسها، تستشيرني في أمرها وتستنصحني في مشكلتها، بعدما وقعت في قيود عشقٍ أفقدها الرّاحة والسكينة، ولم يكن مِن عادتي فتح المجال لاستقبال الاستشارات؛ وإنّما حثُّ الإسلام على بذل النّصيحة للأخ إذا استنصحَ أخاه، وشعوري بمعاناة الأخت وألمها، دفعاني إلى رقمِ حروفٍ حاولت من خلالها رفعَ الهمّ وتنفيسَ الكرب عنها.


ولمّا كان موضوعها هو مشكلة الكثيرات من أخواتنا اللاّتي وقعن ضحايا ذاك الحبّ الموهوم الخيالي، تحت واقع اختلاط مَقبوحٍ مَذموم، وعالمٍ إعلاميٍّ رقميٍّ مليء بالأشباح، رأيتُ نشرَ الاسْتشارة بُغية تعميم الفائدة والنّصيحة، عسى أنْ تُوافق قلبًا مغمومًا فيَعْقِل، وعينًا عَمياء فتُبصر.

وأشيرُ قبل ذلك إلى أنّ استشارةَ الأخت، أورِدت في خانةِ التّعليقات تحت خاطرةٍ لي منشورة قلت فيها:
"كثيرٌ مِن النّاس يَجلبون الشّقاءَ على أنفسهم من بابِ بحثِهم عن السّعادة! فإنَّ السّعادةَ سهلةُ المَنالِ متى طَلبْناها بالمَعقول، وعلى الوَجهِ المَقْدور؛ فإذا بحثْنا عنها على مقاييسِ أحلامِنا وخَيالاتِنا المُصْطدِمةِ بجِدارِ الواقعِ غالبًا، فهنا مَكمنُ الدّاء ومَدْخل الشَّقاء".

قالت لي الأخت الكريمة:
السلام عليكم أخي الكريم.

بارك الله فيك على هذه الأعمال القيّمة، وأسأل الله سبحانه أن يجعلها في ميزان حسناتك.

أخي الكريم:
كيف لنا أن نطلب السعادة بالمعقول وما هو السبيل لذلك؟ فكلٌّ يرى السعادة من منظوره الخاص؛ فأنا مثلا أرى نفسي تعيسة على الرغم أنني والحمد لله أملك ما يجعلني أسعد الناس؛ فلي والدين يفعلان كل ما يستطيعان لإسعادي، ولي إخوة وأخوات الكل يدلّلني، وأنا الحمد لله متمسكة بديني، فأنا متحجبة ومحافظة على صلاتي.

لكن لي مشكلة أو ربما يكون ابتلاء، فأنا أحبّ شابا منذ مدّة، والله العظيم هذا الحبّ طاهر وعفيف، فأنا لا أخرج معه ولا حتى أراه إلا من بعيد، لكنني بصراحة أكلمه في الهاتف، وهو أيضا شاب محترم ومحافظ وساعدني كثيرا في أمور الدين، فهو من طلب مني ارتداء الحجاب الشرعي، لكنه كثير الوساوس، يشك أنني خنته على الرغم أنني والله ما فعلت ذلك، و طلب مني إنهاء العلاقة التي بيننا وأنا لا يمكنني أن أبتعد عنه، لأنني أحبه كثيرا ولا أرى الحياة بدونه.

لذا قلت لك أخي الكريم: أنني حقا تعيسة ولا أرى طريقا للسعادة بدون هذا الشاب الذي أحببته.

أخي الكريم:
أرجوك سامحني واعذرني؛ والله أنا أحترمك لكثرة ما قرأت مقالاتك، لكنني حائرة ويائسة وأريد النصح منك، وأريد الدعاء لي إن كان هذا الشاب فيه خير لي أنْ يكون من نصيبي، وإنْ كان عكس ذلك ادعو لي أن يعوضني الله بما هو أحسن.

أرجو أن لا تنسى أختك بالدّعاء لي بالهداية والثبات.

أنتظر ردك بفارغ الصبر.

أختك في الله. اهـ

فكان جوابي:
بسم الله والحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبي بعده.

أمّا بعد. فأقول:
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، وفيكِ يبارك الله أختي الفاضلة، وسدّد خطاكِ، وزوّدكِ التّقوى، ويسّر لكِ الخير حيث ما كنتِ.

أمّا سُؤالك عن طلب السّعادة وسبيلها وكيف تكون، وما تلاه من سردٍ لقصّتِك الّتي رَجوتِ عليها منّي ردًّا يضع اليد على الجرح فيُداويه، فأتمنّى أن تجدي منّي حاجتك؛ وإنْ كنت غير متخصّصٍ في استقبال الاستشارات والتصدّر لها، لكنّ حسن ظنّكِ بأخيكِ وشعوري بمعاناتِك، يدفعانني إلى محاولة رفعِ شيءٍ ممّا تجدينه في صدرِك مِن ضيق، وقلبِك مِن حزن.

فأقول والله المستعان وعليه التّكلان:
السّعادةُ لا تُطلب إلاّ بالحقّ، وعلى سبيل الحقّ.

أمّا طلبُها بالحقّ؛ فالمقصود تحرّي الحلال في أسبابِها وركوب الحقِّ في وسائِلها، ولا مانِع مِن موافقة هذه الأسباب والوسائل لشهواتِنا ورغباتِنا، فإنّ تحقيق الشّهوة والشّعور بالنّشوة، عنوانٌ مِن عناوين السّعادة؛ بل كثيرا ما اقترن بها وتعسّر فصلُه عنها - وإن كانت السّعادة أعمّ مِن ذلك وأشمل - فالشّأنُ كلّ الشّأن في عدم الظنِّ بإمكانية تحقيقِ السّعادة بسببٍ ممنوعٍ أو وسيلةٍ محرّمة؛ بل عند ذلك بوّابة الشّقاء.

أمّا طلبُ السّعادة على سبيل الحقّ؛ فمُرادي الإشارة إلى عدمِ كفايةِ طلبِها بالحقّ لضمان تحقيقِها، فرُبّ مصيبٍ الطّلبَ في الابْتداءِ مسيءٍ الاستِعمالَ في الأثناء، فكان حالُه كحال مَن أجاد في بنائِه ثمّ أفسد في إعمارِه، وحالُ مِثله تولد سعادتُه ميّتة.

يُلخّصُ هذا كلَّه، ما ذكرتُه يومًا في إحدى كتاباتي قائلا: "إنَّ مَن حَسِبَ أنّ الشّعورَ بالسّعادة والطَّلَبَ للمُتعَةِ، يكون بالخروجِ عن طاعة اللهِ ومخالفَةِ شرعِه، فقد طَلَب لنَفْسِه أسبابَ الشَّقاء نَفسِه، وجَلَبَ عليها مطارِقَ الوَيلات في الدّنيا والآخرة؛ بل إنَّ الانْغماسَ في الشّهواتِ بهذا الظَنّ الخاطِئ، يستحيلُ أنْ يتناولَه المعنى السّامِي للحُرّيَة، وهو قيدٌ يَحْبِسُ قَلْبًا، وغُلٌّ يُغَيِّبُ ضَميرًا، وإذا كان له مِن الحُرّية نَصيب، فإنّما هي حُرّيَةٌ طينِيَة، تُطلِق العَنان للغرائِز والشَّهوات، حتّى تُصيِّرُ صاحبَها جسدًا بلا روح، وقلبًا بلا حياة، فإذا به وراء قُضبانِ عُبوديّةٍ مُذلّة، خَدعَته يوم قالت له: هَيْت لكَ، أنا سَعادتُكَ! أنا حُرِّيتُك!".

وإفصاحُكِ - حفظكِ الله - عن هذه الحال الّـتي حجبت عنكِ الرّؤية المُشرِقة، وأبدلتكِ بالبَليّة المُقلِقَة، هو بدايةُ طريق المخرج مِن المشكلة، وأوّلُ الخطوات نحو علاجها؛ فأبشري، وأكثري مِن دعاءِ الله مُجيب الدّعاء أنْ يفرِّجَ همَّكِ ويقضي حاجَتك، مُتحرّيةً في ذلك أسباب الإجابة وأحوالِها، ومُستغفِرةً مُلحّةً مُفتقِرَةً إليه -جلّ وعلا-، لاسيما أثناء سجداتِك في الثّلث الأخير مِن اللّيل.

أمّا الحبُّ الّذي قد يكون بين الذّكر والأنثى، فليس هو سبب المشكلة ومكمَنُ الدّاء - فيما أعلم -، فإنّ لعاطفة القلب حركة فِطرية لا يملكُ أحدٌ مغالبتَها ومجابَهتَما، فهو تمايُلٌ موجودٌ بين الجِنسَين، جعله الله في البشر لحِكم عظيمةٍ ومقاصد جليلة؛ فلولاه لما كان هُناك تكاثرٌ تمتدُّ به حياةُ البَشَر فوق هذه الأرض، ولَولاهُ لفَقدَ النّاسُ مَعنًى عظيمًا مِن مَعاني الاسْتمتاعِ الحَلال، ولولاه لَما تَحقَّقَتِ الأهداف السّامِية ببناء الأُسْرةِ السَّعيدة والمُجتمعِ السَّليم. كلُّ هذا، مِن خِلالِ زَواجٍ حلالٍ به تَسْكن النّفس، وتأنَس الرُّوح، ويطمئِنُّ القلْب، ويَرشُدُ العقل، ويَسعَد الجسد، وتَقَرُّ العَيْن؛ قال اللهُ -تعالى-: ﴿ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[1]، وقال - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونساءً ﴾[2].

بل لا يُتصوّرُ حُصولُ زواجٍ مَرضيٍّ إلاّ بحبٍّ يجدُه كلٌّ مِن الجنسين اتجاه الآخر، لذلك شُرع في الإسلام نظر كلٍّ مِن الرجل والمرأة إلى بعضهما البعض عند الخِطبة، حتّى يَشعرا بمودّةٍ تُمهّد لهما الانطلاق نحو اقترانٍ دائمٍ جديرٍ بتحقيقِ الخير العائم؛ قال - عليه الصّلاة والسّلام -: ((لم يُرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ))[3].

ولمّا كان الحبُّ كسائر الأشياء المُتناقضة الاستعمال، لم يُمكن الحكم عليه إلاّ على ضوءِ مقصدِ المُحبِّ نفسِه، فهو فطرةٌ لا نملك إيجادَها أو إعدامَها، وإنّما نملك ممارَستَها والتحكّمَ فيها؛ فالحبّ إذن يستمدّ حكمه ممّا نخطُّه مِن إملاءاتِه ونرسُمه على لوحاتِه، فإنّ حُسنَ الحبِّ مِن حُسنِ خطِّه ورَسْمِه، وقُبحُه مِن قبحِه.

وعليه؛ فكلّ حبٍّ عفيفٍ في وسيلتِه، شريفٍ في غايتِه، هو حبٌّ محمود؛ وكلُّ حبٍّ فاقِدٍ لإحدى هاتين الصّفتين، هو حبٌّ مذموم؛ لذلك كان صرْفُ الحبِّ عن الانحراف والانْزلاق بالزّواج، أسْلَمَ للدّينِ وأرْيَحَ للبال، وكان السّيرُ به على غير طريق الحلال، هلاكًا للنّفس وتعبًا للقلب.

والحقّ أنّني بعدما قرأتُ رِسالتكِ وتأمّلتُ في مضمونِها، لم يظهر لي ما يستدعي لومكِ على تجرِبتِك مع ذلك الشّاب إلاّ شيءٌ واحِد: غموضٌ ميّز تلك العلاقة.

فأنتِ لم تخرجي معه، ولم تَريْه إلاّ مِن بعيد، لكنّك كنتِ على علاقةٍ حبٍّ تطوّرت إلى تواصل بينكما عبر الهاتِف، وهذا ما أحلّ عليك البلاء، فإنّ تطوّرَ الحبِّ مع شدّةِ الشّوْق ووجود الحوائل، لا يُنتجُ بالضّرورة إلاّ عِشقًا، وحبٌّ على هذا الواقع لا يكون إلاّ قطعةًً مِن العذاب، ومَن عشق مخلوقًا لم يَعدْ يرى السّعادة إلاّ في قُربِه ووِصالِه، فيكونُ تعيسًا بقدرِ حِرمانِه وبعدِه عن معشوقِه.

أمّا غموضُ العلاقة؛ فلا أدري ماذا كان الهدف منها، هل كانت علاقةً مجرّدةً لا هدف منها إلاّ الصّداقة؟ أم اتّفقتُما على خيرٍ فوعدكِ الشّاب بالتقدّم إلى أهلك بقصد طلب يدكِ للزّواج؟

فإذا كان الهدفُ الصّداقة، فلا صداقة بين جِنْسَيْن أجْنبيَيْن إلاّ في إطارِ الحلال ودائرةِ الزّوجية، وكلُّ ما خرج عن هذا فهو رذيلةٌ وعادةٌ ذميمة.

أمّا إذا كان الهدفُ الزّواج، فكان الأولى أن تتطوّر سريعًا نحو تحقيق أوّلِ خطواتِه، حتّى يوضعَ الحبُّ في محضنِه الطّبيعي، فإنّ تمديدَكُما لتلك العلاقة دون وضعِ لمساتٍ في هذا السّياق، كان كافيًا للانحرافِ به وصرفِه عن طريقِه؛ وهذا ما يُفسِّر تحوّلَ من حدّثتِني عنه، مِن شابٍّ ناصحٍ في الخيرِ مُعينٍ على الطّاعة، إلى موَسْوَسٍ كثير الشّكوك فيك؛ قبل أن ينتهي الأمر إلى طلبِه إنهاء العلاقة بينكما.

وعلى كلّ حال؛ وقد طلب منكِ ما عزم عليه مِن قطعِ العلاقة وإنْهائِها، لا أتردّد في نُصحِك وأنا لكِ ناصِح، والإشارةِ عليك وأنا بك مُشفِق، ودعوتِك وأنا لمُستقبلِك متفائِل، بعدم التردُّدِ في مطاوعتِه وموافقتِه على ما أعرَب عنه طالبًا، فقد اجتمع بينكِ وبين هذا الشّاب ما يحول دون تحقيق ما يهواه قلبك: حامت حولكِ وساوسُه وشكوكُه دون سببٍ مذكور، وجسّد منتهاها بما طلب إنهاءَه؛ فما بالكِ مُصرّةٌ على تمسّكِك بشخصٍ قد ظهر مِن ظنِّه بكِ ما أفصح عنه، فولّى عنكِ ظهرَه وقطع ما بينكِ وبينَه؟!

لو كُنتِ طليقَتَه بعد عِشرةٍ زَوجية، لكان لتعلّقِك به مبرِّرًا، وللسّعيِ إليهِ مَعبَرًا، فيُصلَحُ ما فَسَد ويُجدَّدُ ما تبدَّد، بينما حالتُكِ عديمةٌ لتلك السّابقة، وعلاقتك قد يُخلُّ استمرارُها بمكانتِك اللاّئقة.

أشفقي -أختاه- على نفسِكِ وكفّي عن تعذيبِها، وارحَميها ولا تزيدي في هوانِها؛ فإنّ سِرَّ شُعورَكِ بالتّعاسةِ رغم ما حباكِ الله -تعالى- به مِن نِعم، وفضّلَكِ به مِن عطايا، هو في قولِك: "لا يمكنني أن أبتعد عنه لأنّني أحبّه كثيرًا ولا أرى الحياة بدونه"!

إنّك على حالٍ جعلتكِ ترَيْنَ سعادَتَك مِن نافِذةٍ واحدة، بينما قد وسِعتكِ رحمةُ الله ربِّ المشارِق، أنْ قَدَّرَ للشّمسِ منازِلاً متنوّعةً تظهر عليها، وزوايا متعدّدةً تطلع منها، حتّى تشعَّ عليكِ بقرصِها، وتُضيءَ لكِ بنورِها، فلا يغيب عنكِ بياضُها السّاطع إلاّ ما شاء الله.

فأوصيكِ بيومِكِ ألاّ تعيشيه بهمومٍ قاتِلة، وبمستقبلِكِ أنْ تنظري إليه بعينٍ متفائِلة، فإنّ الّذي مضى قد فات ولا ينفع فيه حَزَن، وقد فَقَد النّاس خيراتٍ وأخيارًا فما فَنَوْا ولا هانوا، فكيف تَنْزِلين منزلَ فناءٍ وهوانٍ على فِراقِ شخصيةٍ ليس لكِ في صلاحِها وخَيرِها يقينٌ على مُستقبَلِها.

واستحضري نِعمَ الله عليكِ باسْتِشعارِها: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾[4].
واحذَري كُفرانَها ونِسيانَها: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾[5].
وباركيها بشُكرِ المُتفضّلِ عليك بها: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[6].

واحفَظي أنّه ليس كلُّ من تمنّى شيئًا حقَّقه، أو تيمَّمَ هدفًا أدرَكَه؛ واعلَمي أنّه قد يُحرَمُ المرءُ أمرًا فيحزن لحِرمانِه، فيكون الشرُّ فيما حُرِم منه؛ وقد يُدرِكُ أمرًا فيفرحُ لإدراكِه، فيكون الخيرُ في غيرِ ما أدرَكه؛ فإنَّ للبشَرِ عقولاً قاصِرةً وقلوبًا حائرَة، وما ندِم من استخارَ ولا خابَ مَن استشار، فلم يتركْ لعقلِه ولا لقلبِه سُلطانًا، إلاّ رأيٌ حكيمٌ يسبقُه توجّهٌ إلى ربٍّ عليم، والخيرُ فيما يختارُه الله، فإنّ قدرَه - سبحانه - خيرٌ كلّه.

وعليكِ بالتعوّذِ مِن الحزن والغَمّ والهَمّ، والمداومة على الذّكر والتّلاوة والاستغفار.

واسْتَرْجِعي وأكثِري مِن الدّعاء، ولعلّ خير ما أختاره لكِ مِن ذلك ما اختارته أمّ المؤمنين أمّ سلمة، قالت - رضي الله عنها -: "سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِنْ مُسلمٍ تُصيبُهُ مُصيبةٌ فيقولُ: ما أَمَرَهُ الله: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون. اللّهمّ اؤجُرْنِي في مُصيبَتي وأَخْلِفْ لي خيْرًا منها - إلاّ أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خيْرًا منها)).

قالت: فلمّا مات أبو سَلَمَةَ قُلتُ: أيُّ المسلمين خَيْرٌ مِنْ أبِي سلمةَ؟ أوّلُ بيْتٍ هاجَرَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم. ثمّ إنّي قُلتُها، فأَخْلَفَ اللهُ لي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

قالت: أَرْسَلَ إلَيّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم حَاطِبَ بنَ أبي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُني لَهُ"[7].

هذا ما تيسّر لي بيانُه فيما فاتحتِني فيه، وظهر لي قولُه فيما اسْتَشرْتِني حوله، فأتمنّى أن أكون قد تَمكّنتُ مِنْ فهم مُشكلتِكِ والإحساسِ بمُعاناتِك على الوجه المطلوب، ووُفّقتُ إلى قضاءِ حاجتك والتّخفيف مِن آلامِك إلى الحدّ المرغوب.

ثمّ إنّني أسأل الله بوجهه الأعظم الذي إذا دُعِي به أَجاب، وإذا استُرحِمَ به رَحِم، وإذا اسْتُغفِرَ به غَفَر؛ أنْ يُبدلَكِ بالهمِّ فَرَجًا، وبالغَمِّ مَخْرَجًا، وبالضَّيْق سَعَةً، وبالحزن فَرَحًا، وبالعُسْر يُسْرًا.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفركَ وأتوب إليك.


[1] سورة الرّوم: الآية 21.

[2] سورة النّساء: الآية 01.

[3] رواه ابن ماجه في سننه: كتاب النّكاح/ باب ما جاء في فضل النّكاح/ حديث رقم: 1847. وأورده الألباني في السّلسلة الصّحيحة برقم: 624.

[4] سورة النّحل: الآية 18.

[5] سورة البقرة: الآية 152.

[6] سورة إبراهيم: الآية 7.

[7] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الجنائز/ باب ما يقال عند المصيبة/ حديث رقم: 918.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.73 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]