|
|||||||
| الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
اللعب في العقول د. محمد عبدالغني حسن هلال أولاً: العلم الحديث ودراسة العقل البشري: هل من الممكن حقًّا أن يصِلَ العلم الحديث إلى تحديد ما يفكِّر فيه الإنسان، وما ينوي أن يفعله؟ إن الإجابة عن هذا السؤال وإنْ كانتْ تبدو صعبة إلا أنَّ الأبحاث العلميَّة التي تعمل في هذا المجال بدأتْ منذ فترة قريبة، حاولتْ وما زالتْ تحاول أن تسيرَ في دهاليز وأغوار العقل البشري في المراكز البحثيَّة الشهيرة، وهي حتى الآن لَم تتوقَّف وفي نفس الوقت لا تستبعد أو تنفي ذلك. ومع أنَّ ذلك كان لفترة قريبة يصنَّف ضمن الأساطير أو أفلام الخيال العِلمي، وبصفة خاصة مثلما جاء في أحد الأفلام السينمائيَّة؛ إذ تنبأ بإمكانيَّة التعرُّف على ما يفكر فيه الإنسان وما ينوي أن يفعله، إلاَّ أنه يبدو أنَّ الإنسان في العصر الحديث قد استطاع أن يضيِّقَ كثيرًا المسافة بين الخيال والأحلام من جانب، والواقع من جانب آخرَ. قد يعتقد البعض أننا نتحدثُ عما يُطلقون علية "الفنتازيا" أو التسلية بهدف جَذْب القارئ أو التأثير عليه، ولكن عند التمعُّن جيدًا في هذا الموضوع، وعندما نكتشف أن الأمر يتعلَّق بمحاولات مستمرة وجادة؛ للتأثير واللعب في الأدمغة والعقول، فإن الأمر يستحقُّ الاهتمام والانتباه، وفي نفس الوقت يجب ألا ننتظرَ كثيرًا حتى نرى بعض النتائج القريبة من هذا الخيال أو التوقُّع تستخدم معنا أو ضدنا أو حولنا. وبمجرد التفكير في هذا الأمر يتواردُ إلى فِكْر الإنسان مجموعة من الاستفسارات والأسئلة الهامة الناتجة من الخوف والقَلق. وأهم هذه الأسئلة هي: • هل يستطيع العلماء حقًّا أن يعرفوا ما نُخْفيه في عقولنا، وما نحتفظ به من أحاسيسَ ومشاعر تخصُّنا، ولا نريد أن نبوحَ بها للآخرين بداخلنا، وذلك رغمًا عنَّا ودون إرادتنا؟ • وهل يعني ذلك أنَّ هناك في المستقبل القريب مَن يستطيع أن يتعرَّف ولو في صورة احتمالات ما يُمكن أو ما ننوي أن نفعلَه؟ • هل يعني ذلك أننا سوف يُمكن أن نحدِّدَ مَن هم قادة المستقبل أو الذين سوف يصنعون تاريخ العالَم القادم مُبَكِّرًا؟ وفي نفس الوقت هل يُمكن تحديد من هم الإرهابيون والمجرِمون في المستقبل؟ • هل يعني ذلك أيضًا أنَّ هناك مَن سوف يكتشف أحلامنا قبل أو بعد أن تُولَد في عقْلِنا الباطن، ويشاركنا فيها أو يسرقها منَّا، ويفاوضنا أو يجبرنا على التنازُل عنها؟ • هل ستمارس النُّظم الديكتاتورية سطوتها، ويستثمر أصحاب المصالح قوَّتهم الماديَّة؛ لكي يقتلوا أحلامنا وخيالنا وطموحاتنا، أو على الأقل يحوِّلون الْحُلم إلى جريمة يعاقِب عليها القانون؟ لقد كنَّا نقبل الكثير من ذلك، من خلال أفلام الخيال العلمي وغيرها من الوسائل التي كانتْ وما زالتْ تتحدَّث عن اللعب في العقول، استطعنا أن نوظِّف خيالنا كنوعٍ من الْهَرَب من الواقع؛ لتقبُّل إمكانية حدوث ذلك في الخيال والأحلام والأساطير، بل إنَّ أصحاب المهارات أو ما يدعون أنهم يَملكون بعض القُدرات الخارقة التي يستمدونها من عالَم الغيب، يتحدثون عن ذلك على نطاق مَن يثقون في قُدراتهم، ولكن يبدو أنَّ الأمر يزحَف ويقترب مِن تقريب المسافات بين الحُلْم والحقيقة. وقبل أن يهدأَ أو يُحسَمَ الصراع حول الاستنساخ البشري وأضراره وفوائده بين مؤيِّدٍ ومعارِضٍ كأحدث الأحلام التي تحوَّلتْ إلى حقيقة، ويبدو أننا على وشك الانتقال إلى مرحلة أخرى من الصراع حول ما هو أشدُّ خطورة، وهو احتلال العقول البشريَّة وتسويقها طبقًا لقوانين ليستْ إنسانيَّة هذه المرة، ولكنَّها قوانين اقتصادية وتجارية يَحكمها الربح المادي، وما يتطلبه من السيطرة والْهَيمنة. إنَّ الأمر هذه المرة سوف يأخذ مسارًا آخرَ قد يُمثِّل خطورة كبيرة على العلاقات الإنسانية، وقد يكون سلاحًا جديدًا أكثرَ فَتْكًا من أسلحة الدمار الشامل بأنواعها المختلفة؛ لأنه يتعلَّق باللعب في العقول، من خلال ما يقوم به فريق من العلماء من الأبحاث والتجارب تحت عنوان: التسويق العَصَبي. ثانيًا: التسويق العصبي: اعتبر الكثيرون حتى فترة قريبة أنَّ قراءة ما بداخل العقول والأدمغة البشريَّة يُعَدُّ عَمَلاً سِحْريًّا أو غيبيًّا، يُستخدم لمجرد المعالجات النفسيَّة غير العلميَّة، ولكن الأمرَ قد اختلف كثيرًا بعد تقدُّم الاختراعات في مجال تكنولوجيا تصوير العقل البشري، ونتيجة لهذه الثورة التكنولوجية التي جعلتْ عملية تصوير وتسجيل ما يدور داخل العقل البشري ممكنًا، أصبح من الممكن الاطِّلاع على العالم الذهني للإنسان، بل إنه مع تطوُّر التكنولوجيا في هذا المجال تجرَّأ الباحثون المهتمون بدراسة العقول البشرية، واتجهوا إلى محاولة الاطلاع على التفاصيل الشخصيَّة التي تتعلَّق بالمحفزات والدوافع الداخليَّة للإنسان، والتي تحدِّد أو تصنع اتجاهاته ورَغبَاته، ومُيوله وأهواءَه. لقد تَزايَدت الأبحاثُ بِشَكْلٍ مطرد في المعامل والمراكز، والمعاهد العلمية والبحثية التي تبحث في تعقيدات وإمكانات العقل البشري، الذي فضَّل به الخالق - سبحانه وتعالى - الإنسان وكَرَّمه عن بقيَّة المخلوقات، وظهرت العديد من الكِتَابات والمؤلَّفات التي تتحدَّث عن التفكير والتذكُّر، والتوقُّع والتنبُّؤ، وكلها تنطلق مِن استثمار الإمكانيَّات اللا محدودة لهذا الجزء الهام مِن تكوين الإنسان. وتنتمي هذه الأبحاث إلى ما يطلق عليه حديثًا في أواخر التسعينيات: علم الأعصاب المعرفي (Cognitive Neuroscience) في مجال البحث الطبي، وكانت بدايات ظهوره على يد البروفيسور جري زالتمان (Grey Zaltman) بجامعة "هارفارد" بالولايات المتحدة الأمريكيَّة وأحد مساعديه، عندما كان يقوم بمسْحِ وتصوير عقول بعض الأشخاص المهمين لصالح الشركات الأمريكية الكبرى، وتدير هذه الأبحاث وتُشرف عليها الآن جامعة "أيموري" بالتعاون مع شركة "برايت هاوس" بالولايات المتحدة الأمريكيَّة، وقد أدتْ هذه الأبحاث في مجال علم الأعصاب المعرفي إلى ظهور ناتج تجاري له يُطلق عليه: علم التسويق العصبي (Neuro marketing ) كأحد فروع هذا العلم. وكما تُفيد المعلومات الصادرة من تلك الجهات، فإن هذه الأبحاث تعتمد على تعريض الشخص المستهدف لمشاهدة بعض الصور الثابتة أو المتحركة أو الأفلام، وفي نفس الوقت يتمُّ متابعة ومراقبة وتصوير ردود فِعْل عقله لهذه الصور؛ عن طريق أجهزة طبيَّة؛ مثل: أجهزة الرَّنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI ) بهدف تحليل ردود الأفعال التي عليها؛ لإجراء تحليل مُفصَّلٍ للشخصيَّة. وعن طريق استخدام حقول مغناطيسيَّة شديدة القوة تتمُّ عمليَّات تحليل الشخصيَّة؛ حيث تقوم أجهزة الرنين المغناطيسي بتتبُّع وقياس الهيموجلوبين الغني بالأكسجين في المخ من جانب، والهيموجلوبين الخالي من الأكسجين في المخ من جانب آخرَ؛ مما يعطي الباحثين صورة تفصيليَّة لحظيَّة عن اتجاه وأماكن سَرَيان الدم وأماكن الخلايا العصبيَّة التي تنشط خلال تلك العمليَّة. وفي كلية "بيلور" للطب قام "ريد مونتاجيو" مُختص الأعصاب بدراسة على 67 شخصًا، نُشِرتْ نتائجها في 14 أكتوبر 2004 بجريدة (جورنال نيرون)، تَمَّ رصْدُ نشاط زائد في القشرة الوسيطة لمقدِّمة الفَص الجبهي للمخ Medial) prefrontal cortex) أو عند رؤية الصور أو المناظر التي أعجبتْهم، وهذه هي المنطقة المرتبطة بإحساسنا بأنفسنا وبما نفضِّله؛ مما يدلُّ على أنه رُبَّما يكون انجذابنا للسلعة لأسباب مُحَدَّدة؛ مثل: شكل السلعة أو طريقة عرضها؛ حيث قام خلال التجربة بتطبيق تكنولوجيا الرنين المغناطيسي على منتجي البيبسي والكوكاكولا. ومِن خلال مُراقبة نشاط المخ مع كُل منتجٍ على حدة، وجد أنَّ نشاط المخ يزداد في الجزء الذي يقوم بعمليات الإحساس بالطَّعْم في حالة رؤية البيبسي، ولكنَّه مع منتج الكوكاكولا ازداد نشاطُ المخ في المستوى في القشرة الوسيطة لمقدِّمة الفص الجبهي (prefrontal cortex Medial)؛ يقول ريد مونتاجيو مختص الأعصاب تفسيرًا لذلك: "إن بيبسي تفوز في اختبارات الطعم، ولكن كوكاكولا تحقِّق مبيعات أكثر؛ لأن عقل الإنسان المستهدف بالدراسة غالبًا ما يكون متأثِّرًا بصورة كوكاكولا المليئة بالحياة، ولا يُمكن توضيح ذلك والتعرُّف عليه إلا من خلال هذه العلاقة العصبيَّة. ومما لا شكَّ فيه أن ما ينطبق على التسويق العصبي للسلع يستخدم على نطاق واسع الآن على مستوى العالَم، وبصفة خاصة ما تصدِّره الدول الباحثة عن الْهَيمنة وفَرْض الوصاية، ومُحاربة النعرات القوميَّة من أفكار واتجاهات، وهو ما يبدو واضحًا من وضْع ما يريده القائم بالتسويق أو صاحب المصلحة في الشكل أو القالَب الذي ينجذبُ إليه المستهدف طبقًا للمستوى الاجتماعي والعِلْمي، والديني والثقافي؛ مثل: الفنون المختلفة والمحطات الإذاعية والتلفازيَّة، وبدا ذلك أكثر وضوحًا على شبكة المعلومات الدوليَّة الإنترنت بصفة خاصة، وهو ما نطلق عليه ببساطة السُّمّ في العَسَل. ثالثًا: الأخلاق والشرعيَّة في التسويق العصبي: هل تستخدم تكنولوجيا الرنين المغناطيسي في التسويق أم العلاج؟ من الطبيعي أن نقول: إنه من الخطأ استعمال تكنولوجيا الرنين المغناطيسي في التسويق وليس للعلاج، وبصفة خاصة إن أيَّ زيادة لتأثير الإعلان على البشر - حتى ولو كانتْ طفيفة - يُمكن أن تسبِّبَ الكثير من الأمراض التي قد تقود الكثير من الناس إلى المعاناة الشديدة والانهيار الكامل. فهي وسيله سهلة وغير أمينة لتحفيز الناس ودَفْعهم؛ لشراء منتجات تسبِّب لهم بعض الأخطار الصحيَّة، مثل: الإدمان أو الزيادة المرَضِيَّة في الوزن، أو حتى التغاضي عن معايير الجودة في الطعام؛ مما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض وبصفة خاصة بالنسبة للأطفال، فهم الصف الأول من الجمهور الأكثر تأثُّرًا بالإعلانات أو أساليب التسويق العَصَبي. يُمكن استخدام تصوير الدماغ؛ للكشف عن الأسرار الداخلية للعقل، وكَشفتْ بعض الدراسات التي أُجريتْ على بعض العقول عن الميل إلى الخداع والتحيُّز العِرْقي لدى بعض الناس، ورغم كل التحذيرات يؤكِّد العلماء سلامة نِيَّتهم ومَقْصدهم، إلا أنه لن يمضيَ وقتٌ طويل قبل خروج هذه التكنولوجيا الجديدة من المعامل والمختبرات؛ للاستفادة منها في الجوانب التي تتعلَّق بتسويق الأفكار والمنتجات - التسويق العصبي - بل ورُبَّما يصل الأمر للاستفادة منها في المحاكِم. وهناك بعض المؤسَّسات التي تشنُّ حَملة ضد التسويق العصبي تحديدًا، مثل: مؤسَّسة كومرشيال أليرت(Commercial *****) – وهى مؤسسة تحاربُ تحويل المجتمع الأمريكي إلى مجتمع تجاري استهلاكي، وتقود حملة ضد التسويق العصبي - وقد بعثَ مديرُها التنفيذي - جراي راسكين - بخطاب إلى المركز الأمريكي للحماية من التجارب التي تُجرى على الإنسان، يُطالب فيه بالتحقيق في آليَّات البحث بجامعة "أيموري"، وهل تخالف المعايير الفيدرالية للأبحاث على الإنسان، وذلك في أوائل ديسمبر 2003. وتؤكِّد كوميرشيال أليرت أنه من الخطأ استعمال تكنولوجيَّات الرنين المغناطيسي في التسويق وليس للعلاج، خاصة وإن أيَّ زيادة - ولو طفيفة في فاعليَّة الإعلان على البشر - من الممكن أن تسبِّبَ أمراضًا كثيرة، بل قد تؤدِّي إلى الموت وزيادة معاناة البشريَّة؛ حيث ستكون وسيلة سهلة لدَفْع الناس لشراء منتجات غير صحيَّة قد تنتج عنها زيادة كبيرة في الوزن، أو زيادة شرب الخمور، وأنه لا يريد أن يكون الأطفال فريسة سهلة للإعلانات. وتأييدًا للجانب الأخلاقي في التسويق العصبي، يقول رئيس الجمعية الأمريكية للأخلاقيَّات الطبيَّة والإنسانيَّة جوناثان مورينو(Jonathan Moreno): إنه نوعٌ من تشويه العلاقة الطبيعيَّة في السوق؛ حيث يجب تَرْك مستويات ومساحة كافية ومجالات للمداولة بين البائع والمشتري، وباستخدام أسلوب التسويق العصبي ليس هناك فرصة لذلك. أما المستشار القانوني لمراكز أخلاقيَّات الحريَّة المعْرِفية بدافيس - كاليفورنيا ريتشارد جليه بوار Geleeh Boar، فيقول: إن جنرالات التسويق حاولوا إثارة العقْل الباطن بمنتجاتهم، أما التسويق العصبي، فيبدو أنه اقتربَ جدًّا من استخدام التكنولوجيا؛ لِقَهْر المستهلكين. وإذا كان "جراي راسكين" المدير التنفيذي لمؤسسة كومرشيال أليرت، وجوناثان مورينو رئيس الجمعية الأمريكية للأخلاقيَّات الطبيَّة والإنسانية، وريتشارد جليه بوار المستشار القانوني لمراكز أخلاقيَّات الحريَّة المعرِفيَّة بدافيس بكاليفورنيا - يشنون حملة كبرى ضد التسويق العصبي، فإن جاستين ميو ( asteen Meow) - مدير الأبحاث بأحد أقسام مؤسَّسة برايت هاوس - على النقيض؛ فهو يؤكِّد أنَّ التسويق العصبي يعمل على تلبية الحاجات المرغوبة الحقيقيَّة للمستهلك، وأنه من أفضل أساليب التسويق؛حيث إنَّ الكثير من عمليَّات تحفيز السلوك تحدثُ ولا يُدْرِكها الفرد، والتسويق العصبي يهدِف إلى إعطاء المستهدفين البصيرة الكافية؛ لتحديد الكيفيَّة التي يستطيعون مِن خلالها تطوير علاقتهم بالمنتج، وليس الهدف هو مجرَّد عمليَّة خداع لعقْل الإنسان. فمن غير المعقول أن يتمَّ تنويمُ الإنسان مغناطيسيًّا؛ بهدف دَفْعه للتفكير بالطريقة التي يريدها المروِّجون للسلع والأفكار، لتجد المستهدفين يندفعون دون وَعْي بأجهزة التحكُّم عن بعد - مثل الإنسان الآلي - للحصول على الأفكار أو السلع والْخِدْمات المفروضة عليهم، بصرف النظر عن قَنَاعتهم ورغبتهم الحقيقية. ومن مؤيدي جاستين ميو - مدير الأبحاث بأحد أقسام مؤسسة "برايت هاوس" - أحدُ أساتذة اقتصاد الأعمال في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور كاولين كميرير (Kaolin Cmerer)، ويرى أن استخدام أسلوب التسويق العصبي مجرَّد عمليَّة لدراسة وفَهم سلوك المستهلك المستهدَف، وليس التوقُّع أو التنبُّؤ الأكيد لِما سوف يفعله ذلك المستهدف، ويعرِّف الدكتور "كاولين كميرير" التسويق العصبي بأنه: نوعٌ من الاختبار الإدراكي للمستهدفين، فبدلاً من مجرَّد سؤال المستهدف عمَّا يريد، يلجأ التسويق العصبي بشكلٍ مباشر إلى ما يدور في عقله؛ لكي يتعرَّف على رغباته؛ اختصارًا للوقت والجُهد. وقد أجتهد شخصيًّا لتأييد جانبٍ من هذا الاتجاه، وأشبِّهه بما يفعله الطبيب الذي يريد أن يبدأَ رحلة العلاج مع مريضه؛ بأن يُشْعِره ببعض التحسُّن من المنظور الذي يستطيع أن يدْرِكَه هذا المريض، وهو التحسُّن السريع في صحته، وهذه رغبة المريض، فيقرِّر الطبيب أن يعطيَه الحقنة في الوريد، وليس العضل؛ حتى يحقِّق هدفَ المريض أو رغبته، مع أن الطبيب المعالج رُبَّما كان يفضل غير ذلك؛ لخطورته على المريض في ضوء ظروفه الصحيَّة الخاصة، أو كما يفسِّره البعض الآخر بأن الإنسان يظلُّ مثل الطفل المدلَّل في جميع مراحل عُمره، فيما يتعلق بكيفيَّة حصوله على ما يريد أو يَرْغَب من أفكار وسِلَع وخِدْمات. ومن مركز العلوم العصبيَّة بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، تتَّخِذ الدكتورة "مارثا فرح" ( Martha Fareh)- مديرة المركز - موقفًا مُحايدًا وأكثر واقعيَّة، وتقول: إذا نجحَ العلماء في التعمُّق في أغوار العقل البشري، فهذا يعني أنهم سوف يكونون قادرين على تحديد الميول والرغبات - الاتجاهات - المستقبليَّة للأفراد، ومن ثَمَّ إصدار الأحكام على من سوف يُمكن الاستفادة به في المستقبل، أو مَن سوف يشكِّل خطورة على المصالح الشخصيَّة أو المجتمعيَّة أو العالميَّة؛ لإصدار حُكم الإعدام المستقبلي عليه للوقاية من أخطاره المحتملة أو المتوقَّعة، وليس من خلال أفعالهم، ولكن من خلال المؤشِّرات التي تَمَّ استقبالها من العمليَّات العقليَّة الحاليَّة، والتوقُّعات المستقبليَّة. ولكن الدكتورة "مارثا فرح" تعود وتذكر أنَّ العلماء لَم يستطيعوا حتى الآن أن يكتشفوا أسرار العقل البشري - المخ - أو طريقة عمله بدقَّة، وما زال هذا يمثل عائقًا كبيرًا، ولم يستطيعوا وبمساعدة التكنولوجيا الحديثة إلا التعرُّف على الجزء الذي يستجيب في المخ، وليس على كيفيَّة حدوث الاستجابة لأيِّ مُثيرٍ أو حافز خارجي، وما زال الجزء الآخر غامضًا. وتضيف الدكتورة مارثا فرح: إنه من الصعب الموافقة على أنه يُمكن اللعب في العقل - المخ - أو إجراء عمليَّات تجميل عليه مثل بقية أجزاء الجسم التي نعرف عنها الكثير، بخلاف العقول التي لا نعرف عنه الكثير؛ مما يهدِّد بتوقُّع ردود أفعال، أو ظهور نتائجَ غير متوقَّعة، وفي الغالب سوف يكون بعضها - إن لَم يكنْ أغلبها - مدمِّرًا. وتقول الدكتورة "مارثا فرح": إن الاعتقاد بأنه يُمكن القيام بعمليَّات تجميل المخ، مثلما نقوم بعمليَّات تجميل الأنف،يبدو أنه وهمٌ؛ لأننا نعرف عن أنوفنا أكثر مما نعرفه عن عقولنا بكثير. رابعًا: نظرية اللعبة: لا شكَّ أن الهدف من الدراسات التي يقوم بها العلماء والباحثون هو البحث عن الأسباب التي تجعل البشَر يقومون بسلوك مُعين، وليس ذلك في حَدِّ ذاته مشكلة، ولكن الخطورة تَكْمُن في استخدام النتائج المباشرة أو الجانبية التي سوف يتوصَّلون إليها. وقد أَوْلَى الخبراء الإداريون بصفة عامَّة، وخبراء التسويق الإستراتيجي بصفة خاصة اهتمامًا كبيرًا لكيفيَّة اتخاذ وصناعة القرارات؛ لذلك ابتكروا فرعًا جديدًا من علوم الرياضيات يُسمَّى: "نظرية اللعبة" في محاولة لِكَشْف القواعد الرياضيَّة التي تَستند إليها عمليَّة اتخاذ القرار، ولكن اتَّضَح أنَّ البشر لا يتقيَّدون بهذه القواعد الرياضيَّة. ومن خلال دَمْج نظريَّة اللعبة - السابق الإشارة إليها - وعملية التصوير العقلي أو الدماغي، يعتقد العلماء أنهم قد توصَّلوا إلى الأسباب التي تجعل عملية اتخاذ القرار عقلانيَّة أحيانًا، وعاطفيَّة في أحيانٍ أخرى. لقد نجَحَ العلماء من طريق تصوير الدماغ في توقُّع الخيارات المختلفة لدى القرود، عن طريق نموذج نشاط خليَّة عصبيَّة واحدة، ولكن هل يسمح بتصوير الدماغ لمعرفة خيارات الإنسان عند اتخاذ القرارات؟ وقد أدى التطور في علوم دراسة العقْل وظهور علم "التسويق العصبي" إلى أنَّ الخوف قد بدأ يتسرَّب للكثير من جمعيَّات حماية المستهلك وحقوق الإنسان؛ حيث شعروا أنَّ هناك نيات خبيثة لدى أصحاب الهيئات والمؤسَّسات الإعلاميَّة والقائمين على تسويق الأفكار والْخِدْمات والسِّلَع. إنهم يريدون التسلُّلإلى داخل عقولهم؛ لكي يزرعوا فيه بؤرة تتلقَّى الإشارة منهم؛ لكي يستجيبوا لِمَا يريده أصحاب المصالح، بغضِّ النظر عن رغبات ومُيول الإنسان، إنهم يبحثون عما أطلقوا عليه: "زر الشراء"، إنَّ هذا الاختراع الجديد هو أحدث ما يقدِّمه علماء التسويق العصبي لإدارة أعمال الجهات - الشركات الكبرى - لتسويق المنتج الفكري أو السِّلَعي. خامسًا: علم صناعة واتخاذ القَرار: يعتقد الدكتور ريد مونتاج (Reed Montage) - عالِم الأعصاب من كلية "مايلور" للطب في هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية - أن عمليَّة اتخاذ القرار هي القلب النابض والمحرِّك لجميع الأمور والمجالات، ولا بدَّ أن يأخذ هذا العلم حقَّه من الاهتمام. ولو أنَّ اتخاذ القرار مجرَّد عمليَّة للمفاضَلة بين الأفضل والأسوأ، لكان الأمر سهلاً، ولكن الإدارة لا تهتم بالأسوأ، بل تنطلق من المقارنة بين الأحسن والأفضل، أو الجيد والأجود. ويَعني ذلك أنَّ الإدارة الحديثة في مواجهتها الصريحة للمشكلات لا تستخدم القرارات المخدرة أو المسكِّنة، بل إنها تسعى إلى تركيب أجهزة إنذار مبكرٍ؛ لتساعدَها في احتواء المشكلات قبل نُموِّها. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |