مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عرض كتاب "مباحث المفاضلة في العقيدة" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كراهة الإحرام قبل الميقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          إنه موسمنا الأكبر! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من أخطائنا في عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          أزمة الهوية الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          صدمة غزة وحال الأمة الإسلامية .. نحو استراتيجية جديدة لمواجهة التحديات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          شفاء لما في الصدور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          وليال عشر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          في كل بقعة من أرض الله جراح تنزف ودماء تسيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          فضل الدعاء بعد عصر الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-05-2021, 03:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,105
الدولة : Egypt
افتراضي مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد

مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد


د. محمد ويلالي








اشتملت هذه الدراسة على أربعة مباحث:









المبحث الأول: ظهور المصطلح.



المبحث الثاني: الأدب الإسلامي والأدب العربي.



المبحث الثالث: مصطلحات أخرى:



1- أدب الشعوب الإسلامية.



2- أدب الدعوة الإسلامية.



3- الاتجاه الإسلامي في الأدب.



4- الأدب المسلم.



5- آداب المسلمين.



6- الأدب الديني.



7- أدب العقيدة الإسلامية.



8- الأدب الأخلاقي.



المبحث الرابع:الأدب الموافق للأدب الإسلامي.








مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد





المبحث الأول: ظهور المصطلح:



يَعْتقد كثيرٌ من الدَّارسين أنَّ مصطلح الأدب الإسلامي من المصطلحات التي ابتُدِعَت قبل أربعة عقود تقريبًا؛ سَيْرًا مع صَيْحة المصطلحات التي بزَغَتْ في النِّصف الثَّاني من القرن العشرين، وبَحْثًا عن مكان لهذا الأدب ضِمْن الآداب الأخرى، وهو ما حدا بالدِّراسات الحديثة أن تتعامل معه كأنَّه مولودٌ جديد، ليس له مكان في ذاكرة المسلمين، التي تمتدُّ عبر قرون.







والحقُّ أنَّ هذا المُصطلح - بِغَضِّ النَّظر عن مضمونه الحديث - قد أُطْلِق على أدبِ ما يُعْرَف بـ"عَصْر صَدْر الإسلام"، الَّذي يبدأ مَنْذ البعثة النبوية، ويستمرُّ إلى قيام الدَّولة الأموية، كما أنَّ هذا المصطلح - كمُصْطَلَح "الأدب العربِيِّ" - تردَّد في كتب المُسْتشرقين أواخِر القرن التَّاسع عشر.







ومصطلح "الأدب العربِيِّ" الذي يبدو راسِخَ الجذور، لم يُعلَم له ذِكْر بِدَوْره، إلاَّ في هذه المدَّة الزَّمنية، فليس أحَدُ المصطلَحَيْن بِأَوْلى من الآخَر بالطَّعن من حيث جدَّة استعماله.







يقول المُحَقِّق "عبده زايد" - وهو بِصَدد تَحْدِيد الْمَدى الزَّمنِي للمصطلحَيْن -: "ونَحْن إذا ترَكْنا المعركة المفتعلة بين المصطلحَيْن، ورجَعْنا إلى الوراء نُفَتِّش عن بدايات ظهور "الأدب العربِيِّ"، فإنَّنا سنجد أنَّ هذا المصطلح جديدٌ نسبيًّا؛ فمدى عِلْمي أنَّه ظهر في القرن الميلاديِّ الماضي (التَّاسع عشر) على ألْسِنَة المستشرقين، الَّذين كانوا عاكفين على آداب الشَّرق جَمْعًا وتحقيقًا، ودَرْسًا وتأريخًا، وأن الذين كَتبوا في "تاريخ الأدب العربِيِّ" - تَحْت هذه اللاَّفتة - من العرب، كانوا تابعين لا مُبْتكرين، وأنَّ الكتابات العربيَّة الأُولى في "تاريخ الأدب العربيِّ"، لم تَكُن على أيدي المسلمين، فقد بدَأَها "جُرْجي زيدان" في مجلَّة "الهلال"، بدءًا من العدد التاسع من السنة الثَّانية لِصُدورها، وكان ذلك عام 1894م، فإذا قيل عن مصطلح الأدب الإسلامي: إنه مصطلَحٌ مبتدَع لَم يعرفه أسلافُنا؛ فإنَّ مصطلح "الأدب العربي" مبتدَعٌ، لَم يعرفه أسلافُنا أيضًا[1].







كما أنَّ مُصطلح الأدب الإسلامي يُطْلَق ويُراد به الْحَضارة الإسلاميَّة كَكُل، أيًّا كانت لُغَتُها؛ ولذلك كان يستعمل مقيَّدًا، كمُصطلح: "الأدب العربيِّ الإسلامي"، ومُصْطلح: "الأدب التُّركي الإسلامي"، ومصطلح: "الأدب الإسلامي الفارسي"[2]، ثُم استُعْمِل مصطلح الأدب الإسلامي بِمَفهومه الحالِيِّ المستقرِّ عليه منذ خَمْسين سنة تقريبًا.







فالْمُصطلح في حدِّ ذاته مَشاع ومعروف منذ زمن ليس باليسير، حيث بدأ تبَلْوُر مفهومِه وتشكيل أسُسِه، واستقرَّ أخيرًا على يد الأُدَباء الإسلاميِّين، في النِّصف الثَّاني من القرن الماضي (العشرين)، حيث أُطْلِق لأوَّل مرَّة - بمفهومه الجديد - سنة 1952م على يد "سيِّد قطب" في كُتيبه: "في التاريخ.. فكرة ومنهاج"، وحَدَّدَ تعريفَه الذي رَسَخ عند الدَّارسين بعده، حيث قال: "هو التعبير النَّاشئ عن امْتِلاء النفس البشرية بالمشاعر الإسلامية"[3].







هذا على مستوى الأدب الإسلامي مصطلحًا، أما مضمونًا - وهذا أهمُّ - فقد عُرِف منذ نزول الوحي؛ إذِ القرآن الكريم نَفْسه، وكذا السُّنة النبويَّة، يُعتبَران من أعظم النَّماذج المُجسِّدة لِمُقوِّمات الأدب الإسلامي.







ولو ذهَبْنا نستقصي النُّصوص الواردة في ذلك، لَحَصلنا على ثَرْوة هائلة، وحسْبُنا هنا أن نسوق كلمةً "لأبي عُمَر بن عبدالبَرِّ" يُجْمِل فيها هذا الموقف، قال: "ولا يُنكِر الحسَنَ من الشِّعر أحدٌ مِن أهل العلم، ولا من أولي النُّهى، وليس أحدٌ من كبار الصَّحابة وأهل العلم، وموضِعِ القدوة، إلاَّ وقد قال الشِّعر، أو تَمَثَّل به، أو سمعه فرَضِيَه، ما كان حكمة أو مُباحًا، ولم يكن فيه فُحْش ولا خنًا، ولا لِمُسلم أذًى"[4].







وقد تعاورَتْ كتب الأدب[5] خبَر "عمر بنِ الخطَّاب" - رضي الله عنه - حيث حكم على شاعرٍ جاهليٍّ، هو "زهير بن أبي سُلْمى"[6]، منطَلِقًا من الثوابت الإسلامية التي يجب أن يتسيَّج بِها الشَّاعر النَّاجح؛ فهو يرى أنَّ زُهَيْرًا يتقدَّم على الشُّعراء، بل هو أشعَرُهم؛ لأنَّه كان لا يُعاظل[7] بين الكلام، ولا يتتبع حوشِيَّه[8]، ولا يَمْدح الرَّجل إلاَّ بما فيه).







وهذا حكمٌ يتناول الجانب الفنِّيَّ والمضمونِيَّ على السَّواء؛ فهو شِعْر مألوف، ليس غريبًا ولا معقَّدًا، ولا متراكِبًا، ثم هو شعر صادق، ليس مُتمحّلاً ولا مُزَوَّرًا، وهو مدح ليس للتَّزَلُّف وقضاء المصالِح، وإنَّما هو مدْحٌ للرَّجل بما فيه من أوصافه الحقيقيَّة الواقعية؛ ولذلك لم يُخْفِ "سيِّد قطب" انْبِهارَه بِهذا السَّبْق التاريخيِّ في دُنْيا النَّقْد الأدَبِيِّ الإسلامي عامَّة، والعربي خاصَّة، فقال: "عُدَّ هذا فَلتة سابقة لأوانِها في النَّقْد العربي"[9].







فلْنَقُل مطمئنِّين: إنَّ الأدب الإسلامي في هذه المرحلة المبكِّرة، بدأَتْ تتحدَّد معالِمُه الفنِّية والمَضْمونيَّة، وبدأت تتميَّز خصائصه عن الأدب السَّائد قبل الإسلام، هذه الخصائص، وتلك المَعالِم، وإن لم تكن قد عَرَفت التَّدوين والتبويب، غيْر أنَّها تركَّزَت في الأذهان، وحُفِرَت في القلوب.







ولنا أن نتساءل: إذا كان الأدبُ الإسلامي موجودًا فعلاً في هذه المرحلة والمراحل اللاَّحقة، فلِمَ لَم يَظْهر المصطلحُ بِمَدلوله الخاصِّ، ولم تَذْكُره كتب النَّقد على كثرَتِها، إلاَّ في العقود الأخيرة مِن هذا القرن؟







يُمْكِن إجْمالُ الجواب في النِّقاط الثلاثة الآتية:



أ- إنَّ استقرار مصطلحٍ ما، لا بُدَّ أن تتوافر له شروطُه ودوافعه التي تَجْعل منه هاجِسًا يضغط على النُّقَّاد، وتكون سببًا في ابتكاره، وأهمُّ هذه الشروطِ: وجودُ مصطلحات أخرى منافِسَة أو مُحتكِرة للسَّاحة النَّقْدية والإبداعيَّة، أو وجود تيَّارات أخرى مُعادية، تدفع بالنَّاقد المُسْلِم إلى تسمية الأشياء، ووضع ضوابطِها الجامعة المانعة، وكلُّ هذا لم يكن له وجودٌ آنذَاك، فكان الأدبُ إمَّا جاهليًّا، وإمَّا إسلاميًّا، وكان هذا الأخير طاغيًا مالِكًا على الناس نفوسهم وعقولَهم وألسنتهم.







لقد كان الإسلامُ الهواءَ الطبعيَّ الذي كانوا يتنَفَّسونه، ولم يكن أحدٌ منهم مُحتاجًا إلى أن يؤكِّد إسلاميَّتَه في الأدب، كما لم يكنْ في حاجة إلى أن يؤكِّد إسلاميته في المجالات الأخرى، فقد "كان الأدبُ العربيُّ في عصر النبوَّة والخلافة الرَّاشدة، أدبًا إسلاميًّا في جُمْلته"[10]، أمَّا ما كان منه مُخالفًا للعقيدة، أو مُجافيًا للأخلاق، فقد كان صَوْتُه خافتًا، وأثره ضئيلاً.







وكان الشُّعراء المتماجنون مستَتِرين مقموعين، "فإذا ظَلَّ "الأدب العربيُّ" معروفًا بِهذا الاسم، فلأنَّه انْضَوى في منهجه تَحْت لواء الإسلام - شعْرِه ونثره - وما شذَّ عنه كان مُماثلاً لما شذَّ من أفعال المسلمين وتصرُّفاتِهم، وكان الحكم على الشاذِّ من الأدب، كالحكم على الشاذِّ من الأفعال، فقالوا: هذا شِعْر متهتِّك، أو شعر ماجن، أو شعر فاسق، أو شعرُ زندقة... وهكذا"[11].







لكنَّ نظرةً عَجْلى إلى واقعِنا المعاصر، تُبيِّن أنَّنا في عصر المُصْطلَحات، والتكتُّلات، والدَّعوات والشِّعارات، ولْنَقُل: إنَّنا في عصر "الإعلام الأدَبِيِّ"؛ حيث أصبح الأدبُ لافتةً إعلاميَّة، تَخْدم المذاهب والأيديولوجيات والسِّياسات، وصارت الاتِّجاهات والدعوات تُسمَّى بأسْمائها، واختلط الأمر على الصَّادقين من الأُدَباء والنُّقَّاد والقُرَّاء على السَّواء، وصار القارئ "يضطر أحيانًا لِنَبش أكوام من القشِّ؛ لِيَعثُر على حبَّات من القمح"[12]، فكان لزامًا أن يتميَّز الأدبُ المنشود مضمونًا ومصطلحًا.







ب- إنَّ غياب مصطلحٍ مَا في عصر، وظهوره في عصر لاحقٍ، لا ينقص من قيمة القُدَامى، فكثيرٌ من المصطلحات استُحْدِثَت، ولم تكن معروفةً من قبل، تمامًا كمُفَسِّرينا الكبار، الذين تناولوا آيات الإعجاز العلمي، لم ينقص من قَدْرِهم، ولا حَطَّ من مكانَتِهم أنواعُ التفاسير الحديثة، التي برزَتْ إلى الوجود بفعل تطوُّر العلوم الكونيَّة، التي فُسِّرَت في ضوئها تلك الآياتُ تفسيرًا لَمْ يخطر للقدامى على بال، وهذه سُنَّة الله في الكون، فلَسْنا نُسقط عصرنا ومصطلحاتِنا على عصرٍ لَم يكن فيه داعٍ إلى هذه المصطلحات، وقد مضى معنا قَبْل أنَّ مصطلح "الأدب العربِيِّ" نَفْسه، الذي طبق الآفاق، لَم يكنْ معروفًا قبل قرن تقريبًا، وها نحن أُولاءِ نستعمل مصطلحات نقديَّة، هي وليدة مُحيطنا، قد دعَتْ إليها الضَّرورة، فـ"التَّجربة الشُّعورية"، و"الوحدة العضويَّة"، و"التوتُّر"، و"الموسيقى الداخلية"، و"البِنْيَة السَّطحية"، و"البنية العميقة"، و"الشكل والمضمون"... وغيرها، كلُّها مصطلحات جديدة.







ونظرة سريعة إلى كتاب: "المَنْزع البديع في تَجْنيس أساليب البديع"؛ لأبي محمد القاسم السِّجِلْماسيِّ[13]، وكتاب: "منهاج البُلَغاء وسراج الأدباء"؛ لحازم القرطاجني[14]، تُطْلِعنا على مصطلحات اختصَّت بِهَذين الجهبذين، ولم يُعْرف لَهما سابق في تناوُلِها - فيما أعلم - ولم يَضِر ذلك الأجيالَ قبلهما، ولا غضَّ من قدْرِها؛ لِبُعدها عن التَّنظيرات الأدبيَّة من وجهةٍ فلسفيَّة، عرفت من العمق ما عرفَتْه مع هذين النَّاقدَيْن، بفعل ثقافتهما من جهة، وبفعل مُحيطهما الدَّافع إلى هذا النَّوع من النَّقد من جهةٍ ثانية.







فلم تكن الحاجة - إذًا - تدعو إلى تصنيف الآداب، والتأريخ لَها، ووَضْع الجُدُر بينها، فضلاً عن أن النَّاقد نفسه، لم يكن - غالبًا - منصرِفًا إلى النَّقد وحده، فقد يكون فقيهًا، أو أصوليًّا، أو قاضيًا، أو عالِمًا رياضيًّا، أو فلَكِيًّا، ورُبَّما جَمع بين هذه العلوم كُلِّها أو بعضها، ولم تكنْ نظرة المجتمع تزري بالنَّاقد الفقيه أو العالِم، كما هي الحال في عَصْرنا، الذي صار يحكم على مَن كان كذلك، بأنَّه مُجرَّد فقيه، وتوصَفُ إنتاجاتُه الإبداعية بالمرجعية الدينيَّة.







من هذا المنطلق، لم يَجِد القدامى سببًا مُلِحًّا للتَّسمية، "ولم يكنْ مُهمًّا عند المسلمين في جَميع عصورهم السَّالفة، التي ظلُّوا يَحْتكمون فيها لِشَريعة الله، أن يُطْلِقوا على أدَبِهم اسْمَ الإسلام؛ لأنَّ ذلك أمْرٌ طبيعي، ولا يمكن أن يكون غيره، فحياتُهم لا تعرف غير الإسلام؛ لذا، فإنَّ إطلاق المصطلح آنذاك، تخصيصٌ لا ضرورة له"[15].







ج - لم تكن هناك حاجةٌ إلى دراسة أدب الشُّعوب الإسلاميَّة الأخرى، حتَّى توضع مقارنةٌ بينها وبين الأدب العربي، وإنَّما كان الاهتمامُ مُنْصَبًّا على اللُّغة القوميَّة السائدة، وهذا ليس على مستوى "الأدب العربِيِّ" فحَسْب، ولكنَّه سِمَة معروفة في الآداب العالميَّة كلها.







المبحث الثاني: الأدب الإسلامي والأدب العربي:



يتَّضح من إطلاق مصطلح "الأدب العربِيِّ" أنَّه الأدب المكتوب باللُّغة العربيَّة، أو الأدب الذي ينتمي إلى العرب، وإن تكلَّموا بلغة أخرى.







غير أنَّ المعنى الأخير استُبْعِد؛ لأنَّه وليدُ ظروف خاصَّة، جعَلَت من العرب الذين استقرُّوا في بلدان غَيْر عربيَّة، يتكيَّفون مع لغاتِ هذه البلدان، ولم يَبْقَ لَهم من عروبتهم إلاَّ الأصل والنَّسَب، أمَّا المعنَى الأوَّل فهو الشَّائع المعروف عند النُّقَّاد.







ولأوَّل وَهْلة، تتبدَّى لنا النَّزعة القوميَّة في طيَّات هذا المصطلح، في زمنٍ ضَعُف فيه تأثير الإسلام، وانتصرت النَّعرات والتحزُّبات والعرقيَّات، وصار الانتماء إلى العروبة - عند البعض - أولى مِن الانتماء إلى الإسلام.







ومصطلح الأدب العربي يُخْفي وراءه أنواعَ الْمَضامين، ويَعْتمد اللُّغة أساسًا، فهو لا يهمُّه أن يكونَ أدبًا أخلاقيًّا أو غيْرَ أخلاقي، وهو ما لا يَصدُق على أُمَّة ارتضَتْ أن يَجْمعها رباط الأخوَّة، ووشائِجُ المَحبَّة، وأذابت ثُلوج العصبيَّات، ونعرات الانتماءات والحزبيَّات، وجعلت العزَّة لكلمة الحقِّ والصِّدْق.







ولا شكَّ أن هذا النَّوع من التَّفرقة والتمزُّق كان من آثار بعض المستشرقين، الذين تعمَّدوا أن يكون أدبُنا قومِيًّا؛ لأنَّ المرحلة التي شُغلوا فيها بأدبنا "كانت مرحلة ازدهار القوميَّات في أوربا، وهي مرحلةٌ تَمايزَتْ فيها العناصر والأجناس، وتباعدَتْ واصْطَرعت، فكان من الطَّبعيِّ أن يَنْظر المستشرقون إلينا من خلال الرُّؤية القوميَّة، فيتعاملوا معنا، بِوَصْفِنا قوميَّات متعدِّدة، بِلُغات مُخْتلفة، لا باعتبارنا أمَّة واحدة"[16]، فضلاً عن أنَّهم "كانوا مَحْكومين كذلك بِرَغْبتهم الحميمة، في ألاَّ تكون هناك حضارة إسلاميَّة واحدة، بدين واحد، ولغة واحدة مهيمِنة"[17].







نعم، إنَّ الأدب العربي سابقٌ على الأدب الإسلامي، ومَحْضِن له، "لكنَّه ليس مَحْضِنَه الأوحد؛ فعندما انتشر الإسلامُ خارج الأقطار العربيَّة، ودخلَتْ فيه شعوبٌ أخرى، وتأثَّرَت به آدابُها، نبتَتْ لِهذا الأدب أجنحة جديدة، أعطَتْه بُعْدًا إنسانيًّا عالَميًّا"[18]، فعرفَتِ الإنسانية لأوَّل مرة، "الأدب الفارسيَّ الإسلامي"، و"الأدب التُّركي الإسلامي"، و"الأدب الأَزْدي الإسلامي"[19].







أصبح الأدب العربي - إذًا - رافدًا من روافِد الأدب الإسلامي، وجُزْءًا من أجزائه، وبَقِيَت العلاقة الحميميَّة مستمرَّة بينهما، كيف لا، واللغة العربية هي لغة القرآن وسرُّ الإعجاز؟! ومِن ثَمَّ، ما كان للأدب الإسلامي أن يُزاحِمَ الأدب العربي، أو أن يُلغيه، بل جَعل له الحيِّز الأكبر، ضمن مساحته العالَميَّة، وإنَّما ألغى منه ما يُنافي الأخلاق، ويشجِّع على المُنْكَرات والرَّذائل، ويَنال من الأعراض، ويَدْعو إلى العصبيَّات، وهذا قليلٌ - نسبيًّا - إذا ما قورن بِمَجموع الخَيْر الذي في الأدب العربي، "فأدَبُ الأُمَّة يَصْلح بِمَجموعه أن يكون أدبًا إسلاميًّا، إذا حذَفْنا منه النُّصوص الَّتِي لا تَتَّفِق مع ما يسمح به الإسلام، وهذه النُّصوص التي ينبغي ألاَّ تدخل تَحْت عنوان الأدب الإسلامي، لا تُمثِّل من أدب المسلمين إلاَّ النسبة الأقلَّ"[20].







ويُمْكن أن نستعين على هذا المعْنَى بالرَّسم البيانِيِّ الآتي:













الأدب العربي الأدب الإسلامي



لقد جعل الأدبُ الإسلاميُّ مِنَ الأدب العربِيِّ مادته الأولى، فأقر ما فيه مِن الجوانب المشرقة، وهذبه من الساقط والسفساف، وزاد عليه أغراضًا أخرى، وفسح أمامه المجال للتحليق؛ فالعلاقة علاقة استمرار مع التشذيب والتهذيب، لا علاقة إقصاء وقطيعة.







ومِن ثَمَّ، فإنَّ الأدب الإسلامي في حقيقة الأمر، ليس بِدعًا في التاريخ، وإنَّما هو أغصان لِجُذور عربية، تمدُّه بالنَّسْغ الفنِّي، والإسلامُ يُضْفي عليه السَّمْت الأخلاقي، فلا غَرْوَ أن يتكلَّم الصحابةُ في شِعْر الجاهليِّين، ويتذاكَرُوه، بل ويَتناشدوه؛ لِيَقبلوا منه ما وافق الإسلام، ويَرُدُّوا ما خالفه.







وهذا الرَّسول القُدْوة، يتمتَّع بشِعْر جاهلي، ويرتاح له، بل ويُعَقِّب عليه بِحُكم نقدي، يدلُّ على اطمئنانه له، ورضاه به، والتَّشجيع عليه! فعَن عمرو بن الشَّريد عن أبيه قال: رَدِفْتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا، فقال: ((هل معك من شِعْر أميَّة بن أبي الصَّلت[21] شيء؟))، قلتُ: نعَم، قال: ((هِيه))[22]، فأنشدتُه بيتًا، فقال: ((هيه))، ثم أنشدتُه بيتًا، فقال: ((هيه))، حتَّى أنشدتُه مائة بيت، وفي رواية زاد: ((إنْ كاد لَيُسْلِم))[23].







قال النَّوويُّ معلِّقًا على الحديث: "فيه جواز إنشاد الشِّعر الذي لا فُحْش فيه، وسَماعه، سواءٌ شعر الجاهليَّة وغيْرهم"[24].







وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أصدَقُ كلمة قالَها شاعر، كلمة لَبِيد[25]:



أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله َبَاطِلُ







وكاد أُميَّة بنُ أبي الصَّلْت أن يُسْلِم))[26].







وفي "صحيح البخاري"[27]: قال ابن عُيَينة عن خلف بن حوشب: "كانوا يستحبُّون أن يتمثَّلوا بهذه الأبيات عند الفِتَن، قال امرؤ القيس[28]: [الكامل]





اَلْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً

تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ




حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا

وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ




شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرتْ

مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ












وكان خلف[29] يقول: "ينبغي للنَّاس أن يتعلَّموا هذه الأبيات في الفتنة"[30]، والنُّصوص في هذا المَجال وفيرة.







فكيف يُزعَم بعد هذا، أنَّ الأدب الإسلاميَّ إنَّما قَصْدُه مَحْوُ الأدب العربي، وإزالة تاريخٍ عريقٍ من فنِّ القول؟








إنَّ استحداث المُصطلح، لا يغيِّر مِن واقع الأدب العربِيِّ شيئًا، ولا يُسيء إليه.







نعَم، قد يتقَلَّص استعمال هذا المصطلح بعض الشيء، أمام المصطلح الجديد؛ لِعُموم هذا الأخير، وخصوص الأوَّل؛ ليُفسَح المَجالُ أمام التَّقسيم الحقيقيِّ للأدب، الذي يُقترح ألاَّ يَخْرج عن قسمين: "الأدب الإسلامي"، و"الأدب غير الإسلامي"، وهو تقسيم واقع، لا يفرضه مُجرَّد الإتيان بمصطلح جديد.







والآية السابقة من سورة الشُّعراء أكَّدَت هذا التَّقسيم: فالشُّعراء إمَّا غواة غُلاة، يقولون ما لا يفعلون، وفي كل وادٍ يَهِيمون، وهؤلاء يُمَثِّلون قسم "الشِّعر غير الإسلامي"، وإمَّا مؤمنون مُجاهدون صادقون، مستحضرون لقيمة الكلمة وخُطورتها، وهؤلاء يُمَثِّلون قسم "الشِّعر الإسلامي"، وهو تقسيم لا يَعْترف بالمراحل الزَّمنية، ولا بالفترات السِّياسيَّة.







وما دَأَب عليه المستشرقون مِن تقسيم "تاريخ الأدب" إلى: جاهليٍّ، وإسلامي، وأُمَوي، وعبَّاسي، وعثماني… فهو تقسيمُ مرحلة، وليس تقسيمَ حالةٍ، وهو تقسيمٌ خاضع للتقلُّبات السِّياسيَّة، لم يضَعْ في الاعتبار معيار الأخلاق والعقيدة والمبادئ.






يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-05-2021, 03:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,105
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد

مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد


د. محمد ويلالي



إنَّ غياب هذا المعيار المضمونِي جعَل مِن مِثْل قول "بدوي الجبل": [البسيط]
نُشَارِكُ اللهَ - جَلَّ اللهُ - قُدْرَتَهُ
وَلاَ نَضِيق بِهَا خَلْقًا وَإِتْقَانَا

وَأَيْنَ إِنْسَانُهُ الْمَصْنُوعُ مِنْ حَمَأٍ
مِمَّنْ خَلَقْنَاهُ أَطْيَابًا وَأَلْحَانَا

وَلَوْ جَلاَ حُسْنَهُ إِنْسَانُ قُدْرَتِنَا
لَوَدَّ جِبْرِيلُ لَوْ صُغْنَاهُ إِنْسَانَا

يَفْنَى الْجَمِيعُ وَيَبْقَى اللهُ مُنْفَرِدًا
فَلاَ أَنِيسَ لِنُورِ اللهِ لَوْلاَنَا

لَنَا كِلَيْنَا بَقَاءٌ لاَ انْتِهَاءَ لَهُ
وَسَوْفَ يَشْكُو الْخُلُودَ الْمُرَّ أَبْقَانَا [31]



"أدبًا عربيًّا"؛ لِيُضفَى عليه لباسٌ من الشَّرعية، خاصَّة حينما تتدخَّل يدُ النقد الفنِّي، فتُبْرز جَماليَّتَه، وحُسْن صياغته، وكثرة مائه.. مِمَّا يُدْخِله في دائرة "الفنِّ الرَّفيع".

لكن، أين مضمونُه من حياة المسلمين، وعقيدتِهم، ومبادئهم؟ أليس هذا القول مُنافيًا لِهَذه العقيدة، هادمًا للأخلاق، باعثًا على التمرُّد على الخالق، والاستهزاء بِقُدرته، والدَّعوة إلى الإشراك به؟! إنَّ مِثْلَ هذا الكلام حَرِيٌّ أن يُلْقى بعيدًا عن المسلمين، وواقعِهم، وحياتِهم، وحَرِيٌّ أن يُصَنَّف في دائرة "الشِّعر غير الإسلامي"، الذي يقوم بينه وبين جَمالية الأدب ونُبْلِه وطهارته وسُموِّه جدارٌ سَميك.

ويُمكنُ التعبير عن ذلك مِن خلال الرَّسم البياني الآتي:





المبحث الثالث: مصطلحات أخرى:
وهناك من النُّقَّاد الإسلاميِّين مَن اقترح بدائِلَ أخرى لِهذا المصطلح، يَحْسن طرحها، وتناولُها بالمناقشة - على سبيل الإيجاز - وهي:
1- أدب الشُّعوب الإسلامية:
وهو مصطلح غير جامع؛ لأنَّ مِن أدباء هذه الشُّعوب مَن بعد عن الحقِّ، ووُسِم بفساد الفِطْرة، فراح يُضمِّن أدبه المستهْجَن والرَّذيل، مِمَّا لا يُعد من صميم الأدب الإسلاميِّ، ولا يُحَقِّق المقصود من الأدب الذي نطمح إليه، ويُمْكن التعبير عن ذلك بالتَّرسيمة الآتية:


2- أدب الدعوة الإسلامية:
بين "أدب الدَّعوة الإسلامية" و"الأدب الإسلاميِّ" عمومٌ وخصوص؛ فالثَّاني أعمُّ من الأول، من حيثُ إنَّ الأول يُمَثِّل النتيجة النِّهائية التي يتوخَّاها الثَّانِي، غير أنَّها نتيجة تزاحمها الْمَقاصد النفْعيَّة والجماليَّة؛ إذِ الأدب فنٌّ ومُتْعة، قبل أن يكون دَعْوة؛ فالوصف المُجرَّد لِمَنظر ساحر من مناظر الطَّبيعة، لا يُمْكن أن نَدْخله في مَجال الدَّعوة الإسلامية، غيْرَ أنَّنا لا نَمْلك إخراجه من دائرة الأدب الإسلامي ما دام مُحايِدًا، لا يَحْمل بين طيَّاته ما يُعارض الدِّين، مع أنَّ هذا مَقصد من مقاصد الشَّرع أيضًا، وهو التأمُّل في الكون، واستِكْناه القُدْرة الإلَهيَّة في الْخَلْق، وما أودعه الله في هذه الطَّبيعة من أسرار وجَمال تَحْكي جَمال الخالق وقُدْرته، وبديع صنعته، وإتقان خَلْقِه، مِمَّا قد يتنبَّه إليه الفنَّان، عبْرَ تناوُلِه بالتعبير الأدبِيِّ الجميل.

وهذا ما حدا بالشَّيخ "حبنكة الميدانِيِّ" أن يعتبر "أدب الدَّعوة الإسلاميَّة"، أحد الجُزْءين المكوِّنَيْن "للأدب الإسلامي"، يقول: "ثم إذ نظرتُ إلى المضمون الفكريِّ للنصِّ، فرأيتُه يشتمل على دعوة إلى قضية إيمانيَّة، أو التزامٍ بمنهج إسلامي، فإنَّنِي حينئذٍ أراه ينتمي إلى الدَّعوة، فأَنْسبه إليها، فأقول: هذا من "أدَبِ الدَّعوة"، ولو لم يكن صاحِبُه من أهلها، و"أدب الدعوة" نوعٌ من الأدب الإسلامي... والأدب الإسلاميُّ نوعان: أدب إسلامي عامٌّ وأدب دعوة"[32].

وتُمثِّل الترسيمة الآتية، العمومَ والخصوص بين المصطلحَيْن:


3- الاتِّجاه الإسلامي في الأدب:
إن كلمة "اتِّجاه" تفيد نوعًا من الأدب يُمْكن أن يَظْهر في وقت، ويَخْتفي في وقت آخَر، كما يُمْكِن أن يظهر عند أديب، ويَخْتفي عند آخَر، فهو مصطلحٌ "يُهَوِّن من شأن الأدب الإسلامي، كأنَّ الإسلام الذي أوجدَ الأُمَّة الإسلامية ومَيَّزَها.. لم يُوجِد في هذه الأُمَّة ما يتجاوز الاتِّجاه الأدَبِيَّ؛ ليكونَ أدبًا إسلاميًّا بِمَفهومه المتميِّز، وسِمَاته الخاصَّة به"[33].

غير أنه يُمْكن اتِّخاذه معيارًا للحكم على أديبٍ ما، متعدِّد الاتِّجاهات، بأنَّه قد انتهج في هذه القصيدة أو تلك اتِّجاهًا إسلاميًّا.

وذهب د. محمد عادل الهاشمي إلى التَّمييز بين نوعَيْن من الأدب: الأدب الإسلاميِّ، وهو المنبَثِق من التصوُّر الإسلامي، و"الاتِّجاه الإسلامي في الأدب"، وهو "دون الأدب الإسلامي مَنْزلة، إنَّه يعني اتِّجاه الأدب إلى الإسلام في موضوعه أو شخصيَّاته وإشاراته، دون بلوغه مَنْزلةَ التعبير الفنِّي عن حقائق التصوُّر الإسلاميِّ وقيمه"[34].

ويلاحَظُ من إطلاق المصطلح أنَّه غير جامعٍ للمقصود بالأدب المنشود، ولا يُراعي حالة الأديب الذي يمكن أن يكون إسلاميًّا وغير إسلامي.

4 - الأدب المسلم:
ومِنَ الذين أثاروا هذا المصطلح وانتصروا له: د.محمد أحمد العَزَب، وهو يَعْني عنده: "الأدب الذي يصدر عن مسلم"، ومناط هذا الحذَر "أن مشكلة الأدب الإسلامي، تتلخَّص في أنه - لِرَحَابة الإسلام وشُموله - يدخل فيه ذلك النَّوع من الأدب الذي يلتقي مع التصوُّر الإسلامي، وإن كان قائله غيْرَ مسلم؛ إذْ لا أستطيع أن أقول: إنَّ هذه المقولة ليستْ إسلاميَّة؛ لِمُجرَّد صدورها عن فنَّان غير مسلم، خاصَّة إذا كانت لا تشكِّل أيَّ تَحدٍّ من أيِّ لون لأيِّ قيمة إسلاميَّة، وأتصوَّر أنه - تَخلُّصًا من هذا الإشكال - لا بدَّ أن يُغيَّر المصطلح إلى "الأدب المسلم"[35].

وهذا الرأي غير مُسَلَّم؛ لأنَّ مصطلح "الأدب المسلم"، يُدخِل أدب أيِّ مسلم، وإن كان لا يحمل من الإسلام إلاَّ الاسم، على أنَّ إطلاق كلمة "إسلامي"، تَجْعل الارتباط بالإسلام ارتباطًا عضويًّا متينًا، لا مجرَّد ارتباط هويَّة، كما هي الحال في كلمة "الْمُسلم"، بل إنَّ د. عبدالقدُّوس أبو صالح يذهب إلى أبعدَ مِن هذا، فيُعْلن ثورته ضدَّ مصطلح "الأدب المسلم"، ويعتبره مؤدِّيًا "إلى نَسْف الدَّعوة إلى الأدب الإسلاميِّ نظريةً متكاملة، أو مذهبًا أدبيًّا، يقف أمام المذاهب الأدبية العالَميَّة، القائمة على تصوُّر غير إسلامي"[36].

وفي هذه الحالة، سيكون الأدب المسلم، شاملاً للأدب الإسلاميِّ وغيره:


5- الأدب الدِّينِي:
ويَقْصِد به أصحابُه الأدبَ الذي ينتمي إلى الدِّين، وهذه حقيقة تاريخيَّة؛ فكلُّ الآداب القديمة والحديثة، نشأَتْ مرتبطة بالدِّين والمعتقَد ارتباطًا عضويًّا - كما سلَفَ معنا[37]، والأدب الإسلامي هو أدَبٌ ديني قبل كلِّ شيء، لكن لا يقتصر على ذِكْر الدِّين وتَمْجيده، بل يُحَلِّق بعيدًا في أجواء الفنِّ الذي يَجْعل منه أدبًا أوَّلاً، يتوافر على الشُّروط الفنِّية التي تسمح له بالتعبير عن الموضوعات الدينية الصِّرف، وعن غيرها من الموضوعات المتعلِّقة بهذا الكَوْن الفسيح.

فالحديثُ عن القضايا الدِّينية، هو جزء مِمَّا تتوخَّاه "نظرية الأدب الإسلاميِّ"؛ ذلك "أنَّ الأدب الإسلامي يجب أن ينغرس في هُموم الواقع الذي يَحْياه المسلمون، على المستوى الفرديِّ والجماعي والعالَمي، ويُمكن أن يكونَ موضوعه أيَّ موضوع، في أيِّ جانب من جوانب الحياة البشرية، وكذلك الكون كله؛ بِسَمائه وأرضه وآفاقِه، وبعالَمَيْه: الغيب والشهادة، كل ذلك مِمَّا يجب على الأدب الإسلامي أن يضرب فيه بسهم"[38]، بالأداة الفنِّية الرائقة، والأسلوب الجمالي المؤثِّر.

مِن هنا يبدو أن "الأدب الدِّينِي" جزءٌ مِن الأدب الإسلاميِّ، وأنَّه بِهَذه الصِّفة لا يستطيع أن يَرْقى للوقوف إلى جانِب المصطلحات الأدبية الأخرى.

وترسيمته كالآتي:


6- أدب العقيدة الإسلامية:
يتميَّز الأدب الإسلامي عن أدب "العقيدة الإسلاميَّة" بأنَّه - وإن نشأ في أحضانِها - أعمُّ منها؛ إذْ لا يقتصر على ذِكْرها وتَمْجيدها، وإنَّما يشمل ذلك وغيره.

7- الأدب الأخلاقي:
صحيحٌ أنَّ الأدب المنشود، أدب مُسيَّج بسياج الأخلاق، موسوم بالعفَّة والسُّموِّ، غير أنَّ المتبادر إلى الذِّهن عند إطلاق هذا المصطلح تَخْصيصُ هذا الأدب بالأخلاق والمواعظ، والإرشاد والتَّوجيه فقط، وهو أيضًا تَحْنيط "للأدب الإسلاميِّ"، وتَهْوين من شأنه، وقد يكون ذلك اتِّهامًا له بأنَّه غيْرُ قادرٍ على أن يكون بديلاً للمذاهب السَّائدة، فهو - فقط - أدبٌ وعْظي، تعليميٌّ، تقريري، وقد سبق معَنا أنَّ الأدب الإسلامي أوْسَع من أن يقتصر على جانبٍ دون جانب، ومِن ثَمَّ تكون علاقة "الأدب الأخلاقي" بالأدب الإسلامي علاقةَ جزءٍ بِكُلٍّ.



وهكذا نُلاحِظ ضَعْف هذه المُصْطلحات، وقصورها عن التَّدليل على المقصود مِن هذا الأدب عند دُعاته، مِن أنه "التعبير الفنِّي الهادفُ عن الحياة والكون والإنسان، وَفْق التصوُّر الإسلامي"[39]، ولا يُصَدِّق هذا التعريفَ إلاَّ مصطلحُ الأدب الإسلامي الذي مِن الحقِّ أن نقول: إنَّه سارت به الرُّكْبان، وشغَل مساحةً زمنيَّة ومكانيَّة كفَلَت له أن يستقرَّ، وأن يأخذ مكانَه بين الآداب الأخرى، فقد تناولَتْه الأقلام العديدة بالدَّرْس والبحث، وتبنَّتْه "رابطةُ الأدب الإسلامي"، وأُقِيمتْ له النَّدوات والمُؤْتَمرات على مستوى عالَمي[40]، كما جُعل المصطلح عنوانًا لِكُتب عديدة، انتشرَتْ في كلِّ مكان، كسلسلة: "دراسات في الأدب الإسلامي ونَقْدِه"، والتي منها كتاب: "مقدِّمة لنظريَّة الأدب الإسلامي" لعبدالباسط بدر، وكتاب: "من قضايا الأدب الإسلامي" لصالح آدم بيلو، وكتاب: "مقدِّمة في دراسة الأدب الإسلامي"؛ للدكتور مصطفى عليان، واشتهر كتاب: "دراسات في الأدب الإسلامي"؛ لمحمد خلف الله أحمد، وكتاب: "دراسات في الأدب الإسلامي"؛ لسامي مكي العاني، وكتاب: "الأدب الإسلامي، قضية وبِنَاء"؛ للدكتور سعد أبو الرِّضا، وكتاب: "الأدب الإسلامي وصلته بالحياة"؛ لِمُحمد رابع الندوي، أضف إلى ذلك كتب د. عماد الدين خليل ونجيب الكيلاني، ومحمد قطب وعدنان علي رضا النَّحْوي.. مِمَّا لو ذهَبْنا إلى استقصائه، لاَحْتَجنا إلى وقت غَيْر يسير.

فإذا أضَفْنا إلى ذلك عشرات الدَّواوين الشِّعرية، التي تَصْدُر تحت هذا المصطلح، ومئات المقالات المبثوثة في كثيرٍ من المجلاَّت المعروفة، ومئات المحاضرات واللِّقاءات، وعشرات النَّدوات التي تُعْقَد هنا وهناك، تبين الحجم الحقيقي الذي صار الأدب الإسلامي يشغله، وأنَّه قد التمَس طريقه السليم، وأنَّ سبيله إلى ازدهار وكمال، "فقد آن الأوان للأدباء والنقَّاد الإسلاميِّين أن يأخذوا جَميعًا بِهذا المصطلح، الذي غلب على المصطلحات الأخرى، وكان أكثر إحكامًا ودقَّة منها"[41].


المبحث الرابع: الأدب الموافق للأدب الإسلامي:
وهنا تثور قضيَّة أخرى لَها علاقة بالْمُصطلح، لا بُدَّ من مُحاولة تحقيق القول فيها، على أنَّ هذا التحقيق لا يَقْضي بالحَسْم النِّهائي، ولا القضاء المُبْرم على الخلاف الحاصل فيها؛ إذِ القضية شائكة، والنُّقاد الإسلاميُّون ما زالوا في خلافٍ حولَها، منذ بزوغ صحوة هذا الأدب.

يتعلَّق الأمر بالحكم على أدب غَيْر المسلمين، أو أدب بعض المسلمين الذين غلب عليهم المُجون والتهتُّك والاستخفاف بالمقدَّسات الدِّينية، إذا كان أدَبُهم هذا موافِقًا للتصوُّر الإسلامي، فهل نعدُّه من جُمْلة الأدب الإسلامي، أم له مكان آخَر أولى به؟ ومن ثَمَّ، فهل معيارنا في الحكم يَنْصبُّ على دين الأديب، أم على مضمون أدَبِه فقط، أم عليهما معًا؟

ولْنَبدأ بذِكْر مواقف بعض أبرز النُّقاد المعاصِرين:
1- ذهب فريقٌ من الدَّارسين إلى التوسُّع، واعتبار كلِّ أدب وافق التصوُّر الإسلامي أدبًا إسلاميًّا، اعتمادًا على المَضْمون، وإِهْمالاً لصاحب النص، وعلى رأس هؤلاء: "محمد قطب" في كتابه: "منهج الفنِّ الإسلامي"، والدكتور: "إبراهيم عَوَضين"في كتابه "مدخل إسلامي لدراسة الأدب العربي المعاصر"، والشيخ "حبنكة الميداني" في كتابه: "مبادئ في الأدب والدعوة".

وحُجَّة هذا الفريق أنَّ الإسلام دين الفطرة الإنسانية، وإذا صدر أدَبٌ عن فطرة سويَّة، اعتُبِر إسلاميًّا.

فعبدالرحمن حبنكة الميداني، يرى أن النَّص بِمَنأًى عن صاحبه، مستقلٌّ بـ"الإسلاميَّة" وعدَمِهما، فإذا كان الأديب غير مُسْلم، وأشرقَتْ نفسه إيمانًا في لَحْظة معيَّنة، فقال قولاً موازِيًا للمبادئ الإسلامية، عُدَّ هذا القول أدبًا إسلاميًّا، ورُبَّما كان من صميم الدَّعوة[42]، ويستدلُّ على ذلك، بأنَّ المتكلِّم لا يُمْكِن أن يُحكَم له بإيمان ولا كفر من خلال قولٍ قاله؛ لاحْتمال أن يستقرَّ على خلافه، يقول: "والْحُكم على القائل بالإيمان أو بالكفر، من خلال مقولة واحدة، أو عدَّة مقولات قالَها في بعض موجات حياته لا يصحُّ؛ لاحْتمال أن يكون الواقع الذي استقرَّ عليه منافِيًا لِهَذه المقولات، وهذا أمر يَحْتاج - بشريًّا - إلى مَجْلس قضاء، والله عليم بما في القلوب"[43].

ويقول في مكان آخَر: "ثُم إذا نظرتُ إلى المضمون الفِكْري للنَّص، فرأيته يَشْتمل على دعوة إلى قضيَّة إيمانيَّة، أو التزام بِمَنهج إسلامي، فإنَّنِي حينئذٍ أراه ينتمي إلى الدَّعوة فأنسبه إليها، فأقول: هذا من أدب الدَّعوة، ولو لم يكن صاحبه من أهلها"[44].

ويذهب أيضًا - من باب المعادلة المنطقيَّة - إلى أن الأدب، إذا كان مصادِمًا للتوجُّه الإسلامي، ولو كان صاحبه مسلمًا فهو غير إسلامي[45].

أمَّا إذا كان عندنا نصٌّ، اختلط فيه الحقُّ بالباطل، والخير بالشَّر، فهو عنده "بِجُملته نصٌّ غير إسلامي؛ لأنَّ الإسلام لا يَقْبل جُملة مفاهيم أو أقوال أو آراء، اختلط فيها الحقُّ بالباطل، والشرُّ بالخير"[46]، وأمَّا القسم الإسلامي منه، فيُقال في حقِّه: "كلمة خَيْر وحقٍّ، صدرت على لسان كافر أو شيطان"، واحتجَّ بِمِثْل قول النَّبِي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأبي هريرة: ((صدَقَك وهو كذوب))[47].

وقد ذَهَب "محمد قطب" إلى التَّدليل عمَلِيًّا على هذا الرأي، حين استشهد في كتابه: "منهج الفنِّ الإسلامي" بنماذج "لطاغور" الهندي[48]، و"سينج" الأيرلاندي، وكلاهما غير مُسْلم: فالأوَّل بوذي، والثاني كاثوليكي.

وأكَّد ذلك الدكتور: "عماد الدِّين خليل" في كتابه: "مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي"، فقال: "ويُمْكن أن نضيفَ إلى ما ذَكَره "محمد قطب"، أن مُحاولة كهذه سوف تزيد من رصيد الأدب الإسلامي، وتُغْنِيه بالمعطيات الخصبة، وتضع قبالة الأدباء الإسلاميِّين نَماذج متقدِّمة على مستوى "التقنية" بوجه خاصٍّ، يمكن أن يَحْذو حذْوَها، وأن تعينهم على رفع وتائر مُعطياتِهم الإبداعيَّة، وجعلها أكثر نُضْجًا واكتمالاً، ومن خلال هذا الإغراء، وجدتُنِي أخوض التَّجربة نفْسَها، التي خاضها مِن قبلي "محمد قطب"، فأَختارُ مسرحية الكاتب الإسباني المعروف: "أليخاندرو كاسونا": "مركب بلا صيَّاد"، لأضَعها في صفِّ الأدب الإسلامي، وأكتب عنها بَحْثًا نقديًّا بعنوان: "القِيَم الإيمانية في مسرحية: مركب بلا صياد"[49].

ثم يزيد الأمر تأكيدًا وبيانًا، فيقول: "وبعد عشر سنوات أعدْتُ الكَرَّة في كتاب: "مُحاولات جديدة في النَّقد الإسلامي"، فاخترت في فصْلِه الأول المُعَنْون "بالشِّعر العربي والرُّؤية الإسلامية الجديدة" نَماذج شعريَّة، لشاعر أبْعَدَ ما يكون عن الإسلام سلوكًا، إن لم نَقُل تصوُّرًا.. بل إنَّه ليُضرب به وبشِعْره المثل على مُجافاة الإسلام، والإبْحار ضدَّ قِيَمِه وتصوُّراتِه وأعرافه؛ ذلك هو: "أبو نُوَاس"[50].. السِّكير، العِرْبيد، الضَّائع بين زقوق الخمر، في أزقَّة بغداد"[51]، ثُمَّ يستدلُّ على ذلك بالحديث النبويُّ: ((الحكمةُ ضالَّة المؤمن، أنَّى وجَدَها، فهو أحقُّ بها))[52]، وكذا بتقويمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لقصائِدَ قالَها شُعراء "ما كانتْ قصائِدُهم إلاَّ حربًا على الإسلام، وتعزيزًا لِمَواقع خصومه"[53].

2- وذهب فريقٌ آخَر إلى تضييق دائرة المصطلح، والاحتياط في نسبة كلمة "إسلام" إلى أدبٍ قد يكون صاحبُه كافرًا، أو زنديقًا، أو مشركًا، أو ماجنًا ساقطًا.. ومِن أكبر أنصار هذا الرَّأي:
أ- "محمد حسن بريغش"، الذي خطَّأَ مَنْ نسب إلى "محمد قطب" إدخالَه أدبَ غيْرِ المسلمين في مسمَّى الأدب الإسلامي، واستدلَّ على ذلك بقول "محمد قطب" نفسه: "والفنُّ الإسلامي - مِن ثَمَّ - ينبغي أن يصدر عن فنَّان مُسْلم، وهو في الوقت ذاته إنسان يتلقَّى الحياة كلَّها من خلال التصوُّر الإسلامي، وينفعل بها، ويُعانيها من خلال هذا التصوُّر، ثم يقصُّ علينا هذه التَّجربة الخاصَّة التي عاناها في صورة جَميلة موحِيَة"[54]، ثم قال - أيْ: "محمد بريغش" -: "وربَّما كان بعضُهم قد التبَس عليه الأمر مِن بعض العبارات التي وردتْ في الكتاب، دون تدقيق لما تدلُّ عليه وسط السِّياق الكامل للفصل؛ فإنَّ من الخطأ أن ينسب بعضهم للأستاذ: "محمد قطب" أنه أدخل في الأدب الإسلامي أدبًا لغير المسلمين"[55].

ثم خَلص بعد ذلك إلى تسجيل رأْيِه بوضوح، فقال: "الأدب الإسلاميُّ يَصْدر عن حياةٍ إسلاميَّة، وتَجْربة إسلاميَّة، إنَّه أدب يتَّسِم بالصِّدق والوضوح، والالْتِزام بالإسلام في أوْسع صُوَرِه، وأبعد مَراميه؛ لأنَّه يَصْدر عن التصوُّر الإسلامي، المرتبط ارْتِباطًا عُضويًّا بالسُّلوك والنَّشاط الإنساني، والعلاقات الإنسانيَّة المختلفة، وكل أعمال الإنسان، كارْتِباطه بالعقيدة ذاتِها، إنَّه يُصَوِّر تَجْربة الإنسان المسلم في الحياة"[56].

وكان "محمد بريغش" قد أكَّد رأيه في كتابه: "الأدب الإسلامي المعاصر"، حين قال: "عندما نتناول صِفَة الأديب المسلم، نرى أنَّ هُوِيَّته لا تتحدَّد إلاَّ من خلال هذه الصِّفة: "المسلم"، وأنه لا يَدْخُل في إطار الأدب الإسلامي إلاَّ من هذا المدخل فقط.. ولكن الأديب المسلم لا يكتسب هذه الصِّفة إلاَّ إذا كان مؤمِنًا حقًّا، ومسلِمًا صادقًا، يلتزم شَرْع الله فِكْرًا وسلوكًا واعتقادًا" [57].

ب- ومن الذين تبَنَّوا هذا الرَّأي ودافعوا عنه باستِماتة الدكتور "أبو صالح عبدالقدُّوس"، الذي يرى أنه "ينبغي البعد عن التَّعميم، والحذر، وإلاَّ جاز لنا حين نرى ما كتبه "تولستوي" أو "طاغور" أو "غوركي" أو "سارتر"، من نصوص قد تتَّفْق جُزْئيًّا وبصورة عَرَضيَّة مع ما في الإسلام من نظرة إنسانيَّة، أن نَجْعل بعض ما نَجِده عندهم - وهم بين دَهْريٍّ ماسونِيٍّ، وهندوكي، ووجودي، وشيوعي - نصوصًا داخلة في الأدب الإسلاميِّ؛ وهذا أمرٌ لا يقبله ولا يقول به أحدٌ من أهل المذاهب الأدبيَّة العقَدِيَّة، فلماذا يُخَصُّ الأدب الإسلاميُّ بِهذا الموقف، ويُحْمَل على قَبُوله؟"[58].

غير أنَّه اقترَحَ مصطلحًا وسطًا، جديرًا بالقبول والاعتراف، ينصف هذا النَّوع من الأدب، ويعترف به دون أن يَجْعله من صميم الأدب الإسلاميِّ، هذا المصطلح هو: "الأدب الموافِقُ للأدب الإسلاميِّ"، يقول: "وهكذا اتَّضَح أنَّه لا بُدَّ أن يكونَ للأدب الإسلامي خصوصيَّتُه في جَعْل النُّصوص المقاربة للتصوُّر الإسلامي، أو المتضمِّنة بعض القِيَم الإيمانيَّة، أو الْخُلقيَّة، أو الإنسانيَّة، والتي يبدعها أدباء غيْرُ إسلاميِّين بدافع الفِطْرة - داخلةً فيما "يوافق الأدب الإسلامي"، دون أن نعدَّها من صميم الأدب الإسلامي، ودون أن نجعل أصحابَها عندما تكثر لديهم أمثالُ هذه النُّصوص، أدباء إسلاميِّين، وهم لَيْسوا مسلمين أصلاً"[59].

وقال أيضًا: "إنَّ قصارى ما ينبغي أن نقوله في النصوص الأدبية، التي تشتمل على بعض القِيَم الإيمانية أو الخلقيَّة أو الإنسانية: إنَّها "تُوافق الأدب الإسلامي" دون أن نعدَّها داخلة فيه، ودون أن نَجْعل قائليها أدباء إسلاميِّين، وليس يُقْبل في هذا المَجال القول: إنَّ النصَّ الأدَبِيَّ يَنْفصل عن قائله بِمُجرَّد الانتهاءِ من إبداعه"[60].

3- أمَّا الدكتور: "بسَّام ساعي"، فقد اقترح أن يُطْلَق على أدب الشُّعوب غير الإسلامية، الذي يوازي "الأدب الجاهلي": "الأدب التَّراجُعي"، وعلى الذي يُوازي الأدب الإسلامي: "الأدب الإنسانِي"[61].

4- وفي مُحاولة لابتكار مصطلح مناسب، يَنْبُع من صلب النُّصوص الإسلاميَّة، فقد اقترح "محمد إقبال عروي"، أن يُطْلَق على الأدب ذي المضمون الإسلامي، إن كان صاحِبُه غيْرَ مسلم، مصطلحَ: "الكادِيَّة"؛ قال: "وَبِما أن فِعْل "كاد" هو الذي يقدِّم المعنى الدقيق، الذي عنَاه الحديثُ الشريف[62]، فبإمكاننا أن نُضيف إليه "ياء" النِّسْبة مع "تاء التَّأنيث" لِيُصبح كالتالي: "الكادِيَّة"؛ يُشار به إلى كلِّ إنتاج لم يَلْتزم صاحِبُه بالإسلام، غير أنَّنا نَلْمَح فيه نفحاتٍ إيمانيَّةً، تكون إقرارًا طبيعيًّا للفطرة البشرية السليمة، حين تَنْتابُها لحظات الصَّفاء والشفافية، سواء قلَّت نسبتها أو كثرت"[63].

ثم بيَّن "أن مصطلح "الكاديَّة"، لا يلغي إمكانية الانْحراف السُّلوكي لصاحب الإبداع، بل يعترف بذلك، وما المصطلح إلاَّ بَرْهَنةٌ وإقرارٌ عليه"[64]، ويرى أنَّه مصطلح كفيلٌ بدفْع الخلط الذي وقع فيه بعض النُّقاد، حين أدخلوا مثل هذا الإبداع لغير المسلمين "في دائرة الإسلاميَّة، دون سنَدٍ شرعي مَقْبول، أو مُسَوِّغ موضوعي مقبول"[65].

ومن خلال النَّظرة الأُولَى لِهَذه الآراء، يتَّضِح أنَّ الخلاف لَفْظي، أو لِنَقُل: "مصطلَحِي"، فهذا الأدب الذي صدر عن غَيْر المسلم، أو عن المسلم المعروف بفساد السُّلوك، وهو لا يتصادَم مع المبادئ الإسلاميَّة، بل يسير بإزائها، ويَحْذو حذْوَها، هو مَحَطُّ قبولٍ عند الفِرَق كُلِّها، غيْرَ أنَّ بعض هذه الفِرَق يَقبله على أساس أنَّه مِن صُلْبِ الأدب الإسلاميِّ، والبعض الآخَر يرى إخراجه من دائرة الإسلاميِّ، مع الاعتراف بِجَوانبه المشرقة الإيجابيَّة، من حيث كونُه أدبًا إنسانيًّا، صادِرًا عن فطرة سليمة، معالِجًا لقضايا نبيلة.

ولِمُقاربة هذا الموضوع، ومُحاولةً للوقوف على المصطلح المناسب بِما يكون إجابةً تقترب من الصواب، وتُقَرِّب الآراء، لا بدَّ من استنباط شروط الأديب الإسلامي، أو الأديب الملتزم، ويمكن جَعْل النَّصِّ القرآني السَّابق: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ [الشعراء: 227] أرضيَّةً لاستخلاص هذه الشروط[66].
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-05-2021, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,105
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد

مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد


د. محمد ويلالي


فالشعراء الإسلاميون:


1- مؤمنون.
2- عاملون للصَّالحات.
3- ذاكرون لله، مُنْتَصرون من الظُّلم.

ويُضاف إلى كلِّ ذلك - بطبيعة الحال - الجانبُ الفَنِّي، الذي يَجْعل إبداع هؤلاء الشُّعَراء المتَّصفين بهذه الصِّفات أدبًا مقبولاً.

فأمَّا الإيمان فيمثِّل "المعيار الدِّيني"، بأن يكونَ الأديبُ مُسْلمًا ومؤمنًا، وأمَّا العمل الصالح فيمثِّل "المعيار السُّلوكي"، وأمَّا الذِّكر والانتصار من الظُّلم، فهي من موضوعات أشعارهم / أدبهم، التي تُنْبِئ عن وضوح الرُّؤيا، وصحَّة التصوُّر، فالمعايير إذًا ثلاثة:
1- المعيار الديني.
2- المعيار السلوكي.
3- معيار صحَّة التصوُّر، وسلامة القصد.

وهو ما يُمْكن التعبير عنه بهذه الترسيمة:


غير أن تَنْزيل هذه المعايير على الأُدَباء والنَّماذج، لا بُدَّ أن يتَّسِم بشيءٍ من المرونة، مراعاة للظَّرف الذي يَمُرُّ به الأدب الإسلامي، وهو ظرفُ استكمال النَّظرية، والدَّعوة لِهذا الأدب، وإقناع الْمُخالِفين، وانتهاج سبيل التَّأليف.

ومن ثَمَّ، فإنَّ الحكم على إسلاميَّة الأدب أو الأديب، يَحتاج إلى شيء من التفصيل:
فإذا كان الأديب غيْرَ مسلم، فإنَّه يبدو من التعسُّف أن نَجْعل أدَبَه الذي وافق فيه التصوُّر الإسلامي "أدبًا إسلاميًّا"، فبالأحرى أن نعدَّ هذا الأديبَ نفسه "أديبًا إسلاميًّا"؛ وذلك لاعْتبارات متعدِّدة:
1- إنَّ مِن أكْبَر ما يتَمَيَّز به الأدب الإسلامي: "الصِّدق"؛ صِدْق العقيدة، صدق التصوُّر، صدق التعبير، صدق الهدف.

ولا شكَّ أن هذا الأديب غيْرَ المسلم، لم يَسْتحضر هذا النَّوع من "الصِّدق"، بل غابتْ عنه تلك "الْخَفقة الصَّادقة"، وذلك "اليقين الثَّابت"؛ لِيَحل مَحلَّهما الشُّعور الفطريُّ الإنساني، الذي يُمْكِن أن يصدر عن كلِّ أديب توهَّجَت فيه إشراقة الفِطْرة، وصفاء الرُّوح، فكلُّ الناس قد يَمُرُّ بِمَوقفٍ واحدٍ مؤثِّر، يَنْفعل له، ويتأثَّر به، وهذا حدٌّ مشترك بين البشَر جَميعًا.

لكنَّ الإيمانَ الصَّادق بالجزاء الأُخْرَوي، والرقابة العُلْويَّة، والحيطة في كلِّ صغيرة وكبيرة، لا يُدْرِكه ولا يحسُّه، إلاَّ مَن خالط الإيمانُ شغاف قلبِه، وسَما به إلى درجة الاعتقاد الجازم.

مِن هنا تبدو نسبة أدب غَيْرِ المسلم إلى الأدب الإسلامي توسُّعًا يصعب قبوله.

2- إنَّ هذا الإطلاق فيه إضفاءُ "الإسلاميَّة" على غير المسلمين، مِمَّن لا يعترفون بالرِّسالات، والجنَّة والنَّار، والغيب، وفيه مِن الاستِهانة بالدِّين، ووَضْع لفظ الإسلام موضِعَ الشُّبهة ما هو بَيِّنٌ.

3- ما نقع فيه من الحيرة عند الوقوف على القصيدة الواحدة لِغَيْر المسلم، فيها حقٌّ، وفيها باطل، بعضها يُعانق الفطرة البشريَّة والسُّموَّ الإنسانِيَّ، وبعضها يَرْتكس في حَمأة الزَّيغ، ويتمرَّغ في وهْدَة الأوزار، فهل نعتبر خَيْرها وحقَّها "أدبًا إسلاميًّا"، وشرَّها وزَيْغَها "أدبًا غيْرَ إسلامي"؟ أم نعتَبِرُها في مُجملها غير إنسانية، ثم نستثني خَيْرها، فنجعله مِمَّا وافق الأدب الإسلامي، على غرار ما أَسْماه عبدالرحمن حبنكة: "كلمةُ حقٍّ صدرَتْ على لسانِ كافر أو شيطان

فإذا اختلَّ شرط إسلاميَّةِ الأديب "المعيار الدِّيني"، فإنَّ الأليق أن نجعل أدبه الإنساني أدبًا "موافقًا للأدب الإسلامي"، كما ذهب إلى ذلك د. أبو صالح عبدالقدُّوس.

فإذا نظَرْنا - على سبيل المثال - إلى مُعَلَّقة "امرئ القيس"، ذلك الشاعر الجاهليُّ، الذي كان معروفًا بالْمُجون والغزَلِ الفاحش، وشُرْب الخمر، وقضاء اللَّذَّات، واتِّباع الشهوات - سنرى أنَّها اشتملت على باطلٍ صريح، لا يُمْكن أن نُصَنِّفه إلاَّ في خانة "الأدب غير الإسلامي"، مثل قوله متغزِّلاً[67]: [الطويل]
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ[68] وَمُرْضِعٌ
فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ [69]

إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ
بِشِقٍّ وَتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ [70]

وَبَيْضَةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَا
تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ

تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا إِلَيْهَا وَمَعْشَرًا
عَلَيَّ حِرَاصًا لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي

فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ[71] لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا
لَدَى السِّتْرِ إِلاَّ لِبْسَةَ الْمُتَفَضِّلِ [72]

فَقَالَتْ يَمِينَ اللهِ مَا لَكَ حِيلَةٌ
وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِي [73]

فَقُمْتُ بِهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا
عَلَى إِثْرِنَا أَذْيَالَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ [74]

فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى
بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ [75]

هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رَأْسِهَا فَتَمَايَلَتْ
عَلَيَّ هَضِيمَ الكَشْحِ رَيَّا الْمُخَلْخَلِ [76]




فهذه أبيات كلُّها دعوة إلى الرَّذيلة، وتَزْيينٌ للفاحشة، وتصويرٌ لأشكال العلاقات المشبوهة، بزينة مَكْشوفة، وعبارات مفضوحة، من غير عفَّة أو كناية، بل تراه يصف الفاحشة بكلِّ جرأة وتقَحُّم، ولعلَّ سبب نَظْم القصيدة[77] أكْبَرُ دليل على سوء القَصْد وفساد الطَّوية.

في حين نَجِد في القصيدة نفْسِها أبياتًا تَدُور في فلَكِ الإباحة والحياد، حازَتْ من الجودة الفَنِّية، ودقَّة التصوير، وحُسْن السَّبك ما سارتْ به الرُّكبان، وأصبح مَضْرِبَ الأمثال، من ذلك قولُه[78]:
وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ
عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الْهُمُومِ لِيَبْتَلِي

فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ
وَأَرْدَفَ أَعْجازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ

أَلاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِي
بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ


يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-05-2021, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,105
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد



فَيَا لَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ
بِكُلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ [79]

كَأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فِي مَصَامِهَا
بِأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْدَلِ [80]



وقوله في وصف الفرس:
وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي وكنَاتِهَا
بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا
كَجُلْمُودِ صَخْرٍحَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ
كَمَا زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بِالْمُتَنَزَّلِ [81]

عَلَى الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كَأَنَّ اهْتِزَامَهُ
إِذَا جَاشَ فِيهِ حَمْيُهُ غَلْيُ مِرْجَلِ [82]

دَرِيرٍ كَخُدْرُوفِ الْوَلِيدِ أَمَرَّهُ
تَتَابُعُ كَفَّيْهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ [83]

لَهُ أَيْطَلاَ ظَبْيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ
وَإِرْخَاءُ سِرْحانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ [84]




فهذا ومِثْله من قبيل الأدب "المُحايد"، الذي يُمْكِن أن نَحْكم له بالموافقة لِمَا أباحه الإسلام، ما دام لا يُقِرُّ فاحشة، ولا يؤجِّج نزوة، ولا يعطِّل عقيدة أو حُكْمًا شرعيًّا.

فالأبيات الأُولى جيَشان نَفْسي يُمْكن أن يعتريَ أيَّ إنسان تكبْكَبَت عليه الْخُطوب، ولَفَّتْه الرَّزايا والْهُموم، فتمَثَّل له الليل طويلاً، قد استنكف عن الانْجلاء، كأنَّ نُجومه تَسمَّرت في السماء، وشُدَّت بِحِبال غليظة إلى جبال راسيات، فلا تَبْرَح مكانَها.. كل ذلك بأداة فنِّية رائعة، وآلة تصويريَّة بارِعة، وخيال رَفْراف مُجنِّح، وعاطفة متأجِّجة مُتوتِّرة.

والأبيات الثانية لا تعدو أن تكون صورة للفرَس، في حالة كَرِّه وفرِّه، وإقباله وإدباره، وقوَّة بِنْيته، وشدَّة سرعته، وبَذِّهِ للخيول الأخرى، مع تَتْويج كُلِّ ذلك بِهَذه الصُّورة البديعة، صورة الطِّفل الصغير الذي يلعب بالخَرَّارَة؛ فالفَرس في عَدْوه وسرعته البالغة، يشبه "إسراع خدروف الصَّبِي إذا أحكم فَتْلَ خيطه، وتتابعَتْ كفَّاه في فتله وإدارته بِخَيط قد انقطع ثم وصل"[85].. كل هذا جيِّد ومقبولٌ، ما دام متعلِّقًا بوصف مُجرَّد، لا يخدش دينًا، ولا يهدر مروءة.

فلا ضرَرَ - إذًا - أن نَجْعله من قبيل الأدب الإنسانِيِّ العامِّ، الذي يشترك فيه الجميع، فهو "مُوافق للأدب الإسلاميِّ"، ولكن لا يصحُّ أن نعدَّه من صميم الأدب الإسلاميِّ.

ولا يُمكن أن نقرن "امرأ القيس"، وهو الجاهليُّ الذي مات كافرًا، "بأبي نواس" الْمُسلم، الذي عرف الإسلام، ورَضِيَه، وأقَرَّ به، وإن كان الجامِعُ بينهما المُجونَ والاسْتِهتار.

غيْرَ أنَّ إسلاميَّة "أبي نواس"، تدفعنا إلى الاعتراف بإسلاميَّة أدَبِه، الذي صدر فيه عن حِسٍّ إيمانِي، وإشراقةِ الحقِّ الذي لا يلبث أن يَؤُوب إليه المُذْنِبون.

نعَم، إنَّ مُعْظَم شِعر "أبي نواس" - بِحَسَب المقاييس السَّالفة الذِّكر - شعر غيْرُ إسلاميِّ المضمون؛ لأنَّه بلغ من الفُجُور والتبذُّل، ووصف المُجون ومَجالس الخمر، والتغزُّل الفاحش بالمؤنَّث والمذكَّر، والتشجيع على الرَّذيلة وفِعْل المنكرات، ما تَمُجُّه أُذنُ كلِّ غَيُور على دينه، وقَّافٍ عند المباح من الشِّعر.

لكن، ليس كلُّ شعرِ "أبي نواس" مِن هذا القبيل، فإنْ كان مَجْموع شِعْرِه يشكِّل حوالَي تسعمائة قطعة، ما بين قصيدة كامِلَة، ومقطوعة من عدَّة أبيات، فإنَّ زُهْديَّاته تبلغ قرابة ثلاثين قصيدة ومقطوعة[86]، بعضُها لو قرأناه مُجرَّدًا عن ذِكْر الشَّاعر، لَقُلنا: إنَّه شعرُ زاهدٍ متبتِّل، لا يعرف الشَّرُّ إلى نفسه مدخلاً، وَلْنُمعِن النَّظر في هذه الأبيات التي سارت بها الرُّكبان، وأصبحَتْ مضرب الْمَثل: [الطويل]
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً
وَلاَ أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْكَ يَغِيبُ

لَهَوْنَا بِعُمْرٍ طَالَ حَتَّى تَرَادَفَتْ
ذُنُوبٌ عَلَى آثَارِهِنَّ ذُنُوبُ [87]


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26-05-2021, 03:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,105
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مصطلح الأدب الإسلامي: المسوغات والأبعاد

إنَّها أبيات تفيض زهدًا، وتتقاطر حِكْمة، تَمْتَحُ من الثوابت، وتَصُبُّ في إطار العقيدة، أبيات تُفْصِح عن فِطْرة سليمة، وخشوع صادق في التَّعامل مع القدر الإلَهي، فالله تعالى حيٌّ رقيب، يُحْصي على العباد أفعالَهم، لا يُغادر منها صغيرة ولا كبيرة، والجاهل مَن يظنُّ أنَّ الذي يَخْفَى على البشر قد يَخْفى على ربِّ البشر، فلْيُسارع الناس إلى التَّوبة، فالله تعالى يَغْفر الذُّنوب وإن تعاظمَتْ.

ومَن أدرانا - وقد نقَلَ الرُّواة أن "أبا نواس" تاب في آخرِ حياته - أن يكون البيت الثَّالث تعبيرًا عن توبته الصَّادقة، واعترافًا بكثرة ذُنوبه التي تعاظمَتْ وترادفت، فلجأ إلى الله تعالى؛ طلبًا للمغفرة؟! إنَّها أبيات مُذابة من قلب اعتصرَتْه الذُّنوب، فآب إلى الله حين أحسَّ مراقبته، وأناب إليه، وعاهده على التقوى.

ومِن مثل هذا قولُه كذلك: [الكامل]
اصْبِرْ لِمُرِّ حَوَادِثِ الدَّهْرِ
فَلْتَحْمَدَنَّ مَغَبَّةَ الصَّبْرِ

وَامْهَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ ميتَتِهَا
وَاذْخَرْ لِيَوْمِ تَفَاضُلِ الذُّخْرِ

فَكَأَنَّ أَهْلَكَ وَدَّعُوكَ فَلَمْ
تَسْمَعْ وَأَنْتَ مُحَشْرَجُ الصَّدْرِ

وَكَأَنَّهُمْ قَدْ عَطَّرُوكَ بِمَا
يَتَزَوَّدُ الْهَلْكَى مِنَ العِطْرِ

وَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَلَّبُوكَ عَلَى
ظَهْرِ السَّرِيرِ وَظُلْمَةِ القَبْرِ

يَا لَيْتَ شِعْرِيَ كَيْفَ أَنْتَ عَلَى
ظَهْرِ السَّرِيرِ وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي؟

أَوْ لَيتَ شِعْرِيَ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا
وُضِعَ الْحِسَابُ صَبِيحَةَ الْحَشْرِ؟

مَا حُجَّتِي فِيمَا أَتَيْتُ وَمَا
قَوْلِي لِرَبِّي، بَلْ وَمَا عُذْرِي؟

أَفَلاَ أَكُونُ قَصَدْتُ رُشْدِيَ أَوْ
أَقْبَلْتُ مَا اسْتَدْبَرْتُ مِنْ أَمْرِي

يَا سَوْءَتَا مِمَّا اكْتَسَبْتُ وَيَا
أَسَفِي عَلَى مَا فَاتَ مِنْ عُمْرِي [88]



إنَّه بكاء على النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، التي تزيِّن لصاحبها الرَّذيلة، وتُوقعه في حمأة الشَّهوات والملذَّات، فلا يستفيق إلاَّ على صيحة الموت، دون أن يَدَّخِر شيئًا ليوم الْحِساب، ودون أن يكون له عذْرٌ فيما فرَّط في جنب الله، إنَّها دَعْوة إلى الإقْلاع عن المعاصي، والإقبال على الآخِرَة، واستغلال لحظات العمر القصير فيما يُرْضي الله - عزَّ وجلَّ - ولا شكَّ أن هذا هو المقصد العام الذي مِن أَجْله شرع الله الإسلام.

نعم، قد يبدو هذا معارِضًا مع ما بدأتُ به الكلام، من أن مِن شروط الأديبِ الصَّلاحَ (المعيار السُّلوكي)، غير أنَّ مِمَّا يدفع هذا التَّناقض، أنَّنِي لَم أَصِف "أبا نواس" بأنَّه "أديبٌ إسلامي"، وإنَّما سحَبْت صفة الأدب الإسلاميِّ على شعرٍ معيَّن له؛ تغليبًا للظَّنِّ أنه في وقت نَظْمِه، كان تائبًا، باكيًا، متضرِّعًا، وكان سلوكه الجميل في الذروة، وكان تصوُّره في منتهى صَفائه، وهو استثناء من عموم ما عرفَتْه حياتُه من زيغ عن الجادَّة.

وهذا - فعلاً - ما ذهب إليه د. جابر قميحة، حين قال: "وأرى في هذه المرحلة من مراحل بُزوغ الأدب الإسلامي ورابطته، أن تتَّسِم مَواقِفُنا النَّقدية - نَحْن الإسلاميِّين - بشيءٍ من السَّماحة والمرونة؛ بحيث لا ينال من الثَّوابت والأطاريح الجوهريَّة المُتَّفَق عليها، ومِن ثَمَّ، لا نُمانع من أن يَصْدق مصطلحُ الأدب الإسلاميِّ على كل قصيدة نظَمَها "أبو نواس" في "الزُّهْديَّات"؛ لأنَّ الشَّاعر مُسْلِم الْهُويَّة، ولأنَّ مضمونها يتَّفِق، بل يُعَبِّر عن التصوُّر الإسلامي"[89].

بقِيَتِ الإشارة إلى أن ما اعتقدَه د. عماد الدين خليل، من أنَّ أدبَ غير المسلمين، الموافِقَ للتصوُّر الإسلامي، يُمْكن اعتباره ضمن الأدب الإسلامي؛ لأنَّه سيُفْسِح المَجال أمام الأدباء الإسلاميِّين للاستفادة منه، ولو "تقنيًّا"، غَيْر مُسَلَّم؛ لأَمْرين:
1- إنَّ استغلال التقنية لا يَحْتاج مِنَّا إلى إضفاء مصطلح الأدب الإسلامي على هذا الأدب، بل يُمْكن الاستفادة من تقنيات الآداب الأخرى، إذا كان الأمر يتعلَّق بالأَشْكال والأصباغ، وهي الأوضاع المُحايدة، القابلة للتَّجديد والتطوير، وهذه قضيَّة أخرى، تَحْتاج إلى بَحْث مستقلٍّ.

2- إنَّ في تاريخ أدبنا ما يُمْكن أن يمدَّنا بالشحنة اللاَّزمة؛ للوقوف على أدب إسلامي عالَمِي، ففي تُراثنا من النُّصوص ما لا يزال قابعًا على الرُّفوف، يَحْتاج إلى مَن يَنْبَرِي لإخراج مكنونه، والوقوف على فرائده، كما أنَّ من النُّصوص المطبوعة، ما لم تَمْتدَّ إليه يدُ الدَّرس والنَّقد بعْدُ، وحبَّذا لو كُوِّنت لَجْنة متخصِّصة للنَّقر في المكتبات المَذْخورة؛ لاستخراج النُّصوص الشِّعرية والنَّثْرية الكفيلة بِرَفد الأدب الإسلامي، ليحقِّق استقلاليَّته، ولِتَنبع مقاييسُه من ذاته وتربته.

إنَّ اختلاف النقَّاد حول المُصْطلح، أمر يَعْتري كلَّ العلوم الإنسانية، بل منها ما تتعدَّد مصطلحاتُها وتعريفاتها بتعدُّد المصطلِحِين والمعرِّفين، مع أنَّ اختلاف النُّقاد والدارسين (لا يَعْني إلاَّ الرغبة الصادقة في الوصول إلى مفهوم صحيح "للأدب الإسلامي"[90].

ومع هذا، فإنَّ قضيَّة المصطلح، قد استنفَذَت من النُّقاد الإسلاميِّين جهدًا وزمنًا ليسا باليسيرَيْن، والآن، وقد استقرَّ المصطلح، وتقارَبَت الرُّؤى، فيَحْسن أن نَصرف النَّظَر إلى البناء والاهتمام بالإبْداع، "وأن نضع حدًّا لِهَذا الجدل الصَّاخب حول المَشْروعيَّة الأدبيَّة لِمُصطلح الأدب الإسلاميِّ، وأن ينطلق الأُدَباء الإسلاميُّون نَحْو غايتهم الواضحة، وَفق برامِجَ دقيقة، ووَعْي صادق، وأن يَهْتمُّوا بتأصيل القِيَم الجماليَّة، والمضامين الفِكْريَّة الأصيلة؛ لأنَّ التَّجربة هي ساحة الامتحان الحقيقي"[91].



[1] مقال: "بين الأدب العربي والأدب الإسلامي، تاريخ المصطلح والدلالة"، مجلَّة الأدب الإسلامي، ع: 6 - 1995م، ص 5.

[2] نفسه، ص 8.

[3] "في التاريخ.. فكرة ومنهاج"، سيد قطب، ص 28.

[4] "الجامع لأحكام القرآن"، القرطبي، ج: 13، ص 147.

[5] منها "العمدة" لابن رشيق، ج 1، ص 209، و"الشعر والشعراء"، ج 1، ص 137 وحاولت جهدي أن أجد للخبر أصلاً في كتب الحديث المعتبرة، فلم أَهْتَد إلى شيء.

[6] "زهير بن أبي سُلْمى"، من مُزَينة، إحدى قبائل مُضَر، وأحد فُحول الجاهليَّة، من أصحاب المعلَّقات، عُرِف شِعْرُه بالحكمة، وقد تُوفِّي قبل مبعث النبِيِّ - عليه الصلاة والسَّلام - بِسَنة؛ "طبقات ابن سلام"، 1 - 63.

[7] عاظَلَ بالكلام: عقَّدَه وصعَّبَه، وعاظل الشَّاعر في شِعْرِه: جعل بعضَ أبياته مفتَقِرًا - في بيان معناه - إلى بعض؛ "المعجم الوسيط: عاظل".

[8] الحُوشِيُّ والوَحْشيُّ: الغريب؛ "اللسان: حوش".

[9] "النَّقْد الأدَبِي، أصوله ومناهجه"، سيد قطب، ص 119.

[10] مقال: "شبهة المصطلح "، د. عبدالقدوس أبو صالح، مجلة الأدب الإسلامي، ع 8، 1995م، ص 3.

[11] "الأدب الإسلامي، أصوله وسِمَاته"، محمد حسن بريغش، ص 90.

[12] "كلمة للشاعر الفلسطيني محمود مفلح"، جريدة المسلمون، ع: 279، 8 /14 يونيو/ 1990م.

[13] أبو محمَّد القاسمُ بن محمد بن عبدالعزيز الأمغاري السِّجِلْماسيِّ، وُلِد بسِجِلْماسة، ورحل إلى فاسٍ ومراكش، وله كتاب: "المَنْزع" الذي ألَّفَه سنة 704 هـ، ولا تُعْرَف سنة وفاته؛ ينظر كتاب "المنْزع" بتحقيق د. علال الغازي، ص 47.

[14] هو أبو الحسن حازم القرطاجني، اشتهر بسَعة المعرفة في المنطق والخطابة والشِّعر، توفِّي بتونس سنة 684 هـ؛ يُنظر كتاب "المنهاج" بتحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، ص 52.

[15] "الأدب الإسلامي، أصوله وسِمَاته"، محمد حسن بريغش، ص 103.

[16] مقال "بين الأدب العربي والأدب الإسلامي"، د. عبده زايد، مجلَّة الأدب الإسلامي، ع: 6، ص 5.

[17] نفسه، ص 6.

[18] "مقدِّمة لنظريَّة الأدب الإسلامي"، د. عبدالباسط بدر، ص 83.

[19] يُنظر تأثُّر هذه الآداب بالإسلام في مقال: "عالَميَّة الأدب الإسلامي"، د. عبدالباسط بدر، مجلة الأدب الإسلامي، 1995م، ع 5، ص 3 وما بعدها.

[20] "مبادئ في الأدب والدعوة" حبنكة الميداني، ص 28.

[21] قال القسطلانِيُّ: "كان من شعراء الجاهلية، وأدرك مبادِئَ الإسلام، وبلَغَه خبَرُ البعث، لكنَّه لم يُوَفَّق للإيمان برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان يتعبَّد في الجاهلية، وأكثرَ في شعره من التوحيد، وكان غوَّاصًا على المعاني، معتنيًا بالحقائق؛ ولذا استَحْسن - صلَّى الله عليه وسلَّم - شعْرَه، واستزاد من إنشاده"؛ يُنظر "إرشاد السَّاري إلى شرح صحيح البخاري"، ج 9، ص 90.

[22] كلمة استزادة؛ أي: زِدْ؛ "القاموس المحيط: الْهَيْه".

[23] "صحيح مسلم"، كتاب الشِّعر، رقم الحديث: 2255.

[24] "شرح النَّووي على صحيح مسلم"، ج 15، ص 12.

[25] لبيد بن ربيعة العامريُّ، من فُحول شعراء الجاهلية، وأحد أصحاب المعلَّقات، أدرك الإسلام وأسلم، تُوُفِّي نَحْو 41هـ؛ (الأعلام: 6/ 104).

[26] "صحيح مسلم"، كتاب الشعر، رقم الحديث 2256، وسبق تخريجه من وجه آخر.

[27] "صحيح البخاري"، كتاب الفِتَن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر.

[28] امرؤ القيس بن حَجَر بن عُمَر الكِنْديُّ، أشْعَر النَّاس، من أهل نَجْد، من الطَّبَقة الأولى، عُرف شعرُه بالمُجون والتَّهَتُّك؛ "الشعر والشعراء"، ج 1، ص 105، و"جمهرة أشعار العرب"، ص 117.

[29] أيِ: ابن حوشب.

[30] "فَتْح الباري شَرْح صحيح البخاري"، ابن حجر العسقلاني، ج 13، ص 44، والأبيات في ديوان امرئ القيس، ص 323.

[31] يُنظر: "مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي"، د. عبدالباسط بدر، ص 60، 61.

[32] "مبادئ في الأدب والدَّعوة"، حبنكة الميداني، ص 16.

[33] مقال: "شبهة المصطلح"، د. عبدالقدُّوس أبو صالح، مجلة: "الأدب الإسلامي"، ع: 8، ص4.

[34] "في الأدب الإسلامي، تجارب ومواقف"، د. محمد الهاشِمي، ص 23.

[35] مقال: "شبهة المصطلح"، د. عبدالقدوس أبو صالح، مجلة "الأدب الإسلامي"، ع: 8، 1995م، ص 5، وجريدة: "المسلمون"، ع: 445، 13 غشت 1993م.

[36] مقال: "شبهة المصطلح"، د. عبدالقدوس أبو صالح، مجلة "الأدب الإسلامي"، ع: 8، 1995م، ص 6.

[37] ينظر المبحث الأول من الفصل الأول، ص13.

[38] مقال: "معالم على طريق الأدب الإسلامي"، طاهر العتباني، مجلة "البيان"، ع: 109، ص 71، فبراير 1997م.

[39] تعريف "رابطة الأدب الإسلامي"، تنظر جريدة "المسلمون"، ع: 445، 13 غشت، 1993م.

[40] منها على سبيل المثال: "النَّدْوة العالمية للأدب الإسلامي" بلكهنو بالهند: 17، 18، 19 أبريل، 1981م، و"ندوةُ الأدب الإسلامي" بالمدينة المنوَّرة، 5 - 9 رجب 1405هـ/ 1985م، وعدَّة مؤْتَمرات عالمية لرابطة الأدب الإسلامي، كمؤتَمر "رابطة المستقبل الإسلامي العالميَّة" بإستانبول، مارس 1996م، والملتقى الدولي الأوَّل للأدب الإسلاميِّ بِكُلِّية الآداب والعلوم الإنسانيَّة بوجدة - 7، 8، 9 شتنبر 1994م وغيرها.

[41] مقال "شبهة المصطلح"، د. عبدالقدُّوس أبو صالح، مجلة "الأدب الإسلامي"، ع 8، 1995م، ص 7.

[42] ينظر: "مبادئ في الأدب والدعوة"، ص 12.

[43] نفسه، ص 13.

[44] نفسه، ص 16.

[45] نفسه.

[46] "مبادئ في الأدب والدعوة "، ص 13.

[47] أخرج البخاري من حديث أبي هريرة، أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وَكَّله بحفظ زكاة رمضان، فأتاه آت يحثو من الطعام، فأخذه أبو هريرة، فقال له: لأرفعَنَّك إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجعل يترضَّاه ويعتذر له، ويُعْلِن توبته، ثُمَّ قال له ناصحًا: "إذا أويتَ إلى فِرَاشك، فاقرأ آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، حتَّى تختم الآية، فإنَّه لا يزال معك من الله حافظٌ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تصبح"، وكان هو بالفعل شيطانًا، فأخبَر أبو هريرة النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقصته، فقال له: ((صدَقَك وهو كذوب، ذاك شيطان))؛ "صحيح البخاري"، كتاب الوكالة رقم الحديث: 2311 مُختصرًا.

[48] يقول محمد قطب: "طاغور ليس مسلمًا بطبيعة الحال، والطابع الهندوكيِّ واضحٌ فيه شديد الوضوح.. هناك نُقَط الْتِقاء كثيرة بين طاغور، وبين المنهج الإسلامي.. نقط التقاء جزئيَّة كلها، ولكنَّها تكفي لإيجاد روابط المودَّة بينه وبين هذا المنهج، بِحَيث يُذكر معه، في حدود هذا الالتقاء"؛ "منهج الفن الإسلامي"، ص 212.

[49] "مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي"، ص 214، 215.

[50] شاعر عباسي مشهور، بصري، اشتهر بِخَمريَّاته وغزَلِه، توفي ببغداد سنة 198هـ، أو 201هـ؛ "الشعر والشعراء"، ج 2، ص 796.

[51] "مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي"، ص 217.

[52] "سنن التِّرمذي"، باب: فضل الفقه على العبادة، رقم الحديث: 2828.

[53] "مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي"، د. عماد الدين خليل، ص 219.

[54] "منهج الفن الإسلامي"، محمد قطب، ص 182.

[55] "الأدب الإسلامي، أصوله وسِمَاته"، ص 109، 110.صوأأ

[56] المصدر نفسه، ص 110.

[57] "الأدب الإسلامي، أصوله وسماته"، ص 37.

[58] جريدة المسلمون، ع: 444، 6/ 8/ 1993م.

[59] المصدر نفسه.

[60] المصدر نفسه.

[61] انظر مذكرة: "جاهلية أو إسلامية، نظرة في تاريخ الأدب العربي"، "د. بسام ساعي"، ص 4 / 20، 1، 1983م.

[62] يقصد قولَه - عليه الصلاة والسلام - في أُميَّة بن أبي الصَّلت: ((إن كاد ليسلم))؛ "صحيح مسلم"، كتاب الشعر، رقم الحديث: 2256.

[63] يُنظر: مقال: "نظرات في: مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي"، محمد إقبال عروي، مجلة المنعطف، ع10، ص 82، 1995م.

[64] يُنظَر: مقال "نظرات في: مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي"، محمد إقبال عروي، مجلة المنعطف، ع10، ص 82، 1995م.

[65] نفسه، ص 84.

[66] يُنظر مقال: "الأدب الإسلامي، إشكالية المصطلح ومعيارية التطبيق"، د. جابر قميحة، مجلَّة "الوعي الإسلامي"، ع: 377، مايو 1995م، ص 72.

[67] من معلقته؛ يُنظر ديوان امرئ القَيْس، ص 8، و"شرح القصائد العشر" للخطيب التبريزي، ص 17، و"جَمْهرة أشعار العرب"، ص 123.

[68] الطُّروق: الإتيان ليلاً؛ "اللِّسان: طرق".

[69] يقال: أَحْوَلَ الصبيُّ: إذا تم له حول، قال أبو عبدالله الزَّوْزَني: "يقول: فرُبَّ امرأة حُبْلَى أتيتُها ليلاً، ورُبَّ امرأة ذات رضيع أتيتها ليلاً، فشغلتُها عن ولدها الذي علَّقت عليه العَوْذَة، وقد أتى عليه حولٌ كامل، وإنما خصَّ الحبلى والمرضع؛ لأنَّهما أزهد النِّساء في الرِّجال.. خدَعْتُ مثلَهما مع اشتغالِهما بأنفسهما، فكيف تَخْلُصين منِّي؟"؛ "شرح المعلقات السبع"، ص 17.

[70] قال الزَّوزنيُّ، ص18: "إذا ما بكى الصَّبِيُّ من خلف المرضع، انصرَفتْ إليه بنِصفها الأعلى، فأرضعَتْه وأرضَتْه، وتَحْتي نصفها الأسفل، لم تُحَوِّله عنِّي، وصَفَ غاية ميلها إليه، وكَلَفِها به، حين لَم يشغَلْها عن مرامه ما يشغل الأمَّهات عن كلِّ شيء".

[71] نَضَا ثوبه عنه يَنضُوه نَضْوًا: خلَعَه وألقاه عنه؛ "اللسان: نضا".

[72] الذي يبقى في ثوب واحد؛ لِيَنام أو ليعمل عملاً، قال "التبريزي": "والمفضل: الإزار الذي ينام فيه، يُخْبِر أنه جاءها وقت خلوتِها ونومها؛ لِيَنال منها ما يريد"؛ "شرح القصائد العشر"، ص: 53.

[73] قال الزوزني: "هذا أَغْنَجُ بيت في الشِّعر"، ص 24.

[74] الِمرْط: كساء من صوف أو خَزٍّ؛ "القاموس المحيط: مرط"، والمرحل: ما عليه صُوَر رحال الإبل؛ "اللِّسان: رحل".

[75] انْتَحى: اعترض؛ "اللِّسان: نحا"، والْخَبت: ما اطْمأنَّ من الأرض؛ "اللسان: خبت"، والقُفُّ: ما ارتفع من الأرض وغلُظ، ولم يبلغ أن يكون جبلاً؛ "اللسان: قفف"، والعَقَنْقَل: ما ارْتَكَم من الرَّمل، وتعلَّق بعضه ببعض؛ "اللسان: عقل".

[76] الْهَصر: الجذب؛ "القاموس المحيط: هصر"، والفودان: ناحيتا الرَّأس؛ "القاموس المحيط: فود"، والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضِّلَع الخلف؛ "اللسان: كشح"، وريا: تأنيث الريَّان، تعبير عن كثْرَة لَحْم السَّاقين وامتلائهما؛ "شرح القصائد العشر" للخطيب التبريزي، ص 17، والمخلخل: موضع الخلْخَال من السَّاق؛ "اللسان: خلل".

[77] ينظر "شرح المعلقات السبع"، للزوزني، ص 6.

[78] من معلَّقتِه أيضًا؛ ينظر ديوانه، ص8.

[79] مُغَار الفَتْل: شديد الفتل؛ "اللِّسان: مسد"، يَذْبل: اسم جبَل في بلاد نَجْد؛ "اللسان: ذبل".

[80] مَصَامها: مقامها ومَوْقفها؛ "اللِّسان: صوم"، أمراس: حبال؛ "اللسان: مرس"، جَنْدَل: الحجارة؛ "اللِّسان: جندل".

[81] الكميت من الخيل: ما كان لونه بين الأسود والأحْمر؛ "اللِّسان: كمت"، الصَّفواء: الحجارة؛ "مُخْتار الصِّحاح: صفا"، المُتَنَزِّل: الطائر أو المطر أو الإنسان النَّازل عليه.

[82] ذبل الفرس: ضمر؛ "اللِّسان: ذبل"، الاهتزام: صوت الفرس وجريه؛ "اللِّسان: هزم"، حَمْيُهُ: غَليه، من (حَمِي التنُّور: اشتدَّ حرُّه)؛ "اللسان: حما".

[83] دَرَّ الفرَسُ: عدا سريعًا؛ "القاموس المحيط: الدرة"، الخدروف: شيءٌ يدوِّره الصَّبِي بِخَيط في يديه فيسمع له دوي؛ "القاموس المحيط: باب الفاء، فصل الخاء".

[84] الإرخاء: شدَّة العَدْو؛ "اللِّسان: رخا"، السِّرْحان: الذِّئب؛ "مختار الصحاح: سرح"، التقريب: أيْ: يرفع يديه معًا، ويضعهما معًا؛ "اللِّسان: قرب"، التَّتْفل: الثعلب، وقيل: جَرْوه؛ "اللسان: تفل".

[85] "شرح المعلقات السبع"، للزوزني، ص 45.

[86] ينظر مقال: "الأدب الإسلامي بين إشكاليَّة المصطلح ومعياريَّة التطبيق"، د. جابر قميحة، مجلة: "الوعي الإسلامي"، ع: 377، مايو: 1997، ص 74.

[87] ديوانه، ص 73.

[88] "ديوان أبي نواس"، 140.

[89] مقال "الأدب الإسلامي بين إشكالية المصطلح ومعيارية التطبيق"، مجلة: "الوعي الإسلامي"، ع: 377، مايو: 1997م، ص 76.

[90] د. أحمد العزب، جريدة: "المسلمون"، ع: 445، 13 غشت 1993م.

[91] "مدخل إلى الأدب الإسلامي"، "د. نجيب الكيلاني"، ص 47.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 187.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 184.12 كيلو بايت... تم توفير 3.51 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]