علاقة العقل بعالم الغيب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5028 - عددالزوار : 2175124 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4609 - عددالزوار : 1456152 )           »          يقظة الضمير المؤمن وموت قلب الفاجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 43 - عددالزوار : 10557 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 42 - عددالزوار : 9751 )           »          استقلال مالي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أخلاق عالية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الانتقام للنفس منقصة، ولله كمال وإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          البشريات العشر الثالثة للتائبين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          العالم المؤرخ المحقق جوزف فون هَمَر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 20-01-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,853
الدولة : Egypt
افتراضي علاقة العقل بعالم الغيب

علاقة العقل بعالم الغيب


د. محمد السيد الجليند


علاقة العقل بعالَم الشهادة مؤسَّسة على إدراك كاملٍ بطاقة العقل، وإمكاناته والعلم بوظيفته، والإنسان لو فقَد حاسَّة من حواسِّه الخَمس، فاتَه العلم بالعالَم الحِسي المقابل لها، ولو تخيَّلنا إنسانًا خُلِق دون هذه الحواسِّ، فإنه لا يعلم شيئًا عن هذا العالم على سبيل اليقين.

واليقين هنا مَطلب أساسي لهذا اللون من المعرفة بعالَم الغيب؛ لأنَّ العقل قد يتخيَّل أمورًا وعوالِمَ كثيرة لا نصيبَ لها من الواقع، والخيال العلمي له دورُه المعرفي في عالَم الشهادة، ولا سبيل إلى إنكاره، لكن ينبغي أن نعرف هنا أنه لَمَّا غابَت الحواس عن العقل، تخلَّف عنه العلم اليقيني بعالَم المحسوسات؛ لأنَّ روافد المعرفة الحسيَّة أصبَحت مفقودةً بالنسبة له، فانتقَل المستوى المعرفي للشخص من اليقين إلى التخيُّل، هذا في عالم الشهادة.

أمَّا في عالم الغيب، فإن الأمر يختلف تمامًا عن ذلك؛ لأنَّ الحواس لا تناله أصلاً، ولا سبيل لها إليه، وبالتالي فإنَّ روافد العقل التي تُزوِّده بالمعرفة بعالم الغيب مفقودة، والتخيُّل العقلي هنا ليس مطلوبًا، لأنَّ مطلوب المعرفة هنا هو اليقين الجازم الذي لا مَجالَ فيه للتخيُّل، وينبغي أن نفرِّق هنا بين مستويين لمعنى الغيب.

مستويات الغيب:
أ- غيب نسبي:
هناك ما يسمَّى بالغيب النسبي، وهو ما غاب عن الحواس في عالم الشهادة، ويدخُل في ذلك الماضي والمستقبل، فكلاهما غيبٌ بالنسبة للحواس، وكذلك الأمر بالنسبة للحاضر، فهو غيبٌ بالنسبة لِمَن لَم يشاهده، لكنه ليس غيبًا لِمَن عاصَره وعاشَه، فهناك أمورٌ معاصرة للشخص المعيَّن، لكنه لَم يشاهدها لغيابه عنها، فتكون غيبًا بالنسبة له، وليستْ غيبًا لِمَن شاهَدها، والشخص الواحد قد يكون الأمر غيبًا لَدَيه في وقتٍ دون وقت، وعلاقة العقل بهذا النوع من الغيب النسبي متفرِّعة من علاقته بعالم الشهادة، فما غاب عنَّا وجرَّبه غيرُنا، لَزِمنا العمل بمقتضاه عند العلم به.

وما تواتَر العلم به عن الأُمم الماضية من أخبار الأنبياء عنهم، هو ما يلزم العلم به، وما يَتَنبَّأ به العلماء - بناءً على المشاهدات العلميَّة المتكرِّرة - هو من هذا القبيل؛ بناءً على اطِّراد السُّنن الإلهيَّة في الكون؛ سواء تعلَّقت هذه السُّنن بالظواهر الطبيعية، أو بالمجتمعات البشرية؛ لأن سُنة الله في كونه لا تتخلَّف إذا وُجِد المقتضي وارتفَع المانعُ، وهذا هو محلُّ اعتبار الإنسان الذي ندبَه القرآن إليه في نهاية كلِّ قصة يقصُّها عن الأُمم الماضية؛ حيث يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2]، ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ﴾ [الشعراء: 8].
تكرَّرت كثيرًا في سورة الشعراء هذه التعقيبات القرآنية على قَصص الأُمم الماضية، وهي تَلفت نظرنا إلى الغرض من سَوْق هذه القصة أو تلك؛ ليقوم العقلُ بوظيفته فيها - فكرًا وتأمُّلاً واعتبارًا، وذلك ما ندَبه الشرع له، وحثَّه عليه.

ب- الغيب المُطْلق:
وهو ما لا سبيلَ للعقل إلى العلم به عن طريق الحواس بحالٍ ما، أو هو ما استأثَر الله بعلْمه وحجبه عن جميع خلْقه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾ [الأنعام: 59]، ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ [النمل: 65].

أ- والغيب قد يُطلق في القرآن الكريم ويُراد به مكنون العلم الإلهي الذي استأثَر الله به عن سائر خلْقه، يستوي في ذلك الرسول والنبي والوَلِي، إلاَّ مَن شاء ربُّك منهم، فيعلِّمه الله ما شاء من عِلْمه كيف شاء؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [النساء: 113].
فهذا العلم الإلهي غيْبٌ عن الإنسان لا يُنال بحسٍّ ولا عقلٍ، ولا سبيل إليه إلاَّ بالتعليم الإلهي لِمَن شاء من عباده، عن طريق الوحي أو الرُّؤيا أو الإلهام، فهو ليس اكتسابًا، ولكنَّه وهبٌ وعطاءٌ، لا مدخل لروافد العقل المعرفيَّة إليه، ولكن هناك أبواب أخرى لتحصيل هذه المعرفة، يدخل منها أهلها ويسعى إليها عُشَّاقها؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]، ﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].
فهذا العلم لا يُنال بكسْب عقلي، ولا يتخيَّله عقلٌ، ولا يَناله وهمٌ، وإنما يتعلَّم من الله بطريقه المعروف ووسائله المشروعة.

ب- وهل يُطْلَق الغيب في القرآن الكريم، ويُراد به الذات الإلهيَّة وصفاتها؟ على ذلك كثير من المفسِّرين في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]، فقالوا: إن الغيب هنا هو الله، نقَل ذلك ابن تيميَّة عن جماعة من الحنابلة، منهم: القاضي أبو يعلى، وابن عقيل، وابن الزاغوني[1]، وخالَفهم في ذلك جماعة آخرون، رفَضَوا إطلاق لفْظ "الغيب" على الله.
ويبدو أنَّ الخلاف في هذه المسألة خلافٌ لفظي؛ ذلك أنَّ الذين أجازوا إطلاق لفظ "الغيب" على الله رأوا أنَّ الخَلْق يغيبون عن الله في معظم أحوالهم، فلم يَذكروه، ولَم يعبدوه، ولَم يُشهدوه في أفعالهم، فهو - سبحانه - ليس بنفسه غائبًا عنهم: حفظًا ورزقًا، ولُطفًا وعونًا، وإنْ كانوا هم غائبين عنه: إنابةً وتوكُّلاً، وذِكرًا وعبادة.

فالمعنى المقصود في استعمال لفظ "الغيب" على الله: أنه حاضرٌ مع كلِّ كائن في كونه؛ ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].

فهو - سبحانه - مع خلْقِه: عِلمًا ورزقًا، ولُطفًا وإحياءً وإماتة، وهو - سبحانه - لا يَعْزُب عنه مثقالُ ذرَّة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبر، فهو - سبحانه - شهيد على العباد، رقيبٌ عليهم، ومع كلِّ كائن في كونه بهذا المعنى، فهم الغائبون عنه، وليس هو الغائب عنهم؛ ولذلك لا يجوز إطلاق لفظ "الغيب" على الله، وهذا المعنى صحيحٌ أيضًا.

وعند التحقيق لا نجد خلافًا بين أصحاب الرأْيَيْن، فأصحاب الرأي الأول يُجيزون استعمال لفظ "الغيب" على الله؛ لغياب الخلْق عنه، وأصحاب الرأي الثاني يرفضون ذلك؛ لأنه - سبحانه - ليس غائبًا عن الخَلْق - وإن كان الخلْقُ غائبين عنه، وكلا الرأْيَيْن صحيحٌ على هذا التفسير، فصارَت المسألة خلافًا لفظيًّا فقط.

معرفة الغيب بين منهجين:
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحَه الآن: ما موقف العقل من التعرُّف على عالم الغيبيَّات وقضاياه؟ إنَّ العقل مُطالَبٌ هنا بالإيمان بالغيب؛ سواء استعملنا لفظ "الغيب" مُرادًا به معلومات الله التي لا تَتناهى، والتي حَمَل إلينا منها أنبياءُ الله ورُسلُه، أو أردْنا بها الذات الإلهيَّة وصفاتها، واليوم الآخر والبعث، وقضايا السمعيَّات عمومًا؟

لقد سبَق القول بأنَّ الذي فقَد حواسَّه يستطيع أن يتخيَّل في عالم الشهادة ما يشاء؛ لأنَّ عالَم الشهادة محسوسٌ، والعالم الذي يريد التعرُّف عليه هو أيضًا محسوس، فالتخيُّل بالنسبة له ممكنٌ، ولكن تَظَلُّ معرفته بهذا العالم معرفةً تخيُّليَّة لا ترقى إلى اليقين، ولا ضيْرَ أن يحدثَ ذلك في عالم الشهادة، بل قد يكون ذلك مطلوبًا في بعض الأحيان أن يتخيَّل الإنسان مستقبله على نحوٍ ما، ولكن الإيمان بالغيب لا يكفي فيه التخيُّل ولا الظنُّ، بل لا بدَّ فيه من اليقين الجازم الذي لا يُخالطه شكُّ، ولا يَرقى إليه ريبٌ؟
والإجابة عن السؤال السابق تحمل معالِمَ المنهج المطلوب في علاقة العقل بعالَم الغيب، وفي نفس الوقت تَضَع أمامنا حقيقةَ الخلاف بيننا وبين منهج المخالفين في الإيمان بقضايا الغيب؛ فلاسفةً كانوا أو متكلمين، قُدامى كانوا أو معاصرين، وهذا يفسِّر لنا بالتالي سببَ الحملة التي شنَّع بها المخالفون على منهج السلف، واتَّهموهم خلالها برفْض العقل وأحكامه.
إنَّ قضية الإيمان بالغيب هي مَحَكُّ الخلاف بين المنهجين: منهج عرَف أصحابه للعقل إمكاناته وطاقاته من جانب، وعرَفوا أيضًا مطلب الشرع والوحي من العقل والوظيفة التي ناطَه بها من جانبٍ آخرَ.

أما المنهج الثاني، فأطْلَق أصحابه العِنان لعقولهم، فلم يَعترفوا بإمكاناته ولا طاقاته، بل قالوا: إنَّ العقل قادرٌ على أن يُخضعَ كلَّ شيء لسلطانه؛ ما غاب عنه، وما حضَر، ما أدركتْه الحواس، وما غاب عنها، حتى ما أخْبَرَت به الأنبياء عن عالَم الغيب وقضاياه، يجب أن يَخضع العلم به وبكيفيَّته لسُلطان العقل، ولا مانع عندهم أن يتخيَّل العقل ويَخلق لنفسه عالَمه الغيبي الخاص به، ولا مانع أيضًا عندهم من رفْض هذا العالم الغيبي وإنكاره، ولَم يُفرِّقوا في ذلك بين مطلب الشرع من العقل في عالم الشهادة، ومطلبه من العقل في عالَم الغيب، والخلاف بين الموقفين يكمُن في المنهج أولاً.

إنَّ أصحاب المنهج الأوَّل وظَّفوا العقل فيما خُلِق له في التعرُّف على عالم الشهادة، وعرَفوا له قَدْره وحدوده في مجال التعرُّف على عالم الغيب، عرَفوا أنَّ العقل في عالم الشهادة مُسَلَّط لاكتشاف الكون وقوانينه، وهو في عالم الغيب متعلِّم يأخذ العلم من مصادره التي غاب عنها، أو غابَتْ عنه، والتي جاء الخبرُ عنها معصومًا عن معصومٍ عن الله - سبحانه، عرَفوا أنَّ العقل يَملك البحث والتعرُّف على عالم الشهادة، لكنَّه يفقد جميع الأدوات التي يتعرَّف بها على عالَم الغيب، إلاَّ مصدرًا واحدًا هو الوحي الذي هو إخبارُ الله عن ذاته بذاته على لسان رسوله، هذا إذا كان للعقل أن يدَّعي الإيمان بما جاء به الرسول، أمَّا إذا كان العقل رافضًا الأخْذَ عن الرسول ابتداءً، فهذا له شأْنٌ آخرُ، وليس لنا معه هنا من حديثٍ.



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 97.24 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]