المعارج الروحية والنفسية والسلوكية لعبور باب الريان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 742 - عددالزوار : 202531 )           »          ابن عمي يتحرش بي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وسواس يتعلق بالذات الإلهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وسوسة لا تضر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الوسواس القهري وحادثة على الطريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          زوجي شاذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هل هذا الوسواس يخرج من الملة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          هل يجوز ترديد الوسواس الكفري؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          اضطراب الفتشية الجنسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          زوجتي ومقاطع الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-04-2020, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,780
الدولة : Egypt
افتراضي المعارج الروحية والنفسية والسلوكية لعبور باب الريان

المعارج الروحية والنفسية والسلوكية لعبور باب الريان
د·أحمد عيساوي



عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >إن في الجنة بـــابــا يُقال له الريـان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحــــد غيرهم، يقال: أين الصائمـــون؟ فيقومـون لا يدخـل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد< متفق عليه·

شهر رمضان في الضمير الإسلامي الحي
لشهر رمضان في نفوس وقلوب وحياة جماهير الأمة الإسلامية ـ من بين شهور السنة الهجرية الإسلامية ـ مكانة دينية عظيمة، لأنه شهر عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى دون سواه لا يعلمه إلاّ الله وحده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له، إلاّ الصيام، فإنه لي، وأنا أجزىء بـه، والصيام جنة، فإذا كان يـوم صـوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سـابه أحـد،أو قاتله، فليقل: إني صائم· والذي نفـس محمد بيـده لخلوف فم الصائـم أطيب عند الله من ريـــح المسـك· للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فـرح، وإذا لقي ربـه فـرح بصومه<(1) ولنزول هدى القرآن وآياته البينات فيه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة: 185)، وباعتباره عبـــادة روحيـة متميزة، وقربى شـعورية ووجدانيـة خاصة بصنف من المؤمنين المتقين، الذين وَسـَمَهُمْ الله بقولـه تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة: 183)، ولكونه شكلاً من أشـكال الطهارة الجسـدية والصحية والنفسـية والسلوكية المتميزة والخاصة بالشخصية الإسلامية، لقوله عليه الصلاة والسلام: >صوموا تصحوا<(2)، ولأنها قربى تعبديـة خاصة بين العبد وربه، لا تشـابه بقية القربات والعبادات الأخرى، كالحج والزكاة والصلاة والذكر والصدقة··
وقد تتأتى لشهر رمضان هذه المكانة العظيمة في الضمير الإسلامي الحي من المرجعية القرآنية المقدسة، التي عدته من أهم العبادات الرئيسـة والأسـاسـية الإسـلامية السـنوية، وهي من حيث ترتيبها تحتل المرتبة الثالثة بين أهم أربع عبادات ريئسة وأساسية لقوله عليه الصلاة والسلام: >بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله، إلاّ الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا<(3)·
فهي عبادة عظيمة تحظى بمكانة مرموقـة في أعماق الضمير الإسـلامي الحـي على مدار قرون الدعوات النبوية، من عهد آدم عليه الصلاة والسلام، حتى َرفع نبي الله عيسى عليه السلام إليه، وعلى مدار قرون الدعوة الإسلامية منذ انتشار الإسلام إلى يومنا هذا، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها·
وقد أدركت هـذه الأمة خيرية الصوم، فبادرت لتحقيق أوامر الطاعة المطلقة لربها فيه، لإدراكها لقيمته ولفوائده المتعددة لقوله عليه الصلاة والسلام: >لو يعلم العباد ما في شهر رمضان لتمنى العباد أن يكون شهر رمضان سنة<(4)، وهو سـيد الشهور، وواسـطة العقد، كما يوم الجمعة هو سـيد الأيام، وواسطة عقدها، لقوله عليه الصلاة والسلام: >سيد الشهور رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة<(5)·
لما أدركت هذه الأمة الكثير من مقاصد رمضان الخيرية العظيمة، فهو شهر البركة والبرّ، وشهر الله ورحمته الغامرة، وشـهر التوبة والطهارة والإنابة، وشـهر الدعاء والقبول والفتح، والتنافس والنزال، وشـهر المفاضلة والمباهـاة، والسـعي والكسـب، والرضى والطمأنينة، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما، وقد حضر رمضان: >أتاكم رمضان، شـهر بركة، يغشـاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحطّ الخطايا، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه من رحمة الله عز وجل<(6)·
كما أدركت الأمة الإسـلامية قيمة شـهر رمضان الروحية، فهو شهر الفتوحات، وشهر الجنة، وشهر الملائكة، وشهر الهدى والرشـاد، وشـهر التصفيد والإغلال للشياطين، وشهر الكساد والإغلاق لأبواب جهنم، وهو شهر التكفير والتطهير، وهو شـهر نسمات عبير الجنة، وعبق طيبها الفواح· وقد أكـد على أهمية وقيمة وفائـدة هـذه الحقائق الروحية العظيمة نبي الرحمة والطمأنينة والسـلام محمد عليه الصلاة والسلام عندما أخبرنـــا فقال: >الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر<(7)، كما أخبرنـا عليه الصلاة والسلام أيضا عن عبير الفردوس وعبقها المتميز في شهر رمضان حين قال لنا: >إذا جاء رمضان فتّحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب النار، وُصفّدت الشياطين<(8)·
كما أدرك الضمير الإسلامي الحي في هذا الشهر قيمة كثير من العلاقات والمواقف·· المتنوعة في حياته الفردية والاجتماعية والمهنية والاقتصادية والتربوية والسلوكية والوطنية··
فوجد أن طعمها وريحها ولونها وشكلها ووقعها وثمرتها ومتعتها وجمالها في شهر رمضان يختلف عنها في غيره من الشهور، فالصلاة والصيام والإيمان والصبر والاحتساب والتوبة والصدقة لها أجـر متميز في شـهر رمضان، لأن رسـول الله صلى الله عليه وسلم ـ بما أوحي إليه عن بركة وفضل هـذا الشهر ـ هــو الذي خصص هذه الشرائع التعبدية في شـهر رمضان بنكهة متميزة حين قال: >من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه<(9)·
كما أدرك الضمير الإسلامي الحي فضل الليلة المباركة المخبوأة في ثنايــا الثلث الأخير من هذا الشهر، وأدرك معارج الوصول إلى إدراك نفحات قدسـيتها، في الصوم والصبر والاحتساب في صلب النهار، وفي التعبد والقيام والصلاة والذكر في غســق الليل لقوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر: 3)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: >من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه<(01)· فاجتهدوا كما اجتهد رسولهم الكريم في هذا الشهر، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان: أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر·(11)
كما أدرك الضمير الإسلامي الحي على مدار قرون الدعوة الإسـلامية الكثير من فضائل العبور الاجتماعية، والسـلوكية، والتربويـة، والأخلاقيـة، والنفسـية، والكيانية، والحضارية، والتوحيدية·· الأخرى، من صدقة، وبــرّ، ورحمة، ونظرة للآخر المحتاج، من خلال معرفة معاناة الذات المؤمنة الصابرة طوال النهار وعمق الليل، بالخبر اليقيني عن الصادق المصدوق نبــي الإســلام محمد عليه الصلاة والسلام فيما يرويه الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه حين قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان، قال: >يأيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شـهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرّب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه· وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشـهر المواسـاة، وشـهر يُزاد في رزق المؤمن فيه، من فطّر فيه صائما، كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء· قالوا: يارسول الله، ليس كلنا يجد مـا يفطر الصائم ؟ فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطّر صائما على تمـــرة، أو على شــربة ماء، أو على مذقـــــــة لبن· وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له، وأعتقه من النار· واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان تُرضون بهما ربكــم: فشهادة أن لا إلـــــــه إلاّ الله، وتسـتغفرونه· وأما الخصلتان اللتان لاغناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النـــار· ومن سقى صائما، سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة<(21)·
وقد مثل هذا الحديث معارج العبور لاستحاق الدخول من باب الريان للأجيال الإسلامية المؤمنة على مدار قرون الحضارة الإسلامية، ولعل قراءة متواضعة لهذه المعارج تقودنا لمعرفتها حق المعرفة بهدف العبور الآمن نحو باب الريان كما عبر من سبقنا، وهذه المعارج هي:
1 ـ الواجب الشرعي على عامة المسلمين، الاسـتعداد الروحي والتحضير النفسي لمقدم شـهر رمضان الكريم، عملا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم·
2 ـ ضرورة معرفة أهمية عظمة هذا الشـهر، المتأتية لـه من عظمة ليلة القدر، التي نزل فيها القرآن الكريم، والتي وصفها سبحانه وتعالى في كثير من المواضع القرآنية، منها قوله تعالى: (حم· والكتاب المبين· إنــا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين· فيها يفرق كل أمر حكيم· أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين· رحمة من ربك إنه هو السميع العليم· رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) (الدخان: 1.· 6)·
3 ـ أهمية هذه العبادة في النهار والليل وثوابها الجزيل والمضاعف عند رب العالمين·
4 ـ أهمية الأخلاق والصفات المتأتية للإنسـان من صيام هذا الشـهر، الروحية والنفسـية والسـلوكية·· الدنيوية والأخروية، الفردية والجمعية والاجتماعية والحضارية·
5 ـ أهمية إعطاء العلاقات الاجتماعية بعدا قدسـيا متميزا، من خلال السلوكات القيمية التي تصدر عن الفرد المسلم عندما ُيفطّر صائما، أو يسقيه شربة ماء، أو مذقة لبن·
6 ـ أهمية معرفة التقسيم التوقيفي لأيـام هـذا الشهر، واحتـوائه على المراحم الإلهية الثلاث الخالدات: >أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار<·
7 ـ أهمية معرفة قيمة الخصال التي يجب أن يتميز بها المسلم، وهي: >الذكر والتسبيح والاستغفار، وطلب الجنة والفوز بها، والاستعاذة من النار وضمان النجاة منها<·
علاقة الصدقة بسقاية الصائم شربة ماء وورود حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم·

معارج العبور لباب الريان
يعتقد كثير من مسلمي اليوم أن الصيام مجـرد شـهر يجوعون ويعطشون ويحصرون ويحرمون فيه من كثير اللذائذ والأطايب والمباحات المألوفة ردح النهار، ليعبوا منها عبا مفرطا سواد الليل، ومن دون الالتفـــات إلى أهميته الروحية والنفسـية والسـلوكية والتربوية القيمة، التي لها الدور المتميز في صياغة فرد زكي صفي نقي· وأما معارج العبور التي يجب أن تتوفر في الفرد المسلم ليكون ضميره الإسلامي حيا، ويكون من المؤمنين الحقيقيين، المسـتحقين لرضى الله، والفاقهين لمقاصد عباداتهم التي شرعها لهم رب العزة، ومنها فقه عبادة الصيام، الذي إن صدق صاحبه في عبادتـه مع ربـه، عرج به صدقه ذلك، وصومه يومها للعبور الآمـن من بوابة الريان العظيمة، التي لا يعبرها إلاّ أمثاله من الصائمين، هذه البوابة العظيمة التي قال فيها سـيد الخلق، الصادق المصدوق ســـيدنا محمد عليه الصلاة وأفضل التسليم فيما يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه قوله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من بــاب الصلاة، ومن كان من أهل الجهـاد، دعي من بــاب الجهـاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة<، قال أبوبكـر رضي الله عنه: >بأبـي أنت وأمي يـا رسـول الله، مـا على من دعي من تلك الأبـواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال: >نعم وأرجو أن تكون منهم<(31)· وباب الريان العظيم هذا، والمتوارد ذكره في كثير من الأحاديث النبويـة عند مختلف المذاهب الإسلامية، لا نعرف عنه سـوى، اسمه المتميز الرنان هذا، هذا الاسـم المفعم بمنتهى الري، وبصيغة المبالغـة والمفاعلـة في الارتـــواء، والخاص بجمهور الصائمين الصادقين في صومهم· فعن الصحابي الجليل سـهل بن سـعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد<(42)·
إن العروج نحو باب الريان سفر متميز من بين الأسـفار التي يتمتع المسـافر فيها بوعثـاء سـفره ذلك، وهي رحلة نوعية براها لنا رب العزة لنرحل إلى جنته بأشـواقنا وقلوبنا وأرواحنا ووجداننا ونحن مازلنا نعافـس رواسـب دنيانا، تنسينا هموم الدنيا، وشرور الآبقين الكثيرة بها، وتسـلينا بمكافأة متميزة تنتظرنا يوم العرض الرهيب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلاّ من أتى الله بقلب سليم·
إنها رحلة روحية خاصة، تحتاج إلى عـدة وجدانية متميزة، وسـياحة نفسية مركبة ومشوقة، وتحتاج إلى زاد كيفي ونوعي متميز، وتتطلب من العابــر نحوها بصدق جملة من الكفاءات والمهارات الداخلية الوجدانية، والخارجية السلوكية، أجملتها سـيرة وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وتقريرا· وأما معارج العبور الآمنة نحو باب الريان فهي:

المعارج الروحية
1 ـ الإخلاص والصدق·
وأولى هذه المعارج الروحية، العمل على الارتقاء والتسامي النموذجي بأعماق النفـس الإنسانية من وجدانها الداخلي، عبر ركائز الصدق والإخلاص، الذي يمثل عمدة ولـبّ الجوهر الإنسـاني، الذي قال الله تعالى فيه: (وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين لـه الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (البينة: 5)، لأن الله لا يحب من عباده إلاّ العمل الخالص لوجه الكريم، ولا يعنيه من عبده إلاّ أصغريه >قلبه ولسانه<، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم<(51)·إن الله سـبحانه وتعالى لا يعنيه شـكل ومنظر عبـده الخارجي فقط، إذا كان داخله خربـا وكئيبا ومليئاً بالمفاسـد الروحية، فهـو يحب الصفاء الداخلي، والنقاء الخارجي لعبده معا، ولا يحب أن يُبنى أحدهما على حساب الآخر، أو أن يأخذ أحدهما سهما من نصيب الآخر، بل هما جانبــان متكاملان متوازنان، يحققان التوازن الروحي لعبده، ومن كان التباين سـيرته بين باطنه وظاهره، فمصيره يحدده هذا الخبر الصادق الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أبي زيد أسـامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: >يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها، كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه<(61)·
إن الصدق الداخلي والخارجي للنفس البشرية، والصدق في الإخلاص الداخلي هو أحد المعارج النبيلة في سـلم التسامي نحـو تطبيق صيام صادق ومتميز، يسـتحق صاحبه عليـه نقطة إضافية، لتأكيد نجاحه وفرص تحقيق أمنية العبور الآمن نحو باب الريان·
2 ـ التقوى·
وإذا كان الصدق الداخلي والخارجي، والصدق في الإخلاص أحـد نقــاط النجـاح لضمان تأهيل العبور نحو باب الريان، فإنه يحتاج إلى نقاط أخرى تدعمه، وفي مقدمها ركيزة التقوى، وقد أكد هذه الحقيقة القلبية الله تعالى وهــو يوجه الخطاب لعموم المؤمنين حين قـال: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون) (آل عمران: 102)· فقد عدت السنة النبوية وعلى لسـان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكرم وأفضل الناس أتقاهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يارسول الله من أكرم الناس؟ قال >أتقـاهم<· فقالوا: ليـس عن هذا نسـألك، قال: >فيوسف بني الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله<، قالـوا: ليـس عن هـذا نسـألك، قـال: >فعن معادن العرب تسألوني ؟ خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا<(71)·
وهكذا تشكل التقوى أحد فرص تأكيد العبور نحو باب الريـان، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >إن الدنيا حلـوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء<(81)· فتصير التقوى بالمنطوق النبوي المعصوم أحد محترزات الزلل، وأحد ضمانات العبور الآمن نحو باب الريان·
وظلت التقوى حاضرة بقوة في بنيات ومكونات الخطاب الإسلامي القرآني والنبوي وقائمة حتى خطبة حجة الوداع، يؤكد ويزيد في التأكيد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أبي أمامـة ُصدّى بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال: سـمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع، فقال: >اتقوا الله··< (19)· ولتبقى التقوى أحـد ركائز التنقية القلبية المستمرة للفرد المسلم، تصحـح بعمق واقتدار عبادتـه، وتعرج به قلبيا وسـلوكيا نحو صيام سـليم، يؤهله لامتلاك بطاقات العبور الآمـن نحـو باب الريان·
3 ـ تحري رضا الله:
ولإتمام عملية التنقية الروحية والقلبية الداخلية يجب على المسلم المتطلع للعبور نحو باب الريان تحري رضا الله تعالى، وإدراك أبعاد الصوم ومقاصده في شـهر رمضان وفي غيـره، فعن أم عُمارة الأنصارية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقدمت إليه طعاما فقال: (كلي)، فقالت: إني صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >إن الصائم تصلي عليه الملائكة، إذا أُكل عنده حتى يفرغوا<، وربما قال: >حتى يشبعوا<(91)·
فالصائم مثاب بصومه، كما هو مثاب بثواب المفطر عنده، ومستحق رضا الله، ودعاء الملائكة له·

المعارج النفسية
ومستقر المعارج الروحية كامن في أعماق النفـس الإنسـانية، التي هي مستودع أسـرار الإيمان وعوالم الغيب، ولا يمكن تصور نفس إنسانية بغير قيم وجدانية ومعايير شـعورية يميز بها الفرد المسلم مهاوي فؤاده، والمعارج النفسية ركائز أساسية لسلامة النفــس، المطمئنة لصيام وعبادة صحيحة تؤدي بها للتطلع الآمن لعبور باب الريان، وعلى رأسها ما يلي من الركائز:
1 ـ سلامة الصدر من الآثام النفسية·
وتشكل سـلامة الصدر الإنساني، الخالي من كل الأمراض النفسـية، ومن كل العقد المرضية، ومن كل الأسقام الدفينة، من غل وحقد وحسد وسوداوية ومكر ولؤم وخسة وسـوء طبع ونفـس·· أحـد بوابات العبور الآمن نحو باب الريان، لنكير الخطاب الإسلامي على الصدور الدفينة بالغل، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >البر حسـن الخلق، والإثــم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس<·(12)وسـلامة الصدر من الآثـام النفسية مقوم سـوي، ومفعل قوي لتحقيق العبادة والعلاقة السوية مع رب العالمين، وتذكرة عبور صادقة وحقيقية بين العبد وربه، لأن الله يبني علاقته مع عبده أولا بلبنـة الطهارة القلبية الخالية والصافية تجاهه من كل وصب، فعن النعمان بن بشـير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: >إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب<(22)·
إن سـلامة الصدر ركيزة أسـاسية في عملية التعبد، وهي ركيزة أساسية أيضا في عملية العبور الآمن نحو باب الريان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:>إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب<(32)· وإن مرضا دفينا واحدا من أمراض النفس الإنسانية القلبية كفيل بحرقها وإتلافها، فما بالك بالمرضين في القلب، أو الثلاثة، أو الأربعة؟·
وإن مرضا واحــدا ليبعد صاحبه عن مفهوم ومقصد العبادة الصحيحة، مع بذله للجهد في العبادة لكنه ُيحرم من ثوابها، ويفقد الأمل في كسب رضى ربه، والفوز بالعبور من أحد أبواب الجنة·
2 ـ امتلاء الصدر بالقيم الشعورية والوجدانية الفاضلة·
ولا يكفي الفرد المتأمل في العبور تصفية القلب من كل الأمراض، بل يجب أيضا ملـؤه وغمره بكل أشكال الخير والإحسان، من ذلك الإكثار من الدعاء القلبي واللساني للصائمين، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه فجـاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: >أفطر عندكم الصـائمون، وأكل طعامكم الأبـرار، وصلت عليكم الملائكـة الأخيار<(42)· لأن الحضارة الإسلامية لا يبنيها سوى أصحاب الصدور المفعمة بقوى الخير، ولا يتقدم بها شاهد وممثل ومراقب عليها سوى القلب المفعم بالقيم الوجدانية الفاضلة، لأن الحضارات تعلو وتسمو بالفضيلة القلبية أولا، التي تظهر علاماتها في الواقع الحضاري المعيش وثانيا هي أيضا تذكرة عبور دنيوية شهودية، وتذكرة عبور أخروية·
3 ـ عشق القلب لمواطن الجمال في أعماق النفس·
ولا يكفي للعبادة الصادقة سلامة الصدر من الأسقام والعقد النفسية، وامتلاء القلب بالقيم الجميلة بل تتطلب هاتان الملكتان ملكة نفسية ثالثة، تضفي على النفس جمالا وذوقــا ورقـة، لتجعلها من أجمل الأنفس، فأَجْمِل بالأنفس الجميلة، وأجمل بالقلوب الجميلة، وأجمل بالمشاعر الجميلة المتعشقة لمواطن الجمال في هذا الكون الإلهي الجذاب· وهذه الملكة تذكرة فنيـة جميلة للعبور الصادق نحو باب الريان، فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر<، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسـنا، ونعله حسـنة· فقال: >إن الله جميل يحب الجمال· الكبر بطر الحق، وغمط الناس<(52)·
فالقلب الجميل ـ وأجمل بالقلب الجميل ـ ركيزة للنفـس الجميلة، والنفـس الجميلة قوّامة بصدق على الإسلام الصحيح، وقوامة على بنــاء الشهود الحضاري، بعد أن تكون قد ضمنت لصاحبها تذكرة العلاقة الصادقة مع رب العزة، وتذكرة العبور الآمن نحو باب الريان·
4 ـ تربية القلب ورياضة النفس·
والقلب الجميل، والنفس الجميلة، نتاج لعملية رياضية شـاقة اسمها التربية، التي تشكل إحدى ركائز العلاقة التعبدية الصادقة بين العبد وربه، وإحدى ركائز العبور الآمن نحو باب الريان·
ففي أيام رمضان ـ أي العشر الأوخر ـ تتدرب الأنفـس الجميلة على رياضة روحية وتعبدية متميزة، لتصبح معها طيعة لنداء ربهـا العلوي، وتلك هي سيرة المؤمن مع أيام الله في الأرض، فعن أبي يحي صهيب بن سـنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلاّ للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له<(26)· سـيرة تربويـة طيعة، وسـيرة رياضية متكيفة ومتوافقة مع سـائر الأوضاع، وسـيرة تربويـة مواكبة لكل ظروف وملابسـات الحيـاة، وقـدرة على الصبر والتحمل والتكيف، وبها تحقق سفر العبور الآمن نحو باب الريان·

المعارج السلوكية
وثمار المعراجين الروحي والنفسي تتبدى آثـــارهما الواضحة والظاهرية في المعارج السلوكية في شخصية وتصرفات الفرد المسلم في إطاره الجمعي والاجتماعي والأممي الحضاري·
1 ـ السلوك الفردي الرشيد·
إن السلوك الفردي الرشيد، هـو المسلك القويم الذي يعرج به الصائم لتحقيق علاقة صحيحة مع ربه عبر عبادة الصيام، كما يشـكل أيضا معبرا سـليما وآمنا نحو بـــاب الريان، الذي يبدؤه من رؤية الهلال، وذلك عندما يقبل الصائم الصادق بقلبه على ربه عند رؤية هلال الخير والبر قائلا ومهللا، ما رواه لنا الصحابة الكرام رضي الله عنهم عن رســولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: >اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير<·(27)
وهو السلوك عينه الذي يتكرر ويأخذ أشكال بر وإحسان متنوعة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: >كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارســــه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة<(28)·
وهو السلوك الإيماني الفردي السـوي الرشـيد عينه، الذي جسده لنا رسـولنا الكريم، لنضمن بـه تذكرة العبور الآمن نحو باب الريان، فعن أم المؤمنين السـيدة عائشـة رضي الله عنها قالت: >كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر<(29)·
وهذا السلوك الاجتماعي والحضاري البناء، هو الذي يأخذ أشـكال بنـاء وتشـييد آفاق اجتماعية متنوعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه<(30)· إن هذا السلوك الإسلامي الرشيد هو الضامن لعملية البناء الحضاري الفردية، التي يحققها الفرد المسلم بذاتيته السلوكية ضمن إطار الجماعة والمجتمع الإسلامي الرشيد·
2 ـ السلوك الجمعي الرشيد
يتفاعل السلوك الفردي الرشيد ضمن إطار الجماعة، ليقدم سلوكا جمعيا وجماعيا بناء ومتماسكا نحو الذات والآخر معا، سلوك جمعي يبدؤه المجتمع المسلم بسـحر فجـر يـوم الصيام، حين يبت واعيا بنية الصيام بعد وجبة السحور المتميزة في صيام المجتمع الإسلامي دون سـواه، فعن أنــس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >تسحروا فإن في السحور بركة<(13)·
وهو سـلوك جمعي يؤكد وحدة التصور والمنطلق والغاية والسلوك الإسلامي الجمعي·
ليختتم المجتمع الإسلامي بياض نهاره بســواد ليل يبدؤه على الفطر الجماعي، الذي يمثل وحدة الأمة الإسـلامية تصورا ومنطلقا وسـلوكا وغاية، فعن سهل بن سـعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عله وسلم قال: >لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر<·(23)
ويتخلل هذين الوقتين الكريمين سلوك جمعي إسلامي متميز، يجب على المسلمين ممارسته عن قناعة وطواعية وحب، وفق المسارب والقيم الأخلاقية العالية للإسلام، وهو أحد تذاكر العبور الحقيقية نحو العلاقة التعبدية الرشيدة والمقبولة مع الله، كما أنه يمثل أحـد الركائز الأسـاسـية لعبور بـاب الريان بكل طمأنينة وثقة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم<·(33) كما يجب أن يتخلل هذين الوقتين الكريمين سلوك تفاعلي ومادي إسـلامي جمعي باتجاه الآخر، غير السـلوك المعنوي والأخلاقي السـابق الذكر، لأن القيم الأخلاقية الإسـلامية تأخذ عمقها ومصداقيتها وقبولها لدى الآخــر من البعدين: الروحي المعنوي، والاقتصادي المادي والاجتماعي، فعن الصحابي الجليل زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >من فطَّر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا يُنقص من أجر الصائم شيء<·(43)
ليتوسع هذا السلوك الجمعي المعنوي والمادي في شــبكة العلاقات الاجتماعية وليتمدد فيها بعمق وفاعلية وتأثير، عبر بوابــات العمل الصالح الواسـعة والمتنوعة، وعبر مآلات النهايات المنتظرة للفرد والمجتمع، حتى تتحقق الخيرية الكلية في السلوك الفردي والجمعي الإسلامي باتجاه الآخــر المسحوق، الذي يضمن العلاقة التعبدية الصحيحة مع الله، كما يضمن للذات الفردية والاجتماعية الإسلامية ورقـة رابحة أخرى تنضاف لسـفر العبور الآمن نحو بــاب الريان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلاّ فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال، فشر غائب يُنتظر أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر<(53)·
وهكذا ينطلق السـلوك الفردي الإسـلامي البنـّاء ضمن كينونة السـلوك الجمعي الإسـلامي بعلاقة تعبدية متميزة من حيث: التصور والممارسـة والغاية والوسـيلة، محققا مفهـــوم المجتمع الأمثل، الذي يضمن لأفراده فرص الإبداع، وفرص تحقيق الرسالة الإسلامية في الحياة، وهو صميم المقصد الإسلامي البناء للمجتمع الأفضل·
3 ـ السلوك الاجتماعي والحضاري الرشيد·
وتبقى محصلة التفاعل الفردي والجمعي والاجتماعي الإسـلامي الرشـيد لأفــــراده عبر منظومة القيم المادية والمعنوية والروحية الإسلامية نحو الذات المؤمنة والآخر التائه في مختلف أرجاء المعمورة هي الركيزة الكبرى والأسـاسية لتحقيق الفاعلية والتمثيل والشهود الحضاري، وقد ينقض البنـاء كله لـو انزلق الفرد والمجتمع المسلم عبر سلوك تهديمي واحد يتبعه آخر وآخر، محققا بذلك السـلبية والنكوص والتراجع الحضاري في الفرد والجماعة والمجتمع والأمة الإسلامية كلها، وهي أخطـر آليــات الانهيـار التي حذرنا الإسلام من ممارستها أو الوقوع فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذرا ومنبها من تهديم العمل التعبدي الفردي والجمعي والاجتماعي: >من لم يدع قـول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه<(63)·
مبينا في الوقت نفسـه سـبل الوقاية الداخلية، ومحترزات الأمن لصيانة العلاقة التعبدية الخالصة والصادقة مع الخالق، ومحاولة تجسيدها بصدق مع الذات والآخر، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرغبا ومحببا: >من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر<(73)· وذلك بهدف زيادة الجرعة التعبدية المنعشة التي تضمن روح الاستمرار الروحية مع الله، بهدف ضمان العبور الآمن نحو باب الريان·
حاثاً على قيم المحاولة الصادقة، وقيم التسديد والمقاربة الخالصة لله تعالى، وقيم التوكل والاعتماد على رحمة الله، وليـس على تراكم الجهد التعبدي المبذول، فعن أبي هريـرة رضي الله عنه قال: قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: >قاربوا وســـددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحـــــد منكم بعمله<، قالــوا: حتى أنــت يارســول الله ؟ قــال: >ولا أنـــا، إلاّ أن يتغمدني الله برحمـة منه، وفضل<(83)·
مختتما عرض منظومته القيمية الحضارية الضامنة لاسـتمرار الشـهود بين الأمـم بالعمل على تواصل المبادرة الخيرية رجــاء تبدل الزمان الأردإ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل<(93)·
مؤكدا أولا وأخيرا على اسـتمرار الخيرية الفردية، كركيزة أسـاسـية للشهود وللعبور الصادق والآمن نحو باب الريان، فعن أبي صفوان عبد الله بن بُسـر الأسـلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >خير الناس من طال عمره، وحسن عمله·<(04)· ومن هنا فقد أكـد الإسـلام على أهمية الخيرية والإحسان، وضبط حـدها في الزمن القيمي الفاعل، الذي يستهلكه الفرد اجتماعيا، وضبط درجة صاحبها زمانا وقيمة ومكانة ومآلا·

عبرة وعبرات
إن الخيرية الفردية التي ركز عليها الإسلام في منظومته القيمية هي الركيزة الأسـاسـية للشـهود وللتمثيل الحضاري، وهي التي ينتظرهـا دائما من أهلــه، لأن (··أكرمكم عند الله أتقاكم··) (الحجرات: 13)، هي الوعد الأكيد والصادق والآمن للفرد المسلم في الحياة الدنيا، كما هي وثيقة القبول الصادق يوم الحشر، يــوم يُدعى كل أناس بإمامهم، ويوم يُنادى لكل صاحب غدرة بلوائه، فمن وجد خيرا، فليعلم أن خيرية وصدق مقدماته، هي التي ضمنت له سفر العبور الآمن نحو بـاب الريان، ومن وجد غير ذلك، وطرد من كل الأبواب، وسـيق مغلولا بالأصفاد مع الأصناف، فليراجع النفس، وليذاكر السفر، وليحدث القلب، وليكلم العقل، وليبك الخطيئة، وليلزم الفضيلة، وليحاسـب الضمير، وليتذكر بشوق أسماء الجنان ومباهجها وزينتها، وليتوسم بعمق لظى سقر وسعير··· ومشتقاتها، يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية·
والله من وراء القصد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الهوامش
(1) حديث رواه مسلم عن أبي هريرة، انظر الترغيب والترهيب، ج 2، ص 81·
(2) حديث رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن أبي هريرة، وهو حديث حسن·
(3) رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة عن عبد الله بن عمر·
(4) رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مســعود الغفاري (الترغيب والترهيب 2/102، ومجمع الزوائد 3/141)·
(5) رواه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن مسعود، وفيه انقطاع (مجمع الزوائد: 3/140)·
(6) نقلا عن وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، ج 2، ص 570·
(7) رواه مسلم عن أبي هريرة (الترغيب والترهيب: 2/92)·
(8) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (الترغيب والترهيب: 2/97)، وفي رياض الصالحين، ص 445·
(9) متفق عليه عند البخاري وغيره (أصحاب الكتب الست) عن أبي هريرة·
(10) رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة·
(11) متفق عليه، نيل الأوطار 4/270·
(12) رواه ابن خزيمة في صحيحه (الترغيب والترهيب: 2/94 ومابعدها)·
(13) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 444 و 445·
(14) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 445·
(15) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 7·
(16) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 106·
(17) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 47·
(18) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 47·
(19) رواه الترمذي، رياض الصالحين، ص 48·
(20) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، رياض الصالحين، ص 455 و 456·
(21) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 262·
(22) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 262·
(23) رواه أبو داود، رياض الصالحين، ص 559·
(24) رواه أبو داود بإسناد صحيح، رياض الصالحين، ص 456·
(25) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 561·
(26) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 25·
(27) رواه الترمذي وقال حديث حسن، وقد رواه الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، رياض الصالحين، ص 447·
(28) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 446·
(29) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 446·
(30) رواه أبو داود وغيره، رياض الصالحين، ص 46·
(31) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 448·
(32) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 448·
(33) متفق عليه، رياض الصالحين، ص 450·
(34) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، رياض الصالحين، ص 455·
(35) رواه الترمذي وقال: حديث حسن· رياض الصالحين، ص 58·
(36) رواه البخاري، رياض الصالحين، ص 450·
(37) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 453·
(38) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 55·
(39) رواه مسلم، رياض الصالحين، ص 56·
(40) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، رياض الصالحين، ص 64·




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 113.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 112.05 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]