إنه لا يحب المسرفين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كيف تصنع ب"لا إله إلا الله" يوم القيامة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          رأس المنافقين ( عبد الله بن أُبَيّ بن سلول) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الإسراء والمعراج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الأخوَّة.. تلك الحلقة المفقودة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          محمد بن القاسم الثقفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الإسلام عقيدة وعبادة وأخلاق وتشريع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          معركتنا مع الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أويس القرني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الصاحب الناصح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          انت أخي في الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-02-2020, 06:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي إنه لا يحب المسرفين

إنه لا يحب المسرفين



الشيخ عبدالله بن محمد البصري



أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا ﴾.


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، في كُلِّ عَامٍ تَأتي الإِجَازَةُ الصَّيفِيَّةُ، لِتَأتيَ مَعَهَا مُشكِلاتُهَا وَقَضَايَاهَا، إِنَّهَا مُشكِلاتٌ تُعِيدُ نَفسَهَا، وَقَضَايَا تَتَكَرَّرُ كَمَا هِيَ غَالِبًا. وَيَتَكَلَّمُ الخُطَبَاءُ وَيُنَاقِشُونَ، وَيُبَيِّنُونَ لِلنَّاسِ وَيَنصَحُونَ، وَيُحَاوِلُونَ رَسمَ الحُلُولِ لِلمُشكِلاتِ وَإِيجَادَ البَدَائِلِ الشَّرعِيَّةِ في كَثِيرٍ مِنَ المُخَالَفَاتِ، وَمَعَ هَذَا تَظَلُّ الأَخطَاءُ هِيَ الأَخطَاءَ، وَلا تَزدَادُ بَعضُ المُشكِلاتِ إِلاَّ تَدَاخُلاً وتَعقُّدًا. غَيرَ أَنَّ مِنَ الغَريِبِ أَنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا إِلى جَانِبِ كَونِهَا مِمَّا يَأثَمُ بها أَصحَابُهَا وَلا يُؤجَرُونَ، فَقَد تُكَلِّفُهُم أَموَالاً طَائِلَةً وَتُحَمِّلُهُم أَعبَاءً ثَقِيلَةً، وَمَعَ هَذَا يَغُضُّونَ فِيهَا الطَّرفَ عَن ذَوَاتِهِم وَيَتَسَامَحُونَ مَعَهَا، وَقَد يَتَكَلَّفُونَ لأَنفُسِهِمُ المَعَاذِيرَ وَيُرضُونَهَا بِأَتفَهِ المُسَوِّغَاتِ، لا لِمَجدٍ يَستَفِيدُونَهُ وَلا لِشَرَفٍ يَكسِبُونَهُ، وَلَكِنْ مُجَارَاةً لِلآخَرِينَ وَتَقلِيدًا لِمَن حَولَهُم، وَإِظهَارًا لِلنُّفُوسِ بِغَيرِ مَا هِيَ عَلَيهِ في الوَاقِعِ، مِن ذَلِكَ الإِسرَافُ في الوَلائِمِ وَالتَّكَلُّفُ في الحَفَلاتِ، وَهِيَ الصِّفَةُ الَّتي يُجمِعُ النَّاسُ نَظَرِيًّا عَلَى ذَمِّهَا وَتَقبِيحِهَا، وَتَتَنَوَّعُ أَسَالِيبُهُم في التَّنفِيرِ مِنهَا وَالتَّشنِيعِ عَلَى أَهلِهَا، فَإِذَا تَأَمَّلتَ وَاقِعَهُم في أَنفُسِهِم وَسَبَرتَ تَصَرُّفَاتِهِم، وَجَدتَهُم في بُحُورِهَا غَارِقِينَ، لا يَمتَنِعُونَ عَنهَا وَلا يَتَحَرَّزُونَ، يَستَدِينُ أَحَدُهُم مَا لا طَاقَةَ لَهُ بِسَدَادِهِ، وَقَد يَستَرفِدُ ويُلحِفُ في المَسأَلَةِ، ثُمَّ يُبَدِّدُ مَا جَمَعَهُ فِيمَا لا يَرضَاهُ اللهُ، وَيُبَذِّرُ الأَموَالَ مِن أَجلِ أَن يُرضِيَ فُلانًا وَلِئَلاَّ يَغضَبَ عَلَيهِ عَلاَّنٌ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد كَانَ الإِسرَافُ في السَّنَوَاتِ المَاضِيَةِ يَظهَرُ في حَفَلاتِ الزَّفَافِ، وَيَتَحَمَّلُ مَغَبَّتَهُ عَدَدٌ غَيرُ قَلِيلٍ مِنَ المُتَزَوِّجِينَ وَآبَاؤُهُم وَأَقَارِبُهُم، مِمَّا أَدَّى إِلى تَأَخُّرِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ في الزَّوَاجِ، وَعُزُوفِ بَعضِهِم عَن بَنَاتِ بَلَدِهِ وَاستِسَهَالِهِ الزَّوَاجَ مِنَ الخَارِجِ لِقِلَّةِ مَا يَدفَعُهُ هُنَالِكَ. وَمَا زَالَ العُقَلاءُ يُحَذِّرُونَ مِن هَذَا البَلاءِ وَيَسعَونَ لِلقَضَاءِ عَلَيهِ وَدَفعِ شَرِّهِ، خَاصَّةً في ظِلِّ هَذَا الغَلاءِ وَالجَشَعِ وَالطَّمَعِ، وَزِيَادَةِ أَسعَارِ البَضَائِعِ وَالسِّلَعِ، غَيرَ أَنَّ هَذَا الإِسرَافَ في السُّنَيَّاتِ المُتَأَخِّرَةِ دَخَلَ في مَجَالاتٍ أُخرَى غَيرِ الزَّوَاجِ، وَخَاصَّةً فِيمَا يُسَمَّى حَفَلاتِ التَّخَرُّجِ، وَالَّتي بَعدَ أَن كَانَت تُقَامُ في البُيُوتِ وَعَلَى نِطَاقِ الأُسَرِ أَوِ العَوَائِلِ الصَّغِيرَةِ وَلا تَكَلِّفُ شَيئًا ذَا بَالٍ، أَصبَحَت في بَعضِ المُدُنِ احتِفَالاً كَبِيرًا يُخَطَّطُ لَهُ قَبلَ أَسَابِيعَ، وَتُوَزَّعُ لَهُ بِطَاقَاتُ الدَّعوَةِ الفَاخِرَةُ، وَتُستَأَجَرُ لَهُ القُصُورُ وَتُحجَزُ الاستِرَاحَاتُ، بَل وَيُبَالِغُ بَعضُهُم حتى لا يَرضَى لَهُ مَقَرًّا دُونَ أَفخَمِ الفَنَادِقِ أَو أَكبَرِ المُنتَجَعَاتِ، وَقَد يُحضَرُ لإِحيَاءِ هَذِهِ الحَفَلاتِ فِرَقٌ تَرفِيهِيَّةٌ، أَو يُدعَى لها مُغَنُّونَ وَمُغَنِّيَاتٌ وَمُصَوِّرُونَ وَمُصَوِّرَاتٌ، وَلا تَسَلْ بَعدَ ذَلِكَ عن تَنَافُسِ النَّاسِ في تَقدِيمِ أطعِمَةٍ وَأشرِبَةٍ تَكفِي لِلمِئَاتِ بَل لِلآلافِ، مَعَ مَا يُجعَلُ مَعَهَا مِن مُقَبِّلاتٍ وَحَلْوَيَاتٍ وَعَصَائِرَ وَأَطعِمَةٍ خَفِيفَةٍ، ثُمَّ تَظَلُّ كَمَا هِيَ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحيَانِ لم تَصِلْ إِلَيهَا يَدُ لامِسٍ، وَالأَشُدُّ إِيلامًا لِلنُّفُوسِ وَإِيذَاءً لِلقُلُوبِ، أَلاَّ تَجِدَ هَذِهِ الأَطعِمَةُ مَن يَحفَظُهَا وَيُوَزِّعُهَا عَلَى مَن يَحتَاجُ إِلَيهَا، فَلا يَكُونُ لها مَصِيرٌ غَيرَ أَكيَاسِ الزَبَائِلِ وَصَنَادِيقِ القُمَامَاتِ، وَبَدَلاً مِن أَن تَكُونَ المُنَاسَبَاتُ السَّعِيدَةُ فُرَصًا لانشِرَاحِ الصُّدُورِ وَالفَرَحِ المَشرُوعِ بِفَضلِ اللهِ بِشُكرِهِ وَذِكرِهِ، تُصبِحُ مَحَطَّاتٍ مُظلِمَةً في طَرِيقِ النَّاسِ، وَنِقَاطًا سَودَاءَ في صَفَحَاتِ حَيَاتِهِم، وَمَجَالاً لِلإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ المَنهِيِّ عَنهُمَا، وَسَبَبًا في تَقَلُّبِهِم بَعدَ تِلكَ الحَفَلاتِ شُهُورًا في عَيشٍ نَكِدٍ وَحَيَاةٍ بَائِسَةٍ، بَينَ غَلَبَةِ الدَّينِ وَقَهرِ الرِّجَالِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لم يَدُرْ بِخَلَدِ مَن يُبَالِغُونَ في إِقَامَةِ الحَفَلاتِ وتَضخِيمِ المُنَاسَبَاتِ، أَنَّهُم فَضلاً عَن كَونِهِم قَد خَالَفُوا أَمرَ اللهِ - تَعَالى - بِالاعتِدَالِ في المَأكَلِ وَالمَشرَبِ، وَوَقَعُوا في النَّهيِ عَنِ الإِسرَافِ وَنَالُوا مَعَرَّةَ بُغضِهِ - سُبحَانَهُ - لِلمُسرِفِينَ، لم يَدُرْ بِخَلَدِهِمِ أَنَّهُم فَضلاً عَن ذَلِكَ يُدمُونَ قُلُوبَ الضُّعَفَاءِ وَيُضَيِّقُونَ صُدُورَهُم، وَيُقَرِّحُونَ عُيُونَ الفُقَرَاءِ وَيَكسِرُونَ خَوَاطِرَهُم، حَيثُ لا يَجِدُ بَعضُهُم مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَيَستُرُ الحَالَ، وَيَتَمَنَّى آخَرُونَ أَن يَتَمَكَّنُوا مِن شِرَاءِ مَلبَسٍ جَدِيدٍ في مُنَاسَبَةٍ سَعِيدَةٍ أَو يَومِ عِيدٍ، أَو يَتَمَلَّكُوا مَسكَنًا مُتَوَاضِعًا يَكفِيهِم سُعَارَ التُّجَّارِ وَيُؤيهِم عَن مُطَارَدَةِ المُؤَجِّرِينَ، نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ الإِسرَافَ في الوَلائِمِ وَالتَّكَلُّفَ في الحَفَلاتِ يَوغِرُ صُدُورَ المَسَاكِينِ، وَيُقَرِّحُ أَكبَادَ الفُقَرَاءِ وَالمُقِلِّينَ، وَيُنبِتُ في البُيُوتِ وَبَينَ الأُسَرِ مِنَ الخِلافَاتِ وَالمُشكِلاتِ مَا لا يُحِسُّ بِهِ إِلاَّ مَنِ اكتَوَى بِنَارِهِ مِن ذَوِي الدُّخُولِ المَحدُودَةِ، الَّذِينَ يُلجَؤُونَ لِلإِنفَاقِ لِئَلاَّ يُحرَجَ أبنَاؤَهُم بَينَ المَلأِ، أَو تَظهَرَ زَوجَاتُهُم وَبَنَاتُهُم بَينَ النِّسَاءِ بِمَظهَرٍ لا يَلِيقُ، وَإِنْ أَبى أَحَدُهُم أَن يُنفِقَ مِثلَ الآخَرِينَ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، أَو لأَنَّهُ يَعلَمُ يَقِينًا أَنَّ هَذَا المَبلَغَ فَوقَ طَاقَتِهِ، انطَلَقَت مِن هُنَالِكَ شَرَارَةُ خِلافَاتٍ عَائِلِيَّةٍ، وَضَاقَت عَلَيهِ صُدُورٌ مَا كَانَ لها أَن تَضِيقَ، وَتَحَوَّلَت حَيَاةُ ذَلِكَ البَيتِ إِلى جَحِيمٍ مُلتَهِبٍ وَسَعِيرٍ مُشتَعِلٍ، سَبَبُهُ مُشكِلاتٌ قَدَحَ شَرَارَتَهَا بَعضُ مَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِسَعَةِ المَالِ وَحَرَمَهُم مِن حُسنِ التَّصَرُّفِ وَسَعَةِ الأُفُقِ، إِذْ حَمَّلُوا إِخوَانَهُم مُتَوَسِّطِي الحَالِ بِتَبذِيرِهِم مَا لا يُطِيقُونَ، وَكَلَّفُوهُم بِإِسرَافِهِم صُعُودَ كُلِّ مُرتَقًى صَعبٍ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ الإِسرَافَ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ الضَّلالِ وَعَدَمِ الهِدَايَةِ، وَهُوَ طَرِيقٌ لِلهَلاكِ وَالخَسَارَةِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ وقال - سُبحَانَهُ -: ﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَن هُوَ مُسرِفٌ مُرتَابٌ ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفِينَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ ثُمَّ صَدَقنَاهُمُ الوَعدَ فَأَنجَينَاهُم وَمَن نَشَاءُ وَأَهلَكنَا المُسرِفِينَ ﴾ وَقَدِ اتَّصَفَ بِالإِسرَافِ شَرُّ خَلقِ اللهِ، قَالَ - سُبحَانَهُ - عَن فِرعَونَ: ﴿ وَإِنَّ فِرعَونَ لَعَالٍ في الأَرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ المُسرِفِين ﴾ وَقَالَ عَن قَومِ لُوطٍ: ﴿ إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ ﴾ وَقَالَ عَن أَهلِ الشِّمَالِ وَأَصحَابِ النَّارِ: ﴿ وَأَصحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصحَابُ الشِّمَالِ. في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ. وَظِلٍّ مِن يَحمُومٍ. لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ. إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُترَفِينَ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلى اللهِ وَأَنَّ المُسرِفِينَ هُم أَصحَابُ النَّارِ ﴾ وَإِنَّ التَّعَوُّدَ عَلَى الإِسرَافِ وَالتَّمَادِيَ فِيهِ يُمَكِّنُهُ مِنَ النُّفُوسِ، وَإِذَا تَمَكَّنَ الإِسرَافُ في الشَّهَوَاتِ مِن قَومٍ حَتَّى يَغلِبَ عَلَيهِم، فَإِنَّهُ لا حَدَّ لَهُ وَلا مُنتَهَى، بَل إِنَّهُ لَيُوقِعُهُم في طَلَبِ شَهَوَاتٍ غَرِيبَةٍ، لا تُقِرُّهَا عُقُولٌ زَاكِيَةٌ وَلا تَقبَلُهَا فِطَرٌ سَلِيمَةٌ، وَلا تَهَشُّ لِمِثلِهَا نُفُوسٌ طَيِّبَةٌ ولا تَشتَاقُ لها أَذوَاقٌ رَفِيعَةٌ، وَانظُرُوا إِلى قَومِ لُوطٍ حِينَ استَرسَلُوا مَعَ الشَّهَوَاتِ المُعتَادَةِ وَأَخَذُوا مِنهَا مَا رَاق لَهُم وَلم يَقِفُوا فِيهَا عِندَ حَدٍّ، لَقَد أَدَّى بهم ذَلِكَ إِلى أَن وَقَعُوا في فَاحِشَةٍ مَا سَبَقَهُم بها أَحَدٌ مِنَ العَالمِينَ، وَهَذِهِ شِنشِنَةُ الاستِرسَالِ في الشَّهَوَاتِ، تَجعَلُ الآدَمِيَّ سَبُعًا ضَارِيًا بَل حَيَوَانًا بَهِيمًا، لا تُشفَى شَهوَتُهُ ولا تَبرُدُ غُلَّتُهُ، قَالَ - تَعَالى - عَن قَومِ لُوطٍ: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَومِهِ أَتَأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بها مِن أَحَدٍ مِنَ العَالمِينَ. إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِنَ دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ ﴾ وَقَالَ عَنهُم: ﴿ أَتَأتُونَ الذُّكرَانَ مِنَ العَالمِينَ. وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُم رَبُّكُم مِن أَزوَاجِكُم بَل أَنتُم قَومٌ عَادُونَ ﴾ وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن يَكرَهَ اللهُ - سُبحَانَهُ - إِضَاعَةَ المَالِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُم ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثرَةَ السُّؤَالِ" أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.


أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَلا تَقتَصِرُ صُوَرُ الإِسرَافِ في الإِجَازَاتِ عَلَى المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَالمُبَالَغَةِ في تَفصِيلِ الثِّيَابِ وَالمُغَالاةِ في شِرَاءِ المَلابِسِ فَحَسبُ، بَل لها صُوَرٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَمَظَاهِرُ مُتَعَدِّدَةٌ، مِن سَهَرٍ في اللَّيلِ طَوِيلٍ، وَنَومٍ في النَّهَارِ كَثِيرٍ، وَاستِهلاكٍ لِلمِيَاهِ وَالكَهرَبَاءِ فَوقَ الحَاجَةِ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَكُنْ مِن عِبَادِ الرَّحمَنِ الَّذِينَ وَصَفَهُم بِقَولِهِ: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لم يُسرِفُوا وَلم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ وَلْنَأتَمِرْ بِأَمرِهِ - تَعَالى - وَأَمرِ رَسُولِهِ، فَقَد قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَا بَني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ ﴾ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالبَسُوا مَا لم يُخَالِطْهُ إِسرَافٌ وَلا مَخِيلَةٌ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ وَآتِ ذَا القُربى حَقَّهُ وَالمِسكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبذِيرًا. إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا. وَإِمَّا تُعرِضَنَّ عَنهُمُ ابتِغَاءَ رَحمَةٍ مِن رَبِّكَ تَرجُوهَا فَقُلْ لَهُم قَولاً مَيسُورًا. وَلا تَجعَلْ يَدَكَ مَغلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطْهَا كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلُومًا مَحسُورًا ﴾.

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ ﴾.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ، وَنَحنُ عَلَيهِ مُستَخلَفُونَ مُؤتَمَنُونَ، وَعَنهُ عَمَّا قَرِيبٍ رَاحِلُون مُنتَقِلُونَ، وَإِذَا كَانَ الدَّاعِي لِلإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ لَدَى بَعضِنَا هُوَ كَثرَةَ المَالِ، فَمَا هَذِهِ بِطَرِيقِ المُؤمِنِينَ الشَّاكِرِينَ، الَّذِينَ يُرِيدُونَ الزِّيَادَةَ مِن فَضلِ اللهِ وَحِفظَ مَا لَهُ عَلَيهِم مِن النِّعَمِ، حَيثُ وَعَدَ بِذَلِكَ بِقَولِهِ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم ﴾ وَتَعَالَوا بِنَا نَتَأَمَّلْ حَدِيثَينِ شَرِيفَينِ عَظِيمَينِ؛ لِنَعلَمَ هَديَ رَسُولِ اللهِ وَطَرِيقَتَهُ في تَصرِيفِ مَا زَادَ عَنِ الحَاجَةِ، عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَن كَانَ مَعَهُ فَضلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا ظَهرَ لَهُ، وَمَن كَانَ لَهُ فَضلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ" قَالَ: فَذَكَرَ مِن أَصنَافِ المَالِ حَتَّى رَأَينَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضلٍ. رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَعَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبي بَكرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ أَصحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَإِنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَن كَانَ عِندَهُ طَعَامُ اثنَينِ فَلْيَذهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ كَانَ عِندَهُ طَعَامُ أَربَعَةٍ فَلْيَذهَبْ بِخَامِسٍ أَو سَادِسٍ" وَأَنَّ أَبَا بَكرٍ جَاءَ بِثَلاثَةٍ، فَانطَلَقَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِعَشَرَةٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكرٍ تَعَشَّى عِندَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ العِشَاءُ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ بَعدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيلِ مَا شَاءَ اللهُ. قَالَت لَهُ امرَأَتُهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَن أَضيَافِكَ ؟ قَالَ: أَوَمَا عَشَّيتِيهِم ؟ قَالَت: أَبَوا حَتَّى تَجِيءَ، فَغَضِبَ وَقَالَ: لا أَطعَمُهُ أَبَدًا، فَحَلَفَتِ المَرأَةُ أَلاَّ تَطعَمَهُ، وَحَلَفَ الأَضيَافُ أَلاَّ يَطعَمُوهُ. قَالَ أَبُو بَكرٍ: كَانَ هَذَا مِنَ الشَّيطَانِ، فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا، فَجَعَلُوا لا يَرفَعُونَ لُقمَةً إِلاَّ رَبَت مِن أَسفَلِهَا أَكثَرُ مِنهَا. فَقَالَ لأَمرَأَتِهِ: يَا أُختَ بَني فِرَاسٍ مَا هَذَا ؟ قَالَت: وَقُرَّةِ عَيني إِنَّهَا الآنَ لأَكثَرُ مِنهَا قَبلَ ذَلِكَ بِثَلاثِ مِرَارٍ، فَأَكَلُوا وَبَعَثَ بها إِلى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. لَقَد وَجَّهَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - مَن زَادَ عِندَهُ مِنَ المَالِ شَيءٌ أَن يَجُودَ بِهِ عَلَى مَن لا مَالَ لَهُ، وَلَو أَنَّنَا عَمِلنَا بِذَلِكَ - أُمَّةَ الإِسلامِ - لَمَا أَضَعنَا الأَمَوَالَ في التَّفَاخُرِ وَالتَّبَاهِي، وَلَرَأَينَا أَغنِيَاءَنا يَجُودُونَ عَلَى مَن هُوَ دُونَهُم وَلا سِيَّمَا في دَعمِ مَن لم يَتَزَوَّجُوا، وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا ذَلِكَ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ، لَعَفَّ بِذَلِكَ شَبَابٌ كَثِيرٌ وَشَابَّاتٌ، وَلَبُنِيَت بِبَرَكَتِهِم أُسَرٌ عَلَى الطُّهرِ وَالعَفَافِ وَسَترِ العَورَاتِ، وَلَفَرَّجَ اللهُ عَنهُم مَا هُم فِيهِ مِن كُرَبٍ جَزَاءً وِفَاقًا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ ﴾ وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ، لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ، وَمَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ بها كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.82 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]