الإسلام دين النظام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 591 - عددالزوار : 334021 )           »          اكتشف الأسباب الخفية وراء انتفاخ البطن! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الكافيين: فوائده، أضراره، والكمية الآمنة للاستهلاك يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التعايش مع اضطراب ثنائي القطب: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          7 أطعمة تقوي العظام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          نصائح بعد خرم الأذن: دليلك الشامل للتعافي بسرعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي فوائد التبرع بالدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          متى يكون فقدان الوزن خطير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          7أفكار لوجبات خفيفة للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أضرار مشروبات الطاقة: حقائق صادمة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-01-2020, 03:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي الإسلام دين النظام

الإسلام دين النظام


الشيخ عبدالله بن محمد البصري



أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لَقَد خَلَقَ اللهُ - تَعَالى - هَذَا الكَونَ وَأَبدَعَهُ، وَبَنَاهُ عَلَى نِظَامٍ دَقِيقٍ وَأَحكَمَهُ، حَتى لا يَتَقَدَّمَ فِيهِ مَخلُوقٌ عَلَى آخَرَ، وَلا يَتَأَخَّرَ مَأمُورٌ عَمَّا أُمِرَ بِهِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 37 - 40].

هَكَذَا خَلَقَ اللهُ الكَونَ، وَهَكَذَا حَفِظَهُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ وَتَوالي الدُّهُورِ، دَقِيقًا في أَجوَدِ صَنعَةٍ، مُتقَنًا في أَحسَنِ هَيئَةٍ، لا يَتَغَيَّرُ وَلا يَتَبَدَّلُ، وَلا يَمِيلُ شَعرَةً عَن سَبِيلِهِ الَّتي قُدِّرَ لَهُ السَّيرُ فِيهَا، ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88].

تَصَوَّرُوا - عِبَادَ اللهِ - مَا الَّذِي يَحدُثُ لَو خَرَجَ كَوكَبٌ عَن مَسَارِهِ، أَوِ اصطَدَمَ نَجمٌ بِآخَرَ، أَو طَغَى بَحرٌ عَلَى يَابِسَةٍ، أَو جَفَّ نَهرٌ فَجأَةً بَعدَ جَرَيَانِهِ، أَو غَارَ بَحرٌ في سَاعَةٍ أَو زَالَ جَبَلٌ في لَحظَةٍ، إِنَّهُ خَرَابُ الكَونِ وَفَسَادُ المَعَايِشِ وَاختِلالُ الحَيَاةِ، وَاللهُ يُرِي النَّاسَ في حَيَاتِهِم مِن هَذَا أَمثِلَةً لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ وَيَعتَبِرُونَ، فَحِينَ يَقَعُ زَلزَالٌ في بُقعَةٍ أَو تُبلَى بِفَيَضَانٍ، يَتَكَدَّرُ أَهلُهَا وَيَتَنَغَّصُ عَيشُهُم، وَيُخَيِّمُ عَلَيهِمُ الحُزنُ وَيَتَمَلَّكُهُمُ الخَوفُ، وَيَركَبُهُمُ الهَمُّ وَيُحِيطُ بهم الغَمُّ، وَمِن ثَمَّ يَهُبُّ العَالمُ بِأَسرِهِ مُحَاوِلاً مَسحَ مَا ارتَسَمَ عَلَى تِلكَ البُقعَةِ مِن دَمَارٍ وَفَسَادٍ، لِتَعُودَ حَيَاةُ النَّاسِ إِلى مَجرَاهَا الطَّبِيعِيِّ، فَسُبحَانَ اللهِ الَّذِي أَجرَى كُلَّ شَيءٍ في هَذَا الكَونِ عَلَى نِظَامٍ دَقِيقٍ مُحكَمٍ، وَسَخَّرَهُ لِهَذَا الإِنسَانِ وِفقَ سُنَنٍ ثَابِتَةٍ، لِيَهنَأَ في عَيشِهِ وَتَستَقِرَّ حَيَاتُهُ؛ وَمِن ثَمَّ يَقُومُ بِمُهِمَّتِهِ الَّتي أُنزِلَ عَلَى الأَرضِ مِن أَجلِهَا.

عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَ هَذَا الكَونَ وَرَتَّبَ كُلَّ مَا فِيهِ، جَعَلَ العِبَادَاتِ كَذَلِكَ مُرَتَّبَةً وَمُنَظَّمَةً، وَحَدَّهَا بِحُدُودٍ مَنَعَ مِن تَعَدِّيهَا وَتَجَاوُزِهَا، فَأَنتُم تَرَونَ الصَّلَوَاتِ في كُلِّ يَومٍ خَمسًا، قَبلَهَا وُضُوءٌ وَطَهَارَةٌ، وَلِكُلٍّ مِنهَا عَدَدُ رَكَعَاتٍ وَهَيئَاتٌ وَصِفَاتٌ، وَأَوقَاتٌ لا يَجُوزُ تَعَدِّيهَا بَدأً وَلا انتِهَاءً، وَمِثلُ ذَلِكَ تَرَونَ الزَّكَاةَ، لها أَحكَامٌ في أَنوَاعِهَا وَوَقتِهَا وَمَقَادِيرِهَا وَنِسَبِهَا، وَالصَّومُ لَهُ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ وَمُنطَلَقٌ وَغَايَةٌ، وَالحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ وَمَنَاسِكُ وَشَعَائِرُ، يَتَنَقَّلُ العِبَادُ مِن بَعضِهَا لِبَعضٍ في نِظَامٍ لا يَخرُجُونَ عَنهُ وَلا يَتَجَاوَزُونَهُ، في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ وَأُخرَى مَعدُودَاتٍ، وِللهِ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ حُقُوقٌ في اللَّيلِ لا تُقبَلُ في النَّهَارِ، وَأُخرَى نَهَارِيَّةٌ لا تُؤَخَّرُ لِلَّيلِ، وَثَمَّةَ كَفَّارَاتٌ وَنَفَقَاتٌ حُدِّدَت بِمَقَادِيرَ مَعلُومَةٍ وَأَوصَافٍ مَضبُوطَةٍ.

عِبَادَ اللهِ:
أَلا تَرَونَ أَنَّ كُلَّ هَذَا الإِحكَامِ لِسَيرِ الكَونِ وَالتَّنظِيمِ لِلشَّرَائِعِ وَالدِّقَّةِ في العِبَادَاتِ وَالأَحكَامِ إِنَّمَا هُوَ تَربِيَةٌ لِلنَّاسِ عَامَّةً وَلِلمُسلِمِينَ خَاصَّةً؛ لِيَكُونُوا في كُلِّ حَيَاتِهِم مُنَظَّمِينَ مُرَتَّبِينَ، وَعَلَى الصَّوَابِ سَائِرِينَ، وَعَنِ الخَطَأِ مُتَجَانِفِينَ؟! إِنَّ الأَمرَ لَكَذَلِكَ، كَيفَ وَقَد جَاءَ الإِسلامُ بما يُصلِحُ حَيَاةَ النَّاسِ وَيُنَظِّمُهَا وَيُرَتِّبُهَا، وَيُكسِبُهُمُ السَّعَادَةَ وَالرَّاحَةَ وَالطُّمَأنِينَةَ، فَمِن تَنصِيبِ الإِمَامِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَتَحرِيمِ الخُرُوجِ عَلَيهِ، إِلى وُجُوبِ الصِّدقِ في الأَقوَالِ وَالأَعمَالِ، وَلُزُومِ الدِّقَّةِ في المَوَاعِيدِ وَتَقدِيرِ الوَقتِ، إِلى تَعظِيمِ الأَمَانَةِ وَمَدحِ النَّزَاهَةِ، وَالأَمرِ بِالوَفَاءِ بِالعُقُودِ وَالتِزَامِ المَوَاثِيقِ وَالإِتقَانِ وَالإِحسَانِ، إِلى تَحَرِّي الحَلالِ وَالبُعدِ عَنِ الحَرَامِ وَاجتِنَابِ الشُّبُهَاتِ، وَمُجَانَبَةِ الغِشِّ وَالخَدِيعَةِ وَالتَّطفِيفِ وَأَكلِ الأَموَالِ بِالبَاطِلِ، وَنَحوِ ذَلِكَ مِنَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالحُدُودِ الشَّرعِيَّةِ وَالتَّعزِيرَاتِ، الَّتي هِيَ مَجمُوعَةٌ مُتَرَابِطَةٌ مِنَ الأَنظِمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ المُحكَمَةِ، البَعِيدَةِ الغَايَاتِ المُشرِقَةِ النِّهَايَاتِ، أَنزَلَهَا لِلعِبَادِ رَبُّ العِبَادِ، الَّذِي يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
إِنَّ كُلَّ مَا حَولَ الإِنسَانِ لَيَدفَعُهُ إِلى أَن يَكُونَ مُنَظَّمًا في حَيَاتِهِ، مُرَتَّبًا في وَظِيفَتِهِ، مُتقِنًا لِعَمَلِهِ، مُحسِنًا في تَعَامُلِهِ، صَادِقًا في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ، وَفِيًّا في أَخذِهِ وَعَطَائِهِ، لِتَزكُوَ نَفسُهُ وَتَكمُلَ ذَاتُهُ، وَيَنشَرِحَ صَدرُهُ وَيَسعَدَ في حَيَاتِهِ، لَكِنَّ هَذَا الإِنسَانَ لِسُوءِ حَظِّهِ في بَعضِ الأَزمِنَةِ أَوِ الأَمكِنَةِ، يَخرُجُ مِن نَعِيمِ النَّظَامِ وَالجِدِّ وَالإِتقَانِ وَالإِحسَانِ، فَيَتَرَدَّى في جَحِيمِ اللَّهوِ وَالعَبَثِ وَالتَّقصِيرِ وَالإِسَاءَةِ، وَيَستَسِيغُ حَيَاةَ البَهَائِمِ الدُّونِيَّةِ، الَّتي لا يُسأَلُ فِيهَا عَامِلٌ عَمَّا عَمِلَ، وَلا يُستَنكَرُ عَلَى مُتَصَرِّفٍ تَصَرُّفُهُ، زَاعِمًا أَو مُتَوَهِّمًا أَنَّ هَذِهِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، غَافِلاً عَن أَنَّ الحُرِّيَّةَ إِذَا كَانَت تَركًا لِوَاجِبٍ، أَوِ انتِهَاكًا لِمَمنُوعٍ، أَو تَقصِيرًا في أَدَاءٍ، أَو ضَعفًا في إِتقَانٍ، أَوِ اختِرَاقًا لِنِظَامٍ أًو مُضَادَّةً لِسُنَّةٍ كَونِيَّةٍ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَوَّلُ طَرِيقِ النِّهَايَةِ، وَبِدَايَةُ خَرَابِ عَالَمِهِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ، سَوَاءٌ عَلَى مُستَوَى بَيتِهِ وَأُسرَتِهِ، أَو قَريَتِهِ وَمَدِينَتِهِ، أَو عَلَى مُستَوَى دَولَتِهِ وَحُكُومَتِهِ، بَل وَحَتى عَلَى المَستَوَى الفَردِيِّ وَالشَّخصِيِّ، فَمَتى تَرَكَ الجَمِيعُ الوَاجِبَ وَانتَهَكُوا المُحَرَّمَ، وَخَالَفُوا الأَنظِمَةَ بِدَعوَى الحُرِّيَّةِ وَانقِيَادًا لِرَغَبَاتِهِمُ الشَّخصِيَّةِ، فَلَن يَترُكُوا لِغَيرِهِمُ المَجَالَ لِلتَّمَتُّعِ بِحُرِّيَّةٍ، وَسَتَضطَرِبُ الأُمُورُ وَتَختَلِطُ، وَسَيكُونُ النَّاسُ في أَمرٍ مَرِيجٍ.

عِبَادَ اللهِ:
مَا مِنَّا أَحَدٌ اليَومَ إِلاَّ وَهُوَ يَلحَظُ تَقصِيرَ الكَثِيرِينَ ممَّن حَولَهُ في تَطبِيقِ الأَنظِمَةِ وَتَهَاوُنَهُم بها، سَوَاءٌ مِنهَا الأَنظِمَةُ الرَّبَّانِيَّةُ الَّتي بَنى الخَالِقُ عَلَيهَا الكَونَ وَمَن فِيهِ، أَوِ الَّتي جَاءَت في كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، أَو تِلكَ الَّتي سَنَّهَا وُلاةُ الأَمرِ لِتَسيِيرِ حَيَاةِ النَّاسِ وَضَبطِ شَأنِهِم، وَالَّتي لَيسَ لهم عُذرٌ في تَركِ تَطبِيقِهَا وَهُم يَعلَمُونَ مَصلَحَتَهَا، فَضلاً عَن وُجُوبِهَا الشَّرعِيِّ، الَّذِي هُوَ لازِمٌ مِن لَوَازِمِ طَاعَةِ وَليِّ الأَمرِ، وَمَعَ فُشُوِّ هَذَا التَّقصِيرِ وَظُهُورِ ذَلِكُمُ التَّجَاوُزِ، تُستَنكَرُ قِلَّةُ البَرَكَاتِ مَعَ كَثرَةِ المَوَارِدِ، وَضَعفُ الإِنتَاجِ مَعَ تَقَدُّمِ الآلاتِ، وَتَعَقُّدُ العَيشِ وَانتِشَارُ الأَمرَاضِ النَّفسِيَّةِ وَالاجتِمَاعِيَّةِ مَعَ تَحَقُّقِ وَسَائِلِ الرَّاحَةِ والرَّفَاهِيَةِ.

وَإِنَّهُ لَمِمَّا يَحُزُّ في النَّفسِ أَن تَجِدَ مِن أَبنَائِنَا الَّذِينَ سَافَرُوا لِبَعضِ دُوَلِ الشَّرقِ أَوِ الغَربِ أَو عَاشُوا فِيهَا لِسَبَبٍ أَو لآخَرَ، أَن تَجِدَ مِنهُم إِعجَابًا بِدِقَّةِ النَّاسِ في تِلكَ الدُّوَلِ في مَوَاعِيدِهِم، وَتَمَسُّكِهِمُ الصَّارِمِ بِالأَنظِمَةِ وَاللَّوَائِحِ، وَعَدَمِ تَفرِيطِهِم فِيمَا بَينَ أَيدِيهِم مِن تَعلِيمَاتٍ وَضَوَابِطَ، بَينَمَا تَجِدُهُ هُوَ وَغَيرُهُ في هَذِهِ البِلادِ، مِن أَقَلِّ النَّاسِ تَمَسُّكًا وَانضِبَاطًا، وَمِن أَسرَعِهِم تَفَلُّتًا مِن أَوَامِرِ الدَّينِ وَانتِهَاكًا لِلحُرُمَاتِ، نَاهِيكَ عَنِ الأَنظِمَةِ الدُّنيَوِيَّةِ..

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ فَإِنَّ لَكُم دِينًا لَو تَمَسَّكتُم بِهِ، لأَصبَحتُم في القِمَّةِ خُلُقًا وَأَدَبًا وَجَودَةً وَإِتقَانًا، وَلَصُبَّت عَلَيكُمُ الخَيرَاتُ صَبًّا، وَلَفُتِحَت عَلَيكُمُ البَرَكَاتُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ، وَاحذَرُوا الفُسُوقَ وَتَعَدِّي الحُدُودِ وَتَضيِيعَ الأَمَانَاتِ، فَإِنَّهَا مِن أَسبَابِ هَلاكِ الأُمَمِ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا * مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 16 - 21].

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ كَمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ التَّقَيُّدَ بِالنِّظَامِ قَبلَ أَن يَكُونَ قِيمَةً حَضَارِيَّةً وَحَاجَةً تَنمَوِيَّةً، فَهُوَ فِطرَةٌ كَونِيَّةٌ وَضَرُورَةٌ شَرعِيَّةٌ، وَلا يُمكِنُ أَن يَصِحَّ مُجتَمَعٌ أَو تَصلُحَ أُمَّةٌ، وَفي أَعضَائِهَا خَلَلٌ يَقطَعُ دَائِرَةَ النِّظَامِ، أَو فَسَادٌ يُفقِدَ سِلسِلتَهُ إِحدَى حَلَقَاتِهَا، وَإِنَّ الحُكمَ عَلَى أَيِّ مُجتَمَعٍ بِالقُوَّةِ أَوِ الضَّعفِ، أَو وَصفَهُ بِالتَّقَدُّمِ أَوِ التَّخَلُّفِ، مَرهُونٌ بِمَدَى التِزَامِ أَفرَادِهِ وَمُؤَسَّسَاتِهِ بِالنَّظَامِ العَامِّ وَتَقيُّدِهِم بِالقَوَاعِدِ المُنَظِّمَةِ لِحَيَاتِهِم.

إِنَّهُ لَمِنَ الضَّعفِ الإِيمَانيِّ قَبلَ أَن يَكُونَ تَخَلُّفًا فِكرِيًّا وَخَلَلاً في التَّصَوُّرِ، أَن يَرَى بَعضُ النَّاسِ في التِزَامِ الأَنظِمَةِ نَقصًا في رَجُولَتِهِم، أَو حَطًّا مِن كِبرِيَائِهِم، أَو تَقيِيدًا لِحُرِّيَّتِهِم، أَو يَشعُرُوا أَنَّهُ يَحُولُ بَينَهُم وَبَينَ مَصالِحِهِم أَو يَعُدُّونَهُ ظُلمًا لَهُم، في حِينِ أَنَّ مِنَ المُتَقَرِّرِ لَدَى العُقَلاءِ، أَنَّهُ لا يُمكِنُ بِغَيرِ تَطبِيقِ النَّظَامِ أَن يَنَالَ النَّاسُ حَقًّا، وَلا أَن يَنعَمُوا بِعَدلٍ أَو يَجِدُوا أَمنًا، أَو يَشعُرُوا بِطُمَأنِينَةٍ أَو يَذُوقُوا لِلرَّاحَةِ طَعمًا. بِتَجَاوُزِ النَّظَامِ يَكثُرُ في المُجتَمَعِ التَّظَالُمُ وَالتَّعَدِّي وَالتَّجَاوُزُ، بِتَجَاوُزِ النَّظَامِ لَن يُبنى مُستَقبَلٌ، وَلَن تُعمَرَ دِيَارٌ وَلَن يَحصُلَ استِقرَارٌ.

إِنَّ أُمَّةَ الإِسلامِ يَجِبُ أَن تَتَخَلَّصَ مِن هَذِهِ النَّزعَةِ الجَاهِلِيَّةِ، الَّتي اعتَادَ أَهلُهَا الغَوغَائِيَّةَ وَخَرقَ النَّظَامِ انسِيَاقًا مَعَ هَوَى النُّفُوسِ، أَو إِبرَازًا لِقُوَّةِ الذَّاتِ وَضَعفِ الخَصمِ، أَو مُرَاعَاةً لِقَريبٍ أَو مُحَابَاةً لِصَدِيقٍ، أَو طَمَعًا في مَصلَحَةٍ شَخصِيَّةٍ، أَو حُبًّا لِمَدحٍ أَو خَشيَةً مِنَ ذَمٍّ.

إِنَّ النِّظَامَ هُوَ العَدلُ، وَعَلَى العَدلِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَوَاللهِ لا يُمكِنُ أَن تَتَطَهَّرَ أُمَّةٌ مِن أَدرَانِهَا وَتَنَالَ مَا تَصبُو إِلَيهِ إِلاَّ بِالعَدلِ وَإِعطَاءِ كُلِّ ذَي حَقٍّ حَقَّهُ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّهُ لا قُدِّسَت أُمَّةٌ لا يَأخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيرَ مُتَعتَعٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَإِنَّ اختِزَالَ النِّظَامِ في المَصَالِحِ الشَّخصِيَّةِ وَالرَّغَبَاتِ الفَردِيَّةِ وَنَحوِهَا، إِنَّهُ لَنَوعٌ مِن تَعَدِّي الحُدُودِ، وَذَلِكَ هُوَ الظُّلمُ بِعَينِهِ، وَالظُّلمُ سَبَبٌ لِخَرَابِ البِلادِ وَهَلاكِ العِبَادِ، وَمُؤذِنٌ بِتَسَلُّطِ بَعضِ النَّاسِ عَلَى بَعضٍ، وَقَد قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229] ، وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 129].

أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ رَاعٍ فِيمَا استُرعِيَ، وَلْيَعُدِ النَّاسُ لِلجِدِّ وَالحَزمِ، وَلْيَلزَمُوا الصِّدقَ وَالوَفَاءَ، وَلْيَضَعُوا الأُمُورَ في أَنصِبَتِهَا وَلْيَعدِلُوا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 35].

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ خَشيَتَكَ في السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ، وَالعَدلَ في الرِّضَا وَالغَضَبِ، وَالقَصدَ في الفَقرِ وَالغِنى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.14 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]