|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الاختلاف عند ابن تيمية
الاختلاف عند ابن تيمية تركي الثنيان لم ينتقد ولا يزال ينتقد أحد في الماضي والحاضر من علمائنا مثل ابن تيمية، ولم ينصَر ويدافَع في الماضي والحاضر عن أحد مثله أيضا. فريقان دوما وبكل ضراوة يذودان عن رأيهما والموضوع دائما هو ابن تيمية، حبا وبغضا، إجلالا أو قدحا، هذا دليل أكيد على تفرد شيخ الإسلام ابن تيمية بعبقرية نادرة اعترف بها الغربي قبل الشرقي؛ يقول فرانك فوجل، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة هارفارد، تمر بالفقه الإسلامي فترات زمنية مؤلمة حتى يخرج عبقري فيعيد تشريحه من جديد وتقديمه بما يتواءم مع معطيات عصره. قبل ابن تيمية كان هناك تيهان فقهي جدلي، ولد ابن تيمية، وتغيرت قواعد اللعبة، فدخول الاستثنائيين في أي معركة يغير مجرياتها بشكل استثنائي، مهما كان الاختلاف حول ابن تيمية - رحمه الله -، تظل تركته منجما ضخما، مليئا بالدرر المغمورة، أنتقي من منجمه جوهرة، أراها تليق بموضوع الخلاف والحوار. سئل - رحمه الله - عن الصلاة خلف أهل المذاهب الأربعة كما يلي " هل تصح صلاة بعضهم خلف بعض؟ أم لا؟ وهل قال أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض؟ ومن قال ذلك فهل هو مبتدع؟ أم لا؟ وإذا فعل الإمام ما يعتقد أن صلاته معه صحيحة والمأموم يعتقد خلاف ذلك، مثل أن يكون الإمام رعف أو احتجم أو قهقه في صلاته أو أكل لحم الإبل وصلى ولم يتوضأ والمأموم يعتقد وجوب الوضوء من ذلك أو كان الإمام لا يقرأ البسملة أو لم يتشهد التشهد الآخر أو لم يسلم من الصلاة والمأموم يعتقد وجوب ذلك فهل تصح صلاة المأموم والحال هذه؟ " كما ترون السؤال من النوع الملغوم، مرسوم بحرفية للجواب المأمول، سؤال استنطاقي يحتاج إلى البصمة فقط لا غير، فقد أتى بشواهد إما تبطل الوضوء أو الصلاة أو تعكرهما على المذهب الحنبلي، مقدما الجواب على طبق من ذهب، ولم يبق إلا أن يقول ابن تيمية حرام، لا يجوز، مطعما إجابته بشيء من التقريع والانتقاص لمن يقول بالعكس. ولكن هذا يحدث مع أشباه الفقهاء، أما مع ابن تيمية فالرواية مختلفة، أجابه - رحمه الله - قائلا: "نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها، ولم يقل أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض".ثم يمضي ويقرر قاعدة مهمة في التسامح فيقول: " ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، فأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سرا ولا جهرا، وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرعاف فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ، تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك "... مقطع يجبرك على أن تقف لتقول يا لروعة العلم والعلماء! يمضي علامة الفكر الحر فيقول " وبالجملة فهذه المسائل لها صورتان: إحداهما: ألا يعرف المأموم أن إمامه فعل ما يبطل الصلاة فهنا يصلي المأموم خلفه باتفاق السلف والأئمة الأربعة وغيرهم، وليس في هذا خلاف متقدم وإنما خالف بعض المتعصبين من المتأخرين: فزعم أن الصلاة خلف الحنفي لا تصح وإن أتى بالواجبات؛ لأنه أداها وهو لا يعتقد وجوبها وقائل هذا القول إلى أن يستتاب كما يستتاب أهل البدع أحوج منه إلى أن يعتد بخلافه". لعلكم مررتم مرور الكرام على هذا المقطع فاسمحوا لي أن أعيده: (يستتاب كما يستتاب أهل البدع)... هل لي أن أقول إن هذا هو عين التعصب مع حرية الرأي! ثم يقول " الصورة الثانية: أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يسوغ عنده: مثل أن يمس ذكره أو يحتجم أو يتقيأ، ثم يصلي بلا وضوء فهذه الصورة فيها نزاع مشهور، فأحد القولين لا تصح صلاة المأموم؛ لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه، كما قال ذلك من قاله من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، والقول الثاني: تصح صلاة المأموم؛ وهو قول جمهور السلف وهو مذهب مالك وهو القول الآخر في مذهب الشافعي وأحمد؛ بل وأبي حنيفة وأكثر نصوص أحمد على هذا. وهذا هو الصواب". ا هـ. يبدو لي أن ابن تيمية من هذه الفتوى يقرر قاعدة قانونية: مادامت الإجراءات المتفق عليها لاستخلاص الحكم "متبعة" فالنتيجة النهائية أقل أهمية من عملية المعالجة ذاتها التي يجب أن تتم وفقا لمنهج منضبط، ومادام مالك وأبو حنيفة متبعين للإجراء الشرعي ذاته في استقطار المعلومة أو الحكم الصحيح، فنتيجة حكمهما سليمة، حتى وإن اختلفت المعطيات النهائية عن الحنابلة، وأي اعتراض على تلك النتيجة غير معتبر، والمعترض بتعصب أهوج بحاجة إلى أن " يستتاب كما يستتاب أهل البدع "، ألا يحق التساؤل، إذاً، إذا كان ابن تيمية قد قرر صحة هذا المبدأ في الصلاة وهي عمود الدين، فكيف بما هو دون؟ أخيرا، لا بد أن تستوقفك آراؤه كائنا من كنت، وبالطبع، لا يعني تفرده وألمعيته أن يخلو من الانتقادات، ولكن ألا يكفي المرء نبلا أن تعد معايبه. ــــــــــــــــــــــــــــــ * أستاذ قانون في جامعة الملك سعود.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |