|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() البيوع: قواعد وحكم وفوائد (1) د. أمين بن عبدالله الشقاوي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: «فإن البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع، والنظر الصحيح، قال الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة:275]. وأما السنة فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا»[1]. وغيره من الأحاديث. وأما الإجماع، فمعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وأما النظر الصحيح فلأن الإنسان يحتاج لما في يد غيره من متاع الدنيا، ولا وسيلة إلى ذلك إلا بالظلم، وأخذه منه قهرًا أو بالبيع»[2]. قال ابن قدامة: «وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وصاحبه لا يبذله بغير عوض، ففي شرع البيع وتجويزه وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته»[3]. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «البيع في اللغة أعم من البيع شرعًا، فهو أخذ شيء وإعطاء شيء حتى لو كان على سبيل العارية أو الوديعة، فإذا مددت إليك شيئًا أُعيرك إياه، فهو بيع في اللغة؛ لأنه مأخوذ من الباع، إذ أن كل واحد من المتعاطين يمد باعه إلى الآخر»[4]. «وفي الاصطلاح: هو مبادلة مال بمال ولو في الذمة، أو منفعة مباحة على التأبيد غير ربا وقرض، فقولهم: مبادلة مال بمال، والمراد بالمال هنا كل عين مباحة النفع بلا حاجة، كالذهب والفضة والشعير والبر والتمر والملح والسيارات.. وغيرها. وقولهم: أو منفعة مباحة، أي مبادلة مال بمنفعة مباحة، واشتراط كونها مباحة احترازًا من المنفعة غير المباحة، وقولهم: ولو في الذمة، لو هنا ليست إشارة خلاف، ولكن المعنى أن المال الذي يقع العقد عليه قد يكون حاضرًا، وقد يكون في الذمة، فالبيع يشمل هذا وهذا»[5]. وينقسم البيع إلى قسمين: حلال وحرام: أما الحلال كبيع الطعام، واللباس غير المحرم، والحيوانات، والسيارات... وغيرها، والحكمة منه حاجة الناس إلى ذلك، والله تعالى لم يبح شيئًا إلا وفيه منفعة للعباد. الحرام كبيع المعازف، والخمور، والدخان، والخنزير، والأصنام.. وغير ذلك، والحكمة من تحريمه، إن هذه الأشياء حرمها الله، والله لا يحرم شيئًا إلا وفيه ضرر على العبد في دينه أو دنياه، أو يشغل عن أداء عبادة واجبة. من القواعد في البيع: الصدق والبيان: لما جاء في الصحيحين من حديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البَيِّعَانِبِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَاوَبَيَّنَابُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَامُحِقَتْبَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»[6]. فقوله: «فَإِنْ صَدَقَاوَبَيَّنَا» أي بين كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن، وصدق في ذلك[7]، ومعنى قوله «بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا» أي كثر نفع المبيع والثمن، ومعنى قوله «مُحِقَتْبَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» أي ذهبت بركته وهي زيادته ونماؤه. تحريم الغش: فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ: أصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»[8]. قال ابن حجر الهيتمي: «الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئًا لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل[9]. ويكون الغش بمحاولة إخفاء العيب في السلعة، ويكون بطرق أخرى كالغش في ذاتية البضاعة، أو عناصرها، أو كميتها، أو وزنها، أو صفاتها الجوهرية، أو مصدرها، كأن يكذب ويكتب عليها صنعت في البلد الفلاني وهو مشهور بجودة بضاعته، وهي قد صنعت في بلد آخر، لكي يغري المشتري بشرائها. «تحريم الغرر: فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر، والأصل في النهي التحريم ما لم يصرفه صارف، وبيع الحصاة له صور، فمن ذلك: أن يقول: ارم هذه الحصاة، فعلى أي شاة من هذا القطيع وقعت فهي لك بكذا، فرمى الحصاة وسقطت على شاة هزيلة جدًّا، فاشتراها بمئة وهي لا تساوي عشرين فخسر، وجاء عقد آخر فقال: بعت عليك الشاة التي تصبها هذه الحصاة إذا رميتها، فرمى الحصاة، وقد اشترى الشاة بخمسين فوقعت على شاة تساوي مئة، فغنم والبائع خسر، عكس الأولى، إذن هذا غرر؛ لأن كل عقد دار بين الغُنم والغُرم فهو مَيْسِر لا يجوز، وعلى هذا قس، وبهذا يتبين أن بيع الحصاة داخل في النهي عن بيع الغرر، ويؤخذ مما تقدم قاعدة: أن كل بيع فيه غرر فهو محرم. والغرر كل ما فيه جهالة، واحتمال للغنم أو الغرم، لأن ذلك من الميسر، فإن حقيقة الميسر هي أنها معاملة تقع بين متغالبين يكون أحدهما إما غانمًا أو غارمًا، فبيع الغرر من الميسر، والحكمة في النهي عنه ظاهرة جدًّا؛ لأنه إذا كان غانمًا أداه ذلك إلى الجشع، والطمع، والانسياب وراء المادة والدنيا لأنه كسب، فيريد أن يستمر هذا الكسب، فنجده يلهو بدنياه عن دينه، وإن كان الأمر بالعكس بأن كان غارمًا ألحقه من الندم والحزن وكراهة صاحبه الذي غلبه ما يوجب العداوة بينهما، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ ﴾ [المائدة: 91]»[10]. قال النووي رحمه الله: «النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع المعدوم، والآبق، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لا يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، وبيع ثوب من الأثواب، وشاة من الشياه، ونظائر ذلك، وكل ذلك باطل لأنه غرر كبير من غير حاجة»[11]. والغرر أنواع، فمنه: بيع المعدوم: كبيع حبل الحبلة، كما جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة، قال ابن عمر: وهو البيع بثمن مؤجل إلى أن تلد الناقة، ويلد ولدها[12]. ومنه بيع المعجوز عن تسليمه: كالجمل الشارد، أو العبد الآبق. والنوع الثالث: بيع المجهول المطلق، أو المجهول الجنس، أو المجهول القدر. ومن صوره بيع الملاقيح: وهو ما في ظهور الذكور يلقحها الفحل في بطن الأنثى، بأن يقول صاحب الفحل: أبيع عليك ضراب فحلي من ناقتك، فيضربها هذه المرة، فأبيع عليك هذا الضراب، فلا يجوز لأنه أجهل من بيع الحمل، فإن هذا اللقاح قد يكون صحيحًا، وقد يكون فاسدًا، فإذا منع الحمل فهذا من باب أولى. ومنه بيع المضامين: وهي الحوامل، والمراد ما في بطونها، وقد ورد النهي عن بيع الحمل حتى تضع كما تقدم، ومنه بيع الثمار قبل بدو صلاحها، خوفًا من تلفها، أو حدوث عيب بها قبل أخذها، روى البخاري ومسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ»[13]. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع[14]، ويعرف بدو صلاحها باحمرار ثمار النخيل أو اصفرارها، وفي العنب أن يَسْودَّ وتبدو الحلاوة فيه، وفي الحب أن ييبس ويشتد، ونحو ذلك في بقية الثمار[15]. ومنه بيع الملامسة والمنابذة، والملامسة أن يقول: بعتك ثوبي هذا على إنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا. وبيع المنابذة: هو أن يقول أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه[16]. تنبيه: مما اشتهر اليوم عند البعض قولهم: القانون لا يحمي المغفلين، ويلزمون الشخص بالتقيد وإن كان مخدوعًا ومغرورًا به، وللأسف سرت هذه المقولة الباطلة إلى بعض المسلمين، وأحكام الدين الإسلامي الحنيف تبطل هذه المقولة، فهو يحمي المغفلين، ويدفع عنهم في الوقت الذي يعلن فيه أصحاب القوانين أنها لا تحميهم، روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي البَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَاخِلَابَةَ»، فَكَانَ يَقُولُهُ»[17]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] صحيح البخاري برقم 2112، وصحيح مسلم برقم 1531. [2] الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (8/ 92-93). [3] المغني (6/ 6). [4] الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/ 511). [5] الفقه الميسر لمجموعة من المشايخ (6/ 9)، طبعة مدار الوطن بتصرف. [6] صحيح البخاري برقم 2110، وصحيح مسلم برقم 1532. [7] شرح النووي لصحيح مسلم (4/ 176). [8] برقم 101. [9] الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 396). [10] فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (9/ 145-147) بتصرف. [11] المجموع شرح المهذب للنووي (9/ 257). [12] صحيح البخاري برقم 2143، وصحيح مسلم برقم 1514. [13] صحيح البخاري برقم 2198، وصحيح مسلم برقم 1555. [14] صحيح البخاري برقم 2194، وصحيح مسلم برقم 1534. [15] الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لمجموعة من المشايخ، طبعة وزارة الشؤون الإسلامية ص218. [16] صحيح البخاري برقم 2144، وصحيح مسلم برقم 1512. [17] برقم 2414.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() البيوع: قواعد وحكم وفوائد (2) د. أمين بن عبدالله الشقاوي الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: فاستكمالاً للحديث السابق عن البيع وقواعده وحكمه وفوائده، فإنه ينبغي للمسلم أن يدعو الله دائمًا أن يبارك له في بيعه وشرائه وسائر أموره، وأن يحرص على الأسباب التي تستجلب بها البركة في البيع، ومنها: ♦ تقوى اللَّه: فما اتقى الله امرؤ في أي أمر من أموره إلا بارك الله له فيه، ورزقه من حيث لا يحتسب، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96] ومن علامات التقوى، ألا يقدم الإنسان على أي تعامل سواء كان بيعًا أو شراءً، أو غير ذلك إلا بعد معرفة حكم الشرع فيه، وسؤال أهل العلم عما يحل وما يحرم، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِي المَرْءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ، أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ»[1]. أخذ المال من طرق حلال: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقٍّ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ»[2]. ♦ أخذ المال بسخاوة نفس: أي من غير شره ولا إلحاح في المسألة، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث حكيم بن حزام قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌحُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ»[3]. قوله: سخاوة نفس: أي بغير سؤال، ولا إشراف، ولا تطلع، ولا طمع، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن قناعة المؤمن ورضاه بما قسم الله له من رزق وعدم سؤاله وتطلعه إلى ما عند الآخرين سبب عظيم من أسباب البركة ولو كان رزقه قليلاً، ويلحق بهذا إنفاق المال في وجوه البر، وإخراج الزكاة، وإعطاء التاجر من تحت يده من عمال حقوقهم. ♦ الصدق في المعاملة عند البيع والشراء والشراكة: روى البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»[4]. ♦ التبكير في التجارات: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»[5]. أما موانع البركة فهي: • المعاصي والذنوب: فكما تقدم أن التقوى من أعظم الأسباب التي تستجلب بها البركة في البيوع وغيره، فكذلك المعاصي لها أثر كبير في محق البركة وزوالها، قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ﴾ [الروم: 41]. • الحلف: روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحَلِفُ منْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ»[6]. • الكذب والغش: وتقدم الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»[7]. • أكل المال الحرام بشتى صوره وأشكاله: وأعظم ذلك الربا، فإنه لا بركة فيه ولا خير، قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276]، وفي الحديث: «وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ»[8]. قال ابن حجر رحمه الله فيه: «أن اكتساب المال من غير حله لا يبارك له فيه لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع، وكذا إمساكه عن إخراج الحق منه سبب لمحقه، فيصير غير مبارك كما قال الله تعالى ﴿ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾»[9]، ويدخل في ذلك ما يبيعه التاجر مما يحتوي على مخالفات شرعية، أو عن طريق الحلف، أو الغش، أو الكذب، أو غيرها من طرق الحرام. • الحرص الشديد والرغبة في الدنيا: روى البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ»[10]. • منع الزكاة: فإن الزكاة بركة للتاجر في بيعه وشرائه. • تطفيف المكيال والميزان: فإن هذا المال الذي يأتي من تطفيف الكيل والميزان مال حرام يمحق البركة، قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين ﴾ [المطففين: 1-6]. • عدم الرضا بالرزق: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي العلاء بن الشخير قال: حدثني أحد بني سُليم -ولا أحسبه إلا قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ، وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ»[11]. من صور البيوع المنهي عنها: • البيع والشراء بعد الأذان الثاني يوم الجمعة: لا يصح البيع ولا الشراء ممن تلزمه صلاة الجمعة بعد الأذان الثاني؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: 9]، فقد نهى الله تعالى عن البيع في هذا الوقت، والنهي يقتضي التحريم، وعدم صحة البيع. • بيع الأشياء لمن يستعين بها على معصية اللَّه: أو يستخدمها في المحرمات، فلا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمرًا، ولا الأواني لمن يشرب بها الخمر، ولا بيع السلاح في وقت الفتنة بين المسلمين، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]. • بيع المسلم على بيع أخيه: مثاله أن يقول لمن اشترى شيئًا بعشرة: أنا أبيعك مثله بأرخص منه، أو أبيعك أحسن منه بنفس الثمن؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»[12]. • الشراء على الشراء: مثاله أن يقول لمن باع شيئًا: افسخ البيع، وأنا أشتريه منك بأكثر، بعد أن اتفق البائع والمشتري على الثمن، وهذه الصورة داخلة في النهي الوارد في الحديث السابق. • بيع العِينة: وصورته أن يبيع شخص سلعة لآخر بثمن معلوم إلى أجل، ثم يشتريها منه البائع بثمن حاضر أقل، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثمن الأول، كأن يبيع أرضًا بخمسين ألفًا يدفعها بعد سنة، ثم يشتريها البائع منه بأربعين ألفًا نقدًا، ويبقى في ذمته الخمسون ألفًا يدفعها المشتري على رأس السنة، وسُميت عِينة؛ لأن المشتري يأخذ مكان السلعة عينًا، أي: نقدًا حاضرًا. وحرم هذا البيع لأنه حيلة يتوصل بها إلى الربا، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»[13]. • بيع المبيع قبل قبضه: مثاله أن يشتري سلعة من شخص، ثم يبيعها قبل أن يقبضها ويحوزها، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ»[14]، وروى أبو داود في سننه من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ»[15]، فلا يجوز لمن اشترى شيئًا أن يبيعه حتى يقبضه قبضًا تامًّا. • تلقي الركبان: والمراد بهم القادمون لجلب سلعهم في البلد، فإذا تلقاهم، واشترى منهم، وتبين أنه قد غبنهم غبنًا فاحشًا، فلهم الخيار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَاتَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ»[16]، فنهى صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب خارج السوق الذي تُباع فيه السلع، وأمر أنه إذا أتى البائع السوق الذي تُعرف فيه قيم السلع، وعرف ذلك؛ فهو بالخيار بين أن يُمضي البيع أو يفسخ. قال ابن القيم رحمه الله: «نهى عن ذلك؛ لما فيه من تغرير البائع؛ فإنه لا يعرف السعر، فيشتري منه المشتري بدون القيمة، ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق»[17]. • بيع النجش: فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّجْشِ»[18]، والناجش هو: الذي يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد رفع ثمنها على المشتري، لما في ذلك من تغرير المشتري وخديعته؛ فهو في معنى الغش. ومن صور النجش المحرم: أن يقول صاحب السلعة: أُعطيت بها كذا وكذا، وهو كاذب، أو يقول: اشتريتها بكذا، وهو كاذب[19]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] برقم 2083. [2] صحيح البخاري برقم 6427، وصحيح مسلم برقم 1052 واللفظ له. [3] صحيح البخاري برقم 1472، وصحيح مسلم برقم 1035. [4] سبق تخريجه ص 659. [5] مسند الإمام أحمد (2 /441) برقم 1323، وقال محققوه: حسن لغيره، وقال ابن حجر فيما نقله عنه تلميذه السخاوي في المقاصد الحسنة ص160: ومنها (يعني من أحاديث اللهم بارك لأمتي في بكورها) ما يصح ومنها ما لا يصح، وفيها الحسن والضعيف. [6] صحيح البخاري برقم 2087، وصحيح مسلم برقم 1606. [7] تقدم تخريجه ص 659. [8] صحيح البخاري برقم 6427، وصحيح مسلم برقم 1052 واللفظ له. [9] فتح الباري (11 /249). [10] صحيح البخاري برقم 1472، وصحيح مسلم برقم 1035. [11] (33 /403) برقم 20279، وقال محققوه: إسناده صحيح. [12] صحيح البخاري برقم 2165، وصحيح مسلم برقم 1412ولفظه: «لَا يَبِعْ». [13] سنن أبي داود برقم 3462، وقال شيخ الإسلام في الفتاوى (29 /30): إسناده جيد. [14] صحيح البخاري برقم 2136، ومسلم برقم 1525. [15] رواه أبو داود برقم 3499. [16] صحيح مسلم من حيث أبي هريرة برقم 1519. [17] الطرق الحكمية ص204. [18] صحيح البخاري برقم 2142، وصحيح مسلم برقم 1516. [19] الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان (2 /24).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |