|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود [475] لقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على جملة من علم الغيب المتعلق بالفتن التي ستحدث من بعد عهد النبوة إلى آخر الزمان وقيام القيامة، وسمى تلك الفتن وأخبر عن مواقعها وأسماء أصحابها، ولكن لم يخبر عن أزمانها، ويخطئ كثيراً من أنزل الفتن على أحداث بأعينها غير عابئ بما مضى أو سيأتي من أزمان. ما جاء في الفتن ودلائلها شرح حديث حذيفة بن اليمان في الفتن قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب الفتن والملاحم. باب ذكر الفتن ودلائلها. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائماً, فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابه هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب الفتن والملاحم ]. هذه الترجمة مشتملة على أمرين: على الفتن وعلى الملاحم، ولكن الأحاديث التي فيها تتعلق بالفتن، وأما الملاحم فقد عقد لها كتاباً يخصها، وجعل كتاب المهدي بين كتابي الفتن والملاحم، فما أدري ما سبب هذا التقسيم أو هذا التوسيع، ولو كانت الملاحم تتبع الفتن فإن الأمر واضح، لكنه وسط بينها كتاباً هو كتاب المهدي. والمقصود بالفتن هي التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها تحصل طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وأصل الفتنة أو الفتن هو الامتحان والاختبار، يقول الله عز وجل: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]. وأما الملاحم فهي المعارك التي يلتحم فيها الناس، وكأنها مأخوذة من امتزاج اللحم باللحم، والمراد من ذلك الاقتتال الذي يكون بين المسلمين مع بعضهم البعض، أو مع أصناف الكفار مما أخبر به النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم يقع في المستقبل طبقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أورد أبو داود باب ذكر الفتن ودلائلها. وأورد حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه) أي: حدث به أصحابه من الفتن والأمور المستقبلة، والمقصود من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بها في ذلك الموقف، وأنه يكون كذا ويكون كذا، ويكون كذا .. كل ذلك ذكره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من علم الغيب الذي أطلعه الله عز وجل عليه. تفرد الله بعلم الغيب وإطلاعه لرسله ما شاء منه إن الله تعالى هو المتفرد بعلم الغيب، إذ لا يعلم الغيب على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى، وغيره لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على كثير من الغيوب، ولكنه لم يطلعه على كل شيء، وإنما أطلعه على ما شاء من الغيب، كما قال عز وجل: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26-27]، وعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب على الإطلاق، وإنما الذي يعلم الغيب على الإطلاق هو الله وحده سبحانه وتعالى، ولا أحد يشاركه في ذلك، كما قال عز وجل: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم من الغيب ما أطلعه الله عليه وما لم يطلعه عليه فإنه لا يعلمه، وسواء كان ذلك في الأمور المستقبلة، أو الأمور التي كانت موجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، فمما هو موجود وحصل في زمانه، ولم يطلع عليه: قصة الإفك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم رميت زوجته أم المؤمنين بالإفك ولم يعلم أنها بريئة، ولهذا كان يأتي إليها ويقول: (يا عائشة ! إن كنت أذنبت ذنباً فتوبي إلى الله واستغفريه)، ولو كان يعلم الغيب من أول وهلة لما شاع الخبر، ولقال: هذا غير صحيح .. أنا أعلم الغيب وما حصل شيء من هذا؛ ولكنه لم يعلم الحقيقة إلا بعد أن أنزل الله عز وجل عليه الوحي الذي يتلى في سورة النور. وكذلك قصة العقد الذي فقد لعائشة وقد جلسوا تلك الليلة يبحثون عنه ولم يرتحلوا، والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل من يبحث عنه، وبعد أن أصبحوا وليس معهم ماء أنزل الله التيمم فتيمموا، ولما أرادوا الارتحال وأثاروا الإبل إذا بالعقد تحت الجمل الذي تركب عليه عائشة ، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب لعرف مكان ذلك العقد، ولم يجلس الناس تلك الليلة يبحثون، ولم يرسل أحداً يبحث عنه، وإنما قال: استخرجوه من تحت البعير الذي تركب عليه عائشة . وكذلك قد ذكر أنه يذاد أناس عن الحوض يوم القيامة وفيهم من هو من أصحابه، ولكنه ارتد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ومات على أيدي الجيوش المظفرة التي بعثها أبو بكر رضي الله عنه لقتال المرتدين، قال عليه الصلاة والسلام: (فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) فلو كان يعلم الغيب لذكر أسماء الذين سيرتدون من أصحابه ويذكر فعلهم، وإنما كان يعرف أنهم مسلمون وأنهم من أصحابه، وقال: (أصحابي أصحابي) لما حصلت الذيادة عن الحوض، فقيل له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) . والله تعالى أمر نبيه أن يبين أنه لا يعلم الغيب بقوله: (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ [هود:31] ، وقال الله عز وجل في سورة الأعراف: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، فعلم الغيب على الإطلاق إنما هو من خصائص الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم من الغيوب ما أطلعه الله عليه، وأما الغلو فيه وزعم أنه يطلع على الغيوب، فهذا غير صحيح على الإطلاق، وإنما يعلم ما أطلعه الله عز وجل عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً، فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه) ]. يعني: حفظه من حفظه من أصحابه، ونسيه من نسيه منهم. قوله: [ (قد علمه أصحابه هؤلاء)]. يعني: كانوا موجودين في وقت تحديث حذيفة بالحديث. قوله: [ (وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه)] . أي: ما وقع فإنه يذكره عند وقوعه، كما أن الإنسان يذكر من غاب عنه ثم لقيه، وكذلك تلك الأخبار التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معلومة في أذهان من عرفها ومن علمها، فإذا وقعت طبقاً لذلك الخبر، تذكر ذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار الذي وقع مطابقاً للخبر، فصار مثل الرجل الذي كان يعرف إنساناً قد غاب عنه مدة، ثم لقيه فتذكره. تراجم رجال إسناد حديث حذيفة بن اليمان في الفتن قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مخضرم، والمخضرم هو من أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن حذيفة ]. هو حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو داود الحفري عن بدر بن عثمان عن عامر عن رجل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء) ، والفناء هو الموت، وهذا الحديث ذكر فيه هذه الفتن وهي مجملة، والإسناد فيه ضعف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً لم يذكر؛ لأنه قال: (عن رجل)، والرجل مبهم، وفي علم الإسناد إذا قيل: عن رجل. فهو مبهم، وإذا ذكر اسمه ولم يذكر اسم أبيه، أو: اسمه واسم أبيه ولكنه محتمل لعدة أشخاص فيقال له: مهمل، يعني: غير موضح النسبة، بحيث يحصل الاشتراك في ذلك، إما في الاسم وإما في اسم الأب، وإما في اسم الأب مع الاسم، فيكون من قبيل المهمل، وأما هذا فهو مبهم؛ لأنه غير معروف سواء كان رجلاً أو وامرأة. تراجم رجال إسناد حديث (يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء) قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي لقبه الحمال ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو داود الحفري ]. أبو داود الحفري هو عمر بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. والحفري نسبة إلى محلة في الكوفة، يقال: لها الحفر. [ عن بدر بن عثمان ]. بدر بن عثمان ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن عامر ]. عامر هو الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن عبد الله ]. عن رجل مبهم، عن عبد الله وهو ابن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (... ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي حدثنا أبو المغيرة حدثني عبد الله بن سالم حدثني العلاء بن عتبة عن عمير بن هانئ العنسي قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: (كنا قعوداً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله! وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي هرب وحرب، ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الفتن فأكثر من ذكرها، قال: حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: وما فتنة الأحلاس يا رسول الله؟ قال: هي هرب وحرب). والحرب ذهاب المال والأهل، والهروب والشرود يكون بسبب الفتن، وقيل لها: الأحلاس؛ لمكثها وطولها، وذلك مأخوذ من الحلس وهو الفراش الذي يوضع في الأرض ويجلس عليه فيكون باقياً حتى يزال ويحرك من مكانه، ويقولون عن الرجل إذا كان ملازماً لبيته: حلس بيته، يعني: أنه ملازم لبيته كالحلس والفراش الثابت والمستقر ويجلس عليه صاحبه. قوله: [ (ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني) ]. السراء من السرور وهو كثرة التنعم والافتتان بالدنيا ونعمها، وأن الناس يفتنون بالدنيا والأكل من طيباتها والاشتغال بها، فهي مقابل الضراء، كما جاء في الحديث: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن). قوله: [ (دخنها تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني) ]. يعني: أن غبارها ودخانها الذي يخرج بسبب ذلك الرجل الذي يزعم أنه منه، وليس هو منه على الحقيقة، وإن كان قد يكون منه من حيث النسب، ولكن كونه ليس على منهاجه وطريقته فليس منه، كما في حق ابن نوح الذي قال الله عنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] مع أنه وعده بنجاته هو وأهله، فقيل: (( لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ )) يعني: ليس من أهله الناجين وإن كان من أهله من حيث النسب ومن حيث التوالد، ولكنه ليس منه على الحقيقة باعتبار الدين. قوله: (وإنما أوليائي المتقون) أي: أنه ليس من أوليائه وإنما هو من قرابته، ولكنه ليس على دينه ومنهجه وطريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والمتقون هم أولياء الرسول صلى الله عليه وسلم الذين هم على طريقته ومنهجه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) فأولياؤه هم المتقون، ومن كان من أهل بيته وعلى منهاجه وطريقته فقد جمع بين الحسنيين، كونه من قرابته وكونه على منهاجه وطريقته، وأما إن كان من أهل بيته ولكنه ليس على طريقته أو ليس من أهل دينه فإن ذلك لا ينفعه عند الله عز وجل، كما حصل ذلك لأبي لهب ، فإن نسبه نسب شريف، وهو نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الكفر هو الذي أقصاه وأبعده، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، يعني: من أخره عمله فنسبه ليس هو الذي يقدمه، فالعبرة بالأعمال الصالحة، وهي التي تنفع، وهي التي تفيد في الدنيا والآخرة، وأما الأنساب وشرفها فهي حسنة مع وجود الأصل والأساس من الدين والإسلام والتقى والاستقامة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب هذا أبو لهب نسيب ولكن الشرك هو الذي وضعه، و سلمان الفارسي رفعه الله تعالى بالإسلام. قال: (وإنما أوليائي المتقون)، كما قال الله عز وجل: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] هؤلاء هم أولياء الله على الحقيقة، وولاية الله هي الاستقامة على طاعته، وامتثال ما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، كما جاء في هذه الآية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] . قوله: [ (ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع) ]، يعني: أنه ليس له ثبات أو استقامة، وذلك أن الضلع لا يحمل الورك؛ لأن وضع الورك تحت الضلع فيه الإشارة إلى عدم الثبوت وعدم الاستقرار، وأن ذلك لا يتم ولا يحصل كما أن الورك لا يحمله الضلع، وحتى لو كان بالعكس، وأن الضلع يكون فوقه الورك؛ فإنه لا يحمله لضعف الضلع وضخامة الورك بالنسبة له. قوله: [ (ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة) ]، يعني: أصيب بها وحصل له منها نصيب، وصغرت الدهيماء للشدة، وقد يصغر الشيء لا للتهوين والتحقير وإنما للشدة، كما في بيت من الشعر: وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل قوله: [ (لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة) ] يعني: حصل له نصيب منها. قوله: [ (فإذا قيل انقضت تمادت) ] أي: أنها تدوم وتستمر، وكلما قيل: انقضت، تمادت وزادت في الاستمرار وطالت. قوله: [ (يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً) ] . وذلك لكثرة الفتن، فيصبح الإنسان وهو مؤمن ثم يأتي في المساء وهو كافر والعياذ بالله، أو يمسي وهو مؤمن ثم يصبح وهو كافر، لما يحصل له من الافتتان، وتغير الأحوال، فيكون الإنسان على الإسلام وبعد فترة وجيزة يتحول منه إلى الكفر والعياذ بالله. قوله: [ (حتى يصير الناس إلى فسطاطين) ] يعني: جماعتين. قوله: [ (فسطاط إيمان لا نفاق فيه) ]، يعني: خالص ليس معه نفاق، وإنما هو إيمان ظاهر وباطن، خلاف النفاق فإنه إيمان ظاهر وكفر باطن، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] فالمنافق يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وسبب ذلك قوة وعزة الإسلام؛ لأنه لخبثه ولحقده يريد أن يعيش مع الناس ويظهر لهم ما يريدون ويخفي الكفر بالله. قوله: [ (وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) ] يعني: نفاق خالص، يعني: كفر ظاهر. قوله: [ (فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده) ]. يعني: في ذلك الوقت يكون الدجال على وشك الخروج والظهور. تراجم رجال إسناد حديث (... ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني...) قوله: [ حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي ]. يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو المغيرة ]. أبو المغيرة هو عبد القدوس بن الحجاج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الله بن سالم ]. عبد الله بن سالم ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثني العلاء بن عتبة ]. العلاء بن عتبة صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن عمير بن هانئ العنسي ]. عمير بن هانئ العنسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (... والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا ابن فروخ أخبرني أسامة بن زيد أخبرني ابن لقبيصة بن ذؤيب عن أبيه قال: قال حذيفة بن اليمان : (والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته)]. ذكر أبو داود حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه وفيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن قادة الفتن ممن كان أتباعه ثلاثمائة فأكثر، ومعنى ذلك: أن من كان دون هذا فإنه لم يذكره، لكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده الابن المبهم لقبيصة رضي الله تعالى عنه، فهو غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث (... والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة ...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا ابن أبي مريم ]. ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن فروخ ]. هو عبد الله بن فروخ، وهو صدوق يغلط، أخرج له أبو داود . [ أخبرني أسامة بن زيد ]. هو أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرني ابن لقبيصة بن ذؤيب عن أبيه ]. قيل: هو إسحاق ، وصاحب الرواية عن قبيصة مجهول . وقبيصة بن ذؤيب صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال حذيفة ]. وقد مر ذكره. شرح حديث حذيفة (إن الناس كانوا يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن سبيع بن خالد قال: أتيت الكوفة في زمن فتحت تُسترَ أجلب منها بغالاً، فدخلت المسجد فإذا صَدعَ من الرجال، وإذا رجل جالس تعرف إذا رأيته أنه من رجال أهل الحجاز، قال: قلت: من هذا؟ فتجهمني القوم وقالوا: أما تعرف هذا؟! هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال حذيفة : (إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إني قد أرى الذي تنكرون، إني قلت: يا رسول الله! أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله، أيكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم، قلت: فما العصمة من ذلك؟ قال: السيف، قلت: يا رسول الله! ثم ماذا يكون؟ قال: إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه وإلا فمت عاض بجذل شجرة، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال معه نهر ونار، فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: هي قيام الساعة) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وفيه: أن سبيع بن خالد قال: قدمت الكوفة فأتيت مسجدها وإذا فيها صدع من الرجال، وبينهم رجل يظهر أنه من أهل الحجاز، فقلت: من هذا؟ فتجهمه الناس، واستغربوا سؤاله، فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا قيام الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم بنشر العلم، وبيان السنن، ومعلوم أنهم رضي الله عنهم وأرضاهم خرجوا من المدينة وانتشروا في الآفاق لنشر السنن وبيان الأحكام الشرعية، ولم يبق في المدينة منهم إلا القليل، وخرج أكثرهم وتفرقوا في الآفاق في الشام ومصر والعراق واليمن، وأماكن مختلفة، كل ذلك لبيان سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على قيامهم بنشر السنن، وحرصهم على تلقيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حرصهم على إبلاغها للناس، وإيصالها إليهم ليعملوا بها، وليستقيموا على ما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم إن كون أولئك القوم يحتفون بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحرصون على الاستفادة منهم، وكونهم يستغربون عمن يسأل عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، كل هذا يدلنا على علو منزلة الصحابة في قلوب التابعين، واحتفائهم بهم، وحرصهم على التلقي منهم، والأخذ عنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر ]. تستر مدينة من مدن الجهة الشرقية، وفتحت سنة عشرين للهجرة في أيام عمر . قوله: [ أجلب منها بغالاً، فدخلت المسجد فإذا صدع من الرجال ]. أي: جماعة من الرجال. قوله: [ وإذا رجل جالس تعرف إذا رأيته أنه من رجال أهل الحجاز، قال: فقلت: من هذا؟ فتجهمني القوم، وقالوا: أما تعرف هذا؟ هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]. المقصود هنا: المكانة والحفاوة، وقولهم: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: هذا ظفر كبير كون التابعين يحصلون واحداً من الصحابة، وقد سبق أن مر بنا في سنن أبي داود حديث هلال بن يسار ، الذي فيه: دخلت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: ألك في رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: غنيمة، يعني: كونه يلتقي بأحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا يعتبر غنيمة. قوله: [ (فقال حذيفة : إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأحدقه القوم بأبصارهم) ]. مما حدث به في ذلك المجلس الذي حضره سبيع بن خالد ، قال: (إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر، يعني: كان الناس يسألونه عن أمور يتعبدون الله تعالى بها، وكنت أسأله عن الشر، فحدقه الناس بأبصارهم لما ذكر أنه كان يسأل عن الشر، يعني: الأصل هنا أنه يسأله عن الخير، والسؤال عن الشر أمر مستغرب، وكان رضي الله عنه يقول: مخافة أن يدركني، وكان يسأل عن الشر حتى يكون على بينة لو أدرك ذلك الشر، أو كان في ذلك الزمن كيف يصنع). قوله: [ (فأحدقه القوم بأبصارهم) ]، يعني: نظروا إليه لما قال بأنه كان يسأل عن الشر. قوله: [ (فقال: إني قد أرى الذي تنكرون) ]، يعني: أنهم ينكرون أنه يسأل عن الشر، ولكنه فعل ذلك من أجل أن يكون على علم به حتى يأخذ بأسباب السلامة. قوله: [ (إني قلت: يا رسول الله! أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله، أيكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم ) ]. والخير هو بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخول الناس في هذا الدين، وخروجهم من الظلمات إلى النور، فسأله: هل يكون بعده شر كما كان؟ لأن قبل ذلك كانت الجاهلية، والله عز وجل أرسل رسوله بالهدى، فأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، فهذا خير، وكان الناس على شر. قوله: [ (قال: نعم، قلت: فما العصمة من ذلك؟ قال: السيف) ]. يعني: ما الذي يقي من ذلك؟ وما هي سبل الخلاص من ذلك؟ قال: السيف، والمقصود من ذلك: قتال من يستحق القتال ليقضى على فتنه وشره، ويخلص الناس مما ظهر به من الشر. وهو إما قتال لمن يقاتل، أو قتل لمن يستحق القتل ممن يكون مرتداً، أو صاحب شر يستحق القتل للتخلص من شره، ومن فتنته. قوله: [ (قلت: يا رسول الله! ثم ماذا يكون؟ قال: إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه وإلا فمت عاض بجذل شجرة)]، أي: لا تخرج عن الجماعة، ولو حصل لك ما حصل من الضرر، بل عليك أن تصبر وأن تحتسب، والجماعة وملازمتها أمر مطلوب، ولو حصل للإنسان الضرر؛ فإنه لا يفارق الجماعة ويخرج عنها بسبب ما يحصل له من ضرر، أو ما يفوته من مصلحة، وإنما عليه أن يصبر؛ لأن الجماعة خير ولو حصل شيء من الظلم أو الجور، فإن الظلم والجور ضرره نسبي، وأما الفوضى والاختلاف وعدم وجود ولاية؛ فإنه يأكل القوي الضعيف، ولا يستقيم للناس أمر، ولا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم، وهم دائماً يضعون أيديهم على قلوبهم من شدة الخوف والرعب لكون أهل الفساد ليس لهم صاد ولا راد، ولهذا جاء عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، أي: إن كثيراً من الناس لا تؤثر فيه القوارع والزواجر بالقرآن ولا تحرك به لهم ساكناً، ولكنه الخوف من العصا والسوط والأدب، والعصا لمن عصا كما يقولون، فمقالة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه مقالة عظيمة. قوله: [ (إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك أو أخذ مالك فأطعه وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجر)] . يعني: إذا كانت الفتن والاضطرابات والفوضى، وليس هناك ولاية تقيم الدين وتردع المعتدين وتقضي على المجرمين، وكان الناس متفرقين فاعتزل تلك الفرق، ولو أتاك الموت وأنت عاض على جذل شجرة، أي: أصل شجرة، تبقى تحتها وتلازمها مبتعداً عن الشرور والفتن التي حصلت بين الناس. قوله: (قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزر) . ثم يخرج الدجال معه نهر ونار، ويأتي الناس ومعه فتن وبلاء فمن أخذ النهر فإنه يحصل الشر ويحصل الوزر، ومن أخذ بالنار التي معه فإن هذا هو الذي يسلم، وهو الذي يحصل الأجر ويسلم من الوزر. وهذا من جملة أحاديث الدجال المتواترة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يخرج في آخر الزمان، ويكون ذلك في وقت نزول عيسى بن مريم، وإذا نزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء فإنه هو الذي يتولى قتل الدجال بنفسه، وسيكون مسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتل مسيح الضلالة الدجال، فعيسى يقال له: المسيح، والدجال يقال له: المسيح. قوله: [ (قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هي قيام الساعة) ]. يعني: بعد ذلك قيام الساعة وانتهاء الدنيا. تراجم رجال إسناد حديث حذيفة (إن الناس كانوا يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة هو وضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نصر بن عاصم ]. نصر بن عاصم ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن سبيع بن خالد ]. سبيع بن خالد مقبول، أخرج له أبو داود . [ حذيفة بن اليمان ]. حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وقد مر ذكره، ولكن الحديث جاء في الصحيحين وفي غيرهما بألفاظ أخرى. بيان معنى قوله: (إن كان لله خليفة في الأرض) قوله في الحديث: (إن كان لله خليفة في الأرض) المقصود به: خليفة من الله وليس خليفة عن الله. وهل يقال للإنسان: خليفة الله؟ إن أريد بخليفة الله أنه خليفة عن الله، فهذا كلام غير صحيح؛ لأن الله حي شاهد لا يغيب، مطلع على كل شيء، حي لا يموت، وإن أريد به أنه خليفة من الله تعالى جعله يخلف غيره ممن تقدمه، والله تعالى هو الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، فيكون صحيحاً. شرح حديث حذيفة ( إن الناس كانوا يسألون رسول الله عن الخير...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن نصر بن عاصم عن خالد بن خالد اليشكري بهذا الحديث: (قال: قلت: بعد السيف؟ قال: بقية على أقذاء وهدنة على دخن) ثم ساق الحديث، قال: وكان قتادة يضعه على الردة التي في زمن أبي بكر (على أقذاء) يقول: قذى، (وهدنة) يقول: صلح، (على دخن): على ضغائن ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه بعد السيف: (بقية على أقذاء)، والأقذاء: جمع قذى، أي: أنها منكرة. قوله: [ (وهدنة على دخن) ] يعني: يوجد اتفاق، ثم يكون هذا الاتفاق ليس ظاهراً وباطناً، وإنما تتخلله الضغائن. قوله: [ ثم ساق الحديث، قال: وكان قتادة يضعه على الردة التي في زمن أبي بكر ]. ذكر أن قتادة رضي الله عنه وهو أحد الرواة كان يضعه على الردة التي حصلت في زمن أبي بكر من قتال المرتدين. قوله: [ (على أقذاء) يقول: قذى، (وهدنة): يقول: صلح، (على دخن): على ضغائن ]. هذا التفسير. تراجم رجال إسناد حديث حذيفة ( إن الناس كانوا يسألون رسول الله عن الخير...) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس ثقة، وقد مر ذكره. [ حدثنا عبد الرزاق ] هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة مر ذكره. [ عن نصر بن عاصم عن خالد بن خالد اليشكري ]. نصر بن عاصم مر ذكره، وخالد قيل هو: سبيع بن خالد الذي مر ذكره. شرح حديث (... فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير من أن تتبع أحداً منهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا سليمان -يعني ابن المغيرة - عن حميد عن نصر بن عاصم الليثي قال: أتينا اليشكري في رهط من بني ليث، فقال: من القوم؟ قلنا: بنو ليث أتيناك نسألك عن حديث حذيفة رضي الله عنه فذكر الحديث قال: (قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة وشر، قال: قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الشر خير، قال: يا حذيفة ! تعلم كتاب الله واتبع ما فيه. ثلاث مرار، قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الشر خير؟ قال: هدنة على دخن وجماعة على أقذاء فيها أو فيهم، قلت: يا رسول الله! الهدنة على الدخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه، قال: قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شر؟ قال: فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار، فإن تمت يا - حذيفة - وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحداً منهم) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة من طريق أخرى تفيد بعض الزيادات. قوله: [ قال نصر بن عاصم الليثي : أتينا اليشكري في رهط من بني ليث، فقال: من القوم؟ قلنا: بنو ليث أتيناك نسألك عن حديث حذيفة فذكر الحديث قال: (قلت: يا رسول الله !هل بعد هذا الخير شر؟ قال:فتنة وشر)]. هذا الخير هو الذي كانوا عليه. قوله: [ (قال: قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الشر خير؟ قال: يا حذيفة ! تعلم كتاب الله واتبع ما فيه. ثلاث مرار) ]. يعني: أنه يعرف الحق ويعمل به فيكون عالماً عاملاً فيجمع بين العلم والعمل، فيكون على سلامة واستقامة؛ لأنه لابد من الجمع بين العلم والعمل؛ لأن العلم بدون عمل وبال على صاحبه، والعمل بدون علم عمل على جهل وضلال، كشأن النصارى الضالين، كما قال بعض السلف: من فسد من علمائنا فبه شبه من اليهود؛ لأنهم يعرفون الحق ولا يعملون به، ومن فسد من عبادنا فبه شبه من النصارى؛ لأنهم يعبدون الله على جهل وضلال . قوله: [ (قال: قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الشر خير؟ قال: هدنة على دخن وجماعة على أقذاء فيها أو فيهم) ]. (هدنة) يعني: صلح، (على دخن) يعني: على إحن وأحقاد وضغائن في القلوب، وليس الظاهر متفق على الباطن، بل الباطن شيء والظاهر شيء، (وجماعة على أقذاء)، يعني: كما يقوم القذى الذي يكون في العيون بضررها وعدم الاستفادة منها فتكون كذلك هذه الحالة، فهو شبيه بقوله: (هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء) ، وهناك قال: (بقية على أقذاء) أي: الجماعة. قوله: [ (قلت: يا رسول الله! الهدنة على الدخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه) ]. معناه: أنه هذا الاتفاق وهذا الصلح الذي يحصل لا ترجع القلوب بعده على ما كانت عليه من قبل متصافية، وإنما تبقى القلوب فيها ما فيها ولو حصل الاتفاق. قوله: [ (قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شر، قال: فتنة عمياء صماء عليها دعاة على أبواب النار) ]. يعني: فتنة عمياء صماء لا يتضح فيها الأمر ولا يسمع فيها لحق، يكون فيها دعاة إلى النار وذلك بما يلبسون به على الناس، وبما يزينونه للناس من الباطل من أجل أن يستجيبوا لما هم عليه، وتكون النتيجة أنهم يقذفونهم في النار كما جاء في الصحيحين: (من أجابهم إليها قذفوه فيها) . قوله: [ (فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحداً منهم) ]. يعني: هؤلاء الذين هذا وصفهم وهذا شأنهم كون الإنسان يعتزلهم ويبتعد عنهم ويكون ملازماً لشجرة يكون تحتها ويموت وهو كذلك خير من أن يكون مع أحد من هؤلاء أو هؤلاء. تراجم رجال إسناد حديث (... فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير من أن تتبع أحداً منهم) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا سليمان -يعني ابن المغيرة - ]. سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن هلال، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نصر بن عاصم الليثي قال: أتينا اليشكري ... عن حذيفة ]. مر ذكرهم. شرح حديث (... فإن لم تجد يومئذ خليفة فاهرب حتى تموت ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث حدثنا أبو التياح عن صخر بن بدر العجلي عن سبيع بن خالد بهذا الحديث عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن لم تجد يومئذ خليفة فاهرب حتى تموت؛ فإن تمت وأنت عاض-قال في آخره- قال: قلت: فما يكون بعد ذلك؟ قال: لو أن رجلاً نتج فرساً لم تنتج حتى تقوم الساعة) ]. ذكر هذه الطريق وفيها ما في الذي قبلها، إلا أن فيها بيان قرب الساعة عند حصول ذلك الشيء الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من كثرة الفتن، وأمره بالاعتزال ولو أن يموت وهو عاض على أصل شجرة، وقال: إن الساعة قريبة وقال: (لو أن رجلاً نتج فرساً لم تنتج حتى تقوم الساعة) يعني: لو أنه أنتج فرساً وولدت لم يحصل لها إنتاج حتى تقوم الساعة. تراجم رجال إسناد حديث (... فإن لم تجد يومئذ خليفة فاهرب حتى تموت ...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو التياح ]. هو أبو التياح يزيد بن حميد الضبعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صخر بن بدر العجلي ]. صخر بن بدر العجلي مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سبيع بن خالد عن حذيفة ]. مر ذكرهما. الأسئلة المنع من حمل أحاديث الفتن على وقائع معينة السؤال: هل يصح حمل هذا الحديث وأمثاله على الواقع المعاصر، وتعيين بعض الفتن بأنها وقعت؟ الجواب: لا يصلح؛ لأن بعض الناس كل شيء يطبقه على الوقت الحاضر، فما من شيء يقع إلا ويقول: إن هذا هو المقصود بالحديث، وهذا غير صحيح، مثل ما جاء في حديث انحسار الفرات عن جبل من ذهب، بعض الناس في هذا الزمان يقول: هو البترول، وهذا غير صحيح؛ لأن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جبل من ذهب، وأن الناس يقتتلون عليه، وأن الهلاك فيه تسعة وتسعون في المائة، والنجاة واحد في المائة، ثم كل واحد لشدة حرصه على الدنيا مع علمه بأن الهلاك تسعة وتسعون في المائة والنجاة واحد في المائة يقول: لعلي أن أكون أنا الناجي من المائة، وكيف يقال: هو البترول؟ وأي افتتان حصل على بترول العراق؟ وأين الهلكى الذين نسبتهم تسعة وتسعون في المائة ويبقى واحد؟ ومع ذلك يوجد في هذا العصر من قال: إن المقصود به: بترول العراق. إذاً: تطبيق كل شيء على ما هو مشاهد ومعاين، وتحميل النصوص ما لا تتحمل وتطبيقها على أمور لا تناسب ولا تليق مع سياق الألفاظ وسياق الكلام الذي يأبى ذلك، هذا غير صحيح، ولا يجوز للإنسان أن يطبق كل شيء على الواقع، وبعض الناس يأتي بالمصطلحات الواردة في الأحاديث وأخبار الرسول التي أخبر بها ويحاول أن يفسرها بأمور واقعية، وهذا أحد الغماريين الذين في بلاد المغرب، وقد مات قبل ستين سنة تقريباً أو قريباً من ذلك، سمى كتابه: (مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية)، وأتى بأشياء كثيرة كلها يحمل فيها النصوص ما لا تتحمل، وقد رد عليه الشيخ حمود التويجري رحمه الله بكتاب سماه: (إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة)؛ لأن هذا الغماري من طنجة. تشبيه فتن هذا الزمان بقطع الليل المظلم السؤال: هل هذا الزمان الذي نعيش فيه يصدق عليه وصف النبي صلى الله عليه وسلم أن الفتن فيه: (كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً). الجواب: الله تعالى أعلم، لكن فتنه كثيرة، والناس في هذا الزمان كما هو معلوم أعرضوا عن دينهم، وكثير من الناس ينتمون إلى الإسلام وهم لا يطبقونه ولا يعملون بأحكامه، ومن أجل ذلك حصل لهم الذل والهوان، كما قال عليه الصلاة والسلام: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري) . حكم وصف حصار العراق بأنه فتنة الأحلاس السؤال: إن حديث الوقت هو التكلم عن الفتن والملاحم، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من الكتابات في (الإنترنت) في هذا الأمر، وربط القرآن والأحاديث بالأحداث المعاصرة مثلاً، ففتنة الأحلاس قالوا: إن المقصود بها حصار العراق، هل مثل هذا الكلام يعتبر من القول على الله بغير علم؟ وما رأيكم في الاطلاع على مثل هذه الكتابات والرد عليها؟ الجواب: حمل الأحاديث بهذا الشكل، وكأنه لا زمان في الأزمان إلا هذا الزمان، وكل شيء إنما هو يحمل على هذا الزمن. هذا الكلام غير صحيح. وأما عن الرد فلا شك أن الشيء الذي يكون باطلاً بيانه وإيضاحه شيء مطلوب. حكم وصف الأمة بأنها قد أصبحت منقسمة إلى فسطاطين السؤال: هل يجوز أن نقول: إن الأمة الآن على فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه؟ الجواب: لا يقال هذا؛ لأن هذا إنما يكون عند خروج الدجال؛ لأنه جاء في آخر الحديث: (فإذا كان ذلك فانتظروا الدجال من يومه أو من عنده) ، وهذا لا يكون إلا في آخر الزمان."
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [476] الحلقة (508) شرح سنن أبي داود [476] إن من دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: إخباره عن فتن تحل بالأمة بعد وفاته، وذكر صلوات الله وسلامه عليه ما يحل بالأمة من خلاف ومن وضع السيف فيهم، وأن ذلك لا يكون من جهة عدو خارجي يتسلط عليهم، وإنما هو من تسلط بعضهم على بعض. تابع ما جاء في الفتن ودلائلها شرح حديث (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر)، قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي، قلت: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نفعل ونفعل، قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله ]. أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بايع رجلاً فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه ما استطاع، فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر)، ثم استوثق منه وقال: (أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، فقال: إن ابن عمك معاوية يأمرنا بكذا وكذا، فقال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله). وهذا الحديث أورده أبو داود مختصراً، وهو حديث عظيم، وجاء في صحيح مسلم مطولاً، وكنت أذكر منه جملتين أرددهما كثيراً وهما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) فإن هاتين الجملتين داخلتان في هذا الحديث الطويل عند مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما. قوله: (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده) هي كناية عن كونه صافحه بالمبايعة. قوله: [ (وثمرة فؤاده) ]، بمعنى: أنه يكون صادقاً ومخلصاً ولا يظهر شيئاً ويخفي شيئاً، فيتفق الظاهر والباطن، ويبايعه ظاهراً بوضع يده في يده، ويكون قلبه متفقاً مع قالبه، وباطنه متفقاً مع ظاهره، ليس شأنه شأن المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فيظهر الولاء وهو يبطن الحقد والعداوة ويتربص. قوله: [ (فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا رقبة الآخر) ]، وهذا يدل على أن الإمام المبايع يبقى على بيعته، وأنه لا يجوز الخروج عليه، ولو خرج عليه أحد فإنه يقاتل ويقتل حتى تبقى الجماعة على تماسكها ووحدتها، دون أن يكون فيها تفرق، ودون أن يكون هناك فوضى. قوله: [ قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ]. هذا للتوثق والتأكد، (قال: نعم، قال: فإن ابن عمك معاوية يأمرنا بكذا وكذا) ، لأنه قال: (فليطعه ما استطاع) ، فقال: إنه يأمرنا بكذا وكذا، قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله. إذا كان الأمير والوالي أمر بطاعة فإنه يسمع له ويطاع، وإذا أمر بمعصية فإن السمع والطاعة إنما هي لما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الطاعة في المعروف) وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله)، ولهذا جاء الأمر بطاعة ولاة الأمور تابعاً لطاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ولم يكن مستقلاً بحيث يسمع له ويطاع مطلقاً، وإنما الذي يسمع له ويطاع مطلقاً هو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] فأمر بطاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأمر بطاعة ولاة الأمور، ولكن لما ذكر طاعة الرسول أظهر الفعل وهو (أطيعوا) ولما جاء عند ولاة الأمور ما أظهر الفعل بل قال: (وأولي الأمر منكم)، فحذف الطاعة مع ولاة الأمور للإشارة إلى أن طاعتهم إنما تكون تابعة لطاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وقد أظهر الفعل مع الرسول عليه الصلاة والسلام وهو (أطيعوا)؛ لأنه لا يأمر إلا بما هو حق، ولا يأمر بمعصية، وهو معصوم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا أعيد الفعل معه، فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، ولم يعد الفعل مع ولاة الأمور؛ لبيان أن طاعتهم لا تكون مستقلة باستمرار بحيث يسمع لهم ويطاع في كل أمر، وإنما السمع والطاعة مقيدة في أن يكون طاعة لله ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ ابن عمك ]، لأن عبد الله بن عمرو سهمي، ومعاوية أموي، وكل منهما قرشي، فهو يريد بنوة العمومة وهي بعيدة ليست قريبة؛ فهم كلهم من قريش، وقريش هم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ، وهو الأب الحادي عشر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكلاهما من قريش؛ معاوية و عمرو بن العاص. تراجم رجال إسناد حديث (من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن وهب ]. زيد بن وهب وهو ثقة حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ]. عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وهو أحد الصحابة المكثرين من الرواية، وكان يكتب، ولكنه ما بلغت أحاديثه مثلما بلغت أحاديث السبعة الذين اشتهروا بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ويل للعرب من شر قد اقترب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، أفلح من كف يده) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة قال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، أفلح من كف يده)، ومحل الشاهد هنا: (أفلح من كف يده) يعني: في القتال بغير حق، ويمكن أن يكون أيضاً في الفتن التي تحصل، وذكر العرب لأنهم معظم المسلمين في أول الأمر، والإسلام إنما كان أولاًً في العرب، ثم بعد ذلك امتد إلى العجم، واتسعت الفتوحات، ودخل الناس في دين الله، ودخل من العجم من دخل بدون فتوحات بهداية الله عز وجل: صهيب الرومي و سلمان الفارسي و بلال الحبشي. قوله: (أفلح من كف يده)، يعني: عن القتال في الفتن. تراجم رجال إسناد حديث (ويل للعرب من شر قد اقترب ...) قوله [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبيد الله بن موسى ]. عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شيبان ]. هو شيبان بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي صالح ]. الأعمش مر ذكره، و أبو صالح ذكوان السمان ، اسمه: ذكوان ، ولقبه: السمان ، وهو مشهور بكنيته أبو صالح ، وهو مدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وللجمع بين حديث: (ويل للعرب)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: هلك الناس فهو أهلكهم)، نقول: لا تنافي بينهما؛ لأن هذا إخبار بأمور ستحصل، وأما الذي يقول: هلك الناس فهو يقول شيئاً ويكون فيه مبطلاً، وهو يكون في مقدمة من وصفهم بالهلاك. شرح حديث (يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة...) [ قال أبو داود :حدثت عن ابن وهب قال: حدثنا جرير بن حازم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح) . يعني: يقرب أن يحاصر المسلمون إلى المدينة، وهذا يمكن أن يشهد له: (إن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) ، وأن الناس قد يحصل لهم ابتلاء، وأنهم قد يحاصرون حتى يكون أبعد الأماكن التي يدافع عنهم فيها والثغور هي سلاح، وهو مكان قيل: إنه قريب من خيبر، والله تعالى أعلم بالواقع والحقيقة. ومعنى حديث: (يأرز الإيمان إلى المدينة): أن قوة الإيمان تكون هناك، وفيه أيضاً: كون الناس يأتون إلى المدينة من أجل فضلها ومن أجل السلامة من الفتن ومن الشرور التي تحصل في مختلف الأقطار. تراجم رجال إسناد حديث (يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة...) [ قال أبو داود : حدثت عن ابن وهب ]. وهذا فيه انقطاع؛ لأنه لم يصرح بشيء فيه، ومعلوم أنه يروي عن ابن وهب بواسطة، وكثيراً ما يروي عن ابن وهب بواسطة أحمد بن صالح المصري ، فلا أدري من هو هذا المحذوف، والحديث صححه الألباني ، لكن لا أدري من أي وجه كان تصحيحه مع هذا الانقطاع. وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث أخرجه الحاكم من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وهو ابن أخي عبد الله عن عمه عبد الله عن جرير به. وجرير بن حازم موجود هنا في الإسناد أيضاً. وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي ، فلعل محدث أبي داود هنا هو أحمد هذا، وإنما لم يسمه أبو داود لما قيل من اختلاطه، ورواية مسلم عنه فقط. واسمه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم المصري الوهبي لقبه بحشل أخرج له مسلم ، وهو من الحادية عشرة. واعتذر الحافظ لمسلم فقال: لعل إخراج مسلم عنه قبل اختلاطه. [ حدثنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عمر ]. عبيد الله بن عمر هو العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره. ولا يمكن أن يقال: إن هذا حصل في زمن الردة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأنه ليس بظاهر، وما حصل في زمن أبي بكر أن الناس حوصروا بل كانت البلاد بأيديهم. قول الزهري في (سلاح) الواردة في حديث ابن عمر وتراجم رجال هذا القول قال المصنف رحمه لله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس عن الزهري قال: وسلاح قريب من خيبر ]. وهذا تفسير من الزهري لسلاح الذي هو أبعد المسالح بأنه قريب من خيبر. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل . [ عن عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (... وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة …) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب و محمد بن عيسى قالا: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض، أو قال: إن ربي زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضاً، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق -قال ابن عيسى :-ظاهرين. ثم اتفقا- لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) ]. أورد أبو داود حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها)، أي: إن الله عز وجل زوى له الأرض فشاهدها ورأى ما يصل إليه ملك أمته، وقد حصل ذلك في زمن بني أمية، حيث فتحت الفتوحات في الشرق والغرب حتى وصل عقبة بن نافع إلى المحيط الأطلسي، ووصلت بعض الجيوش التي أرسلت إلى جهة المشرق إلى الصين وإلى السند والهند، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، ودخل الناس في هذا الدين، وتحقق بذلك ما أخبر به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك كان الأمر في عهد بني العباس؛ ويذكر عن هارون الرشيد أنه مرت سحابة ببغداد فقال: (أمطري حيث شئت فخراجك سيأتي إلي)؛ لأنها تجاوزت بغداد فلم تمطر عليها، فقال: أين أمطرت فخراجك سيأتيني، بمعنى: أن الأرض التي سينزل فيها ذلك الماء سيصل خراجها إلى بغداد، وذلك إشارة إلى اتساع رقعة البلاد الإسلامية. فتحقق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من افتتاح البلاد ودخول الناس في هذا الدين الحنيف، مع أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وكذلك الذين جاءوا بعدهم ممن صار على منوالهم في الفتوحات والجهاد في سبيل الله كانوا أقل عدداً من أعدائهم وأقل عُدداً، ولكن وجدت عندهم قوة الإيمان التي هي سبب كل خير، وضعف الإيمان وعدم الاستقامة سبب كل شر وضعف وهوان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، فهذه الفتوحات إنما حصلت بالصدق مع الله وبقوة الإيمان والإخلاص والجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يهتدي الناس، وأن يدخلوا في دين الله، فالمسلمون كانوا أقل عدداًً وعُدداً، وأعداؤهم الكفار كانوا أكثر عدداًً وعُدداً، ومع ذلك كان المسلمون يتفوقون ويتغلبون على الكفار؛ بسبب ما أعطاهم الله من قوة الإيمان والصدق. ولهذا جاء في صحيح البخاري : أن جيشاً ذهب إلى قتال الفرس، وكان أميرهم النعمان بن مقرن ، وكان فيهم المغيرة بن شعبة ، فلما التقوا مع كبير الفرس طلب كبير الفرس واحداً من المسلمين يأتي للتفاوض والتفاهم معه، فذهب المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فقال له ذلك الزعيم: ما أنتم؟ قال: نحن قوم من العرب كنا في بلاء وفقر شديد، نعبد الشجر والحجر، ونمص النوى والجلد من الجوع، فبعث الله فينا رسولاً من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فدعانا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأمرنا بالجهاد في سبيله، وأخبرنا بأن من قتل منا فهو في الجنة، ووصفها كذا وكذا، ومن عاش منا ملك رقابكم. هذا الكلام جاء من قوة إيمان، ومن عزيمة وإخلاص لله عز وجل؛ ولهذا لما تغيرت أحوال الناس هان المسلمون على أعدائهم بعد أن كان الكفار يهابون المسلمين، صاروا هم الذين يهابون ويخافون الكفار؛ والسبب في ذلك كله ضعف الإيمان، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : (وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري) . قوله: [ (وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) ]، الأحمر هو الذهب، والأبيض هو الفضة، وكنوز كسرى وقيصر التي كانت من الذهب والفضة غنمها المسلمون في جهادهم للروم وللفرس، وأحضرت تلك الكنوز إلى المدينة وتولى قسمتها الفاروق رضي الله عنه بنفسه في المدينة، وتحقق بذلك ما أخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في قوله: (ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله) وقد تحقق ذلك وأنفقت في سبيل الله على يد الفاروق رضي الله عنه وأرضاه. قوله: [ (وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة) ]، يعني: بأن يصيبهم قحط عام يصير به هلاك وضرر الجميع، وأعطاه الله ذلك، فالقحط يحصل في بلد، ويحصل في بلد آخر الرخاء والخصب، لكن كونه يحصل لهذه الأمة أنها تهلك بالقحط، وقلة المطر، وتفنى بسبب ذلك، هذا لا يحصل. قوله: [ (وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) ]، بيضتهم بمعنى: أنه يقضي على الإسلام والمسلمين، والإسلام باق، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجته، ولو حصل ضعف في مكان حصلت قوة في مكان آخر، لكن لا تخلو الأرض ممن يقوم بأمر الله، ولكن الشيء الذي قد حصل هو كون بعضهم يقتل بعضاً، والفتن التي تكون بينهم تحصد بعضهم بالقتل وحصول الأضرار الكبيرة، فقوله صلى الله عليه وسلم: (وألا يهلك أمتي بسنة بعامة)، أي بسنة قحط تعم البلاد. وقوله: (وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم) يعني: لن يوجد عدو ليس من المسلمين يستبيح بيضتهم ويقضي على الإسلام والمسلمين؛ لأن الإسلام باق وعزيز، ولكنه يكون قوياً في بعض الأزمان، ودون ذلك في بعض الأزمان، لكن كونه تخلو منه الأرض أو ينتهي، هذا لا يكون، بل لابد أن يكون هناك من يقوم بشرع الله، ولا يضره من خالفه، كما سيأتي في آخر هذا الحديث. قوله: [ (وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد) ]، يعني: ما قدره الله وقضاه فإنه لابد من وجوده، وكل شيء شاءه الله لا بد أن يكون، وكل شيء لم يشأه الله لا يمكن أن يكون، ولهذا فإن عقيدة المسلمين في باب القدر تنبني على هاتين الجملتين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ما سبق به قضاء الله وقدره لابد من وجوده ولابد من حصوله، وما جرى به القضاء بأنه لا يكون فلا سبيل إلى كونه ووجوده، ولهذا يقول الشاعر: فما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن ما شئت يا الله كان وإن لم أشأه أنا، وما شئت أنا إن لم تشأه فإنه لا يكون؛ لأنه لا يكون ولا يقع في ملك الله إلا ما قدره الله وقضاه. والقدر مغيب ولا يعلمه إلا الله، ولكن يمكن أن يعرف المقدر بأمرين: الأمر الأول: الوقوع، فإذا وقع الشيء فهو مقدر؛ لأنه لا يقع إلا مقدر. والأمر الثاني: حصول الإخبار به من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا يدل على أنه سبق به القضاء والقدر، وأنه لابد أن يوجد ذلك المقدر، ولكنه عرف بإخبار الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بأنه سيحصل كذا وكذا، وأنه سيقع كذا وكذا، وسيجري كذا وكذا، فهذا لا بد وأن يوجد. وهذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيوجد سبق به القضاء والقدر؛ ولهذا قال: (إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد)، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ ولهذا جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وكذلك في الدعاء: (اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت)، فالذي قدره الله وأعطاه لا أحد يمنعه، وما قدر ألا يكون فإنه لا سبيل إلى كونه، ولا سبيل إلى وجوده. قوله: [ (وإني لا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم) ]، يعني: قضاء الله وقدره بأنه لا يهلكهم بسنة بعامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فقدر وقضى أن بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، ويضر بعضهم بعضاً، وهذا يقع. قوله: [ (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين) ]، هذا هو الذي يخشاه النبي على الأمة، وهو كونها تبتلى بمن يضل، سواء كانوا هؤلاء الأئمة أئمة دعوة وتبليغ وإرشاد، أو أصحاب سلطة، والإمامة تكون بكونه متبوعاً وغيره يتبعه وإن لم يكن والياً، وقد يكون والياً ويكون مع إضلاله قوة تساند وتؤيد هذا الضلال، وتحتضن من يكون من أهل الضلال، فقال صلى الله عليه وسلم: (وإنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين)؛ لأنهم يحرفونهم ويصرفونهم عن الحق والهدى بأن يضلوهم ويخرجوهم من الجادة والاستقامة إلى الطرق المنحرفة الخارجة عن الصراط المستقيم، كما قال الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]. قوله: [ (وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة) ]، يعني: إذا حصلت الفتن، وبدأ قتل الناس بعضهم لبعض وإهلاك الناس بعضهم لبعض فإن هذا سيبقى، ولكن ليس لأحد أن يأتي من خارج الم تراجم رجال إسناد حديث (... وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة...) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أسماء ]. أبو أسماء الرحبي هو عمرو بن مرثد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثوبان ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. شرح حديث (إن الله أجاركم من ثلاث خلال...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني أبي قال ابن عوف : وقرأت في أصل إسماعيل قال: حدثني ضمضم عن شريح عن أبي مالك -يعني: الأشعري - رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أجاركم من ثلاث خلال: ألا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وألا تجتمعوا على ضلالة) ]. أورد أبو داود حديث أبي مالك الأشعري : (إن الله أجاركم من ثلاث: ألا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا)، كما دعا نوح عليه السلام على قومه، وحصل هلاكهم، وهذا لم يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه عليه الصلاة والسلام لما أوذي واشتد به الأذى وخرج مهموماً مغموماً على وجهه خاطبه جبريل، وقال: (إن هذا ملك الجبال فأمره بما شئت، فخاطبه ملك الجبال وقال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، وهما جبلا مكة، فقال: لا، بل أرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً)، فهو لم يدع عليهم مع ما حصل له منهم من الأذى. قوله: [ (وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق) ]، بأن يظهر الكفار على المسلمين بحيث يقضوا عليهم، فيكون من جنس (وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم)؛ فإن أريد به الكفار، وأنهم يقضون على الإسلام، ويستبيحون بيضة الإسلام ولا يبقى إسلام، فهذا لا يكون، وهو الذي مر في الحديث السابق، وإن أريد به أنه قد يحصل من أهل الضلال من يكون عنده غلبة وله سلطة وولاية، فهذا يقع ويحصل. قوله: [ (وألا تجتمعوا على ضلالة) ]، لا يتفقون على ضلالة، بمعنى: أنهم يتركون الحق وتخلو الأرض من الحق، ولا يبقى إلا الضلال وتجتمع الأمة على الضلال فهذا لا يكون. والحديث فيه انقطاع بين شريح وبين أبي مالك فهو لم يدركه، ذكر ذلك الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة. لكن فيما يتعلق بعدم اجتماع الأمة على ضلالة، فإن هذا محل اتفاق ولا خلاف فيه، فالأمة لا تجتمع على ضلالة من أولها إلى آخرها، ولن تخلو الأرض ممن هو على حق وهدى. تراجم رجال إسناد حديث (إن الله أجاركم من ثلاث خلال...) قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا محمد بن إسماعيل ]. هو محمد بن إسماعيل بن عياش، وقد عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع، أخرج له أبو داود . [ حدثني أبي ]. هو إسماعيل بن عياش ، وهو صدوق في روايته عن أهل بلده، ومخلط عن غيرهم، وحديثه أخرجه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن. [ قال ابن عوف : وقرأت في أصل إسماعيل ]. إسماعيل هو ابن عياش ، يعني: في أصل كتابه. [ قال: حدثني ضمضم ]. هو ضمضم بن زرعة، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير. [ عن شريح ]. هو شريح بن عبيد الحضرمي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي مالك -يعني الأشعري- ]. أبو مالك الأشعري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [477] الحلقة (509) شرح سنن أبي داود [477] باب الفتن باب أغلق بمبعث النبي صلوات الله وسلامه عليه وفتح أو كسر بموت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو في تزايد إلى قيام الساعة. تابع ما جاء في الفتن ودلائلها شرح حديث (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناجية عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً، قال: قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ قال: مما مضى). قال أبو داود : من قال: خراش فقد أخطأ ]. ذكر الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين؛ فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً قال: قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ قال: بل مما مضى)، قيل في هذا الحديث: إن المراد بذلك: قوة الإسلام في هذه المدة، ثم بعد ذلك يحصل التغيير، وقيل: إن المقصود بدوران الرحى: الحروب التي تحصل وتقع، ولا شك أن مدة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله تعالى عنهم كانت خلافة راشدة، وكان الخير عظيماً والإسلام منتشرا،ً وقد حصل بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وتولي علي رضي الله عنه شيء من الاقتتال والاختلاف حيث وجدت الفتن، وحصل اقتتال بين المسلمين، ثم بعد ذلك حصل اجتماع للمسلمين على يدي الحسن بن علي رضي الله عنهما بتنازله لمعاوية وحصول اجتماع الكلمة على معاوية بعدما كانت الفرقة وكان الخلاف قبل ذلك، وتحقق ما أخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في قوله في الحسن رضي الله عنه، وقد حمله معه على المنبر وهو طفل صغير، وكان ينظر إليه وينظر إلى الناس، ويقول: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وقد تحقق ذلك في عام واحد وأربعين من الهجرة، والذي سمي بعام الجماعة، حيث اجتمعت الكلمة وصار على الناس خليفة واحد، هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، وقد آتى الله الملك بعد مدة الخلفاء الراشدين معاوية بن أبي سفيان ، وهو خير وأول ملوك المسلمين؛ لأنه صحابي، والخلفاء الذين جاءوا بعده على مختلف العصور والدهور ليسوا من الصحابة، فهو أول الملوك وخير الملوك رضي الله عنه وأرضاه، وقد جاء إطلاق الخلافة على الخلفاء الراشدين وعلى ثمانية من بعدهم، وذلك في الحديث الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، فإن هؤلاء الخلفاء هم الخلفاء الراشدون، وثمانية من خلفاء بني أمية. قوله: [ (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين) ]،قيل: إن المراد بذلك مدة خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وهي ثلاثون سنة، ويضاف إليها خمس أو قريباً من ذلك في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن المراد بذلك: ما حصل في سنة خمس وثلاثين من الهجرة من قتل عثمان رضي الله عنه، وما حصل بعد ذلك من الفتن، لكن كما هو معلوم أن استخدام التاريخ الهجري إنما حصل في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لكن إذا اعتبرت مدة الخلفاء الراشدين الأربعة التي هي ثلاثون سنة، وضم إليها خمس سنوات من بعدها فيكون معنى ذلك أن هذه المدة هي الخلافة الراشدة، وقد حصل فيها الخير الكثير، وإن وجد شيء من الاختلاف. وعلى هذا يكون المقصود برحى الإسلام: قوته واستقامته وسلامته، وكونه على منهاج النبوة، وكون الخلافة خلافة نبوة، ويكون بدوران الرحى حصول الخير والنفع، كما أن الرحى إذا دارت على الحب وصار طحيناً ودقيقاً بسبب دوران الرحى حصل بذلك النفع. فيكون معنى هذا: أن الدوران يشبه دوران الرحى بطحن الحب، فيكون في ذلك فوائد للناس، وهذا يطابق ويوافق ما حصل في زمن الخلفاء الراشدين الذين خلافتهم خلافة نبوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) فعلى هذا يكون المعنى: حصول استقامة وقوة خلافة راشدة، وخلافة نبوة في خمس وثلاثين سنة؛ منها ثلاثون مدة الخلفاء، ومنها خمس هي المدة الباقية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله ذاك. ودوران الرحى بهذا المعنى على اعتبار النفع، وأن خلافة الخلفاء الراشدين حصل فيها خير وهي خلافة راشدة، ويستقيم على معنى دوران الرحى بالحب وطحن الحب، كونه يصير دقيقاً يستفاد منه، ومعلوم أن الحب لا يستفاد منه إلا بالطحن، والرحى هي التي تطحن الحب وتجعله دقيقاً فيكون معنى ذلك أنه حصل للناس في هذه المدة فوائد عظيمة وخير كثير. ولهذا من الأبيات التي يلغز بها بعض الشعراء بحجري الرحى، فيقول: أخوان من أم وأب لا يفتران من التعب ما منهما إلا ضن يشكو معاناة التعب فلنا بصلحهما ردى ولنا بحربهما نشب إذا اصطلحا وانطبق واحد على الثاني بلا حركة، فلن يكون هناك حب يطحن، فاصطلاحهما لا نستفيد منه، ولكن إذا صار بينهما حرب، وهذا يدور على هذا، فيحصل الطحين ويستفيد الناس. وهذا يؤتى به في كتب الأدب في الإلغاز. ومعلوم أن الاقتتال إنما حصل بعد قتل عثمان ، وقبل اجتماع الكلمة على معاوية، ولكن على هذا المعنى الذي ذكرته، والذي ذكره بعض العلماء: أن المراد به القوة والانتشار والاستقامة، فيدخل في ذلك مدة الخلفاء الراشدين مع خمس سنين من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما على القول بأن دوران الرحى المقصود به الحرب، فالحرب إنما حصلت بعد مقتل عثمان ، فقد حصلت الفتن وحصل الاقتتال بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وهم مجتهدون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وخطؤه مغفور له، والواجب هو إحسان الظن بالجميع، وعدم النيل من أحد منهم، بل الواجب هو الترضي عنهم ومحبتهم وموالاتهم جميعاً، وسلامة القلوب والألسنة من كل ما لا يليق بهم، هذا هو الواجب في حق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فإن يهلكوا فسبيل من هلك) ]، يعني: من الأمم السابقة، والهلاك لا يلزم أن يكون بتلف وذهاب أجسادهم، بل يكون بانحرافهم وحصول فتن وأمور مضلة. قوله: [ (وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين سنة) ]، ولا شك أنه لم يحصل الهلاك، ولكن حصل قيام الدين، وقيام الملك لبني أمية بعد عهد الراشدين، وقد حصل في زمن بني أمية خير ونفع عظيم، وفتحت الفتوحات وبلغت الديار الإسلامية المفتوحة إلى المحيط الأطلسي غرباً، وإلى بلاد السند والهند والصين شرقاً، وقد سبق أن مر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)، وقد بلغ ملك هذه الأمة في زمن بني أمية مبلغاً وصل إلى حد المحيط الأطلسي غرباً وإلى الصين شرقاً، فصار في ذلك القوة للإسلام وأهله. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، والخلفاء الثمانية هم خلفاء بني أمية، وقبلهم الخلفاء الراشدون الهادون المهديون، فهذا فيه بيان أن الإسلام قوي حيث انتشر في هذه المدة، وفتحت الفتوحات، وكثرت الخيرات، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية. قوله: [ (وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً) ]، قيل المقصود به: ملكهم، وقد قام ملك بني أمية هذه المدة من حين بويع معاوية رضي الله عنه بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه، فمدة سبعين بعد ذلك فيها قوة، وبعد ذلك حصل الضعف في بني أمية، وحصلت الحروب والاقتتال الذي أدى إلى ظهور بني العباس وتغلبهم على بني أمية وانتزاعهم الملك منهم، فتكون مدة السبعين هي من خلافة معاوية إلى تمام السبعين، وخلافة بني أمية تبلغ تسعاً وثمانين سنة، لكن في آخرها حصل اضطراب وقلاقل وفتن، ولكن مدة السبعين سنة هي مدة الخلفاء الأقوياء والتي حصل فيها خير كثير، وفتحت الفتوحات، وكثرت الخيرات، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وقوي الإسلام وصار عزيزاً، وأمر الناس ماضياً، فتحقق ما أخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من قوله: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، فيكون المقصود بذلك الخلفاء الثمانية الذين هم من بني أمية، وهم من كانوا في مدة سبعين سنة ابتداء من خلافة معاوية ، وفي آخرها التي هي فوق السبعين مقدار تسعة عشر سنة بقية مدة الخلافة الأموية حتى ظهر عليهم العباسيون وتغلبوا عليهم. وانتزعوا الملك منهم، تلك كان فيها ضعف، وعدم قوة، وعدم استقامة؛ بسبب الحروب والفتن التي حصلت في آخر عهد بني أمية. قوله: [ (قال: قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ قال: مما مضى) ]. يعني: كأن السبعين بعدما مضى. تراجم رجال إسناد حديث (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين...) قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ] محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي بن حراش ]. ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء بن ناجية ]. البراء بن ناجية ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : من قال: خراش فقد أخطأ ]. خراش بالخاء بدل الحاء، في والد ربعي ، فإنما هو بالحاء المهملة، وليس بالخاء المعجمة، ويقال: الحاء المهملة والخاء المعجمة؛ لأن رسم الحاء والخاء واحد، والنطق بها واحد، إلا أن هذه فيها إعجام نقطة وتلك خالية مهملة. ولا يقال: الجيم المعجمة؛ لأن الجيم رسمها ولفظها يختلف عن الحاء والخاء؛ لأن الحاء والخاء بينهن تشابه، وأما الجيم فهي تختلف في النطق عن الحاء والخاء، فلا يقال: الجيم المعجمة؛ لأن لفظ الجيم أخرجها عن الحاء والخاء، لكن الحاء والخاء رسمها واحد والنطق بها واحد، إلا أن الفرق في النقطة، فلذلك احتاجوا إلى أن يقولوا: معجمة ومهملة، فهنا حراش بالحاء المهملة هو الصواب، ومن قال: خراش بالخاء المعجمة فقد أخطأ. المقصود بالهلاك في قوله ( فإن يهلكوا فسبيل من هلك ) قوله: [ (فإن يهلكوا ...) ]. الهلاك هنا معلوم أنه ليس هلاك وذهاب الأجسام؛ لأن هذه الأمة لا تهلك، بل لابد وأن تبقى وهي باقية، ولكن الذي حصل هو هلاك في التصور والعمل، وليس أن الله يهلكهم بسنة عامة ويقضي عليهم، فهذا لا يكون في هذه الأمة، ولكن يحصل لهم أن يهلكوا بأن يكونوا على خلاف الهدى والاستقامة، فيكون فيه شيء من الضلال ويكون سبيل من مضى ممن ضل، وليس المقصود به الهلاك الذي هو الفناء، وألا يبقى لهم وجود. وقوله: (مما مضى) معناه: أنه تابع لما مضى؛ وهذه السبعون مضافة إلى الخمس والثلاثين، وهذه مدة الخلفاء الراشدين ومدة قوة بني أمية . شرح حديث (يتقارب الزمان وينقص العلم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قيل: يا رسول الله! أية هو؟ قال: القتل القتل) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يتقارب الزمان)، وتقارب الزمان فسر بقلة فائدة الأعمار، وبغير ذلك، وفي هذا الزمان حصل تقارب الزمان، واتصال الناس، وصار الناس كأنهم في قرية أو مدينة بحيث لو حصل حادث في أي موضع من الدنيا فإن خبره يصل إلى الدنيا كلها في دقيقة واحدة، وكذلك أيضاً اتصال الناس بعضهم ببعض رغم وجود المسافات الشاسعة، ويكلم بعضهم بعضاً ويتبايعون، وترسل البضائع، وتنقل الأخبار، ويطمئن بعضهم على بعض، وكان فيما مضى لا يصل الخبر إلا بعد مدة طويلة بالانتقال على ظهور الإبل، وليس ببعيد أن يكون هذا من تقارب الزمان، وكذلك أيضاً سهولة الانتقال بالطائرات بتلك السرعة الهائلة التي يقطع فيها الإنسان مسافات بعيدة في ساعات، وكان هذا الذي يقطع الآن بأقل من ساعة يقطع فيما مضى في عشرة أيام أو ربما شهر، فلا شك أن هذا فيه تقارب، والناس صاروا كأنهم في قرية أو في مدينة بما يسر الله عز وجل لهم من هذه الوسائل سواء عن طريق الاتصالات الهاتفية، أو عن طريق الطائرات والسيارات، وما إلى ذلك من الوسائل التي سخرها الله في هذا الزمان، فليس ببعيد أن يكون معنى هذا الحديث ما حصل في هذا الزمان. قوله: [ (وينقص العلم) ]، يعني: يحصل نقصان العلم وقلته وضعف أهله وذلك بالانشغال عنه، وبموت أهله الذين هم متمكنون منه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)، فالقراء كثيرون والفقهاء قليلون .. وما أكثر من يقرأ وما أقل من يفقه، ومعلوم أن ذهاب أهل العلم الذين هم متمكنون منه والذين هم مرجع فيه يعد خسارة كبيرة على الناس، ويتضح ذلك في هذا الزمان بوفاة شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، والشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه، فإن هذا يبين لنا أن ذهاب مثل هؤلاء نقص كبير وخسارة كبيرة للناس؛ لما أعطاهم الله عز وجل من سعة العلم ونفع الناس، وما خلفوه من تراث وعلم يبين لنا شدة الخسارة وعظم المصيبة بذهاب من هو متمكن في العلم. قوله: [ (وتظهر الفتن) ]، وما أكثر الفتن في هذا الزمان وقبل هذا الزمان وفي مختلف الأزمان، ولكن في هذا الزمان الفتن كثيرة، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قوله: [ (ويلقى الشح) ]، الشح في النفوس والبخل بالمال، والشح هو شدة البخل. والفرق بين البخل والشح: أن الشح هو شدة البخل، والبخل أعم والشح أخص؛ لأن الشح هو أشد ما يكون من البخل، وهذا واقع في هذا الزمان وفي أزمان كثيرة حيث تكون الدنيا عند الناس غالية حتى يقتتلوا عليها، وتحصل الشحناء بسببها بين الأقارب والأصدقاء. قوله: [ (ويكثر الهرج) ]، الذي هو القتل في الفتن. قوله: [ (قيل يا رسول الله! أية هو؟ قال: القتل القتل). قولهم: أية هو؟ يعني: ما هو الهرج الذي أخبر عن كثرته وحصوله ووجوده، (قال: القتل القتل). تراجم رجال إسناد حديث (يتقارب الزمان وينقص العلم ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن ]. حميد بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة قال ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الأسئلة مناسبة حديث الخروج على الولاة في كتاب الفتن السؤال: ما مناسبة هذا الحديث في كتاب الفتن؟ الجواب: كأن المناسبة هي فيما يتعلق بالخروج على الولاة؛ لأن هذا من الفتن ومن البلاء الذي يحصل للناس، إذ الواجب السمع والطاعة للولاة، فلا يجوز الخروج عليهم ولو كانوا جائرين؛ لأن الجور أخف من الفوضى ومن اختلال الأمر، ومن قواعد الشريعة: ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، والجور ضرر أخف من الفوضى وبقاء الناس في أحوال مضطربة لا يأمنون فيها على أنفسهم، ولا على أموالهم، ولا على أعراضهم، بل هم دائماً في خوف وقلق من أن يعتدي عليهم أحد؛ لأنه لا يوجد صاد ولا راد وليس هناك رادع، ومعلوم أن السلطان نفعه عظيم وفائدته كبيرة، وقد بين أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه عظم منزلة السلطان وما يترتب على وجوده من الخير الكثير، ومن حصول المصالح ودرء المفاسد، وذلك في قوله رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)؛ لأن من الناس من يقرأ القرآن ويرى القوارع والزواجر ومع ذلك لا تحرك ساكناً في قلبه، ولا تؤثر عليه، ولكنه يخاف من سلطة السلطان، ومن بطش وقوة السلطان، ولهذا يقول شيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه: (من لم تقومه الكتب قومته الكتائب)، والكتب هي: القرآن والبيان، والكتائب هي: الجيوش، وهي جمع كتيبة، ولهذا ذكر الله عز وجل في سورة الحديد هاتين القوتين: قوة البيان، وقوة السلطان والسيف والحديد، فقال: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25]، فذكر الله هاتين القوتين: القوة البيانية التي هي الأساس والتي لا بد من الأخذ بها والعمل بما جاء فيها، والقوة الحسية التي فيها الردع، وهذا هو معنى قول شيخنا: (من لم تقومه الكتب قومته الكتائب)، فهو من جنس ما قاله عثمان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). أخذ إذن الإمام في ضرب عنق الخارج عليه السؤال: قوله: (فإذا جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر) هل يشترط في ضرب رقبة الآخر إذن الخليفة الأول؟ الجواب: نعم، لا بد من هذا؛ لأنه إذا أمكن أن يتخلص منه بما دون ضرب عنقه فإن هذا أمر مطلوب؛ لأنه لا يصار إلى الأمر الأشد والأعظم إلا إذا لم يوجد ما هو دونه. عدم جواز الخروج على الإمام السؤال: هل يصح الاستدلال بقوله: (فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه) أنه إذا لم يكن صادقاً في البيعة فيجوز له الخروج على الإمام، يعني: هل هذه من شروط البيعة التي تجب فيها طاعة الإمام؟ الجواب: لا يجوز الخروج مطلقاً، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في النهي عن الخروج، وذلك النهي هو من قبيل سد الذرائع التي تفضي إلى ما هو أخطر مما أقدم على الخروج من أجله، وهو ما قد يُدَّعى من الظلم والجور. وقد أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه: أعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلاً في سد الذرائع، وجعل آخرها جمع عثمان رضي الله عنه الناس على مصحف واحد من أجل دفع الاختلاف في القرآن، وأن يكون الناس على مصحف واحد حتى لا يختلفوا، وجعل الفائدة التي قبلها: تحريم الخروج على الولاة؛ لما يترتب على الخروج عليهم من الضرر الذي هو أكبر من حصول الجور الذي قد يكون سبباً في الخروج، فجاءت النصوص الكثيرة في تحريم الخروج، وأن ذلك لا يجوز في حال من الأحوال إلا في حالة واحدة قد بينها رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي قوله: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، وقال: (لا. ما صلوا) فدل هذا على أن المسلم لا يجوز الخروج عليه، والكافر سواء كان أصلياً أو مرتداً يجوز الخروج عليه، ولكن هذا الخروج مشروط في أن يكون وراءه فائدة وهي التخلص منه، أما إذا كان الخروج مع ضعف وعدم قدرة، وتكون النتيجة أن يقضي الكافر الأصلي أو المرتد على من خرج ويبقى الكافر في مكانه، فهذا ليس فيه مصلحة وليس فيه فائدة، وأما المسلم فلا يجوز الخروج عليه بحال، كما جاء ذلك مبيناً إلا في حالة الكفر البواح الذي عند الناس فيه من الله برهان. حكم الخارج على الإمام إن غَلب السؤال: ما الحكم إذا استطاع الخارج أن يغلب الإمام الأول ويأخذ الحكم منه؟ الجواب: إذا حصلت الغلبة والقهر وكونه تسلط وغلب واستقر الأمر واستتب الأمن فإنه لا يجوز الخروج عليه، وهذه إحدى الطرق التي ذكرها العلماء في نصب الخليفة وتولية الإمام؛ لأن الخليفة يتم توليه باتفاق أهل الحل والعقد على ذلك، كما حصلت بيعة أبي بكر وبيعة علي رضي الله تعالى عنهما، أو بعهد الخليفة إلى خليفة من بعده كما حصل من أبي بكر لعمر فإنه استخلفه، أو يكون بانتزاع الولاية بالقوة ثم استتباب الأمن واستقرار الأمور؛ فإنه عند ذلك لا يصار إلى الاقتتال بعد أن استقرت الأمور، وهذا مما أجمع عليه، ومن أمثلة ذلك: انتقال الولاية والخلافة من الأمويين إلى العباسيين، فإن أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح هو الذي جاء بعد مروان بن محمد الأموي آخر خلفاء بني أمية، وتوليه لم يكن باتفاق وما كان بعهد وإنما كان بتسلط وبقوة، واعتبرت خلافة بني العباس خلافة، وهذا مما اتفق عليه ومما أجمع عليه أنه طريق صحيح للخلافة. إدراج أبي داود حديث ابن عمرو في الفتن لتعلقه بالولاية السؤال: لعل مناسبة حديث ابن عمرو ما جاء في صحيح مسلم في أول هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وإنها ستكون فتن يرقق بعضها بعضاً، تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء فتنة فيقول: هذه هذه، فمن أحب أن تأتيه منيته..) إلى آخره؟ الجواب: هذا لا شك فيه، لكن هذا المقدار الذي أورده أبو داود يناسب منه الخروج على الولاة فإن ذلك من الفتن؛ لأنه يصير فيه قتل وأضرار، واختلاف القلوب، والأيدي يحصل بسطها ومدها تبعاً للقلوب، ولا شك أن الذي جاء في صحيح مسلم من هذه التفاصيل التي سمعناها واضحة في الفتن. الجمع بين وجود الشرك ويأس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب السؤال: كيف يجمع بين حديث: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب)، و بين هذا الحديث: (لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين)؟ الجواب: لا تنافي بين الحديثين؛ لأن حديث: (أيس أن يعبده) معناه: أن جزيرة العرب كلها تصير على عبادته، وأنه يحصل فيها الارتداد، وهذا لا يكون، وأما كونه يوجد قبائل أو جماعات تخرج وترتد، والإسلام باق، والمسلمون باقون، فإن هذا حاصل وواقع. أما كون الجزيرة كلها تحصل فيها الردة وتبقى خالية من الإسلام وأهل الإسلام فهذا لا يكون؛ ولهذا يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، واليأس يحمل على العموم، وليس على منع ذلك مطلقاً؛ وكما هو معلوم في زمن أبي بكر حصلت الردة، ووجد في جزيرة العرب مرتدون، فإذاً يوفق بينها بأن حديث: (أيس الشيطان) معناه: أنه لا تحصل العبادة له مطلقاً؛ ولا تحصل الردة الكلية التي لا يبقى أحد دون أن يرتد، فإن الجزيرة يبقى فيها الإسلام، ولا ينقطع منها حتى إن وجد فيها من خرج وارتد عن الإسلام. دخول كل من يدعو إلى ضلال في الأئمة المضلين السؤال: هل يدخل في الأئمة المضلين مؤسسو الجماعات الإسلامية المعاصرة؟ الجواب: كل من يدعو إلى الضلال وإلى مخالفة الكتاب والسنة في أي وقت وفي أي حين يدخل تحت ذلك. خطاب الله للنبي صلى الله عليه وسلم باسمه في القرآن والسنة السؤال: ذكر أكثر أهل العلم بأن الله تبارك وتعالى لم يخاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم باسمه؛ لكن في الحديث هنا قال: (وإن ربي قال: يا محمد!) فما التوجيه؟ الجواب: لعله يقصد القرآن؛ لأن فيه (يا أيها الرسول)، (يا أيها النبي)، وما فيه يا محمد، وهذا جاءت به السنة عن رسول الله، ولعل من قال بهذا إنما يقصد القرآن لا السنة. الجمع بين حديثي غربة الإسلام وعدم ظهور أهل الباطل على أهل الحق السؤال: كيف الجمع بين قوله: (وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق)، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً)؟ الجواب: هذا لا يدل على ذهاب الإسلام وأهل الإسلام، وإنما يكون هناك قوة ونفوذ وانتشار، وفي بعض الأحيان يكون هناك شيء من الضعف، لكن لا تخلو الأرض من قائم لله بحجته. معنى ظهور أهل الباطل على أهل الحق السؤال: هل يمكن حمل ظهور أهل الباطل على أنه لا يكون لأهل الباطل حجة على أهل الحق؟ الجواب: الأظهر هو الغلبة والتفوق وكونهم يتسلطون عليهم ويكون الأمر بأيديهم، ويقضون على الإسلام والمسلمين، هذا هو الذي لا يكون. عدم اجتماع الأمة على الخطأ السؤال: قوله: (ولا تجتمع على ضلالة) هل يدخل في الضلالة الخطأ؟ الجواب: نعم، لا يمكن أن يجتمعوا على خطأ، ولا يمكن أن يتفقوا كلهم على خطأ. معنى قوله (لا تجتمع أمتي على ضلالة) السؤال: ما المقصود بقوله: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، هل الأمة بجميعها أو هناك فئة خاصة؟ الجواب: المقصود به الذين هم أهل الاستقامة، وإلا فكيف يلتقي من هو على استقامة مع أصناف الفرق الضالة التي هي داخلة في أمة الإجابة، وأمة الإجابة يدخل تحتها فرق كثيرة، ولكن هناك فرقة واحدة هي الناجية وهي التي اجتماعها وإجماعها هو الحجة، أما المبطلون المنحرفون عن الجادة فلا يعتد بهم في الإجماع ولا عبرة لهم فيه، وإنما المراد بذلك: الذين هم على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هم على الكتاب والسنة، وعلى منهج النبوة، أما المنحرفون عن الجادة فإنه لا يمكن أن يوجد أي إجماع مع دخول فرق الضلال مطلقاً، إذ صفات الله عز وجل لا يمكن أن يكون عليها إجماع؛ لأن أكثر الفرق إما شبهوا وإما أولوا وحرفوا، ومن الفرق من قال: إن القرآن مخلوق، وعلى هذا لا يكون محل اتفاق، وعليه فلا إجماع؛ لأن بعض الفرق الضالة خالفت، ومن الفرق من قالت: إن الله لا يرى في الدار الآخرة مطلقاً، ومن الفرق من قال: إن العاصي خالد مخلد في النار، ومن الفرق من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرج به إلى السماء، ومنهم من قال: لا يوجد عذاب في القبر، فليس المعتبر أمة الإجابة الذين يدخل فيهم فرق مختلفة، وهي ثلاثة وسبعون فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي ما كان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإنما المعتبر الذين هم على الجادة، وعلى الاستقامة وعلى الكتاب والسنة، ولا يعتبر الذين خرجوا عن الجادة وعما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. حكم منازعة الإمام بالأحزاب والانتخابات السؤال: هل يدخل في منازعة الإمام هذه الأحزاب السياسية التي تريد الوصول إلى الحكم بأي سبيل وبشتى الطرق؟ الجواب: إن الذين يسعون إلى الخروج على الإمام والوصول إلى الحكم عن طريق الأحزاب لا شك أن هذا يعتبر من الخروج على الإمام، لكن هذا الذي وجد في كثير من الأقطار في هذا الزمان من وجود أحزاب، ووجود منافسات، وانتخابات وما إلى ذلك، كل هذا إنما جاء وافداً على المسلمين من الكفار، والإسلام الولاية مبنية فيه على الطرق الثلاث التي أشرت إليها آنفاً، وهي: اتفاق أهل الحل والعقد، وعهد الخليفة إلى خليفة من بعده، وحصول تغلب من شخص يقهر ويغلب الناس، وتستقر الأمور ويستتب الأمن، فعند ذلك يسمع له ويطاع."
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [478] الحلقة (510) شرح سنن أبي داود [478] إن من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إخباره عن فتن تقع في آخر الزمان، والتي يكون كل قتلاها في النار، والناس فيها على مراتب، فالقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي والساعي إليها، وخير الناس من كف لسانه ويده حتى يقتل في قعر بيته. ما جاء في النهي عن السعي في الفتنة شرح حديث (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عثمان الشحام قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس، والجالس خيراً من القائم، والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي، قال: يا رسول الله! ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ قال: فليعمد إلى سيفه فليضرب بحده على حرة ثم لينج ما استطاع النجاء) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة ]، يعني: الدخول فيها والعمل على وجودها وإذكاء نارها، والحرص على حصولها، هذا هو السعي في الفتنة، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل أو بالتحريض والتهييج وحصول الكلام الذي يحرك الناس ويجعلهم يقدمون على الفتن، ويقومون بفعل الفتن والمشاركة فيها، كل ذلك سعي في الفتنة، فالداخل في الفتنة بفعله هو ساع في الفتنة، والداعي إليها والمحرض عليها والمهيج إليها ومحرك الناس إليها أيضاً كذلك هو ساع في الفتنة، وكل ذلك لا يجوز، ومن حظ المسلم الناصح لنفسه ألا يكون سبباً في الفتنة، وألا يتسبب في الفتن، وألا يثير فتنة، ومن سوء حظه أن يثير الفتن، وأن يكون سبباً في وجودها وإيقاد نارها وحصول الضرر بها. أورد أبو داود حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ستكون فتنة يكون الجالس فيها خيراً من القائم) يعني: كل من كان أبعد عنها فهو خير ممن هو أقرب إليها، فالقاعد فيها الذي ما تحرك ولكنه دخل فيها خير من القائم؛ لأن القاعد دون القائم الذي يرى ما لا يرى القاعد، ويبصر ما لا يبصر القاعد، فالقاعد خير من القائم، والقائم خير من الماشي. قوله: [ (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع خيراً من الجالس) ] المضطجع الذي ما دخل فيها، ولا نظر إليها، ولا فكر فيها. قوله: [ (والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي)]، الذي يجري ويركض ويسرع من أجل الفتن وإذكائها وإيقاد نارها وحصولها، فالناس متفاوتون، وكل من كان أبعد عن الفتن فهو أسلم من غيره. قوله: [ (قال: ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله) ]، يعني: في الفلاة، ليعتزل ويبتعد عن هذه الفتن، فيكون في البر مع إبله يرعاها ويشرب من لبنها، أو مع غنمه إذا كان له غنم يرعاها ويشرب من درها، أو له أرض يغرسها ويزرعها ويكون بعيداً عن الفتن، وبعيداً عن المصائب التي تحل بالناس. قوله: [ (فمن لم يكن له شيء من ذلك؟) ]، يعني: لا يستطيع العزلة ولا الذهاب؛ لأنه ليس له شيء يخرج إليه وينشغل به، فهو يحذر أن يقع في الفتنة، وإذا كان له سيف فليعمد إلى حرة فليضرب به عليها ليكون ذلك فيه اطمئنانه إلى عدم دخوله في الفتنة، وعدم استعماله السيف لقتل المسلمين في الفتن، معنى ذلك كله: التحريص على الابتعاد عن الفتنة، وألا يكون عنده الوسائل التي تجعله يدخل فيها، وهو إما أن يكون ذلك إشارة إلى ابتعاده عن الفتن، أو أنه يحصل ذلك فعلاً حتى لو أراد أن يدخل لم تكن عنده الوسيلة أو القدرة التي يكون مشاركاً فيها، وكل ذلك حث على الابتعاد عن الفتن، والحذر من الوقوع فيها، ومن الدعوة إليها، ومن التحريض عليها؛ لأن كل ذلك من السعي في الفتن. تراجم رجال إسناد حديث (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عثمان الشحام ]. عثمان الشحام لا بأس به، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة ]. مسلم بن أبي بكرة صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (... أرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده ليقتلني ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا مفضل عن عياش عن بكير عن بسر بن سعيد عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: (فقلت: يا رسول الله! أرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن كابني آدم، وتلا يزيد : لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ.. [المائدة:28] الآية) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص وهو يتعلق بالذي قبله، من حيث الفتنة وحصولها، قال: (أرأيت إن بسط يده إلي ليقتلني؟ قال: كن كابني آدم) يعني: ابني آدم أحدهما أراد أن يقتل الآخر، والثاني قال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] فكونك تكون مقتولاً خير من أن تكون قاتلاً، وهذا يكون وإذا صار الإنسان كذلك فهو شيء محمود، وإن أراد أن يدافع عن نفسه فليدفع بما هو أسهل وبما هو أخف، ولا يلجأ إلى الأشد إلا إذا لم يجد بداً من ذلك، ولكن كونه يكون مقتولاً أو معتدى عليه أو مظلوماً خير من أن يكون ظالماً. تراجم رجال إسناد حديث (... أرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده ليقتلني...) قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي ]. يزيد بن خالد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مفضل ]. هو مفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عياش ]. هو عياش بن عباس ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بكير ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بسر بن سعيد ]. بسر بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي ]. حسين بن عبد الرحمن الأشجعي مقبول، أخرج له أبو داود . [ أنه سمع سعد بن أبي وقاص ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث النهي عن السعي في الفتنة وفيه(... قتلاها كلهم في النار ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي حدثنا شهاب بن خراش عن القاسم بن غزوان عن إسحاق بن راشد الجزري عن سالم حدثني عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه وابصة ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكر بعض حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: (قتلاها كلهم في النار) ، قال فيه: قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج، حيث لا يأمن الرجل جليسه، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك، فلما قتل عثمان رضي الله عنه طار قلبي مطاره، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك رضي الله عنه فحدثته، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله عنه ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود وحديث خريم بن فاتك رضي تعالى الله عنهما وهو يتعلق بحديث أبي بكرة المتقدم قال: (قتلاها كلهم في النار) يعني: القاتل والمقتول كلهم في النار. قوله: [ قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج ]. الهرج الذي هو كثرة القتل. قوله: [ حيث لا يأمن الرجل جليسه ]. يعني: تكثر الخيانة وتقل الأمانة، ولا يأمن الإنسان جليسه، فقد يعتدي عليه، وقد يكون سبباً في الاعتداء عليه. قوله: [ قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك ]. يعني: لا تطلق لسانك في الفتنة ولا تمد يدك إليها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) . قوله: [ وتكون حلساً من أحلاس بيتك ]. يعني: تلازم البيت، والحلس هو الفراش والوطاء الذي يوضع في البيت، فهو ثابت في البيت حتى يحرك من مكانه، ويقال للإنسان: (حلس بيته) إذا كان ملازماً له كالفراش الذي هو ملازم للأرض ولا يتحرك منها إلا إذا حرك من مكان إلى مكان، وهذا فيه إشارة إلى الابتعاد عن الفتنة، وأن الإنسان لا يكون مع أهلها وإنما يكون ملازماً لبيته. قوله: [ فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره ]. يعني: حصل خوف من أن تكون هذه هي الفتنة قد وقعت، وقد حصلت. قوله: [ فركبت حتى أتيت دمشق فلقيت خريم بن فاتك فحدثته فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ]. تراجم رجال إسناد حديث النهي عن السعي في الفتنة وفيه (... قتلاها كلهم في النار ...) قال: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان هو الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا شهاب بن خراش ]. شهاب بن خراش صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود . [ عن القاسم بن غزوان ]. القاسم بن غزوان مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن إسحاق بن راشد الجزري ]. إسحاق بن راشد الجزري ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سالم ]. قال الحافظ : يحتمل أن يكون ابن أبي الجعد وهو ثقة، أو ابن أبي المهاجر ثقة، أو ابن عجلان ثقة، وإلا فمجهول، أخرج له أبو داود . يعني: أنه مهمل ذكر اسمه ولم يذكر اسم أبيه، ويقال له: مهمل، وهو يحتمل هؤلاء الثلاثة، وإلا فيكون مجهولاً غير معروف. [ حدثني عمرو بن وابصة الأسدي ]. صدوق أخرج له أبو داود . [ عن أبيه وابصة ]. هو وابصة بن معبد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا من أطول الأسانيد عند أبي داود؛ لأن فيه تسعة أشخاص، وأربعة منهم أخرج لهم أبو داود وحده، وهم: شهاب والقاسم وسالم وعمرو بن وابصة . فهؤلاء تسعة أشخاص، وهذا من أطول الأسانيد عند أبي داود ، وأعلى الأسانيد عنده أربعة. [ فلقيت خريم بن فاتك ]. خريم بن فاتك صحابي، أخرج له أصحاب السنن، لكنه في طبقة الصحابة فهو و ابن مسعود في طبقة واحدة. الجمع بين قوله: (المقتول خير من القاتل) وقوله: (قتلاها كلهم في النار) قد يرد سؤال هو: كيف نجمع بين هذا وحديث: (المقتول خير من القاتل)، وهنا قال: (قتلاها كلهم في النار)؟ الجواب: هذا الحديث ضعفه الألباني ، ولو صح فإنه مثلما في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه). شرح حديث (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قِسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل -يعني: على أحد منكم- فليكن كخير ابني آدم) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو متفق مع مواضع من مع الأحاديث التي مرت. [ قوله: (إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم) ]. القسي هي: الأقواس التي هي من أدوات الحرب في ذلك الوقت. قوله: [ (وقطعوا أوتاركم) ]، الأوتار هي للأقواس. قوله: [ (واضربوا سيوفكم بالحجارة)، ] معناه: حتى لا يكون عندكم سلاح، ولا يكون هناك مجال للمشاركة في الفتنة. قوله: [ (فإن دخل على أحد منكم) ] ، يعني: في بيته، وأريد قتله، فليكن كخير ابني آدم الذي قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة:28-29]. تراجم رجال إسناد حديث (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الوارث بن سعيد ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن جحادة ]. محمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن ثروان ]. عبد الرحمن بن ثروان صدوق ربما خالف، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن هزيل ]. هزيل ثقة مخضرم، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي موسى الأشعري ]. هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (... من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا ...) قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن رقبة بن مصقلة عن عون بن أبي جحيفة عن عبد الرحمن -يعني ابن سميرة - قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر رضي الله عنهما في طريق من طرق المدينة، إذ أتى على رأس منصوب فقال: شقي قاتل هذا، فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا، فالقاتل في النار والمقتول في الجنة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً قال: كنت مع ابن عمر في طريق من طرق المدينة، ومر على رأس منصوب، يعني: أنه قد قتل، فقال ابن عمر: (شقي قاتل هذا، ثم لما أدبر قال: وما أرى هذا إلا قد شقي) يعني: المقتول. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا). أي: أن المقتول يمد رقبته له؛ لأنه إذا قتل يكون في الجنة والقاتل يكون في النار ويبوء القاتل بإثمه وإثم القتيل، كما قد حصل من أحد ابني آدم الذي قتل أخاه. قوله: [ (فليقل هكذا) ] قال في الشرح: هو إشارة إلى مد عنقه، والحديث ضعيف، ففيه عبد الرحمن بن سميرة وهو مقبول ثم أيضاً قوله: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله، فليقل هكذا فالقاتل في النار والمقتول في الجنة) . إذا كان المقصود به المقتول فهذا لا يكون متفقاً مع ما جاء في آخر الحديث من قوله: شقي قاتل هذا، فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي. أي المقتول، وهذا لا يتفق مع الاستدلال الذي جاء في الآخر، وما ذكره في عون المعبود من أن المقصود به ابن الزبير يرد عليه بأمرين: الأمر الأول: أن ابن الزبير كان في مكة وليس في المدينة. والأمر الثاني: لا يمكن أن يقال في ابن الزبير : قد شقي . قوله: [ أتى على رأس منصوب ] . يعني: مقتول ومصلوب كله أو أن الرأس نفسه معلق على حدة. وقوله: [ فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي]، لا يعتبر تأكيداً لكلامه السابق؛ لأنه قال (وما أرى هذا) أي: المقتول (إلا قد شقي)، وهذا يمكن أن يتفق مع حديث: (القاتل والمقتول في النار) ، الذي سيأتي، لكن كونه يأتي بعده : (القاتل في النار والمقتول في الجنة)، لا يتطابق مع هذا الكلام، وأيضاً كونه يفسر بابن الزبير أيضاً لا يستقيم. تراجم رجال إسناد حديث (... من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا ...) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رقبة بن مصقلة ]. رقبة بن مصقلة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة أخرج له في التفسير. [ عن عون بن أبي جحيفة ]. عون بن أبي جحيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن -يعني ابن سميرة - ]. عبد الرحمن بن سميرة مقبول أخرج له أبو داود وحده. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال: أبو داود : رواه الثوري عن عون عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة ]. يعني: هذه النقول التي بعد ذلك فيها اختلاف في أبي عبد الرحمن ، هل هو سمير أو سميرة أو سبرة، يعني عدة وجوه قيلت في اسم أبي عبد الرحمن هذا. [ قال: أبو داود رواه الثوري ]. الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عون عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة ]. هذا شك: سمير أو سميرة . [ ورواه ليث بن أبي سليم عن عون ]. ليث بن أبي سليم صدوق اختلط جداً، فلم يتميز وترك. أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عون عن عبد الرحمن بن سميرة ]. عون عن عبد الرحمن بن سميرة ، وهذا مطابق لما هو موجود. [ قال أبو داود: قال لي الحسن بن علي ] الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . حدثنا أبو الوليد -يعني: بهذا الحديث- عن أبي عوانة وقال: هو في كتاب ابن سبرة وقالوا: سمرة وقالوا: سميرة هذا كلام أبي الوليد ]. معناه: أنه اختلف، وحاصل الكلام: أنه كله يدور حول الاختلاف في والد عبد الرحمن الذي يروي عن ابن عمر .
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (... كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك)، -فذكر الحديث، قال فيه-: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف- يعني: القبر-؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله، قال: عليك بالصبر، أو قال: تصبر، ثم قال لي: يا أبا ذر ! قلت: لبيك وسعديك، قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: عليك بمن أنت منه، قلت: يا رسول الله! أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل عليَّ بيتي، قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه). قال: أبو داود : لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد ]. أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر) نداء له حتى يكون متهيئاً ومستعداً لما سيلقى عليه، وقول أبي ذر رضي الله عنه في جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لبيك يا رسول الله وسعديك) هذه إجابة يجيب بها من دعي وهي إجابة حسنة جميلة فيها أدب، ولبيك بمعنى: الإجابة، أي: أن من ينادى يجيب بهذا الجواب وهو جواب حسن، معناه: نعم أنا أجيبك وأنتظر لما تريد، أو مستعد لما تريد مني، وهذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يجعل ذلك المنادى على انتباه وتأهب لإلقاء الشيء الذي سيقوله له، بخلاف ما لو قال: كذا وكذا قبل أن يقول ذلك فإنه لا يكون مثل الأول في التهيؤ والاستعداد لتلقي ما يلقى عليه ولاستيعاب ما يلقى عليه. قوله: [ فذكر الحديث ] يعني: أن فيه اختصار، ولم يسرد أبو داود الحديث كله على ما جاء، وإنما أتى بشيء يتعلق بالفتن. قوله: [ (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف -يعني: القبر-؟)، البيت هنا المقصود به القبر يكون بالوصيف، وفسر الوصيف بأنه القبر نفسه، يعني: لا يوجد مكان يقبر فيه فيحتاج الناس إلى أن يشتروا مكاناً يقبرون فيه، والوصيف هو العبد، معناه: أن القبر سيكون شيئاً ذا قيمة وفسر أيضاً بأن الناس يشغلون عن دفن موتاهم حتى يكون الذي يتولى ذلك شخص تكون أجرته على ذلك أن يعطى عبداً، وهناك تفسير آخر ذكره في عون المعبود قال: وقيل معناه: أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وخلو أهلها منها، وتباع من ورائهم رخيصة فتكون قيمة البيت رخيصة كقيمة العبد هذه أقوال قيلت في تفسير أن البيت يكون بالوصيف. وقيل أيضاً: معناه: أنه لا يبقى في كل بيت كان فيه كثير من الناس إلا عبد يقوم بمصالح ضعفة أهل ذلك البيت، يعني: ليس كلهم هلكوا، وإنما هلك كثير منهم وبقي أناس ضعفاء يقوم على خدمتهم ذلك العبد. ويؤيد التفسير الأول ما ورد في رواية مشكاة المصابيح: (كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد، حتى إنه يباع القبر بالعبد). البيت يقال له: بيت؛ لأنه منزل، كما أن بيوت الناس التي يسكنونها في الدنيا يقال لها: منازل وبيوت، والقبر يقال له بيت لأنه مسكن للميت يكون فيه؛ ولهذا جاء عن المعمر بن علي البغدادي الذي توفي سنة خمسمائة وسبع من الهجرة، وكان قد نصح زعيماً كبيراً في الدولة، وكان الملك قد فوض إليه أمور الدولة، فكان مما نصحه المعمر بن علي البغدادي وهي نصيحة بليغة عظيمة، قال له بعد أن سلم عليه ودعا له: إن من كان في ولاية فإنه ليس مخيراً بالقاصد والوافد، إن شاء وصل وإن شاء فصل، وإنما عليه أن يفتح بابه، وأما من كان ليس في ولاية فهو مخير إن شاء فتح بابه وإن شاء أغلق بابه؛ لأنه غير مسئول، ثم قال: لأن من كان على الخليقة أمير فهو في الحقيقة أجير، قد باع زمنه وأخذ ثمنه، فلم يكن له في نهاره ما يتصرف فيه باختياره، وليس له أن يصلي نفلاً ولا أن يدخل معتكفاً ؛ لأنه أصبح مسئولاً ومرتبطة به حاجات الناس فلا يفعل النوافل ويترك الفرائض؛ لأن القيام بمصالح الناس فرض، وكونه يعتكف أو يصلي هذا نفل، أو يصلي نفلاً غير واجب، والفرض يقدم على النفل. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض أهل العلم أنه قال: من اشتغل بالفرض عن النفل فهو معذور، ومن اشتغل بالنفل عن الفرض فهو مغرور. ثم ذكر له كلاماً حول مسئوليته وما أناطه به ذلك الملك، وذلك الإمام وختم ذلك بقوله: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك. وهذا محل الشاهد الذي أوردت القصة من أجله؛ لأن هذا بيت وهذا بيت، والبيت في الدنيا عمارته بنيانه وإقامته، والقبر عمارته بالأعمال الصالحة التي يقدمها الإنسان ليجدها إذا أدخل ذلك الذي هو القبر. وهذه قصة جميلة ذكرها الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة المعمر بن علي البغدادي وذكر أيضاً أنه لما نصحه أعطاه مقداراً كبيراً من الدنانير، وقال: وزعها على المساكين، فامتنع عن أخذها وقال: المساكين على بابك أكثر منهم على بابي. قوله: [ قال: (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف- يعني: القبر-؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله) ]. يعني: الله ورسوله أعلم، أو ما اختار الله لي ورسوله، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يخبره بشيء يسلكه، وطريق يتخذه وعمله يعمله. قوله: [ (قال:عليك بالصبر)]، يعني: هذا الذي عليه أن يفعله، (عليك بالصبر أو قال: تصبر) . قال في عون المعبود: تصبّر، يعني: عليك أن تصبَّر، واعمل أو اجتهد في حصول التصبر الذي يكون بمثابة معالجة ومجاهدة النفس على الصبر وعدم المشاركة في الفتنة. قوله: [ (ثم قال لي: يا أبا ذر ! قلت: لبيك وسعديك، قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟!)]، أحجار الزيت مكان حول المدينة، وفسر هذا بفتنة الحرة التي حصلت على يد شخص يقال له: مسلم بن عقبة المري . قوله: [ (قلت: ما خار الله لي ورسوله قال: عليك بمن أنت منه) ]، لا أدري ماذا يراد بها، اللهم إلا أن يكون المقصود به ملازمة الأرض؛ لأن الإنسان من الأرض، ومثل هذا يقال له: ما أنت منه؟ لأن من للعاقل، وما لغير العاقل، فلا أدري ما المراد بها، وقال بعد ذلك: (تلزم بيتك)، يعني: جاء التوضيح فيما بعد أنه يلزم بيته ويكون حلساً من أحلاس بيته. قال العظيم أبادي : (عليك بمن أنت منه) أي: الزم أهلك وعشيرتك الذين أنت منهم. والمقصود من ذلك أنه يلزمهم، ويبقى معهم في البيت، ويكون مع من بقي ولم يشتغل في الفتنة، لكن كونه في يوم إذا أهله شاركوا في الفتنة لا يكون معهم، ولكن المقصود من ذلك: أنهم إذا ابتعدوا عن الفتنة ولزموا الأرض فأنت الزمها معهم، أما كونه يكون معهم حيث كانوا فقد يشارك، اللهم إلا إن كان المقصود به النساء والصغار الذين هم ليسوا من أهل المشاركة، وإنما هم باقون في البيوت، والحاصل أنه يبقى في البيوت مع من لا يقاتل. وقيل المراد (بمن أنت منه) : الإمام، أي: الزم إمامك ومن بايعته، وكذلك أيضاً هذا المعنى مستقيم. قوله: [ (قلت: يا رسول الله! أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: قد شاركت القوم إذاًَ) ] ما دام أنه أخذ السيف ووضعه على عاتقه فقد وجدت المشاركة، ويدل على المشاركة كون الإنسان يضع سيفه على عاتقه، فهو مستعد أنه يقابل، ومستعد أنه يلاقي. قوله: [ (قال: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل علي بيتي؟ قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه) ]. قوله: [ (يبهرك شعاع السيف) يعني: شعاعه وبريقه ولمعانه، (فضع ثوبك على وجهك) حتى لا ترى هذا الشيء، وإذا قتلك فقد باء بإثمك وإثمه، وأنت تكون من أهل الجنة وهو من أهل النار. [ قال أبو داود : لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد ]. هذا يتعلق بالإسناد، يعني: أن المشعث الذي ذكره هو حماد بن زيد . تراجم رجال إسناد حديث (... كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمران الجوني ]. أبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب. [ عن المشعث بن طريف ]. المشعث بن طريف مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن الصامت ]. عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ذر ]. أبو ذر رضي الله عنه جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث صححه الألباني ، وفيه هذا المقبول، لكن لعل ذلك لشواهد. شرح حديث (إن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عفان بن مسلم حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا عاصم الأحول عن أبي كبشة قال: سمعت أبا موسى يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين أيدكم فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقد مر نظير هذا الحديث بهذا المعنى تماماً، وفيه التفاوت بين القاعد والقائم والماشي والساعي، وأن من الخير للناس أن يكونوا كأحلاس بيوتهم، وهنا قال: (يكون بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم)، (بين أيديكم) يعني: أمامكم، وفي مستقبل أيامكم تكون فتناً كقطع الليل المظلم من شدتها وصعوبتها. تراجم رجال إسناد حديث (إن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم ...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عفان بن مسلم ]. هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عاصم الأحول ]. هو عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي كبشة ]. هو أبو كبشة السلولي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ سمعت أبا موسى ]. أبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث مطابق لما تقدم، المقبول فيه لا يؤثر؛ لورود أحاديث في معناه منها: (كسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم) ، وحديث: (تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك، فلما قتل عثمان طار قلبي) ، وحديث: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي)، وحديث أبي بكرة (إنها ستكون فتن يكون المضطجع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم، والقائم خير من الماشي ) ]. شرح حديث (إن السعيد لمن جنب الفتن ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج -يعني ابن محمد - حدثنا الليث بن سعد قال: حدثني معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن المقداد بن الأسود قال: أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: (إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها) ]. أورد أبو داود حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن السعيد لمن جنب الفتن) وكررها ثلاثاً ثم قال: (ولمن ابتلي فصبر فواها) قيل المقصود بـ(واها) أنها إعجاب، يعني: ما أحسن فعله! وما أحسن عمله! وقيل: إنها تلهف على حصول شيء، ولكن قضية الإعجاب واضحة فيه؛ لأن هذا مدح وثناء. تراجم رجال إسناد حديث (إن السعيد لمن جنب الفتن ...) قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ]. إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج -يعني: ابن محمد - ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ أن عبد الرحمن بن جبير حدثه ]. عبد الرحمن بن جبير ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه كذلك. [ عن المقداد بن الأسود ]. المقداد بن الأسود رضي الله عنه وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في كف اللسان شرح حديث (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كف اللسان. حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني ابن وهب حدثني الليث عن يحيى بن سعيد قال: قال خالد بن أبي عمران عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف) ]. أورد أبو داود باباً في كف اللسان. يعني: الكلام في الفتن الذي فيه تحريك لها، وتهييج عليها، وحث إليها، أو تسبب في إذكائها وإشعال نارها، وذلك أن الكلام يكون من أسباب الفتن، وقد يترتب على الكلام حصول الفتن، ويكون سببها وأصلها الكلام، فيكون الفعل في الفتن ناشئ عن القول فيها، والترغيب في الدخول فيها، وتهييج الناس وتحريكهم إلى أن يقدموا على ما فيه مضرة فتكون بسبب ذلك الفتن. أورد أبو داود حديث أبي هريرة قال: (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفته)، معناه: من اتجه إليها اتجهت إليه، لتلاقيه، فعندما يقبل عليها تقبل عليه، بمعنى: أن ذلك يحصل ويتحقق، وأن الإنسان عندما يدخل فيها يجد ما يشجعه ويرغبه في الدخول فيها (من أشرف إليها استشرفته ) . قوله:[ (وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف) ]، يعني: كونه يدخل فيها بلسانه فهو كوقوع السيف في شدته؛ ولهذا يقولون: كلم اللسان أنكى من كلم السنان. بل إن إعمال السيوف يكون سببه الكلام، وحصول الكلام الذي ينتج عنه مد الأيدي والاقتتال. والحديث في إسناده ابن البيلماني وهو ضعيف. قوله: [ (صماء بكماء عمياء) ] معناه: أنها مدلهمة من جميع الوجوه. تراجم رجال إسناد حديث (ستكون فتنة صماء بكماء عمياء وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف) قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ]. عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثني ابن وهب ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الليث ]. هو الليث بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال: [ خالد بن أبي عمران ]. خالد بن أبي عمران صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الرحمن بن البيلماني ]. عبد الرحمن بن البيلماني ضعيف، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن هرمز ]. عبد الرحمن بن هرمز هو الأعرج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً. شرح حديث (إنها ستكون فتنة تستنظف العرب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا ليث عن طاوس عن رجل يقال له: زياد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتنه تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر : (أنها ستكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف) . يعني: في ضرره وتأثيره, وذلك بالتحريض والتهييج والتحريك وإفساد النفوس, والقلوب، كل ذلك يحصل عن طريق اللسان, وعن طريق تهييج الغوغاء من الناس الذين يتبعون كل ناعق وكل شيء يسمعونه يستسلمون له وينقادون إليه. قوله: (تستنظف) أي: تستوعبهم هلاكاً، من استنظفت الشيء أخذته كله. وخصص العرب فقال: (تستنظف العرب) كأنها تقع في العرب، ولكن الحديث ضعيف أيضاً. تراجم رجال إسناد حديث (إنها ستكون فتنة تستنظف العرب...) قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد ، مر ذكره. [ حدثنا ليث ]. هو الليث بن أبي سليم ، وقد مر ذكره، وقد اختلط حتى لم يتميز فترك. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل يقال له زياد ]. زيادمقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المكثرين الذين كانوا يكتبون الحديث، ولكنه ما بلغ أن يكون مثل السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : رواه الثوري عن ليث عن طاوس عن الأعجم ]. يعني: زياد ، عبر عنه بالأعجم في هذا الإسناد. الكلام في زياد الأعجم الذي روى عنه طاوس حديث الفتنة التي تستنظف العرب قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا عبد الله بن عبد القدوس قال: زياد سيمين كوش ]. وهذا إسناد آخر فيه أن زياد يقال له: سيمين كوش وهو لقب. قال الخطابي : كلمة فارسية معناها أبيض الأذن، وسيمين : الفضة، وكوش: أبيض. ولا أدري لماذا خص الأذن وحدها بالبياض؟ لعله لأن الأذن مثل باقي الجسم وتابعة له، إلا إن كان فيها برص أو بياض طارئ، وليس مثل الجسم . [ حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ]. محمد بن عيسى بن الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ]. عبد الله بن عبد القدوس صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً و الترمذي . هذا مقطوع. الأسئلة أفضلية اللجوء إلى ما يشغل عن الفتن حال وقوعها السؤال: ألا يدل حديث (من كانت له إبل فليلحق بإبله ...) على فضل الإبل والغنم أو المزرعة في ذلك الوقت حيث تكون الفتن؟ الجواب: يدل على أن وجود مثل ذلك فيه مخرج لمن تقع الفتن وهو موجود بحيث يصد عنها وينشغل عنها بإبله أو غنمه أو أرضه. وجوب الرد على أهل البدع وبيان باطلهم السؤال: هل يصح وصف من يقوم بالرد على أهل البدع والحزبيات المحدثة بأنه من موقدي الفتن والساعين فيها؟ الجواب: الفتنة تعني: وجود الفرقة، ووجود الانحراف عن الجادة، وأما الرد على أهل البدع ففيه إبطال الباطل وإظهار الحق، إذ لا يترك الباطل يصول ويجول ولا يتعرض له، وكأنه هو الذي لا يكون غيره، ولا ينبغي أن يكون سواه، ومنذ قديم الزمان والحق والباطل في سجال، وأهل السنة في ردود وتفنيد لمذاهب غيرهم من أهل البدع من قديم الزمان، وهذه الكتب موجودة، والردود موجودة منذ العصور الأولى، فوجود المبطلين في مختلف العصور والردود عليهم موجودة، ولا يقال: إن البدع والمحدثات إذا وجدت يسكت عنها، وإنما دحضها وبيان الباطل هذا من الجهاد في سبيل الله، والجهاد كما يكون بالنفس وبالمال يكون باللسان وبالقلم وبالنية، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم -يعني: بقلوبهم ونياتهم- حبسهم العذر) قال ذلك في غزوة تبوك في الذين ليس لديهم قدرة ولا ظهر يركبونه وجلسوا يبكون لما لم يتهيأ لهم الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، فالرد على المبطلين والمنحرفين عن الجادة من الجهاد في سبيل الله. حكم الانشغال بمتابعة الأحداث عن كل ما ينفع السؤال: هل يمكن أن يقال: إن من الوسائل الحديثة في الابتعاد عن الفتن عدم متابعتها في وسائل الإعلام أو في وسائل الاتصال الحديثة مثل الجوال والإنترنت؟ الجواب: كون الإنسان يشغل نفسه بمتابعة هذه الأمور، فإن ذلك يكون على حساب شغل وقته فيما يعود عليه بالخير؛ لأن الإنسان إذا شغل وقته بهذه الأمور لم يجد وقتاً للاشتغال بالعلم وللإفادة والاستفادة، ولا بأس بأن يكون على علم ومعرفة بالأحداث وبما يحصل، لكن لا يكون هذا شغله الشاغل؛ لأن بعض الناس هذا شغله الشاغل، فتجده من إذاعة إلى إذاعة، ومن جريدة إلى جريدة، ومن مجلة إلى مجلة طوال اليوم ما عدا مدة النوم والأكل، هذا كله اشتغال بهذه الأمور، والاشتغال بما ينفع لم يبق له نصيب ولم يبق له محل. كسر السلاح أو إفساده في حال الفتن السؤال: إذا كان الرجل له سلاح ذو قيمة، وجاءت فتنة من الفتن، فهل يجب عليه أن يكسر هذا السلاح وأن يفسده؟ الجواب: الحديث محتمل لأن يكون المقصود بالفعل كونه يفسده، أو أن المقصود بذلك التنبيه والإشارة إلى أن الإنسان يبتعد عنه كأنه لا سلاح له. تعلق المدافعة عن النفس بولي الأمر وغيره السؤال: ولي الأمر إذا ظلم شخصاً ودخل عليه، فهل يكون كخير ابني آدم، ولا يبسط يده ولا يمد يده إليه، فإن قتل فهو شهيد؟ الجواب: هذا الحديث ليس خاصاً بولي الأمر، والداخل ليس خاصاً بأن يكون مسئولاً أو من ولاة الأمور، وإنما حتى غيره، وأن يصير المرء مقتولاً خير من أن يكون قاتلاً، ولكن الدفع بالتي هي أحسن مطلوب. وفي الحديث: (من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد)، والمقصد: أنه يدافع عن نفسه، ولا يستسلم لمن صال عليه، أو أراد ماله أو عرضه، وإذا دافع عن نفسه له ذلك، فإن قتل فهو شهيد، وإن ترك كان كخيري ابني آدم؛ لأن ابني آدم ما كان أحدهما ولي أمر، وإنما هما اختلفا وتشاجرا وأحدهما أراد أن يقتل الآخر. ولا يفهم من هذا الحديث أنك لا تدافع إذا دخل عليك رجل ليعتدي عليك أو على زوجتك أو أولادك أو مالك، بل المدافعة مطلوبة، ولكن لا تكون بالقتل، وإنما بما هو دون القتل إن أمكن، كأن يمسكه أو يقيده أو يعمل أي شيء ليتخلص من شره بدون قتله، وإن لم يكن إلا القتل وقتل فهو معذور. والذي يظهر من الحديث أن الإنسان لا يقتل صاحبه، وإنما يدفعه، وإن حصل قتل من ذاك فهذا على خير وذاك على شر. ومعلوم أن الإنسان يدافع عن نفسه بدون القتل، والممنوع إنما هو القتل؛ لأنه قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28]، وأما كون الإنسان يدافع عن نفسه بغير القتل، هذا أمر مطلوب، لكن لا يعمد إلى القتل. ضعف حديث (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) السؤال: ما صحة حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)؟ الجواب: هذا غير صحيح، وما ثبت في هذا شيء. دفع الصائل يكون في كل زمان ومكان السؤال: ألا يحتمل أن يكون حديث: (فليكن كخير ابني آدم)، محمول على زمن الفتن، أما غير زمن الفتنة فيدافع عن نفسه، وإن احتاج إلى قتل الصائل قتله؟ الجواب: قال في الحديث : (فإن دُخل عليه في بيته) ، وهذا هو دفع الصائل المطلوب، وغير المطلوب هو المبادرة إلى القتل؛ لأن خير ابني آدم قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ [المائدة:28]، أنا لا أريد قتلك حتى وإن أردت قتلي، لكن كونه يدفع ويحول بينه وبين القتل بدون أن يقتله، فهذا طيب. واجب العلماء وطلبة العلم تجاه الأحداث الدائرة في بلاد المسلمين السؤال: تعلمون ما تتعرض له فلسطين من قتل ونهب ودمار من قبل أهل الكفر أعداء الله، فهل من كلمة حول الأحداث، وما واجبنا نحن طلبة العلم، خاصة أن الناس يتطلعون إلى أمثالكم لمعرفة واجبهم، وبيان أن العلماء أمثالكم ليسوا في غفلة عن أحوال الأمة؟ وما واجب طلبة العلم تجاه إخوانهم في فلسطين، وهل يشرع للمسلمين القنوت في الصلاة والدعاء على اليهود، وهل هذا يعتبر من فتن هذا العصر؟ الجواب: لا شك أن هذا من الفتن، ومن البلاء الذي حصل للمسلمين من تسلط أعدائهم عليهم وحصول الأضرار المختلفة على المسلمين، والمسلم عليه أن يدعو لإخوانه المسلمين بأن يفرج الله عنهم، وأن يكبت عدوهم، وأن يدحره، وأن يخلصهم مما هم فيه من الظلم والضيق، وأن يسأل الله عز وجل لإخوانه المسلمين السلامة والعافية، وأن ينزل بأسه على أعدائهم الذين ظلموهم وقهروهم، ولا شك أن من أعظم أسباب السلامة من الأعداء الاستقامة على طاعة الله وأمره والقيام بما شرعه؛ لأن هذا هو سبب كل خير، وما يحصل من المسلمين في هذا الزمان من تفرق وتشتت وانحراف عن منهج الحق والهدى هو سبب ما هم فيه من نكبات وأضرار، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، والذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء. فنسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين جميعاً إلى الرجوع إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأن يستقيموا على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يكبت أعداءهم، وأن ينزل فيهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين. والقنوت للمسلمين في النكبات والمصائب واجب، وسؤال الله عز وجل أن يخلصهم مما هم فيه أمر مطلوب لكن بعد إذن ولي الأمر في ذلك. جواز ظهور الملائكة في صورة الإنس السؤال: هل يمكن أن يظهر ملك الموت لأحد من الناس في صورة رجل أو مسكين كما نقرأ في بعض القصص التي تروى عن السلف؟ الجواب: المسكين ضعيف وملك الموت قوي، ويمكن أن يظهر في صورة إنسان، كما في قصة موسى عليه الصلاة والسلام عندما جاءه بصورة إنسان، والملائكة كما هو معلوم تتحول إلى صورة إنسان كما حصل لجبريل فإنه جاء على صورة دحية بن خليفة الكلبي ."
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [479] الحلقة (511) شرح سنن أبي داود [479] إن رحى الفتن إذا دارت طحنت تحت كلكلها الداخل فيها والموقد لها، سواء بالقول أو بالفعل؛ لذا أتى التحريض على تركها والهروب منها، وكف اللسان عن إثارتها وإذكائها، واجتناب القتال فيها، حتى ولو قتل المرء فيها صابراً. ما جاء فيما يرخص فيه من البداوة في الفتنة شرح حديث (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) . أورد أبو داود باب ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة. يعني: البداوة ليست مطلوبة في الأصل، وفيها جفاء (من بدا جفا) وقد سبق أن مر بنا الحديث في هذا، ولكن في بعض الأوقات وعندما يكون هناك فتن فإنه يرخص في ذلك بل ويرغب فيه للسلامة من الفتن، والابتعاد عنها وعن المشاركة فيها، بأن يكون الإنسان في عزلة وبعد عنها، حتى لا يكون له مشاركة أو نصيب فيها. أورد أبو داود حديث أبي سعيد قال رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال)، يعني: أعالي الجبال، (مواقع القطر) : أماكن نزول المطر، سواء كان في سفح أو وعر، وسواء كان في علو أو سفول، فهو يتبع العشب والرعي، ويكون بذلك فاراً بدينه من الفتن؛ لأنه مشتغل بهذه الغنم يرعاها، ويشرب ويقتات من درها، ويكون بعيداً من الفتن وأهلها. قوله: [ (يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ) ]. مواقع القطر هذه أعم من شعف الجبال؛ لأن المقصود بها أماكن الرعي والخصب، وسواء كان ذلك في جبال أو في غير جبال، وهو من عطف العام على الخاص. قوله: [ (يفر بدينه من الفتن) ]. يعني: السبب الذي جعله يكون كذلك هو الفرار بدينه من الفتن، وحتى لا يكون مع أهلها فيشارك فيها. تراجم رجال إسناد حديث (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال ...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه]. وهو كذلك ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في النهي عن القتال في الفتنة شرح حديث (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن القتال في الفتنة. حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن زيد عن أيوب و يونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال: خرجت وأنا أريد -يعني: في القتال- فلقيني أبو بكرة فقال: ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله وعلى آله وسلم يقول: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قال: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه) ]. أورد أبو داود باباً في النهي عن القتال في الفتنة. أي: أن الإنسان لا يشارك في الفتن بالقتال، بل عليه الاعتزال وترك المشاركة؛ لأن في ذلك السلامة، وقد أورد أبو داود حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أنه قال للأحنف بن قيس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، يعني: تقابلا وكل منهما ضرب بسيفه صاحبه. قوله: [ (قال: هذا القاتل فما بال المقتول؟) ]. هذا القاتل قتل غيره فهو في النار، لكن ما بال المقتول وهو ليس بقاتل؟ قال: (إنه أراد قتل صاحبه)، وفي بعض الألفاظ: (كان حريصاً على قتل صاحبه) ومعنى ذلك: أنه حصل منه الإقدام ولكنه غلب، وإلا فإنه قصد القتال، ورفع سيفه ومد يده. إذاً: كل منهما حصلت منه مشاركة بالفعل، وليس بمجرد النية، فهو رفع سيفه ولكن صاحبه سبقه وتفوق عليه وبادره بالقتل أو تمكن من قتله فيكونان مشتركين في إرادة القتل، وأحدهما تمكن من صاحبه والثاني لم يتمكن مع حرصه على قتل صاحبه، ولكن هذا كما هو معلوم لا يلزم أن يكونا واقعين في النار، ولكنهما مستحقان لعذاب النار، وأمرهما تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء عفا عنهما وإن شاء عذابهما. تراجم رجال إسناد حديث (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار...) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. أبو كامل هو الفضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد مر ذكره. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يونس ]. هو يونس بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأحنف بن قيس ]. الأحنف بن قيس ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالحلم. [ عن أبي بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ويقال: إن الأحنف كان يريد أن يقاتل مع علي رضي الله عنه. شرح حديث: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب عن الحسن بإسناده ومعناه مختصراً ]. قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن الحسن ]. أيوب والحسن مر ذكرهما. الأسئلة معنى قول ابن عمر (وما أرى هذا إلا قد شقي) السؤال: هل يمكن أن يكون الرجل المقتول المذكور في حديث ابن عمر الوارد في باب النهي عن السعي في الفتنة من الخوارج، أو من أهل البدع لقول: ابن عمر : (وما أرى هذا إلا قد شقي) ؟ الجواب: هذا محتمل والله أعلم، وهو من قبيل: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). المقصود بقوله في الحديث (القاتل في النار والمقتول في الجنة) السؤال: قال في الحديث (القاتل في النار والمقتول في الجنة) ، فهل المقصود أن من يمد عنقه هو الذي سيكون مقتولاً ويكون من أهل الجنة؟ الجواب: له وجه، ويمكن ذلك، وقد جاء في الحديث (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا) والمقتول أو الذي يراد قتله هو الذي يقول هكذا، وبهذا يستقيم. أما حديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، فلا يدخل تحت هذا؛ لأن الأول إنسان يريد أن يدافع عن نفسه ولا يريد قتل الآخر، أما في الفتنة فإن كل واحد يريد قتل الآخر، وأما إذا اعتدي على إنسان فإنه يدافع عن نفسه بدون القتل، وقد يضطر إلى القتل فيكون معذوراً ولكن في ذاك الحديث: (إذا التقى المسلمان..) فكل واحد متجه لقتل الآخر، لا أن شخصاً معتدياً على آخر، والمعتدى عليه يدافع عن نفسه. أما عن رجوعه إلى ما جاء في الحديث فهذا واضح، وإنما الإشكال هو في تطبيقه على القصة، إذ الحديث فيه قاتل ومقتول واحد في الجنة وواحد في النار، وفي القصة كل واحد منهما يقال فيه: شقي، فلا يستقيم، أو أنه ساق الحديث من أجل أن يبين أن الذي ينبغي أن يكون الإنسان هكذا، وأنه لا يكون مقاتلاً ولا حريصاً على القتل. جواز ارتكاب أخف الضررين السؤال: هل يمكن أن يستدل بهذا الحديث على ارتكاب أخف الضررين؟ الجواب: نعم، يستدل به. سبب ذكر الغنم في قوله (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً..) السؤال: تخصيص ذكر الغنم من بهيمة الأنعام هل له وجه؟ الجواب: هذا مثال -والله أعلم- ولذا سبق أن مر بنا أن الإنسان يلحق بإبله كما في قوله: (من كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كان له أرض فليلحق بأرضه)، فإن المقصود أنه يبتعد عن الفتن ويكون تبعاً لما أعطاه الله، ولكن هنا تمثيل بالغنم، لأنها أسهل من غيرها في صعود ورقي الجبال، ولكن المعنى ليس خاصاً فيها؛ لأن من كان صاحب إبل فإنه يحصل في اشتغاله بها ورعيه لها وشربه من لبنها أو درها مثلما حصل للغنم، وقد مر الحديث في هذا. انتشار الفتن في المدن دون البدو السؤال: هل في هذه الأحاديث إشارة إلى أن أكثر الفتن تكون في المدن دون البدو؟ الجواب: لا شك في ذلك؛ لأن البدو ليسوا مجتمعين، بل هم متفرقون متشتتون، يتبعون مواضع القطر، ويكونون في أماكن مختلفة، فالفتن غالباً تكون في المدن. المقصود بالفتن في الأحاديث السؤال: هل المقصود بالفتن هنا فتن الشهوات والشبهات والقتل، أو القتل فقط؟ الجواب: الذي يبدو أنه القتل، وأما الشهوات والشبهات فهذه تعالج بالتحذير منها وبيان أخطارها وأضرارها. حكم قول (الله ورسوله أعلم) بعد وفاة الرسول السؤال: هل يجوز أن نقول الآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: الله ورسوله أعلم؟ الجواب: لا يقال هذا، وإنما يقال: الله أعلم، وأما في ذلك الوقت فكان يقال: الله ورسوله أعلم؛ لأن عنده علم يخبر به، والرسول يسأل مثل هذا السؤال من أجل أن يبين، وكان المقصود من ذلك أن يستعد السامع وأن يتهيأ، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلا يقال في كل شيء يسأل عنه: الله ورسوله أعلم؛ لأن هناك أموراً لا يعلمها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل: لو سئل الإنسان: متى تقوم الساعة؟ فلا يقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن الرسول لا يعلم قيام الساعة، فإذاً فيقال بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: الله أعلم، أو لا أدري. حتى في المسائل والأمور الشرعية عندما يسأل عنها الإنسان يقول: الله أعلم، فيجب إضافة ذلك إلى الله عز وجل، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا يستعملون ذلك في حياته؛ لأنه كان يخاطبهم فيقولون: الله ورسوله أعلم، ثم يعلمهم ويخبرهم، وإنما قال ذلك ليستعدوا لتلقي الجواب، مثل ما جاء في حديث معاذ بن جبل لما كان رديفه قال: (أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم) ثم قال: حق الله كذا، وحق العباد كذا. الاستدلال بقول النبي لأبي ذر (كيف بك؟) على وقوع الفتن في عصره السؤال: جاء في حديث أبي ذر في الفتن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (كيف بك؟)، فهل يفهم من مثل هذا أن هذه الفتن ستقع في زمانه؟ الجواب: يحتمل أن تقع في زمن أبي ذر ، وفي حياة أبي ذر. والاحتمال معناه: أنها قد تحصل وقد لا تحصل في زمانه. عموم استعمال جواب (لبيك وسعديك) لكل أحد السؤال: هل قول: (لبيك وسعديك) خاص بالله؛ حيث إن بعض الصحابة قال في التلبية في الإحرام: (لبيك وسعديك والرغباء إليك)؟ الجواب: ليس خاصاً بالله؛ لأنه يقال لله ولغير الله، ولهذا قاله الصحابة يجيبون النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب، فهذا جواب أبي ذر ، وكذلك أيضاً جواب معاذ قال: (لبيك وسعديك). حكم البداوة في هذا الزمان خوفاً من الفتن السؤال: هل يجوز البداوة في هذا الزمان باعتبار كثرة الفتن؟ الجواب: الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أولى ممن يعتزلهم، والفتن التي يكون فيها اعتزال هي ما جاء في الأحاديث والمقصود بها الاقتتال، وأما وجود فتن شهوات وشبهات فيخالط الناس ويحذر من تلك الفتن، ويبين الحق ويحذر من الباطل. توجيه مشاركة بعض الصحابة في بعض الفتن السؤال: إذا كان الاعتزال هو الأفضل في زمن الفتن، فبماذا يوجه فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم حيث شاركوا في بعض المواقع؟ الجواب: اجتهدوا في طلب الحق. الجمع بين أحاديث قتال الفتنة ودفع الصائل بأخف ضرر السؤال: هذا نقل في كيفية الجمع بين الأحاديث التي فهمنا منها بعض التعارض في أن الصائل يدفع ولو بالقتل، وبين أن يكون الإنسان كخير ابني آدم، نقلاً عن المنهج الشرعي في مواجهة الفتن صفحة 109، وهو ينقل عن إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، للشيخ حمود التويجري . يقول: لا تعارض بين مبدأ الدفاع عن النفس ومبدأ اعتزال الفتنة وكف اليد واللسان عنها، فإن الدفاع عن النفس مشروع في غير أيام الهرج، أما أيام الهرج فالمشروع فيها كف اليد واللسان ولزوم البيت، وإذا دخل على المسلم أحد في بيته من أهل الفتنة فإنه مأمور بأن يكون كخير ابني آدم، والله أعلم. الجواب: لكن كما هو معلوم خير ابني آدم الذي حصل منه أنه ما قتل وما أراد القتل، لكن كونه يدفع بدون القتل هذا فيه إحسان إلى نفسه، وفيه إحسان إلى القاتل بالحيلولة بينه وبين أن يقع في أمر خطير، فإن الدفاع بشيء دون القتل أو بمنع القاتل من القتل بمسكه أو بتقييده أو ما إلى ذلك من الأمور، فهذا فيه مصلحة للقاتل والمقتول. يعني إذا دخل عليه بيته يمنعه بدون أن يقاتله . وقوله: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ [المائدة:28] كأن المقصود به لن أبسطها لأقتلك، لكن كونه يرده ويمنعه فلا شيء ينفيه. وهنا في العون يذكر مسألة يقول: قال القاري : والصواب أن الدفع جائز إذا كان الخصم مسلماً إن لم يترتب عليه فساد، بخلاف ما إذا كان العدو كافراً؛ فإنه يجب الدفع ما أمكن؛ لأنه إذا قتل قتل كافراً وما قتل مسلماً. شر فتنة الخلاف في الدين السؤال: هل وقوع الخلاف بين طلاب العلم والدعاة في مناهج الدعوة إلى الله من الفتن؟ الجواب: لا شك أن هذا من الفتن، ومن فتنة الناس في دينهم كونهم يتفرقون ويتحزبون. والفتن كما هو معلوم ليست كلها مجرد قتل؛ لأن الفتن فيها ظاهر وفيها خفي وفيها قتل، وفيها فتنة في الدين، وفتنة الأهل والمال، وفتنة في أمور كثيرة. ولا يقال: إن اعتزال الكلام في هذه المناهج هو الأفضل، وإنما يبين الحق ليتبع والباطل ليترك وليحذر."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود [480] لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، هكذا قال عليه الصلاة والسلام محذراً ومتوعداً من فكر أو سولت له نفسه قتل مسلم. وما ذلك إذا لأن الإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس والتي منها حفظ النفوس، ولولا ذلك لانتشر القتل وعمت الفوضى ولربما انقطعت الحياة. ما جاء في تعظيم قتل المؤمن شرح الأحاديث الواردة في تعظيم قتل المؤمن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تعظيم قتل المؤمن. حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا محمد بن شعيب عن خالد بن دهقان قال: كنا في غزوة القسطنطينية بذلقية، فأقبل رجل من أهل فلسطين، من أشرافهم وخيارهم يعرفون ذلك له، يقال له: هانئ بن كلثوم بن شريك الكناني ، فسلم على عبد الله بن أبي زكريا وكان يعرف له حقه، قال لنا خالد : فحدثنا عبد الله بن أبي زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً)، فقال هانئ بن كلثوم : سمعت محمود بن الربيع يحدث عن عبادة بن الصامت أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل مؤمناً فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)، قال لنا خالد : ثم حدثني ابن أبي زكريا عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلح). وحدث هانئ بن كلثوم عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في تعظيم قتل المؤمن ]. أي: أن قتل المؤمن عظيم وخطير، وأنه ليس بالأمر الهين، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على خطورته، وجاء في السنة المطهرة ما يدل على أنه خطير، وأنه أمر عظيم، وأنه من أكبر الذنوب وأعظمها. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، قال خالد بن دهقان : كنا في غزوة القسطنطينية بذلقية، فأقبل رجل من أهل فلسطين من أشرافهم وخيارهم يعرفون ذلك له، يقال له: هانئ بن كلثوم بن شريك الكناني فسلم على عبد الله بن أبي زكريا وكان يعرف له حقه، قال لنا خالد : فحدثنا عبد الله بن أبي زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً) ]. قوله: [(أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً)]، هذا هو محل الشاهد منه، وأنه عطف على الشرك بالله عز وجل، ولكنه جاء في القرآن الكريم أن الشيء الذي لا يغفر هو الشرك وحده، قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فيدخل في ذلك قتل النفس وغير ذلك، والذنب الذي لا يغفر، والذي صاحبه خالد مخلد في النار لا يخرج منها بحال من الأحوال بل يبقى فيها أبد الآباد هو: الشرك، وأما الكبائر والذنوب الأخرى ومنها قتل النفس العمد فإن ذلك يكون تحت مشيئة الله عز وجل؛ إن شاء عذب وإن شاء عفا وتجاوز، وإذا عذب فإن ذلك المعذب -بسبب ذلك الذنب الكبير الذي هو دون الشرك- لا يخلد في النار، بل لابد وأن يخرج منها، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها. وإذا كان الإنسان استحل القتل فإن الذنوب إذا استحلت كان استحلالها كفراً، لكن مع عدم الاستحلال هو تحت المشيئة، إن شاء عذب وإن شاء تجاوز. قوله: [ فقال هانئ بن كلثوم : سمعت محمود بن الربيع يحدث عن عبادة بن الصامت أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل مؤمناً فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) ]. أورد حديث عبادة بن الصامت : (من قتل مؤمناً فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)، هذا تهديد ووعيد شديد، وهو كغيره من أحاديث الوعيد التي فيها مثل هذا التهديد، إذا شاء الله ألا يتجاوز عن صاحبه فإنه يعذبه، ولكنه لا يخلد في النار. قوله: [(اعتبط)] أي: قتله ظلماً من غير قصاص، وفي بعض النسخ: (اغتبط) أي: فرح وسُرَّ، ولم يكن متأثراً ولا متألماً، بل هو واقع في المعصية وفرح بها، وليس نادماً عليها. قوله: [ (صرفاً) ]، قيل: إن المقصود به النوافل. قوله: [ (وعدلاً) ]، قيل: المقصود به الفرائض. [ قال لنا خالد : ثم حدثني ابن أبي زكريا عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلح) ]. أورد حديث أبي الدرداء : (لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلّح)، يعني: يريد خفيف الظهر يعنق في مشيه فيسير سير المخف. قوله: [ (معنقاً صالحاً) ]، هذا تمثيل وتشبيه بالذي يكون خالياً من الظهر ويسير سيراً خفيفاً، والعنق: نوع من السير وهو أخف من النص -كما جاء في حديث الحج وانصرافهم من عرفة إلى مزدلفة، (كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص) أي: أنه كان يسير سيراً خفيفاً، فإذا وجد فجوة أسرع، وزاد في الإسراع. قوله: [ (فإذا أصاب دماً حراماً بلح)] ، أي: أعيا وانقطع وهو ضد العنق والسير؛ لأنه كان يسير سيراً خفيفاً ليس فيه سرعة شديدة، ولكنه إذا أصاب دماً حراماً بلح، يعني: أعيا وصار بخلاف الحالة الأولى، وذلك بسبب هذا الذنب، فهو مثل الإنسان الذي يسير وسيره فيه نشاط وقوة، ولكنه إذا حصل هذا الذنب فإنه يتحول إلى العي والتعب ولم يستطع السير. قوله: [ وحدث هانئ بن كلثوم عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء ]. تراجم رجال أسانيد الأحاديث الواردة في تعظيم قتل المؤمن قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ]. مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن شعيب ]. محمد بن شعيب صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن خالد بن دهقان ]. خالد بن دهقان مقبول، أخرج له أبو داود . [ عبد الله بن أبي زكريا ]. عبد الله بن أبي زكريا ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن أم الدرداء ]. أم الدرداء هي هجيمة وهي أم الدرداء الصغرى ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الدرداء ]. أبو الدرداء هو عويمر بن زيد وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال: [ هانئ بن كلثوم ]. هانئ بن كلثوم ثقة، أخرج له أبو داود . [ سمعت محمود بن الربيع ]. محمود بن الربيع صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأكثر روايته عن الصحابة، وهو صاحب المجة الذي قال: (عقلت مجة مجها علي الرسول صلى الله عليه وسلم من دلو). [ عن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت رضي الله عنه الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث صحيح، وله متابعات. شرح أثر يحيى الغساني في تفسير قوله (اعتبط بقتله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن عمرو عن محمد بن المبارك قال: حدثنا صدقة بن خالد أو غيره قال: قال: خالد بن دهقان : سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: (اعتبط بقتله) قال: الذين يقاتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله، يعني: من ذلك. قال أبو داود وقال: فاعتبط يصب دمه صباً ]. أورد أبو داود هذه الآثار عن خالد قال: سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: (اعتبط بقتله) قال: الذين يقاتلون في الفتنة فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله. فسره يحيى بن يحيى الغساني بأنه الذي يقاتل في الفتنة فيرى أنه على حق في قتاله، فلا يستغفر الله؛ لأنه لا يعتقد أنه مذنب، بل يعتقد أنه على حق، وذلك مثل أهل البدع مع أهل المعاصي، فأهل المعاصي أمرهم أسهل من أهل البدع؛ لأن صاحب المعصية يعتقد أنه مذنب، ويعترف بأنه مذنب، فيكون على خوف من الله عز وجل، وأما ذاك فهو يرى أنه على حق، وهو على ضلالة، فلا يستغفر ولا يتوب، ويعتقد أن غيره هو المبطل وهو المحق؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يتوب من بدعته)؛ وذلك أن صاحب البدعة لا يتوب؛ لأنه يرى أنه على حق، ولا يعتقد أنه مذنب كصاحب المعصية الذي يزني ويعلم أن الزنا حرام، أو يسرق ويعلم أن السرقة حرام، فتجده خائفاً، وأما هذا فتجده مرتاحاً مطمئناً، وقد زين له سوء عمله فرآه حسناً والعياذ بالله! قوله: [ يصب دمه صباً ]. هذا فيه مبالغة في القتل. إذاً: كون الإنسان يقاتل وهو يعتقد أنه على حق، ولا يرى أنه مخطئ أو أنه مذنب فيستغفر الله، ليس كصاحب المعصية الذي يعرف أنه مذنب قد عصى، ويكون خائفاً نادماً مستغفراً، وهذا حاله مثل الخوارج الذين كانوا يقاتلون الصحابة، فقد كانوا يرون أنهم على حق ولا يعتقدون أنهم مذنبون. والقسطنطينية حصل غزوها في زمن الصحابة، وكان فيها يزيد بن معاوية . تراجم رجال إسناد أثر يحيى الغساني في تفسير قوله (اعتبط بقتله) قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن عمرو ]. عبد الرحمن بن عمرو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن محمد بن المبارك ]. محمد بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صدقة بن خالد ]. صدقة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أو غيره ]. هذا شك في صدقة هل هو الراوي أو غيره، ومثل هذا لا يؤثر لأنه ليس حديثاً، وإنما كلام يحيى الغساني في تفسير الحديث. [ قال خالد بن دهقان ]. خالد بن دهقان مر ذكره. [ يحيى بن يحيى الغساني ]. يحيى بن يحيى الغساني ثقة، أخرج له أبو داود ، وهو صاحب هذا الأثر، وهذا الإسناد منتهاه إليه، فهو الذي قال هذا الكلام. شرح أثر زيد بن ثابت في نزول قوله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن مجالد بن عوف أن خارجة بن زيد قال: سمعت زيد بن ثابت في هذا المكان يقول: أنزلت هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93] بعد التي في الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ [الفرقان:68]، بستة أشهر. ]. أورد أبو داود أثر زيد بن ثابت أن هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93]، في سورة النساء نزلت بعد التي في الفرقان وهي: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ ولا يزنون [الفرقان:68]، وهذا قال عنه الشيخ الألباني : إنه منكر، ولعل وجه النكارة فيه من جهة أن نزول سورة الفرقان كان بمكة، ونزول سورة النساء كان بالمدينة، والفترة التي بين نزول هذه ونزول هذه لا تكون ستة أشهر. تراجم رجال إسناد أثر زيد بن ثابت في نزول قوله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً ...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق ]. عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الزناد ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجالد بن عوف ]. مجالد بن عوف صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أن خارجة بن زيد قال ]. هو خارجة بن زيد بن ثابت ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ سمعت زيد بن ثابت ]. زيد بن ثابت صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. إجماع السلف على أن للقاتل توبة وإذا قيل: إن آية النساء متأخرة عنها تكون كالناسخة للتي في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ ولا يزنون [الفرقان:68]، لكن كما هو معلوم أن السلف أجمعوا على أن الذي في سورة النساء للتغليظ، وأن القاتل له توبة، وأن الله تعالى يتوب على كل من تاب، وأن أمره إن لم يتب تحت مشيئة الله، والذنب الذي لا سبيل إلى مغفرته هو الشرك بالله وحده، وجاء عن ابن عباس غير ذلك، ولكن جاء عنه أنه رجع عن قوله إلى قول جمهور السلف، وبذلك صارت المسألة اتفاقية، وهو أنه تحت المشيئة، وأن له توبة، ومن أوضح ذلك قصة الإسرائيلي -كما في الصحيحين- الذي قتل مائة نفس، ثم بعد ذلك لقي عالماً وقال له: هل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟! شرح أثر ابن عباس في أن القاتل المسلم لا توبة له قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير أو حدثني الحكم عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في الفرقان: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ [الفرقان:68]، قال مشركو أهل مكة: قد قتلنا النفس التي حرم الله، ودعونا مع الله إلهاً آخر، وأتينا الفواحش، فأنزل الله: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70] فهذه لأولئك، قال: وأما التي في النساء: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93] الآية، قال: الرجل إذا عرف شرائع الإسلام ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم، لا توبة له، فذكرت هذا لمجاهد فقال: إلا من ندم ]. أورد المصنف هذا الأثر عن سعيد بن جبير قال: (سألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في الفرقان، قال: هذه في المشركين)، يعني: أن لهم توبة، وأنهم إذا تابوا فإن الله تعالى يتوب عليهم، قال: وأما التي في النساء، فإنها في الذي عرف شرائع الإسلام ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم لا توبة له. وهذا الذي قاله ابن عباس أولاً، ثم رجع عنه وصار إلى القول الذي عليه جمهور السلف، وبذلك صارت المسألة متفقاً عليها، ولا خلاف فيها، وإذا كان الشرك وهو أعظم الذنوب يتوب الله تعالى على من تاب منه، كما قال الله عز وجل: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، وكذلك المسلم إذا تاب من ذنبه فإن له توبة، وقصة الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس تبين ذلك، ثم قال له العالم: من يحول بينك وبين التوبة؟! ثم أرشده إلى أن ينتقل من البلد الذي هو فيه إلى بلد آخر فيه أناس صالحون يكون معهم، ثم مات في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، والحديث مشهور ومعروف، وهو في الصحيحين. قوله: [ فذكرت هذا لمجاهد فقال: إلا من ندم ]. معناه: أن له توبة. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في أن القاتل المسلم لا توبة له قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أو حدثني الحكم عن سعيد بن جبير ]. الحكم هو الحكم بن عتيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سألت ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح أثر ابن عباس في أن قوله (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) هم أهل الشرك قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: حدثني يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه القصة في: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68] أهل الشرك، قال: ونزل: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] ]. أورد أبو داود أثر ابن عباس من طريق أخرى، وقال: إن الآية التي في الفرقان في أهل الشرك، ونزل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، ومعلوم أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، وكل ذنب تيب منه فإنه يغفر لصاحبه، والذي لم يتب منه إن كان شركاً فإنه لا يغفر، وإن كان دون الشرك فهو تحت المشيئة. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في أن قوله (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) هم أهل الشرك قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. أحمد بن إبراهيم هو الدورقي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يعلى ]. يعلى يحتمل أن يكون ابن مسلم أو ابن حكيم ، ولكن يرجع كونه ابن مسلم أنه مكي، و ابن جريج مكي، و يعلى بن مسلم ثقة، وذاك صدوق؛ و عبد الملك بن جريج يروي عن الاثنين، و سعيد بن جبير روى عنه الاثنان، هو يحتمل هذا وهذا. لكن في تحفة الأشراف نص على ابن مسلم ويوضحه كونه مكياً و ابن جريج، مكي. وابن مسلم أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. مر ذكرهما. شرح أثر ابن عباس في أن قوله (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) ما نسخها شيء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93] قال: ما نسخها شيء ]. أورد المصنف حديث ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا [النساء:93] ما نسخها شيء، معناه: أنها محكمة، وهذا متفق مع ما تقدم عنه من أنه يرى أنه لا توبة له، ولكن قد رجع وصار كغيره من الصحابة وغيرهم الذين قالوا بأن كل ذنب له توبة، وأن كل ذنب دون الشرك تحت المشيئة. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في أن قوله (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) ما نسخها شيء قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو ثقة فقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن مهدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن النعمان ]. المغيرة بن النعمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. مر ذكرهما. قال الحافظ في الفتح: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان تارةً يجعل الآيتين في محل واحد؛ فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارةً يجعل محلهما مختلفاً، ويمكن الجمع بين كلاميه: بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمداً، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض، وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه. ولكن ينهي هذا كله ثبوت رجوعه عن كل هذا. تعليق ابن حجر على قول ابن عباس في توبة المسلم إذا قتل مسلماً قال الحافظ في الفتح: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان تارةً يجعل الآيتين في محل واحد؛ فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارةً يجعل محلهما مختلفاً، ويمكن الجمع بين كلاميه: بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمداً، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض، وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه. ولكن ينهي هذا كله ثبوت رجوعه عن كل هذا. شرح أثر أبي مجلز في استحقاق القاتل للنار قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن سليمان التيمي عن أبي مجلز في قوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء:93] قال: هي جزاؤه؛ فإن شاء الله أن يتجاوز عنه فعل ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن أبي مجلز ، قال: (هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عنه فعل)، يعني: إذا شاء الله أن يغفر له غفر له، كما قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] وقتل النفس هو دون ذلك، فيكون تحت مشيئة الله. تراجم رجال إسناد أثر أبي مجلز في استحقاق القاتل للنار قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو شهاب ]. أبو شهاب هو الحناط عبد ربه بن نافع ، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن سليمان التيمي ]. هو سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مجلز ]. أبو مجلز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. أما عن الخلود إذا جاء في غير الشرك فهو خلود نسبي، مثل ما جاء في الأحاديث: (من قتل نفسه بكذا فهو يعذب في نار جهنم خالداً مخلداً فيها)، فهذا تخليد نسبي وليس كخلود الكفار في النار الذي هو أبد الآباد. والآية ليس فيها نسخ أصلاً، وأما عن أثر رجوع ابن عباس عن قوله في السلسلة الصحيحة (رقم2799)، وفي صحيح الأدب المفرد (رقم4). ما جاء فيما يرجى في القتل شرح حديث ( ... كلا إن بحسبكم القتل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يرجى في القتل. حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم عن منصور عن هلال بن يساف عن سعيد بن زيد قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فتنة فعظم أمرها، فقلنا: أو قالوا: يا رسول الله! لئن أدركتنا هذه لتهلكنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا، إن بحسبكم القتل) . قال سعيد : فرأيت إخواني قتلوا ]. أورد أبو داود : باب ما يرجى في القتل. لعل ذلك يعني: من مغفرة. أورد حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة فعظم أمرها فقلنا: يا رسول الله! لئن أدركتنا هذه لتهلكنا) . معناه: أنه يحصل لهم الهلاك في هذه الفتنة. قال: (كلا، إن بحسبكم القتل) . يعني: كون القتل يحصل لأحد منكم وليس لكلكم. قوله: [ قال سعيد : فرأيت إخواني قتلوا ]. هو سعيد بن زيد مات سنة خمسين أو بعدها بسنة أو سنتين، يعني: في منتصف خلافة معاوية ؛ لأن معاوية تولى سنة واحد وأربعين، ومات سنة ستين، وهو مات في منتصف خلافته، ولعله يقصد ما حصل من الفتن والاقتتال الذي حصل بين الصحابة ومن قتل فيها. تراجم رجال إسناد حديث (... كلا إن بحسبكم القتل) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ]. هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور عن هلال بن يساف ]. منصور مر ذكره، وهلال بن يساف ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن زيد ]. هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ( أمتي هذه أمة مرحومة ... عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل) قال المصنف رحمه الله تعالى : [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام حدثنا المسعودي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمتي هذه أمة مرحومة) يعني: أن الله تعالى رحمها فلم يهلكها بسنة بعامة كما حصل للأمم الماضية، بل هي باقية، وإنما يحصل لها الهلاك أو لبعض الناس فيها بالزلازل والفتن والقتل الذي يكون بينهم. والحديث صححه الألباني وفيه المسعودي هذا، لكن لعل له شواهد . تراجم رجال إسناد حديث ( أمتي هذه أمة مرحومة ... عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و إلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا كثير بن هشام ]. كثير بن هشام ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . [ حدثنا المسعودي ]. المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو صدوق اختلط ورواية من روى عنه قبل ذهابه إلى بغداد صحيحة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن أبي بردة ]. سعيد بن أبي بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو بردة بن أبي موسى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى الأشعري ]. وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. تحذير من الفتن معلوم أن الإنسان عليه في الفتن ألا يكون سبباً فيها ولا مشاركاً، وعليه أن يعتزلها، وعليه أن يحض الناس على ألا يكونوا سبباً في الفتن، ولا مشاركين فيها، فلا يشتغلوا بإذكائها وإشعال نارها لا بقول ولا بفعل، وإنما يحثون على اتباع السنن، وعلى معرفة الحق والهدى، والعمل به، والابتعاد عن طرق أهل البدع، ومحدثات الأمور الذين هم أسباب الفتن والمحن التي تجري للناس، وسواء كانت هذه الفتن تتعلق بالولاية والولاة، أو تتعلق بأمور أخرى، فعلى الإنسان أن يحرص على أن يكون بعيداً عنها، وأن يكون سليماً منها، وأن يكون من الدعاة إلى الابتعاد عنها، وعدم الاشتغال فيها. الأسئلة معنى حديث (أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة) السؤال: ما المراد بقوله في الحديث: (أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة) ؟ الجواب: يحصل لها في الدنيا ما يكون سبباً في سلامتها في الآخرة، لكن هذا لا يعني: أنه ليس هناك أحد يعذب في الآخرة، بل من كان من أصحاب الذنوب والمعاصي ولم يتجاوز الله عنه فإنه يعذب، ولكن يحصل له في الدنيا من المصائب وغيرها ما يكون سبباً في تكفير الذنوب ومغفرتها، وكون الإنسان يحصل له عذاب في الدنيا، هذا هو الذي يدل عليه الحديث، لكن لا يعني: أن كل هذه الأمة تسلم من عذاب النار، بل وردت أحاديث كثيرة تدل على دخول أصحاب الكبائر النار، وأنهم يخرجون منها بالشفاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لكل نبي دعوة مستجابة دعا بها فاستجيب له، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي) فهو يشفع لأهل الكبائر؛ ولهذا من لم يشأ الله عز وجل أن يعفو عنه فإنه يعذب في النار، ولا يعني ذلك أن هذا للكل، وإنما البعض هم من تحصل لهم السلامة من عذاب النار. أما قوله: (إن بحسبكم القتل) فيقول العظيم أبادي : معنى هذه الجملة: أن هذه الفتنة لو أدركتكم لكفاكم فيها القتل، أي كونوا مقتولين، والضرر الذي يحصل لكم منها ليس إلا القتل، وأما هلاك عاقبتكم فكلا، بل يرحمكم الله هناك، ويغفر لكم. والذي ظهر لي في معنى هذه الجملة: أن الذي يحصل للأمة في الدنيا من قتل وزلازل وفتن، وأما في الآخرة فلا يحصل الهلاك، ولكن كما هو معلوم ليس كل الناس يسلمون من العذاب في الآخرة، فمن شاء الله عز وجل أن يعذبه عذبه، ولكنه لا يخلد في النار كتخليد الكفار. معنى حديث (أمتي مرحومة) السؤال: قال في عون المعبود: قال المُظهر: هذا حديث مشكل؛ لأن مفهومه ألا يعذب أحد من أمته صلى الله عليه وسلم سواء من ارتكب الكبائر وغيره، فقد وردت الأحاديث بتعذيب مرتكب الكبيرة، اللهم إلا أن يئول بأن المراد بالأمة هنا من اقتدى به صلى الله عليه وسلم كما ينبغي، ويمتثل بما أمر الله وينتهي عما نهاه. الجواب: معناه: أن الذي سلم من العذاب بكونه أتى بالأسباب المنجية ولم يحصل منه الكبائر التي توبقه وتدخله النار. قال الطيبي رحمه الله: الحديث وارد في مدح أمته صلى الله عليه وسلم واختصاصهم من بين سائر الأمم بعناية الله تعالى ورحمته عليهم، وأنهم إن أصيبوا بمصيبة في الدنيا حتى الشوكة يشاكها أن الله يكفر بها في الآخرة ذنباً من ذنوبهم، وليست هذه الخاصية لسائر الأمم، ويؤيده ذكر هذه وتعقيبها بقوله: (مرحومة) فإنه يدل على مزية تميزهم بعناية الله تعالى ورحمته. وكونهم أيضاً خفف عنهم ما كان على غيرهم من الآصار ومن الأمور الشاقة والصعبة التي كلف بها الأمم السابقة هذا من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة. لا يقتل المؤمن بكافر السؤال: هل يقتل المؤمن بالكافر؟ الجواب: لا يقتل المؤمن بكافر. حكم العمليات الانتحارية السؤال: أعطاني طالب كتاباً لشيخ الإسلام المسمى بـ: قاعدة الانغماس في العدو، جوز فيه شيخ الإسلام الانغماس في العدو، فهل الانغماس المذكور هو ما يسمى الآن بالعمليات الانتحارية والاستشهادية؟ الجواب: ليس هذا من هذا القبيل، وإنما الانغماس في العدو يعني: الكر والفر الذي يكون بحسب قدرة الإنسان ومهارته وقوته، فهو يدخل في العدو ويخرج منهم بسرعة، وأما هذا الذي يسمونه العمليات الاستشهادية فإن الهلاك محقق في حقه مائة في المائة، وأما ذاك فإن السلامة متوقعة فيه. حكم الصلاة على الميت داخل المقبرة السؤال: هل تجوز الصلاة على الموتى داخل المقبرة؟ الجواب: الأصل أنه لا يصلى في المقبرة، بل يصلى في المسجد أو في مكان خارج المسجد، ولكن من فاتته الصلاة يصلي على القبر. موافقة حديث رحمة الأمة لحديث تعجيل العقوبة لها في الدنيا السؤال: حديث: (من أحبه الله عجل له العقوبة في الدنيا) هل يكون موافقاً لحديث: (أمتي أمة مرحومة)؟ الجواب: نعم. حكم قتل الكفار عمداً السؤال: هل قتل الكافر متعمداً من الكبائر؟ الجواب: إذا كان معاهداً أو صاحب عهد أو ذمة، فلا يجوز، والأحاديث كثيرة في التشديد في ذلك. حكم ترؤس المرأة على الرجال السؤال: إذا كانت امرأة ذات أموال كثيرة وثرية، وكانت ترأس أعمالها وأموالها، وعندها رجال يعملون تحت إدارتها: فهل تدخل في نص الحديث: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، أم أن هذا خاص بالإمارة والرئاسة العامة؟ الجواب: الحديث جاء في الرئاسة والولاية العامة، وأما مثل هذا فهو من الأمور التي لا تسوغ كونها تخالط الرجال، و لا يكون بينها وبينهم فرق، وكأنها واحدة منهم، وتكون رجلة النساء، ولا شك أن هذا من الأمور التي لا تجوز، وأما الحديث: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله لما بلغه أن الفرس ملكوا ابنة كسرى بعد موته، فقال عليه الصلاة والسلام: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). المقصود بالأمة في حديث (أمتي هذه أمة مرحومة) السؤال: قوله: (أمتي هذه أمة مرحومة) هل يعني بالأمة القرون الأولى أم جميع أمته إلى يوم القيامة؟ الجواب: من أهل العلم من قال بالقول الأول، ومنهم من قال بالثاني، والذي يظهر أنه عام؛ لأنه ذكر بعد ذلك الزلازل والفتن والقتل. سلامة عامة الأمة من هلاك عام السؤال: ألا يحمل الحديث الأخير على أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم كلها لا تصيبها الأهوال العظام التي تصيب بقية الأمم؟ الجواب: ربما توجد أهوال عظام لكن على نطاق محدود، ولا تقع بصفة عامة مثلما حصل للأمم السابقة. ما يجوز للخاطب أن ينظر إليه من مخطوبته السؤال: ما القول الراجح فيما يجوز للخاطب أن ينظر إليه من مخطوبته عند إرادة النكاح؟ الجواب: يرى وجهها ويديها. أجر الصلاة في المسجد الحرام السؤال: هذان طالبان اختلفا في نقل فتواكم في قضية الصلاة في الساحات مع أنهما متفقان على أنهما سمعا منكم أنها لها حكم المسجد، لكن أحدهما يقول: إنكم قلتم: إن الأجر فيها أقل من أجر الصلاة داخل المسجد، والآخر يقول: لها نفس الأجر: فأيهما الصواب؟ الجواب: ما دمت قلت: إنها من المسجد فحكم المسجد واحد، فالصلاة بألف صلاة، لكن كما هو معلوم فيما يتعلق بصلاة الجماعة كل صف أفضل من الذي يليه، وأما من حيث التضعيف فإن كل ما يقال له مسجد سواء كان مغطى أو مكشوفاً تحيط به الأسوار والأبواب فإنه يعتبر مسجداً، والصلاة فيه بألف صلاة كما جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: (الصلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام)، فالذي قلته: إنها مسجد، وإن التضعيف الذي يكون في المسجد هو لها ما دام أطلق عليه أنه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما من حيث صلاة الجماعة فلا شك أن كل صف أسبق أفضل من الذي يليه. الأحداث المعاصرة من فتن الزمان السؤال: أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا المقصود من الفتن في الأحاديث التي مرت معنا، وهل الأحداث المعاصرة تدخل في هذا المعنى؟ الجواب: لا شك أن هذه الفتن المعاصرة من أعظم الفتن، نسأل الله السلامة والعافية!! خطر البدعة على صاحبها السؤال: هل صح عن السلف هذا الأثر: أن البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؟ الجواب: لا أذكر ذلك، لكن مما لا شك فيه أنها أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن صاحب المعصية يتوب في سبيل التخلص منها، وأما البدعة فصاحبها يموت عليها؛ لأنه زين له سوء عمله فرآه حسناً، والعياذ بالله. مصائب الأمة تكفير لذنوبها السؤال: ألا يحمل الحديث (أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة) على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: (ألا يهلكها بسنة عامة) ؟ الجواب: كون الله عز وجل لم يهلك هذه الأمة بسنة عامة، فإن هذا من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة، ومن رحمته بها كونه يحصل لهم في الدنيا من المصائب ومن البلاء ما يحصل به تكفير الذنوب في الآخرة، وكل هذا من رحمة الله بهذه الأمة. موضع ذكر دعاء دخول المسجد السؤال: بناءً على الفتوى بأن الساحات من المسجد، فهل يقال: دعاء دخول المسجد عند باب المسجد الأول؟ الجواب: نعم، لكن كما هو معلوم يستثنى منه دورات المياه، فهي وإن كانت في داخل المسجد إلا أنها ليست من المسجد. لكن قد يحدث أن تمتد الصفوف من عند باب السلام وتخرج إلى الساحات، فهل الاصطفاف بها أولى، أو أن ندخل إلى داخل المسجد؟ نقول: الظاهر أن داخل المسجد أولى من جهة أن الصفوف متصلة، وأما هذا ففيه تقطع. وعلى كل فإذا امتدت الصفوف فهذا يكون الصف الأول، أو الصف الثاني أو الثالث. حجب التوبة عن كل صاحب بدعة السؤال: ذكرتم أن الله حجب التوبة عن ثلاثة، فمن هم؟ الجواب: أنا قلت كما في الحديث: (إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يتوب من بدعته) ، ولم أذكر عدداً. حكم القتل حال الدفاع عن النفس السؤال: لقد حدث وأن تعرض جدي رحمه الله قبل خمسين سنة إلى لصوص فقتل أحدهم: فهل مثل هذا القتل يشمل الوعيد المذكور في الحديث: (من يقتل مؤمناً متعمداً) ؟ الشيخ: إذا اعتدوا هم عليه، وكان فعله هذا من قبيل الدفاع عن نفسه، وأدى ذلك إلى القتل فهو معذور. معنى قول الأئمة في أحاديث الوعيد (أمروها كما جاءت) السؤال: ما معنى قول الإمام أحمد وغيره في الأحاديث التي فيها: (ليس منا) قال: أمروها كما جاءت؟ الجواب: معناه: أن تبقى على هيبتها وعلى رهبتها، وأن الناس يستعظمون هذا الأمر ولا يستهونونه. حكم إدخال الكتب المشتملة على الصور للمسجد السؤال: هل يجوز إدخال الكتب المدرسية التي فيها صور إلى المسجد النبوي للمذاكرة؟ الجواب: لا ينبغي هذا. حكم الصلاة على القاتل السؤال: هل يصلى على من قتل نفسه، أو من قتل مؤمناً متعمداً، ولم يعلم هل تاب أم لا؟ الجواب: كل مسلم مات فإنه يصلى عليه، ولكن يمكن أن يتخلف بعض الناس الذين لهم شأن من أجل الردع والزجر لغيره؛ لئلا يقع في مثل ما وقع فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على بعض أصحاب المعاصي من أجل الزجر، فإذا تخلف عن الصلاة من له شأن أثر تخلفه على الناس، وهم يعتبرون أن هذا الذي تخلف عنه أمر خطير، فيكون ذلك سبباً في بعدهم عنه؛ فإن هذا لا بأس به، وأما الصلاة فإنه يصلى على كل مسلم. مخالطة الناس ودعوتهم أولى من اعتزالهم السؤال: إذا كثرت الذنوب والمعاصي، فهل للإنسان أن يعتزل الناس ويكون تنقله بين منزله ومسجده فقط، أم يخالط الناس ويدعوهم وإن لم يستجيبوا له؟ الجواب: مخالطة الناس ودعوتهم أولى من الاعتزال. حكم تغيير تذييل الآيات السؤال: ما صحة الحديث: (إن الله أنزل القرآن على سبعة أحرف، فإن شئت قلت: عزيز حكيم أو غفور رحيم مالم تبدل آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب برحمة) ؟ الجواب: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) هذا جاء من طرق كثيرة، وثابت في الصحيحين وفي غيرهما، ولكن الإنسان ليس له أن يتصرف في القرآن بأن يبدل تذييل آية باسمين من أسماء الله، إنما عليه أن يأتي بالشيء الذي هو موجود، ولا يجوز له أن يغير وأن يبدل. حكم الصلاة بين الممرات السؤال: هل الصفوف التي تقطع بالممرات تعتبر من الصفوف المقطوعة؟ الجواب: لا شك، هي مقطوعة، ولكن الصلاة فيها صحيحة. جواز نحت الأسماء السؤال: هل يجوز اختصار الأسماء مثل: عبد الرحمن وعبد الله؟ الجواب: هذا مثل شيوخ أبي داود عبد الرحمن بن إبراهيم يقال له: دحيم ، وهذا كما هو معلوم تصغير للشخص، وهو منحوت من الاسم، مثل: عبدان وعباد مأخوذة من عبد الله، ودحيم مأخوذة من عبد الرحمن، وهكذا."
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [481] الحلقة (513) شرح سنن أبي داود [481] بلغت الأحاديث التي تذكر اسم المهدي ووصفه وزمانه وعدله ومدة حكمه حد التواتر المعنوي، وما ورد في الصحيحين من ذكر وصفه دون اسمه مقيد بالأحاديث الصحيحة الواردة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخرج في آخر الزمان ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ما جاء في ذكر المهدي شرح حديث (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب المهدي . حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل -يعني ابن أبي خالد - عن أبيه عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لايزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، فسمعت كلاماً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب المهدي ] و أبو داود رحمه الله عقد للمهدي خاصة هذا الكتاب. ذكر المهدي في الأحاديث المهدي رجل من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، يكون في آخر الزمان، ويتولى ولاية المسلمين، وينشر العدل، وتكون قبل زمانه الأرض ملئت جوراً، فيملؤها عدلاً، ويكون في زمن نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وزمن الدجال، وقد جاء في بعض الأحاديث أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يصلي وراءه كما في صحيح مسلم لكن بدون ذكر المهدي ، وجاء في غير الصحيح تسمية ذلك الإمام الذي جاء في صحيح مسلم أن عيسى يصلي وراءه وهو المهدي ، وجاءت في ذلك أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من قبيل المتواتر المعنوي، ولم يأت في الصحيحين التنصيص على لفظ المهدي ، وهو يدل على أن الصحيح ليس مقصوراً في الصحيحين بل يكون خارج الصحيحين أيضاً؛ لأن أحاديث المهدي متواترة ومع ذلك ليس شيء منها في الصحيحين، ومن المعلوم أن الصحيحين لم يلتزم فيهما استيعاب وإخراج كل صحيح، وإنما أراد الشيخان البخاري و مسلم الإتيان بجملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة من غير قصد لحصول الاستيعاب، فهما لم يقصدا الاستيعاب لكل الصحيح حتى يستدرك عليهما شيء من الصحيح، وأحاديث المهدي تدل مع كونها متواترة على أن الصحيح ليس مقصوراً على الصحيحين كما يتوهمه بعض الناس، ولا يعولون إلا على الصحيحين، مع أن الذين يقدحون فيما كان في غير الصحيحين قد يئول بهم الأمر إلى القدح بما في الصحيحين. وأحاديث المهدي بلغت حد التواتر المعنوي، وهو من علامات الساعة التي تكون في آخر الزمان، وهي متصل بعضها ببعض كالمهدي والدجال والمسيح .. كلهم في زمان واحد. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة)، يعني: في مدة هؤلاء الاثنا عشر خليفة يكون الدين قائماً، وقد جاء بألفاظ متعددة في صحيح مسلم وفي غيره: (لا يزال أمر الناس قائماً حتى يليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش). أقوال العلماء في زمن الاثني عشر خليفة من قريش أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث في كتاب المهدي ، ولعله يرى أن المهدي من جملة الاثني عشر؛ لأن هذه الأحاديث للعلماء قولان في تفسيرها والمراد بها: القول الأول: إنهم متفرقون وليسوا في زمن واحد ولا يلزم التوالي، بل هذه الولاية للاثني عشر يكون الدين في زمنهم وفي عهدهم قائماً، وأبو داود أورد هذا الحديث في كتاب المهدي ، ويفهم من هذا: أنه يرى أن المهدي هو منهم، وأنهم يكونون في أزمان مختلفة، ولا يلزم تواليهم. وممن جنح إلى ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره في سورة المائدة عند قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا [المائدة:12]؛ فإنه عند الكلام على هذه الآية ذكر الحديث الذي فيه الخلفاء، وأن المهدي هو أحدهم، وصنيع أبي داود يشعر بهذا. القول الثاني: وهو الذي ذكره شارح الطحاوية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: أنهم الأربعة الخلفاء الراشدون وثمانية من بني أمية، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال قائماً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، ومعنى ذلك: أن الإسلام يكون عزيزاً في زمانهم، وكان الإسلام عزيزاً في القرن الأول وإلى ما قبل نهاية عهد بني أمية، حيث كان في الإسلام قوة وانتشار. ومن المعلوم أن الجيوش في عهد بني أمية وصلت إلى المحيط الأطلسي، ووصلت إلى الصين والسند والهند، وحصل افتتاح البلاد واتساع رقعة البلاد الإسلامية، وكان الإسلام قوياً، وأهله في قوة وعزة وتفوق على الأعداء. وقد بين صلى الله عليه وسلم أنهم كلهم من قريش، وقريش هم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة الأب الحادي عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، ونسل فهر بن مالك هم قريش. قوله: [ (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليهم الأمة، فسمعت كلاماً من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟! قال: كلهم من قريش) ]. جملة: (كلهم من قريش) لم يفهمها، فسأل جابر بن سمرة أباه عن هذه الكلمة التي خفيت عليه، فقال: (كلهم من قريش)، يعني: هؤلاء الاثنا عشر. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء يقال لهم خلفاء، ولا تنافي بينه وبين الحديث السابق؛ لأن ذاك يدل على أن الخلافة موصوفة بالرشد، وأما هذه فإنه يقال لها خلافة وفيها قوة وانتشار للإسلام وانتصار للمسلمين وإن لم يكونوا مثلما كان عليه أهل الخلافة الراشدة وهم أبو بكر و عمر و عثمان و علي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. ولكن فيه إطلاق اسم الخليفة على هؤلاء الثمانية من هؤلاء الاثنا عشر وهم بعد الخلفاء الراشدين، وفي هذا دليل على أنه لا تنافي بين الملك والخلافة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث سفينة مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ( خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء). ومعلوم أنه في هذه المدة التي كان فيها حصول الملك أن هؤلاء الثمانية أطلق عليهم أنهم خلفاء وهم ملوك، وحصل انتشار وقوة للإسلام في زمانهم، ولم يأت عصر من العصور بعد الخلفاء الراشدين مثل عهد بني أمية في قوة الإسلام وانتصار أهله على أعدائهم، وكثرة الفتوحات، واتساع رقعة البلاد الإسلامية. تراجم رجال إسناد حديث (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مروان بن معاوية ]. مروان بن معاوية ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل -يعني ابن أبي خالد - ]. إسماعيل بن أبي خالد ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه مقبول أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكذلك أبوه سمرة بن جنادة صحابي أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي . وفي الحديث رجل مقبول، ولكنه لا يؤثر، لوروده من طرق أخرى بعده صحيحة؛ فلا يؤثر وجود أبي خالد والد إسماعيل . شرح حديث (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة...) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا داود عن عامر عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال: فكبر الناس وضجوا، ثم قال: كلمة خفية، قلت لأبي: يا أبت ما قال؟ قال: كلهم من قريش) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله. قوله:[ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا داود ]. هو داود بن أبي هند ، وهو ثقة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه مر ذكره. شرح حديث (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ... ثم يكون الهرج) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن نفيل حدثنا زهير حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة بهذا الحديث، زاد: (فلما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج) ]. أورد أبو داود هذا الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: (لما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالو: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج)، يعني: ماذا يكون بعد الخلفاء الاثني عشر؟ (قال: ثم يكون الهرج؟)، والهرج هو: اختلاف الأمور وكثرة القتل الذي يحصل بسبب ذلك. وقد حصل هذا في آخر عهد بني أمية عند خروج العباسيين عليهم، والفتن التي حصلت قبل ذلك للتمهيد لولايتهم، فقد حصل فيها قتل كثير وتحقق ذلك. ولو نظرنا إلى القول الآخر بأن المهدي هو آخر الخلفاء، فينتج عن ذلك أنه هو الهرج، وهذا لا يستقيم؛ لأن بعد المهدي زمن عيسى، ثم قتل الدجال في زمانه، ثم بعد ذلك يأجوج ومأجوج، لكنه يستقيم مع القول بأنهم من بني أمية. تراجم رجال إسناد حديث (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ... ثم يكون الهرج) قوله: [ حدثنا ابن نفيل ]. هو عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زياد بن خيثمة ]. زياد بن خيثمة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني ]. الأسود بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما مر ذكرهما. وقوله صلى الله عليه وسلم: (كلهم من قريش)، فيه إخبار عن أمر سيقع، وقد وقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم. ويمكن الجمع بين هذا الحديث وبين ما حصل من القتل في عهد علي رضي الله عنه في زمن الفتنة: بأن الأمر كان ماضياً والخلافة راشدة وخلافة نبوة، وحصول اقتتال لا ينافي ظهور الإسلام، وأن الأمر الذي كان موجوداً من قبل هو موجود، وإنما حصل الانشقاق بين أهل العراق وأهل الشام. شرح حديث ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن عمر بن عبيد حدثهم ح وحدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو بكر -يعني ابن عياش - ح وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان ح وحدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا زائدة ح وحدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني عبيد الله بن موسى عن فطر المعنى واحد كلهم عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم -قال زائدة في حديثه: لطول الله ذلك اليوم ثم اتفقوا- حتى يبعث فيه رجلاً مني، أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي -زاد في حديث فطر :- يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). وقال في حديث سفيان : (لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي؛ يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، وهذا من أحاديث المهدي . قوله: [(لو لم يبق من الدنيا إلا يوم)]، معناه: تحقق وجوده وحصوله، وأنه لابد وأن يقع، وفيه إشارة ودلالة على أنه في آخر الزمان؛ لأن قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم)، معنى ذلك: أنه سيكون في آخر الزمان وليس في أول الزمان. قوله: [ (رجلاً مني أو من أهل بيتي)]، يعني: أنه من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هم نسل عبد المطلب وذريته الذين تحرم عليهم الصدقة، وهم أزواجه وذريته وكل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب ، ولكن جاء في بعض الأحاديث أنه من نسله صلى الله عليه وسلم، وفيه: أنه يواطئ اسمه اسمه واسم أبيه اسم أبيه يعني اسمه محمد بن عبد الله ، وهو يدل على خلاف ما تقوله الشيعة الرافضة من أنه محمد بن الحسن ؛ لأنه قال: (يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي)، وهو محمد بن عبد الله وليس محمد بن الحسن. (يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)، وهذا فيه بيان أن ما قبل زمانه كان فيه الجور والظلم، ثم بعد مجيء زمانه يكون العدل وانتشار الخير وظهوره، وما جاء في هذا الحديث يدل له قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه)، وهذا ليس على إطلاقه، فقد يأتي زمن أحسن من الزمن الذي قبله. ولهذا نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن حبان أنه لما ذكر هذا الحديث قال: مخصوص بما جاء في أحاديث المهدي من أنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ولهذا بعض الناس الذين ليس لديهم خبرة بنصوص السنة وفهم لها واطلاع على ألفاضها وأحاديثها تجده يقف على مثل هذا الحديث فيقدح في معناه، ويقول: إن هذا دعوة إلى الهزيمة، وما إلى ذلك من الكلام الساقط. ولكن أهل العلم المحققين يجمعون بين النصوص ويفهمونها، ومن ذلك ما ذكره الحافظ عن ابن حبان في قوله: إن هذا الحديث مخصوص بما جاء في أحاديث المهدي فليس على إطلاقه بل قد يأتي عام أحسن من الذي قبله، وهكذا في مختلف البلاد والمناطق قد يأتي زمان أحسن مما تقدمه وسبقه. قوله: [ (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وقال في حديث سفيان : لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) ]. هذا اللفظ الثاني هو مثل الأول. تراجم رجال إسناد حديث ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أن عمر بن عبيد ]. عمر بن عبيد صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو بكر -يعني ابن عياش - ]. أبو بكر بن عياش ثقة، أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ح وحدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد مر ذكره، و يحيى القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان هو الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدروقي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا عبيد الله بن موسى ]. هو عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا زائدة ]. هو زائدة بن قدامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبيد الله بن موسى عن فطر ]. فطر بن خليفة صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ المعنى واحد كلهم عن عاصم ]. عاصم هو ابن بهدلة وهو ابن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة وروايته في الصحيحين مقرونة. [ عن زر ]. هو زر بن حبيش ، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : لفظ عمر و أبي بكر بمعنى سفيان ]. عمر بن عبيد و أبو بكر بن عياش بمعنى سفيان الثوري . يعني: أن المعنى واحد عن هؤلاء كلهم، ولكن يمكن أن يكون حديث هؤلاء متقارب أكثر. قوله: [ وقال في حديث سفيان : (لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي) ]. المقصود بهذه الجملة الأخيرة: أن الدنيا لا تنقضي حتى يملك العرب هذا الرجل. شرح حديث ( لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي...) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل رضي الله عنه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه وهو بمعنى حديث ابن مسعود فهو شاهد له، وهو يتعلق بالمهدي ، وهو مطابق في الجملة لما جاء في حديث ابن مسعود المتقدم. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي و إلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا الفضل بن دكين ]. الفضل بن دكين هو أبو نعيم يذكر بكنيته أحياناً ويذكر باسمه كما هنا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة ]. فطر مر ذكره، و القاسم بن أبي بزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الطفيل ]. أبو الطفيل هو عامر بن واثلة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة )]. أورد أبو داود حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)، والعترة: هم القرابة، والمقصود بهم النسل والذرية، وقيل: مطلق القرابة. قوله: [(من ولد فاطمة)]، يعني: أنه من أهل البيت، وفيه تحديد أنه من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس من القرابة الآخرين كالعباسيين أو غيرهم، وإنما هو من ولد فاطمة علوي، وهو من ذرية الرسول صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ]. عبد الله بن جعفر الرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر ]. حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن زياد بن بيان ]. زياد بن بيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن علي بن نفيل ]. علي بن نفيل لا بأس به، حديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجة ، ولا بأس به بمعنى: صدوق . [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أم سلمة ]. أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال عبد الله بن جعفر : وسمعت أبا المليح يثني على علي بن نفيل ويذكر منه صلاحاً ]. وهذا التعليق فيه الثناء على علي بن نفيل وأنه رجل صالح. شرح حديث (المهدي مني أجلى الجبهة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سهل بن تمام بن بزيع حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه وصف المهدي بأنه أجلى الجبهة، وفسر بانحسار شعر مقدم الرأس، وبأنه عريض الجبهة، وأقنى الأنف، فسر بأنه طويل الأنف، دقيق الأرنبة، محدودب ظهر الأنف. قوله: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)، وهذا كما مر في حديث علي وحديث ابن مسعود . قوله: (ويملك سبع سنين) يعني: أن مدة بقاء ملكه سبع سنين. تراجم رجال إسناد حديث (المهدي مني أجلى الجبهة ...) قوله: [ حدثنا سهل بن تمام بن بزيع ]. سهل بن تمام بن بزيع صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عمران القطان ]. عمران القطان صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و أصحاب السنن . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاًو مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ( يكون اختلاف عند موت خليفة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من أهل الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه بين الركن والمقام، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، فيلبث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون). قال أبو داود : قال بعضهم عن هشام : (تسع سنين)، وقال بعضهم: (سبع سنين). أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من أهل الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه) . فإذا رأى الناس الخسف الذي حصل لهؤلاء الجيش الذين أرسلوا من الشام يأتيه أبدال أهل الشام وعصائب العراق فيبايعونه. الأبدال: فسروا بأنهم الذين يخلف بعضهم بعضاً في نصرة وإظهار الدين، وهم بمعنى الذين يجددون الدين، ولكن الحديث ضعيف، ولم يثبت في الأبدال شيء، لكن التجديد وكونه يبعث الله لهذه الأمة ما يجدد دينها ثابت. قوله: [ (أخواله كلب)]، يعني: هو أبوه قرشي وأمه كلبية. قوله: [ (فيبعث إليهم بعثاً) ] يعني: هذا الذي أخواله كلب. فيظهرون عليهم. قوله: [ (ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض)، معناه: أنه انتشر وانتصر واستقر وثبت كما أن البعير إذا كان باركاً في معطنه وقد استراح واطمأن فإنه يمد جرانه -وهي رقبته- على الأرض. قوله: [ (فيلبث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون) ]. يعني: ذلك الرجل الذي يبايع يلبث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون، والحديث ضعيف؛ لأن فيه ذلك الرجل المبهم، وهو عبد الله بن الحارث .
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (يكون اختلاف عند موت خليفة ...) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى هو أبو موسى الزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن صالح أبي الخليل ]. قتادة مر ذكره، وصالح أبو الخليل وثقه ابن معين و النسائي أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن صاحب له عن أم سلمة ]. أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد مر ذكرها. [ قال أبو داود : قال بعضهم عن هشام : (تسع سنين)، وقال بعضهم: (سبع سنين) ]. هذا اختلاف في المدة لكن اللفظ الأول يطابق الحديث الذي مر عند أبي سعيد وهو سبع. قوله في الحديث: (ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد) لا يتعارض مع إخباره عنه بأنه يملك سبع سنين؛ لأن المقصود به الإخبار بتحقق وجوده وليس فيه بيان أن مدته بعض يوم، وإنما المقصود بيان أن هذا أمر لابد وأن يوجد وأنه لو كان آخر يوم لطول الله ذلك اليوم، وقد جاء أنه يمكث سبع سنين. شرح حديث: (يكون اختلاف عند موت خليفة ... فيلبث تسع سنين...) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عبد الصمد عن همام عن قتادة بهذا الحديث وقال: (تسع سنين). قال أبو داود : قال غير معاذ عن هشام : (تسع سنين) ]. قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الصمد ]. هو عبد الصمد بن عبد الوارث ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام ]. هو همام بن يحيى العوذي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة بهذا الحديث ]. قتادة مر ذكره. شرح حديث: (يكون اختلاف عند موت خليفة ... ) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا أبو العوام قال: حدثنا قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وحديث معاذ أتم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وأحال على الطريق السابقة، وأن الطريق السابقة أتم من هذه الطريق التي ذكر إسنادها ولم يذكر لفظها. قوله: [ حدثنا ابن المثنى عن عمرو بن عاصم ]. عمرو بن عاصم صدوق في حفظه شيء، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو العوام ]. أبو العوام هو عمران القطان ، وهو صدوق يهم. [ حدثنا قتادة ]. مر ذكره. [ عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة ]. عبد الله بن الحارث بن نوفل له رؤية، وقيل: إنه من كبار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو العوام هو الذي انفرد بذكر عبد الله بن الحارث . شرح حديث أم سلمة في قصة جيش الخسف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن القبطية عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقصة جيش الخسف، قلت: (يا رسول الله! فكيف بمن كان كارهاً؟ قال: يخسف بهم، ولكن يبعث يوم القيامة على نيته) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة في قصة جيش الخسف الذي مر من طريق ضعيف، وأنه يخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، وجاء في هذا الإسناد كيف بمن هو فيهم ولكنه كاره؟ قال: (يخسف بهم ثم يبعثون على نياتهم)، يعني: أن العبرة بالنية، وأن الإنسان إذا كان مكرهاً فإنه يكون معذوراً، ويبعث على نيته. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في قصة جيش الخسف قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن القبطية ]. عبيد الله بن القبطية ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أم سلمة ]. أم سلمة مر ذكرها. هذا هو الكلام الثابت فيما يتعلق بالخسف، وله شاهد فيما يتعلق بالخسف، وليس له شاهد فيما يتعلق بالأمور الأخرى. شرح حديث علي في ابنه الحسن (... وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ...) [ قال أبو داود : وحدثت عن هارون بن المغيرة قال: حدثنا عمرو بن أبي قيس عن شعيب بن خالد عن أبي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، ثم ذكر قصةً يملأ الأرض عدلاً) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قال عن ابنه الحسن : (إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذلك أنه جاء في الحديث أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وقد حمله، وكان ينظر إليه وينظر إلى الناس ويقول: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) ؛ فعلي رضي الله عنه يشير إلى هذا الحديث. قوله: [ (وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم) ]، يعني: أن المهدي يكون من ولد الحسن ، (ثم ذكر قصة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً). والحديث فيه انقطاع من جهتين في أعلاه وفي أسفله: أما في أسفله فعدم وجود شيخ أبي داود ؛ لأنه قال: حدثت. وهو منقطع، والأمر الثاني في أعلاه : أبو إسحاق لم يدرك علياً رضي الله عنه، فهو منقطع في أسفله وفي أعلاه وهو غير ثابت. ويمكن أن نسمي الأول: معلقاً. تراجم رجال إسناد حديث علي في ابنه الحسن (... وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ...) [ قال أبو داود: وحدثت عن هارون بن المغيرة ]. هارون بن المغيرة ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ قال: حدثنا عمرو بن أبي قيس ]. عمرو بن أبي قيس صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [عن شعيب بن خالد ]. شعيب بن خالد ليس به بأس، أخرج له أبو داود . [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. علي رضي الله عنه مر ذكره. شرح حديث (يخرج رجل من وراء النهر ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال هارون : حدثنا عمرو بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسن عن هلال بن عمرو قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج رجل من وراء النهر يقال له: الحارث بن حراث، على مقدمته رجل يقال له: منصور، يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مؤمن نصره)، أو قال: (إجابته) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قال: (يخرج رجل من وراء النهر)، المقصود من جهة الشرق. (يقال له: الحارث بن حراث، على مقدمته رجل يقال له: منصور ، يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم) . أي: يمهد لآل محمد الملك والولاية كما مهدت قريش للرسول صلى الله عليه وسلم. (وجب على كل مؤمن نصره)، أو قال: (إجابته) . والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه. تراجم رجال إسناد حديث (يخرج رجل من وراء النهر ...) [ وقال هارون ]. هارون بن المغيرة . إذاً: الحديث فيه انقطاع، بالإضافة إلى المجهولين . [ وقال هارون : حدثنا عمرو بن أبي قيس عن مطرف بن طريف ]. مطرف بن طريف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الحسن ]. أبو الحسن مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن هلال بن عمرو ]. هلال بن عمرو مجهول. أخرج له أبو داود . [ عن علي ]. علي رضي الله عنه مر ذكره. والحديث فيه مجهولان، وفيه انقطاع في الأول، وهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأسئلة تسمية أبي داود لكتاب المهدي السؤال: لماذا قال الإمام أبو داود : أول كتاب المهدي ، ولم يقل كتاب المهدي مباشرة؟ الجواب: هذا شيء قاله في عدة كتب قبل هذا الكتاب، يعني: ذكر أول الكتاب كذا، ومعنى ذلك: أن الأحاديث الواردة في الكتاب كلها تتعلق به، والتعبير بقوله: (أول)، عبر بهذا هنا وفي غيره من الكتب التي قبله. حكم وصف عمر بن عبد العزيز بالخليفة الخامس السؤال: هل يمكن أن يقال إن عمر بن عبد العزيز خلفية خامس أو يقال: هو من ضمن الخلفاء الاثني عشر؟ الجواب: لا شك أنه منهم، لكن لا يقال بأنه خامس الخلفاء الراشدين؛ لأن معاوية رضي الله عنه أفضل منه، ومعاوية صحابي، وعمر تابعي، ومعلوم أن الصحابة أفضل من التابعين. سبب عدم عدَّ الحسن بن علي في الخلفاء الاثني عشر السؤال: لماذا لا يعد الحسن بن علي من جملة الخلفاء وتكون التتمة من بني أمية؟ الجواب: باعتبار أن مدته وجيزة. عدم دخول المهدي في خلافة النبوة السؤال: هل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث خلافة النبوة الثانية المراد به المهدي ؟ الجواب: خلافة النبوة حددها بقوله: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، فالمقصود بذلك خلافة الخلفاء الراشدين و المهدي في آخر الزمان. ولكن صنيع أبي داود في إيراد الحديث تحت كتاب المهدي كأنه يشير إلى أن المهدي واحد من الاثني عشر، وهذا هو الذي ذكره ابن كثير في تفسيره. لكن الأظهر هو القول الثاني وأن المقصود به الخلفاء الراشدون وثمانية من بني أمية. سبب عدم عدَّ عبد الله بن الزبير في الخلفاء الاثني عشر السؤال: يلاحظ من كلام بعض العلماء في ذكر عدد الخلفاء الذين ذكروا في الحديث، أنه لا يذكر عبد الله بن الزبير مع أنه بايعه الناس حتى خرج عليه مروان بن الحكم وأرسل إليه الحجاج ، فما السبب في عدم ذكره؟ الجواب: لم يذكروه؛ لأن الخلافة كانت بالشام، وكان كل واحد يعهد إلى الذي بعده، و ابن الزبير رضي الله عنه أنكر عليه بعض الصحابة ما حصل منه من الولاية، ولا شك أنه رضي الله عنه اجتهد، ولكن لم يذكروه في جملة الخلفاء؛ لأن الخلافة كانت في الشام. إسقاط يزيد من الخلفاء الاثني عشر السؤال: لماذا أسقط صاحب العون يزيد في الخلفاء الاثني عشر؟ الجواب: أسقط يزيد وذكر مكانه الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وبعض العلماء ذكروا يزيد مثل شارح الطحاوية. ظهور المهدي لا يدل على عدم وجود عدل وخلافة قبله السؤال: هل يفهم من الحديث أنه لا خلافة إلا مع ظهور المهدي ، وأن العدل لا يكون إلا حينئذ؟ الجواب: هذا غير صحيح أبداً، لا ينفى ذلك أن يكون هناك خلافة وعدل قبل ذلك. كيفية معرفة الناس للمهدي حين ظهوره السؤال: إذا ظهر المهدي هل يخبر الناس عن نفسه، أم أنهم يعرفونه بأوصافه وما ذكر عنه؟ الجواب: الناس هم من يظهرون أمره، ويكون معروفاً لديهم، لكن كونه يعرفهم بنفسه لا أدري. تفسير حديث (لا يأتي عام ...) بنقصان العلم السؤال: جاء في بعض الآثار عن بعض الصحابة تفسير: (لا يأتي عام)، بنقصان العلم؟ لا بمعنى: عام خير من عام، أو أمير خير من أمير؟ الجواب: قضية نقصان العلم قد يكون في بعض الأوقات، ثم يأتي بعده زمان يكون أكثر وأعم، فليس معناه أنه على مختلف العصور كل عام يكون أنقص من الذي قبله في العلم، بل قد يكون بعض الأعوام أحسن من الذي قبله. حكم ادعاء المهدية السؤال: هل ادعاء المهدية كفر؟ الجواب: ادعاء المهدية ضلال بلا شك، وسفه وتشبع بما لم يعط. إقامة المهدي للعدل بين كل المسلمين السؤال: قوله: (يملك العرب)، هل يدل على أنه يقيم العدل بين العرب دون غيرهم من المسلمين؟ الجواب: لا، بل غيرهم تبع لهم. وجه تخصيص علماء الزمن الأول بالخيرية السؤال: بعضهم خص هذا الحديث بالعلماء، أي: أن علماء الزمن الأول خير من الزمن الذي يليه، فهل له وجه؟ الجواب: قد يأتي في بعض الأزمان علماء أحسن ممن كان قبلهم، وليس بلازم أن يكون كل علماء قرن أحسن من علماء الذي بعده. حكم من أنكر المهدي السؤال: ما حكم من أنكر المهدي ؟ الجواب: لا شك أنه ضلال وأمر خطير؛ لأن الأحاديث فيه كثيرة. ثبوت أحاديث المهدي السؤال: وردت أسئلة كثيرة عن كتابكم في هذا الموضوع، وبعضهم يقترح أن يقرأ في الجلسة القادمة، فهل يمكن أن تذكروا لنا خلاصة ما توصلتم إليه فيه؟ الجواب: الخلاصة: أن الأحاديث التي وردت فيه كثيرة، ومنها صحيح وضعيف وثابت، ومجملها فيه رد على من ينكر أو يضعف الأحاديث التي وردت فيه، وهو تضعيف مبني على غير علم، وإنما مبني على العقل وعلى متابعة المتأخرين من أولئك الذين يتكلمون على الأحاديث بعقولهم وبآرائهم وليس مبنياً على الرواية والدراية. ثبوت أن المهدي من ولد الحسن بن علي السؤال: يذكر أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه يرجح أن المهدي من ولد الحسن قال: لما تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية جعل الله تبارك وتعالى المهدي من نسله وذريته؟ الجواب: المشهور عند أهل السنة أنه من أولاد الحسن ، وقيل : إن هذا شبيه بابني إبراهيم إسماعيل وإسحاق فإن الأنبياء من ذرية إسحاق، وأما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فهو من ذرية إسماعيل؛ فصار له بقاء هذه الشريعة، يعني: الأنبياء والرسل من أولاد إسحاق كثر، لكن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل، وكانت ولايته ورسالته مستمرة إلى نهاية الدنيا، فكذلك أيضاً سبطي الرسول صلى الله عليه وسلم الحسن و الحسين ، جعل الله الولاية أو الإمارة أو الخلافة التي تكون في آخر الزمان من نسل الحسن ؛ لأن أولاد الحسين اشتهروا بالعلم وبأمور كثيرة بخلاف أولاد الحسن ؛ فجعل الله من ذريته ذلك الرجل الذي يكون في آخر الزمان وهو المهدي . والحديث الذي مر فيه التصريح بأنه من أولاد الحسن ضعيف، ولكن المشهور عند أهل السنة هو هذا. ضعف حديث (إذا رأيتم أهل الرايات السود ...) السؤال: ما صحة حديث: (إذا رأيتم أهل الرايات السود تخرج في خراسان فلبوا فإن فيها المهدي) ؟ الجواب: الذي أذكر أنه ضعيف. المهدي من أعلم أهل زمانه السؤال: هل يكون المهدي من أعلم أهل زمانه أو أنه رجل من عامة الناس؟ الجواب: كونه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً لا شك أنه مبني على علم. صحة حديث (إن الله يصلحه في ليلة أو ليلتين) السؤال: جاء في بعض الأحاديث: (إن الله يصلحه في ليلة أو ليلتين) ؟ الجواب: الحديث صحيح. ومعناه: أن الله تعالى يجعل فيه الصلاح فيقوم بنشر وإظهار الدين، والحكم بين الناس بالقسط والعدل ورفع الجور والظلم، وهذا الحديث صحيح ولكن ليس بغريب، ومعلوم أن من الناس من كان شديد العداوة للمسلمين ولكن أصلحه الله عز وجل وقذف الإيمان في قلبه في يوم من الأيام، ثم أصبح من أشد الناس على الكافرين، مثل عمر رضي الله عنه. امتلاء الأرض ظلماً وجوراً السؤال: هل يمكننا أن نقول: إن الأرض تكاد أن تمتلئ ظلماً وعدواناً الأمر الذي يؤذن بقروب خروج المهدي ؟ الجواب: لا شك أن المسلمين متفرقون ومتشتتون وأكثرهم ليسوا على صلة بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكمون قوانين وضعية، ولا شك أن هذا ظلم وجور؛ لأن تحكيم غير شرع الله هو ظلم وجور. جواز وصف من يحكم العقل في النصوص بالمعتزلة السؤال: هل يصح أن يوصف من ينكر هذه الأحاديث وأمثالها بعقولهم بأنهم عقلانيون أو معتزلة العصر؟ الجواب: يصح؛ لأن الذي يحكم عقله ويجعل النصوص تابعة للعقول، ويلوي أعناق النصوص حتى توافق ما يراه، لا شك أن هذه طريقة المعتزلة، وهؤلاء ورثتهم، ولكل قوم وارث. عدم صحة القول بأن المهدي موجود الآن السؤال: هل يصح القول بأن المهدي موجود الآن ويجهز الجيش ليخرج به؟ الجواب: هو غير موجود ولا يوجد ما يدل على وجوده، وإنما يولد كما يولد غيره في زمانه، وبعد ذلك يحصل له الولاية، وهو ليس مثل الدجال الذي جاء خبر وجوده في حديث الجساسة. تفسير حديث (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه) بنقصان العلم السؤال: صح عن ابن مسعود رضي الله عنه تفسيره لحديث (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه)، فسره بقلة العلم ونقصانه، وذكره ابن حجر ، فهل يكون قول الصحابي فاصلاً في هذه المسألة؛ إذ لا يوجد له مخالف؟ الجواب: هذا لا شك أنه من جملة ما يكون تحت الحديث، لكن لا يقصر الحديث عليه، ولكن كما هو معلوم أنه يأتي في بعض الأزمان عدم ظهور العلم وعدم وجود علماء، ثم بعد ذلك يأتي أناس يبرزون في العلم فيكون العهد الذي هم فيه أحسن من الذي قبله. الاستدلال بحديث (يملك العرب) على أن المهدي من الملوك السؤال: قوله: (يملك العرب)، هل يدل على أنه سوف يكون من أحد ملوك المسلمين في ذلك الوقت؟ الجواب: ويكون غيره أيضاً، ولم يذكر ملوك المسلمين في الحديث. ويفهم أيضاً أنه خليفة من خلفاء المسلمين، وأنه يلي الأمر فهو مسلم ويلي المسلمين."
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [482] الحلقة (513) شرح سنن أبي داود [483] ظهور المهدي علامه من علامات الساعة، وهو رجل من نسل الحسن بن علي رضي الله عنهما، وهو غير المهدي عند الشيعة، ويكون في آخر الزمان، فيتولى ولاية المسلمين، وينشر الحق والعدل، وتكون الأرض قبل زمانه قد ملئت جوراً وظلماً، فيملؤها عدلاً وقسطاً، ويصلي خلفه عيسى بن مريم ويعينه على قتل الدجال حينئذٍ، وكل هذه الأخبار قد تواترت بها الأحاديث الصحاح، ولا عبرة لمن خالف في هذا الباب من أهل العلم. ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك سبق معنا ذكر الأحاديث الواردة في كتاب المهدي، وهو الكتاب الذي أورده أبو داود ضمن سننه، وكان شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه عندما بلغه أن بعض الناس يتكلم في أحاديث المهدي قال: إن أبا داود قد عقد لها كتاباً فقال: كتاب المهدي، وأورد فيه بعض الأحاديث المتعلقة به. وقد كتبت في عام ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين محاضرة ألقيتها في دار الحديث التابعة للجامعة الإسلامية، وكانت بحضور الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه وحضور عدد من المشايخ ومنهم شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله. وأوردت في تلك المحاضرة جملة من الأحاديث والموضوعات المتعلقة بذلك كذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي ، والعلماء الذين خرجوا أحاديثه، وكذلك الذين حكوا التواتر وما جاء في الصحيحين مما له تعلق بالمهدي، وكذلك الأحاديث الأخرى التي في غير الصحيحين. وذكرت كلام العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي، وذكرت من حكي عنه إنكار أحاديث المهدي أو التوقف فيها ومناقشته، ثم ما يظن تعارضه مع أحاديث المهدي والجواب عن ذلك، ثم كلمة ختامية. وفي عام ألف وأربعمائة كتب الشيخ عبد الله بن محمود رئيس محاكم قطر رحمه الله رسالة بعنوان: (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر)، فكتبت رداً عليه في هذه الرسالة، ونشر الرد في مجلة الجامعة الإسلامية في عام ألف وأربعمائة على حلقتين، وكذلك البحث في المحاضرة التي ألقيتها في عام ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين نشرت في مجلة الجامعة سنة ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانين. وبمناسبة قراءتنا لأحاديث المهدي الواردة عند أبي داود نقرأ جملاً وفصولاً مما كتبته تتعلق بالموضوع حتى يتضح بها أن الأحاديث الواردة في المهدي صحيحة، وأنها متواترة، وأن الذين احتجوا بها هم علماء محققون معروفون بالعلم والتحقيق، وأن القول بعدم صحتها لا وجه له، وكان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه علق على هذه المحاضرة وكتب تعليقه معها في مجلة الجامعة والذي طبع في عام ألف وأربعمائة واثنين من الهجرة. فقلت في تلك المحاضرة: ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك. من الذين حكموا على أحاديث المهدي بأنها متواترة: الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الآجري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة من الهجرة، قال رحمه الله في محمد بن خالد الجندي راوي حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم): محمد بن خالد : هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر المهدي ، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى عليه السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه، نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار المنيف وسكت عليه، ونقله عنه أيضاً الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي وسكت عليه، ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضاً في فتح الباري في باب نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. ونقل ذلك عنه أيضاً السيوطي في جزء العرف الوردي في أخبار المهدي ، وسكت عليه، ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف في كتابه: فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر، كما ذكر ذلك الصديق حسن في كتابه: الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، ومنهم محمد البرزندي المتوفى سنة ثلاث بعد المائة والألف في كتابه: الإشاعة لأشراط الساعة، قال: الباب الثالث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة، وهي أيضاً كثيرة فمنها المهدي وهو أولها، واعلم أن الأحاديث الواردة فيه على اختلاف روايتها لا تكاد تنحصر،إلى أن قال: ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنه من ولد فاطمة . إلى أن قال: تنبيه: قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ولد فاطمة بلغت حد التواتر المعنوي، فلا معنى لإنكارها. وقال في ختام كتابه المذكور بعد الإشارة إلى بعض أمور تجري في آخر الزمان وغاية ما ثبت بالأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة التي بلغت التواتر المعنوي وجود الآيات العظام التي منها، بل أولها خروج المهدي ، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً. ثالثاً: ومن الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي: الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المائة والألف في كتابه لوامع الأنوار البهية، قال: وقد كثرت بخروجه -يعني: المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم، ثم ذكر بعض الآثار والأحاديث في خروج المهدي ، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها، ثم قال: وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة. رابعاً: ومنهم القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المائتين والألف وهو صاحب التفسير المشهور، ومؤلف نيل الأوطار، قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح: والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول. وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جداً لها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك. انتهى. وقال في مسألة نزول المسيح عليه الصلاة والسلام: فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام متواترة. نقل ذلك عنه الشيخ صديق في الإذاعة. خامساً: ومنهم الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاثمائة والألف، قال في كتابه: الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة: والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حد التواتر المعنوي، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد، إلى أن قال: لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام؛ لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة خلفاً عن سلف، إلا من لا يعتد بخلافه. إلى أن قال: فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر. سادساً: وممن حكى تواتر أحاديث المهدي من المتأخرين: الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاثمائة والألف، قال في كتابه نظم المتناثر من الحديث المتواتر: وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ثم قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذلك الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث مما له تعلق بشأن المهدي أولاً: روى البخاري في صحيحه في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم). وروى مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بمثل حديثه عند البخاري ، ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم)، وفيه تفسير ابن أبي ذئب راوي الحديث لقوله: (فأمكم منكم)، بقوله: [ فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ]. ثالثاً: وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض إمراء؛ تكرمة الله لهذه الأمة). فهذه الأحاديث التي وردت في الصحيحين تدل على أمرين: أحدهما: أنه عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء يكون المتولي لإمرة المسلمين رجلاً منهم. والثاني: أن حضور أميرهم للصلاة وصلاته بالمسلمين وطلبه من عيسى عليه الصلاة والسلام عند نزوله أن يتقدم ليصلي لهم يدل على صلاح في هذا الأمير وهدى، وهي وإن لم يكن فيها التصريح بلفظ المهدي إلا أنها تدل على صفات رجل صالح يأم المسلمين في ذلك الوقت. وقد جاءت الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الأحاديث التي في الصحيحين، ودالة على أن ذلك الرجل الصالح يسمى: محمد بن عبد الله ، ويقال له: المهدي ، والسنة يفسر بعضها بعضاً، ومن الأحاديث الدالة على ذلك: الحديث الذي رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسنده عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي : تعالى صل بنا، فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض؛ تكرمة الله لهذه الأمة). وهذا الحديث قال فيه ابن القيم في المنار المنيف: إسناده جيد. انتهى. وهو دال على أن ذلك الأمير المذكور في صحيح مسلم الذي طلب من عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أن يتقدم للصلاة يقال له المهدي ، وقد أورد الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة جملة كبيرة من أحاديث المهدي جعل آخرها حديث جابر المذكور عند مسلم ، ثم قال عقبة : وليس فيه ذكر المهدي ولكن لا محمل له ولأمثاله من الأحاديث إلا المهدي المنتظر كما دلت على ذلك الأخبار المتقدمة والآثار الكثيرة. فهذه الأحاديث التي فيها الإشارة للمهدي في الصحيحين، وليس فيها ذكر المهدي ولا ذكر اسمه ولا اسم أبيه ولكن فيها ذكر أن المسلمين لهم أمير صالح في ذلك الوقت، وأن عيسى يصلي وراءه كما جاء في صحيح مسلم ، لكن جاء في خارج الصحيحين حديث جابر نفسه الذي في صحيح مسلم الذي فيه أن الأمير يطلب من عيسى أن يصلي فيقول: صل أنت، فيصلي عيسى وراءه، جاء في خارج الصحيحين وفي مسند الحارث بن أبي أسامة هذا الحديث نفسه عن جابر وفيه وصف ذلك الأمير بأنه المهدي ، وحكم عليه ابن القيم بأن إسناده جيد. وعلى هذا فالصحيحان لم يرد فيهما التنصيص على المهدي ، وإنما ورد في غيرهما بل تواتر، وهذا يدلنا على أن الصحيحين لم يستوعبا كل صحيح؛ لأنهما لم يشترطا الاستيعاب ولم يستوعبا بالفعل، فلم يشترطا حتى يستدرك عليهما ولم يستوعبا بالفعل، وإنما أتيا بجملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة من غير حصر. وسبق أن ذكرنا في شرح سنن النسائي وسنن أبي داود أن البخاري و مسلم رحمهما الله ينتقيان من صحيفة همام بن منبه، وهي صحيفة مشهورة جاءت بإسناد واحد، وتشتمل على مائة وأربعين حديثا ًتقريباً، وإسنادها واحد والفاصل بين كل حديث وحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقال كذا وهكذا إلى مائة وأربعين مرة؛ لأنها تصل بين حديث وحديث، والصحيفة أوردها الإمام أحمد في مسنده في مسند أبي هريرة، فقد ذكر هذا الحديث الطويل الذي هو مشتمل على أحاديث تبلغ مائة وأربعين باسناد واحد. والإمام البخاري و الإمام أبو داود وكذلك النسائي وغيرهم ينتقون ما يريدون من تلك الصحيفة ويسوقون الإسناد ثم يأتون بالمتن الذي يريدونه بعد الإسناد مباشرة، وإن لم يكن هو الذي يليه، وبعض أهل العلم يأتي بالحديث الأول في الصحيفة وهو: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة)، ثم يأتي بما يريد بعده. والإمام مسلم رحمه الله له طريقة عجيبة في تفننه ودقته واحتياطه، فهو عندما يذكر الإسناد: محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا. فهو يشير إلى ما قبل الذي يريده، وأن المتن ليس تالي للإسناد وإنما يوجد فاصل من جملة أحاديث وهو يشير إليها بقوله: فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ومحل الشاهد من إيراد هذه المسألة توضيح الاستدلال على أنهما لم يشترطا الاستيعاب ولم يستوعباه، فهما لم يستوعبا كل ما في هذه الصحيفة، فمسلم أخذ بعض الأحاديث و البخاري أخذ بعضها، واتفقوا على بعضها، وهناك أحاديث تركاها، فلو التزما بإخراج كل صحيح لما تركا شيئاً منها وهي بإسناد واحد، لكنهما لما انتقيا منها ما أرادا وتركا ما أرادا كان تركهما دليلاً على أنهما لم يشترطاه ولم يستوعباه، فلا يستدرك عليهما، ولا يقال: فاتهما من الصحيح ما فاتهما. نعم قد فاتهما الشيء الكثير؛ لأنهما لم يشترطاه، فلذلك لم يستوعباه. ذكر بعض الأحاديث الواردة في المهدي في غير الصحيحين ولما كان المقام لا يتسع لإيراد الكثير من الأحاديث الواردة في غير الصحيحين بشأن المهدي والكلام عليها رأيت الاقتصار هنا على إيراد بعضها مع الكلام على بعض أسانيدها. أولاً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فيرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صححاً، قال له رجل: ما صححاً؟ قال: بالسوية، ويملأ الله قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم غناء، ويسعهم عدله)، إلى آخر الحديث. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد بأسانيد، وأبو يعلى باختصار كثير، ورجالهما ثقات. ثانياً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ذكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي فقال: إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع، وليملأن الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً). قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات وفي بعضهم بعض ضعف. ثالثاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع، وإلا فثمان، وإلا فتسع، تنعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها، يرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تدخر الأرض شيئاً من النبات والمال، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي ! أعطني؟ فيقول: خذ). قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. رابعاً: عقد أبو داود في سننه كتاباً قال في أوله: أول كتاب المهدي ، وقال في آخره: آخر كتاب المهدي ، جعل تحته باباً واحداً أورد فيه ثلاثة عشر حديثاً، وصدر هذا الكتاب بحديث جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة)، الحديث. قال السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي: في ذلك إشارة إلى ما قاله العلماء بأن المهدي أحد الاثني عشر، وقد ذكر ذلك أيضاً ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12] في سورة المائدة كما يجيئ ذكر كلامه، ويرى جماعة من العلماء -ومنهم شارح الطحاوية- أن الاثني عشر هم الخلفاء الراشدون وثمانية من بني أمية. خامساً: ما رواه أبو داود في سننه من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). وهذا الحديث سكت عليه أبو داود و المنذري وكذا ابن القيم في تهذيب السنن، وقد أشار إلى صحته في المنار المنيف، وصححه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية، وقد أورده البغوي في مصابيح السنة، وقال عنه الألباني في تخريج أحاديث المشكاة: وإسناده حسن. انتهى. والحديث مداره على عاصم بن أبي النجود وقد لخص في عون المعبود شرح سنن أبي داود الأقوال التي قيلت فيه، فقال: و عاصم هذا هو ابن أبي النجود ، واسم أبي النجود : بهدلة، وهو أحد القراء السبعة، قال أحمد بن حنبل : كان رجلاً صالحاً وأنا أختار قراءته، وقال أحمد وأبو زرعة أيضاً: ثقة، قال أبو حاتم: محله عندي محل الصدق، صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ . وقال أبو جعفر العقيلي : لم يكن فيه إلا سوء الحفظ. وقال الدارقطني : في حفظه شيء، وأخرج له البخاري في صحيحه مقروناً وأخرج له مسلم . قال الذهبي: ثبْت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم وهو حسن الحديث. والحاصل: أن عاصم بن بهدلة ثقة على رأي أحمد و أبي زرعة وحسن الحديث، صالح الاحتجاج على رأي غيرهما، ولم يكن فيه إلا سوء الحفظ. وردُّ الحديث بعاصم ليس من دأب المنصفين، على أن الحديث قد جاء من غير طريق عاصم أيضاً، وارتفعت عن عاصم مظنة الوهم، والله أعلم. انتهى. والحديث ذكره ابن خلدون في مقدمة تاريخه، وقدح فيه من جهة عاصم بن أبي النجود ملاحظاً ما قيل فيه من سوء الحفظ، وقال: إن الجرح مقدم على التعديل، وقد أنكر عليه ذلك. قال الشيخ أحمد شاكر في تخريج أحاديث المسند: إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين: إن الجرح مقدم على التعديل، ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال. وقال أيضاً: إن عاصم بن أبي النجود من أئمة القراء المعروفين ثقة في الحديث، أخطأ في بعض حديثه ولم يغلب خطؤه على رواياته حتى ترد. قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: ثقة رجل صالح خير ثقة، و الأعمش أحفظ منه، وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث. وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: هو صالح، هو أكثر حديثاً من أبي قيس الأودي وأشهر منه، وأحب إلي من أبي قيس ، وقال: سئل أبي عن عاصم بن أبي النجود و عبد الملك بن عمير فقال: قدم عاصماً على عبد الملك ، عاصم أقل اختلافاً عندي من عبد الملك ، وقال: سألت أبا زرعة عن عاصم بن بهدلة فقال: ثقة. قال: فذكرته لأبي فقال: ليس محله هذا أن يقال: هو ثقة، وقد تكلم فيه ابن علية فقال: كأن كل من كان اسمه عاصماً سيئ الحفظ. قال الشيخ أحمد شاكر : وهذا أكثر ما قيل فيه من الجرح، أفمثل هذا يترك حديثه ويجعل سبيلاً لإنكار شيء ثبت بالسنة الصحيحة من طرق متعددة من حديث كثير من الصحابة حتى لا يكاد يشك في صحته أحد؛ لما في رواته من عدل، وصدق لهجته، ولارتفاع احتمال الخطأ ممن كان في حفظه شيء فيما ثبت عن غيره ممن هو مثله في العدل والصدق، وقد يكون أحفظ منه؟ ما هكذا تعلل الأحاديث! انتهى. سادساً: وقال أبو داود في سننه: حدثنا سهل بن يزيع حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف؛ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين). قال ابن القيم في المنار المنيف: رواه أبو داود بإسناد جيد، وأورده البغوي في مصابيح السنة في فصل الحسان، وقال الألباني في تخريج أحاديث المشكاة: وإسناده حسن، ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير. سابعاً: قال ابن ماجة في سننه: حدثنا محمد بن يحيى و أحمد بن يوسف قالا: حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم)، ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال: (فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج؛ فإنه خليفة الله المهدي). قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على سنن ابن ماجة : في الزوائد -يعني: زوائد ابن ماجة للبوصيري - هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين. انتهى. وقد أورد هذا الحديث بسنده الحافظ ابن كثير في كتاب الفتن والملاحم وقال: هذا إسناد قوي صحيح، ثم أورد حديثاً عن الترمذي فيه ذكر الرايات السود أيضاً، ثم قال: وهذه الرايات ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلم بها دولة بني أمية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه. انتهى.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |