الدورة التاريخية / الهجوم على الإسلام بقلم د. اكرم حجازي - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 585 - عددالزوار : 333964 )           »          اكتشف الأسباب الخفية وراء انتفاخ البطن! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الكافيين: فوائده، أضراره، والكمية الآمنة للاستهلاك يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          التعايش مع اضطراب ثنائي القطب: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          7 أطعمة تقوي العظام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          نصائح بعد خرم الأذن: دليلك الشامل للتعافي بسرعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          ما هي فوائد التبرع بالدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          متى يكون فقدان الوزن خطير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          7أفكار لوجبات خفيفة للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أضرار مشروبات الطاقة: حقائق صادمة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > الحدث واخبار المسلمين في العالم
التسجيل التعليمـــات التقويم

الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 15-08-2010, 10:01 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,868
افتراضي رد: الدورة التاريخية / الهجوم على الإسلام بقلم د. اكرم حجازي


بارك الله فيك اخي ابو الشيماء
  #42  
قديم 06-09-2010, 08:06 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,868
افتراضي رد: الدورة التاريخية / الهجوم على الإسلام بقلم د. اكرم حجازي

الدورة التاريخية


واجهات المسألة الصومالية


(5
)



د. أكرم حجازي

17/8/2010






ما بين تجربة المحاكم والقوى الجهادية المنبثقة عنها ثمة أحداث عظيمة تجتاح الصومال وأخرى قادمة لا محالة. والثابت، حتى الآن، أن القوى الجهادية تتقدم على حساب كل القوى الصومالية والأجنبية في البلاد. ومع ذلك فلا الحكومة انهارت ولا القوات الأفريقية « الأميصوم» انسحبت ولا قامت الدولة الإسلامية ولا تَقاتَل المجاهدون فيما بينهم كما توقع الكثير من المراقبين الصوماليين وغيرهم. فمن هي القوى الفاعلة؟ وما هي نواظم العلاقات التي تحكم فعالياتها؟

خلافا لما هو شائع فالساحة الصومالية ليست سهلة المنال لهذا الطرف أو ذاك. فالمشكلة واقعة في صميم التكوين الاجتماعي والبنية الذهنية والمعرفية وحتى التعليمية الراهنة، فضلا عن الفقر التاريخي في الرصيد السياسي والحضاري للمجتمع الصومالي. بمعنى آخر المشكلة هي مشكلة مرجعيات. وكل ما يجري حاليا هو صراع طاحن على السيادة بين مرجعيتين هما القبيلة والإسلام. وإذا ما أمكن تفكيك هذه الثنائية، ولو بالحد الأدنى، فسيكون من السهل امتلاك مفاتيح المراقبة للمسألة الصومالية لاحقا.


أولا: القبيلة والدولة



يرى أغلب الصوماليين أن القبيلة هي:

1) الناظم الحاسم في صياغة العلاقة بين مختلف التشكيلات السياسية والاجتماعية في البلاد؛
2) كما أنها مصدرا للتدخلات الخارجية والإقليمية؛
3) وكثير منها تقدم مصالحها على كل مصلحة غير آبهة بأية محرمات حتى لو كان بالتحالف مع القوى الخارجية بما فيها أثيوبيا المكروهة من الصوماليين فردا فردا حتى من ألدّ خصوم المجاهدين .

لذا فإن كانت المسألة الصومالية ستظل عصية على الحل إلى أن تنضج القوى السياسية والاجتماعية بصورة تمكنها من صياغة مستقبل البلاد بعيدا عن سطوة القبيلة والمخاطر التي تخلفها؛ فإن مثل هذه الأطروحة تعني أن القبيلة ستظل هي المرجعية التي لا تعلوها أية مرجعية لكافة القوى حتى لو كان الإسلام الذي يجري توظيفه من قبل القبيلة في خدمة سلطتها ونفوذها وامتيازاتها وحتى صراعاتها. مشكلة هذه الأطروحة أنها تجد لها صدى في المجتمع الصومالي الذي تستوطن فيه الأمية بنسبة تفوق الـ 83%! وإذا صحت هذه النسبة، وهي كذلك على الأرجح، فهذا يعني أن كافة القوى الحية في المجتمع والدولة محصورة فيما تبقى من الدائرة المئوية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة محدودة جدا من الـ 17% يمكن أن تكون في دائرة الفعل.

في 26/6/1960 أُعلن استقلال شمال الصومال رسميا عن بريطانيا، وبعد خمسة أيام (1/7/1960) استقل جنوب الصومال عن إيطاليا. وفي 21 /10/1969 قاد اللواء محمد سياد برى انقلابا على الحكم المدني ليصبح الرئيس الثالث للبلاد بعد الاستقلال. وقد امتد حكمه العسكري إلى سنة 1991 إثر انقلاب عسكري قبلي نفذته مجموعة من كبار قادة الجيش على رأسهم اللواء محمد فارح عيديد بدعم من القبائل التي كانت تعلم علم اليقين علاقة المعارضة بالأثيوبيين.

من الواضح أن عمر الدولة الصومالية الحديثة بكل أشكال الحكم التي تداولت عليها لا يتجاوز ثلاثين عاما فقط، منها 21 عاما من الحكم العسكري. أما على المستوى الإسلامي والتاريخي فلم تكن الصومال واقعة في المدى الحيوي للحكم الإسلامي على امتداد القرون الماضية. كل هذا يعني أن الصومال، وإنْ كان بلدا مسلما متجانس المذهب ( الشافعي)، وشعب محب لدينه وفخور بانتمائه إليه إلا أنه يفتقد لأي رصيد حضاري أو سياسي سواء على المستوى الإسلامي أو الوطني، وتبعا لذلك فهو يفتقد لأية تجارب حكم كافية لبلورة ذهنية وطنية أو إسلامية أو، بالمحصلة، معرفية تمكِّن من الاسترشاد بها في مواجهة الأزمات. مع ذلك لا بد من التمهل في إعطاء أحكام قاطعة في هذا المجال، ولو أن ما أشرنا إليه هو الصورة الغالبة والأكثر شيوعا بين الصوماليين عن حقيقة هذا البلد تاريخيا.

هكذا إذن! ظلت القبيلة بمثابة المرجعية الأولى، ماضيا وحاضرا، في الفهم والتفسير والسلوك والتوجيه والاختيار لدى الغالبية الساحقة من المجتمع الصومالي بما فيه النخب السياسية والإسلامية. وإذا قمنا بعملية فحص لملامح الأزمة الصومالية، فيما بعد مرحلة الاستعمار المباشر، فلن نعجب كثيرا إذا ما تبين لنا أن الرئيس الصومالي محمد سياد بري اصطفى من قبيلته ومقربيه من يساعده في الحكم وإدارة الدولة رغم أنه ألقى في البلاد في أحضان الفكر الشيوعي الذي لا يعترف بالقبيلة ولا بأية منظومة فكرية أو اجتماعية إلا منظومته القائمة على التفسير المادي للتاريخ الذي يصنعه، بحسب الماركسية، الصراع الطبقي، القوة المحركة للتاريخ.

في الفترة ما بين انهيار نظام حكم الجنرال سياد بري ومجيء المحاكم الإسلامية (1991 – 2006)، ظهر في الصومال 20 فصيلا قبليا مسلحا تَزَعمها من اشتهروا بأمراء الحرب الصومالية. وتلقوا دعما من أحط العناصر القبلية وأكثرها فسادا وإفسادا ودموية، بدء من القتلة وانتهاء بقطاع الطرق. واحتكم كل واحد من هؤلاء على مساحة اجتماعية وجغرافية عاثت في الصومال فسادا وإجراما لم تعثه أية قوة أجنبية غزت البلاد. ولا عجب أيضا أن يتلقى هؤلاء جميعا تسليحا من أثيوبيا يمنع انتصار أحدها على الآخر بحيث تبقى وضعية الصومال ممزقة بصفة دائمة ... بلد ضعيف .. عاجز .. ومجتمع مفكك ومتصارع قبليا. وهي الحالة النموذجية التي تحبذ أثيوبيا رؤية الصومال فيها، وسط مجاعة وموت أفزع العالم في تسعينات القرن العشرين. فالخيار الأثيوبي واقع بين الإمبراطورية الأثيوبية أو الصومال الكبير.

في 31/1/2009 انتخب البرلمان الصومالي المكون من 550 نائبا الزعيم السابق للمحاكم الإسلامية شيخ شريف أحمد رئيسا للصومال في جيبوتي بأغلبية 280 صوتا مقابل 120 صوتا لمنافسه ابن الرئيس المخلوع محمد سياد بري! وجرت عملية الانتخاب والتنصيب برعاية أمريكية وأثيوبية ودولية. وبدا أن الرجل يتمتع بشعبية. والحقيقة أن البرلمان الصومالي جرى تشكيله على أساس المحاصصة القبلية والعشائرية. فضلا عن أن عددا لا بأس به من النواب هم أصلا من أمراء الحرب السابقين، وحتى الحكومة المشكلة برئاسة شرماركي كانت القبيلة تهيمن على تشكيلتها وهويتها.


ثانيا: القوى الإسلامية




لم تكن القوى الإسلامية بأحسن حال من الدولة أو زعماء الحرب أنفسهم، الذين تسلطوا على المجتمع وأطلال الدولة، فهم أيضا قبليو التفكير في سعيهم إلى جني المكاسب وتحقيق المصالح، كلٌّ وفق رؤيته واحتياجاته. وفي المحصلة فشل الصومال في استعادة ذاته كدولة مثلما فشل في لملمة انقساماته كمجتمع على وقع الانقسام القبلي والعشائري بمختلف صنوفه وتحالفاته.

مشكلة القوى الإسلامية في الصومال أنها «غير ناضجة ولا راشدة»، وهي أقرب إلى القبيلة من قربها إلى الإسلام. وأعجب ما فيها أنها تمثل انعكاسا لكافة أطياف الصحوة القادمة من مصر السبعينات وجوارها، وكذلك من الجزيرة العربية رغم العداء التاريخي بين الصوفية مثلا والوهابية. فالإخوان موجودون بشقيهم المحلي والدولي، والسلفيون موجودون بكافة أطيافهم، والصوفية موجودة بطرقها المتصارعة والترابية ( نسبة إلى د. حسن الترابي في السودان) موجودة بانفتاحها وتخبطها. لكنها جماعات ظلت منذ ولادتها ذات امتداد قبلي قابل للتشظي والانقسام على الدوام. أما لماذا؟ فلأنها (1) ضعيفة التكوين وعديمة الخبرة، و (2) لأنها مرتبطة خارجيا بأصول تكونها وتلقيها، و (3) لأنها ليس لها أية تطلعات سياسية فضلا عن أن (4) بعضها لا يعمل بالسياسة أصلا. فما أن انهار الحكم في الصومال حتى صدمتها التجربة وعاجلها الفشل وبدأت تبحث عن منقذ. وبدلا من أن تتعظ من الفشل والقصور انقسمت مجددا ورحب بعضها، علنا وضمنا، بالتدخل الأثيوبي.

فالطيف الإخواني الذي ملأ فراغا كبيرا في التعليم والإغاثة بعد انهيار نظام الرئيس سياد بري انقسم على نفسه في أكثر من مناسبة أبرزها امتناعه عن المشاركة في المحاكم الإسلامية بزعامة شيخ شريف سنة 2006، ثم انقسم ثانية إبان الغزو الأثيوبي للبلاد ابتداء من 24 ديسمبر سنة 2006.

أما الجماعات السلفية فثمة طعون من كتاب وباحثين صوماليين في الأصول العلمية الأولى لبعض المشايخ. إذ ثمة من يؤكد بأن عددا لا بأس به من الطلبة لم يتتلمذوا على يد كبار مشايخ الجزيرة أو مشاهيرها بحيث يتحصلوا على علم شرعي متين. بل أن بعض طلبة العلم الشرعي حصلوا من مشايخهم على تزكيات للدراسة وهم لم يتجاوزوا مراحل التعليم الأساسية، أو أنهم حصلوا على شهادات ثانوية مزورة ممن زكوهم ليضطروا بعد عودتهم إلى إعلان الحرب عليهم جزاء ما فعلوه بهم من خداع لا يقبله الشرع. وثمة طعون أخرى تكشف عن أطياف سلفية ذات أطروحة عجيبة أسوأ من أطروحة الجامية كتلك التي تبالغ بوجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه بينما لا يتواجد هذا الولي إلا في صيغة أمراء الحرب الذين تقاسموا البلاد والعباد بعد انهيار النظام والدولة.

وبالنسبة لسليلي النهج « الترابي» القادمين من السودان فيعلق أحد الكتاب على مقالة لكاتب صومالي، مذكرا بالدور السلبي لهم، وساخرا بالقول أنه: « كان من أكبر إنجازاتهم، إسبال السراويل وحلق اللحى أو قصرها، وإباحة مصافحة النساء والغناء والاختلاط، والازدحام على أبواب السينما لمشاهدة مباراة كرة القدم، ... والتغني بحرية المرأة ...، وتشجيع المسلمات الملتزمات على طرح النقاب وتمييع الحجاب، يا لها من خدمات جليلة»!

حتى المحاكم الإسلامية التي تأسست أولاها ابتداء من سنة 1994 في العاصمة مقديشو لم تكن بعيدة عن القبلية؛ إنْ لم يكن في البدايات فعلى الأقل في خضم تطور التجربة التي تجلت باتحاد 17 محكمة إسلامية سنة 2006 شكلتها القبائل لمطاردة المجرمين وقطاع الطرق إلى أن ذاع صيتها وصارت نموذجا يحتذى لضبط الأمن ورد المظالم وكفالة الفقراء وإغاثة المنكوبين. أما كيف حققت نجاحا مفاجئا وساحقا باعتمادها الأحكام الشرعية مرجعية لها فلعل بعض الأسباب التالية تفسر ذلك إلى حد ما:

• لأنها حظيت بمشروعية اجتماعية وفرتها لها قبائل الهوية التي رفعت الغطاء القبلي عن أمراء الحرب ومنحته للمحاكم.
• لأن القوى الإسلامية بقيادة حركة الشباب، التي لم تكن قد ظهرت بعد، وكذا الشيخان حسن تركي وحسن طاهر أويس وغيرهم وفروا لها غطاء من القوة المسلحة، وهي ذات القوى التي فرضت على المحاكم التحاكم إلى الشريعة مستفيدة من غياب أية مرجعية للحكم.
• التأييد الشعبي الساحق للمحاكم في ضبط الأمن. وهذا معطى بالغ الأهمية كونه مؤشر غير مسبوق على تراجع دور القبيلة كملاذ يوفر الأمن والحماية للأفراد.

لكن ما أن انهارت المحاكم مع التدخل الأثيوبي حتى تفككت، وعاد بعض أفرادها إلى قبائلهم فيما بحث قسم آخر عن انتماءات جديدة لهم في إطار التحالف من أجل تحرير الصومال الذي انقسم هو الآخر إلى جناحي « أسمرة » بقيادة حسن طاهر أويس و « جيبوتي» بقيادة شيخ شريف. أما حركة الشباب المجاهدين الذراع العسكري الأساسي والأقوى في المحاكم فقد استقل وحده مبتعدا عن أية تشكيلات سياسية وطنية أو علمانية.

بالنسبة لعلماء الصومال فأغلبهم يقيم في الجوار والدول العربية وحتى في أوروبا. ولئن شكا الصوماليون من غيابهم طوال فترة الأزمة فإن من بقي منهم في الداخل خاصة في إطار جماعة «الاعتصام» فقد نأى بنفسه عن الأزمة منذ اندلاعها، أو على الأقل لم يكن فاعلا إلا في إطار الانقسام الخلوي. فـ «الاعتصام» خرجت من رحم « الاتحاد الإسلامي» مبكرا جدا، ثم ما لبثت أن اتخذت قرارا بوقف العمل المسلح تماما ابتداء من سنة 1996. ولعل الجماعة ظلت أقرب إلى الحكومات الصومالية المتعاقبة من قربها لأي حركة تغيير سلمية أو مسلحة، مما تسبب بخروج عدة أجنحة منها رفضت إلقاء السلاح أو أنها اختلفت مع قيادة الجماعة على مسألة الجهاد والمقاومة.

وهكذا ظلت مواقف «الاعتصام» من الاحتلال الأثيوبي والجماعات الجهادية طي الصمت إلى أن أكملت أثيوبيا انسحابها من الصومال في 15/1/2009. وبعدها سارع حشد من علماء الصومال في الداخل والخارج، بقيادة «الاعتصام» ، إلى تنظيم مؤتمر في أواخر شهر شباط / فبراير شارك فيه كل من:

• الشيخ بشير أحمد صلاد، رئيس « جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة » ورئيس « لجنة العلماء»؛
• الشيخ نور بارود غرحن، الناطق باسم اللجنة؛
• الشيخ عبد الرحمن أحمد محمد، رئيس « حركة التجمع الإسلامي » الإخوانية المحلية؛ وهو حصيلة تجمع أسسه الشيخ محمد معلم في أواخر التسعينات باسم « تجمع العلماء » ثم تَسَمى باسم « مجمع علماء الصومال » سنة 2000 برئاسة الشيخ أحمد طِعِسو.
• الشيخ عثمان إبراهيم أحمد، وهو الذي أصدر بيانا بعزل القيادة القديمة لحركة الإصلاح الإخوانية احتجاجا على تواطئها مع حكومة عبد الله يوسف ورفضها إدانة الغزو الأثيوبي، إلا أن الجماعة الأم في مصر تنصلت من الاعتراف بالقيادة الجديدة؛
• الدكتور أحمد طاهر أويس، داعية صومالي مشهور؛
• الشيخ عبد القادر نور فارح « جعمي»، عالم دِين وداعية من « بونت لاند»؛
• الشيخ علي ورسمة، داعية من « بُرعو»؛
• الشيخ جامع عبد السلام؛
• الشيخ الدكتور يوسف محمد علمي؛
• الشيخ عبد الله شيخ نور؛
• الشيخ حسن أحمد محمود « حسن طيري»؛
• الشيخ محمود أبو شيبة؛
• الشيخ محمد محمد باكستاني؛
• الشيخ عبد الرزاق آدم، والشيخ عمر حسن نوح؛
• الشيخ يوسف عبد الغني حوبلي؛
• الشيخ عبد الناصر حاج أحمد؛
• الشيخ أحمد محمد سليمان؛
• الشيخ عبد الرحمن يوسف عبد « جرني»؛
• الشيخ حسن غاب، وغيرهم من العلماء ؛

كما جاء من خارج الصومال كل من:

• الدكتور شريف عثمان أحمد، مقيم السعودية؛
• الداعية الكيني الصومالي الأصل الشيخ محمد عبد أمل.

وبعد أسبوع من المناقشات أصدرت المؤتمرون بيانا تضمن الإعلان عن ميلاد « هيئة علماء المسلمين» بقيادة الشيخ بشير أحمد صلاد. وطالب البيان الرئيس شيخ شريف والحكومة الصومالية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الشريعة في غضون تسعين يوما تبدأ من 1/3/2009، والعمل على إخراج القوات الأفريقية في مدة أقصاها 120 يوما. كما طالب كافة القوى بعدم اتخاذ أي إجراء منفرد إلا بالعودة إلى العلماء. وفي المحصلة كان من الممكن قبول بيان العلماء لولا أن كافة القوى الجهادية وغيرها رأت في ميلاد الهيئة وتركيبتها ورئاستها وبيانها تشريعا للرئيس الجديد وحكومته. كما أن الهيئة ليست من القوة بحيث تلزم الحكومة فعليا بتطبيق شريعة توافق هوىً لدى أثيوبيا والقوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وليست من القوة بحيث تلزم الحكومة بطرد القوات الأفريقية من البلاد. زد على ذلك أن البرلمان الصومالي المطالب باتخاذ قرار بتطبيق الشريعة هو برلمان قبلي يضم في ثناياه علمانيين وأمراء حرب. أما «الاعتصام»، ذات المنحى السلمي في بنيتها الفكرية والدعوية والسياسية، فإن تاريخها لا يؤهلها البتة لقيادة مرحلة ما بعد الاحتلال الأثيوبي خاصة وأنها فشلت في قيادة أية مرحلة سابقة. فكيف يمكن الثقة بالهيئة أو برئيسها أو ببيانها؟ وكيف يمكن لها أن تنجح في المصالحة وتوحيد البلد وهي التي عانت من الانشقاقات الداخلية أكثر من أية جماعة أخرى؟


ثالثا: أهل السنة والجماعة




قبل أن تفكر الصوفية في الخروج من معازلها التقليدية فقد حاولت بعض القوى الصومالية إخراجها منها في وقت مبكر، واستمالتها لتوظيفها في الصراعات الدموية نظرا لما تمثله من ثقل اجتماعي يحسب حسابه. فالصوفية تنتشر في المجتمع الصومالي قبل أن تتأسس الدولة الصومالية، وقبل أن يظهر فيها أي نظام حكم. ومن الطبيعي ألا يمسها السوء طالما أنها لا تقترب من السياسة ولا من المقاومة. مع الأخذ بعين الاعتبار حالات التمرد لبعض المشايخ المنتمين إليها، وشروعهم في مقاومة القوى الاستعمارية. لذا فقد ظلت الصوفية أميل إلى الانعزال وأبعد ما تكون عن الإسلام الحركي إلى ما بعد الانسحاب الأثيوبي حيث تغير كل شيء. وإذا تأملنا قليلا في تحول الصوفية نحو الإسلامي الحركي الذي ينافس بعضه وغيره ويخوض معارك باردة وساخنة دفاعا عن أطروحاته؛ فيمكن القول أن الصوفية ما كان لها أن تخرج من عزلتها إلا في ضوء:

• شعورها بالخطر إزاء انتشار القوى السلفية على اختلاف أطيافها في المجتمع الصومالي، ومزاحمة كافة القوى الإسلامية، خاصة فيما تقدمه من عقيدة تحارب البدع والخرافات وتبحث عن الدليل وتتمسك به. وهذا تَسَبب بانتشار بعض الوعي في الإسلام وأحكامه بعيدا عن الأطروحات الأسطورية للصوفية.

• العداء التقليدي بين الصوفية والوهابية. فالصوفيون الصوماليون، كغيرهم، كانوا يوصون أتباعهم لدى سفرهم إلى السعودية طلبا للعلم الشرعي الابتعاد عن الوهابية ومشايخها ومذهبها التاريخي ممثلا بالإمام أحمد بن حنبل وتلاميذه خاصة شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية.

• حملة القوى الجهادية لاسيما حركة الشباب المجاهدين على كل مظاهر الشرك التي تؤمن بها الصوفية وأتباعها خاصة فيما يتعلق بهدم المزارات ونبش القبور والأضرحة ودفن رفاتها في أكثر من مكان بحيث لا يعاد بناؤها مجددا. ولا ريب أن مثل هذا السلوك أثار حفيظة مشايخ الصوفية في أرجاء الصومال، وعرّى معتقداتهم خاصة فيما يتعلق بمشايخهم الذين قدموهم للأتباع على أنهم من أهل العرفان وأصحاب الكرامات والوسطاء بين الله والأتباع سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فإذا بهم لا يستطيعون الدفاع عن رفاتهم! وأخطر ما في هدم الأضرحة أنه سلوك سيدفع العامة من الناس والأتباع إلى المقارنة بين ما تلقوه من تعاليم ومعتقدات وما تراه أعينهم.

أعجب ما في الجماعة أنها لم تكن هي من اختار اسمها، لكن ظهورها بهذا الاسم « أهل السنة والجماعة» لم يكن صدفة ولا هوى، بل فيه خداع كبير للعامة لتزكية الذات والالتفاف على سيل الاتهامات الملازمة لها تاريخيا في صناعة المعتقدات الشركية والعمل بها وتقديسها. فالصوفية وفقا للصيغ البدعية الغالبة عليها كتعظيم القبور والأضرحة والأولياء والرقص والطبل والطرب والشعوذات السلوكية عبر تثقيب الأجساد بالقضبان الحديدية والأسياخ المعدة خصيصا للغرض، والمشي على الجمر والكرامات والمعجزات والخوارق التي يزعم مشايخها أنهم يتمتعون بها فضلا عن الاتصال بالأنبياء والله عز وجل والتوسط لهذا وذاك لا يمكن أن تكون من معتقدات أهل السنة والجماعة بقدر ما هي معتقدات بدعية صاغها المعتقدون بها والمدافعون عنها والمروجون لها. ولأن طرقها شائعة في الصومال وسط مجتمع تسوده الأمية من كل جانب فقد وجدت لها رواجا واسعا.

بحسب أحد الكتاب الصوماليين فقد ظهرت التسمية « أهل السنة والجماعة» عبر إذاعة محلية في العاصمة مقديشو افتتحها الجنرال محمد فارح عديد في أوائل تسعينات القرن الماضي. وبدأت تبث على الهواء أناشيد وأوراد طرقية، في محاولة منه لاستمالة الصوفية كواجهة دينية يستخدمها لإضفاء الشرعية على أعماله الإجرامية من جهة وضربهم بالحركة السلفية التي قاتلته في ضواحي مدينة كسمايو من جهة أخرى. وفي منتصف التسعينيات عادت التسمية للظهور في العاصمة عبر تجمع محدود النشاط على ذمة الشيخ عبد الرزاق أحد علماء الطريقة القادرية الصوفية، رفقة مدرسة ثانوية سميت بـ « مدرسة المأمون». لكن الظهور الأقوى والمسلح كان في أواخر العام 2008 في المناطق الوسطى، حين اصطدمت مع القوى الجهادية على خلفية التعرض لمقابر بعض أقطاب علماء الصوفية وهدم مزاراتهم في أكثر من مكان، وحظر المناسبات الدينية، ناهيك عن تهديد التجمعات الصوفية في مدن وقرى الجنوب.

لكن إذا كان سبب اصطدام الجماعة بالقوى الجهادية هو هدم الأضرحة وغيرها في مناطق متفرقة من الجنوب خاصة في إقليم شبيلي الأوسط حيث مدن « كسمايو وبارطيرى وبيولي»، موطن أهم المزارات والمقامات والأضرحة التاريخية لرموز الصوفية، فإن أول ظهور مسلح للجماعة لم يكن في هذه المناطق بل في المناطق الوسطى التي لم تتعرض لما بات يعرف، لاحقا، بـ « حملة فأس الخليل»، كونها معاقل نفوذ تاريخي للصوفية لم تنل منها القوى السلفية مثلما نالت من مناطق الجنوب وقراه.

وفي حربها ضد القوى الجهادية تمركزت الجماعة في « غوريعيل وطوسمريب»، وتلقت تعزيزات من معاقلها في «غالكعيو وعابدواق وحرالي ومتبان وعدادو وعيل دير»، بالإضافة إلى مناطق الأطراف مثل «غلغدود» أو تلك المحاذية لإثيوبيا مثل مناطق « بكول - غدو» حيث يمكن الحصول على الدعم والمساندة بعكس صوفية الجنوب والساحل الواقعة تحت مطرقة القوى الجهادية بلا أي دعم أو مساندة. وقد أثار ظهور الجماعة المفاجئ والسريع، وتقدمها العسكري في عدة مناطق، وخوضها معارك طاحنة ضد حركة الشباب المجاهدين اهتماما إعلاميا واسع النطاق، وتسبب بإثارة الكثير من التساؤلات حول مصدر تمويلها وتسليحها وقدرتها على الاستمرار.

ولم يطل الوقت حتى تحدثت تقارير كثيرة عن تلقي الجماعة لدعم إقليمي من أثيوبيا وكينيا وأوغندا. كما أنها على علاقة وثيقة مع حكومة الرئيس شيخ شريف سواء لجهة ما يجمعها معه من هدف مشترك في محاربة خصومه خاصة من القوى الجهادية، أو لكونه سليل عائلة صوفية شهيرة تتبع الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي، أو ما يعرف بالطريقة الإدريسية.

لكن تَقَصِّي نمو الجماعة وتحالفاتها المحلية والكشف عنها، من شأنه أن يلحق بها ضررا شرعيا بالغا داخل البلاد وخارجها، ويجردها أخلاقيا بحيث لا يبقي لها ما يكفي حتى لستر العورة. فالجماعة غدت حاضنة لكل من عارض القوى الجهادية ورغب في قتالها. ولا ضير إن كان بعض الحلفاء الجدد للجماعة من الجنرالات المتقاعدين وأمراء الحرب السابقين كبري هيرالي الذي هزمته حركة الشباب في مدينة كيسمايو وعبد وال، أو من القادة العسكريين في الحكومة مثل صلاد حريد الذي انضم مع آلياته وأسلحته للجماعة في 12/12/2009 بعد هزيمته في مدينة بلدوين عاصمة إقليم هيران أمام الحزب الإسلامي في تشرين أول / أكتوبر 2009، أو مثل عبد الرحمن معو الذي انضم إلى الحزب الإسلامي بعد انشقاقه عن الحكومة الصومالية لينضم مؤخراً إلى الجماعة، وكذلك يوسف سياد انطعدي أحد أقطاب الحزب الإسلامي قبل انشقاقه عنه في شباط / فبراير سنة 2009 والتحاقه بحكومة الرئيس شيخ شريف وتوليه وزارة الدفاع. والذي شارك إلى جانب الجماعة في المعارك التي دارت في المناطق الوسطى، وتعرض فيها مع الجماعة لهزيمة على يد القوى الجهادية، علما أنه ينحدر من نفس المنطقة ويتلقى من قبائلها ما يحتاجه من دعم. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الصبغة القبلية للمجتمع الصومالي فمن الطبيعي أن تحظى الجماعة بدعم من القبائل المناوئة للقوى الجهادية إما بسبب هزيمة مسلحيها وبعض قياداتها أو بسبب انتماءاتها الصوفية أو بسبب كونها خصيمة تاريخية لما تصفه بالإسلام الوهابي، أو بسبب أحقاد وثارات بين القبائل ورغبات في الانتقام ليس إلا.

هذا المحتوى المسلح والهجين للجماعة شجع بعض الآراء الصومالية على وصفها بالقول:
« - " أهل السنة والجماعة " ليست حركة إسلامية بمفهومها المعهود، بل هي ثورة وتمرّد وعصيان على السلفية الجهادية عامة وعلى حركة الشباب المجاهدين خاصة، وهذا الباب قد فُتح وكل خصم ينتظر الفرصة.
- يقود هذه الثورة كل مناوئ لحركة الشباب وحلفائها سواء كانوا زعماء حرب أو قبليين أو صوفيين أو إخوانيين في الحكومة أو زعماء قبائل ».

يبقى القول بأن المصادر الصومالية لا ترى في الصوفية تماسكا سياسيا فيما بينها حتى لو اختلفت جميعها مع القوى السلفية والجهادية، بل أن بعض الطرق على عداء شديد فيما بينها كالعداء التاريخي بين الطريقة « القادرية» والطريقة « الصالحية». ولا ريب أن مصدر التباين يرجع إلى اختلاف في الطرق والمناهج. وتبعا لذلك يمكن ملاحظة خلافات منهجية شديدة بين الطريقة « الزيلعية » التي ينتمي إليها صوفية المناطق الوسطى الذين يعرفون داخليا بـ « السمنترية»، وهي جماعة متشددة تقول بعض المصادر الصومالية أنها تتبنى تكفير مخالفيها، والطريقة « الأويسية» التي ينتمي إليها العديد من الطرق الجنوبية، وهي التي عقدت مؤتمرها العام تحت رعاية حكومة الرئيس شيخ شريف أحمد، وجددت فيه البيعة للشيخ شريف شيخ محيي الدين رئيسا للجناح غير المسلح لـ « أهل السنة والجماعة»، وهو الذي أعلن تأييده للحكومة الانتقالية فور انتخابه. والغريب أن الشيخ نفسه، بحسب ذات المصادر الصومالية، يرى أن العداء لحركة الشباب لا يبرر التحالف مع أديس أبابا. وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه مشايخ آخرين في الجماعة ممن يرفضون مبدأ الاستقواء بالقوات الأجنبية لاسيما إثيوبيا كالشيخ عبد الله صومو، والشيخ عثمان حدغ.

أما عن حقيقة مواقفها من الحكومة، قبل وبعد مشاركتها الأخيرة وتوليها خمسة وزارات؛ وفي حكومة أثيوبية النفوذ والولاء، فالصوفية واقعة بين الحذر والاندفاع. فثمة أجنحة تكتفي بالقول أنها ستتوقف عن القتال إذا توقفت القوى الجهادية عن المساس بمزاراتها وأضرحتها. وهناك أجنحة أخرى أعلنت استعدادها لبناء تحالف استراتيجي مع الحكومة للقضاء على من تعتبرهم قوى « تكفيرية». لكن ثمة أجنحة لا تثق كثيرا في السلطة أو التحالف معها. وفي السياق لا يخفى أن بعض التصريحات ذهبت إلى حد التحذير من خطر الولوغ عميقا في علاقات مع الحكومة قد لا تحمد عقباها خاصة فيما يتعلق بمصداقية الجماعة وشعبيتها أو بسبب عدم الثقة بمواقف الأطراف التي غالبا ما تحركها القبائل والمصالح والمغانم. فقد أعاقت الخلافات القبلية بين الصوفية انتخاب شخصية مشهودة لتوحيد طرقها تحت مشيخة واحدة. وهو ما حصل في مؤتمر مدينة «عابدواق – 16/12/2009» الواقعة في إقليم جلجدود، حين نجحت القبائل المتنفذة في استبعاد الشيخ النافذ دوليا محمود معلم حسن من رئاسة « أهل السنة والجماعة – جناح الزيلعية» المتشدد واستبدلته بالشيخ عمر محمد فارح لحسابات قبلية صرفة لا علاقة لها بالكفاءة ولا بالسياسية.


رابعا: القوى الجهادية



• المجتمع والشريعة والدولة

الحقيقة التي ينبغي التوقف عندها هي أن تيارات الصحوة الإسلامية بمختلف تشكيلاتها قد وطّنت للحضور الإسلامي الحركي في البلاد على الأقل ابتداء من سبعينات القرن العشرين. وأوجدت ثقافة إسلامية بين مختلف التشكيلات الاجتماعية سواء على مستوى القواعد أو على مستوى النخب. ونجحت فعلا في الترويج لفكرة تطبيق الشريعة حتى صارت مطلبا تتفق عليه القبيلة والقوى الإسلامية التقليدية والجهادية وحتى شيخ شريف والولايات المتحدة وأثيوبيا! وهذا يعني أنه لا مناص ولا فكاك من تطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية في الصومال عاجلا أو آجلا. وبلسان أحد الكتاب الصوماليين فإن: « الحركات الإسلامية حاليا هي المسيطرة على جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية، بل تجاوزت الخطوط الحمراء لتكون القوة العسكرية الحقيقية في البلاد، فالأحزاب السياسية الأخرى المحسوبة على العلمانية أو القبلية خرجت عن الساحة، كما أن الأفكار غير الإسلامية لا تجد رواجا عند غالبية الشعب الصومالي».

لكن (1) الأمية الساحقة التي تميز المجتمع الصومالي، و (2) غياب الرصيد الحضاري والإسلامي والتاريخي الذي أشرنا إليه، و (3) طغيان الحضور القبلي المحمل بقيم العصبية التقليدية كالغزو والغنائم والنفوذ وحب السلطة والقيادة وإخضاع الغير .. كلها وغيرها غدت معايير ترجح الشك على الثقة لدى القوى الجهادية والحليفة لها، حتى لو صدقت الدعوات التي تطالب بتطبيق الشريعة. فالأمريكيون والأثيوبيون والحكومة وحلفاؤهم يراهنون على مثل هذه المعايير في إسقاط مطلب تطبيق الشريعة أو إقامة الدولة الإسلامية. وهذا يعني، مبدئيا، أن المجتمع الصومالي يتعرض لحملة خداع دولية تنفذها أدوات محلية إقليمية متعددة؛ ليست القوى الجهادية بغافلة عنها، وإلا ما كانت هذه القوى المخادعة لتسقط المحاكم الإسلامية وهي تقيم الشرع وتحفظ الأمن وتطارد المجرمين وأمراء الحرب دون أن تهدد أحدا في الجوار أو في العالم.

وما أن مرت بضعة أسابيع أو شهور؛ حتى سقطت أطروحة الحكومة المؤيدة لتطبيق الشريعة سقوطا ذريعا، وسقطت معها مهلة هيئة علماء المسلمين للحكومة التي غدت تطالب علنا بزيادة القوات الأفريقية ومنحها صلاحيات أوسع من ذي قبل، وانكشفت تحالفات الحكومة وهي تنسق مع أثيوبيا والأمريكيين، وتجتمع بهم في أماكن شتى، وتطالبهم بالدعم والمساندة والتدخل الدولي وخاصة الأمريكي لإنقاذ الصومال ممن باتت تصفهم الحكومة صراحة بأنهم « متطرفين» أو « إرهابيين» دوليين. وبالتوازي مع هذا السقوط كانت التركيبة المحلية للحكومة ومؤسساتها تتكشف هي الأخرى تباعا من حيث أصولها القبلية أو تحالفاتها مع القوى الأجنبية أو قواعدها الشرطية والأمنية التي لا تختلف كثيرا عن ميليشيات أمراء الحروب في قطع الطرق وابتزاز العامة والاعتداء على الممتلكات الشخصية. لكن إذا وضعنا في الاعتبار التوصيفات السابقة لمنظومات القوى، وشدة تعقيدات المسألة الصومالية، والعقبات الكبرى التي تقف بوجه القوى الجهادية؛ فالسؤال: كيف نجحت هذه القوى في توسيع نفوذها ومحاصرة الخصوم إلى الحد الذي صار فيه حلم الدولة الإسلامية على مقربة من أبواب القصر الجمهوري وثكنات القوات الأفريقية؟

• الأداء المدني لحركة الشباب المجاهدين

قلنا أن الصومال ليس لديه رصيد حضاري إسلامي ولا خبرة سياسية ولا دولة حديثة ذات امتداد تاريخي يمكن أن تساعد الصوماليين في استحضار ما لديهم من خبرات وتراكمات معرفية لإطفاء لهيب الأزمة. ولا شك أن هذين المعطيين مثّلا جزء من المشكلة الصومالية. لكنهما جزء من الحل بقدر ما يشكلان عناصر مغرية وجاذبة للمقارنة بين ماض مفقود أو فاشل، وآخر معروض وقابل، على الأقل، للنظر والاستكشاف. فالصوماليون باتوا أقرب إلى الإسلام والرغبة بإقامة دولة إسلامية من قربهم لاستعادة دولة علمانية لم يَخْبروها، ولم يروا منها خيرا يذكر، خاصة وأن الإسلام هو دين المجتمع ولا دين غيره. لكن بما أن القبيلة لا تشكل مشروع دولة؛ وبما أن المشروع الإسلامي فشل منذ بداية الأزمة في مطلع تسعينات القرن الماضي فما الذي يجعله مغريا عبر القوى الجهادية؟

من المهم الإشارة إلى أن تجربة المحاكم بالمنظار الشرعي وليس بالمنظار السياسي تُعدّ من أنجح تجارب الحكم في الصومال. ورغم بنيتها القبلية إلا أنها مثلت اختبارا واقعيا ونموذجيا لمدى فاعلية الحكم الإسلامي في تطبيقاته القضائية من جهة، ولمدى قبوله من عامة الناس من جهة أخرى. كما أنها، تجربة، مثلت رصيدا لحركة الشباب المجاهدين يمكن الاستفادة منه والبناء عليه. وقد أثبتت التجربة أن اعتماد الأحكام الشرعية مرجعية للتقاضي، مكّن القوى الفاعلة من توفير الأمن أكثر مما وفره العرف القبلي، كما مكن القوى من حفظ الحقوق ورد المظالم أكثر مما فعلته أية مرجعية أخرى.

لا شك أن حركة الشباب المجاهدين هي الجماعة الأكثر قوة وانضباطا وتدريبا وخبرة وتجربة مقارنة بكافة الجماعات الأخرى. ولا شك أيضا أنها الجماعة الوحيدة التي تمتلك مشروعا واضح المعالم في الصومال، بقطع النظر عن قبوله أو رفضه. ولا شك أنها الأقدر على فهم طبيعة البلاد والعقبات التي تعترضها. كل هذا يفسر لنا إلى حد ما جملة الأسباب التي دفعت بالحركة لِأنْ تؤسس لها جيشين، بخلاف كافة الساحات الجهادية الأخرى في العالم. والأعجب أن جيشها المقاتل أسمته بـ « جيش العسرة» استجابة فيما يبدو لقراءة منها رأت فيها أن الواقع الذي ينتظرها يحتاج إلى «جيش» تنتظره مهمات «عسيرة » وجبهات مفتوحة ابتداء من أمراء الحرب والمسلحين والمجرمين وقطاع الطرق مرورا بالقوى الإقليمية وانتهاء بالقوى الدولية. أما الأعجب من « جيش العسرة» فهو « جيش الحسبة» المدني. وما لا ينبغي تجاهله الإقرار بأن المسألة الصومالية هي مسألة اجتماعية بدرجة لا تقل عن كونها مسألة سياسية، وإلا ما كانت الحركة لتنشئ جيشا قائما بذاته. فقد كان من الممكن أن تكتفي بدائرة أو لجنة أو مؤسسة اجتماعية في إطارها تُعنى بمتابعة القضايا المدنية والدينية. وفي المحصلة لو كان « جيش العسرة» يفي بالغرض لما احتاجت الحركة لـ « جيش الحسبة» لفك تعقيدات الجبهة المدنية.

على كل حال، إذا ما انطلقنا من بيانات الحركة وما تناقلته وسائل الإعلام من أخبار عن نشاطاتها المدنية فسنلاحظ أن « جيش الحسبة» يتكون من مجموعات على قدر من العلم الشرعي، وعلماء شرع، ودعاة ومشايخ، وخبراء في المجتمع والسياسة، وتجار ووجهاء من قبائل حليفة للمجاهدين، ومثقفين وقياديين إداريين في حركة الشباب. هؤلاء تبدأ مهمتهم، على الأغلب، بعد سيطرة جيش العسرة على منطقة ما. وهم ذوو مهام متنوعة. فمنهم مجموعات مختصة بمراقبة الأسواق وحركة التجارة، وآخرون مكلفون بالدعوة والإرشاد وتهيئة المنطقة لتطبيق الشريعة، ومثلهم معنيون بتحصيل الزكاة وتوزيعها على مستحقيها، ومجموعات أخرى تهتم بالتعليم، وأخرى مخصصة لفض النزاعات بين الأفراد أو بين القبائل والإصلاح فيما بينها، ومجموعات مكلفة بالمحاكم الشرعية وتطبيق الحدود والعقوبات، ومجموعات مهمتها مراقبة منظمات الإغاثة والمؤسسات الدولية العاملة في الصومال، ومجموعات أخرى معنية بالتنمية والزراعة والري ... وهكذا.

ومن الطبيعي في مثل هذه الأوضاع أن تضعف سلطة القبيلة وهيبتها كلما توسع سلطان الحركة على المناطق الخاضعة لسيطرتها، وشرعت، عبر « جيش الحسبة»، ليس بتطبيق الشريعة فحسب بل في تثبيت أهم العناصر المركزية في المشروع الإسلامي تمهيدا لإعلان الدولة الإسلامية. فإذا ما واصلت تقدمها على الأرض، وأحكمت سيطرتها، فستغدو فرصها أكبر في تقديم بديل أكثر جاذبية مما قدمه زعماء الحرب أو الدولة أو حكومة الرئيس شيخ شريف خاصة بالنسبة للقبائل الضعيفة أو التي عانت من الصراعات المدمرة مع القبائل الأخرى أو لأولئك الأفراد والعشائر والعائلات الذين خضعوا مكرهين لسلطة القبائل الطاغية ومظالمها.

فإذا كانت القبائل، حتى الكبيرة منها، تتصارع على الوجاهة والامتيازات والمكانات الاجتماعية والرياسات، ولو باسم الدين، فإن هيمنة بعضها على بعض لا يعني انتصارا لهذه على تلك ولا تشريعا لسلطة دون سلطة بقدر ما يعني مزيدا من الأحقاد والضغائن والخوف والثارات المؤجلة زيادة على التربص ببعضها البعض طوال سنين أو عقود من العداء المتبادل. وهنا بالضبط سيكون لفض النزاعات والإصلاح بين القبائل على أساس الحكم الشرعي إغراء لا يستهان به، ومخرجا كريما للجميع من حالة الاحتراب، ومكسبا شرعيا واجتماعيا. بل إن الخضوع للحكم الإسلامي سيكون ملاذا من عقدة الحرج الواهية التي تتسبب بها غالبا بعض القيم القبلية، فمثل هذه العقد تكبل الشخصية القبلية وتعمق من الحواجز وتشحذ النفس بمشاعر المهانة أو الهزيمة أو الذل والعار. لكن في ظل حكم شرعي فالمقارنة المتاحة أمام القبائل لن تكون على قاعدة العار والنصر بل على قاعدة: أي المرجعيات أعدل .. وأيها أولى بالمراهنة والاتباع .. وأيها أكرم وأحكم؟ مرجعية القبيلة .. أم مرجعية أمراء الحرب .. أم مرجعية الإسلام .. أم مرجعية العزة بالإثم .. أم مرجعيات القوى الأجنبية والعلمانية؟

• الشباب والحزب الإسلامي

بعد الانسحاب الأثيوبي أوائل العام 2009 تم الإعلان عن تشكيل الحزب الإسلامي بزعامة د. عمر إيمان في الصومال، ومنذ ذلك الحين ساد المراقبين وأنصار المجاهدين مخاوف من أن تنتهي العلاقة بين الحزب وحركة الشباب إلى صراع دموي. فهما الآن يخوضان صراعا ضد الحكومة وشيخ شريف، وصراعا آخر ضد القوات الأفريقية، وصراعا ثالثا ضد جماعة «أهل السنة والجماعة». لكن إذا استطاع الطرفان تصفية خصومهم فالصراع بينهم قادم لا محالة.

في الواقع فإن مثل هذا الافتراض هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. فالحزب الإسلامي تأسس من جماعات صغيرة وبقايا مقاتلي المحاكم في تحالف «أسمرة» الذين يتزعمهم الشيخ حسن طاهر أويس. أما الأصل في التأسيس فيرجع إلى رفض المقاتلين استمرار الانضواء في تحالف «أسمرة» الذي لا يختلف في الواقع عن تحالف شيخ شريف في «جيبوتي» من حيث بنية التكوين والأهداف، فهو تحالف لا يتبنى الجهاد بصورة واضحة، فضلا عن أن ميثاقه ذو محتوى وطني، ولا يضع في حسبانه إقامة الدولة الإسلامية.

إذن كلا الجناحين يضمان في عضويتهما علمانيين، وكلا الجناحين من ناحية شرعية وطنيين ليس لهما تطلعات فعلية حول تطبيق الشريعة أو إقامة دولة إسلامية. ولما يكون جناح جيبوتي قد اختار أثيوبيا والغرب مرجعية له فلا شك أن الموقف سيكون محرجا للشيخ أويس الذي يقود تحالفا بلا مرجعية. فمن جهتها استقلت حركة الشباب المجاهدين بعيدا عن أي من التحالفات الوطنية بعد انهيار المحاكم مباشرة، كما تبرأت الجبهة الإسلامية من التحالفات منذ اللحظة الأولى لظهورها سنة 2008، والأمر نفسه فعله الشيخ حسن تركي قائد جماعة رأس كامبوني. كل هذه التطورات السريعة دفعت د. عمر إيمان والشيخ حسن تركي إلى التقدم خطوة للأمام، ووضع النواة الأولى للحزب في إقليم جوبا. والسؤال: لماذا جاءت المبادرة من د. عمر إيمان في حين بقي الشيخ أويس في الظل؟

مشكلة الشيخ أويس الأولى أنه إسلامي التوجه والعقيدة، ويؤمن حقيقة بدولة إسلامية ولا يؤمن بغيرها، لكنه قبلي التفكير حتى النخاع. فمن جهة، لا يحتمل الشيخ أويس الضغوط الدولية، ومن جهة أخرى لأن مشروعه الشخصي لا يتصور فيه رئيسا للصومال غيره. ولأن السعي للرئاسة يستوجب قبولا دوليا نراه حذرا من خطاب الشيخ أسامة بن لادن الذي انتقده، لتطلعات شخصية، وأعلن أنه يريد تطبيقا معتدلا للشريعة كما يقول. وهذه تصريحات لا تتوافق مع متطلبات الموقف الشرعي، لكنه يحاول أن ينأى بنفسه عما يعتقد أنه يشكل عقبات أمام طموحاته. فهو يعرف جيدا أنه لا يوجد في الشريعة أحكام معتدلة وأخرى متطرفة، ويعلم أن الغرب لن يرحب به طالما أصرّ على أفكاره.

مشكلة أويس الثانية أن معظم مقاتليه، بحسب مصادر صومالية، انضموا إما إلى القائد العسكري يوسف سياد انطعدي الذي انشق عن الحزب والتحق بالحكومة وصار وزيرا للدفاع، وإما إلى « أهل السنة والجماعة» في الأقاليم الوسطى. وهكذا لم يتبق له نفوذ كبير في الحزب. ومع ذلك فقد عاد وتولى رئاسته بعد إجبار د. عمر إيمان على الاستقالة. فما الذي حصل بالضبط؟

الذي حصل أن الشيخ أويس ينتمي إلى عشيرة تابعة لقبائل الهوية الكبيرة في الصومال. ولأن معظم مقاتليه تخلوا عنه؛ فقد استغلت الحكومة هذا الوضع وحاولت الإيقاع بالحزب الإسلامي وضربه بالقبائل عبر إظهاره بأنه يخوض حربا ليس ضد « أهل السنة والجماعة» أو الحكومة بل ضد قبيلة الهوية. وهذه وضعية سياسية حساسة لا ينفع في التصدي لها شخص كالدكتور عمر إيمان بل شخصية عسكرية وحرفية وتاريخية ومن ذات القبيلة. وهكذا انسحب د. عمر إيمان ليفسح المجال أمام الشيخ أويس.

لكن هذه الوضعية للحزب لا تؤهله مستقبلا للبقاء أو القدرة على خوض مواجهات حاسمة مع الخصوم. ولأن معظم قواعد الحزب من المقاتلين يعتنقون الفكر السلفي الجهادي فقد لاحظنا صدور تصريحات من قيادات مختلفة داخل الجماعات المكونة للحزب تتحدث عن مفاوضات وحوارات للتوحد أو الاندماج مع حركة الشباب المجاهدين خاصة بعد افتضاح محاولة الانقلاب على إدارة ميناء كيسمايو احتجاجا على تطبيق الشريعة من قبل أحمد مدوبي القائد العسكري القادم من كينيا فجأة، والذي زعم انتماءه للحزب الإسلامي ليلقى بعض الترحيب من بعض القادة والتبرؤ من قادة آخرين. كما رصدنا تصريحات بدا وكأنها تحاول اختصار الطريق وهي تتحدث عن حوارات بين الجانبين تمهد لإعلان الدولة الإسلامية.

قد يسأل سائل: لماذا انضوت الجماعات الصغيرة تحت راية الحزب لدى اعتراضها على تحالف أسمرة ولم تندمج مباشرة مع حركة الشباب المجاهدين رغم أنها تعتنق نفس الفكر بدرجة كبيرة جدا؟ بل أنها تكاد تكون في حالة تطابق فكري تام؟ الأرجح أن قادة الجماعات حاولوا طويلا، بعيدا عن مزالق الشيخ أويس، الإفلات من التصنيفات الدولية والإقليمية لكن دون جدوى. فلما اتضحت المواقف حسموا أمرهم بالانضمام إلى الحركة، بل أن الأنباء تحدثت عن مجموعات كبيرة من الحزب في مناطق عدة بايعت حركة الشباب.

هكذا لا يبدو أن الشيخ أويس أو الحزب يشكلان أي خطر على المشروع الإسلامي الذي يقوده المجاهدون في الصومال بمن فيهم الحزب الإسلامي، حتى لو حاول بعض أقطاب الحزب اللعب على وتر تكثير سواده، في مواجهة الحكومة، ولو على طريقة أحمد مدوبي الذي انفصل أو تم فصله من الحزب. وإن كان هناك احتمال لخطر قادم من الشيخ أويس بالذات فهو بالغ المحدودية إن لم يكن معدوما. ولعل أطرف توصيف لوضعية الشيخ أويس نجده لدى أحد الكتاب الصوماليين الذي روى طرفة يتناقلها الناس بعد ترؤس الشيخ للحزب تقول: « إن الشيخ ترأس مجلس شورى المحاكم الإسلامية فانهار، وترأس التحالف من أجل تحرير الصومال – جناح أسمرة فانهار ، فهل سينهار الحزب الإسلامي برئاسته؟». وعليه فالشيخ بدون حركة الشباب ضعيف، وقوته مرهونة بقوة « الشباب»، وليس في العكس أدنى قدر من الصحة.

ملاحظة


شكلت المحاكم الإسلامية التي امتد حكمها لستة أشهر فقط حاضنة للصوماليون بكافة أطيافهم الاجتماعية والإسلامية، ودعموها بقوة، إلا من أبى! وحين ظهرت «أهل السنة والجماعة» شكلت، هي الأخرى، حاضنة لفرق الصوفية المتصارعة، ولكل من بحث عن عنوان لمقاتلة المجاهدين! ولما ظهرت حركة الشباب المجاهدين شكلت حاضنة للقوى الباحثة عن تطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية حتى لو جاؤوا من شرطة وجنود الحكومة وبعض نواب البرلمان والشخصيات الناقمة على تجربة الحكومة!

لكن المحاكم فشلت في مواجهة القوى الإقليمية والدولية، بينما تحالفت «أهل السنة والجماعة» مع القوى المعادية من موقع الضعيف. أما حركة الشباب فقد بلغت من القوة ما يكفي لطرد القوات الأثيوبية، وتهديد «الأميصوم»، وإصابة كينيا بالفزع من احتمال تمدد التيار الجهادي إلى مجتمعها واختراقه لأراضيها، وما يكفي لقرص أذن أوغندا، بصورة كادت تفقدها صوابها، عقابا لقواتها في «الأميصوم» على استهداف المدنيين كلما شعرت بالتهديد ولو بقذيفة طائشة. ومع أن حسم الموقف في الصومال ما زال غامضا إلا أن سرعة دوران الدورة التاريخية فيه لا تقل عن سرعتها في أفغانستان.





  #43  
قديم 09-09-2010, 02:11 AM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدورة التاريخية / الهجوم على الإسلام بقلم د. اكرم حجازي

للاسف ما عندي معلومات عن قضية الصومال عشان كده مافهمت شيء...بارك الله فيك اخي رياض
  #44  
قديم 09-09-2010, 04:47 AM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,868
افتراضي رد: الدورة التاريخية / الهجوم على الإسلام بقلم د. اكرم حجازي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غراس الجنه مشاهدة المشاركة
للاسف ما عندي معلومات عن قضية الصومال عشان كده مافهمت شيء...بارك الله فيك اخي رياض

مقال الدكتور فرصه جيده اختي لتعرف على القضيه الصوماليه ومسيره الجهاد فيها خاصه وان ما يسمعه الناس في الاخبار من احداث تجري بالصومال ما هي الا مقتطفات قليله وتنظيمات ومسميات وتوجهاتهم الفعليه مجهوله بالنسبه لكثير من المسلمين وقد اوضح الدكتور في مقالته الكثير عن هذة الجماعات التي يسمع الناس بسمها ولا يعلمون عنها شيىء
الامر يحتاج لمتابعه للاحداث لفهم المقاله حيث حاول الدكتور فيها توضيح مسارات الصراع وكيفيه تكون التحالفات وانهيارها واسبابها والعوامل الدافعه لها بطريقه مختصره
فالمجاهدين بالصومال وعلى راسهم حركه الشباب المجاهد في طريقهم لتحقيق الدوله الاسلاميه رغم كل الصعاب وتكاتف قوى الكفر والنفاق من الداخل والخارج لابقاء البلد بعيد عن الاسلام غارق بالجهل ومفكك متصارع
  #45  
قديم 10-09-2010, 05:12 PM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدورة التاريخية / الهجوم على الإسلام بقلم د. اكرم حجازي

تمام اخي مثل ماقلت هي فرصه للتعرف علي قضية الصومال وخاصة اني لن اجد من اثق فيه مثل د/اكرم حفظه الله...لذلك ساعيد قراتي للموضوع من جديد لاني لم اكمل قراته واعتقد اني احتاج الي باقي المقالات الخاصة بقضية الصومال واسال الله ان يوفقني...
http://www.almoraqeb.net/main/articl...cles-id-19.htmبارك الله فيك اخي الفاضل رياض وجعله في ميزان حسناتك....في حفظ الله
  #46  
قديم 10-10-2010, 01:04 AM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,868
افتراضي رد: الدورة التاريخية / الهجوم على الإسلام بقلم د. اكرم حجازي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رياض123 مشاهدة المشاركة
الدورة التاريخية

حماس تحت المجهر

(3)

د. أكرم حجازي

19/7/2010






ما أن أعلنت حماس، كحركة إسلامية جهادية لا علمانية، عن نيتها المشاركة في الانتخابات البلدية، ثم دخول العمل السياسي الحكومي عبر المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي حتى بدا، للمراقبين ولكل متابع للشأن الفلسطيني أو عامل به، أن الحركة بدأت تنقلب على ماضيها وثوابتها بمقدار 180 درجة، خاصة كلما اتجهت نحو التسوية السياسية، وبحثت عن حل سياسي للقضية الفلسطينية. وحدها حركة «حماس» ومعها مؤيدوها وقواعدها من جماعة الإخوان المسلمين في شتى أنحاء العالم مَنْ يرون أنها ما زالت متمسكة بتراثها وتاريخها ومبادئها. لكن الاعتقاد بالحل السياسي والبحث عنه، بلا شك، هو اختيار ينكره تاريخ الحركة وكل وثائقها وتصريحات رموزها ابتداء من الانطلاقة وحتى الإعلان عن المشاركة في العمل السياسي الرسمي. كما أن مزاعم التمسك بأمر والعمل به؛ يفنده واقع الحال جملة وتفصيلا.

مع ذلك؛ فإذا كان التوجه السياسي لـ«حماس» يثير حفيظة من آمن بها وراهن عليها ودافع عنها في السنوات الماضية باعتبارها أهم القوى الفلسطينية المقاتلة، ورأى فيها أملا للخروج من مستنقعات السياسة المدمرة لمنظمة التحرير ووليدتها المسماة، زورا، بالسلطة الفلسطينية فإن هذا الأمل يبدو أنه آخذ بالتلاشي ليس لأن راهن الحركة يناقض ماضيها، ولا لأنها تعيش وقائع هدنة اختيارية مع إسرائيل جمدت بموجبها العمل العسكري وطاردت من يخالفها الرأي، بل لأن الخطاب السياسي الراهن لها، وهو يماثل سلفه العلماني، بات يحمل من المهانة والانحطاط بما يكفي أو يزيد في المنافسة عما حمله خطاب المنظمة زمن الراحل ياسر عرفات. فالسلوك السياسي نفسه، وكذا التصريحات والعلاقات والتحالفات والتوجهات، كلها أفعال متشابهة ومتماثلة لدرجة التطابق في أغلب الأحايين. فما الجديد إذن سوى تغير الوجوه في زمن لا تهب عليه رياح التغيير إلا لتخلف انهيارا أو تراجعا ما؟

في هذه المقالة لا يعنينا قط مناقشة حال المنظمة أو السلطة اللتين سقطتا تباعا في دائرة السيطرة الصهيونية والأمريكية سقوطا تاما، ولا مناقشة أطروحات حركة «حماس» السياسية ومدى تناسقها مع ميثاق الحركة، فقد سبق لنا وناقشنا هذا المحور باستفاضة في كتاب « حديث الإفك / ص 76 – 78 » أو عبر سلسلة « ثمانون عاما .. حماس والمشاريع الخادعة - 3»، بل قراءة جوهر كل هذه الأطروحات في ضوء التصريحات السياسية لرموز الحركة والتبريرات الشائعة وكذلك في ضوء الواقع والتجارب السابقة والمحتملة.

«حماس» والاعتراف بإسرائيل

فبعد أن نقضت الحركة تعليمات الميثاق؛ وإعلان خالد مشعل عن تجاوزه بصريح القول، خلال مقابلة له على شبكة « بي بي إس - 6 /6/2010» الأمريكية: « على العالم بأسره التعامل مع حماس، ومع ما تمارسه، ومع موقفها السياسي المُعلن، وليس مع الميثاق الذي وُضع منذ عشرين عاماً»؛ وكذا، بعد تصريحات القادة الأوائل المنكرة لوجود إسرائيل؛ وبعد أن شاركت الحركة في الانتخابات البلدية، ومن ثم دخلت العملية السياسية كشريك للسلطة الفلسطينية في انتخابات العام 2006؛ صارت «حماس» تنادي بحل سياسي للقضية الفلسطينية يقبل بدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود العام 1967 مع التمسك بما يسمى « الثوابت» أو « الحقوق الفلسطينية الثابتة» بشرط عدم الاعتراف بإسرائيل والاستعاضة عن ذلك بهدنة مؤقتة لمدة عشر سنوات. وعليه فهي ترفض مبدأ حل الدولتين الذي وافق عليه العرب والغرب ممثلا باللجنة الرباعية المكلفة بمتابعة حل الصراع بين الفلسطينيين واليهود. هذا هو الموقف الشائع لدى حركة «حماس» وخاصة عند قواعدها التنظيمية وأنصارها وعموم الإخوان المسلمين داخل فلسطين وخارجها بلا استثناء.

والحقيقة أن كل مواقف «حماس» السياسية وتبريراتها معطوفا عليها مواقف مؤيديها ومناصريها تصطدم بمئات التساؤلات التي يثيرها المعارضون والمتخوفون والخصوم والمحللون والمراقبون دون أن تجد لها جوابا شافيا يمكن الاطمئنان إليه. بل أن التبريرات التي يجري تسويقها بلا أدنى منطق لا يمكن لها أن تصمد حتى في أول اختبار لها سواء على مستوى الواقع أو التحليل أو حتى عبر تصريحات قادة «حماس» التي تتوالى دون حساب لتعمق من الهوة بدرجة يصعب معها الترميم والترقيع.

باختصار؛ فقد باتت اللغة الوحيدة عند «حماس» هي لغة السياسة، وغدا كل القادة في الداخل والخارج يقبلون بالتسوية والحل السياسي للقضية الفلسطينية، وبالتالي لا وجود لأية لغة عقدية في الصراع مع إسرائيل. وكي تكون الصورة واضحة لمن خفي عنه الأمر، فإن من يبحث عن التسوية أو السلام مع إسرائيل سيستعمل، بالضرورة، مصطلحات مقبولة من قبيل « الثوابت السياسية» للشعب الفلسطيني، وتبعا لذلك فهو بالتأكيد لن يجرؤ على التحدث بلغة « الثوابت الشرعية» ولا بلغة « الحقوق التاريخية» بل بلغة الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة التي تحظى باحترام «حماس»، وبما قررته الأمم المتحدة وأسمته بـ: « حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف» كحق العودة وتقرير المصير أو بقضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات والسيادة والعدل. ولا يخفى أن مثل هذه الحقوق والثوابت يجري استنزافها على قدم وساق جغرافيا وديمغرافيا، وعبر تفريغ القضية من بعدها العقدي والتاريخي، وحتى عبر الاستنزاف المجاني والخطير جدا في المواقف السياسية. ولما تصل الأمور إلى هذا المستوى من الانحدار فلا شك أن علامة فارقة غدت ترتسم في الأفق لا معنى لها إلا القول الصريح بأن الفاعل الاستراتيجي الوحيد المتبقي في زجر «حماس» وغيرها أو التأثير على سياساتها بات من نصيب الدورة التاريخية التي تجري وقائعها دون أن يستطيع أحد وقفها.

فالمتابع لتصريحات قادة «حماس»، فيما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل أو بعلاقاتها الدولية، لم يعد قلقا بقدر ما تتملكه الدهشة والإثارة مما يسمع أو يشاهد أو يقرأ بغض النظر عن كون «حماس» جماعة إسلامية أو وطنية أو حتى سياسية. إذ أن بعض التصريحات لم يسبق أن أدلى بها أعتى رموز التيارات العلمانية بكافة أطيافها حتى تلك الحريصة على التقرب من دوائر السياسة والإعلام الغربية والدولية.

فحين كتب بسام أبو شريف مقالته الشهيرة في صحيفة « الواشنطن بوست» متحدثا فيها عن سلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي واعتراف متبادل قامت الدنيا يومها ولم تقعد عليه خاصة وأنه كان يشغل آنذاك منصب مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. والحقيقة أن المقالة، المدفوعة الأجر، كانت إحدى مقدمات العلاقة مع المنظمة والتصالح لاحقا مع إسرائيل على قاعدة اتفاق أوسلو الذي وُقِّع مع إسرائيل سنة 1993. لكن في 17/4/2008 فوجئنا بمقالة أخرى في ذات الصحيفة كتبها هذه المرة إسلامي هو د. محمود الزهار بعنوان صريح لا لبس فيه: « لا سلام بلا حماس ». وهو عنوان مطابق لما سبق وعبرت عنه المنظمة حتى صار شعارا سياسيا لها: « لا سلام بدون منظمة التحرير الفلسطينية»! وهو شعار جديد لـ «حماس»، بنسخة شخصانية بائسة، كرره الدكتور يوسف رزقه، المستشار السياسي لإسماعيل هنية، في تصريح لوكالة « معا – 10/3/2010 » حين قال: « أن العالم أدرك أنه بدون الحديث إلى هنية وحماس ومشعل لا يمكن أن يحقق ما يسميه الغرب بالتسوية والمفاوضات وأي نجاحات على أرض الواقع، مشدداً على أن حماس والحكومة المقالة تمثلان رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية والدولية لا يمكن تجازوها».

لا ريب، لمن يدرك العمل الصحفي ويعرف خباياه وقوانينه، أن الكتابة في صحيفة بحجم « الواشنطن بوست» ليس متاحا حتى لأعتى الصحفيين في العالم ما لم يكن ثمة ما يبرر الكتابة أو يقدم ثمنا ملائما لمنبر لا يتسع إلا لنخبة النخب وذوي المصالح الكبرى، وبما أن د. الزهار كتب عن « السلام » وليس عن « التسوية» فليس من المتوقع ولا من المعقول أن يهاجم إسرائيل أو الولايات المتحدة. لكن من هي الجهة التي استهدفها د. الزهار بالمقال؟ وماذا أراد أن يقول لها بالضبط؟ وما هي الحاجة للكتابة في الصحيفة خاصة وأن المراسلات والحوارات السياسية والاستطلاعية لم تنقطع، كما أن قنوات الاتصال مع الأمريكيين متعددة ومفتوحة سواء في غزة أو في الدول العربية أو الأوروبية!؟

في 26/7/ 2009 أعلنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني عن توصية تقدمت بها إلى الحكومة البريطانية قبل سنتين دعت فيها إلى فتح حوار مع حركة «حماس». وقد تبع الإعلان البريطاني هذا عاصفة من التصريحات التي استبشرت بقرب انفراج الموقف السياسي تجاه الحركة وفك الحصار عن غزة لدرجة أثارت شهية سامي أبو زهري وهو يعلق على الموقف البريطاني على قناة الجزيرة واصفا إياه بـ « الموقف الحكيم»! لكن من يرى في الموقف البريطاني حكمة تستحق الثناء؛ عليه أن يخسر من رصيده ورصيد الشعب الفلسطيني حين يحدد ما إذا كانت بريطانيا حكيمة أم حمقاء لمّا أصدرت وعد بلفور قبل أن يطالبها بالاعتذار عنه، وعليه أن يخبر الناس عن السبب الذي جعل بريطانيا توجه نصيحتها لشقيقاتها الأوروبيات، وعن مضمون الحوار والجدوى منه! فالذي نعلمه ويعلمه الجميع أنه لا بريطانيا ولا أوروبا ولا الولايات المتحدة ولا حتى روسيا أو الصين مجبرة على الترحيب بشروط «حماس» لإقامة دولة فلسطينية لا تعترف بإسرائيل. وعليه فإن كل ما في الأمر يكمن في أن الاعتراف ليس سوى ورقة سياسية ينبغي المحافظة عليها والحذر من التفريط بها، بلا ثمن، كي لا تكون نهاية «حماس» كنهاية منظمة التحرير، لأن المنطق السياسي يقول أن الاعتراف بإسرائيل مسبقا سيعني بالضرورة دعوتها للاندماج بالسلطة الفلسطينية أو حتى إسقاطها وتغييبها عن الفعل السياسي نهائيا.


لكن الحذر من التفريط الصريح بورقة الاعتراف بإسرائيل لا يعني، شكلا أو مضمونا، أن الورقة محصنة وغير قابلة للاختراق سياسيا وواقعيا، إذ أن (1) إعلان خالد مشعل في أول مؤتمر صحفي عقده في العاصمة السورية – دمشق، بعد فوز الحركة في الانتخابات التشريعية، بأن «حماس» مستعدة للتسوية إذا عرض عليها مشروع قابل للنقاش، وكذا (2) احترام الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة مع إسرائيل كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني بين حركتي «حماس» و «فتح»، و (3) تفويض مشعل للرئيس أبو مازن، بعد اتفاق مكة (8/2/2007) ، لملف التسوية وإنجاز اتفاق سلام مع إسرائيل: « بشرط أن يقبله الشعب الفلسطيني في استفتاء أو يقبله مجلس وطني فلسطيني منتخب جديد »، و (4) تأكيده بأن «حماس»: « لن تكون عقبة أمام أي تحرك جاد ينهي الاحتلال الإسرائيلي ويؤدي إلى قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض وعلى الحدود (1967) وعلى كل مظاهر السيادة»؛ كل هذه الالتزامات والتلميحات، معطوفا عليها سلسلة طويلة من التصريحات المماثلة لقادة «حماس»، ليست من قبيل إبداء المرونة فقط بل من آليات التقدم نحو الاعتراف الرسمي بإسرائيل بقطع النظر عن المبررات الشكلية.

واضح أن المسألة سياسية بحتة قابلة للاختراق وإلا ما كان أحمد يوسف مستشار إسماعيل هنية مضطرا لِأنْ يصرح لصحيفة «الشرق الأوسط - 14/3/2007 » بأن: « فكر حماس قد يشهد تحولات أيديولوجية خلال الفترة المقبلة»، وهو ذات التصريح الذي كرره لاحقا وزير داخلية «حماس» فتحي حماد خلال الحوار الذي أجرته معه صحيفة « الأسبوع القاهرية -19/6/2009 » حين قال: « قدمنا تنازلات قد تمس عقيدتنا». فما هي المواضع التي ستمس الأيديولوجيا أو العقيدة إنْ لم يكن الاعتراف بإسرائيل أبرزها وأكثرها حضورا على المنابر الإعلامية والقواعد التنظيمية وحتى عامة الناس؟

لا شك أن تخريج مسألة الاعتراف إعلاميا وسياسيا ستأخذ وقتا عبر انسياب المزيد من بالونات الاختبار الصريحة تارة والغامضة تارة أخرى والمتبوعة بين الحين والحين بنفي أو صمت بحسب ردود الفعل عليها. ففي تصريحات لصحيفة « الإكونومست البريطانية – 1/8/2009 » نفاها لاحقا بحجة وجود « خطأ في الفهم أو تلاعبا في الترجمة » قال د. أحمد يوسف مخاطبا مراسل الصحيفة: « دعونا نجلس ونتحدث.. من الظلم أن نضع شروطا مسبقة" مشيراً إلى سلسلة قرارات الأمم المتحدة التي تقول إن إسرائيل تجاهلتها على مدار السنوات من دون أن يتم منعها عن المفاوضات كنتيجة لذلك " فالإسرائيليون خدعوا المجتمع الدولي بقولهم إن حماس لا تعترف بإسرائيل، فقد قلنا إننا نقبل بدولة فلسطينية على حدود 1967 التي تمثل 20% من أرض فلسطين، فقد اعترفت فتح رسمياً بإسرائيل لكن علام حصلت في المقابل؟ لقد عرضنا هدنة ما بين عشر لعشرين عاما من أجل بناء الثقة ومن أجل خلق مناخ أفضل».

لكن في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون وتناقلتها وسائل الإعلام في 23/9/2009، ولم يتبعها أي نفي، قال رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية: « لن نضع العراقيل أمام أي جهود لتحقيق دولة فلسطينية حرة ومستقلة على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، والقدس عاصمة لها»، هكذا وكأن الأمر شيك على بياض يمكن تعبئته بما تشتهي الولايات المتحدة وإسرائيل. وحتى لا يكون ثمة مجال لأي غموض أوضح هنية: « بالرغم من أن التوثيق التاريخي الطويل يبين أن المجتمع الدولي دعم بثبات وبطرق مختلفة حل الدولتين القائم على انسحاب إسرائيلي كامل إلى حدود حزيران /يونيو 1967، وحل قضية اللاجئين القائمة على حق العودة والتعويض، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا هذا الحل باستمرار». ومن يدقق في التصريح سيلاحظ أن «حماس» قبلت بحل الدولتين، وفقا لشروط الحد الأدنى (21% من مساحة فلسطين)، والطريف في التصريح أنه لم يتحدث لا عن هدنة ولا عن شرط عدم الاعتراف بإسرائيل!!! والسؤال: لماذا يضطر أحمد يوسف لنفي تصريحاته بينما لا يفعل هنية ذلك علما أن تصريحات هذا الأخير أخطر من تصريحات الأول؟ لا بأس. فلنتابع.

في 17/3/2007 أجرت مجلة « المشاهد السياسي »حوارا مع خالد مشعل تعرض فيه لمسألة الاعتراف بإسرائيل فأجاب: « حركة حماس تعترف بوجود إسرائيل كحقيقة على أرض الواقع، لكن الاعتراف الرسمي بها لن يتم إلا بعد قيام دولة فلسطينية. ونحن كما تعلم ويعلم الجميع، أننا في حماس، ومع الموقف الفلسطيني الوطني العام والموقف العربي، مجمعون على ضرورة قيام دولة فلسطينية بحدود ٤ حزيران (يونيو) ٦٧، بما فيها القدس وحق العودة والانسحاب الإسرائيلي لهذه الحدود ». هذه الإجابة متوافقة تماما مع عموم الموقف الفلسطيني الرسمي والقرارات الدولية والمبادرات العربية وما يسمى بالمجتمع الدولي، وكل هؤلاء لا ينكرون الاعتراف بإسرائيل إذا تم التوصل إلى تسوية معها، بل أن بعض الدول العربية تقيم مع إسرائيل معاهدات سلام رسمية. فكيف لـ «حماس» أن تخرج عما تضع نفسها رهينة له؟ وما قيمة شرطية الاعتراف بعد قيام الدولة إلا أن تكون ورقة سياسية تتحصن بها الحركة كي لا تقع فريسة كما وقعت من قبلها منظمة التحرير الفلسطينية حين خسرت ورقة الاعتراف مسبقا؟

نفس الإجابة كررها مشعل في مؤتمر صحفي نظمته وكالة « نوفوستي 8/2/2010 » خلال زيارته لروسيا، وفي مداخلته أشار إلى قبول العرب والفلسطينيين بسلام عادل وشامل وحقيقي يلبي تطلعات العرب ويعيد الحقوق العربية والفلسطينية، مؤكدا أن إسرائيل هي «العقبة» وليست «حماس» التي هي جزء من الحل وليست جزء من المشكلة. وعلى موقع الوكالة قال: « نحن وافقنا على قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 هذا جزء من المرونة التي قدمتها الحركة. لكن نقول إننا لا نعترف بإسرائيل. فالدولة الفلسطينية عندما تنشأ على حدود 1967 وبحريتها وبقرارها المستقل وباستفتاء شعبها في الداخل والخارج تقرر هذا الموضوع. وأضاف أن حماس، وبصرف النظر عن قناعاتها، تحترم قرار الأغلبية في الشعب الفلسطيني ولو خالف بالرأي موقفها ».

باختصار؛ ما الذي تريده «حماس» بعيدا عن اللف والدوران؟ إذ ليس من المعقول أن يكون موقف الحركة من مسألة الاعتراف يحتاج كل هذا السيل من التصريحات في بضعة سنين. فلا تكاد تمر مناسبة أو لقاء أو حوار إلا ونجد تصريحا جديدا وكأن مسألة الاعتراف باتت حدثا مستمرا لا ينفك عن التفاعل في كل حين.

لنستطلع بعض تصريحات د. محمود الزهار فسنجد فيها ما يثير الدهشة حقا ويحل أغلب الألغاز. ففي مقابلة له مع صحيفة « المصري اليوم - 25/6/2010 » تعرض الزهار للسؤال التالي:
« السؤال: أنتم توقفون إطلاق الصواريخ على إسرائيل.. وليس هناك أي عمل عسكري لـ«حماس»؟
الزهار: أنتم لا تفرقون بين المقاومة والعمل العسكري، الانتفاضة الأولى كانت مقاومة غير مسلحة، نحن متمسكون بخيار المقاومة، ونحن هنا في غزة حققنا هدفنا بتحرير غزة، والباقي هو إتاحة الفرصة لتحرير الضفة، وبالتالي لا مبرر لإطلاق الصواريخ من غزة، والصحيح أن تطلق من الضفة لكن « أبو مازن» لن يسمح بذلك ». وهو موقف سبقه إليه خالد مشعل حين صرح لصحيفة « النيويورك تايمز 5/5/2009 » بأن: « مقاتليه أوقفوا إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ».

إذن «حماس» تعتبر غزة محررة، وعليه فلا يجوز لأية قوة أن تطلق النار على إسرائيل. وهذا يفسر إلى حد كبير استماتة «حماس» في طلب الهدنة والدفاع عنها حتى لو كلفها ذلك مطاردة المجاهدين ونزع سلاحهم وسجنهم وحتى قتلهم في المساجد، ووصف الصواريخ بالمشبوهة ومطلقيها بالخيانة والعمالة والعابثين بمصالح الشعب الفلسطيني! وهي التهم التي ساقتها ضد من عاب عليها ذات الفعل في زمن السلطة. كما يفسر الاستماتة السياسية لـ«حماس» في توجهها نحو الغرب وخاصة الولايات المتحدة كحركة تعتقد أنها معنية بالحل وفي نفس الوقت قريبة منه، كما يفسر رغبتها في ممارسة الحكم والسلطة بعيدا عن أية معارضة أو مخالفة لسياساتها. وإذا أضفنا إلى ذلك فرض التهدئة ولو من طرف واحد، سرا أو علانية، وتبريرها بالحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني، أو عدم قدرة غزة على تحمل حرب أخرى فضلا عن الحصار المضروب عليها؛ فهذه كلها مصالح تنظيمية صرفة وليست مصالح الشعب الفلسطيني لا سياسيا ولا عقديا. كما أن هذه السياسات والتبريرات تكذبها أيضا تصريحات د. الزهار نفسه وهو يتحدث عن « حل مشرف» للصراع مع إسرائيل. ففي مقابلة له على قناة الجزيرة (8/2/2009) دعا الزهار إلى: « بذل الجهود للتوصل إلى اتفاق مشرف يحفظ للشعب الفلسطيني حقه وكرامته ».‏ ولا ريب أن التحدث بلغة التشريف وحفظ الكرامة من شأنه أن يلغي ويسقط كافة الشروط المعلنة كالهدنة الطويلة أو الاعتراف بإسرائيل أو معارضة حل الدولتين باعتبارها مجرد أوراق سياسية ليس بعيدا أن تنتهي إلى « حل» لكن « بلا شرف»، خاصة وأن قيمة ورقة الاعتراف لم تعد تساوي أكثر من قيمة ورقة المصالحة الفلسطينية في بورصات السياسة العربية.

آخر العنقود من التصريحات البغيضة هي تلك التي أدلى بها خالد مشعل حول العلاقة مع الولايات المتحدة، والتي ما سبقه إليها أحد من شياطين أوسلو ودايتون. ففي مقابلة له مع شبكة « بي بي إس - 6/6/2010» الأمريكية قال: « ليست لدينا أي مشكلة من أي نوع مع الولايات المتحدة أو مع المصالح الأميركية ». هذا الكلام يقوله مشعل بينما تضع الولايات المتحدة حركة «حماس» على قائمة المنظمات الإرهابية!!! كما أن مقر الحركة الصهيونية « إيباك » في واشنطن منذ سنة 1942، وأن الولايات المتحدة بزعامة الرئيس ترومان هي من قررت أن يكون النقب (صحراء فلسطين) ضمن حدود الدولة اليهودية قبل التصويت بقليل على قرار التقسيم. لسنا ندري ما نقول إزاء هذا الجنون من التصريحات المهينة إلا أن يكون القوم قد فقدوا صوابهم وهجروا العقيدة والتاريخ والواقع.

حتى ياسر عرفات الذي قال عبارته الشهيرة، بعد توقيع اتفاق أوسلو، في واشنطن: « وجدت صديقا في البيت الأبيض» لم يعطوه شيئا! بل هددوه وحاصروه وأذلوه وقهروه ثم قتلوه. فماذا ينتظر خالد مشعل من تبرئة أمريكا بحق الشعب الفلسطيني؟ وأي مكر أو خديعة حضّرها مشعل لأمريكا من وراء هذا التصريح!!؟ كنا قد رددنا على خطاب الرئيس باراك أوباما في جامعة القاهرة بسلسلة مقالات طويلة بعنوان: « الساحر وخطاب السحرة: صراحة أوباما وصراحتنا » خاصة وأنه طالبنا بنسيان الماضي فاضطررنا، وهو عدونا التاريخي، إلى تذكيره، رقميا، ببعض وقائع الماضي التي ما زالت جارية إلى يومنا هذا، وقلنا له في حينه: « مشكلة الخطاب أنه يريد منا عدم التفكر في الماضي! أما أوباما فمن حقه أن يتذكر 11 سبتمبر جيدا، لكنه يتناسى تماما، ويريدنا أن ننسى كون الإدارات الأمريكية استعملت حق الفيتو في مجلس الأمن، ظلما وزورا وعدوانا، 36 مرة في 41 عاما ضد القضية الفلسطينية والقضايا العربية. وأن هذا يعني أن الولايات المتحدة وقفت وحدها في مجلس الأمن ضد الإجماع الدولي ومنعت إدانة إسرائيل 36 مرة. وينسى أوباما أن الولايات المتحدة رفضت حتى قرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل. وينسى أن إسرائيل حليف استراتيجي لأمريكا وتلتزم بأمنها ومصيرها أكثر مما تلتزم بأمن ومصير الولايات المتحدة. هذه هي الحقيقة التي يشهد عليها العالم الإسلامي وتشهد عليها المؤسسات الدولية قاطبة». ولما يكون خالد مشعل ينكر هذه الحقائق فمن الأولى والإنصاف المعاملة بالمثل، وتوجيه هذه الفقرة له قبل توجيهها للرئيس الأمريكي. لا بأس ثانية. قل ما تشاء يا خالد مشعل. فقد قيل فيمن من قبل: « إن مما أدرك من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

حل الدولتين

سنفترض أن ما كتبناه أعلاه غير ذي بال. وأنه يدخل في نطاق مناورات «حماس» كما يحلوا لمناصريها ومؤيديها أن يبرروا لها تصريحاتها. وسنتغاضى عن تبريرات الحركة فيما يتعلق بدخول العملية السياسية وزعمها بأن المرحلة تجاوزت اتفاق أوسلو بالرغم أنهم واقعون في السلطة عبر مؤسسات أوسلو ومنظومته السلطوية بكافة مؤسساتها وعلاقاتها وهيئآتها. لا بأس. لكن لنناقش مختلف جوانب الصورة فيما يتعلق بحل الدولتين حيث تسعى «حماس» إلى إنجاز مطلب الدولة الفلسطينية المستقلة دون الاعتراف بإسرائيل.

المشهد الأول: الثقة

ثمة من يبرر كل تصريح مريب لقادة «حماس» بأنه مناورة سياسية من قبل القادة وحكمة وذكاء وحنكة، لكن المشكلة تكمن في قصور الناس عن فهم سياسات «حماس» وليس في تصريحات الرموز. وبالتالي فالمطلوب من الناس أن يكونوا على ثقة بأن «حماس» لن تفرط في الحقوق ولا في القضية الفلسطينية. والحقيقة أن ما نسمعه أو نشاهده أو نقرأه ليس سوى أطروحة تنظيمية صرفة. فإذا كان أبناء «حماس» ومناصريها ملزمون بطاعة قياداتهم فما هو المعيار المنطقي الذي يلزم أمة بها؟ هل الثقة بـ «حماس» وأطروحاتها وقياداتها موضوعا عقديا حتى تلتزم به الأمة؟ ثم من قال أن الرموز معصومين من الخطأ أو الكذب حتى تكون الثقة بهم مطلقة؟ ألا يوجد في الأحكام الشرعية ما تجتمع عليه الأمة ويطمئنها إلا الثقة بقادة حماس؟ وماذا لو لم تكن الثقة في محلها ووقعت الكوارث؛ فما الذي ستجنيه الأمة من إيداع قضية بحجم فلسطين في مستودعات الثقة التنظيمية؟

فقد سبق وصرح إسماعيل هنية قبل أربع سنوات، لفضائية cbs بأنه لن يرسل ابنه في عملية استشهادية، وأنه يرغب في وقف إراقة الدم. ومنذ ذلك الوقت لم نسجل أية عملية استشهادية لأن «حماس» أوقفت هذا النوع من العمليات ، بينما ظلت أوساط «الإخوان» والحركة يبررون تصريحات «هنية» هذه بمداراة الغرب خاصة وأنه يتحدث أمام فضائية غربية! أليس هذا المثال البسيط بكاف لنسف مبدأ الثقة بالقيادة والمبررين لها؟

الدخول في دهاليز السياسة كمن يختار السير طواعية في حقل ألغام وهو فاقد لأهلية الخروج منه. بمعنى أنك لما تدخل الحقل عليك أن تخضع لشروط المسير فيه وإلا سينفجر أحدها بك ويودي بحياتك. والسؤال: ما هي الشروط التي دخلت بها «حماس» حقول السياسة والعلاقات مع الغرب والتسوية والحلول السلمية؟ وما هي مصادر القوة لهذه الثقة التي ينبغي الركون إليها في المسائل المصيرية وليس فقط في عملية استشهادية؟

المشهد الثاني: الاعتراف بإسرائيل

يقول المدافعون عن مواقف «حماس» فيما يتعلق بحل الدولتين والاعتراف بإسرائيل أن «حماس» تقبل الدولة المستقلة، والكاملة السيادة على حدود العام 1967، وبدون الاعتراف بإسرائيل. أي أن «حماس» لم تتخلّ عن ميثاقها، وبالتالي لن تتخلى عن الحق التاريخي في فلسطين من البحر إلى النهر. والسؤال المنطقي: هل تتوجه حماس بذات الخطاب إلى الولايات المتحدة والغرب والصين وروسيا؟ رغم أن التصريحات السابقة تقول بغير ذلك؛ إلا أن المدافعين عن أطروحة «حماس» يتحدثون بوجهين. الأول: يراهن على أن إسرائيل لن تقبل بشروط «حماس». والثاني: يقول لنعطِ «حماس» فرصة ونرى، فهي متمسكة بعدم الاعتراف وهذا يحسب لها، ونحن نثق بها فلماذا لا تثقون بها؟

لكن بما أنه لا مستحيل في السياسة والعمل السياسي فعلينا توقع أن تقبل إسرائيل والغرب بأطروحة «حماس» بقيام دولة فلسطينية مستقلة مشفوعة بهدنة أو بأية وسيلة أخرى. هنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار قدرات الخصم السياسية والدبلوماسية على المراوغة وإطالة أمد المفاوضات لعقد أو أكثر. فما الذي يمكن أن يحصل خلال هذه الفترة الزمنية؟ وما الذي يمنع «حماس» من تقديم ورقة الاعتراف كلما بدا لها أن المفاوضات تسير في تقدم؟ ثم هل لدى «حماس» مناعة من دخول المفاوضات أو الانزلاق بها بحيث يمكنها التراجع إذا ما شعرت بعدم جدواها، أو لاحظت أن ما يجري هو استدراجها لفخ شبيه بفخ أوسلو؟ وهل تضمن «حماس» ثقة الشعب الفلسطيني بها إلى الدرجة التي تكفي أن يتقدم حيث تتقدم هي ويتراجع حيث تتراجع؟

المشهد الثالث: دولة مع هدنة

لنفترض أن «حماس» توصلت إلى اتفاق مع إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أساس الهدنة. فهذا يعني أنها إما أن تستغله لتهيئة الشعب والأمة للاعتراف بإسرائيل وإما أنها تعد العدة لتحرير ما تبقى من فلسطين. والواقع أن خالد مشعل كان صريحا حين قال في كلمة وجهها إلى مجلس العموم البريطاني وصف فيها المقاومة لدى حركة «حماس» بأنها: « وسيلة وليست غاية». هذه العبارة جرت ترجمتها مؤخرا في المقابلة التي أجرتها معه شبكة « بي بي إس - 6/6/2010» الأمريكية حيث قال: « إسرائيل هي التي بدأت الاحتلال، والمقاومة نشأت كردّ فعل. لذلك حين ينتهي الاحتلال، ستنتهي هذه المقاومة. الأمر بهذه البساطة. إنْ انسحبت إسرائيل إلى حدود عام 1967، لن يعود للمقاومة الفلسطينية أي وجود».

هذا التصريح يعني أن «حماس» لن تتوقف عن المقاومة فحسب بل وعن الإعداد. وهكذا لا مقاومة ولا جهاد، ولا هذا النوع ولا ذاك. لكن لنفترض أن الشعب الفلسطيني رفض الاعتراف في استفتاء عام فهل ستقبل إسرائيل بهذه النتيجة؟ وهل ستكون «حماس»، بالمقابل، جاهزة لإعلان الحرب عليها؟ أم أنها ستطارد من يقاتل إسرائيل؟

المشهد الرابع: خداع «حماس»

حقا فالحرب خدعة. فقد يقول قائل أن توصل «حماس» إلى تسوية مع إسرائيل سيكسبها الوقت في الإعداد للمعركة الفاصلة معها بحيث يمكن تحرير باقي أجزاء فلسطين نسبيا أو كليا أو على مراحل. فـ«حماس» ليست من الغباء أن تكشف أوراقها أو نواياها. لكن ماذا عن نوايا وخطط الطرف الآخر؟ هل هو نائم؟ أو مغفل لدرجة يمكن معها لحركة صغيرة أن تخدعه طوال سنين التهدئة؟

فاليهود ملة بشرية من النوع الذي ينهشها الخوف على مر التاريخ. وفي كل تسوية أو حوار أو محاولة للتفاهم السياسي معها يكون مصطلح الأمن لديها حاضرا في كل شارع ومنزل وزاوية وسرداب وكهف وخندق وواد وسهل وجبل ومؤسسة ومصنع وورشة ومدرسة وجامعة ومسجد ومعتقد ونظام وحتى نمط حياة واجتماع، ومهيمنا على كافة البنود الأخرى مهما كانت أهميتها بالنسبة للخصم. هذه هي الشخصية اليهودية، وهذه هي سماتها. شخصية لا يروقها الجوار الحضاري أو التعايش الثقافي ولا تستحي من سلوكها. فإن لم يقع ردعها بالقوة المسلحة، كما هو حالها عبر التاريخ وبين جميع الأمم والشعوب، فلن ترتدع بالمفاوضات والمساجلات. فهل من العقل الاعتقاد بأن «حماس» ذاهبة لإعداد العدة !!؟ وهل من العقل وقف القضية على قارعة الزمن ومطالبة الأمة أن تتحلى بالثقة وتصمت حتى يتم الإجهاز عليها؟

لعله من الطريف التذكير بأن الترتيبات الأمنية بين السلطة وإسرائيل عقب توقيع اتفاق أوسلو 1993 تدخلت حتى في نوعية الطلقات التي تستعملها قوات الشرطة الفلسطينية ومداها النهائي.

المشهد الخامس: الفشل

بعد شهور أو سنين تبين لـ«حماس» أن عملية التسوية فاشلة ولا جدوى منها خاصة وأن عناصر فشلها أكثر من نجاحها. فقد سبق لعرفات أن واجه نفس الموقف وأقرّ بأن الكفاح المسلح كان أهون عليه ألف مرة من التفاوض مع إسرائيل. فما هي الخيارات المتاحة أمام «حماس»؟ لنسأل السؤال بطريقة أخرى: لو افترضنا أن إسرائيل رفعت الحصار عن قطاع غزة اليوم؟ هذا الأمر حقيقة كشف النقاب عنه منذ بضعة أيام عبر ما عرف بخطة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان القاضية بـ: « رفع مسؤولية إسرائيل عن قطاع غزة بشكل كامل وجعله كياناً مستقلاً تماماً»، فما الذي أعدت له «حماس» لمواجهة موقف من هذا النوع؟ لا شيء. إلا أنها رفضت المشروع على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري. أما لماذا فعلت ذلك؟ فلأنها ترى فيه: « انتزاع ثمن سياسي يتمثل بإعفاء إسرائيل من مسؤوليتها القانونية والعملية عن القطاع ». فعن أية مسؤولية قانونية وعملية يتحدث هؤلاء؟!

والحقيقة أن «حماس»، مبدئيا، غير قادرة على تحمل مسؤولية سياسية بهذا الحجم لأنها لا تمتلك تصورا دقيقا عما تؤمن به أو تسعى إلى تحقيقه، ولا تدرس خيارات الواقع ولا تطورات المستقبل ولا هي مدركة لنمط التفكير اليهودي. فكيف يمكن لها أن تنجح في تسوية؟ ومع ذلك لنقل أن التسوية فشلت لأكثر من سبب فما هي الخيارات المتاحة أمام «حماس» للعمل بها؟

• الخيار الأول: أن تعلن «حماس» فشلها وتنسحب من العملية السياسية كي لا تتهم بالتفريط. لكن هل تستطيع أن تعود إلى مربع المقاومة أو الجهاد بعد أن تكون قد استنزفت نفسها؟

• الخيار الثاني: أن تواصل سقوطها في مستنقع التسوية وتنتهي لما هو أسوأ مما انتهت إليه منظمة التحرير. وفي هذا السياق فإن تاريخ فروع الإخوان المسلمين لا يبشر بخير سواء في أفغانستان أو العراق أو الصومال أو الجزائر أو في علاقاتهم بالسلطة أيا كانت هويتها.

• الخيار الثالث: أن تعود إلى كونها جماعة دعوية أو خيرية أو اجتماعية. لكن من سيثق بها؟ ومن سيؤمن بدعوتها آنذاك؟

أخيرا

في 24/5/2010 نظمت حركة حماس لقاء مطولا مع خالد مشعل في قاعة أفراح المزّة جنوبي العاصمة السورية دمشق بعيد لقائه مع الرئيس الروسي ميدفيدف ، وحضر اللقاء جمع من الصحافيين والكتاب والإعلاميين، وفي مدخل القاعة انتشرت عناصر الأمن لمنع دخول كاميرات الفيديو، وطُلب من الحضور عدم تسجيل اللقاء بكاميرات الفيديو، إذ اقتصر التوثيق على كاميرات حماس. ولما دخل خالد مشعل قاعة اللقاء صحبة عزت الرشق، وطالب الحضور، ثانية، بعدم تسجيل اللقاء بكاميرات الفيديو أو مسجلات الصوت، قائلاً: أن حماس فقط من يوثق اللقاء بالكاميرات.

خلال اللقاء توقف أحد الحضور قائلاً لمشعل: كيف تقبل بقيام دولة فلسطينية على حدود 67، وفي نفس الوقت تجاهر برفض الاعتراف بإسرائيل، ما هو الفرق؟

بدت علامات الانزعاج على وجهه، إلا أنه قال: نعم أوافق على حدود العام 1967، لكننا نرفض الاعتراف بإسرائيل، وبدأ شرح الفارق بينهما، قائلاً: أن رفضنا للمبادرة العربية نابع من رفضنا الاعتراف بإسرائيل، وأننا لم نقبل يوماً بصيغة حل الدولتين بل وافقت على حل باستعادة الأراضي حتى حدود العام 1967 دون الاعتراف بإسرائيل.

بطبيعة الحال استمرت الأسئلة تلاحق مشعل، وسط قدرة عجيبة على التهرب من الإجابات، إلى أن فوجئ الحضور بأحد الصحافيين، يسأل أبو الوليد:

أنتم تحدثتم عن لقائكم المطول مع الرئيس الروسي ميديديف، وشرحتم وجهة نظر حماس وما طرحتموه على الرئيس الروسي؛ فما هو رد الرئيس الروسي؟ أما خالد مشعل فقد أجاب قائلاً : لست مخولاً بإعلان ردود الرئيس الروسي على مقترحاتنا! فمن هو المعني إذن؟ ومن هو المخول بإعلام الأمة بمواقف خصومها؟ وما قيمة الحوار مع رئيس دولة عظمى لا يدري الشعب الفلسطيني ولا الأمة ماذا قيل فيه؟

سؤال: ما الذي يخيف حماس من توثيق اللقاء؟ وما الذي تخفيه؟ وهل ما يتحدث به مشعل هو نفس الخطاب الذي يتحدث به إلى وسائل الإعلام؟ وهل ما قاله الرئيس الروسي غير ما قاله خالد مشعل؟ إن لم يكن ثمة إجابات كالعادة فهو المؤشر القاطع على أن الدورة التاريخية ماضية في طريقها.

سؤال: ما الذي يخيف حماس من توثيق اللقاء؟ وما الذي تخفيه؟ وهل ما يتحدث به مشعل هو نفس الخطاب الذي يتحدث به إلى وسائل الإعلام؟ وهل ما قاله الرئيس الروسي غير ما قاله خالد مشعل؟ إن لم يكن ثمة إجابات كالعادة فهو المؤشر القاطع على أن الدورة التاريخية ماضية في طريقها.
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 133.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 129.62 كيلو بايت... تم توفير 3.96 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]