هل فلسطين قضيتنا الكبري

[أبو جهاد المصري]

أعلم أن الكثيرين قد يظنون أن طرح السؤال في حد ذاته يشكك في وطنية السائل أو حتى يكفره، على الأقل سياسياً! لكنني أزعم أننا بأمسِّ الحاجة، بين الفينة والأخرى، لطرح تساؤلات تمس ما نظنه من المُسَلمات الراسخة لدينا، والتي ورثناها من أسلافنا دون تمحيص. وإذا كانت المسألة المعنية بالتساؤل حقيقة لا لبس فيها، فلن يضرّها طرح بعض الشكوك حولها. لأن الشك كما يقول أهل العلم أول درجات اليقين ..
وبالمناسبة، فالسؤال نفسه ليس جديداً. وكان آخر من طرحه قبل بضعة أسابيع الدكتور حازم صلاح أبواسماعيل، الداعية المصري المعروف، وذلك في مهرجان خطابي لمناصرة فلسطين في العاصمة القطرية الدوحة.
الشيخ حفظه الله، قال في معرض كلامه إنه يعتذر للجمهور من أسلوب الكثيرين من الدعاة في الوسط الإسلامي، والذين يعتمدون أسلوب التسخين وإثارة العواطف الجياشة تجاه فلسطين وشعبها المحاصر، دون أن يطرحوا حلولاً عملية يمكن أن يمارسها الأفراد. وهذا الأسلوب هو ما يجعلنا دائماً ننحي باللائمة على الآخرين (الغرب أو الحُكام) فنلقى بذلك التبعة عن أنفسنا ليحمل غيرُنا وزرَها.
طبعاً، الكلامُ لم يرق لغيره من المشاركين في ذات المهرجان، فنسفوا ما انتقدَهُ تواً بالتأكيد على أن فلسطين هي قضيتنا المركزية، وأن تحريرَها أقدسُ المقدسات وأوجبُ الواجبات على الأمة جمعاء. وأيّ كلام عدا هذا هو خيانة لأرض النبوات ومسرى المصطفى صلى الله عليه وسلم!
* * *
قد لا أحتاج أن أقول الكثير للتدليل على أن فلسطين من الناحية العملية لا تبدو مطلقاً قضيتنا الكبرى. فمجرد التأمل فيما نقوم به لأجل القضية يعطيناً بينة لا لبس فيها أنها تأتي متأخرة من الناحية العملية في سلم أولوياتنا. وهي لا تصل إلى الواجهة في حياتنا اليومية إلا في حال وجود كارثة مباشرة مثل العدوان على غزة، على سبيل المثال. ومؤدى هذا الكلام أنها – عملياً – قضية مناسبات أكثر منها أولى الأولويات.
لكن ما أرغب في مناقشته ليس الجانب العملي، وإنما الترتيب الفكري في العقل العربي/المسلم من ناحية أولوية القضية على غيرها من القضايا المعاصرة للأمة.
وأزعم أننا نحتاج أولاً للاتفاق على معيار يُمَكـِّنـُنا من الوصول للإجابة. ولعل السؤال الذي يمكن أن تساعدنا إجابته على تحديد ذلك المعيار هو: ما الذي سيتغير في أمة الإسلام لو تحررت فلسطين الآن؟
وليس مهماً في تقديري كيفية تحرير فلسطين. فحتى لو فرضنا أنه تم بأن وجد الصهاينة أنفسُهم أن من الأفضل احتلال بلد لا يقاوم في قارة أخرى. أو أن الولايات المتحدة أعطتهم إحدى ولاياتها ليقطنوها، دون أن يكون لجهادنا دور في استخلاص الأرض المباركة من أيديهم.
الإجابة على السؤال تبدو واضحة تماماً: ليس يتغير الكثير، باستثناء التحرير.
فأوطاننا ستبقى رازحة تحت سطوة التسلط السياسي المُشرع ليلَ نهار على رقبة الحرية. وربما ستضاف فلسطين إلى قائمة هذه الدول.
ولعل مشكلة أخرى ستجدّ في علاقة فلسطين مع جاراتها، إذ ستكون قضية ترسيم الحدود بينها واحدة من القضايا المستعصية بين دول عربية جديدة.
وغني عن القول إن غالبية الدول العربية ستعمل على التخلص من ذلك الصداع الذي يؤرقها باستمرار واسمه: اللاجئون الفلسطينيون. إذ الأرجح أنها ستطلب منهم الرحيل فوراً، ما دام الوطن السليب قد عاد لأيديهم!
أما فيما بين الدول العربية نفسها، فإن التشرذم الذي يسم علاقاتها سيظل سيد الموقف. خاصة أن فلسطين (أثناء احتلالها) كانت تمثل سبباً للاتفاق أحياناً على قضية مشتركة. وما دامت تحررت، فإن ما كانت تخفيه من عورات لا بد سينكشف.
وبالتالي، فإن تبعية دولنا العربية للغرب لن يتغير عليها شيء البتة. فالقوة التي تمكننا من التعامل مع المستعمر (القديم أو الجديد) لن تتحصل في ظل التفكك الذي يعانيه عالمنا العربي. فالقوى مشتتة، والجهود مبعثرة، والمصالح يُنظر إليها من ثقب الحدود الضيقة التي تفتت أمتنا أقطاراً شتى.
وفي داخل الدول العربية نفسها، سيبقى البون شاسعاً بين القيادات والشعوب، والحكومات وقوى المعارضة. إذ ما من سبب سيجسّر تلك الفجوة، خاصة أن الهمَّ الذي كان مشتركاً (فلسطين المحتلة) زال من الوجود.
وقبل كل ذلك وأثناءه وبعده، تبقى مشكلة العقل العربي الرازح تحت ركام التخلف منذ قرون. وهي أساس كل داء مس جسد هذه الأمة. ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أننا جادون، كأمة لا كأفراد، في كسر الجمود الذي أصاب عقل هذه الأمة وقيد قدرتها على التفكير والتأمل والإبداع في شتى مناحي الحياة.
ناهيك طبعاً عن التخلف الذي نعيشه منذ قرون، ونتجت عنه أعراض شتى من الفقر، والمرض، والأمية، والمذهبية، والعنصرية، والحقوق الإنسانية وغيرها من القضايا الماضية في تعطيل التنمية ونخر عظام مجتمعاتنا من الداخل.
إذن، أيّ تقدم يُرجى من أمةٍ هذا حالها؟ فالخروج من هذه الدائرة لا يمكن أن يتم من نقطة تحت الصفر. إذ لا بد أن يكون هناك حراك حقيقي في مسارات إعمال العقل، والسعي للتمكن من أدوات العصر، والعمل لتكوين رؤية استراتيجية للأمة بأسرها. وهذا الأمر لن يتم بمجرد تحرر فلسطين!
وعليه، فإن بإمكاننا الآن أن نقول إن فلسطين قد تكون هي العَرَض الأبرز لأمراضنا الكبرى (التخلف، التشرذم، التبعية). وبالتالي، فإننا إذا أردنا لها علاجاً، فلا بد أن نسعى لعلاج المرض الأصلي أولاً. فالطبيب الماهر لا يعالج السعال وحده، مهما كانت قوته، إذا كان يعلم أنه مجرد عرض لسرطان يسكن رئتي الإنسان. ومهما عمل المرء على رأب الصدوع التي تطرأ على جدران بيته، فإنها حتماً ستعود إذا لم يصلح ما يتسبب فيها من تسريب المياه من الخزان أعلى المنزل!
* * *
نعم، نحن بحاجة لدعم ثبات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتأييد القضية بكل الوسائل ما استطعنا. لكننا ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن ما نقوم به أشبه بالمسكنات التي تخفف آلام المريض، وذلك إلى أن نتمكن من علاج دائه الأصلي الذي تسبب في ظهور ذلك العرض.

المصدر
http://www.4nahda.com/portal/node/350

[بشرى فلسطين]

بالفعل ، فلسطين لا يتذكرها العالم العربي إلا في أوقات العدوان الصهيوني
وعندما يرون أشلاء ودماء شعبه على شاشات التلفاز، ولكن سرعان ما تعود الأمور لطبيعتها وتنسى القضية مرة أخرى بعد مرور أشهر بل وأسابيع معدودة.
أما هذه
وغني عن القول إن غالبية الدول العربية ستعمل على التخلص من ذلك الصداع الذي يؤرقها باستمرار واسمه:اللاجئون الفلسطينيون. إذ الأرجح أنها ستطلب منهم الرحيل فوراً،
وكأنك لم تسمع عن بعض الدول التي تريد ترحيل اللاجئين من أرضها في الوقت الحالي ، وإلى الآن لم تجد دولة ترضى بهم؟؟؟
في أمان الله