لا عذر بالجهل فى الشرك الاكبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حكم الدعوة لمقاطعة عيد الاضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 113 )           »          مافيا أمريكية لسرقة الأعضاء البشرية للعراقيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          حين تعوض السياسة فشل الحرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          أسباب الانحراف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 104 )           »          الأخلاق بين فلاسفة اليونان والعصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 113 )           »          استقبال الأيامِ العشرِ من ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 92 )           »          معنى الصبر وحقيقته وفضائله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من الأضرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          المداومة على العمل الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 72 )           »          طوبى لمن كان مفتاحا للخير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-01-2008, 09:26 PM
المغيرة المغيرة غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
مكان الإقامة: sudan
الجنس :
المشاركات: 91
الدولة : Aland Islands
افتراضي لا عذر بالجهل فى الشرك الاكبر

من وقع في الشرك الأكبر يُسمى مشركاً بمجرد الفعل والوقوع ولو كان جاهلاً أو مقلداً أو متأولاً أو مخطئاً.
الثابت المتقرر في دين الله تعالى أن الناس فيه قسمان ، من حيث العموم والأجمال , مؤمن وكافر , وثم دينان لا ثالث لهما , من خرج من أحدهما وقع في الأخر يقيناً , وعكس ذلك صحيح , دين الإسلام ودين الكفر والشرك .
قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ  [ التغابن :2 ] وقال أيضاً :  وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ  [ آل عمران 85 ]
فالإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده,كما تقرر ذلك في أصول الكتاب والسنة المستفيضة بما يغني عن إعادة البيان,ودين الكفر هو الشرك بالله تعالى ونقض توحيده بأي صورة من الصور كانت,فمن دان بتوحيد الله عز وجل ، علمنا يقيناً كونه من المسلمين,ومن نقض هذا التوحيد وتلبس بالشرك علمنا يقيناً أنه ليس مسلماً بل هو على نقيض دين الإسلام،أي أنه على الشرك بالله العظيم.
هذا برهان ضروري أولي لا ينكره إلا مكابر معاند , فليس بمسلم إلا من وحد الله تعالى , وكل من لم يوحد الله فهو مشرك ، يستوي في ذلك العالم المعاند والجاهل الضال والمقلد المتبع ومن هو قبل الرسول ومن هو بعده ، ومن بلغته الدعوة ومن لم تبلغه , من حيث الحكم العام الذي يجري في ظاهر الحال , وبه نميز الناس أمام هذا الدين ( الإسلام ) ، أما كونه معذباً يوم القيامة بشركه هذا أو معفو عنه لجهله فهذا أمر آخر وقضية أخرى لها كلام آخر يأتي بأذن الله .
لهذا فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة المتفق عليها أن من وقع في الشرك الأكبر يُسمى مشركاً بمجرد الفعل والوقوع ولو كان جاهلاً أو مقلداً أو متأولاً أو مخطئاً ، وسواءً بلغته الحجة الرسالية أم لم تبلغه . وهذه هي عقيدة السلف الصالح ، والأدلة عليها كثيرة جداًَ منها :
الدليل الأول : قال تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ [ التوبة : 6 ]
فهذه الآية المحكمة في دلالتها ، تثبت بوضوح حكم الشرك مع الجهل الشديد المطبق في وقت اندرست فيه الشرائع وطمست فيه السبل . ففي هذه الآية وصفان لشخص واحد ، هما : الشرك والجهل بالرسالة المحمدية . فالجهل بالرسالة المحمدية لم يمنع من وصف من يرتكب الشرك بأنه مشرك.
قال الإمام الطبري :- " يقول - تعالى ذكره - لنبيه : وان استأمنك يا محمد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك ، وهو القرآن الذي أنزله الله عليك  فَأَجِرْهُ  . يقول :- فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ  يقول :- ثم رده بعد سماع كلام الله إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ بما تتلوه عليه من كلام الله فيؤمن ، إلى مأمنه ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ . يقول :- تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن ، وردك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم من أجل انهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا ، وما عليهم من الوزر والإثم لتركهم الإيمان بالله ."
وقال البغوي:  حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ فيما له وعليه من الثواب والعقاب.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ  أي : لا يعلمون دين الله وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله . وقال الحسن : هذه الآية محكمة إلى قيام الساعة .أهـ
أقول : فصح تسميته مشركاً , وجعله من ا لمشركين , مع أنه لم يسمع كلام الله , وتصريح الآية بأنه لا يعلم ، وهذه حجة واضحة لا انفكاك منها ، وهي برهان قطعي على إثبات صفة الشرك وحكمه على كل من تلبس بالشرك , علم أو لم يعلم ، عاند أو لم يعاند ، قلد أو لم يقلد .
وبهذا علمنا شرك أهل مكة من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرك الأقوام الذين بعث إليهم النبيون والمرسلون قبل بعثتهم ، وشرك من قال أن الله ثالث ثلاثة ، وأن الله هو المسيح أو عزير ابن الله ، ومن قالوا :نحن أبناء الله وأحباؤه ، ومن قالوا يد الله مغلولة ، ومن قالوا أن الله فقير ونحن أغنياء ، ومن توجه بعبادته لغير الله ، أو شَرَّع غير شرع الله كذلك .
الدليل الثاني : قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ . وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
[الأعراف 172 – 174]
وهذه الآية من أعظم دلائل القرآن المجيد وأجلها , وذلك أنها أحكمت بيان القضية ثم فصلته في ذات الوقت ، فبينت إقامة الحجة بالأشهاد وأخذ الميثاق على التوحيد , ثم فصلت انقطاع العذر بهذه الحجة , سواء بالجهل أو التقليد في قوله تعالى :  أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . - أي جاهلين –
 أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ - أي كانوا مقلدين - وحاصل الحالتين الجهل وعدم العلم , فأثبتت الآية ثبوت الحجة وقيامها على بني آدم بهذا الأشهاد , وانقطاع العذر بها كذلك .
ومن ثم علمنا أن كل بني آدم يولدون على هذه الفطرة وهذا الميثاق وهذا الدين , فإذا ما بدلوه ونقضوه علمنا شركهم يقيناً دونما التفاتٍ إلى جهل أو تقليد أو عناد وغير ذلك , وبهذا التفصيل والبيان قال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم : " كل مولود على الفطرة ـ وفي رواية على هذه الملة ـ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كالبهيمة تنتج بهيمة كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " [متفق عليه ] .
فصح شركهم وإثبات هذا الحكم عليهم مع أنهم مقلدون لا يفقهون ولا يقدرون ولا يعلمون .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : " يخبر - تعالى- أنه أستخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا اله إلا هو ، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه… ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : - إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد… ( وأخذ يدلل على رجحان هذا القول ). قالوا ومما يدل على أن المراد بهذا ( أي الإشهاد ) هو فطرهم على التوحيد أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك ، فلو كان قد وقع هذا ( أي الإشهاد الحقيقي والخروج من صلب آدم  حقيقة لأخذ العهد والميثاق ) كما قاله من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه . فان قيل :- إخبار الرسول به كاف في وجوده ، فالجواب:- إن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءت به الرسل من هذا وغيره ، وهذا ( أي العهد والميثاق )جعل حجة مستقلة عليهم ، فدل على أنه: الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد ، ولهذا قال أَنْ تَقُولُوا  أي لئلا تقولوا يوم القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا  أي التوحيد غَافِلِينَ  أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا "
قال الطبري :-" يقول تعالى ذكره شَهِدْنَا عليكم أيها المقرون بأن الله ربكم كي لا تقولوا يوم القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ : ¬ إنا كنا لا نعلم ذلك وكنا في غفلة منه  أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ  اتبعنا مناهجهم على جهل منا بالحق ." اهـ
قال القرطبي :"- قال الطرطوشي : - إن هذا العهد يلزم البشر وان كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وقد نسيه… وقال ابن عباس وأبي بن كعب : - قوله شهدنا هو من قول بني آدم ، والمعنى شهدنا أنك ربنا وإلهنا…. أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ  بمعنى لست تفعل هذا ، ولا عذر للمقلد بالتوحيد . اهـ
وقال الشوكاني :- " … أي :- فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة أو تنسبوا الشرك إلى آبائكم دونكم ،و أو  لمنع الخلو دون الجمع ، فقد يعتذرون بمجموع الأمرين مِنْ قَبْلُ  أي من قبل زماننا وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ  لا نهتدي إلى الحق ولا نعرف الصواب ، أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ  من آبائنا ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا عن النظر واقتفائنا آثار سلفنا : بين الله - سبحانه- في هذه ، الحكمة التي لأجلها أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة ، ويعتلّوا بهذه العلة الباطلة ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة." اهـ
وقال البغوي :-"…. فان قيل كيف تلزم الحجة على أحد لا يذكر الميثاق ؟ قيل :- قد أوضح الله الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا ، فمن أنكره كان معانداً ناقضاً للعهد ولزمته الحجة ، وبنسيانهم وعدم حفظهم لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق صاحب المعجزة . قوله تعالى  أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ  يقول :- إنما أخذ الميثاق عليكم لئلا تقولوا أيها المشركون إنما أشرك آباؤنا من قبل ونقضوا العهد وكنا ذرية من بعدهم ، أي كنا أتباعاً لهم فاقتدينا بهم . فتجعلوا هذا عذراً لأنفسكم وتقولوا :-  أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ  أفتعذبنا بجناية آبائنا المبطلين ؟ فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل هذا الكلام بعد تذكير الله - تعالى- بأخذ الميثاق على التوحيد وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ  أي نبين الآيات ليتدبرها العباد  وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  من الكفر إلى التوحيد . " اهـ
وقال ابن القيم:  وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ  وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيته إقراراً تقوم عليهم به الحجة ، وهذا إنما هو الإقرار الذي احتج به عليهم على ألسنة رسله ، كقوله تعالى :  قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ  (إبراهيم :10) …  وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (لقمان :25) ،  قُلْ لِمَنْ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ (المؤمنون :84-85). ونظائر ذلك كثيرة ، يحتج عليهم بما فطروا عليه من الإقرار بربهم وفاطرهم ويدعوهم بهذا الإقرار إلى عبادته وحده وألا يشركوا به شيئاً ، هذه طريقة القرآن ، ومن ذلك هذه الآية التي في (الأعراف) وهي قوله ( وإذ أخذ ربك …) ولهذا قال في آخرها ( أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين …) فاحتج عليهم بما أقروا به من ربوبيته على بطلان شركهم وعبادة غيره ، وألا يعتذروا إما بالغفلة عن الحق وإما بالتقليد في الباطل ، فان الضلال له سببان : - إما غفلة عن الحق وإما تقليد أهل الضلال ." وقال في ( ص 562) فهو سبحانه يقول :- أذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء فخلقوا حين ولدوا على الفطرة مقرين بالخالق شاهدين على أنفسهم بأن الله ربهم ، فهذا الإقرار حجة عليهم يوم القيامة... ( أن تقولوا ) أي : كراهية أن تقولوا أو لئلا تقولوا ( إنا كنا عن هذا غافلين ) أي : عن هذا الإقرار لله بالربوبية ، وعلى نفوسنا بالعبودية ( أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم ) فذكر سبحانه لهم حجتين يدفعهما هذا الإشهاد :- إحداهما أن يقولوا :- إنا كنا عن هذا غافلين ، فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته ، وذلك يتضمن حجة الله في إبطال التعطيل وأن القول بإثبات الصانع علم فطري ضروري وهو حجة على نفي التعطيل .
والثاني : - أن يقولوا :- ( إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) وهم آباؤنا المشركون : أي أفتعاقبنا بذنوب غيرنا ؟ فانه لو قدر أنهم لم يكونوا عارفين بأن الله ربهم ووجدوا آباءهم مشركين وهم ذرية من بعدهم ، ومقتضى الطبيعة العادية أن يحتذي الرجل حذو أبيه حتى في الصناعات والمساكن والملابس والمطاعم إذ كان هو الذي رباه ، ولهذا كان أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، فإذا كان هذا مقتضى العادة والطبيعة ، ولم يكن في فِطَرهم وعقولهم ما يناقض ذلك ، قالوا : نحن معذورون وآباؤنا الذين أشركوا ، ونحن كنا ذرية لهم بعدهم ، ولم يكن عندنا ما يبين خطأهم . فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أن الله وحده هو ربهم ، كان معهم ما يبين به بطلان هذا الشرك ، وهو التوحيد الذي شهدوا به على أنفسهم . فإذا احتجوا بالعادة الطبيعية من اتباع الآباء كانت الحجة عليهم الفطرة الطبيعية الفعلية السابقة لهذه العادة الطارئة ، وكانت الفطرة الموجبة للإسلام سابقة للتربية التي يحتجون بها ، وهذا يقتضي أن نفس العقل الذي به يعرفون التوحيد حجة في بطلان الشرك لا يحتاج ذلك إلى رسول ، فانه جعل ما تقدم حجة عليهم بدون هذا . وهذا لا يناقض قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) فان الرسول يدعو إلى التوحيد ، ولكن الفطرة دليل عقلي يعلم به إثبات الصانع <> ( بياض في الأصل، والسياق يقتضي وضع ( وإلا ) لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن بأن الله ربهم ، ومعرفتهم أمر لازم لكل بني آدم ، به تقوم حجة الله في تصديق رسله ، فلا يمكن لأحد أن يقول يوم القيامة : إني كنت عن هذا غافلا ولا أن الذنب كان لأبي المشرك دوني لأنه عارف بأن الله ربه لا شريك له ، فلم يكن معذوراً في التعطيل والإشراك ، بل قام به ما يستحق به العذاب . ثم إن الله  لكمال رحمته وإحسانه - لا يعذب أحداً إلا بعد إرسال الرسول إليه ، وان كان فاعلا لما يستحق به الذم والعقاب ، فلله على عبده حجتان قد أعدهما عليه لا يعذبه إلا بعد قيامهما :- إحداهما :- ما فطره وخلقه عليه من الإقرار بأنه ربه ومليكه وفاطره ، وحقه عليه لازم. والثاني :- إرسال رسله إليه بتفصيل ذلك وتقريره وتكميله ، فيقوم عليه شاهد الفطرة والشرعة ويقر على نفسه بأنه كان كافراً .كما قال تعالى :- ( وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ) (الأنعام :130). فلم ينفذ عليه الحكم إلا بعد إقرار وشاهدين ، وهذا غاية العدل. " (أحكام أهل الذمة ج2 ص523 – 557)
وقال ابن تيمية :" الحمد لله،أما قوله  كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فالصواب أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها،وهي فطرة الإسلام،وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال ألست بربكم قالوا بلى ( وهي:- السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة. فان حقيقة (الإسلام):- أن يستسلم لله لا لغيره،وهو معنى لا اله إلا الله.وقد ضرب رسول الله  مثلا لذلك فقالكما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟) بين أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن ، وأن العيب حادث طارئ . وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : - قال رسول الله  فيما يرويه عن الله) إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ) ( إلى أن قال ) ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل ،فان الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً،ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً.وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع :- هي فطرة الله التي فطر الناس عليها ." اهـ (مجموع الفتاوى ج4 ص 245)
أقول :ونحن نعلم يقيناً أن شرك جماهير اليهود والنصارى والمجوس إنما هو شرك جهل وتقليد , ولم يعذروا بذلك , وإنما أثبت حكم الشرك لهم , ولأن غير ذلك معناه إثبات حكم الإسلام والتوحيد لا محالة ،وهذا باطل جملة ومن حيث الأصل.
فصح أن من خرج من التوحيد وتلبس بالشرك , قد خرج من الدين الحق إلى دين الشرك ، جهل أو علم , عاند أو لم يعاند , قلد أو نظر وتأمل .
قال صلى الله عليه وسلم : » يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أ كنت تفتدي به ؟ قال ؛ فيقول ؛ نعم , فيقول له المولى :" قد أردت منك ما هو أهون من هذا , قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي «. رواه مسلم
الدليل الثالث : قال تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. [ الحجرات: 2 ] .
فصح بنص الآية الجلي الواضح أن هناك من يقع في الشرك المستوجب إحباط العمل من غير أن يعلم أنَّ ما وقع منه هو الشرك،لصريح قوله تعالى: وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ .. . فهذه الآية برهان قطعي على إثبات صفة الشرك وحكمه على كل من تلبس بالشرك , علم أو لم يعلم ، عاند أو لم يعاند ، قلد أو لم يقلد .
قال ابن القيم:" فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه ، أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم " اهـ ( أعلام الموقعين 1/51)
أما من أعترض بأن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم ليس شركاً فقد روي أنها نزلت في أبي بكر وعمر فليس اعتراضه بشيء ، لأن الآية تقول :  أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ  فيدخل في ذلك ما يخشى أن يؤول صاحبه إلى الشرك المحبط للعمل ، بيد أن وجه الدلالة في قوله :وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ مبطل التمويه.
وقد احتج بهذه الآية أبو محمد بن حزم على عين ما قلناه . فأبى مخالفونا إلا أن يلووا كلام بن حزم لياً ، ويمزقوه تمزيقاً يمقته كل منصف ، وهذا هو ديدنهم ، إذا وجدوا شاردة في كلام إمام توافق مذهبهم طاروا بها كل مطير , وإذا وجدوا من كلامه ما يخالف مذهبهم صراحة ، صاروا يؤولونها كما فعلوا مع بن حزم ، وربما قالوا : إنها زلة عالم كما فعلوا مع الإمام الصنعاني رحمه الله .
يقول ابن حزم معلقاً على هذه الآية : " فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي  دون جحد كان منهم أصلاً ، ولو كان منهم جحد لشعروا له ، والله تعالى أخبرنا بأن ذلك يكون وهم لا يشعرون ، فصح أن من أعمال الجسد ما يكون كفراً مبطلاً لإيمان فاعله جملة ومنه ما لا يكون كفراً . " اهـ (الفصل ج3ص220)
أعود فأؤكد أن الآية نصت على عدم اعتبار الجهل بالشرك في الحكم الشرعي وأنه محبط للعمل يقيناً والحمد لله على توفيقه .
البرهان الرابع : قال تعالى : وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [ آل عمران : 103] .
فصح بنص الآية أن العرب المشركين قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا مستوجبين لعذاب النار أي مشركين ، مع أنهم كانوا قبل الحجة الرسالية ، إلا من نجَّاه الله ببعثة النبي  وإتباعه النور الذي أنزل معه .
أقول : هذا الدليل ليس هو نص الآية فحسب ، وإنما هذه الآية هي قاعدة شرعية عامة ومضطردة , فيندرج تحتها كامل النصوص المستفيضة في الكتاب والتي تتحدث عن رحمة الله للناس ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه نجاهم به من الهلاك المبين ، وأنقذهم به من النار ، ونحو ذلك ، وهذا برهان نظري عقلي شرعي بديهي ، وذلك أنه إن لم يكن هؤلاء العرب قبل البعثة مشركين ، فضلاً عن كونهم معذورين معفي عنهم ما هم فيه ،ومن عذاب الله هم ناجون ، فأي رحمة جاءت لهم ، وأي نجاة نجوها ، وأي إنقاذ أنقذوا منه ، إلا أن يكونوا مشركين مستوجبين لعذاب الله وبطشه ، فرحمهم الله ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، مذكراً إياهم بالله وهديه وأيامه ، فمن تبعه هُدِيَ ونجا ومن استمر على شركه وضلاله خسر وذل . هذا بيان واضح تدركه كل فطرة مستقيمة .
الدليل الخامس : قال تعالى : وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ  [ الأنعام: 137 ]
وهذا برهان جلي لا انفكاك منه لذي بصيرة ، وفي هذه الآية المباركة دلالتان كلاهما حاسمة في هذا النزاع :
الأولى : أن الله سماهم مشركين وهم لم تبلغهم الحجة الرسالية بعد وكانوا أهل فترة , وهذا من أوضح ما تكون الحجج .
الثانية : في قوله : زَيَّنَ  وقوله : وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ  فصح أن القوم كانوا يظنون في فعلهم أنه الحق وليس من الشرك , لتضليل سادتهم ، ولم يعتبر الله سبحانه ذلك الجهل منهم والالتباس الذي وقعوا فيه .
ومثل ما سبق قوله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ  (الأنعام : 140)
وهذا برهان قائم بذاته ويزيد فيه قوله تعالى :  بِغَيْرِ عِلْمٍ  فصح أن الحجة العينية التي يتحقق بها العلم وتنتفي معها الشبه لم تكن قائمة . وإن كان الأمر واضحاً ابتداء ، إلَّا أن الآية قد أكدت هذا المعنى لتخرص كافة الألسنة ، فالقوم ما فعلوا فعلهم إلا  سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ  . وفي هذا الدليل يدخل قوله تعالى :  بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ  (يونس :39)
وأيضا قوله تعالى :  حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  ( النمل :84)
الدليل السادس : قال تعالى: لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ . رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً  (البينة:1-2)
فهذه الآية تدل بوضوح على إثبات وصف الشرك والكفر قبل البعثة المحمدية والحجة القرآنية. مُنفَكِّينَ  : أي منتهين عن كفرهم ، مائلين عنه.( القرطبي )
قال ابن كثير : " قال مجاهد : لم يكونوا  مُنفَكِّينَ  يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق وهكذا قال قتادة ، وحتى تأتيهم  الْبَيِّنَةُ  أي هذا القرآن. "إهـ
وقال ابن تيمية : " وممن ذكر هذا أبو الفرج بن الجوزي . قال :  لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ  اليهود والنصارى  وَالْمُشْرِكِينَ  وهم عبدة الأوثان  مُنفَكِّينَ  أي منفصلين وزائلين ... والمعنى لم يكونوا زائلين عن كفرهم وشركهم حتى أتتهم البينة . لفظه لفظ المستقبل ومعناه الماضي ، والبينة الرسول وهو محمد  ، بين لهم ضلالهم وجهلهم ... ولفظ البغوي نحو هذا ، قال :- لم يكونوا منتهين عن كفرهم وشركهم ...  حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ  لفظه مستقبل ومعناه الماضي ، أي حتى أتتهم البينة - الحجة الواضحة - يعني محمداً أتاهم بالقرآن فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان ، فأنقذهم الله به من الجهل والضلال ." اهـ (مجموع الفتاوى ج16 ص483-486)
وقال الشوكاني : " قال الواحدي : ومعنى الآية إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد  بالقرآن ، فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان وهذا بيان عن النعمة والإنقاذ به من الجهل والضلالة. " اهـ
فهذا برهان قاطع على صدق ما نقول به ، فقد سمى الله من تلبس بالشرك من العرب ومن أهل الكتاب الذين كفروا ـ مشركين ـ مع تصريح الآية ذاتها بأن ذلك قبل أن تأتيهم البينة وهي الحجة الرسالية كما فسرتها الآية ذاتها .
فصح يقيناً ما قدمناه . أن من تلبس بالشرك حكم بشركه كحكم عملي ظاهر في واقع الحال يتميز به الناس في الدنيا . ودونما نظراً لعلمه وعناده أو جهله أو تقليده وهل قامت عليه حجة رسالية وبينة أم لم تقم ؟ .
أما مسألة عذابه يوم القيامة بشركه أو العفو عنه بجهله فهي قضية أخرى غير تلك وسيأتي بيانها .
الدليل السابع :قال تعالى :- وَلَوْلآ أَن تُصِيبَهُم مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (القصص :47)
قال الطبري :"- يقول تعالى ذكره :- ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلتك يا محمد إليهم لو حل بهم بأسنا أو أتاهم عذابنا من قبل أن نرسلك إليهم على كفرهم بربهم واكتسابهم الآثام واجتراحهم المعاصي :- ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من قبل أن يحل بنا سخطك وينزل بنا عذابك فنتبع أدلتك وآي كتابك الذي تنزله على رسولك ونكون من المؤمنين بألوهيتك المصدقين رسولك فيما أمرتنا ونهيتنا . لعاجلناهم العقوبة على شركهم من قبل ما أرسلناك إليهم ، ولكنا بعثناك إليهم نذيراً على كفرهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ."
وقال ابن كثير :- " أي وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة ولينقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير ."
وقال البغوي : " وَلَوْلآ أَن تُصِيبَهُم مّصِيبَةٌ  عقوبة ونقمة  بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ  من الكفر والمعصية ،  رَبّنَا لَوْلآ  هلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  وجواب لولا محذوف أي:- لعاجلناهم بالعقوبة . يعني :- لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة على كفرهم ، وقيل :- معناه لما بعثناك إليهم رسولاً ، ولكن بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ."
قلت : فهذه الآية الكريمة تبين أنه قبل البعثة والرسالة المحمدية كان وصف الشرك ثابتاً على من أشرك بالله ، ولكن قضية عذابهم على هذا الشرك تحتاج إلى إرسال الرسول وإقامة الحجة بالقرآن ليقطع عذرهم بالعذاب . ومع هذا فقد اتفق السلف على أنهم قبل إقامة الحجة مشركون كافرون غير مسلمين ، إلا أنهم لا يعذبون إلا بعد الحجة الرسالية على خلاف بينهم في هذا الأخير .
الدليل الثامن : قال تعالى : - ذَلِكَ أَن لّمْ يَكُنْ رّبّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (الأنعام : 131)
قال القرطبي :-" .... أي :- إنما فعلنا ذلك بهم لأني لم أكن أهلك القرى بظلمهم أي :- بشركهم قبل إرسال الرسل إليهم فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير . وقيل :- لم أكن أهلك القرى بشرك من أشرك منهم ، فهو مثل : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .ولو أهلكهم قبل بعثة الرسل فله أن يفعل ذلك."
وقال البغوي : "- أي :- الذي قصصنا عليك من أمر الرسل وعذاب من كذبهم لأنه لم يكن ربك مهلك القرى بظلم أي :- بشرك من أشرك . (وأهلها غافلون ) لم ينذروا حتى نبعث إليهم رسلا ينذرونهم. " اهـ
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري :-"ويحتمل قوله تعالى (بظلم) وجهين:- أحدهما :- ذلك من أجل أن ربك لم يكن ليهلك القرى بظلم أهلها بالشرك ونحوه وهم غافلون . يقول :- لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسولاً ينبههم على حجج الله عليهم وينذرهم عذاب الله يوم معادهم ، ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفلة فيقولوا :- ما جاءنا من بشير ولا نذير . والوجه الثاني : - (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) يقول :- لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر ، فيظلمهم بذلك ، والله غير ظلاّم لعبيده ." اهـ ثم شرع يرجح الوجه الأول ولا شك أنه أقوى.
فهذا النص بفهم السلف يثبت وصف الشرك قبل البعثة والناس في غفلة ، إلا أن العذاب لا يكون إلا بعد الرسالة.
الدليل التاسع : - شرك قوم نوح  ، وهو أول شرك وقع على وجه الأرض ، ومن المعلوم بيقين أن آدم  قد ترك ذريته على التوحيد الخالص ، ثم بدأ الشرك يدب في ذريته بسنن شيطانية والتي تحدث عنها حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما ، فأصبحوا مشركين فبعث الله نوحاً وهو أول رسول إلى أهل الأرض بنص حديث الشفاعة الصحيح . ومن المعلوم أيضاً أن نوحاً  كان يخاطب قومه على أنهم : مشركون لا مسلمون . فأين الرسول الذي أقام الحجة عليهم قبله حتى يثبت لهم وصف الشرك وحكمه ؟
قال تعالى :- كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ  البقرة:213 قال ابن كثير في التفسير :- " قال ابن جرير ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :- كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .
قال:- وكذلك هي قراءة عبد الله ... الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحاً  فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض."
وقال ابن تيمية :- " وذلك أن الناس كانوا بعد آدم  وقبل نوح  على التوحيد والإخلاص كما كان عليه أبوهم آدم أبو البشر  حتى ابتدعوا الشرك وعبادة الأوثان - بدعة من تلقاء أنفسهم - لم ينزل الله بها كتاباً ولا أرسل بها رسولاً ، بشبهات زينها الشيطان من جهة المقاييس الفاسدة والفلسفة الحائدة ، قوم منهم زعموا أن التماثيل طلاسم الكواكب السماوية والدرجات الفلكية والأرواح العلوية، وقوم اتخذوها على صورة من كان فيهم من الأنبياء والصالحين ، وقوم جعلوها لأجل الأرواح السفلية من الجن والشياطين ، وقوم على مذاهب أخر . وأكثرهم لرؤسائهم مقلدون وعن سبيل الهدى ناكبون ، فابتعث الله نبيه نوحاً  يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهاهم عن عبادة ما سواه وان زعموا أنهم يعبدونهم ليتقربوا بهم إلى الله زلفى ويتخذونهم شفعاء ."اهـ ( مجموعة التوحيد ج 28 ص 603-604)
وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس  " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب…. أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ." اهـ (فتح الباري ج8 ص 535)
انظر رحمني الله وإياك قول ابن عباس رضي الله عنهما أنها أي- الأصنام -لم تعبد في بادئ الأمر،وأن العلة في عبادتها:تنسخ العلم وانتشار الجهل ،وذلك لأن المشرك أينما كان يظن أن ما هو عليه من الديانة تقربه إلى الله زلفى،فكيف يتقرب العبد إلى الله بأمر يعتقد بطلانه؟وذلك لأن منبع ومبعث الشرك هو الاعتقاد،بخلاف المعصية فان منبعها ومبعثها الشهوة المحضة،فالزاني والسارق وشارب الخمر يعلم قبح وحرمة معصيته ولكن الشهوة العارمة تحمله على اقترافها بخلاف الذبح والنذر والدعاء والاستغاثة فإن الحامل على فعل هذه هو: الاعتقاد لا الشهوة.لذلك لن تجد عبداً يعلم قبح وحرمة الشرك وأنه يسوق صاحبه إلى الخلود في النار ويحرم عليه دخول الجنة ويحبط عمله بالكلية ثم يفعله بعد هذا قربة إلى الله.
قال تعالى :- وَلقدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىَ قَوْمِهِ إِنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ . أَن لاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ اللّهَ إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (هود :25-26)
قال ابن كثير :- " يخبر الله تعالى عن نوح  - وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه : -  إِنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ  أي:- ظاهر النزارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله ..... وقوله  إِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ أي :- إن استمرريتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذاباً أليماً موجعاً شاقاً في الدار الآخرة. " اهـ منقول
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-01-2008, 09:30 PM
المغيرة المغيرة غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Apr 2007
مكان الإقامة: sudan
الجنس :
المشاركات: 91
الدولة : Aland Islands
افتراضي تابع لاعذر بالجهل فى الشرك الاكبر

في قوم نوح بتنسخ العلم ، فقال :- " فلم تعبد ( أي الأصنام ) حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ." فهؤلاء القوم كانوا بداية على التوحيد ومن نسل موحد ثم دب فيهم الشرك بنوع من الجهل والتأويل ، وتخرصاً وحسباناً أنه يقربهم إلى الله زلفى ، بدعة من تلقاء أنفسهم لم ينزل الله بها من سلطان، فأصبحوا مشركين ، فعند هذا بعث الله إليهم نوحاً  بشيراً ونذيراً ليقيم الحجة الموجبة للعذاب في الدارين لمن خالفها.
وما يقال في قوم نوح يقال في كل أمة بين رسولين ، لأن الرسل ترسل لأقوامهم- المشركين الجاهلين- بالإسلام،فيكفر بهم أكثر أقوامهم،ويؤمن لهم من وفقه الله للهداية ثم يفصل الله بينهم وبين أقوامهم،ويبقى الموحدون بعد هلاك الكفار بالرسالات ثم يمكثوا ما شاء الله لهم على التوحيد،حتى إذا تنسخ العلم لديهم دب فيهم الشرك وأتوا من قبل جهلهم وتخرصهم على ربهم بغير سلطان لديهم من الله،فعند هذا يبعث الله رسولاً ليخرجهم من الظلمات إلى النور،ومن الشرك إلى التوحيد،ومن الجهل إلى العلم ،ويتوعدهم بالعذاب في الدارين إن استمروا على شركهم وكفرهم بعد الحجة الرسالية .وهذا لقوله تعالى: رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُل ِ النساء :165.
ومن هذا يعلم :- أن اسم المشرك ثابت قبل بلوغ الرسالة ، أما العذاب في الدارين فلا يكون إلا بعدها.
قال ابن تيمية :- " وكذلك أخبر عن هود أنه قال لقومه ....إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (وبهذا يظهر فقه ابن عباس رضي الله عنهما عندما علل وقت اقتراف الشرك هود :50 ) فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلهاً آخر. فإسم المشرك ثبت قبل الرسالة ، فانه يشرك بربه ويعدل به ويجعل معه آلهة أخرى ويجعل له أنداداً قبل الرسالة ، ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها ، وكذلك اسم الجهل والجاهلية ، يقال جاهلية وجاهلاً قبل مجيء الرسول أما التعذيب فلا ، والتولي عن الطاعة كقوله :  فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى . وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (القيامة:31-32) فهذا لا يكون إلا بعد الرسول." اهـ (مجموع الفتاوي ج20 ص37)






بعض كلام أهل العلم في مسألة الجهل

1- قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره عن قوله تعالى :  فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ  ( الأعراف :30 ) قال : إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله وظُهراء جهلاً منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق ، وأن الصواب ما أتوه وركبوه ، وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عناداً منه لربه ، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد وفريق الهدى فرق ، وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية . اهـ
وراجع أيضاً كلام ابن جرير في سورة الكهف آية 104
2- ابن كثير رحمه الله نقل نفس كلام ابن جرير السابق نقله موافقاً عليه ومقرراً له عند تفسير الآية المذكورة .
3- قال البغوي رحمه الله عند تفسير نفس الآية المذكورة قال : ( وفيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء ) أهـ
4- قال ابن منده في كتابه التوحيد 1/314 :باب ذكر الدليل على أن المجتهد المخطئ في معرفة الله عز وجل ووحدانيته كالمعاند ،قال : قال الله تعالى مخبراً عن ضلالتهم ومعاندتهم  قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً  (الكهف :103-104)
ثم نقل أثر علي بن أبي طالب لما سُئل عن الأخسرين أعمالاً فقال : كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم عز وجل وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم ، فهم يجتمعون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى ويجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق ، ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، وقال علي رضى الله عنه منهم أهل حروراء ، ثم ذكر أثر سلمان الفارسي رضى الله عنه لما ذكر للرسول حال النصارى قبل البعثة أنهم كانوا يصومون ويصلون ويشهدون أنك ستبعث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم " هم من أهل النار ." اهـ
5- وقال صاحب بدائع الصنائع :-" فإن أبا يوسف روى عن أبي حنيفة هذه العبارة فقال:- كان أبو حنيفة رضي الله عنه يقول :- " لا عذر لأحد من الخلق في جهله معرفة خالقه ، لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب  وتوحيده - لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه وسائر ما خلق الله  ، فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فان هذا لم تقم عليه حجة حكمية ."اهـ
(بدائع الصنائع ج7 ص 132، كتاب السير ، "باب الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين " )
6 - وقال ابن تيمية نقلاً عن محمد بن نصر المروزي :" قالوا : ولما كان العلم بالله إيماناً والجهل به كفراً ، وكان العمل بالفرائض إيماناً والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر ، لأن أصحاب رسول الله  قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله  إليهم ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك ، فلم يكن جهلهم بذلك كفراً ، ثم أنزل الله عليهم الفرائض فكان إقرارهم والقيام بها إيماناً ، وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله ، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافراً ، وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لا يكون بجهله كافراً ، والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعده ." اهـ (مجموعة الفتاوي ج7 ص325)
7- وقال القرطبي في تفسيره عند آية الميثاق قال في آخرها ( ولا عذر للمقلد في التوحيد ) اهـ
8- قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه الشفاء في آخره في فصل بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر ، وأول ما بدأ به قال : " كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر ." اهـ
9- قال أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله فيمن دعا صاحب التربة ودس الرقاع على القبور أنه شرك أكبر ، وقد نقل أئمة الدعوة عنه هذا كثيراً على وجه الإقرار له ، قال الشيخ محمد في تاريخ نجد ص266 ( وابن عقيل ذكر أنهم كفار بهذا الفعل ) ( أعني دعوة صاحب التربة ودس الرقاع ) وقال الشيخ ابا بطين ( تقدم كلام ابن عقيل في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلو في القبور نقله عنه ابن القيم مستحسناً له ) ( الدرر السنية 10/386 )
10- قال الشوكاني في إرشاد الفحول في باب الاجتهاد : " ما يكون الغلط فيه مانعاً من معرفة الله ورسوله كما في إثبات العلم بالصانع والتوحيد والعدل قالوا فهذه الحق فيها واحد فمن أصابه أصاب الحق ومن أخطأه فهو كافر "
وقال أيضاً : " ليس مجرد قول لا اله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتاً للإسلام فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وعكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاماً " ( الدر النضيد ص 40)
11- قال ابن فرحون في تبصرة الأحكام في باب الردة قال : "مسألة ومن عبد شمساً أو قمراً أو حجراً أو غير ذلك فانه يقتل ولا يستتاب "
12- قال ابن قدامة في روضة الناظر في باب الاجتهاد قال : " وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن إدراك الحق فهو معذور غير آثم وهذا باطل يقيناً وكفر بالله تعالى ورد عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإنا نعلم قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه وذمهم على إصرارهم ، ونقاتل جميعهم ونقتل البالغ منهم ونعلم أن المعاند العارف مما يقل وإنما الأكثر مقلدة ، اعتقدوا دين آبائهم تقليداً ولم يعرفوا معجزة الرسول - ثم ذكر آيات في ذلك ." اهـ
13- قال الشيخ عبد اللطيف في مصباح الظلام ص 123 وفي كتاب السنة لعبد الله بن أحمد :" حدثني أبو سعيد بن يعقوب الطالقاني أنبأنا المؤمل بن إسماعيل سمعت عمارة بن زازان قال : بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين فيقولون والله ما كنا مشركين فيقال لهم إنكم أشركتم من حيث لا تعلمون."اهـ والشاهد قوله : (لا تعلمون ) أي جهالاً .
14- أما الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فله كتاب مستقل في ذلك وهو كتاب ( الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة ) وهي في الدرر 10/149 في ذكر كلام العلماء المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة فيما يكفر به المسلم ويرتد وأنهم أول ما يبدؤون في باب حكم المرتد بالكلام في الشرك الأكبر وتكفيرهم لأهله وعدم عذرهم بالجهل .
فذكر كلام الشافعية وذكر منهم ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في الكبيرة الأولى ونص على عدم العذر بالجهل في قوله بيان الشرك وذكر جملة من أنواعه لكثرة وقوعها في الناس وعلى ألسنة العامة من غير أن يعلموا ( أي جهال ) أنها كذلك ونقل كلام النووي في شرح مسلم في الذبح لغير الله تعظيماً أنه شرك وصار بالذبح مرتداً (وهذا تعيين لأن المنع من الذبيحة لمعين بها ) ونقل كلام أبي شامة في الباعث ، ونقل كلام صاحب كتاب ( تبين المحارم في باب الكفر ) وذكر أنواعاً من الشرك الأكبر منها من سجد لغير الله أو أشرك بعبادته شيئاً من خلقه أنه كفر بالإجماع ، ويقتل إن أصر على ذلك ،ونقل كلام الشيخ قاسم في شرح الدرر فيمن دعا غير الله أو نذر له وأنه كفر ، ومن كلام المالكية نقل كلام أبي بكر الطرطوشي وصرح أن الذي يفعل في زمانه من العمد إلى الشجر ونحوه أنه مثل فعل المشركين .
ثم ذكر كلام الحنابلة ، فذكر كلام ابن عقيل في تكفيره من عظم القبور وخاطب الموتى بالحوائج أنهم كفار بذلك ، ونقل كلام ابن تيمية وابن القيم ووالده وأطال في ذلك في تكفير من أشرك بالله وعدم عذره بالجهل . اهـ ملخصاً.
15- نقولات من كلام اللجنة الدائمة :
في فتوى اللجنة (1/220) أجابوا قائلين : " كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافراً مرتداً عن الإسلام مشركاً مع الله غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده لإتيانه ما ينقض قوله من سجوده لغير الله لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يُعَلَّم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام عذراً إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب ، فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته... فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به لا ليسمى كافراً بعد البيان فإنه يسمى كافراً بما حدث منه من سجود لغير الله أو نذره قربة أو ذبحة شاة مثلاً لغير الله . " اهـ




ذكر دلالة القياس في هذه المسألة

بعد ذكر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال أهل العلم على عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ، نذكر ما دل عليه القياس في ذلك وهو نوعان قياس الأولى ، وقياس الشبة .

أولاً : قياس الأولى :
1- إجماع الصحابة على كفر مسيلمة وأتباعه بأعيانهم وعدم عذرهم بالجهل لَمَّا ادعى أنه شريك للرسول في النبوة .
ووجه القياس ، عدم عذره في هذه المشاركة ، فكيف بمن ادعى مشاركة الله في عبادته هو وأتباعه ، هذا من باب أولى .
2- الإجماع على كفر المختار الثقفي وأتباعه لَمَّا ادعى المشاركة في النبوة ، كما قلنا في مسيلمة وأتباعه ، هذا من باب أولى .
3ـ إجماع الصحابة على عدم عذر مانعي الزكاة بالجهل لأنهم منعوا حقاً من حقوق لا اله إلا الله ، فأولى منه من امتنع عن لا اله إلا الله التي هي الأصل .
ثانياً : قياس الشبة :
1- أجمع السلف على كفر أهل الحلول والاتحاد ، لأنهم ادعوا أن الله قد حل في بعض خلقه تعالى الله عن ذلك ، فكذلك يشبهه من ادعى أن الألوهية حلت في الصالحين فعبدهم .
2- إجماع السلف على كفر المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه في الأسماء أو الصفات فمثله من شبه أحداً من خلق الله بالله في وصف الألوهية له فعبده من دون الله .
3- إجماع السلف على كفر الجهمية المعطلة وكفر القدرية منكري ومعطلي صفة العلم لله فيشبهه من عطل صفة الألوهية عن الله وأعطاها بعض خلق الله .
4ـ قياسه قياس شبة على من استهزأ بالله ، فإنه بالإجماع كافر ولا يعذر بجهله ، والمشرك بإشراكه مستهزئ بالله كما قال السلف قال تعالى : وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ  (يوسف :108)

اللوازم الباطلة للقول بالعذر بالجهل في الشرك الأكبر .
يلزم على القول بالعذر بالجهل في الشرك الأكبر لوازم باطلة منها :
1ـ يلزم إعذار جهلة اليهود والنصارى وعوامهم ،وهذا خلاف الإجماع .
2ـ يلزم إعذار أهل الفترات أو بعضهم لجهلهم ، وهذا خلاف الإجماع .
3ـ يلزم إعذار جهلة المنافقين وعوامهم ، وهذا خلاف إجماع السلف .
4ـ يلزم إعذار كل من أنكر ربوبية الله جهلاً ، وهذا خلاف إجماع السلف.
5ـ يلزم إعذار من أنكر علم الله جهلاً أو تأويلاً ، وهذا خلاف إجماع السلف .
6ـ يلزم إعذار من عطل أسماء الله أو صفاته جهلاً من الجهمية وهذا خلاف إجماع السلف .
قال الشيخ ابن سحمان في كتابه (كشف الشبهتين ) في توضيح بطلان اللوازم السابقة ، قال : " فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ في هذا كله ( أي الشرك الأكبر ) رد على من كفر معطلة الذات ومعطلة الربوبية ومعطلة الأسماء والصفات ومعطلة إفراده تعالى بالإلهية والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها كغلاة القدرية ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ومن قال بالأصلين النور والظلمة ، فإن من التزم هذا كله فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى ." اهـ
نستنتج من ذلك ما يلي :
1- المشرك الجاهل المقلد كافر .
2- الجنة لا تدخلها إلا نفس مسلمة موحدة وهذا المشرك المقلد ليس بموحد .
3- المسلم هو من عبد الله وحده لا شريك له وآمن برسوله واتبعه فيما جاء به .
4- العبد المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر .
5- كفر الجهل مع عدم قيام الحجة أصحابه كفار في أحكام الدنيا لا في أحكام الثواب والعقاب أي : الكفر المعذب عليه .
6- كفر الجهل بعد قيام الحجة أصحابه كفار في أحكام الدنيا وفي أحكام الثواب والعقاب .
7- المشرك الجاهل المقلد لرئيسه وإمامه ليس بمسلم سواء بلغته الحجة أم لا ، لأن الإسلام هو ترك الشرك والاستسلام لله وحده والإيمان به وبرسوله وأتباعه فيما جاء به .
منقول
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 85.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.78 كيلو بايت... تم توفير 2.11 كيلو بايت...بمعدل (2.46%)]