|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة المسجد الحرام – الفرار إلى الله.. فوز ونجاة
ألقاها الشيخ د. عبدالله بن عواد الجهني كانت خطبة الحرم المكي بتاريخ 27 ربيع الأول 1447هـ الموافق 19 سبتمبر 2025م بعنوان (الفرار إلى الله.. فوز ونجاة)، التي ألقاها إمام وخطيب الحرم المكي فضيلة الشيخ/ د. عبدالله بن عواد الجهني -حفظه الله-، وقد تناول في بداية خطبته الوصية الربانية بتقوى الله -عز وجل- ومراقبته مع بيان أن اللهَ لم يَخلُقْنا سُدًى، ولم يَتْرُكْ أمورنا همَلًا؛ وأنه قد فازَ مَن أطاعَ ربَّهُ وتبتَّلَ إليهِ تبتيلًا، وأدَّى فرائضَه أداءً جميلًا، وخابَ وخَسِرَ مَنْ أذهبَ زمانَهُ باطلًا، وتركَ عمرَهُ منَ الطاعةِ خليًّا عاطِلًا. ثم شرع في خطبته.. حين تشرق الأرض بنور ربها لَمَّا كانَ الإنسانُ لا بُدَّ لهُ مِنَ الانتقالِ من هذهِ الدنيا إلى الدَّارِ الآخرةِ، أرسَلَ ربُّ العالمينَ -جلَّ شأنُهُ- إلى عبادهِ رسُلًا منهم؛ لتعريفِهم بالدارِ التي سينتقلونَ إليها، وبصفةِ الطريقِ الْمُوصِلِ إليها، ولقد أنزلَ -تبارك وتعالى- على رسُولهِ محمَّدٍ -صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ تسليمًا- كثيرًا وصفًا مُوجَزًا، واضحًا شافيًا كافيًا، لقيامِ الساعةِ وفناءِ العالَمِ كلِّه، ولِمَا بعدَهُ من البعثِ حتى يدخلَ كلُّ إنسانٍ منزلتَهُ، قالَ اللهُ -تعالى- وهو أصدقُ القائلين، أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الزُّمَرِ). في رحاب التوحيد الخالص فتأمَّلْ -يا أخي المُسلِمَ- هذه الآياتِ من آخرِ سورةِ الزُّمرِ، وتعرَّفْ على ما دلَّت عليهِ، وتفَكَّرْ في عظمةِ اللهِ وكمالِ قُدرتِه، حتى تَتَيَقَّنَ بأنَّهُ واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمَدٌ، لم يَلِد ولم يُولَد، ولم يكن لهُ كفُوًا أحدٌ، حيٌّ قيُّومٌ ليس لهُ شريكٌ ولا مُعِينٌ ولا وزيرٌ؛ بل جميعُ الخَلْقِ في قبضتِه وتحتَ قهرِه، يراهم ويَسمعُ كلامَهم، ويعلَمُ سرَّهم ونَجْواهم؛ فلا يجوزُ لكَ -أيُّها المسلمُ- أن تجعلَ لك واسطةً بينَك وبينَ ربِّك -تبارَكَ وتعالَى-؛ فإنَّه قريبٌ إليكَ، أقربُ إليكَ من حبلِ الوريدِ، وهو -سبحانه- بائنٌ من خلقِه، مستوٍّ على عرشِه؛ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشُّورَى: 11). اللجوء إلى الله والتوكل عليه في كل الأمور فاتَّقِ اللهَ -أيُّها المسلمُ- عَلِّقْ آمالَكَ باللهِ وحدَهُ، والجأْ إليهِ في جميعِ الأمورِ، واستحضِرْ عظمةَ اللهِ وقدرتَهُ في كلِّ الأحوالِ، اطلبوا منهُ المددَ وقضاءَ الحوائجِ؛ فهو الذي بيدهِ مقاديرُ الأمورِ، وخزائنُ السماواتِ والأرضِ ومفاتيحُ كلِّ شيءٍ، وما سواهُ مِلكٌ للهِ ففِرُّوا إليهِ، لا يملِكون لأنفسِهم ضرًّا ولا نفعًا إلا ما شاءَ اللهُ، و{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(فَاطِرٍ: 2). واسألوا اللهَ الهدايةَ والتوفيقَ، فلا يملِكُهما أحدٌ سواهُ، اللهمَّ ألهمْنا رشْدَنا، وقِنا شرورَ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا. التمسك بالوحيين والحذر من البدع تحصَّنُوا بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّهِ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-، من مُحدَثاتِ الأمورِ، واعبُدُوا اللهَ على علمٍ وبصيرةٍ، واتَّقُوا اللهَ وراقِبُوهُ؛ فإنَّهُ يَراكم ويَسمَعُكم، فاجعلوا هَوَاكُم تبعًا لِمَا جاءَ بهِ رسولُهُ -عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليم-، وأكثِرُوا من قولِ: «لا إلهَ إلَّا اللهُ»؛ فإنَّها مِفتاحُ الجنَّةِ، وحقِّقوا معناها، وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّنا الكريمِ، فقد أمَرَكم ربُّكم -تبارَكَ وتعالَى- بقولهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(الْأَحْزَابِ:56)، وهي من حقِّه على أمَّتِه، وبها تَنشَرحُ صدورُكم، وتُكفَوْنَ همومكم، وتُقضى حوائِجُكم، وتُغفَرُ ذنوبُكم، وتستَحقُّونَ شفاعتهُ لكم. جوهر الصلاة وثمراتها إنَّ جوهر الصلاة ولبَّها هو إدامة اتصال القلب بالله -تعالى- وذكره وتعظيمه، كما قال -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه:14) أي: «أقم الصلاة لي؛ فإنك إذا أقمتها ذكرتني»، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق:19)؛ فالصلاة «قرب ودعاء وصلة» تصل القلب بخالقه، وتربط العبد بربه، وتقربه منه، وهي طريق متين لتحقيق القرب منه -سبحانه-، بهذه الصلةِ وهذا القربِ يأنسُ العبد بربه، ويضيء القلب بنور الإيمان؛ فيشرق ويسمو. قال ابن القيم -رحمه الله- في معرض حديثه عن الصلاة: «وتعبد بها القلب والجوارح جميعًا، وجعل حظ القلب منها أكمل الحظين وأعظمهما، وهو إقباله على ربه -سبحانه- وفرحه وتلذذه بقربه وتنعّمه بحبه وابتهاجه بالقيام بين يديه، وانصرافه حال القيام بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميل حقوق عبوديته حتى تقع على الوجه الذي يرضاه». والصلاة نور: فقد وصف النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الصلاة بأنها نور (الصلاةُ نور)، وهو وصف دقيق جليل يوحي بمعنى أصيل لجوهر الصلاة وحقيقتها، حري أن يتأمله المصلي في واقع نفسه وحياته، ويقيس مدى انطباقه على واقعه، ويسأل نفسه: كم هي شحنة النور التي يخرج بها حين ينفتل من صلاته؟ هذا النور هو الإشراق الروحي الذي ينبعث في قلب المصلي، ويمتد إلى حياته كلها؛ فالصلاة نور يهدي إلى الحق ويبعد عن الظلمات، نور يتجلى أثره في السكينة والإيمان والطاعة، نور يضيء للمصلي ظلمة قلبه، ويزيل الغشاوة عن عينه وسمعه وعقله؛ فيبصر الحق حين يضل عنه آخرون، وينطق به حين يصاب بالعِيّ غافلون. إنه النور الذي يضيء دروب الحياة؛ فتعم فيها السكينة والطمأنينة، من هذا النور تنبع الفضائل والثمرات والبركات، وبانعدامه تدوم الظلمات وتتكاثر الخطيئات {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور ٍ} (النور:40). والصلاة في جوهرها كذلك رحلة إيمانية، ترتقي بالعبد إلى مقام القرب من الله، وتعرج به في ملكوت الله. ودلالة هذه الرحلة الروحية مستوحاة من قصة فرضيتها في السماء السابعة في رحلة الإسراء والمعراج، وكأنّ المصلي يعرج بروحه مع كل صلاة يصليها، ويرتقي عن كل متاع الدنيا وشهواتها وظلماتها؛ ليصعد إلى حيث النور ليبصر من علوّ، وي-تعالى- عن متاع الدنيا بكل سموّ، وهكذا كان هديه - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر واشتد عليه شيء، فزع إلى الصلاة، وعرج بروحه إلى مولاه، واتصل بخالقه طالبًا منه العون والتسديد.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |