|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من بطولات الضفادع البشرية المصرية.. العمليات البحرية ضد ميناء إيلات (1-2) كتبه/ علاء بكر فقد عاشت مصر بعد الهزيمة القاسية في يونيو عام 1967 فترة صعبة، سَعَت خلالها إلى إعادة بناء قواتها المسلحة، كما خاضت خلال تلك الفترة حرب استنزاف ضد العدو الإسرائيلي لتمنعه من أن يَشْعُر بالاستقرار والراحة داخل أرض سيناء المحتلة. وقد تطلبت تلك المرحلة الحاسمة بناء مصر لقواعد صواريخ الدفاع الجوي للتصدي للطيران الإسرائيلي المتفوق علينا، وزيادة القدرة على مُوَاجَهَتِه، فكان الدفاع الجوي أيقونة النصر في حرب أكتوبر عام 1973؛ كما تطلبت تلك المرحلة أيضًا استخدام الضفادع البشرية المصرية -لأول مرة- في مهام متخصصة ضمن عمليات القوات البحرية، فكان لأفراد الضفادع البشرية عَمَلِيَّات فدائية مبهرة خلف خطوط العدو في سيناء، ولعل من أجرأها العمليات البحرية التي قام بها أفراد من الضفادع البشرية داخل ميناء إيلات، وتدمير عدد من الوحدات البحرية الراسية في الميناء بشجاعة ودقة، رَفَعَت كثيرًا من الروح المعنوية لقواتنا المسلحة، والتي كانت في أمس الحاجة إليها، وعلى النقيض أَثَّرَت في معنويات العدو الإسرائيلي سلبًا في تلك الفترة الحاسمة من الصراع. نشأة سلاح الضفادع البشرية: ظَهَرَت الضفادع البشرية عالميًّا لأول مرة كأحد أسلحة القوات البحرية الخاصة خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استَخْدَم الإيطاليون الضفادع البشرية لمهاجمة وحدات من الأسطول البحري البريطاني في البحر المتوسط، فكانت أول العمليات البحرية الناجحة في منطقة الشرق الأوسط، تَمَكَّنَت فيها البحرية الإيطالية من اختراق دفاعات ميناء الإسكندرية والاقتراب من حاجز الأمواج، حيث أُدْخِلَت مجموعة من الضفادع البشرية الإيطالية التي تَمَكَّنَت من تجاوز حاجز الأمواج والوصول إلى عدد من سفن الأسطول البريطاني، حيث كانت الإسكندرية وقتها قاعدة بحرية للأسطول البريطاني في البحر المتوسط، فقامت تلك الضفادع البشرية الإيطالية بتلغيم سفن بريطانية وتفجيرها؛ مما أدى إلى غرق بارجتين بريطانيتين تصل حمولتهما إلى 30 ألف طن، وإغراق مدمرة أخرى؛ مما كان له أَثَرُه في إضعاف القدرات القتالية البريطانية في البحر المتوسط. ومن ذلك التاريخ، تَطَوَّرَت مهام الضفادع البشرية لتصبح أكثر كفاءة وفاعلية. وكانت قد بَرَزَت في فترة الأربعينيات من القرن العشرين فكرة استخدام أفراد مُدَرَّبين تدريبًا عاليًا على السباحة في تنفيذ عَمَلِيَّات فدائية خاصة تحت سطح الماء، وأُطْلِقَ على هؤلاء الأفراد: (الضفادع البشرية)؛ نظرًا لشكل بدلة الغوص التي يَرْتَدُونَها مع شكل الزعانف في القدمين. وفي المعتاد، تقوم تلك الضفادع البشرية بتنفيذ عملياتها من خلال عدد قليل من الأفراد على شكل مجموعات صغيرة، تتكون كل مجموعة غالبًا من فردين، أحدهما يَحْمِل اللغم المستخدم في العملية حيث يَغُوص به تحت الماء، بينما يَتَوَلَّى الثاني عَمَلِيَّة التوجيه إلى الهدف، وغالبًا ما تُنَفَّذ العملية المطلوبة من خلال ثلاث أو أربع مجموعات، معها أو منها مجموعة للقيادة. وتَحْتَاج تلك العمليات البحرية -نظَرًا لصعوبتها وشدة خطورتها- إلى درجة كبيرة من التدريب والتخطيط والسرية والتنظيم والدقة والكفاءة العالية. وفي مصر، كانت البداية في إنشاء سلاح الضفادع البشرية بإرسال مجموعة محدودة من ضباط القوات البحرية إلى إيطاليا -المعروف عنها وقتها التفوق في هذا المجال- للحصول على دورة تدريبية في أعمال الضفادع البشرية، حيث قامت تلك المجموعة بعد عودتها بتكوين أول وحدة صغيرة من الضفادع البشرية المصرية في عام 1954، كان مقرها حاجز الأمواج بميناء الإسكندرية، ورغم تدريب أفرادها الجيد، لم تُسْنَد إليها وقتها أي مهام قتالية من قبل قيادة القوات البحرية، وأثناء حرب الاستنزاف، تَبَلْوَرَت فكرة استخدام الضفادع البشرية في توجيه ضربات قوية للعدو الإسرائيلي. جاءت الفرصة لتلك الضفادع المصرية للقيام بعمليات بعد أن سَلَّمَت الولايات المتحدة الأمريكية البحرية الإسرائيلية ناقلتين بحريتين، إحداهما تَحْمِل مدرعات برمائية، واسمها: (بيت شيفع)، والأخرى ناقلة جنود واسمها: (بات يام). وبالفعل شارَكَت تلك الناقلتان في عَمَلِيَّات بحرية على سواحل مصر الشرقية، كان منها ضرب منطقة (الزعفرانة) يوم 9 سبتمبر 1969، حيث قامتا بنقل وإنزال برمائيات إسرائيلية على الشواطئ المصرية تحت الغطاء الجوي الإسرائيلي الذي وَفَّرَ للناقلتين حرية الحركة، لتَقُوم قوات كوماندوز العدو بعملية تدمير معدات وأَسْر رهائن، وكانت الضفادع الإسرائيلية قد قامت في الليلة السابقة للهجوم بإغراق لنشين طوربيد مصريين في مرسى قريب من مكان العملية لمنع تدخلهما أثناء الإغارة على المنطقة. ومن هنا قَرَّرَت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية القيام بعملية عسكرية للتخلص من تلك الناقلتين الإسرائيليتين بأي وسيلة، ونظَرًا لصعوبة شن هجوم جوي على الناقلتين الراسيتين عادة في ميناء إيلات في العمق الإسرائيلي -لما سَيُسْفِر عنه من خسائر كبيرة لتفوق الطيران الإسرائيلي- فقد تَمَّت الموافقة على اقتراح قائد القوات البحرية المصرية بالقيام بأول عملية للضفادع البشرية المصرية في العمق الإسرائيلي. التخطيط للعملية الأولى ضد ميناء إيلات: للتخطيط للعملية المنتظرة، ذَهَبَ أحد ضباط المخابرات الحربية المصرية في يونيو 1969 إلى الأردن على أنه مدرس مصري، حيث نَزَلَ بفندق في ميناء العقبة الأردني المجاور لميناء إيلات، وذلك لاستطلاع الميناء والمنطقة، واستغرقت مهمته يومين، شَاهَدَ فيهما ميناء إيلات عن قرب، ودَرَسَ نحو 23 كيلومترًا جنوب إيلات حتى الحدود الأردنية السعودية، تَمَّ ذلك مع المتابعة والاستطلاع للسفينة (بيت شيفع) داخل الميناء بواسطة أحد ضباط البحرية. بعدها تَمَّ تكليف ضابط صاعقة مصري -كانت قد أَرْسَلَتْه المخابرات الحربية المصرية إلى الأردن لتدريب القوات الفدائية الفلسطينية هناك- باستطلاع طريق بري تَسْتَخْدِمُه الضفادع البشرية إلى ميناء العقبة، وذلك في أواخر أكتوبر 1969 لتنفيذ عملية كبيرة بواسطة القوات البحرية، فقام الضابط بدراسة خريطة المنطقة، واصطحب معه دليلًا أردنيًا إلى المنطقة للتحرك في الطرق الصحراوية والجبلية بين الحدود الأردنية والسعودية، مُسْتَقِلًّا سيارة جيب (لاند روفر) تارة، ومُتَرَجِّلًا تارة أخرى، فَرَسَمَ رسمًا كروكيًّا عن أنسب طريق للتحرك إلى شاطئ العقبة المواجه لميناء إيلات، مع كتابة تقرير استطلاع، وبيان نقط إشارية وتوقيتات للتحرك، وبيان لمنطقة التجهيز، ومنطقة الانطلاق إلى الماء، وبدء الانسحاب، ومكان نقطة المراقبة، وخطة التأمين، وطريقة الاتصال، والإشارات، وخطة التمويه أثناء التحرك، إلى آخر ما يَحْتَاجُه تنفيذ العملية البحرية بنجاح. ولم يَتَوَقَّف الأمر عند هذا الحد، بل تَمَّ تكليف قائد لواء الوحدات الخاصة بالقوات البحرية -بعد سفره إلى الأردن- بالتوجه إلى ميناء العقبة الأردني لاستطلاع المكان ودراسة المنطقة بنفسه، والتعرف على الأحوال هناك، وتحديد بعض الشخصيات التي يمكن أن تُسَاعِد في تنفيذ العملية. وقد أَقَامَ هناك بالتنسيق مع المخابرات الأردنية بحجة التفتيش على نقطة المراقبة المصرية في العقبة، فأَقَامَ في فندق يَطَّل على القاعدة البحرية الإسرائيلية وميناء إيلات والقاعدة الجوية المجاورة، واستثمر الوقت في السباحة لمعرفة نوع المياه ودرجة الرؤية وطبيعة القاع والمسافات المختلفة بمنطقة رأس خليج العقبة الذي لا يَتَجَاوَز عرضه خمسة كيلومترات، حيث لا يَفْصِل بين ميناء العقبة الأردني وميناء إيلات إلا سور من السلك الشائك. وعند منطقة جبلية قريبة من ميناء إيلات وتَطَّل عليه، تَمَّ تصوير المنشآت العسكرية والقطع البحرية ووسائل حمايتها، والتعرف على النظم الدفاعية برًا وبحرًا. وبعد ثلاثة أيام من العمل، تَمَّ فيها إنجاز مهمة الاستطلاع والتصوير، تَقَرَّرَ العودة إلى عمان، ومنها إلى القاهرة في اليوم التالي بمحصول ضخم من المعلومات التفصيلية المطلوبة للميناء، مع تكوين بعض الصداقات مع بعض الشخصيات، مما سَهَّلَ كثيرًا من أمر التخطيط للعملية المرتقبة، وأَعْطَى الانطباع بأن العملية ليست بالصعوبة التي يُخْشَى منها، مما زاد من اقتناع قائد القوات البحرية بإمكانية تنفيذها بنجاح. وعليه، بدأ على الفور تدريب الأفراد الذين سَيَقُومُون بتنفيذ المهمة تدريبًا مركزًا في ظروف تُشَابِه تمامًا ظروف العملية في ميناء إيلات، مع تجهيز المعدات والألغام اللازمة لتنفيذ العملية. وبعد تمام الاستعداد، وبعد إجراء بعض الاتصالات بواسطة المخابرات الحربية المصرية مع بعض المندوبين في الأردن، بدأ التحرك. في يوم الثاني من نوفمبر 1969، تَمَّ إرسال المعدات والألغام بصحبة ثلاثة أفراد من الضفادع البشرية على إحدى طائرات النقل المصرية إلى مطار (إتش ثري) العراقي قرب الحدود مع الأردن، باعتبارهم أفرادًا من منظمة (فتح) الفلسطينية معهم معدات خاصة بالمنظمة، حيث كان في استقبالهم بعض الأفراد، وتَمَّ نقل الأفراد والمعدات بالسيارات إلى بلدة (الطفيلة) بالأردن، حيث انتظروا قدوم باقي أفراد الضفادع البشرية من القاهرة، والذي تَمَّ على دفعات في يومي 3 و4 نوفمبر بالطريق الجوي إلى عمان، يَحْمِل كل منهم جواز سفر مدني، حيث أَقَامُوا ثلاثة أيام في منزل تابع للسفارة المصرية هناك. وتَمَّ تحديد مكان تقابل المجموعة بمن يَحْمِلُهم ومعداتهم، على أن يكون وقت الالتقاء يوم 7 نوفمبر. تأجيل العملية: في اليوم المحدد -السابع من نوفمبر- تَحَرَّكَت سيارة جيب (لاند روفر) ومعها عربة نقل تَحْمِل المعدات، يَصْحَبُها أفراد المجموعة، حيث وصلت إلى المكان السابق تحديده في خطة الاستطلاع في الساعة الثالثة فجرًا يوم 7 نوفمبر، وتَمَّ التحرك مع باقي أفراد القوة إلى المكان السابق تحديده عبر مدق جانبي تَمَّ تحديده، متفرع من الطريق الرئيسي لمدينة (معان) جنوب الأردن. وقبل أول ضوء في نهار اليوم، اجتمع كل أفراد العملية ومعهم المعدات في المكان المحدد، حيث ارْتَدَى الجميع الملابس العربية، وتَحَرَّكُوا لمسافة نحو 25 كيلومترًا، فوصلوا الساعة الحادية عشرة صباحًا إلى منطقة التجهيز والراحة، وهي تَبْعُد نحو خمسة كيلومترات عن الشاطئ، حيث تَمَّ تأمين المنطقة وإجراء أعمال الإخفاء. وقبل غروب الشمس، تَمَّت عمليات التجهيز والإعداد، وعند الغروب، ومع آخر ضوء لليوم، تَحَرَّكَت القوة البحرية إلى المكان المحدد للإنزال في الخطة الموضوعة، فوصلت إلى الشاطئ عند ساعة إفطار دوريات الحدود الأردنية والسعودية، إذ كانت العملية خلال شهر رمضان، وكان مكان الإنزال هو خط الحدود الأردنية السعودية، ثم التحرك منه في اتجاه رأس خليج العقبة حيث يوجد ميناءا إيلات والعقبة، وكان خط السير أقرب إلى الساحل الأردني منه إلى ساحل سيناء. وانْطَلَقَ قارب الضفادع البشرية إلى ميناء إيلات، واعْتَلَت قوة من فردين تبة قريبة مرتفعة للمراقبة وتبادل الإشارات مع قوة الضفادع البشرية أثناء تحركها ذهابًا وإيابًا، بينما انتظرت قوة أخرى من ثلاثة أفراد في منطقة التجهيز والعودة. عند الاقتراب من ميناء إيلات، تَعَرَّضَ قارب العملية لعطل في المحرك، كما تَبَيَّنَ عدم وجود سفن حربية على الرصيف الحربي للميناء، أي لا توجد أهداف عسكرية، فقام بعض أفراد المجموعة باستطلاع الميناء والتعرف عليه، وبعد أن تَقَرَّرَ تأجيل العملية والعودة دون تنفيذها. تَمَّت العودة من جديد إلى منطقة الإنزال إلى الماء، ثم إلى منطقة التجهيز مع أول ضوء نهار 8 نوفمبر، حيث تَمَّ تحميل المعدات وارتداء الملابس العربية، ثم التحرك بالمعدات والعودة إلى (الطفيلة)، ثم عاد بعض الأفراد إلى مدينة عمان. وتَمَّ تقديم تقرير بما حدث، وذُكِرَت بعض المصاعب الواجب تذليلها، مع ضرورة تنسيق المعلومات حول الأهداف العسكرية بميناء إيلات بين نقطة المراقبة المصرية بالعقبة وإدارة المخابرات الحربية بالقاهرة. وتَقَرَّرَ تأجيل تنفيذ العملية مدة أسبوع. تنفيذ العملية الأولى في إيلات: كان يَتِمُّ رصد ومراقبة الناقلتين (بيت شيفع) و(بات يام) في ميناء إيلات بصفة دورية، حيث كانتا تَخْرُجان من ميناء إيلات إلى ميناء شرم الشيخ فخليج نعمة، ومنه إلى السواحل الشرقية المصرية، وقد اسْتَدْعَى ذلك تشكيل ثلاث مجموعات من الضفادع البشرية المصرية، كل مجموعة مكونة من فردين (ضابط بحري وصف ضابط)، تَوَجَّهُوا إلى ميناء العقبة الأردني القريب من إيلات، كما تَمَّ تحضير مجموعتين أخريين في الغردقة. ووُضِعَت لهما خطتان: الأولى: مهاجمة الناقلتين إذا قامتا بالمبيت في خليج نعمة، عن طريق استخدام لنش طوربيد والاقتراب من الناقلتين وتفجيرهما. والثانية: مهاجمة الناقلتين إذا قامتا بالمبيت في ميناء إيلات، وتُنَفِّذُها المجموعات الثلاث الموجودة في ميناء العقبة. وقبل يوم العملية، وردت المعلومات بوجود الناقلتين في ميناء إيلات، فأُلْغِيَت بالتالي خطة مجموعة الغردقة، وتَهَيَّأَت مجموعات العقبة لاقتحام ميناء إيلات للمرة الثانية لتنفيذ العملية. وفي فجر يوم 15 نوفمبر 1969، تَحَرَّكَت المعدات بسيارة نقل من (الطفيلة)، وتَحَرَّكَ الأفراد من عمان بسيارة ميكروباص، وتَمَّ الالتقاء في نفس المكان السابق تحديده بالمدق الجانبي من طريق (معان)، ثم كان التحرك إلى منطقة التجهيز. وهناك كان الجميع في انتظار الإشارة المتفق عليها، إذ تَمَّ الاتفاق على استقبال إشارة الموافقة على المهمة عن طريق إذاعة راديو القاهرة لأغنية معينة لمطرب معروف من خلال محطة (صوت العرب) في الساعة الرابعة مساءً، وإلا فَيُؤَجَّل المهمة مرة أخرى. وبالفعل، تَمَّ سماع الأغنية المتفق عليها في الراديو في الساعة الرابعة، إشارة إلى الموافقة على تنفيذ العملية، وأن هناك أهدافًا موجودة بالفعل في ميناء إيلات، فَغَمَرَت الفرحة الجميع، وكَبَّرُوا جميعًا (الله أكبر). من تفاصيل العملية: كانت الليلة شديدة البرودة، والأمواج عالية، والرياح شديدة، والوقت في شهر رمضان، والقمر ظاهر. ومن نفس مكان الإنزال، وهو ثغرة عبارة عن مكان يَفْصِل بين الحدود الأردنية والسعودية، تَمُر فيه الدوريات الأردنية والدوريات السعودية بانتظام على الحدود، وكانت حوالي 50 مترًا، وكان الوقت المحدد لنزول المجموعة إلى الماء حسب الخطة الموضوعة هو وقت أذان المغرب (وقت الإفطار)، إذ قبل الأذان بنحو نصف ساعة تَعُود الدوريتان الحدوديتان الأردنية والسعودية إلى مَفْغَرَيهما لتجهيز وتناول الإفطار مع أذان المغرب. ومع أذان المغرب حوالي الساعة الخامسة والنصف مساءً، تَمَّ نزول الأفراد إلى الماء، مع توجه قوة من فردين إلى تبة المراقبة المرتفعة قرب الشاطئ في مكان الإنزال. بعد حوالي نصف ساعة، جاءت إشارة ضوئية من قارب المجموعة (العوامة) بالعودة، حيث إن تيلة رفاص القارب انْقَطَعَت (انْكَسَرَت)، فكان المحرك يَدُور، ولكن الرفاص لا يَتَحَرَّك، وكان لا بد من تركيب تيلة الاحتياط الموجودة في منطقة التجهيز، فتَمَّ ذلك في ظلمة الليل، وتَمَّ إحضار تيلة الاحتياط من منطقة التجهيز وتركيبها بالمحرك، ثم تَحَرَّكَ القارب من جديد بعد فترة من القلق الشديد إلى الهدف في ميناء إيلات. وصل القارب (العوامة) إلى مكان إنزال الضفادع البشرية في الماء قرب ميناء إيلات، وذلك في الساعة التاسعة مساءً، على أن تكون العودة للضفادع البشرية بعد أداء مهمتها وتثبيت ما معها من الألغام في السفينتين الإسرائيليتين حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وبَقِيَ فردان في القارب في انتظار عودة المجموعة بعد تنفيذ العملية. ومع عدم عودة المجموعة حتى الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، تَمَّ إخبار مجموعة المراقبة على الشاطئ بذلك، ورغم القلق، كان المتوقع حسب الخطة الموضوعة مع تأخر العودة أن تَتَوَجَّه الضفادع البشرية سباحة إلى جهة الساحل الأردني، وعليه، تَحَرَّكَ القارب للعودة إلى مكان الإنزال بدون الضفادع البشرية، وهناك تَمَّ وبسرعة نقل العوامة والمعدات الباقية إلى السيارات، والتوجه مباشرة إلى داخل الصحراء نحو (معان)، ومنها إلى الطريق العام، ثم إلى الطفيلة، ثم إلى عمان. وفي الصباح، كان التوجه إلى دمشق بالسيارات، ومنها إلى المطار، والعودة إلى القاهرة على متن إحدى شركات مصر للطيران. أما مجموعة المراقبة، فكانت تَنْتَظِر الإشارات الضوئية من القارب الذي حَمَلَ الضفادع البشرية وسَيَعُود بها بعد نهاية العملية، وكان المقرر تلقي إشارات ضوئية من القارب عند عودته في الوقت المحدد للعودة لتحديد مكان العودة للقارب، وعند وصول القارب، انْتَقَلَ من فيه مع مجموعة المراقبة إلى منطقة الانتظار، حيث كانت السيارات جاهزة للتحرك مع إجراءات التأمين، ومنها وَضْع زحافة خلف السيارة لتُخْفِي آثار حركة السيارة، فلا يَتَعَرَّف أحد على الطريق الذي سَلَكَتْه، حيث كان المتوقع عند تنفيذ العملية أن يَقُوم العدو بمحاولة مطاردة المنفذين لها بالطائرات الهليكوبتر. وخلال ذلك، سُمِعَ صوت انفجار أول، يَلِيه انفجار ثانٍ، ثم انفجار ثالث، فَغَمَرَت الفرحة الجميع بنجاح العملية وتحقيق الهدف منها. أما الضفادع البشرية التي لم تَعُد إلى القارب الذي كان يَنْتَظِرُها في الميعاد المحدد، فقد كانت تعليمات الخطة الموضوعة لهم أنه عند تَعَذُّر العودة للقارب لأي سبب، تَتِمُّ عودتهم سباحة إلى الشاطئ الأردني وتسليم أنفسهم للقوات الأردنية الموجودة هناك، وزَعَمَ أنه تَمَّ إنزالهم بطائرة هليكوبتر مصرية في منطقة طابا جنوب ميناء إيلات، وأن هذه الطائرة لم تَتَمَكَّن من العودة لالتقاطهم من هناك. أما الضفادع البشرية، فقد قَطَعَت المسافة إلى ميناء إيلات في القارب (العوامة) التي كانت تَحْمِلُهم في ثلاث ساعات، ثم انْتَظَرَت قليلًا في القارب حتى غروب القمر، وبعد مراجعة تفاصيل الخطة من جديد وتحديد الأهداف لكل مجموعة على حدة ومراجعة كل الخطوات الواجب اتباعها، نَزَلَت المجموعة الأولى من الضفادع البشرية إلى الماء، ثم المجموعة الثانية، ثم المجموعة الثالثة، وذلك على بعد كيلومترين من رصيف ميناء إيلات، على أن تَسْبَح كل مجموعة مكونة من فردين في اتجاه هدفها المحدد، على أن يَنْتَظِرَها القارب المطاطي في نفس المكان لالتقاطهم عند انتهاء العملية، وذلك ما بين الساعة الثانية عشرة والنصف والساعة الواحدة بعد منتصف الليل. في الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق، وصلت المجموعة الأولى إلى مسافة 150 مترًا من الهدف، وبعد التأكد من الهدف المخصص لها، عادت إلى الغطس من جديد، وتَقَدَّمَ أحد أفرادها بتلغيم السفينة بمفرده، ونَزَعَ تيلة الأمان من اللغم الذي ثَبَّتَه في بطن السفينة (هيدروما) في الساعة الحادية عشرة وخمس وعشرين دقيقة، ثم بدأت رحلة العودة، لكن تَعَذَّرَ التعرف على مكان القارب في المكان المتفق عليه، وتَعَذَّرَ الوصول إليه في الميعاد المحدد، فكان التوجه سباحة إلى الشاطئ الأردني. أما المجموعتان الثانية والثالثة، فقد ظَلَّتا مُتَلازِمَتَين في السباحة حتى وصلتا إلى مسافة 150 مترًا من الهدف، حيث انْفَصَلَتا، وفي الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة، أَتَمَّت المجموعة الثانية تثبيت لغمين في الهدف المطلوب بفاصل سبعة أمتار، وبدأت بعدها رحلة العودة سباحة إلى نقطة الالتقاط، لكنها تأخرت، ولم تَعْثُر على القارب المطاطي، فاتَّجَهَت سباحة إلى الشاطئ الأردني، حيث اخْتَبَأَت في مبنى مهجور حتى الصباح. بينما اتَّجَهَت المجموعة الثالثة من هدفها حتى وصلت أسفله، وثَبَّتَت اللغم الأول مكان دخول عمود الرفاص إلى بدن السفينة بحوالي ثلاثة أمتار، وثَبَّتَت اللغم الثاني للأمام بنحو خمسة أمتار على الجانب الأيمن، وتَمَّ نزع التيلة حوالي الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة، وبدأت بعدها رحلة العودة، وعندها فوجئ فرد من المجموعة بأن زميله في المجموعة قد مات على بعد أمتار من السفينة الإسرائيلية التي قاما بتلغيمها منذ لحظات! فَصَمَّمَ على ألا يَتْرُكَه وأن يَعُود به معه حتى وهو جثة هامدة؛ مع ما في ذلك من مشقة ومجازفة، ونَسِيَ أمر القارب المطاطي أو تَنَاسَاه، وعاد سابحًا ساحبًا جثة زميله وسط الأمواج العالية حتى وصل إلى الشاطئ الأردني. وقد اسْتَقْبَلَت قوات حرس الحدود الأردنية من قَدِمَ إليها من أفراد المجموعات، وأَحْسَنُوا معاملتهم. وعَلِمَ أفراد المجموعة في الصباح بنجاح العملية، وأن نتيجتها: تدمير سفينتين تجاريتين، مع سلامة وعودة كل منفذي العملية ومعهم جثة زميلهم الشهيد -رحمه الله- الذي مات أثناء تنفيذ العملية، والذي تَمَّ نقل جثمانه مع باقي الأفراد إلى القاهرة. وقد تَبَيَّنَ طبقًا لما أُذِيعَ بعدها أن الانفجار الذي تَمَّ أَصَابَ ناقلة البترول الضخمة (هيدروما)، وسفينة نقل البضائع والركاب (داليا)، اللتان كانتا على الرصيف الحربي لإيلات، وبناء عليه، تَمَّ إرسال الإشارة بالموافقة على تنفيذ العملية، فتَمَّ تدمير السفينتين بدلًا من الناقلتين (بيت شيفع) و(بات يام)، اللتان تَبَيَّنَ أنهما كانتا خارج الميناء وقتها، وهذا -وإن لم يُقَلِّل من أهمية وروعة العملية- لكن اسْتَدْعَى الحاجة إلى تنفيذ هجوم آخر على ميناء إيلات لتدمير الناقلتين المطلوبتين، وهو ما تَمَّ بعد ذلك. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() من بطولات الضفادع البشرية المصرية (2-2) العمليات البحرية ضد ميناء إيلات كتبه/ علاء بكر ففي اليوم التالي لتنفيذ العملية الأولى في ميناء إيلات وتدمير السفينتين التجاريتين الإسرائيليتين (هيدروما) و(داليا)، كانت الصحف المصرية والعربية والعالمية تشيد بهذه العملية البحرية الانتحارية الجريئة التي قامت بها القوات المصرية خلف خطوط العدو الإسرائيلي، والخسائر الجسيمة التي أَوْقَعَتْها بالعدو؛ مما كان له أكبر الأثر في رفع الروح المعنوية للقوات المصرية والعربية. وقد استمع أفراد المجموعة المنفذة للعملية -وهم في شوارع عمان في اليوم التالي- إلى تعليقات الشعب الأردني المعبرة عن فرحتهم وفخرهم بتنفيذ العملية. - عند التخطيط لعودة أفراد العملية إلى القاهرة بعد تنفيذها، كانت هناك مخاوف من أن تجبر إسرائيل طائرة الطيران الأردني التي سيركبها أفراد العملية على النزول إن عَلِمَ الإسرائيليون بهوية أفراد العملية أو هوية أحد منهم؛ لذا تم نقل أفراد العملية متفرقين إلى دمشق فبيروت، ومنهما ركبوا عائدين جوًّا إلى القاهرة. - قبل تنفيذ العملية بيوم تقريبًا، كان الرأي أن تعلن منظمة فتح الفلسطينية مسؤوليتها عن العملية بعد تنفيذها، ولكن بعد أن تمت العملية بنجاح، تغيَّر القرار، وتقرَّر أن تعلن مصر مسؤوليتها عن العملية بعد الحصول على موافقة مسبقة من الرئيس جمال عبد الناصر. - وللتمويه، نُشِرت مقالة في جريدة الأهرام القاهرية في صباح اليوم التالي على لسان قائد مجموعات الضفادع البشرية -الذي لم يكن قد عاد إلى القاهرة بعد-، فيها قصة مفبركة بعيدة كل البعد عما حدث فعلًا في عملية تدمير السفينتين الإسرائيليتين، فصوَّرت العملية على غير حقيقتها بأن منفذي العملية وصلوا إلى مشارف إيلات بطائرة عمودية مصرية (هليكوبتر) طارت على ارتفاع منخفض لمنع اكتشافها بالرادارات، وتم هبوطها في منطقة نائية قرب طابا على ساحل خليج العقبة، ومنها كان نزول الضفادع البشرية بمعداتهم إلى الماء، ثم دخول ميناء إيلات، ثم اقترابهم من السفينتين الراسيتين فيه، وتثبيت الألغام فيهما، مع ذكر بعض المعلومات الفعلية عن ظروف العملية داخل الميناء، مع تخيُّل بعض المصاعب وكيفية التغلب عليها، ثم نهاية القصة بالعودة إلى الطائرة، وإقلاعها بهم مرة أخرى عائدين سالمين إلى أرض الوطن. وكان الغرض من ذكر تلك القصة المفبركة عدم الإفصاح عن حقيقة الطريقة التي تم بها تنفيذ العملية لصرف نظر العدو عن حقيقة ما حدث، وعدم الكشف عن تفاصيل العملية التي قد تَضُرُّ في المستقبل بأي عملية أخرى شبيهة لها، لإمكانية العودة لمهاجمة ميناء إيلات من جديد، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك. - كانت تلك العملية البحرية في إيلات هي أول عملية تقوم بها القوات الخاصة من الضفادع البشرية المصرية منذ نشأتها عام 1954، فكان للعملية صدى عالمي رفع من الروح المعنوية للقوات المسلحة المصرية والعربية. وقد دخل بعدها ضباط البحرية بالإسكندرية في احتفال شعبي وعسكري كبير، وتم منح المشتركين في العملية البحرية النياشين والأوسمة، وقُدِّمَت المكافآت والهدايا من العديد من الشركات والمصانع. - وقد سادت إسرائيل حالة من الغضب الشديد بسبب نجاح العملية المصرية نتيجة للخسائر التي أُصِيبَتْ بها، والأهم من ذلك: قدرة القوات المصرية على الوصول إلى إيلات وتنفيذ هذه العملية الجريئة، وقد هددت إسرائيل الأردن بالانتقام، زاعمة أن كل دولة متاخمة لإسرائيل لا بد أن تتحمل مسؤولية أي عمل عدائي أو من أعمال المقاومة ضد إسرائيل بالقرب من أراضيها. التخطيط لعملية إيلات الثانية: لم يتم ضرب السفينة (بيت شيفع) و(بيت يام) في العملية الأولى في ميناء إيلات، بل وشاركت السفينة (بيت شيفع) بعدها في العدوان الإسرائيلي على جزيرة (شدوان) المصرية، لكن السفينة احتاجت بعد عودتها إلى البقاء في ميناء إيلات لإجراء بعض الإصلاحات، فكانت تلك فرصة مواتية لضربها. - توجَّه أحد الضباط البحريين المصريين إلى عمان -عاصمة الأردن- في طائرة مدنية، وهو يحمل جواز سفر مصريًّا مدنيًّا، وذلك للدراسة على الطبيعة، ووضع تفاصيل العملية القادمة، خاصة مع توقع زيادة الإجراءات الأمنية الإسرائيلية في ميناء إيلات بعد العملية التي تعرَّض لها، على أن يتم بعدها إرسال الأفراد والمعدات اللازمة إليه هناك بعد تمام الاستعداد والاتفاق على كافة الترتيبات. وتم اختيار وإعداد الأفراد لتنفيذ العملية القادمة، وتم إعداد جواز سفر مدني لكل فرد منهم بوظيفة وهمية، على أن ينتظر الجميع صدور الأوامر لهم بالتحرك. من مطار الدخيلة بالإسكندرية، وعلى متن طائرة (أنتونوف)، سافرت المجموعة مع المعدات اللازمة إلى مطار (إتش ثري) في العراق قرب الحدود الأردنية، حيث استقلوا من هناك عربات تابعة لمنظمة (فتح) الفلسطينية نقلتهم إلى العاصمة الأردنية (عمان)، وذلك في يوم 3 نوفمبر 1970. - في يوم العملية، انطلق من عمان أربعة أفراد على مجموعتين متوجهين إلى ميناء العقبة الأردني لتنفيذ العملية، وفي منتصف الطريق حملتهم عربة أخرى تابعة للجيش الأردني يقودها ضابط أردني تم اختياره للتعاون مع المجموعة، فعبر بهم من طرق ومدقات حتى بلغوا العقبة في نحو الساعة السادسة مساءً، وخلال ساعتين تم تجهيز المعدات والاستعداد لتنفيذ العملية. كانت المسافة بين شاطئ العقبة وميناء إيلات نحو 5.5 كيلومتر، يمكن قطعها سباحة بالمعدات في نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة. - كان البحر صعبًا، والعواصف رهيبة، والأمواج عالية، والمياه شديدة البرودة، وأثناء السباحة إلى ميناء إيلات، مرت بجوارهم لنشات إسرائيلية، فتوقفوا لفترة عن السباحة، ثم فوجئوا بنفاد الأكسجين من أحدهم، فسمح له بالعودة إلى العقبة. كانت التعليمات صريحة أنه إذا وجدت المجموعة أنها غير قادرة على دخول الميناء لشدة الإجراءات الأمنية فيه، فعليهم بالعودة دون تنفيذ العملية، ولكن الجميع كانوا مصممين على تنفيذ العملية مهما كانت الظروف. - في الساعة الثانية عشرة والثلث مساءً، مرَّ أفراد المجموعة من تحت الشباك التي تغلق الميناء، وقاموا بالسباحة بعرض الميناء بحثًا عن السفينتين المطلوبتين تدميرهما، ورغم شدة الظلام وسماع أصوات لنشات إسرائيلية تمر قريبًا منهم -وهي تلقي في الماء بعبوات من الألغام المضادة للأفراد-، لكن المجموعة -بفضل الله تعالى- لم تُصَبْ بأذى ووصلت لهدفها بسلام، وأصبحت على مقربة من السفينتين، حيث تم مشاهدتهما أخيرًا؛ إذ كانت هناك كشافات قوية مسلطة حولهما لاكتشاف أي متسلل نحوهما، خاصة وأن المياه في الميناء شفافة جدًّا. تم افتراق الأفراد استعدادًا للهجوم، فغطس الثلاثة تحت الماء على مسافة نحو 200 متر من السفينتين؛ فردٌ منهم توجه بمفرده تجاه السفينة (بيت يام)، والآخران تجاه السفينة (بيت شيفع). - قام الفرد المكلف بالسفينة (بيت يام) بقطع مسافة المائتي متر تحت الماء وهو يكاد يلتصق بالقاع لكي يتجنب إضاءة الكشافات القوية حول السفينة. وبالعوم تحت السفينة، بحث عن أضعف مكان فيها لتثبيت اللغم بها، فاختار أسفل غرفة الماكينات مباشرة، والتي عندها توجد المصافي التي تقوم بسحب مياه البحر لتبريد الماكينات، فعندها يكون الثقل الرئيسي للسفينة، والذي بإصابته تغرق السفينة مباشرة. ونظرًا لوجود الحشف (وهي نباتات بحرية) على جدار السفينة، والذي يمنع إلصاق اللغم المغناطيسي الذي يحمله بجدار السفينة، فقد قام بإزالة هذا الحشف العائق بخنجره في هدوء وحرص، ثم تم تثبيت اللغم وضبط التايمر لينفجر بعد ساعتين، ثم غادر المكان مسرعًا سباحة خارجًا من الميناء عائدًا إلى ميناء العقبة الأردني. أما المجموعة الثانية المكونة من فردين، والتي توجهت إلى السفينة (بيت شيفع)، فقد قامت بنفس الفعل، لكنها تأخرت في تثبيت اللغم بنحو عشر دقائق عن زميلهما الذي ثبت اللغم في السفينة الأخرى؛ لذا تأخر انفجار السفينة (بيت شيفع) عن انفجار السفينة (بيت يام) بهذه الدقائق العشر. وانسحب الفردان من المكان مسرعين سابحين خارجين من الميناء عائدين إلى ميناء العقبة الأردني. - وبعد حوالي الساعتين، والمجموعة في منتصف طريق العودة، حدث الانفجار الأول في السفينة (بيت يام)، وشوهدت كرة لهب رهيبة من النار صعدت عاليًا، أعقبها صوت انفجار عالٍ، فشعر أفراد المجموعة جميعًا بالفرحة الشديدة التي أنستهم تعب الساعات الماضية. وبعد نحو عشر دقائق، كان الانفجار الثاني في السفينة (بيت شيفع). - أخرج اليهود الصهاينة قوات كبيرة للبحث عن المهاجمين، منهم من كانوا في لنشات ترمي المفرقعات في مياه الميناء، ومنهم من في طائرات هليكوبتر تطلق طلقات مضيئة، بينما كان أفراد المجموعة غاطسين تحت الماء خارج الميناء حتى وصلوا الثلاثة جميعًا معًا سالمين إلى شاطئ العقبة الأردني حوالي الساعة الخامسة فجرًا، وهم في حالة شديدة من الإعياء والتعب، حيث سلموا أنفسهم إلى بعض الجنود الأردنيين المتواجدين في المنطقة، وأخبروهم أنهم مصريون قاموا بعملية ضد ميناء إيلات، مكررين ما قيل في العملية الأولى من أن هناك طائرة هليكوبتر مصرية أنزلتهم قرب طابا جنوب إيلات لتنفيذ العملية، ثم تعذر عليهم اللحاق بهذه الطائرة بعد تنفيذ العملية، فسرعان ما ملأ المكان رجال المخابرات الأردنية الذين قاموا باستجواب أفراد المجموعة لفترة قليلة، ثم صدرت لهم الأوامر بنقلهم إلى عمان، حيث تم احتجازهم هناك، ثم عادوا بعد ذلك من جديد إلى أرض الوطن، حيث قابلهم قائد القوات البحرية، فقصوا عليه تفاصيل العملية كما وقعت، ونالوا على ذلك وسام النجمة العسكرية. - وفي إسرائيل، توجه وزير الدفاع الإسرائيلي (موشيه ديان) إلى ميناء إيلات لمعرفة ما جرى عن قرب، وللبحث عن إجابة شافية حول كيفية وصول الضفادع البشرية إلى ميناء إيلات للمرة الثانية وتوجيه هذه الضربة العسكرية الناجحة بهذه الدقة في الإعداد والقوة في التنفيذ خلال أقل من ثلاثة أشهر. وتقرر بعدها ضرورة وضع خطة جديدة لتأمين ميناء إيلات والقطع البحرية داخله. العملية الثالثة ضد ميناء إيلات: تسببت العملية الثانية في ميناء إيلات في إغراق السفينة (بيت يام) إلا جزءًا من قمة أحد طرفيها ظل باقيًا مرتفعًا فوق الماء لعدة أشهر قبل تقطيعها ورفعها من المجرى الملاحي. أما السفينة (بيت شيفع)، فسمح تأخر انفجارها عن السفينة الأولى (بيت يام) بعشر دقائق لقبطانها بإدارة ماكينة السفينة وسحبها إلى منطقة ضحلة، فلم تتعرض للغرق، لكنها أصبحت تحتاج بعد الانفجار الذي تعرضت له إلى الإصلاح. وقد تم إصلاحها في وقت قصير، فعادت للعمل من جديد، لكن وُضِعَ لها نظام جديد، حيث تقوم بالإبحار الدائم خارج الميناء ليلًا، ثم تعود فتدخل الميناء نهارًا، مع نظام حراسة دقيق، واستخدام قنابل أعماق ليلية كل دقيقة لمنع أي تسلل، وتجددت الرغبة من جديد لدى قيادة مصر البحرية في محاولة إغراق السفينة. عملية جديدة لم تُستكمل: تبلورت فكرة انتحارية جريئة تقوم خلالها مجموعة من الضفادع البشرية بدخول ميناء إيلات عن طريق ميناء العقبة الأردني ليلًا حاملة لغمين، فيكمنون في الجزء الظاهر من السفينة الغارقة (بيت يام) حتى الصباح، ينتظرون رسو السفينة (بيت شيفع) في الصباح ليقوموا بالغطس وزرع اللغمين بها لتغرق تمامًا، في مفاجأة لا يتوقعها العدو مطلقًا، ورغم خطورة المحاولة واحتمال اكتشاف المجموعة نهارًا وبالتالي تعرضها لخطر كبير؛ إلا أن المجموعة قامت بالمحاولة في 27 إبريل 1970، ووصلت بالفعل إلى مكان السفينة الغارقة (بيت يام)، لكنها وجدت المكان لا يتسع للبقاء أو التواجد ولو لفرد واحد منهم فيه حتى الصباح، مما يعني سهولة اكتشاف المجموعة وفشل العملية، مع عدم إمكانية بقاء أحد أفراد المجموعة بكامل جسمه تحت الماء طوال فترة الانتظار، ولم يُمكِن بالتالي تنفيذ العملية. العملية الثالثة الناجحة في ميناء إيلات: كانت فكرة العملية الجديدة تقوم على استخدام لغمين من مادة (الهيلوجين) شديدة الانفجار، تم إعدادهما في الإسكندرية، بما يعادل ضعف قوة الديناميت العادي، وزنها 150 كيلوجرام، مع استخدام تايمر روسي الصنع، حيث يتم زرع اللغمين أسفل رصيف الميناء في الساعة الثانية عشرة مساءً يوم 14 مايو 1970، بحيث ينفجران بعد 12 ساعة، أي: عند الظهيرة، أي: بعد نحو خمس ساعات من رسو السفينة (بيت شيفع) في الميناء، والذي يكون عادة في الساعة السابعة صباحًا؛ مما يتسبب في إحداث عطل جسيم في السفينة يبقيها بصفة دائمة في الميناء، فيمكن بعد ذلك تدميرها. - تم لتنفيذ تلك الخطة إرسال مجموعتين من الضفادع البشرية المصرية بمعداتهما إلى العقبة مرة أخرى في سيارة جندي أردني، وعبروا إلى ميناء إيلات ليلًا من جديد رغم قذائف الأعماق التي كان يُسمع صوت انفجار عبوة منها كل دقيقتين تقريبًا، حتى كادت أن تصيب بعض أفراد العملية إصابة مباشرة. وبعد الوصول إلى رصيف الميناء وزرع اللغمين أسفل الرصيف، وجد أن اللغمين يطفوان فوق الماء؛ مما يعني سهولة اكتشاف اللغمين والتعرف عليهما، فقام أفراد العملية بخلع أحزمة الرصاص التي يلبسونها حول وسطهم، ويزن كل حزام منهم نحو ثلاثة كيلوجرامات ليساعدهم على الغوص تحت الماء، فربطوا بها اللغمين، ثم سارعوا بالسباحة عائدين إلى ميناء العقبة الأردني، وقد اضطروا إلى السباحة معظم الوقت فوق سطح الماء. - ورغم ما كان مقررًا، فقد تأخرت السفينة (بيت شيفع) عن موعد رسوها التقليدي، كما أن اللغم الأول انفجر في الساعة السابعة والنصف صباحًا، أي مبكرًا قبل الموعد المقرر له، ربما بسبب ما تعرضت له المجموعة من قذائف الأعماق التي أَثَّرَتْ في تايمر اللغم، فانفجر قبل وقته المحدد له، وقد أحدث الانفجار تلفيات كبيرة في رصيف الميناء، على أثرها تم رفع درجة الطوارئ بالميناء، وتم على الفور إنزال أعداد من الضفادع البشرية الإسرائيلية لاستطلاع الموقف، فإذا باللغم الثاني ينفجر بعد ساعتين من انفجار اللغم الأول، أي في الساعة التاسعة والنصف صباحًا، أي قبل الموعد المحدد له أيضًا، فأسفر انفجاره عن قتل عدد كبير من الإسرائيليين من الضفادع البشرية والفنيين العاملين في الميناء. وقد شوهد بعدها عملية انتشال للجثث الإسرائيلية الكثيرة من الماء، كما شوهدت ست عربات إسعاف تنقل جرحى مصابين من مبنى الضباط المقام خلف الرصيف الحربي مباشرة. - عادت المجموعة المصرية إلى ميناء العقبة الأردني، وهناك سلمت نفسها -كالمعتاد في كل مرة- للقوات الأردنية المتواجدة هناك، وقد قابلوهم بالترحاب والفرحة والفخر بهم، وأمدوهم بالطعام والشراب، وتكررت قصة الطائرة الهليكوبتر المصرية التي أنزلت المجموعة في طابا جنوب إيلات، والتي نفذت العملية، لكن تعذر عليها اللحاق بالطائرة، فاضطرت إلى اللجوء لميناء العقبة الأردني. - لم تَغْرَق السفينة (بيت شيفع) هذه المرة أيضًا، لكنها اعتبرت منتهية الصلاحية بعد هذه الضربات التي وُجِّهَتْ لها، فتم الإعلان بعد ذلك عن خروجها من الخدمة العسكرية. وهكذا كان إصرار قوات البحرية المصرية الخاصة على تدمير السفينتين الإسرائيليتين رغم صعوبة المهمة وراء نجاح الهدف منها. وقد أَثَارَ هذا الإصرار دهشة العالم؛ إذ لم يحدث في تاريخ البحرية أن تعرض ميناء ما للهجوم عليه ثلاث مرات كلها ناجحة في فترة زمنية قصيرة، فالمعروف والمتوقع عدم تكرار الهجوم على نفس الميناء -أي ميناء-، خاصة في الموانئ العسكرية، حيث تُتَّخَذ فيه بالطبع أقصى درجات الحيطة والحذر بعد أول هجوم عليها لمنع تكراره، وذلك من خلال دوريات الحراسة المكثفة ونقاط المراقبة والإنذار المتعددة، ومن خلال إلقاء العبوات المتفجرة الكثيرة في أعماق المياه، وغير ذلك من أساليب الدفاع والحيطة التي يصعب معها الجرأة على محاولة تكرار مثل هذه العمليات الانتحارية مهما كانت شجاعة منفذيها (للاستزادة: راجع كتاب: وحوش البحر، تأليف دكتور مدحت حسن عبد العزيز، ط. دار الدفاع للصحافة والنشر 2014م. ففيه مذكرات وأحاديث الأفراد الذين شاركوا في العمليات تخطيطًا وإعدادًا ومتابعة وتنفيذًا).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |