الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 23 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 22 )           »          واتساب يستخدم وضع الإضاءة المنخفضة لمكالمات الفيديو.. كيف يعمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          هل يعانى هاتف أيفون 16 من مشكلات فى عمر البطارية؟ إليكم ما نعرفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          استكشف مزايا أنظمة شبكة Wi-Fi مقارنة بأجهزة التوجيه التقليدية فى منزلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          كوالكوم تلغي إنتاج نظام Windows المصغر على أجهزة الكمبيوتر بهذا المعالج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تطبيق ChatGPT متوفر الآن لنظام Windows.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ما تخافش لو اتسرق منك.. 3 مزايا جديدة من جوجل تساعدك على استعادة هاتفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          Android 15 متاح الآن لهواتف Pixel.. كيفية التحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          علامات إدمان الأطفال للهواتف الذكية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          هل سقط الماء على اللاب توب؟ إليك كيفية إصلاحه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #221  
قديم 13-09-2025, 06:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (219) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (2)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ): "وقال مجاهد في قوله: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) أهل مكة وغيرهم فيه سواء في المنازل. وكذا قال أبو صالح، وعبد الرحمن بن سابط، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وذكر مثل ذلك عن قتادة: سواء فيه أهله وغير أهله.
وهذه المسألة اختلف فيها الشافعي، وإسحاق ابن راهويه بمسجد الخيف، وأحمد بن حنبل حاضر أيضًا؛ فذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أن رِبَاع مكة تُملك وتورث وتؤجر، واحتج بحديث الزهري عن علي بن الحسن عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال: قلتُ: يا رسول الله، أتنزل غدًا في دارك بمكة؟ فقال: (وهل تَرَكَ لنا عقيلٌ مِن دَار؟). ثم قال: (لَا يَرِثُ الكافرُ المسلمَ، ولا المسلمُ الكافرَ)، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين. وبما ثبت أن عمر بن الخطاب اشترى من صفوان بن أمية دارًا بمكة، فجعلها سجنًا بأربعة آلاف درهم. وبه قال طاوس، وعمرو بن دينار.
وذهب إسحاق ابن راهويه إلى أنها تورث ولا تؤجر. وهو مذهب طائفة من السلف، ونص عليه مجاهد وعطاء، واحتج إسحاق ابن راهويه بما رواه ابن ماجه بسنده عن علقمة بن نضلة قال: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر، وما تدعى رباع مكة إلا السوائب -(قلتُ: الرباع: البيوت)- مَن احتاج سَكَن، ومَن استغنى أسْكَن. وقال عبد الرزاق عن ابن مجاهد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها -(قلتُ: أي: إجارتها)-.
وقال أيضًا عن ابن جريج: كان عطاء ينهى عن الكراء في الحرم، وأخبرني أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن تبويب دور مكة؛ لأنه ينزل الحاج في عرصاتها، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو، فأرسل إليه عمر بن الخطاب في ذلك، فقال: أنظرني يا أمير المؤمنين، إني كنت امرأً تاجرًا، فأردت أن أتخذ بابين يحبسان لي ظهري. قال: فلك ذلك إذًا. (قلتُ: وهذا يدل على جواز أن يتخذ بابًا لحاجته؛ سواء كان لسكنى أهله وستر ما في البيت، أو لحفظ المتاع، وأن الآثار الأخرى عن الصحابة بعدم اتخاذ أبواب في رِبَاع مكة، هي في البيوت غير المسكونة).
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن مجاهد: أن عمر بن الخطاب قال: يا أهل مكة، لا تتخذوا لدوركم أبوابًا، لينزل البادي حيث يشاء. قال: وأخبرنا معمر عمَّن سمع عطاء يقول في قوله: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)، قال: ينزلون حيث شاءوا. وروى الدارقطني من حديث ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن عمرو موقوفًا: مَن أكل كراء بيوت مكة أكل نارًا.
وتوسط الإمام أحمد فقال: تملك وتورث، ولا تؤجَّر، جمعا بين الأدلة، والله أعلم. (قلتُ: وهذه مسألة اجتهادية، والناس اليوم كلهم يعملون بقول الشافعي).
وقوله -تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ): قال بعض المفسِّرين من أهل العربية: الباءُ ها هنا زائدة؛ كقوله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (المؤمنون: 20)؛ أي: تنبت الدهن، وكذا قوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) تقديره: مَن يرد إلحادًا، وكما قال الأعشى:
ضَـمنَـتْ بـرزق عـيـالنا أرْماحُنا بين المَرَاجِل، والصّريحَ الأجرد
وقال الآخر:
بوَاد يَمانِ يُنْبتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ وَأسْـفـَلـه بالـمَرْخ والشَّبَهَان
والأجود أنه ضمَّن الفعل ها هنا معنى يهم؛ ولهذا عدَّاه بالباء، فقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) أي: يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار. وقوله: (بِظُلْمٍ) أي: عامدًا قاصدًا أنه ظلم؛ ليس بمتأول، كما قال ابن جريج، عن ابن عباس: هو التعمد. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (بِظُلْمٍ) بشرك.
وقال مجاهد: أن يعبد فيه غير الله. وكذا قال قتادة، وغير واحد.
وقال العوفي عن ابن عباس: (بِظُلْمٍ) هو: أن تستحل من الحرم ما حرَّم الله عليك من إساءة أو قتل؛ فتظلم من لا يظلمك، وتقتل من لا يقتلك؛ فإذا فعل ذلك فقد وجب له العذاب الأليم. وقال مجاهد: (بِظُلْمٍ): يعمل فيه عملًا سيئًا.
وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي فيه الشر، إذا كان عازمًا عليه وإن لم يوقعه، (قلتُ: البادي فيه الشر: أي: الذي يبدأ فيه الشر).
كما قال ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن عبد الله -يعني ابن مسعود- في قوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) قال: لو أن رجلًا أراد فيه بإلحاد بظلم، وهو بعَدَن أبينَ، لأذاقه الله من العذاب الأليم.
قال شعبة: ورفعه لنا، وأنا لا أرفعه لكم. قال يزيد: هو قد رفعه (قلتُ: يعني يصححه موقوفًا)، ورواه أحمد، عن يزيد بن هارون، به.
قلت: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه؛ ولهذا صمم شعبة على وقفه من كلام ابن مسعود. وكذلك رواه أسباط، وسفيان الثوري، عن السدي، عن مرة، عن ابن مسعود موقوفًا. والله أعلم" (تفسير ابن كثير).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #222  
قديم 13-09-2025, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (220) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (3)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآيات في قوله -تعالى-: "(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ): وقال الثوري عن السدي عن مُرَّة، عن عبد الله قال: ‌ما ‌من ‌رجل ‌يهم ‌بسيئة ‌فتكتب ‌عليه، ‌ولو ‌أن ‌رجلًا ‌بعَدَن ‌أبينَ ‌هَمّ ‌أن ‌يقتل ‌رجلا بهذا البيت، لأذاقه الله من العذاب الأليم. وكذا قال الضحاك بن مُزاحم. وقال سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد "إلحاد فيه": لا والله، وبلى والله. (قلتُ: يعني اليمين اللغو إن لم تكن صادقة)، وروي عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، مثله. وقال سعيد بن جُبَير: شتم الخادم ظلم فما فوقَه.
وقال سفيان الثوري، عن عبد الله بن عطاء، عن ميمون بن مِهْرَان، عن ابن عباس في قوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) قال: تجارة الأمير فيه. (قلتُ: أي لأن الأمير سوف يُجَامَل من أجل إمارته فيظلم الناس)، وعن ابن عمر: بيع الطعام بمكة إلحاد (قلتُ: الظاهر أنها منع الطعام بمكة إلحاد؛ كما في الأثر الآتي). وقال حبيب بن أبي ثابت: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) قال: المحتكِر بمكة. وكذا قال غير واحد.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري، أنبأنا أبو عاصم، عن جعفر بن يحيى، عن عمه عمارة بن ثوبان، حدثني موسى بن باذان، عن يعلى بن أمية؛ أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "احتكار الطعام بمكة إلحاد" (قلتُ: حديث ضعيف مرفوعًا، وروي موقوفًا من وجوه متعددة).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثني عطاء بن دينار، حدثني سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس في قول الله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) قال: نزلت في عبد الله بن أنيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين، أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاريّ، ثم ارتد عن الإسلام، وهَرَب إلى مكة، فنزلت فيه: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ) يعني: من لجأ إلى الحرم بإلحاد، يعني: بميل عن الإسلام.
وهذه الآثار، وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد، ولكنْ هُو أعم من ذلك، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها؛ ولهذا لما همَّ أصحاب الفيل على تخريب البيت، أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل: (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل: 4، 5)، أي: دمَّرهم وجعلهم عبرة ونكالًا لكلِّ مَن أراده بسوء؛ ولذلك ثَبَت في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَغْزُو ‌هَذَا ‌الْبَيْتَ ‌جَيْشٌ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ، ‌خُسِفَ ‌بِأَوَّلِهِمْ ‌وَآخِرِهِمْ) الحديث.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كُنَاسة، حدثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه قال: أتى عبدُ الله بن عمر عبدَ الله بن الزبير، فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحاد في حَرَم الله، فإني سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنه سيلحدُ فيه رجل من قريش، لو تُوزَن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت"، فانظر لا تكن هو. (قلتُ: صححه الألباني على شرط الشيخين).
وقال أيضا في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص: حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبدُ الله بن عمرو ابنَ الزبير، وهو جالس في الحِجْر، فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحادَ في الحرم، فإني أشهد لسَمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يُحلُّها ويحلُّ به رجل من قريش، لو وُزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها"؛ قال: فانظر لا تكن هو. ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذين الوجهين. (قلتُ: كان عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- مظلومًا عند جماهير أهل السُّنة، كان أمير المؤمنين إذ ثبتت بيعته قبل بيعة مروان؛ فضلًا عن بيعة عبد الملك بن مروان، وقتل مظلومًا -رضي الله تعالى عنه-).
قوله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله، وأشرك به من قريش، في البقعة التي أسسّتْ من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فذكر تعالى أنه بَوأ إبراهيم مكانَ البيت، أي: أرشده إليه، وسلمه له، وأذن له في بنائه.
واستدل به كثيرٌ ممَّن قال: إن إبراهيم، عليه السلام، هو أول من بنى البيت العتيق، وأنه لم يُبنَ قبله؛ كما ثبت في الصحيح عن أبي ذر قلت: يا رسول الله، أي مسجد وُضعَ أول؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال: "بيت المقدس". قلت كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة".
وقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) الآية (آل عمران: 96، 97)، وقال -تعالى-: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: 125). وقد قدَّمنا ذِكْرَ ما ورد في بناء البيت من الصحاح والآثار، بما أغنى عن إعادته هاهنا" (تفسير ابن كثير).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #223  
قديم يوم أمس, 04:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (221) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (4)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وقال -تعالى- هاهنا: (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي) أي: ابْنه على اسمي وحدي، (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) قال مجاهد وقتادة: من الشرك، (لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أي: اجعله خالصًا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له؛ فالطائف به معروف، وهو أخص العبادات عند البيت، فإنه لا يُفعل ‌ببقعة ‌من ‌الأرض ‌سواها. (وَالْقَائِمِينَ) أي: في الصلاة؛ ولهذا قال: (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) فقَرَن الطواف بالصلاة؛ لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت، فالطواف عنده، والصلاة إليه في غالب الأحوال، إلا ما استثني من الصلاة عند اشتباه القبلة وفي الحرب، وفي النافلة في السفر، والله أعلم.
وقوله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) أي: نادِ في الناس داعيًا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه؛ فَذُكِر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: نادِ وعلينا البلاغ؛ فقام على مقامه. وقيل: على الحجر. وقيل: على الصفا. وقيل: على أبي قُبَيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتًا فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كلُّ شيء سمعه مِن حَجَر ومَدَر وشجر، ومَن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: "لبيك اللهم لبيك".
هذا مضمون ما روي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جُبَير، وغير واحد من السلف، والله أعلم. أوردها ابن جَرير، وابن أبي حاتم مُطَوّلة.
وقوله: (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ): قد يَستدلُّ بهذه الآية مَن ذهب مِن العلماء إلى أن الحج ماشيًا لمَن قدر عليه أفضلُ من الحج راكبًا؛ لأنه قدَّمهم في الذِّكر؛ فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم، وشدة عزمهم، وقال وكيع: عن أبي العُميس، عن أبي حلحلة، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال: ما آسى (قلتُ: أي: ما أحزن) على شيء إلا أني وددتُ أني كنتُ حججتُ ماشيًا؛ لأن الله يقول: (يَأْتُوكَ رِجَالًا). والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبًا أفضل؛ اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه حج راكبًا مع كمال قوته -عليه السلام-.
وقوله: (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ) يعني: طريق، كما قال: (وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا) (الأنبياء: 31). وقوله: (عَمِيقٍ) أي: بعيد؛ قاله مجاهد، وعطاء، والسدي، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والثوري، وغير واحد. وهذه الآية كقوله تعالى إخبارًا عن إبراهيم، حيث قال في دعائه: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (إبراهيم: 37)؛ فليس أحدٌ من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
قال ابن عباس: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) قال: منافع الدنيا والآخرة؛ أما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البُدْن والربح والتجارات. وكذا قال مجاهد، وغير واحد: إنها منافع الدنيا والآخرة، كقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ) (البقرة: 198).
وقوله: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ) قال شعبة وهُشَيْم عن أبي بشر، عن سعيد عن ابن عباس: الأيام المعلومات: أيام العشر، وعلَّقه البخاري عنه بصيغة الجزم به. ويُروَى مثله عن أبي موسى الأشعري، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والضحاك، وعطاء الخراساني، وإبراهيم النَّخعي. وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن أحمد بن حنبل.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عَرْعَرَة، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن مسلم البَطِين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌مَا ‌الْعَمَلُ ‌فِي ‌أَيَّامٍ ‌أَفْضَلَ ‌مِنْهَا ‌فِي ‌هَذِهِ)، ‌قَالَوا: ‌وَلَا ‌الْجِهَادُ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا الْجِهَادُ، إِلَا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ)، ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وفي الباب عن ابن عمر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر.
قلتُ: وقد تقصيتُ هذه الطرق، وأفردت لها جزءًا على حدته، فمن ذلك ما قال الإمام أحمد: حدثنا عَفَّان، أنبأنا أبو عَوَانة، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَا ‌مِنْ ‌أَيَّامٍ ‌أَعْظَمُ ‌عِنْدَ ‌اللهِ ‌وَلَا ‌أَحَبُّ ‌إِلَيْهِ ‌الْعَمَلُ ‌فِيهِنَّ ‌مِنْ ‌هَذِهِ ‌الْأَيَّامِ ‌الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ) وروي من وجه آخر، عن مجاهد، عن ابن عمر، بنحوه. وقال البخاري: وكان ابن عمر، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. وقد روى أحمد عن جابر مرفوعًا: أن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر: 1، 2). وقال بعض السلف: إنه المراد بقوله: (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) (الأعراف: 142) (قلتُ: أي: في حقِّ موسى -صلى الله عليه وسلم-، فكان يوم النحر هو يوم التكريم).
وفي سنن أبي داود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم هذا العشر. (قلتُ: أي: معظمه؛ العشر إلا يوم النحر؛ فإن العاشر حرام صومه بالإجماع).
وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة، فقال: (‌أَحْتَسِبُ ‌عَلَى ‌اللهِ ‌أَنْ ‌يُكَفِّرَ ‌السَّنَةَ ‌الْمَاضِيَةَ ‌وَالْآتِيَةَ)، ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله" (تفسير ابن كثير).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #224  
قديم يوم أمس, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (222) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (5)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ): "وبالجملة فهذا العشر قد قيل: إنه أفضل أيام السَّنة كما نطق به الحديث، ففضله كثير على عشر رمضان الأخير؛ لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك، من صيام وصلاة وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه. وقيل: ذلك (قلتُ: أي: العشر الأواخر من رمضان) أفضل؛ لاشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وتوسط آخرون فقالوا: أيام هذا أفضل، وليالي هذا أفضل. وبهذا يجتمع شمل الأدلة. والله أعلم. (قلتُ: رجَّح ابن القيم هذا الجمع الأخير).
قول ثان في الأيام المعلومات: قال الحكم عن مقسم عن ابن عباس: الأيام المعلومات: يوم النحر وثلاثة أيام بعده. ويروى هذا عن ابن عمر، وإبراهيم النخعي، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه. (قلتُ: هذا القول هو أصح الأقوال؛ لأن الله جعل هذه الأيام المعلومات في ذكر اسم الله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، وهي: يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وأما مَن جعلها العشر؛ فكيف يصح ذلك في هذه الآية، مع أن الذبح لا يكون في الأيام العشر وإنما يكون في يوم النحر وثلاثة أيام بعده؟!).
قول ثالث: قال ابن أبي حاتم: بسنده عن ابن عمر كان يقول: الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام، فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده، والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر. هذا إسناد صحيح إليه، وقال السدي: وهو مذهب الإمام مالك بن أنس، ويعضد هذا القول والذي قبله، قوله -تعالى-: (عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) يعني به: ذكر الله عند ذبحها. (قلتُ: هذا القول هو نفس الذي قبله؛ إلا أنه زاد عليه الجمع بين الأيام المعلومات والأيام المعدودات، وذلك أن الأيام المعدودات هي أيام رمي الجمار مع كونها أيام ذبح أيضًا؛ ولذا قال ابن عمر: الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده، والصحيح: ثلاثة أيام بعده. والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر، فلم يدخل فيها يوم النحر؛ لأن المقصود بالمعدودات: أيام مِنَى، ويوم النحر رغم وجود رمي الجمار فيه؛ إلا أنه لا يُحسَب في التعجل والتأخر. والله أعلى وأعلم).
قول رابع: إنها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم آخر بعده. وهو مذهب أبي حنيفة. وقال ابن وهب: حدثني ابن زيد بن أسلم، عن أبيه أنه قال: المعلومات: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق. (قلتُ: يعكِّر على هذا القول: أن يوم عرفة ليس يُذبح فيه الهدي، وإنما الذبح في يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وكذا مذهب أبي حنيفة لم يجعل يوم الثاني عشر والثالث عشر من الأيام المعلومات، وهي أيام ذبح).
وقوله: (عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) يعني: الإبل والبقر والغنم، كما فصَّلها -تعالى- في سورة الأنعام: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الأنعام: 143-144).
وقوله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) استدل بهذه الآية مَن ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي، وهو قول غريب، والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب، كما ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما نحر هديه؛ أَمَر من كل بدنة ببضعة فتطبخ، فأكل من لحمها، وحسا من مرقها.
وقال عبد الله بن وهب: قال لي مالك: أحب أن يأكل من أضحيته؛ لأن الله يقول: (فَكُلُوا مِنْهَا)، قال ابن وهب: وسألت الليث، فقال لي مثل ذلك.
وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم: (فَكُلُوا مِنْهَا) قال: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين، فمَن شاء أكل، ومن شاء لم يأكل. وروي عن مجاهد، وعطاء نحو ذلك.
قال هشيم، عن حصين، عن مجاهد في قوله: (فَكُلُوا مِنْهَا) هي كقوله: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) (المائدة: 2)، وقوله: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) (الجمعة: 10).
وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره. (قلتُ: الراجح الاستحباب لتكلُّف النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تؤخذ قطعة من كلِّ ناقة من المائة التي ذبحها وأشرك معه فيها عليًّا، وكلاهما أكل من لحمها وشرب من مرقها؛ ليحصل الأجر من جميعها، وهذا لا شك أقل أحواله الاستحباب).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #225  
قديم يوم أمس, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (223) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (6)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ): "واستدل ‌من ‌نصر ‌القول ‌بأن ‌الأضاحي ‌يتصدق ‌منها ‌بالنصف بقوله في هذه الآية: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، فجزأها نصفين: نصف للمضحي، ونصف للفقراء.
والقول الآخر: أنها تجزأ ثلاثة أجزاء: ثلث له، وثلث يهديه، وثلث يتصدق به؛ لقوله في الآية الأخرى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (الحج: 36). (قلتُ: وقد بيَّن بعد ذلك أن القانع: مَن لا يسألك، والمعتر: المعترض لك الذي يسألك).
وقوله: (الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، قال عكرمة: هو المضطر الذي عليه البؤس، والفقير المتعفف.
وقال مجاهد: هو الذي لا يبسط يده. وقال قتادة: هو الزّمِن <قلتُ: أي: المريض مرضًا مزمنًا>. وقال مقاتل بن حيان: هو الضرير.
وقوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ): قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو وضع الإحرام مِن حَلْق الرأس، ولُبس الثياب، وقص الأظفار، ونحو ذلك. وهكذا روى عطاء ومجاهد عنه. وكذا قال عكرمة، ومحمد بن كعب القُرَظي.
وقال عكرمة، عن ابن عباس: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: التفث: المناسك.
وقوله: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني: نحر ما نذر من أمر البُدن.
وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ): نذر الحج والهدي، وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج.
وقال إبراهيم بن مَيْسَرَة، عن مجاهد: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) قال: الذبائح.
وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) كل نذر إلى أجل.
وقال عكرمة: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)، قال: حجهم. وكذا روى الإمام ابن أبي حاتم بسنده عن سفيان في قوله: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) قال: نذر الحج، فكل مَن دخل الحج فعليه مِن العمل فيه: الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، وعرفة، والمزدلفة، ورمي الجمار، على ما أُمِروا به. وروي عن مالك نحو هذا. (قلتُ: هذا القول جعل أعمال الحج هي النذر؛ لأن الإنسان حين فرض الحج فقد أوجب على نفسه هذه الأعمال، والظاهر أنها النذور التي ينذرها الإنسان على نفسه؛ سواء من الذبح أو النذر، أو نذر الحج زائدًا على فرض الحج في العمر مرة الذي افترضه الله -عز وجل-، فالقول الأول أرجح).
وقوله: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ): قال مجاهد: يعني: الطواف الواجب يوم النحر. <قلتُ: أي: طواف الإفاضة>.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن أبي حمزة قال: قال لي ابن عباس: أتقرأ سورة الحج؟ يقول الله: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، فإن آخر المناسك الطواف بالبيت. قلت: وهكذا صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لما رجع إلى منى يوم النحر بدأ برمي الجمرة، فرماها بسبع حصيات، ثم نحر هديه، وحلق رأسه، ثم أفاض فطاف بالبيت. وفي الصحيح عن ابن عباس أنه قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف؛ إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. (قلتُ: الآية دلت على الطواف الركن؛ وهو: طواف الإفاضة، وهو آخر المناسك التي هي ركن في الحج؛ إذ هناك نسك بعد ذلك، لكنه من الواجبات، فرمي الجمار في أيام التشريق الثلاثة والمبيت بمنى، كله من الواجبات الذي يمكن جبره إذا تركه بالدم، وإن كان يأثم مَن تركه، وأما طواف الإفاضة فالذي دلت عليه الآية عند جماهير أهل العلم أن طواف الإفاضة ركن من الأركان، وأما طواف الوداع فهو واجب، والصحيح أنه ليس بنسك؛ فلا يصح حمل الآية عليه. والله أعلم).
وقوله: (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ): فيه مستدل لمن ذهب إلى أنه يجب الطواف من وراء الحجر؛ لأنه من أصل البيت الذي بناه إبراهيم، وإن كانت قريش قد أخرجوه من البيت، حين قصرت بهم النفقة؛ ولهذا طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وراء الحِجْر، وأخبر أن الحجر من البيت، ولم يستلم الركنين الشاميين؛ لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم العتيقة؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر العَدَني، حدثنا سفيان، عن هشام بن حُجْر، عن رجل، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)، طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ورائه. وقال قتادة، عن الحسن البصري في قوله: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) قال: لأنه أول بيت وضع للناس. وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وعن عكرمة أنه قال: إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح. وقال خَصِيف: إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه لم يظهر عليه جبار قط" (انتهى من تفسير ابن كثير).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #226  
قديم يوم أمس, 04:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (224) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (7)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
قال ابن كثير رحمه الله في قوله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ): "‌أعتق ‌من ‌الجبابرة ‌أن ‌يسلطوا ‌عليه. ‌وكذا ‌قال ‌قتادة. وقال حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد: لأنه لم يُرِده أحد بسوء إلا هلك. وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزهري، عن ابن الزبير قال: إنما سمي البيت العتيق؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة (قلتُ: الصحيح أنه البيت العتيق -أي: القديم-؛ لأنه أول بيت وضع للناس، وهذا هو ظاهر القرآن؛ لأن الله لم يذكر ما ذكروه من الإعتاق من الجبابرة، وقد تسلَّط القرامطة على مكة، وانتزعوا الحجر الأسود، وقبلهم المُبِير المُهلِك الحجاج؛ الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ ‌فِي ‌ثَقِيفٍ كَذَّابًا ‌وَمُبِيرًا) (رواه مسلم)، واتفق العلماء على أن المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي، كان يرمي مكة بالمنجنيق، وأصاب البيت واحترق، وبناه عبد الله بن الزبير، ثم قَتَل عبدَ الله بن الزبير، فالصحيح أن المقصود: البيت القديم؛ الذي هو أول بيت وُضِع للناس كما ذكر الله -عز وجل-).
وقال الترمذي -وساق السند- عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه لم يظهر عليه جبار"، وكذا رواه ابن جرير وقال: إن كان صحيحًا -(قلتُ: أشار إلى ضعفه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي)-" (انتهى من تفسير ابن كثير).
ومع ذلك لا يتسلط على مكة كافر معلن بكفره، وإنما تسلط بعض الجبارين ممن ينتسب إلى الإسلام لا يتبرأ منه -كما ذكرنا-؛ وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ، ‌كَمَا ‌تَأْرِزُ ‌الْحَيَّةُ ‌إِلَى ‌جُحْرِهَا) (متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌هِجْرَةَ ‌بَعْدَ ‌الْفَتْحِ) أي: من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، وهذه بشارة بأن مكة ستظل دار إسلام ما بقي في الأرض مسلمون
فائدة: قال ابن جرير -رحمه الله- في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ): يقول تعالى ذكره: ثم ليقضوا ما عليهم من مناسك حجهم: من حلق شعر، وأخذ شارب، ورمي جمرة، وطواف بالبيت. عن ابن عمر أنه قال: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: ما هم عليه في الحجّ. عن ابن عمر قال: التفث: المناسك كلها.
عن ابن عباس أنه قال: التفث: حلق الرأس، وأخذٌ من الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقصّ الأظفار، والأخذ من العارضين، ورمي الجمار، والموقف بعرفة والمزدلفة.
عن عكرمة قال: التفث: الشعر والظفر. عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ): رمي الجمار وذبح الذبيحة، وأخذ من الشاربين واللحية، والأظفار، والطواف.
عن مجاهد في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ): حلق الرأس وحلق العانة، وقص الأظفار، وقصّ الشارب، ورمي الجمار، وقص اللحية.
عن ابن جُرَيج سُئِل عن قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) قال: الأخذ من اللحية ومن الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، ورمي الجمار" (انتهى من تفسير الطبري).
قلتُ: أخذ الشيخ الألباني -رحمه الله- من هذه الآية وتفسيرها بهذه الآثار، وجوب الأخذ من اللحية بعد التحلل من الإحرام، وهذا الوجوب قول شاذ ليس عند أهل العلم. والحقيقة: أن هذا أمر بعد حظر: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)؛ فهذه الشعور التي تقص كانت بعد المنع من قصها والأخذ منها حال الإحرام، فتعود إلى ما كان عليه الأمر قبل ذلك؛ فهو أمر للإباحة أو للاستحباب، وهو الأظهر؛ لأنه ضمن المناسك، وهو معنى الأخذ من العارضين وقص اللحية -أي: ما زاد على القبضة- كما ثبت عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- من فعله، وهو أنه كان إذا تحلل قبض على لحيته فما زاد أخذه، وهذا مع كونه هو راوي حديث: (أَحْفُوا ‌الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا ‌اللِّحَى) (متفق عليه)؛ فدل على أن هذا من الأخذ المشروع من اللحية فيما زاد على القبضة، أو الأخذ من العارضين شيئًا يسيرًا، كما ثبتت هذه الآثار عن الصحابة والتابعين. والله أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #227  
قديم يوم أمس, 04:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (225) بناء إبراهيم صلى الله عليه وسلم البيت وتأذينه في الناس بالحج (8)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: 25-29).
قال القرطبي -رحمه الله- في المسألة الأولى في قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ): "أعاد الكلام إلى مشركي العرب حين صدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الحرام عام الحديبية، وذلك أنه لم يعلم لهم صد قبل ذلك الجمع؛ إلا أن يريد صدهم لأفراد من الناس، فقد وقع ذلك في صدر المبعث. (قلتُ: يعني لم يكن أحدٌ من العرب يمنع جموعًا من الناس عن المسجد الحرام، وقد وقع صد أفراد فقط)، والصد: المنع؛ أي: وهم يصدون.
الثانية: والمسجد الحرام قيل: إنه المسجد نفسه، وهو ظاهر القرآن؛ لأنه لم يذكر غيره. وقيل: الحرم كله؛ لأن المشركين صدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عنه عام الحديبية، فنزل خارجًا عنه (قلتُ: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل، والحديث صحيح، فهو لم يُمنع عن دخول هذا الجزء من الحرم؛ فلا يصح الاستدلال بأنه مُنِع من الأرض الحرام، وإنما كان قاصدًا الكعبة).
الثالثة: قوله -تعالى-: (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ) أي: للصلاة والطواف والعبادة، وهو كقوله -تعالى-: (?إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا)، وقوله: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) العاكف: المقيم الملازم. والبادي: أهل البادية ومَن يقدم عليهم. يقول: سواء في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه الحاضر والذي يأتيه من البلاد؛ فليس أهل مكة أحق من النازح إليه. وقيل: إن المساواة إنما هي في دوره، ومنازله، ليس المقيم فيها أولى من الطارئ عليها.
وهذا على أن المسجد الحرام الحرم كلُّه، وهذا قول مجاهد، ومالك؛ رواه عنه ابن القاسم. وروي عن عمر، وابن عباس، وجماعة؛ إلا أن القادم له النزول حيث وجد، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى. وقال ذلك سفيان الثوري، وغيره، وكذلك كان الأمر في الصدر الأول، كانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة؛ فاتخذ رجل بابًا فأنكر عليه عمر، وقال: أتغلق بابًا في وجه حاج بيت الله؟ فقال: إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة، فتركه، فاتخذ الناس الأبواب.
وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيضًا أنه كان يأمر في الموسم بقلع أبواب دور مكة، حتى يدخلها الذي يقدم فينزل حيث شاء، وكانت الفساطيط تضرب في الدور. وروي عن مالك أن الدور ليست كالمسجد، ولأهلها الامتناع منها والاستبداد؛ وهذا هو العمل اليوم. وقال بهذا جمهور من الأمة.
وهذا الخلاف يُبنى على أصلين: أحدهما: أن دور مكة هل هي ملك لأربابها أم للناس. وللخلاف سببان: أحدهما: هل فتح مكة كان عنوة فتكون مغنومة، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقسمها وأقرها لأهلها ولمن جاء بعدهم؛ كما فعل عمر -رضي الله عنه- بأرض السواد، وعفا لهم عن الخراج كما عفا عن سبيهم واسترقاقهم إحسانًا إليهم دون سائر الكفار، فتبقى على ذلك لا تباع ولا تُكْرَى، ومن سبق إلى موضع كان أولى به، وبهذا قال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي. أو كان فتحها صلحًا -وإليه ذهب الشافعي- فتبقى ديارهم بأيديهم، وفي أملاكهم يتصرفون كيف شاءوا. وروي عن عمر أنه اشترى دار صفوان بن أمية بأربعة آلاف وجعلها سجنًا، وهو أول من حبس في السجن في الإسلام. وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حبس في تهمة. وكان طاوس يكره السجن بمكة، ويقول: لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة.
قلت: الصحيح ما قاله مالك؛ وعليه تدل ظواهر الأخبار الثابتة؛ لأنها فتحت عنوة. (قلتُ: رجَّح ابن القيم في زاد المعاد أن مكة فتحت عنوة من سبعة عشر وجهًا، وهو الصحيح -بلا شك-).
قال أبو عبيد: ولا نعلم مكة يشبهها شيء من البلاد. وروى الدارقطني عن علقمة بن نضلة قال: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمر -رضي الله عنهما- وما تدعى رباع مكة إلا السوائب؛ من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن. وزاد في رواية: وعثمان . وروي أيضًا عن علقمة بن نضلة الكناني قال: كانت تدعى بيوت مكة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- السوائب، لا تباع؛ من احتاج سكن ومن استغنى أسكن.
وروي أيضًا عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله -تعالى- حرم مكة، فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها. وقال: من أكل من أجر بيوت مكة شيئا فإنما يأكل نارًا. قال الدارقطني: كذا رواه أبو حنيفة مرفوعًا ووهم فيه، ووهم أيضًا في قوله: عبيد الله بن أبي زياد، وإنما هو ابن أبي زياد القداح، والصحيح أنه موقوف. وأسند الدارقطني أيضًا عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مكة مناخ لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها. (قلتُ: ضعيف).
وروى أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله؛ ألا أبني لك بمنى بيتًا أو بناءً يظلك من الشمس؟ فقال: لا، إنما هو مناخ مَن سبق إليه. (قلتُ: ضعيف أيضًا).
وتمسَّك الشافعي -رضي الله عنه- بقوله -تعالى-: (‌الَّذِينَ ‌أُخْرِجُوا ‌مِنْ ‌دِيارِهِمْ) (الحج: 40)، فأضافها إليهم. وقال: -عليه السلام- يوم الفتح: مَن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" (انتهى باختصارٍ).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.76 كيلو بايت... تم توفير 4.47 كيلو بايت...بمعدل (3.63%)]