الوصايا النبوية - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5023 - عددالزوار : 2162057 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4603 - عددالزوار : 1442725 )           »          كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 39 - عددالزوار : 54 )           »          كيفية استعادة الرسائل المحذوفة على واتساب.. دليل خطوة بخطوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          من الساعة للسماعة.. كيفية حماية البيانات الشخصية على الأجهزة القابلة للارتداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          كيفية إعادة ضبط جهاز Apple TV.. فى خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          شروط استخدام خاصية تنظيف صورك بالذكاء الاصطناعى Clean up على آيفون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لو هتشترى أونلاين .. نصائح لمستخدمى الإنترنت لحماية أنفسهم من الاحتيال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الابتزاز الإلكترونى .. فهم المخاطر والاحتياطات اللازمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          كيف تحذف خلفيات صورك على آيفون باستخدام خاصية Clean Up"؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 08-08-2025, 12:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية

الوصايا النبوية (30)

(الوصية بكتمان النعم)

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن عروة بن الزبير عن أبي هريرة -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ)، وفي الرواية الأخرى: (اسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ) (رواه الطبراني في الكبير والأوسط والصغير، وصححه الألباني).
مجمل الوصية:
(اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ) أي: كونوا لها كَاتِمِينَ عن الناس، واسْتَعِينُوا بالله على الظَّفَرِ بها، ثم عَلَّلَ طلب الكتمان لها بقوله: (فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ) يعني: إِنْ أَظْهَرْتُمْ حَوَائِجَكُمْ لِلنَّاسِ حَسَدُوكُمْ فَعَارَضُوكُمْ فِي مَرَامِيكُمْ. (الإشارة إلى ظاهرة نشر تفاصيل وأسرار البيوت وما فيها من النعم على وسائل التواصل؛ مما أَدَّى إلى إصابة كثير من أصحابها بالمصائب نتيجة حسد المشاهدين لها)(1).
في كتمان النعم نجاة من الحسد:
- في كتمان النعم نجاة من كَيْدِ الأشرار وَحَسَدِهِمْ: قال الله -تعالى- فِي نصيحة يعقوب لولده يوسف -عليهما السلام- بكتمان نعمة الرؤيا التي رآها عن إخوته خشية الحسد: (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف: 5).
- حسد الغير على النعم كان أول ذنب وقع فِي السماء وفي الأرض: قال -تعالى- عن حسد إبليس لآدم: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 61-62).
- وقال -تعالى- عن حسد أحد ابني آدم لأخيه على نعمة الهدايا والقبول: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27).
- في كتمان النعم نجاة من الوقوع فِي إيذاء نُفُوسِ المَحْرُومِينَ منها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ) (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني).
- فَعَلَى المسلم أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ بِالْكِتْمَانِ، وَلاَ يُفْشِي نِعْمَتَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ لأنه ربما يكون ذلك سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ حَسَدِهِ وَفَشَلِهِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ؛ قالوا: "أَحْزَمُ الناس مَنْ لاَ يُفْشِي سِرَّهُ إِلَى صَدِيقِهِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا شَرٌّ فَيُفْشِيَهُ عَلَيْهِ".
ما المقصود بالتحديث بالنعمة؟
لاَ تَعَارُضَ بين قوله -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى: 11) ووصية النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ).
وقد وَفَّقَ العلماء بينهما من وجوه كثيرة:
- الكتمان يكون قبل حُصُولِ الحاجة، فإذا حَصَلَتْ، وَأَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِبُلُوغِ مَا يُرِيدُ، فإنه يَتَحَدَّثُ بِالنِّعْمَةِ وَيَشْكُرُ اللهَ عَلَيْهَا، مَا لَمْ يَخْشَ مِنْ حَاسِدٍ(2).
- التحديث بالنعمة هو القيام بِشُكْرِهَا، وإظهار آثارها، فإذا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ شَكَرَ اللهَ -تعالى- على هذه النعمة، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّصَدُّقِ وَالْكَرَمِ وَالْجُودِ، حتى يَقْصِدَهُ الفقراء والمحتاجون(3).
- التحديث بالنعم لاَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التفصيل، بل قد يكون إجمالاً، بأن يقول: إنَّ اللهَ أَنْعَمَ عَلَيَّ بِالصِّحَّةِ وَالْغِنَى وَالهِدَايَةِ، ولا يُفَصِّلُ في ذكر هذه النعم؛ قال السعدي -رحمه الله-: "(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ): وَهَذَا يَشْمَلُ النِّعَمَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ؛ أَيْ: أَثْنِ عَلَى اللهِ بِهَا، وَخُصَّهَا بِالذِّكْرِ، إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ، وَإِلَّا فَحَدِّثْ بِنِعَمِ اللهِ عَلَى الإطلاق، فإنَّ التحدث بنعمة الله دَاعٍ لِشُكْرِهَا، وَمُوجِبٌ لِتَحْبِيبِ القلوب إلى مَنْ أُنْعِمَ بِهَا؛ فإنَّ القلوب مَجْبُولَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ المُحْسِنِ".
- التحديث لا يكون إلا للمُحِبِّ الصَّادِقِ فِي حُبِّهِ، فعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: كنت أرى الرؤيا تُمْرِضُنِي، حتى سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ ‌فَلَا ‌يُحَدِّثُ ‌بِهَا ‌إِلَّا ‌مَنْ ‌يُحِبُّ...) (متفق عليه).
من أسباب الوقاية من حسد الحاسدين لنعمتك:
1- كتمان النعم وإخفاؤها عَمَّنْ يُعْرَفُونَ بِالْحَسَدِ أو العين: (وصية الباب). وقال -تعالى-: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف: 67).
2- التَّعَوُّذُ بِاللهِ وَاللُّجُوءُ إِلَيْهِ، وَالتَّحَصُّنُ بِهِ، وَمَا تَعَوَّذَ المسلم بأفضل من المعوذتين: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق: 1)، (وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس: 1).
3- تَقْوَى اللهِ وَحِفْظُهُ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ تَوَلَّى اللهُ حِفْظَهُ، وَلَمْ يَكِلْهُ إِلَى غَيْرِهِ: قال -تعالى-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: 120)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
4- إطفاء شَرِّ الحاسد بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِ: قال -تعالى-: (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).
5- وَهُوَ الْجَامِعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ هَذِهِ الأَسْبَابِ هُوَ: تَجْرِيدُ التوحيد، وَالتَّرَحُّلُ بِالْفِكْرِ فِي الأَسْبَابِ إِلَى المُسَبِّبِ اللهِ العزيز الحكيم، وَالْعِلْمُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللهِ يُحَرِّكُهُ كَيْفَ شَاءَ، وَلاَ يَنْفَعُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قال -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) (الأنعام: 17). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإشارة إلى أنَّ النعم تَنْقَسِمُ إِلَى نَوْعَيْنِ: مَعْنَوِيَّةٍ وَحِسِّيَّةٍ؛ فالمعنوية: كَفَضْلِ القرآن أو نَيْلِ مَكَانَةٍ مَرْمُوقَةٍ، وَالْحِسِّيَّةُ: كَالْمَالِ وَالْوَلَدِ الصَّالِحِ وَنَحْوِهِ.
(2) قال المناوي -رحمه الله-: "موضع الخبر الوارد في التحدث بالنعمة: ما بعد وقوعها، وأَمْنِ الحسد" (فيض القدير). وقال ابن كثير -رحمه الله-: "قوله -تعالى-: (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ...)، يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا، الأَمْرُ بِكَتْمَانِ النِّعْمَةِ حَتَّى تُوجَدَ وَتَظْهَرَ، كَمَا وَرَدَ فِي حديث: (اسْتَعِينُوا...)" (تفسير ابن كثير). مثال: عندك خطة للسفر أو دراسة أو للتجارة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- علَّمنا ألا ننشر الأمر قبل أن يكون؛ فإنَّ هذا يؤدي إلى العديد من السلبيات:
- الحسد: وهذا هو المقصد الأصلي من الحديث، فبعض الناس وخاصة الأقران المتماثلين في مهنة أو في سنٍّ واحد دائمًا ما يكون بينهم الحسد، فيقول: هذا فلان عقله كذا وكذا، هذا فلان في نفس سني ويملك كذا وعنده كذا، وحاصل على شهادات كذا، وأنا كما أنا لم أتحرك! ثم يسخط على الله وعلى قَدَر الله، وينقم عليك بالحسد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- التثبيط: بعض الناس عندهم النظرة السوداوية للأمور فما إن تعرض عليه شيئًا إلا ويفشله لك قبل أن يكون، فيذكر لك ألف مصيبة في هذا الأمر الذي تريده، سيحدث كذا وسيحدث كذا والسوق فيه كساد وفيه خسارة ولا تلقي بأموالك، وهذه النصائح إذا خرجت من خبير بالسوق وناصح أمين فهي مقبولة فالمستشار مؤتمن، وأنا إذا أردت أن أستشير أستشير أهل الثقة، أهل الخبرة وهناك شركات ومكاتب متخصصة الآن في عمل دراسة جدوى للمشاريع.
- الكيد والمكر: بعض الناس تَلْمَعُ لَهُ الفكرة التي سمعها منك فَتَرُوقُ لَهُ فَيَسْرِقُهَا مِنْكَ، ثم يَسْبِقُكَ بِهَا.
(3) قال القاسمي -رحمه الله-: "قال الإمام -يعني: الشيخ محمد عبده رحمه الله-: من عادة البخلاء أن يكتموا مالهم، لتقوم لهم الحجة في قبض أيديهم عن البذل، فلا تجدهم إلا شاكين من القل، أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل ما آتاهم الله من فضله، ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه؛ فلهذا صح أن يجعل التحديث بالنعمة كناية عن البذل وإطعام الفقراء وإعانة المحتاجين، فهذا هو قوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أي: إنك لما عرفت بنفسك ما يكون فيه الفقير، فأوسع في البذل على الفقراء، وليس القصد هو مجرد ذكر الثروة، فإن هذا من الفخفخة التي يتنزه عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولم يعرف عنه في امتثال هذا الأمر أنه كان يذكر ما عنده من نقود وعروض، ولكن الذي عرف عنه أنه كان ينفق ما عنده ويبيت طاويًا" (محاسن التأويل).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 23-08-2025, 01:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية

الوصايا النبوية (31)

(الوصية بالاستقامة)

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: (قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ) (رواه مسلم).
مجمل الوصية:
جاءت هذه الوصية لما سأل الصحابي سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمل ينجيه ويكفيه، وأن يكون بقول جامع وشامل لأمر الإسلام، ويكون سببًا في نجاته من النار يوم القيامة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ)، أي: قل وأنت موقن بقلبك: آمنت بالله، ثم داوم على هذا الإيمان وأنت مستقيم على هديه ومقتضاه.
المقصود بالاستقامة:
- بداية؛ هذه وصية من روح الكتاب العزيز: قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت: 30)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف: 13-14).
- والاستقامة واجبة على كل مسلم إلى آخر لحظات عمره(1): قال -تعالى-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود: 112).
- ولقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بمثال توضيحي: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطًّا بيده ثم قال: (هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا)، وخط خطوطًا عن يمينه وشماله، ثم قال: (هَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ)، ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (الأنعام: 153) (رواه أحمد بسند صحيح).
- لذا تنوعت أقوال السلف في وصف الاستقامة: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب".
- وقال ابن رجب -رحمه الله-: "والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، وهي الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك" (جامع العلوم والحكم).
تنبيه مهم: لا يلزم من الأمر بالاستقامة عدم الوقوع في المعاصي، وإلا ففي قوله -عز وجل-: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) (فصلت: 6)، إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، وهو كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
من نماذج الاستقامة:
- عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على الاستقامة حتى الأنفاس الأخيرة: روى البخاري عن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، ‌وَكَأَنَّهُ ‌يُجَزِّعُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ- مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي، فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا، لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ -عز وجل- قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ".
وفي رواية أخرى أن عمر قال لابن عباس: "أَتَشْهَدُ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، ‌أَلْصِقْ ‌خَدِّي ‌بِالْأَرْضِ ‌يَا ‌عَبْدَ ‌اللَّهِ ابْنَ عُمَرَ فَوَضَعْتُهُ مِنْ فَخِذِي عَلَى سَاقِي. فَقَالَ: أَلْصِقْ خَدِّي بِالْأَرْضِ، فَتَرَكَ لِحْيَتَهُ وَخَدَّهُ حَتَّى وَقَعَ بِالْأَرْضِ، فَقَالَ: وَيْلَكَ وَوَيْلَ أُمِّكَ يَا عُمَرُ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَكَ. ثُمَّ قُبِضَ رحمه الله" (رواه الطبراني في المعجم الأوسط).
وقفة:
كلنا نرجو الكرامة، ونغفل عن الاستقامة: قال ابن تيمية -رحمه الله-: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".
من ثمرات الاستقامة عند الخاتمة:
- لقد جعل الله -عز وجل- لمن آمنوا بدينه حقًّا، واستقاموا عليه صدقًا، فضائل عظيمة ومنازل رفيعة، جاء، ذكر بعضها في قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت: 30)، وذلك عند خروج الإنسان من الدنيا مقبلًا على الآخرة، ومنها:
- تتنزل عليهم الملائكة بالبشرى من عند الله -سبحانه- بالسرور والحبور في المواطن العصيبة: قال وكيع -رحمه الله-: "البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث" (فتح القدير للشوكاني -رحمه الله-).
- الطمأنينة والسكينة (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا): قال العلماء: "لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمور الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا من أهل وولد ومال"، وقال عطاء -رحمه الله-: "لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم".
- البشرى بالجنة: (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)، (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (الزمر: 74).
- الولاية في الدارين: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)، قال الشوكاني -رحمه الله-: "أي: نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا وأمور الآخرة". وقيل: إن هذا من قول الملائكة. وقال مجاهد -رحمه الله-: "إذا كان يوم القيامة قالوا: لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة)"(تفسير فتح القدير).
- مغفرة الذنوب قبل القدوم: (نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (فصلت: 32): قال ابن كثير -رحمه الله-: "(مِنْ غَفُورٍ) لذنوبكم، (رَحِيمٍ) بكم، حيث غفر وستر ورحم ولطف".
من عوامل تحصيل الاستقامة:
- فعل الواجبات والإكثار من النوافل: ففي الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري).
- الاشتغال بالعلم الشرعي والدعوة إلى الله، فذلك حصن حصين: قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر: 28)، وقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) (فصلت: 33).
- الإكثار من الدعاء بالاستقامة والثبات عليها: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربَّه الثبات على الدين"، وقد أمرنا بقراءة الفاتحة في كل ركعة وفيها: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة: 6-7).
- الإكثار من قراءة القرآن وتدبره: قال -تعالى-: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ . لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (التكوير: 27-28).
- الصحبة الصالحة؛ لأن الميل لأهل المعاصي يضعف الاستقامة(2): قال -تعالى-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود: 112-113).
خاتمة:
تذكير بالوصية إجمالًا، وأنها تشتمل على التوحيد والعمل، والتنبيه على أن كثيرًا من المسلمين قالوا: (رَبُّنَا اللَّهُ)، لكنهم تركوا الاستقامة التي هي العمل.
فاللهم ارزقنا الاستقامة على دينك حتى الموت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إن بعض الناس يستقيم فترات ويعوج فترات أخرى، وبعضهم يستقيم في أول التدين والالتزام، ثم يعوج في أواخره، كمن قال الله فيهم: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد: 16).
(2) تأمل كيف أن الله -تعالى- بعد أن أمر بالاستقامة حذَّر من الركون إلى أهل المعاصي؛ لأن هذا يؤثر في الاستقامة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 23-08-2025, 01:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية

الوصايا النبوية (32)

(الوصية بعدم تمني الموت من ضر أصابه) (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) (متفق عليه)(1).
مجمل الوصية:
ينهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الوصية عن أن يتمنى أحد الموت نتيجة إصابته بضر دنيوي؛ فإن كان لا بد فاعلًا، أي: إن ضاقت به الأحوال واشتدت النَّوَائِب حتى اضطرته أن يتمنى شيئًا تنفيسًا عن نفسه وابتغاء لفرج الله، فليقل: (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي) أي: ارزقني الحياة إذا كان في سابق علمك أن الحياة تكون زيادة لي في الخير؛ من التَّزَوُّد من الأعمال الصَّالِحَة، والبر، ونحو ذلك، (وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) أي: أمتني إذا كنت تعلم أن الوفاة فيها خير لي، وهذا نوع تفويض وتسليم للقضاء، فيترك الاختيار لله -سبحانه وتعالى-.
تمهيد:
البعض يصيبهم الشيطان بالقنوط والإحباط إذا نزلت بهم المحن والمصائب؛ لا سيما إذا تكررت واشتدت (أمراض شديدة بتوابعها - فقر شديد بتوابعه - مصائب بأنواعها في الولد والأهل - ظلم وقهر من الغير - صدمات نفسية في أصحاب أو قرابات - ... والقصص في ذلك لا يحصى) فيتمنى معها الموت طلبًا للراحة من هذه الهموم والكروب والآلام، فكانت هذه الوصية النبوية لينضبط بها حال المؤمن مع هذه الأحزان والآلام، بنهيه عن ذلك، وأمره بتفويض الاختيار إلى ربه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ...).
ولنا مع هذه الوصية العظيمة وقفات:
أولًا: حياة المؤمن خير له من موته:
- المؤمن كلما طال عمره في طاعة الله، زاد فضله وأجره في الآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الإِسْلَامِ؛ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). وقال: (لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا) (رواه مسلم). وعن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: أن رجلين قدما على النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان إسلامهما جميعًا، وكان أحدهما أشد اجتهادًا من صاحبه، فغزا المجتهد منهما، فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم توفي، قال طلحة: فرأيتُ فيما يرى النائم كأني عند باب الجنة إذا أنا بهما وقد خرج خارج من الجنة، فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجعا إلي فقالا لي: ارجع؛ فإنه لم يأن لك بعد. فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ. فَقَالَ: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى. (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟) قَالُوا: بَلَى. (وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ثانيًا: تفويض الأمر إلى الله، مع إحسان الظن به -تعالى-:
- (فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي...) فالأمر كله بيده -سبحانه وتعالى- فأحسن الظن بربك؛ قال -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس: 107). وفي الحديث القدسي: (قَالَ اللَّهُ -تعالى-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ) (رواه أحمد، وأصله في البخاري)، وقال -تعالى-: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الصافات: 87).
- يعقوب -عليه السلام- بعد طول السنين ينتظر الروح والفرج، ويبعث أولاده بالأمل في الله: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
ثالثًا: متى يجوز تمني الموت؟
الأصل عدم جواز تمني الموت للوصية معنا إلا في بعض الأحوال:
أولها: خوف الفتنة في الدين: كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ، فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ) (رواه مسلم).
- وعن سعيد بن المسيب -رحمه الله- قال: "لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- مِنْ مِنًى، أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةَ بَطْحَاءَ، ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضِيعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ" (رواه مالك في الموطأ).
- ولما خافت مريم -عليها السلام- أن ترمى بالفاحشة قالت: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) (مريم: 23).
ثانيها: من اقترب أجله وكان في حالة من الطاعة والتقوى: قال -تعالى- حكاية عن يوسف -عليه السلام-: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف: 101). وقال الله -تعالى- عن سليمان -عليه السلام-: (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل: 19).
ثالثها: عند حضور أسباب الشهادة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) (رواه مسلم). وكذلك أحوال الصحابة -رضي الله عنهم- وحبهم للموت في سبيل الله. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ) قال ذلك ثلاثًا. (متفق عليه).
خاتمة:
وصية عظيمة نافعة لمن فهمها وتدبرها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي).
فاللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سواء كان هذا الضر مما يتأذى منه ببدنه: كالآلام، والأمراض البدنية، أو كان ذلك مما تتأذى به النَّفْس: كالذي يصيبه الحزن الشديد، أو تنزل به مصيبة، أو يحصل له أمر يكرهه، كمن كان معظمًا وله مراتب ورتب، ثم بعد ذلك بين عشية وضحاها إذا هو يبعد عن كل شيء، فيحصل له شيء من الاكتئاب، والحزن، والجزع، ونحو ذلك، فيتمنى الموت على الحياة... وهكذا في كثيرٍ من الصور التي يجزع أصحابها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 29-08-2025, 12:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية

الوصايا النبوية (33)

(اتَّقِ دعوةَ المظلوم)

(موعظة الأسبوع)




كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بعَثَ معاذَ بنَ جبلٍ إلى اليمن، فقال: (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) (متفق عليه)، وفي الرواية المطولة: (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ).
مجمل الوصية:
أوصى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- معاذَ بن جبلٍ، لما أرسله إلى اليمن لدعوة أهل الكتاب هناك، فقال: (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ)؛ أي: أنه ينبغي ألا يأخذَ في الزكاةِ -إذا دخلوا في الإسلام- نفائسَ الأموالِ وأفضلَها عندهم، بل يأخذُ من أواسطِ المالِ؛ حتى تطيبَ نفسُ المزكِّي لذلك. ثم أوصاه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يتجنَّبَ الظُّلمَ؛ لِئَلَّا يدعوَ عليه المظلومُ، وفيه تنبيهٌ على المنعِ من جميعِ أنواعِ الظُّلمِ، والعلَّةُ في ذكره عقبَ المنعِ من أخذِ الكرائمِ الإشارةُ إلى أن أخذَها ظلمٌ، ثم بيَّنَ له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خطرَ دعوةِ المظلومِ بقوله: (فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)، يعني: إنها مسموعةٌ مستجابةٌ لا تُرَدُّ.
صور من الظلم:
1- التطاولُ على أموالِ اليتامى والضعفاء. 2- التَّعدِّي على حقوقِ الغيرِ، أو التسويفُ والتأخيرُ في قضاءِ الدينِ مع القدرة. 3- حرمانُ المرأةِ من حقِّها في الميراثِ من أبيها أو زوجِها أو مُورِّثِها أيًّا كان، أو المماطلةُ في ذلك. 4- ظلمُ الأجراءِ والمستخدَمين من عمَّالٍ ونحوهم ببخسِهم حقوقَهم، أو تأخيرِها عن أوقاتها، أو تغييرِ الاتفاقِ المُبرَمِ معهم، أو إهانتهم بقولٍ أو فعل. 5- الأذى الجسديُّ أو اللفظيُّ أو النفسيُّ للغير. 6- ظلمُ الزوجةِ بالتَّقتيرِ عليها، أو سوءِ معاملتِها، أو إهانتِها، أو هجرِها، أو تهديدِها، أو عدمِ حسنِ الخُلُقِ معها. 7- الغشُّ والتدليسُ والغبنُ ونحوه في البيعِ والشراءِ.
(مدخل للعنصر التالي): لا يظن أحدٌ أن ظلمَه للعبادِ سيضيعُ ويذهبُ دون حسابٍ ولا عقابٍ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم: 42)، بل قد يجعلُ اللهُ له من العقوبةِ العاجلةِ في الدنيا ما يردعه، أو يكونُ به عبرةً للظالمين(1).
عاقبة الظلم والظالمين في الدنيا والآخرة:
أولًا: عقوبة الظالم في الدنيا:
- الظالمُ لا يحبُّه اللهُ -تعالى-، وهو مصروفٌ عن الهدايةِ محرومٌ من الفلاح: قال الله -عز وجل-: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 57)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51)، وقال: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام: 21).
- الظالمُ تطارده دعواتُ المظلومين الموعودةُ بالإجابة ليلًا ونهارًا: قال -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) (متفق عليه)، وقال: (دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ) (رواه أحمد، وحسَّنه الألباني).
لا تـظـلمـنَّ إذا كـنـتَ مـقـتـدرًا فالظـلـمُ آخـره يأتـيـكَ بالـنـدم
تـنـامُ عينـُكَ والمظـلومُ منتبهٌ يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لم تنمِ
صور لمن استعملوا سلاحَ الدعاء في مواجهة الظلمة:
- سعيدُ بن زيدٍ -رضي الله عنه- يدعو على امرأةٍ ظلمته بادِّعائها لجزءٍ من أرضه؛ ففوَّضَ الأمرَ إلى اللهِ تعالى، وقال: (دَعُوهَا وَإِيَّاهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا). قال عروةُ: "فرأيتُها عمياءَ تلتمسُ الجدرانَ تقولُ: أصابتْني دعوةُ سعيدِ بن زيدٍ، فبينما هي تمشي في الدارِ مرَّتْ على بئرٍ في الدارِ، فوقعتْ فيها، فكانتْ قبرَها" (متفق عليه).
- بل الأشدُّ أن يتركه اللهُ يزدادُ في ظلمه دون عقوبةٍ زمنًا طويلًا يغترُّ فيه بعمله، ثم فجأةً تنزلُ فوق رأسه المصائبُ والبلايا غير المتوقَّعةٍ، فضلًا عما ينتظره في الآخرةِ؛ قال -تعالى-: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) (الأعراف: 182)، وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (رواه البخاري 4686).
ثانيًا: عقوبة الظالم في الآخرة:
- بيَّنَ الحقُّ -تعالى- أن الحقوقَ إن ضاعتْ في الدنيا، فإنها لا تضيعُ في الآخرةِ، وإن كانتْ كمثقالِ الذرِّ: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء: 47).
- وصفَ اللهُ -تعالى- أحوالَ الظالمين عند الموتِ: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام: 93).
- وقد هدَّدهم الكبيرُ المتعالُ من قبلُ بسوءِ العاقبةِ، وطردِهم من رحمتِه: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء: 227)، وقال: (فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (المؤمنون: 41).
- فيخرجُ الظالمونَ من قبورِهم في رعبٍ وهلعٍ شديدٍ، قد نسوا كلَّ نعيمٍ في الدنيا، لا يذكرون إلا مشاهدَ ظلمِهم للعبادِ، وما ينتظرونه من العقابِ: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) (إبراهيم: 43).
- وأما في عرصاتِ القيامةِ، فهم في فضيحةٍ بما ظلموا، مطرودونَ من رحمةِ اللهِ: قال -تعالى-: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر: 52)، وقال: (وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: 18)، وقال: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (الأعراف: 44).
- توعَّدهم القويُّ الجبارُ بأشدِّ ألوانِ العذابِ: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (الزخرف: 65).
- وأما تفاصيلُ العذابِ فقد جاءَ في الكتابِ والسنةِ في كلِّ ظلمٍ عقوبتُه، إما صراحةً أو ضمنًا؛ فراجع عواقبَ الكبائرِ والمعاصي.
خاتمة: خوف الصالحين من الظلم:
- علموا أن حقوقَ العبادِ لا مسامحةَ فيها؛ لأن اللهَ لا بدَّ أن يوفِّيَ أصحابَ الحقوقِ حقوقهم يومَ الدينِ: قال سفيانُ الثوريُّ: "إن لقيتَ اللهَ بسبعين ذنبًا فيما بينك وبينه -تعالى-، أهونُ عليك من أن تلقاه بذنبٍ واحدٍ فيما بينك وبين العبادِ" (العقد الفريد). وكتب إلى عمرَ بن عبد العزيز -رحمه الله- بعضُ عمَّاله يستأذنه في تحصينِ مدينته؛ فكتب إليه: "حصِّنْها بالعدلِ، ونقِّ طرقَها من الظلمِ" (العقد الفريد). وكان شريحٌ القاضي يقول: "سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَقَّ مَنِ انْتَقَصُوا؛ إِنَّ الظَّالِمَ لَيَنْتَظِرُ الْعَقَابَ، وَالْمَظْلُومَ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ وَالثَّوَابَ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1) قال ابنُ القيمِ رحمه الله: "سُبْحَانَ اللَّهِ كَمْ بَكَتْ فِي تَنَعُّمِ الظَّالِمِ عَيْنُ أَرْمَلَةٍ وَاحْتَرَقَتْ كَبِدُ يَتِيمٍ، وَجَرَتْ دَمْعَةُ مِسْكِينٍ (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) (المرسلات: 46) (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (ص: 88) مَا ابْيَضَّ لَوْنُ رَغِيفِهِمْ حَتَّى اسْوَدَّ لَوْنُ ضَعِيفِهِمْ، وَمَا سَمِنَتْ أَجْسَامُهُمْ حَتَّى انْتَحَلَتْ أَجْسَامُ مَا اسْتَأْثَرُوا عَلَيْهِ. لَا تَحْتَقِرْ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَشَرَرُ قَلْبِهِ مَحْمُولٌ بِعَجِيجِ صَوْتِهِ إِلَى سَقْفِ بَيْتِكَ. وَيْحَكَ نِبَالُ أَدْعِيَتِهِ مُصِيبَةٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ قَوْسُهُ قَلْبُهُ الْمَقْرُوحُ، وَوَتَرُهُ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَأُسْتَاذُهُ صَاحِبُ: لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ" (بدائع الفوائد).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 07-09-2025, 12:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية

الوصايا النبوية (34)

(الوصية بأربع صفات)

(موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ) (رواه أحمد، وصحَّحه الألباني).
مجمل الوصية:
حسنُ الخلقِ يرقى بصاحبِه إلى أعلى المراتبِ في الدنيا والآخرةِ، ومن رزقَ حسن الخلق فلا عليه مما فاته من الدنيا؛ ولذا أوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في هذه الوصيةِ بأربعِ خصالٍ وصفاتٍ، إذا اتَّصفَ المسلمُ وتخلَّقَ بهن، فلا بأسَ بما يضيعُ من الدنيا من متعٍ، إن كان قد اتَّصفَ بتلك الصفاتِ. فهي غنيمةٌ باردةٌ من حازَها لا ينبغي له أن يبكي ما فاته من حطامِ الدنيا، سواءٌ كان مالًا أو ولدًا أو عقارًا أو جاهًا، فخصالُ الخيرِ تبقى وحطامُ الدنيا زائلٌ، وخصالُ الخيرِ تنفعُ صاحبَها في الدنيا بمحبةِ الخلقِ له وحسنِ الثناءِ عليه، وتنفعُه في الآخرةِ بأن مكافأتها الجنة.
الخصلة الأولى: (حِفْظُ أَمَانَةٍ):
- المقصودُ بالأمانةِ: قال الكفويُّ في تعريفِ الأمانةِ: "كلُّ ما افترضَ على العبادِ فهو أمانةٌ، كصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وأداءِ دينٍ، وأوكدها: الودائعُ، وأوكدُ الودائعِ: كتمُ الأسرارِ".
- فأهمُّ الأماناتِ حقُّ اللهِ في التوحيدِ والعبادةِ، وطاعةُ رسوله في الاتباعِ والموافقةِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال: 27).
- ومن الأماناتِ في حقوقِ البشرِ: الأمانةُ في البيوعِ والديونِ والمواريثِ والرهونِ والودائعِ التي تُعطى للإنسانِ ليحفظَها لأهلِها، والأمانةُ في الشهادةِ، والأمانةُ في الكتابةِ، فلا يكونُ فيها تغييرٌ ولا تبديلٌ ولا زيادةٌ ولا نقصٌ، والأمانةُ في الأسرارِ التي يستأمنُ الإنسانُ على حفظِها وعدمِ إفشائِها: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصحَّحه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) (متفق عليه). (الإشارةُ إلى قصةِ والدِ الإمامِ عبد الله بن المبارك، وكيف كانت الأمانةُ سببًا في زواجه من ابنةِ مولاه).
- ومن الأمانة: الأمانةُ في استعمالِ السمعِ والبصرِ وسائرِ الحواسِ (فلا يستعملُها فيما يغضبُ اللهَ؛ فالعينُ أمانةٌ يجبُ عليه أن يغضَّها عن الحرامِ، والأذنُ أمانةٌ يجبُ عليه أن يجنِّبَها سماعَ الحرامِ، واليدُ أمانةٌ، والرجلُ أمانةٌ، واللسانُ أمانةٌ، إلخ)، (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36).
- حاجتُنا إلى نشرِ خلقِ الأمانةِ في زمانٍ قلَّتْ فيه الأمانةُ، وقلَّ أصحابُها كما أخبرَ الصادقُ المصدوقُ: (وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا) (رواه البخاري).
الخصلة الثانية: (وَصِدْقُ حَدِيثٍ):
- للصدقِ منزلةٌ عظيمةٌ وأهميةٌ كبيرةٌ، فقد أوصى اللهُ به عبادَه المؤمنينَ وأمرَهم بأن يكونوا مع أهلِ الصدقِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119).
قال السعديُّ -رحمه الله-: "أي كونوا مع الصادقينَ في أقوالِهم وأفعالِهم وأحوالِهم".
- وقد أوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بصدقِ الحديثِ وحذَّرَ من الكذب: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) (متفق عليه).
قال بعضُ الصالحينَ: "عليك بالصدقِ حيث تخافُ أنه يضرُّك فإنه ينفعُك، ودعِ الكذبَ حيث ترى أنه ينفعُك فإنه يضرُّك".
- ومتى انتشرَ صدقُ الحديثِ في تعاملِ الناسِ بعضِهم مع بعضٍ عظمتِ الخيراتُ، وكثرتِ البركاتُ: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (محمد: 21).
- وعاقبةُ صدقِ الحديثِ وآثارُه عظيمةٌ: قال يوسفُ بن أسباطَ: "يرزقُ الصدوقُ ثلاثَ خصالٍ: الحلاوةَ، والملاحةَ، والمهابةَ". وقال الفضيلُ: "لم يتزيَّنِ الناسُ بشيءٍ أفضلَ من الصدقِ وطلبِ الحلالِ" (شعب الإيمان).
ورويَ أن ربعيَّ بن حراشٍ لم يكذبْ كذبةً قطُّ، فجاءَ عريفُ الحجاجِ، فقال: أيها الأميرُ، إن الناسَ يزعمونَ أن ربعيَّ بن حراشٍ لم يكذبْ كذبةً قطُّ، وقد قدِمَ ابناه من خراسانَ وهما عاصيانِ، فقال الحجاجُ: عليَّ به، فلما جاءَ قال: أيها الشيخُ، ما فعلَ ابناكَ؟ قال: المستعانُ اللهُ، خلَّفتُهما في البيتِ. قال: لا جرمَ واللهِ لا أسوؤُكَ فيهما، هما لكَ. (مكارم الأخلاق).
الخصلة الثالثة: (وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ):
- (وَحُسْنُ الْخَلِيقَةِ) هو من أعظمِ ما مُدِحَ به سيدُ الناسِ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4).
- (وَحُسْنُ الْخَلِيقَةِ) يثقِّلُ الميزانَ يومَ القيامةِ: عن أبي الدرداءِ -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) (رواه الترمذي وصحَّحه الألباني).
- (وَحُسْنُ الْخَلِيقَةِ) أكثرُ ما يدخلُ الناسَ الجنةَ حسنُ الخلقِ: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سئلَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثرِ ما يدخلُ الناسَ الجنةَ، فقال: (تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ) (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني)(1).
- (وَحُسْنُ الْخَلِيقَةِ) من أهمِّ عواملِ النجاحِ، فكثيرٌ من الناسِ (علماءُ، أذكياءُ، مبدعونَ) يتركُ الناسُ ما عندهم من الخيرِ بسببِ سوءِ خلقِهم؛ قال الفضيلُ بن عياضٍ -رحمه الله-: "لأن يصحبَني فاجرٌ حسنُ الخلقِ، أحبُّ إليَّ من أن يصحبَني عابدٌ سيئُ الخلقِ". وعن أمِّ الدرداءِ -رضي الله عنها- قالت: "كان أبو الدرداءِ ليلةً يصلِّي فجعلَ يبكي وهو يقولُ: اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي حَتَّى أَصْبَحَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلَّا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ؟ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يُحَسِّنُ خُلُقَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ الْخُلُقِ الْجَنَّةَ، وَيُسِيءُ خُلُقَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ" (شعب الإيمان).
الخصلة الرابعة: (وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ):
- (وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ) طلبُ الحلالِ وتحرِّيه أمرٌ واجبٌ وحتمٌ لازمٌ، وإن حقًّا على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أن يتحرَّى الطيِّبَ من الكسبِ، والنزيهَ من العملِ، ليأكلَ حلالًا وينفقَ في حلالٍ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) (المؤمنون: 51)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة: 172)، (لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- من العجبِ حالُ بعضِ الناسِ حيث يخافُ من أكلِ الحلالِ خشيةَ المرضِ، ولا يتورَّعُ ولا يخافُ من أكلِ الحرامِ الذي عاقبتُه النارُ: (لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه الترمذي وحسَّنه).
- (عِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ) فيه: طيبُ المكاسبِ، وصلاحُ الأموالِ، وسلامةُ الدينِ، وصونُ العرضِ، وجمالُ الوجهِ، ومقامُ العزِّ. وعن وهبِ بن منبهٍ -رحمه الله- قال: "من سرَّه أن يستجيبَ اللهُ دعوتَه فليطيِّبْ طعمتَه". وسئلَ بعضُ الصالحينَ: "بم تلينُ القلوبُ؟ فقال: بأكلِ الحلالِ".
- إن أكلَ الحرامِ يعمي البصيرةَ، ويضعفُ الدينَ، ويقسِّي القلبَ، ويقعدُ الجوارحَ عن الطاعاتِ، ويحجبُ الدعاءَ: وفي صحيح مسلم عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه-: أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون: 51)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة: 172). ثم ذكرَ الرجلَ يطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يديه إلى السماءِ: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغذيَ بالحرامِ، فأنى يستجابُ لذلكَ.
قال الحافظُ ابن رجب -رحمه الله-: "فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْعَمَلُ وَلَا يَزْكُو إِلَّا بِأَكْلِ الْحَلَالِ وَإِنَّ أَكْلَ الْحَرَامِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ وَيَمْنَعُ قَبُولَهُ".
خاتمة: عود على بدء:
- أوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في هذه الوصيةِ بأربعِ خصالٍ وصفاتٍ، إذا اتَّصفَ المسلمُ وتخلَّقَ بهن، فلا بأسَ بما يضيعُ من الدنيا من متعٍ، إن كان قد اتَّصفَ بتلك الصفاتِ: (أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ).
رزقَنا اللهُ وإياكم هذه الخصالَ، وطهَّرَنا وإياكم من قبيحِ الخصالِ والأقوالِ والأفعالِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جمعَ بعضُ العلماءِ علامات حسن الخلق فقال: "هو أن يكونَ الإنسانُ كثيرَ الحياءِ، قليلَ الأذى، صدوقَ اللسانِ، قليلَ الكلامِ، كثيرَ العملِ، قليلَ الزللِ، برًّا وصولًا، وقورًا صبورًا، شكورًا رضيًّا، حليمًا رفيقًا، عفيفًا شفيقًا، لا لعَّانًا ولا سبَّابًا، ولا نمَّامًا ولا مغتابًا، ولا عجولًا ولا حقودًا، ولا بخيلًا ولا حسودًا، بشَّاشًا هشَّاشًا، يحبُّ في اللهِ، ويبغضُ في اللهِ، ويرضى في اللهِ، ويغضبُ في اللهِ".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 26-09-2025, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية

الوصايا النبوية (35) الوصية بالخصال التي تدخل الجنة (موعظة الأسبوع)



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن عبد الله بن سَلامٍ -رضي الله عنه- قال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ، انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
مجمل الوصية(1):
وصية عظيمة، جمعت جَلال الدين وجَمال الإسلام؛ لتؤسس منظومة المجتمع المتآخي الراقي، المتكاتف؛ مجتمع العطاء والرحمة والسخاء، الذي يتَّسم بمكارم الأخلاق ونُبل المعاملة. هذه الوصية ينقلها لنا الصحابي الجليل عبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ -رضي الله عنه-، فيقول: "لَمَّا قَدِمَ" أي: جاء وهاجَر النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ "انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ" أي: اتَّجَه النَّاسُ ناحيته، وذَهَبوا إليه مُسرعين. "وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ؛ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ"، أي: رأيتُ مَلامِحَه "عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ"؛ لِما يَبْدُو عليه مِنَ النُّورِ والجَمالِ والهَيْبَةِ الصَّادِقَةِ. "فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أَنْ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ...). وذكر الخصال التالية التي بها يتربَّى النَّاسُ على الفَضائلِ والمكارمِ حتَّى يكونَ المجتمعُ مُتحابًّا متعاونًا، وبشَّر من حافظ عليها بالمكافأة العظمى، وهي الجنة.
الخصلة الأولى: (أَفْشُوا السَّلَامَ):
- السَّلامُ عَلَيْكُمْ: جملة قصيرة المبنى، عظيمة المعنى، تحمل في مضامينها رسالة محبة، وعنوان مودة، يحلو بها اللسان، يرسل قائلها إلى كل من سمعها الأمن والأمان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) (رواه مسلم).
- السَّلامُ عَلَيْكُمْ: تحية من عند الله، وعبادة وثواب، وسمة المسلم التي يعلو بها على من سواه، فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله، الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال: (أَوْلَاهُمَا بِاللَّهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- السَّلامُ عَلَيْكُمْ: مِنْ مُوجِبات المغفرة والرحمة، فعن هانئ بن يزيد -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ: (إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلَ السَّلَامِ وَحُسْنَ الْكَلَامِ) (رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني).
الخصلة الثانية: (وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ):
(أَفْشُوا السَّلَامَ)، إحسان بالقول، و(أَطْعِمُوا الطَّعَامَ)، إحسان بالفعل، وترسيخ لقيمة البذل والتآلف، واستدعاء لمعاني الأخوة وحسن الجوار. عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟ قال: (تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ) (متفق عليه).
- (إِطْعَامُ الطَّعَامِ): يشمل الصدقة والهدية والضيافة ابتغاء وجه الله، بل يشمل فعله سائر الدواب والحيوانات. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لَأَجْرًا؟ فقال: (فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) (متفق عليه).
- (إِطْعَامُ الطَّعَامِ): بأيِّ مقدار، ولو كان شق تمرة، فإنها تَرْبُو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ، حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ) (متفق عليه).
الخصلة الثالثة: (وَصِلُوا الْأَرْحَامَ):
- (وَصِلُوا الْأَرْحَامَ): وهم كل من تربطك بهم رحم أو قرابة، من جهة الأب أو الأم، وحقهم في البذل والعطاء مقدم على اليتامى والفقراء؛ قال الله -سبحانه-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (البقرة: 215).
- (وَصِلُوا الْأَرْحَامَ): الأرحام مِنْ نِعَم الله، فهم سند في الحياة متين، وعضد في النوائب معين، هم سرور في الحزن، وعز في الذل، وسعة في الضيق، وجبر نفس في المكسور. كان العرب يتناشدون بالرحم ويعظمونها؛ فأنزل الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: 1).
- (وَصِلُوا الْأَرْحَامَ): تكون بالقول الطيب، والوجه النيِّر، وتعاهدهم بالزيارة والنصح، ومسانَدة المكروب، وعيادة المريض، والصفح عن عثراتهم، واجتناب الإضرار بهم قولًا أو فعلًا، فالثواب عليهم مضاعَف؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).
الخصلة الرابعة: (وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ):
- (وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ): وقت عظيم، تخلو فيه النفس وتناجي خالقها، في أعظم زمن لإجابة الدعاء. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟) (متفق عليه).
- (وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ): فأهل القِيامِ هم أصحاب الشَّرفِ والجَمالِ والقَبولِ بين الناس؛ فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ) (رواه البيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني). وسُئِلَ الحسن البصري -رحمه الله-: "ما بالُ المتَهجِّدين بالليل أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خَلَوْا بالرحمن -جل وعز-، فألبسهم نورًا من نوره".
- (وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ): فأهل القِيامِ هم أكثر الناس تَأَهُّلًا لدخول الجنات؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات: 15-18).
المكافأة على الخصال: (تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ):
- (تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ): وصف بليغ طيب ناطق بالحفاوة، التي هي عطاء الله الخالص لخواص الناس، الذين أمضوا حياتهم في طريق السلام والإحسان، فالجزاء من جنس العمل؛ قال الله -تعالى-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل: 30). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا)، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، ‌وَصَلَّى ‌بِاللَّيْلِ ‌وَالنَّاسُ ‌نِيَامٌ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
اللهم إنا نسألك الجنة وما قَرَّبَ إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قَرَّبَ إليها من قول وعمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذه الوصية من أوائل أقواله -صلى الله عليه وسلم- أولَ مَقْدَمِه المدينةَ؛ ليؤكد على أهمية التكافل في المجتمع، وتقوية لحمته، ورَصِّ صفوفه قلبًا وقالبًا، وأن يَحْمِلَ الغنيُّ الفقيرَ، والميسورُ المعسرَ، وأن يَبْذُلَ المستطيعُ ما يستطيع من كلمة طيبة، وسلوك نَدِيٍّ، وصلة موصولة إلى الدرجات العلا، الغاية التي يسعى إليها كلُّ مسلم، ويتمنَّى بلوغَها كلُّ عاقل، وهي الجنة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 135.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 131.43 كيلو بايت... تم توفير 4.01 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]