|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#41
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 39 – قاعدة عظيمة هي : المتوقع كالواقع نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. المتوقع كالواقع(1)، قاعدة فقهية مفادها أن الشرع قد يحتاط لما يكثر وقوعه كاحتياطه لما تحقق وقوعه، فمن فقه التوقع، معرفة المتوقع، وبذل الأسباب لتخفيف الأضرار وتجنبها ما أمكن ذلك.والفطنة مطلوبة في كل من تولى أمراً من أمور المسلمين، فلا بد أن يعرف السياسات، ويُلم بالأسرار، ويدرك الغايات، ويتوقع المآلات والنهايات، ولا يتحقق ذلك إلا إذا أُعمل الفكر، ورُوض الرأي، وأَوقد البصيرة. ومما قيل في عبارات وألفاظ قريبة من توقع المتوقع:«منع المبادي أهون من قطع المتمادي»، فالأمور إن لم تؤخذ من مباديها جرت أموراً يعسر تداركها عند تماديها. ومع كثرة الأحداث والمستجدات التي نعيشها، فلا بد من العمل والدفع لأفضل الحالات، وتخفيف سوء المآلات، ولاسيما في حال النوازل الواقعة والمتوقعة، ونحن على يقين أن كل واقعة لها حكم في شريعة الله، بعضها يسهل الوصول لحكم الله فيها، وأخرى بحاجة للرجوع إلى القواعد والضوابط الفقهية وإعمالها لمعرفة حكمها الشرعي. وتوقع المتوقع، لا يعني أن نسبح في بحر التوقعات البعيدة، التي لا ساحل له ولا ثمرة من الخوض فيها، وهذه مسائل قد فصلها أهل العلم. ومن فضل الله -تعالى- أن القواعد والضوابط الفقهية كانت وما زالت عوناً للعاملين في المؤسسات الخيرية ولجانها الشرعية، في معرفة أحكام المسائل التي يواجهونها، والمسائل التي يتوقع حدوثها، فالقواعد تحفظ لنا الموجود، وتدفع الوقوع في المحظور، كقاعدة الدفع أسهل من الرفع، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح. ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية: 1- من فقه المتوقع، وضع الخطط الاستراتيجية والتشغيلية للمؤسسات الخيرية والوقفية، وكذلك تقديم دراسات الجدوى للمشاريع المطروحة قبل تنفيذها، وإدارة المخاطر قبل وقوعها وحال وقوعها أضحت من مستلزمات وأساسيات العمل المؤسسي، فلا بد الأخذ بها وعدم تغافلها. 2- الاجتهاد وإعمال الفكر وعدم الركون إلى الواقع، فعلى المؤسسات الخيرية أن تعقد ورش العمل والندوات والمؤتمرات لاستشراف المستقبل ودراسة الواقع وتوقع المستقبل، ويجتهد كذلك في وضع الحلول للمتوقع في حال حدوثه، والتحضير والاستعداد له. 3- في حال الحروب والنزوح واللجوء يتوقع كثرة الأمراض بين الفارين من مواطن الكوارث، فلا بد من توفير الأجهزة الطبية والأدوية والكوادر الطبية لمعالجة المرضى. 4- وفي حال توقع دخول منطقة ما في منخفض جوي شديد وعواصف ثلجية، فيعمل على توفير الطعام والغطاء والدفء للأسر والأفراد، وطرق الوصول إليهم في الوقوع حالات مرضية طارئة. 5- ودحض الشبهات المتوقع انتشارها بين المسلمين، وتحصين العقول من أن تتشرب الآفات، أولى وأسهل من معالجتها بعد انتشارها، فينبغي أن يفرغ دعاة إلى الله لينشروا العلم، ويكثفوا جهودهم للرد والتحصين. 6- وكذلك في حال الاختلاط وتبرج النساء، ولاسيما في مواطن التجمعات المكتظة بسبب نزوج أو فرار من أمر طارئ، فقد يفشو الزنا، وتنتهك الأعراض، بالأخص مع تغير البيئة وضعف الوازع الديني، فيُعمل على حفظ الأعراض قبل أن تَعُم البلوى. 7- وحينما نختار قيادة لإدارة المؤسسات الخيرية فلا بد أن يكونوا ذوي كفاءة علمية وإدارية، حتى يحفظوا الأموال ويصرفوها في مصارفها الشرعية، ويحسنوا إدارة مؤسساتهم، فالمتوقع ضياع الأموال والجهود أن تسلط على تلك المؤسسات من لا قدرة لهم ولا خبرة على مثل تلك الأعمال. 8- واللجان الشرعية في المؤسسات الخيرية والوقفية لا بد أن تكون مؤهلة لهذه المهام، وقادرة ومتمكنة شرعياً لمعرفة أحكام المسائل التي تعرض عليهم. الهوامش: 1- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عز الدين بن عبد السلام، الجزء الأول، ص 107. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#42
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 40- يجوز في التطوع ما لا يجوز في الفرض نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. قاعدة: «يجوز في التطوع ما لا يجوز في الفرض»(1).هذه القائمة لها معنى قريب في باب الزكاة، وخرج منها ضابط جمع بعبارة: «جنس التطوع بالصدقة أوسع من جنس فرضها». فالشريعة الإسلامية خففت في النوافل ما لم تخففه في أحكام الفرائض، فجعلت مبنى النوافل على التيسير بالنسبة للفرائض، فرخصت في التطوعات ما لم ترخصه في المفروضات فيجوز في التطوع من الأفعال والأقوال ما لا يجوز في الفرض. فمن فضل الله -تعالى- على عباده أن شرع لهم من الأعمال ما يكثر فيها الأجر والحسنات، وهي مكملة للواجبات، وأيسر على المكلف، بل تمس رغباته واهتماماته، فها هي الأعمال التطوعية مما لا تحصى في مجالاتها وأعمالها. فالزكاة ركن من أركان الإسلام، وحددت بنصاب ووقت، أما الصدقات فهي باب مفتوح للمسلم متى شاء تصدق بلا نصاب ولا وقت يحددها، ومنها الوقف الذي هو تشريع رباني، جمع بين الرحمة والنعمة، لمقاصد عظيمة، ومنافع وفيرة، ومجالات متعددة، وحاجات متجددة، يحقق للعباد المنافع الدنيوية، والأخروية، ويدوم معه الأجر بعد الممات. فالواجب على المسلم أن يوجه همه وإرادته أولاً إلى أداء الفرائض وأحكامها حتى تبرأ ذمته، فإذا أدَّى الفرائض ووفاها حقها كملها بالنوافل، حتى الفرائض نفسها ينبغي أن يرتبها بعضها على بعض حسب منزلتها في دين الله. ومن التطبيقات الخيرية والوقفية لهذه القاعدة: 1- جواز توزيع ريع الوقف الأهلي على الذرية بالتساوي، خلاف التوزيع الواجب في الميراث للذكر ضعف الأنثى. 2- والصدقة المندوبة يجوز إعطاؤها للكافر المحتاج، وأما الزكاة فإنه قد ضيق في أهلها فلا يجوز صرفها لغير الأصناف الثمانية من المسلمين؛ وذلك لأن جنس النفل أوسع من جنس الفرض. 3- وفي إقامة المشاريع الوقفية يُفسح المجال أمام المسلمين ليشملوا بأوقافهم غير المسلمين من أهل الذمة، بشرط ألا تكون على عبادتهم. 4- والكفارة تعطى للمساكين من المسلمين ولا يجزئ دفعها إلى غير المسلمين، خلاف المساعدات العامة. 5- والإصلاح بين الناس يعد من قبيل التطوع فلا ينقل ما يقوله الطرفان، وإنما يجوز الكذب بين المتعاديين للإصلاح(2). 6- وعلى المؤسسات الخيرية أن تقدم ما هو مفروض على ما هو نفل وتطوع، فحث وتنبيه الناس على أداء الزكاة وأحكامها مقدم على حثهم ودفعهم لسنة الصدقة والتبرع. 7- وترك المؤسسات الخيرية والوقفية ترتيب الأولويات في توزيع الخيرات أمر مذموم وهو من جملة الشرور، فكما أن فرض العين مقدم على فرض الكفاية، فكذلك توزيع الخيرات بعضها أولى من بعض. 8- وعلى المؤسسات الخيرية ألا تضيع الفروض اللازمة بسب النوافل، وحكم الشرع: إن النوافل لا يجوز أن تقدم على الفرض، فإقامة المساجد والمدارس أولى من إقامة الأندية الرياضية وأشباهها. الهوامش: 1- إتحاف النبهاء بضوابط الفقهاء، وليد بن راشد السعيدان، (1/304). 2- الزراقا: شرح القواعد: 205- 206. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#43
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 41- قاعدة: لا عبرة للتوهم نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية؛ ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. قاعدة:لا عبرة للتوهم(1)، مفادها لا عبرة للاحتمال العقلي البعيد النادر الحصول، فلا يبنى عليه حكم شرعي، ولا يمنع القضاء ولا يؤخر الحكم؛ لأن الأمر الموهوم يكون نادر الوقوع؛ ولذلك لا يعمل به في تأخير صاحب الحق. قال صاحب درر الحكام شرح مجلة الأحكام عند قاعدة (لا عبرة للتوهم) ما نصه: يفهم منها أنه كما لا يثبت حكم شرعي استنادا على وهم لا يجوز تأخير الشيء الثابت بصورة قطعية بوهم طارىء. ويقرب من هذه القاعدة قاعدة أخرى عند الحنابلة: (ينزل المجهول منزلة المعدوم)(2)، فلا عبرة للتوهم في الأحكام بخلاف المتوقع، ويعتبر كالمعدوم. وكذلك قاعدة: (لا يترك المحقق لأجل الموهوم) وقاعدة: (لا عبرة بالظن البين خطؤه)(3). ومن التطبيقات العملية الخيرية والوقفية: 1- لو ثبت أن مجموعة من الناس يستحقون الصرف عليهم من أموال الزكاة، فلا تعطل المؤسسة الخيرية الصرف توهمًا بأن يأتي غيرهم وهم أحق. 2- لو ثبت أن هذا العقار وقف بشهادة شهود، فيُقضى بأنه وقف، ولا عبرة لاحتمال ظهور آخرين ينكرون ذلك. 3- إذا شهد الشهود الثقات العدول لرجل بحاجته وفاقته وجب الحكم بشهادتهم فوراً، ولا عبرة لاحتمال خطئهم أو كذبهم؛ لأن هذا الاحتمال مجرد توهم لا دليل عليه. 4- إذا تبرع المحسن، وقال: إن هذا المال صدقة عامة، وصرح بذلك، فلا عبرة للتوهم بأن المال قد يكون زكاة يصرف بمصارفها، فلا عبرة للتوهم مقابل التصريح. 5- الوقف إذا كان مشهورا واشتبهت مصارفه، وقدر ما يصرف إلى مستحقيه ينظر إلى المعهود من حاله فيما سبق من الزمان؟ وكيف كان قوَّامه(أي القائمين عليها) يعملون فيه؟ وإلى من كانوا يصرفون؟ فيعمل على ذلك (4). ولا عبرة بعد ذلك للتوهم. 6- ولو أقر الورثة بأن هذه وصية مورثهم، وأقروا ما فيها من تخصيص الثلث للأعمال الخيرية، فيقضى لهم بالثلثين من الإرث، ولا عبرة من ظهور وارث يزاحمهم، أو ينكر الثلث الخيري، فالموهوم لا يعوق القضاء. 7- لو أرادت مؤسسة خيرية أن تبيع أثاثاً أو سيارات أو مواد عينية قد تبرع لها بها، وأعلنت عن بيعها، وقدرت لها أسعار مناسبة وبسعر السوق، فلا يؤخر البيع، إن تُوهِّم أنه ربما سيأتي تاجر آخر ويضع قيمة أكبر. 8- ولا يجوز للمسلم أن يترك التصدق على أصحاب الحاجات توهماً بأن الصدقة وبذل المعروف سيؤدي إلى نقص ماله وفقره، فالضرر هنا متوهم، والنبي [ يقول: «ما نقص مال عبد من صدقة». 9- وعدم بناء مساجد ومشاريع وقفية في دولة ما، خوفاً من أن يحدث زلزال في يوم ما ويدمر ما تم بناؤه، أو أن تحدث حرب فتدمر المشاريع الخيرية والوقفية، فالتوهم أن يحدث الضرر نادر الوقوع لا يعتد به. 10- والخيانة من العامل في المؤسسة الخيرية لا تثبت بالتوهم والشك، بل بإمارات تدل عليها وبأدلة بينة يبنى عليها، ولا تؤخذ الإجراءات بمجرد التوهم. الهوامش: 1- المادة 74 في مجلة الأحكام العدلية، والقواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، الدكتور محمد الزحيلي (1/170)، القاعدة: (10). 2- تقرير القواعد 2/432، القاعدة 106. 3 - المادة 72 في مجلة الأحكام العدلية. 4- قانون العدل والإنصاف في حل مشكلات الأوقاف، مادة 525 و 526. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#44
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 42- قاعدة: الاجتهاد لا ينقص بمثله نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، ومعها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. (الاجتهاد لا ينقض بمثله) (1)، قاعدة يوردها بعض العلماء بالقول: (الاجتهاد لا ينقض باجتهاد) وهما بمعنى واحد وإن اختلف اللفظ.وتفيد هذه القاعدة أن المجتهد إذا أفتى أو قضى بناء ً على اجتهاد، ثم اجتهد ثانية – لوقوع ما يستدعي اجتهاده – أو اجتهد غيره، فأدى الاجتهاد الثاني إلى خلاف ما أدى إليه الاجتهاد الأول، فإن ما ثبت بالاجتهاد الأول لا يُنقَض حكمه، ولا يرجع فيه بعد نفاذه، ولا يلزم من عمل بموجب الاجتهاد الأول أن يعيد – إذا كان مما تتصور فيه الإعادة – ولكن يغير المجتهد الحكم في المستقبل لانتفاء الترجيح الآن. فإن اجتهاد المجتهد في المسائل الظنية التي لم يرد فيها دليل قاطع لا ينقض باجتهاد مثله إجماعاً، أي في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد؛ لأنه لو نقض الأول بالثاني لجاز أن ينقض الثاني بالثالث، لأنه ما من اجتهاد إلا ويجوز أن يتغير، وذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار، ويلزم التسلسل. لأن نقض كل اجتهاد يؤدي إلى ألا يستقر حكم، وفي ذلك مشقة شديدة فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض ولا ننتهي؛ فاجتهاده الأخير كما غلب على ظنه أنه هو الصواب قد يأتي اجتهاد لاحق يجعل هذا الاجتهاد ليس صوابا. قال د. عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف بعد أن ذكر هذه القاعدة وأنها في معنى (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) ما نصه: «يريد الفقهاء بهذه القاعدة أن من غلب على ظنه - بالاجتهاد - حكم فعمل به أو أفتى به، ثم اجتهد ثانية - لوقوع ما يستدعي الاجتهاد الثاني -، أو اجتهد غيره فأدى الاجتهاد الثاني إلى خلاف ما أدى إليه الاجتهاد الأول فإن ما ثبت بالاجتهاد الأول لا ينتقض بسبب الاجتهاد الثاني، ولا يلزم من عمل بموجب الاجتهاد الأول أن يعيد - إذا كان مما تتصور فيه الإعادة –»(2). ومن مستثنيات القاعدة، أنه يجوز نقض قضاء القاضي إذا خالف نصًّا صريحًا من كتاب أو سنة أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا فإن الحكم ينقض إذا خالف. فلو تنازع اثنان في دار: أحدهما خارج عن الدار، والثاني داخل فيها، فأقام الخارج بينة ادعى فيها أن الدار داره، وأن الشخص الذي فيها غاصب لها، ورفع الأمر إلى القاضي؛ فحكم له القاضي بناء على بينته، ثم أقام الداخل بينة شهدت له بأن هذه الدار قد ورثها عن أبيه، أو أنه اشتراها بحر ماله؛ فحكم القاضي له بناء على البينة الجديدة، ووضع اليد فالأصح أن اجتهاده الأول كان مبناه على خطأ، وقد ظهرت بينة الثاني مع وضع يده، وهو أقوى، فعدول القاضي في هذه القضية لا يسمى نقضًا، وإنما تبين له الخطأ في القضاء لمن رجحت حجته بالبينة، ووضع اليد؛ فيسمى هذا: عدولًا عن الخطأ. ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية: 1. لو اجتهد الإداريون القائمون على العمل الخيري أمرًا في واقعة ما، ثم وقع الأمر نفسه، فيما بعد واجتهدوا بخلاف اجتهادهم في الأمر الأول، فإن الحكم السابق الأول المبني على الاجتهاد لا ينقض. 2. لو وقف على مسجد قنديل ذهب أو فضة لم يجز ويبطل خصوص الوقف، وقيل يزول ملك الواقف عن قنديل الذهب والفضة ويكسر أو يباع ويعمل زينة للنساء، ويصرف ريعه للمسجد، وقيل يبطل الوقف أساسًا(3). 3. فلو شهد شاهد بأن هذا الرجل من أصحاب الحاجة وقد أصابته فاقة، وأعطي له بناء على تلك الشهادة، فلا يسترد منه ما أُعطي من المؤسسة الخيرية، إن أتى الشاهد نفسه ونقض شهادته. 4. إذا قوم شخص عقارًا أو سيارة؛ فقال: إن هذا المنزل أو هذه السيارة تساوي كذا، ثم اطلع على صفة زيادة أو نقص، وتبين له أن القيمة الحقيقية خلاف ما قوم بها؛ بطل التقويم الأول، وهذا يشبه نقض الاجتهاد بالنص لا باجتهاد، فهذا ليس من قبيل نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وإنما هو نقض الاجتهاد لمخالفته النص. 5. لو زوجة ادعت أن زوجها وقف كل ما يملك في أثناء مرضه بقصد حرمانها من الميراث، فأنكر الورثة وقالوا: إنما طلقها حال صحته، ففي هذه المسألة تطبق القاعدة، ويضاف الطلاق إلى أقرب الأوقات، وأقرب الأوقات: أنه طلقها وهو مريض، فالوقف لا ينعقد وترث المرأة. 6. لو اجتهد العامل في المؤسسة الخيرية وقسم باجتهاده قسمة ليست عادلة، وتبين الخطأ في تلك القسمة، تنقض لفوات شرطها في الابتداء وهو العدالة(4)، ولظهور فيها غبن فاحش؛ فالعدالة مطلوبة في تقسيم المخصصات من كفالات الأرامل والأيتام، وكذلك ريع الوقف على الموقوف عليهم. 7. ولو أفتى مفت بأن المسألة القول فيها هو الحرمة ثم تبين له الجواز فلا يلزم المفتي أن يعود إلى المستفتي ويخبره. الهوامش: 1- السيوطي: الأشباه والنظائر، (1/225). 2- السيوطي: الأشباه والنظائر، (1/225). 3- ابن اللحام: القواعد: 228. 4 - انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي، ص 104. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#45
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 43- قاعدة: لا زكاة فيما ليس له مالك معين نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية؛ ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. «ما وُقف على جهة عامة فلا زكاة فيه»(1)، ضابط والمراد به البيان بسقوط الزكاة عن جميع ما وقف على جهات عامة النفع للأمة كالمساجد والجهاد ونحو ذلك.قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ما وقف للفقراء والمساكين فليس فيه زكاة» (2). «وما وقف على المساجد فلا زكاة فيه»(3). «ومن وقف أرضاً أو غنماً في سبيل الله لا زكاة عليه»(4). «وما وقف للجهاد في سبيل الله فلا زكاة فيه» (5). «وما وقف على الكراع والسلاح إن كان عاماً لا يعتقبه التخصيص فلا زكاة فيه»(6). وقال أيضاً: وما وقف على الفقراء أو المساكين أو الفقهاء أو بئر أو مدرسة أو رباط أو قناطر أو وجوه الخير فلا زكاة فيه. فأموال الوقف لا زكاة فيها؛ لأنها ليست مملوكة لأحد، سواء كانت مستثمرة أم غير مستثمرة، وإذا استثمر الوقف فإن ريعه يصرف في مصارفه التي حددها الواقف، كالفقراء والمساكين والعجزة وطلبة العلم وغيرهم، ومن أخذ شيئاً من هذا المال، وحال عليه الحول، وكان نصابا بنفسه أو بما انضم إليه من ماله، لزمه زكاته؛ لأنه مال مملوك له توفرت فيه شروط الزكاة. وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: قبيلة من القبائل كونوا مبلغا من المال، وجعلوا هذا المبلغ خاصا لما يجري على هذه القبيلة من الدم، ومشوا هذا المبلغ للتجارة، والربح الناتج عايد للدم أيضا. فهل يجب بهذا المبلغ زكاة أم لا؟ وإذا لم يتاجر فيه هل عليه زكاة أم لا؟ وهل يحق للقبيلة نفسها أن تدفع فيه زكاة أموالها من النقدين؟. فأجابوا: «إذا كان الواقع كما ذكر فلا زكاة في المال المذكور؛ لكونه في حكم الوقف، سواء كان مجمدا أم في تجارة تدار، ولا يجوز أن تدفع فيه الزكاة؛ لكونه ليس مخصصا للفقراء، ولا غيرهم من مصارف الزكاة» (7). ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية: 1- مال الدولة أو (بيت المال) وما جُمع في خزانة الدولة، هو مال عام، فلا تجب الزكاة فيه؛ إذ ليس له مالك معين ولا قدرة لأفراد الناس على التصرف فيه، ولا حيازة لهم عليه؛ ولأن مصرفه منفعة عموم المسلمين ورصد للنفع العام. 2- لو جمع مال من قوم أو عشيرة للإعانة على الحوادث والديات وإقراض من يحتاج إلى الزواج، فأموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة؛ لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين, ولا زكاة فيما ليس له مالك معين (8). 3- وكذلك المال الموقوف لا زكاة فيه؛ لأنه ليس ملكا لشخص معين، سواء استثمر أم لم يستثمر؛ وكذلك لا زكاة في الأعيان الموقوفة؛ بينما تجب في ريع أموال الوقف على معين، كريع أموال الوقف الأهلي (الذري) ولا تجب في ريع الوقف الخيري. 4- والمال الذي يوضع في مؤسسة خيرية أو صندوق خيري، لغرض إقراضه للمحتاجين، أو مساعدتهم فيما ينوبهم، من حوادث وغيرها، لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه مال غير مملوك لمعين، فهو كالأموال الموقوفة، لا تجب فيه الزكاة. 5- والزكاة لا تجب في سوائم الوقف، والخيل المسبلة؛ لأنها غير مملوكة، ولا تجب الزكاة فيما استولى عليه العدو، وأحرزوه بدارهم؛ لأنهم ملكوه بالإحراز، فزال ملك المسلم عنه. 6- لا يجوز وقف أموال الزكاة لاختلاف كل منهما عن الآخر معنى وقصدا وحكما، فإذا فاضت أموال الزكاة عن حاجة مستحقيها الآنية، فإن لولي الأمر أن ينشئ مشروعات خدمية أو استثمارية إذا رأى مصلحة في ذلك يعود ريعها على مستحقيها من الفقراء والمساكين مع مراعاة شروط استثمار أموال الزكاة. 7- والمال الذي أخرجه مالكه وعينه للصدقة لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه أصبح بمجرد إخراجه من ملك مالكه ملكاً لأهل الصدقة بجميعه، ولا يعني ذلك تأخيره، والأفضل أن يوزع في أول وقته ولا يؤخر إلا لمصلحة راجحة. 8- لا زكاة في أموال الجمعيات الخيرية التي تبرع بها أصحابها للفقراء والمحتاجين وجهات البر؛ لأن هذه الأموال خرجت من ملكهم ابتغاء وجه الله تعالى. 9- والمال الذي يقترضه المحتاجون من الجمعيات الخيرية (القرض الحسن)، ثم يردونه إليها لا زكاة فيه كذلك. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين. الهوامش: 1- مجموع الفتاوي (31/236). وانظر بعض الفروع في الأشباه والنظائر للسيوطي (1/299) وانظر الوقوف للخلال (2/522-523) رقم (201،202). وراجع الفروع (5/319) وإعانة الطالبين (3/66) وحاشية البجيرمي(2/406) و(3/10) وحواشي الشرواني (5/199) ومغني المحتاج (2/409) والمجموع للنووي (5/456) والأشباه والنظائر للسيوطي (1/299)، وهذه المراجع أمثلة لهذا الضابط. 2 - راجع مجموع الفتاوي (31/234،236). 3- مجموع الفتاوي (31/235). 4 - مجموع الفتاوي (31/235). 5- مجموع الفتاوي (31/236). 6- مجموع الفتاوي (31/236) وذلك بخلاف ما أوقفه لقوم بعينهم، إما لأولادهم أو غيرهم. 7- فتاوى اللجنة الدائمة» (9/291 ). 8- انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين» (18/184). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#46
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 44 – قاعدة: لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. القاعدة: «لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه»(1)، ولفظ القاعدة مأخوذ من حديث: «لا يَحِلُّ مالُ امرِىءٍ إلا بِطِيبِ نفسٍ منه»(2). فلا خلاف في أنه لا يحل أذى المسلم بغير ما أمر الله أن يُؤذى به، وأن مجـرد الحدس والتهمة والشك لا يستباح بها تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف.فالتراضي في جميع المعاملات المالية ركن لا يجوز إهماله، فمن لم تطب نفسه من شيء من ماله لم يجز لأحد أن يأخذه قهراً إلا في أمور استثناها كثير من الفقهاء على اختلاف مذاهبهم (3). لأن حفظ المال من الضرورات الخمس التي أوجبت الشريعة الإسلامية حفظها ودلت النصوص على حرمة مال المسلم وعدم استباحته إلا بسبيل مشروع ورضا واختيار منه. ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية: 1- لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي، والأسباب الشرعية منها: الزكاة يأخذها بيت مال المسلمين كرهاً ممن أبي أن يخرجها لمستحقيها، والدين من المدين بغير رضاه إن حان أجل سداده، والمضطر أو الزوجة تأخذ ما يكفيها من طعام ممن تجب عليهم نفقتهم. 2- من تبرع بمال إلى الجمعيات الخيرية، يحق لها أن تأخذه وتصرفه في مجالات الخير؛ لأن حصولها عليه بسبب شرعي. 3- لا يحق للمؤسسات الخيرية أن تأخذ أموال الناس جبراً وقهراً، أو إحراجاً أمام الناس، وهو في باطنه غير راضٍ، فلا يجوز أخذه، وينبغي أن يرد. 4- والخصم على الموظفين في المؤسسات الخيرية بلا مسوغ قانوني متفق عليه مسبقاً، لا يجوز، فينبغي أن تكون بنود العقد واضحة يعتمدها كلا طرفي العقد، ولا يؤخذ خلاف ما اتفق عليه في بنود الاتفاق. 5- لا تخصم من مخصصات الأيتام مصاريف لا تتعلق بالأيتام، كأمور إدارية أخرى لا تتعلق بتوصيل الكفالات لهم والإشراف عليهم. 6- ولا يجوز للعاملين في المؤسسات الخيرية الأخذ من الأموال النقدية أو المواد العينية شيئاً للمؤسسة أو عامليها إلا بإذن المتصدق بها؛ حيث إنه اشترط أن توزع على فقراء دولة ما. 7- ولا يحق للمؤسسات الخيرية أن تستغل ممتلكات الغير من أرض أو مواد عينية بلا إذن صاحبها؛ وليس لها أن تضع يدها بنفسها على ما ترك وأهمل من الآخرين. 8- الاعتداء وغصب الأموال الخيرية وكذلك العين الموقوفة محرم، ويجب رده، وضمان ما تلف منه، وشدد الفقهاء في إجبار المعتدي على الوقف أن يعيده كما كان وإن لم يكن ذلك تؤخذ منه القيمة ليشتري بها وقفا مكانه ولهذا على المعتدي الضمان بالقيمة(4). الهوامش: 1- القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د. محمد بكري إسماعيل، ص 288. 2 - صححه الألباني، انظر تخريج مشكاة المصابيح، برقم 2875. 3 - القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د. محمد بكري إسماعيل، ص 288 4 - ينظر أحكام الأوقاف، ص202. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#47
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 45- قاعدة: الوكيل مؤتمن نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية؛ ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. الوكيل مؤتمن(1)، القاعدة موضع اتفاق بين العلماء بشرط ألا يكون الوكيل مفرطاً أو معتدياً(2)؛ لأن القيام بالحفظ من مستلزمات الوكالة، والوكيل يجب عليه حفظ ما وكل فيه. فالوكالة في اللغة: يراد بها التفويض، ومعناها شرعاً: إقامة الشخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم. وكلمة تصرف تضبط بأنها كل تصرف جاز للشخص مباشرته بنفسه ولو من حيث المبدأ؛ فيجوز للوكيل التصرف فيه وذلك بالتفويض والتوكيل. وقد شرعها الله – تعالى – لتحقق مصالح الناس وتخفيف الأعباء عليهم، فليس كل إنسان يستطيع أن يباشر جميع أموره بنفسه، فينيب آخرين في استيفاء ماله وما عليه. ولطبيعة المعيشة الآن أضحت المؤسسات الخيرية حاجتها ماسة لكثير من الناس، فالمريض المقتدر أو الشيخ الكبير أو الرجل ذو وجاهة لا يستطيع في كثير من الأحيان أن يتولى الأمور الخيرية وتبرعاته بنفسه فيحتاج إلى توكيل غيره بتأديتها وإيصالها للمحتاجين. ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية: 1- لا يجوز للمؤتمن على أموال الصدقات والزكوات أن يستعملها استعمالا خاصاً كأن يقترض لنفسه منها، أو ينتفع بالعين المتصدق بها، أو يعيرها لمن ينتفع بها. 2- ينبغي على من كلف بحفظ الأصول الوقفية من نظار ومتولين أن يعملوا بما يحقق مصلحة الوقف وديمومته للانتفاع منه لمدد طويلة. 3- على العاملين في المؤسسات الخيرية والذين وكلوا بحفظ الأموال وتوزيعها بالوجهة الشرعية الصحيحة، أن يعلموا بما يحفظ الأصول والتزام شرط المتصدق في الجهة التي يصرف فيها المال مع لزوم التقيد بما نص عليه الموكل في طريقة التوزيع. 4- ومن لم يثبت تفريطه أو اعتداؤه على المال الموكل به، لا يضمن ما تلف بيده منه، فالمؤتمن غير ضامن ما لم يفرط. 5- على الموكل بأموال الصدقات أن يكون ناصحاً أميناً لمن وكله، وبتصرفه بذلك المال، ويوجهه التوجيه الصحيح بما يضمن الأجر للمتصدق والنفع للمتصدق عليه. 6- يلزم العاملون في المؤسسات الخيرية، الذين وكلوا في توزيع الصدقات، أن يتقيدوا بالوجهة التي أرادها وحددها المتبرع لصرفها؛ لأن الوكيل مؤتمن على ما يقوم به، وهو نائب عن موكله، ويتصرف فيما أُذن له فيه فقط. 7- الوكيل المؤتمن مشارك في الأجر، لقوله صلى الله عليه وسلم : «إن الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ – وربما قال يعطي – ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين» (3). 8- والسفيه الذي لا يحسن التصرف بالمال لا يوكل في أموال الصدقات والتبرعات في المؤسسات الخيرية، فلا يوظف ولا يعمل في القطاع الخيري والوقفي إلا من حسنت ديانته وإدارته. 9- والوكالة بالتبرعات كما غيرها تخصص بتخصيص الموكل وتعمم بتعميمه وعند إطلاقها يقيدها العرف والعادة والقرينة. 10- وللوكيل أن يوكل غيره فيما يعجز هو عن القيام به أو إذا كان العمل غير لائق به. الهوامش: 1- القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر إسماعيل، القاعدة الرابعة عشر، ص 256. 2- القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر إسماعيل، القاعدة الرابعة عشر، ص 257. 3- رواه مسلم من حديث أبي موسى – كتاب الزكاة – باب الخازن الأمين حديث رقم (2360) صحيح مسلم بشرح النووي 2/112. دار المعرفة بيروت ط1 (1414-1994م). اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#48
|
||||
|
||||
![]() القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 46- لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة قوي نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية؛ ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة. لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي(1)، قاعدة أخذت من جوامع كلم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي سنن أبي داود وسنن النسائي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار-رضي الله عنه- قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا النظر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب»(2).ومفهوم الحديث أن الصدقة لا تحل لمن كان في غنى عنها لوجود ما يكفيه، أو لقدرته على تحصيل قوته بنفسه من غير مشقة بالغة، ومن غير إعاقة عن تأدية واجب من الواجبات الشرعية كالغزو في سبيل الله، وطلب العلم ونحو ذلك(3). فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستثير الوازع الديني، عند الذين يطلبون مال الصدقة، مبيناً لهم من تحل له الصدقة ممن لا تحل له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم، كما في بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله-. فكما حرم الإسلام سؤال الناس تكثرًا أو إلحافًا فإنه حرم قبول الصدقة على الغني والقوي القادر على الكسب، ولم يجزها إلا في حالات معينة المذكورة في الحديث. ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية : 1- لا تعطى الصدقة المفروضة لمن هو من أصحاب الغنى، ويعُرف بامتلاكه الأموال، وإن ادعى غير ذلك، وظاهره خلاف ذلك . 2- والزكاة لا محاباة فيها ولا يجزئ إخراجها على غير مستحقها، فلا تدفع حرجاً من تكرار سؤاله، والمؤسسة الخيرية على يقين أنه لا يستحق الزكاة. 3- أخذ الغنيِّ من الزكاة يمنع وصولها إلى أهلها، ويُخِلُّ بحكمة وجوبها، وهو إغناء الفقراء بها؛ لذا لا تعطى للغني . 4- يستحب في صدقة التطوع، تقديم الأحوج فالأحوج، وأحكام الصدقة المفروضة، تختلف عن صدقة التطوع . 5- وتصرف الصدقة المفروضة (الزكاة) للأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(التوبة: 60)، فلا يجوز صرفها في غير المصارف التي ذكرها الله تبارك وتعالى . 6- الزكاة عبادة، وهي ركن من أركان الإسلام، فلا يصح صرفها إلا لمن يستحقها ، فلا يجزئ دفع الزكاة للقوي الصحيح . 7- المسألة لا تجوز لقوي قادر على الكسب، ولا لغني عنده قوت يومه ، فلا تتوسع اللجان الخيرية في مساعدة من لم يُعرف حاله، ولا تفتح مجالاً لمن امتهن التسول والبطالة وسؤال الناس، إنما يحرصون على نصحهم وتوجيههم للكسب من جهدهم وعملهم . الهوامش: 1- القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر إسماعيل، ص 395. والمراد بالمرة: القوة، والسوي: مكتمل الأعضاء صحيح البدن، تام الخلقة . 2 - أخرجه أبو داود في الزكاة، باب: من يعطى من الصدقة برقم (1633) والنسائي في الزكاة، باب: القوي المكتسب 5/99 ـ 100. وفي بعض الروايات ولذي مرة سوي. 3 - القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر إسماعيل، ص 395 . اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
#49
|
||||
|
||||
![]() ![]() القواعد الفقهية وأثرها في تطوير أداء المؤسسات الوقـفيــة وتحسينـها منذ أن شرع الوقف في عهد النبوة، وامتثل الصحابة لهذا التشريع وحقق نجاحه؛ حيث لم يبق أحدٌ منهم –رضوان الله عليهم- ذا مقدرة على الوقف إلاَّ وقف، كان من خصائصه المؤسسية المتمثلة في النظارة والمتولين والواقف والموقوف عليهم، وتنظيم علاقة المؤسسة الوقفية مع الدولة والمجتمع لتكون علاقة تشارك لا تشابك، فكانت الهيكلة التنظيمية لإدارة الوقف واضحة المعالم. وبعد اتساع الوقف في العهود الإسلامية، والحاجة إلى مؤسساته ومخرجاته لضمان تشغيل المراكز العلمية والخدماتية، اجتهد العلماء والفقهاء خير اجتهاد في بحث مسائله ووضع أحكامه، وحل إشكالاته، وسن كل ما يضمن للوقف مقاصده ونماءه، وذلك نظراً لتنامي الأوقاف في عصورهم وتنوع احتياجات مجتمعاتهم . الاجتهاد حيث لزم الاجتهاد لوضع الأحكام له، ولذلك صنف العلماء والفقهاء التصانيف التي بسطت أحكام الوقف، ودونتها إما في كتب كاملة ، أو بإفراد باب للوقف وأحكامه، وجعلت له القواعد والضوابط الفقهية منذ القرن الثاني، ففي كتاب المدونة للإمام مالك بن أنس (ت179هـ) ذكر ضوابط فقهية عدة، ونما هذا التأصيل في العهود الإسلامية، وخصصت له مصنفات مستقلة . التصانيف وتوالت التصانيف لتضبط ما يطرأ من مسائل ووقائع في مجال الوقف، وليسهل على من جند نفسه لخدمة العمل الوقفي والخيري الأخذ بها، والالتزام بأحكامها وجعلها ركنا من أركان العمل في المؤسسات الوقفية التي يبنى عليها، ويجتهد فيما طرأ من حاجات وأولويات. التميز ولا شك أن القواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بإدارة المؤسسات الوقفية يجب الأخذ بها، والعمل بمقتضاها حتى نحقق التميز المؤسسي؛ حيث إن المؤسسات الوقفية هي مؤسسات ملتزمة بالضوابط والقواعد الشرعية المنظمة لأعمالها حتى تتوافق أعمالها على ما جاء في الشريعة الغراء. الإخلاص قال ابن القيم: «فإن الله جعل الإخلاص والمتابعة سببا لقبول الأعمال؛ فإذا فقد لم تقبل الأعمال». والناظر لأحد أهم أسباب إخفاقات بعض المؤسسات الخيرية والوقفية في تأدية أعمالها، وضعف مخرجاتها، بل وأحيانا إغلاقها، هو عدم الأخذ والتقيد بالقواعد والضوابط الفقهية في إدارة أعمال المؤسسة الوقفية، ومخالفة ما جاء في الشريعة الغراء بما يضمن للوقف مقاصده. لذا فقد اجتهد أهل الاختصاص في تأصيل تلك القواعد والضوابط لتكون دليلا عمليا ومنهجا تطبيقيا للمؤسسات والأعمال الوقفية، ويكون الأداء مبنيا على قواعد وضوابط وأحكام شرعية ومرعية، هدفها تحسين الأداء والانضباط في العمل، فكانت تلك القواعد مصنفة في كتب وأبواب ليسهل على من جند نفسه لخدمة العمل الوقفي والخيري الأخذ بها، والالتزام بأحكامها؛ حيث إن تلك القواعد والضوابط مشتتة بين طيات الكتب المطولة؛ مما لا يسع كل متتبع البحث عنها ومراجعتها والأخذ منها في كتب المصنفين من العلماء في هذا الباب الواسع؛ وسأعرض بعضاً من تلك القواعد والضوابط المتعلقة بتطوير الأعمال، وتحسين الأداء، ومراقبة الممارسات، والتقيد والانضباط بالأحكام الشرعية لتكون إدارتنا لمؤسساتنا الوقفية حكيمة رشيدة، وأجمع القواعد والضوابط ذات الصلة بتطوير أنماط أساليب أداء العمل بالآتي وسأجعلها في عشرة: لا ثواب إلا بنية - القاعدة الأولى: (لا ثواب إلا بنية)(1)، فالوقف عبادة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، ولا يترتب عليها ثواب إلا على حسب نية الفاعل وقصده، وقاعدة لا ثواب إلا بنية تنبنى على قاعدة كلية جامعة هي قاعدة: (الأمور بمقاصدها). فمن أراد بالوقف التقرب إلى الله، فإنه يثاب على ذلك(2)، وإن قصد غير ذلك كأن يقال عنه كريم، فلا ثواب له؛ فإنفاق المال بنية السمعة والرياء لا يثاب عليه(3). والوقف يصح دون نية، لكن ليس له ثواب إلا إذا نوى التقرب إلى الله تعالى(4). قال ابن القيم-رحمه الله- «فأما النيَّة فهي رأس الأمر وعموده، وأساسه وأصله الذى عليه يبنى؛ فإنها روح العمل وقائده وسائقه، والعمل تابع لها يبنى عليها، ويصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة»(5). المشقّة تجلب التيسير - القاعدة الثانية:: (المشقة تجلب التيسير) ، تعني أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلَّف ومشقةٌ في نفسه أو ماله، فالشريعة تخففها(6). ودلت الآيات والأحاديث على أن التيسير ركن من أركان الدين، وقاعدة أساسية تلازم كافة الأحكام الشرعية، فمتى وجدت المشقة وجد معها التيسير، غير أن المشقة يجب أن تكون حقيقية لا ظنية، مشقة مقبولة شرعا، لا مشقة دلال واستهتار وركون إلى الدعة. وفقه التيسير عند الفقهاء هو منهج علمي، ومدرسة فقهية، وطريق فُتيا وحياةٍ أمثل للمسلمين؛ فالتيسير ورفع الحرج عن المكلفين إذا لم يُصادم نصاً صريحاً أو إجماعاً معتَبَراً، وكان متفقاً مع أصول الشرع الكلية، ومقاصده العامة مراعياً تبدّل الأزمان والأماكن وتغيّر الظروف والأحوال؛ فهذا مما ينبغي العمل به، وجريان الفُتْيا عليه ، ومن التطبيقات العملية المتعلقة بالمؤسسات الوقفية على سبيل المثال : لا مانع من استحداث نظم وآليات عمل في المؤسسات الوقفية تحقق التيسير لكل من يتعامل معها. وإذا تعذر على صاحب المال إقامة مشروع وقفي، فإن ذلك ييسر بتسليمها لجهة خيرية لتقوم بتوجيهه وإقامة مشروع وقفي للواقف، وعلى المؤسسة الخيرية أن تستعين بأصحاب الاختصاص إذا تعذر عليها أن تقوم بذلك، وجواز أن يكون هذا المكلَّف غير مسلم إذا شق وجود مسلم. لكل عمل رجال - القاعدة الثالثة: (لكل عمل رجال)(7)، فيقدم في كل ولاية الأقوم بمصالحها؛ فلا يجوز إعطاء تنفيذ المشاريع الوقفية وبالأخص الإنشائية لمن ليس لديه أي خبرة بهذا الأمر فإن ذلك سيضيع الأموال والأوقات. وكذلك لا يصلح للكثير من الأعمال الوقفية إلا القوي الأمين؛ فناظر الوقف عليه بذلُ النفيس في تنفِيذ وتحقيق شروطِ الواقف وإقامة ضوابط الوقفِ وتعمير أصوله واستثمارِ محصولِه والسلوك بالمستفيدين ما يوجِب لهم الإكرام والإنعامَ وأخذهم بطرائق الرحمة وسجيحِ الأخلاق وسُبُل الشفقة والإرفاق(8). ولا يوضع على إدارة المشروع أو المؤسسة الوقفية من هو ضعيف لا يقدر على مواجهة مطالبات الناس، ويُعطي بذلك من لا يستحق ، ويمنعها عن أهل الحاجة والعوز . المفرط ضامن - القاعدة الرابعة: (المفرط ضامن)(9) قاعدة المراد فيها أن كل من تحقق منه نوع تفريط فيما كان عليه من التزام معنوي كالعهود والوعود أو مادي كالأمانة والعين المؤجرة من وقف وغيره ونحوه فقد لزمه الضمان والعوض في كل بحسبه حفظاً للحقوق ورعاية العهود، وجبراً للأضرار وزجراً للجناة وحداً للاعتداء. فمن ترك الاحتياط لوقاية والأموال الوقفية ضد المخاطر، وضمان أمنها وسلامتها عن طريق وسائل تشريعية وقانونية أو مادية، وهو متولٍ لذلك ، فهو ضامن . ولهذا نص العلماء وجوب الضمان على الناظر الذي فرط في حماية الوقف الدفاع عن المسلمين فلحقهم ضرر بتركه فوجب الضمان للمضمون له(10). وكذلك كل من يعمل في المؤسسات الوقفية والخيرية فهو ضامن إذا تسبب بتفريطه وإهماله في تضييع رعاية وحفظ وتوزيع ما أؤتمن عليه. الإنفاق لا يحتمل التأخير - القاعدة الخامسة: (الإنفاق لا يحتمل التأخير)(11)، أي أن بَذْلُ المال من المؤتمنين عليه إلى أهل الحاجة والعوز، لا يحتمل ولا ينبغي فيه التأخير؛ فالحاجة لا تحتمل التأخير في سدها، ولا يسوغ التقاعس في أدائها بأعذار واهية . فالصرف على المحتاجين وقت النوازل والنكبات أولى من الأمور الثانوية التي يحتمل فيها التأخير، كإقامة المشاريع الخيرية؛ لأن الإنفاق في مثل ذلك الزمن لا يحتمل التأخير، فقد تهلك الأنفس، وتسفك الدماء من الجوع، وتنتهك الأعراض. وناظر الوقف عليه ألا يؤخر أداء حقوق المستحقين في الوقف(12)؛ لأن في التأخير ضررا للموقوف عليه، بل وإثما إن تعمد الناظر ذلك . الخطأ لا يستدام ولكن يُرجَع عنه - القاعدة السادسة : (الخطأ لا يستدام ولكن يُرجَع عنه)(13)، قاعدة مفادها أن الخطأ إذا اكتُشف يجب الرجوع عنه، ولا يجوز الاستمرار عليه؛ لأن المخطئ مرفوع عنه الإثم، ولكنه إذا عَرَف خطأه وأصر عليه واستمر ولم يرجع عنه، فلا يكون خطأً، بل يكون خطأ عمداً يؤاخذ عليه. وبناءً على تلك القاعدة فإذا تصرَّف القائم على المؤسسة الوقفية باجتهاد ثم تبيَّن خطؤه فعليه الرجوع. وإذا خُصص مشروع وقفي لمنفعة ما، ولم يحقق المشروع تلك المنفعة لخطأ في دراسة الجدوى والتقديرات أو لتغير الظروف المحيطة به، فيعمل على تشغيل المشروع بما هو أنفع . فعلى المؤسسات الوقفية أن تتدارك الخطأ إن وقع، وتعمل على تصحيحه، وعمل الصواب حتى لا تضيع الأموال والحقوق للمستحقين . يقدم في ولاية الوقف من عرفت قوته وأمانته - القاعدة السابعة: (يقدم في ولاية الوقف من عرفت قوته وأمانته)(14)، المراد من هذا الضابط: وجوب تقديم صاحب القوة والأمانة في نظارة الأوقاف والإشراف عليها على من ليس كذلك؛ لما في ذلك من تحقيق مقصود الوقف وإعمال شروط الواقف وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فينبغي على المؤسسات الوقفية والخيرية، حين تختار العاملين والمتولين لأعمالها والقيام بواجباتها جمع القوة والأمانة؛ حيث إن الخلل في أداء الأعمال الخيرية والوقفية لا يكون إلا بفقد القوة والأمانة أو بفقد إحداها . وإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة، قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضرراً فيها(15). لذا على المؤسسات الخيرية والوقفية الإخلاص لله -تعالى- في اختيار من يلي أمور المسلمين، والنظر إلى كفاءة الإنسان وقدرته على تحقيق مقاصد الولاية التي سيتولاها، فليس كل صالح في نفسه يكون صالحاً في ولايته. ناظر الوقف عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح - القاعدة الثامنة: (ناظر الوقف عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح)(16)، ضابط فقهي في نظارة الوقف، المراد به أن تصرف ناظر الوقف محكوم بما فيه مصلحة وقفه بمقتضى المصلحة الشرعية . ذلك أن الولي عليه أن يتصرف لمصلحة المولى عليه(17)؛ فالولاية أمانة يجب أداؤها، ومن أدائها أداء حقها من رعاية مصلحتها بالتصرف فيها بالأصلح. وقد أبان شيخ الإسلام ذلك ووضحه بقوله: «وعلى الناظر بيان المصلحة، فإن ظهرت وجب اتباعها، وإن ظهر أنها مفسدة ردت، وإن اشتبه الأمر وكان الناظر عالماً عادلاً سُوغ له اجتهاده»(18). وقال أهل العلم بوجوب مراعاة مصلحة الوقف، وعلى الناظر أن يفعل ما فيه مصلحة الوقف فلو أمكن سد أربع وظائف بواحد فعل ذلك(19). لذا فإن الإنفاق على الأعمال الإدارية في المؤسسات الوقفية والخيرية، واستثمارَ أموالها لا يجوز أن يخالِف مقتضى المصلحة، فالتصرف بالوقف منوط بالمصلحة . يُفتى بكُلّ ما هو أنفعُ للوقف - والقاعدة التاسعة : (يُفتى بكُلّ ما هو أنفعُ للوقف)(20)، والمراد من هذا الضابط أن على المفتي ألا يتعجل في الفتوى، وأنه لا بد من استنفاذ الجهد لتحقق الفتوى النفع الأعلى للوقف، وقد قرر الفقهاء أنه «يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه(21)؛ فيتعين الإفتاء بما هو الأنفع للوقف . فكما أن تصرف القاضي فيما له فعله في أموال اليتامى والتركات والأوقاف مقيد بالمصلحة(22).وكذلك تصرف القاضي في الأوقاف مبني على المصلحة(23). وعلى متولي الوقف أن يراعي مصلحة الوقف عند قيامه بكل ما يحق له شرعاً القيام به ومنها تأجيره ، فيتحرى الأنفع له؛ حيث يقدم شخص على آخر عند تأجير الوقف ما دام تأجيره له أنفع للوقف من الآخر . وإذا رغب في استئجار العين الموقوفة أكثر من واحد؛ فإنه ينبغي على المتولي أن يؤجر للموثوق به منهم، الذي يلتزم بالمحافظة على تسليم حقوق الوقف من غير مماطلة(24)، وقد نص أهل العلم على مشروعية بيع الوقف الخرب لتعطل نفعه على أهله(25)، مراعاة لما هو الأنفع للوقف . يجب عزل كل خائن من النُّظَّار والمُتَولِّين، والخيانة لا تتجزأ. - والقاعدة العاشرة: (يجب عزل كل خائن من النُّظَّار والمُتَولِّين)(67)، حتى ولو كان من ثبتت خيانته هو الواقف نفسه، إذا لم يُراع الناظر أو المتولي شرط الواقف مثلاً وخان الوقف، وجب على القاضي عزله، وإلا أثِم. فيجوز لمن ولىّ ناظراً على الوقف أن يعزله سواء كان من ولاه النظارة الواقف أم القاضي؛ لأن القاضي له حق العزل لخيانة تثبت على الناظر أو لفقدانه أهليته. وعَزل المتَّهم بالخيانة من حقوق القاضي، فإذا تحققت خيانته وجب على القاضي عزلَه، لإزالة الضرر عن الفقراء، أو الموقوف عليهم . والخيانة لا تتجزأ ، لو أن الوصي على شركات عدة، أو المتولي على أوقاف عدة خان في أحدها وجب عزله من جميعها(27)، فإذا كان أحدٌ متولياً على أوقاف عدة، وثبتت خيانته في بعضها، ينعزل من الكل؛ لأنه خان في إحداها وهذا أدعى ليخون في غيرها ؛ وليس شرطاً أن يخون في كل الأوقاف حتى يعزل منها جميعاً . هذا ما تيسر عرضه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بتحسين الأداء وأساليب العمل في المؤسسات الوقفية، وأختم هذا المبحث بحقيقة: إن تحقيق الارتقاء في أداء أعمال مؤسساتنا الوقفية، وتحقيق النمو لأصولها، لا بد فيه من تطوير كفاءتها المؤسسية على أسس شرعية وعلمية منتظمة، تدفع إلى المزيد من النمو لتحقيق أفضل النتائج بما يعود بالخير على الواقف والموقوف عليه والمجتمع . الهوامش: 1 - الأشباه والنظائر لابن نجيم 19. 2- ابن نجيم: الأشباه والنظائر: 34-35. 3 - القواعد الفقهية ودورها في إثراء التشريعات الحديثة للسرحان، ص 36. 4 - الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 23. 5 - أعلام الموقعين 4/255. 6 - الوجيز في إيضاح القواعد الكلية: ص 157. 7 - القواعد للمقري (الصلاة) 2/427، والفروق 2/157، 3/206. 8 - خطبة للشيخ ابن عثيمين بعنوان: الوصية والوقف. www.ibnothaimeen.com . 9 - مجموع الفتاوي (31/200) وذكرها بلفظ « متى فرط العامل في المال أو اعتدى فعليه ضمانه» كما في (30/88). 10 - راجع مجموع الفتاوى ( 28/184-185) . 11- المبسوط للسرخسي: (5/223) 12- أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية، د.محمد الكبيسي، (2/198). 13- موسوعة القواعد الفقهية: (5/287). 14 - مجموع الفتاوي (31/74) . 15- انظر للاستزادة : مجموع الفتاوى ( 28/255 ) 16- مجموع الفتاوى (28/250) وقد ذكرها في مجموع الفتاوى (31/67) بلفظ : « الناظر ليس له أن يفعل شيئاً في أمر الوقف إلا بمقتضى المصلحة الشرعية وعليه أن يفعل الأصلح فالأصلح» . 17 - مجموع الفتاوى (28/250). 18 - مجموع الفتاوى ( 31/69) . 19 - مجموع الفتاوى (31/71) . 20- ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، ص 31 . 21 - الدار المختار 5/13 ، البحر الرائق 5/256 . 22 - مجامع الحقائق ومنافع الدقائق 316. 23 - الأشباه والنظائر لابن نجيم 238. 24 - أحكام الوقف للكبيسي ( 2/71 ) . 25- راجع مجموع الفتاوى (31/238) . 26- ترتيب الصنوف في أحكام الوقوف، على حيدر أفندي، ص 20. 27- المدخل العام، الزرقا 2/1079، الفرائد البهية: 154. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 23 ( الأعضاء 0 والزوار 23) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |