|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تأملات في سورة ق د. خالد بن حسن المالكي الخطبة الأولى الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب هُدًى ورحمةً وشفاءً لما في الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة بتقوى الله، فهي وصية الله للأوَّلين والآخرين، قال الله جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]. أيها الأحبة في الله، حديثنا في هذا اليوم المبارك عن سورة عظيمة من سور القرآن، سورة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر قراءتها في خطب الجمعة، حتى إن الصحابة رضوان الله عليهم حفظوها من كثرة ما سمعوها من فمه الشريف صلى الله عليه وسلم، إنها سورة "ق". روت أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها، كما في صحيح مسلم، قالت: "ما أخذت سورة (ق) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس". هذه السورة أيها الإخوة، ليست مجرد آيات تُتْلى، بل هي رسالة تذكير أسبوعية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، حتى تبقى القلوب حيةً، وتبقى الآخرة ماثلةً أمام العيون، فلا تغيب عن البال، ولا ينغمس العبد في الدنيا وينسى المصير. تبدأ السورة بحرف من الحروف المقطعة: ﴿ ق ﴾ [ق: 1]، وهذه الحروف في أوائل السور تستدعي القلب للنظر، والعقل للتفكر فيما سيأتي بعد من آيات، ثم يقول جل وعلا: ﴿ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ [ق: 1]. ﴿ الْمَجِيدِ ﴾؛ أي: العظيم، الشريف، الكامل في معانيه وبيانه، الذي جاء بالهدى والنور. القسم هنا بالقرآن نفسه، ليكون ما بعده مؤكدًا، ولتُقطع الشكوك، خصوصًا في أمر البعث الذي أنكره الكافرون. ﴿ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ [ق: 2، 3]. هكذا كان موقف الكفار: التعجب والاستبعاد. استبعدوا أن يحيوا بعد موتهم وتفتت أجسادهم؛ لكن الله ردَّ عليهم: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ [ق: 4]؛ أي: إن ذرات أجسادهم محفوظة عند الله، وأعمالهم مكتوبة، فلن يضيع منها شيء. بعد ذلك ساق الله أدلةً محسوسةً على البعث، فقال جل وعلا: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ق: 6، 7]. أيها الإخوة، لو خرجت من بيتك في ليلة صافية، ونظرت إلى السماء بنجومها اللامعة، وتذكرت أن الله بناها بلا أعمدة، وزينها بهذا الجمال، هل يمكن لمن خلقها أن يعجز عن إحياء مخلوق ضعيف مثلك؟ ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأحقاف: 33]. ثم ذكر الله قصص الأمم السابقة، فقال جل وعلا: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ق: 12 - 14]. أهلكهم الله لما كذبوا الرسل، مع أنهم كانوا أشد قوة من قريش. وفي هذا عرض تاريخي لسُنَّة الله: من كذب الرسل أهلكه الله. ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]. كل كلمة… كل نبرة صوت… كل رسالة مكتوبة. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا"؛ [أخرجه الترمذي]. ثم جاء ذكر مشهد الموت بعد ذلك: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19]. أيها الأحبة، السكرات شدة وكرب وضيق، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت: "إن للموت لسكرات"؛ [أخرجه البخاري]. الموت حق، قد يأتي فجأة، وأنت في شغلك، أو على سريرك، أو في سفرك… لا يستأذنك ولا يمهلك. ثم جاء ذكر البعث والحشر، فقال جل وعلا: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق: 20، 21]. السائق: ملك يسوقك إلى أرض المحشر، والشهيد: ملك يشهد عليك بما فعلت، ثم يقال: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22]، اليوم ترى ما كنت تُكذِّب به بالأمس. وبعد مشهد الحشر العظيم، تذكر السورة موقف الحساب: ﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 23]. القرين هنا على قول جمهور المفسرين هو الملك الموكَّل بكتابة الأعمال، فيقول يوم القيامة: هذا ما عندي من صحيفة عمله، فيها كل ما فعل. ثم يأتي الأمر الإلهي: ﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [ق: 24]، وكلمة "ألقيا" قيل: لأن الخطاب موجَّه للملكين، أو أن المقصود التعظيم والتهويل. وهنا نرى العدالة الإلهية: لن يُلقى في النار إلَّا مَن استحَقَّها بكفره وإصراره على المعصية: ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴾ [ق: 25]؛ مناع للحقوق، وظالم للناس، وشاك في دين الله. ثم نقرأ مشهدًا آخر: الشيطان الذي كان يوسوس للعبد في الدنيا، يتبرأ منه: ﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 27]. هذا حال الشيطان، يزين المعصية في الدنيا، ثم يتخلى عنك في الآخرة، ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ق: 28 - 30]. وبعد ذكر أهل النار، تنتقل السورة لذكر أهل الجنة: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق: 31]. قُرِّبت الجنة لأهل التقوى الذين خافوا الله بالغيب، وجاءوا بقلب منيب، ويقال لهم: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق: 34]؛ لا موت بعد ذلك، لا تعب، لا همَّ، لا مرض، بل خلود ونعيم أبدي سرمدي. ثم تختم السورة بنداء للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45]؛ أي: إن وظيفة الداعية والمصلح ليست إجبار الناس على الهداية، بل تذكير من يخشى الله. وهنا رسالة لنا جميعًا: إذا أردت أن ينتفع قلبك بالقرآن، فاجعل في قلبك خوفًا من وعيد الله، حينها ستجد أن كل آية تحركك وتُغيِّرك. اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:فيا أيها الإخوة، سورة (ق) ليس فيها عرض لأحداث يوم القيامة فحسب، بل هي خطة حياة: 1. إيمان بالبعث والحساب، فلا غفلة ولا شك. 2. تأمل في آيات الكون، ليزداد الإيمان يقينًا. 3. ذكر الموت، حتى لا يُغفلنا الأمل الكاذب. 4. مراقبة القول والعمل؛ لأن كل شيء مكتوب. 5. الاستعداد للقاء الله، بالتوبة والطاعة. واليوم وقد عشنا مع سورة (ق) مشاهد تهزُّ القلوب: من أول القسم بالقرآن، إلى إنكار الكافرين للبعث، إلى أدلة القدرة الإلهية، إلى سكرة الموت، والنفخ في الصور، والحشر، والحساب، والجزاء. يبقى السؤال: ماذا بعد أن سمعنا كل هذا؟ الجواب: العمل. فالقرآن لم يُنزَّل ليُسمع فقط، بل ليُعمل به. وفيما يلي أعمال نتعلمها من هذه السورة: 1. التوبة الفورية: لا تؤجل، فالموت قد يباغتك. 2. كثرة الذكر: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ ﴾ [ق: 45]، اجعل لك وِرْدًا يوميًّا من كتاب الله، وذكِّر مَن حولك بالقرآن. 3. حفظ اللسان: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18] … لا تتكلم إلا بخير. 4. الإحسان في العمل: ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ ﴾ [ق: 25] صفة لأهل النار، فكن من أهل البذل والعطاء. 5. مراقبة الله في السرِّ والعَلَن، وتذكَّر قول الله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]. اللهم اجعلنا ممن يراقبك في السرِّ والعَلَن، واجعلنا من أهل القرآن العاملين به، الذين هم أهلك وخاصَّتُك، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبِعون أحسنه، اللهم أصلح قلوبنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك، وخير أعمالنا خواتمها. هذا، وصلوا وسلموا على خير الأنام، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا ﴿ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |