الخلال النبوية (29) {يتبعون الرسول النبي الأمي} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 22 )           »          واتساب يستخدم وضع الإضاءة المنخفضة لمكالمات الفيديو.. كيف يعمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          هل يعانى هاتف أيفون 16 من مشكلات فى عمر البطارية؟ إليكم ما نعرفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          استكشف مزايا أنظمة شبكة Wi-Fi مقارنة بأجهزة التوجيه التقليدية فى منزلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          كوالكوم تلغي إنتاج نظام Windows المصغر على أجهزة الكمبيوتر بهذا المعالج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تطبيق ChatGPT متوفر الآن لنظام Windows.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          ما تخافش لو اتسرق منك.. 3 مزايا جديدة من جوجل تساعدك على استعادة هاتفك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          Android 15 متاح الآن لهواتف Pixel.. كيفية التحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          علامات إدمان الأطفال للهواتف الذكية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          هل سقط الماء على اللاب توب؟ إليك كيفية إصلاحه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-09-2025, 06:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي الخلال النبوية (29) {يتبعون الرسول النبي الأمي}

الخلال النبوية (29)

﴿ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ ‌الْأُمِّيَّ

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ فَهَدَاهُمْ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ، وَدَلَّهُمْ عَلَى طَرِيقِهِ الْقَوِيمِ، وَأَقَامَ حُجَّتَهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الرَّبُّ الْمَحْمُودُ، وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، وَالرَّسُولُ الْمُجْتَبَى، أَكْرَمَهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَكَلَّفَهُ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ؛ فَحَمَلَ الْأَمَانَةَ وَأَدَّاهَا، وَوَعَى الرِّسَالَةَ وَبَلَّغَهَا، وَتَرَكَ الْأُمَّةَ عَلَى مَحَجَّةٍ بَيْضَاءَ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فَلَا تَعْصُوهُ، وَاتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ؛ ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ ‌فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الْحَشْرِ: 7].

أَيُّهَا النَّاسُ: أَعْظَمُ النِّعَمِ نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ لِلدِّينِ الْحَقِّ، وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، فَإِمَّا خُلْدٌ فِي النَّعِيمِ، وَإِمَّا عَذَابٌ دَائِمٌ فِي الْجَحِيمِ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْهِدَايَةَ وَالنَّجَاةَ.

وَبَعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ أَعْظَمُ الْمِنَنِ وَأَعْلَاهَا وَأَنْفَعُهَا لِلنَّاسِ، وَقَدْ نَوَّهَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ ‌بَعَثَ ‌فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 164].

وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَافٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ أَوْصَافِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيٌّ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ ‌الْأُمِّيَّ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 157]، وَفِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ ‌الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 158].

وَالْأُمِّيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ وَلَا الْكِتَابَةَ، «مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ؛ أَيْ: هُوَ أَشْبَهُ بِأُمِّهِ مِنْهُ بِأَبِيهِ، لِأَنَّ النِّسَاءَ فِي الْعَرَبِ مَا كُنَّ يَعْرِفْنَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ»، أَوْ هُوَ «مَنْسُوبٌ إِلَى أُمِّهِ كَمَا وُلِدَ» وَالْمَوْلُودُ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَعَلَّمْهَا، أَوْ نِسْبَةً إِلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَمِدُ عَلَى الْحِفْظِ وَالذَّاكِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ وَالْكِتَابَةُ فِيهَا نَادِرَةٌ.

«وَالْأُمِّيَّةُ وَصْفٌ خَصَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ رُسُلِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِتْمَامًا لِلْإِعْجَازِ الْعِلْمِيِّ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ» فَكَانَتِ الْأُمِّيَّةُ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصْفَ كَمَالٍ، مَعَ أَنَّهَا فِي غَيْرِهِ نُقْصَانٌ، وَوَجْهُ كَوْنِ أُمِّيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَالًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَهُ بِالْوَحْيِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ؛ فَأَعْجَزَ بِهِ الْبُلَغَاءَ وَالْفُصَحَاءَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ عَرَبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ؛ فَكَانَ فِي الْبَيَانِ وَالْبَلَاغَةِ أَعْلَى مِنْ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ وَبُلَغَائِهِمْ، وَكَانَ فِي الْأَخْبَارِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ أَمْكَنَ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ مِنْ شَتَّى الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ؛ فَجَاءَهُمْ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَزَادَ عَلَيْهِمْ مَا جَهِلُوهُ؛ فَانْقَطَعَ جَمِيعُهُمْ أَمَامَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا إِنَّمَا تَعَلَّمُوا الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ وَالْفَصَاحَةَ عَلَى بَشَرٍ مِثْلِهِمْ، وَتَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى تَعْلِيمَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ، وَشَتَّانَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ.

وَوَصْفُ الْأُمِّيَّةِ كَانَتْ تُعْرَفُ بِهِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ‌وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 20]؛ فَالْأُمِّيُّونَ فِي الْآيَةِ هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي ‌الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 2]، وَكَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَهْلَ قِرَاءَةٍ وَكِتَابَةٍ، وَوُصِفُوا بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَكَانُوا يَنْعَتُونَ الْعَرَبَ بِالْأُمِّيِّينَ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ‌الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 75]، قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي مَعْنَاهَا: «وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: أَمْوَالُ الْعَرَبِ حَلَالٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى دِينِنَا وَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ فِي كِتَابِنَا، وَكَانُوا يَسْتَحِلُّونَ ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي دِينِهِمْ».

وَوَصْفُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأُمِّيَّةِ مُثْبَتٌ فِي التَّوْرَاةِ؛ وَلِذَا كَانَ الْيَهُودُ يَعْرِفُونَ أَنَّ النَّبِيَّ يُبْعَثُ فِي الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، وَإِنْ كَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ؛ وَلِذَا حَسَدُوا الْعَرَبَ لَمَّا كَانَ مِنْهُمْ، وَحَسَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَلَمْ يَتْبَعْهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وَمِنْ أَوْصَافِهِ الَّتِي جَاءَتْ فِي التَّوْرَاةِ مَا رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: «لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، ‌سَمَّيْتُكَ ‌الْمُتَوَكِّلَ...» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: «قَوْلُهُ: حِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ؛ أَيْ: حِصْنًا وَمَوْئِلًا لِلْعَرَبِ يَتَحَصَّنُونَ بِهِ مِنْ غَوَائِلِ الشَّيْطَانِ، أَوْ عَنْ سَطْوَةِ الْعَجَمِ وَتَغَلُّبِهِمْ، وَإِنَّمَا سُمُّوا أُمِّيِّينَ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَهُمْ لَا يَقْرَءُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ».

وَكَانَ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ أُمِّيِّينَ فِي مُقَابِلِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلِ الْحِسَابِ وَالْقِيَاسِ مِنَ الْفُرْسِ وَالصَّابِئَةِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ؛ فَزَالَتْ بِهِ أُمِّيَّةُ الْعَرَبِ، وَصَارُوا أَهْلَ كِتَابٍ، بَلْ هُوَ أَجَلُّ كِتَابٍ وَأَعْظَمُهُ وَأَنْفَعُهُ، وَدَعَاهُمْ هَذَا الْكِتَابُ فِي أَوَّلِ خِطَابَاتِهِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَأَوَّلُ أَمْرٍ رَبَّانِيٍّ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ؛ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [الْعَلَقِ: 1 - 6]. فَجَاءَ الْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ مَرَّتَيْنِ، وَكُرِّرَ فِيهَا التَّعْلِيمُ مَرَّتَيْنِ، وَذُكِرَ فِيهَا الْقَلَمُ وَهُوَ أَدَاةُ الْكِتَابَةِ، وَبَعْدَ الْعَلَقِ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْقَلَمِ، سُمِّيَتْ بِأَدَاةِ الْكِتَابَةِ، وَأَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَلَمِ فِيهَا عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَفْيِ الْجُنُونِ عَنْهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَصِمُونَهُ بِهِ؛ ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [الْقَلَمِ: 1-2]، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابَةِ الْوَحْيِ، وَكَانَ لَهُ كُتَّابٌ يَكْتُبُونَ مَا يُلْقِيهِ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِكِتَابَةِ بُنُودِ صُلْحِهِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَمَرَ بِالْكِتَابَةِ إِلَى زُعَمَاءِ الْعَالَمِ فِي وَقْتِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَرَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى أُمِّيَّةَ الْأُمَّةِ بِبَعْثَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَ -بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا- هُوَ الْمُعَلِّمَ الْأَوَّلَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ النَّاسَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ إِلَى أَنْوَارِ الْعِلْمِ، وَمِنْ رِجْسِ الشِّرْكِ إِلَى نَقَاءِ التَّوْحِيدِ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهِدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَتْ أُمِّيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَلَائِلِ صِدْقِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِمَا يَعْرِفُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَهُوَ لَمْ يَقْرَأْ كُتُبَهُمْ، وَأَخْبَرَ النَّاسَ بِغَيْبٍ كَثِيرٍ لَمْ يَقَعْ فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَوْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيًّا، وَكَانَ قَارِئًا كَاتِبًا؛ لَقَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَأْتِي بِأَخْبَارِهِ مِمَّا قَرَأَ؛ وَلِذَا خَاطَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو ‌مِنْ ‌قَبْلِهِ ‌مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 48]؛ أَيْ: «مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالُوا: الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي كُتُبِنَا أُمِّيٌّ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ وَلَيْسَ بِهِ، أَوْ لَارْتَابَ مُشْرِكُو مَكَّةَ وَقَالُوا: لَعَلَّهُ تَعَلَّمَهُ أَوْ كَتَبَهُ بِيَدِهِ»، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ:﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 49].

وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ تَحَدَّى اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، أَوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِنْ مِثْلِهِ، أَوْ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، فَعَجَزَ الْعَرَبُ عَنْ ذَلِكَ رَغْمَ بَيَانِهِمْ وَفَصَاحَتِهِمْ، وَعَجَزَ الرُّومُ وَالْفُرْسُ رَغْمَ عُلُومِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ، وَلَا يَزَالُ التَّحَدِّي قَائِمًا إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، وَلَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَهْمَا فَعَلُوا؛ ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ ‌كَانَ ‌بَعْضُهُمْ ‌لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 88]، وَأُوتِيَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ مَعَ الْقُرْآنِ جَوَامِعَ الْكَلِمِ؛ فَكَانَ يُحَدِّثُ بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ تَحْوِي مَعَانِيَ عَظِيمَةً، وَتُؤَسِّسُ لِقَوَاعِدَ كَبِيرَةٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا عِلْمٌ غَزِيرٌ، وَفِقْهٌ كَثِيرٌ، فِي عِبَادَاتِ النَّاسِ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَسِيَاسَتِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَمِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطَبِهِ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ ‌بِدْعَةٍ ‌ضَلَالَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ فَأَحَاطَ الدِّينَ بِسِيَاجٍ مَنِيعٍ عَنِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْبَاطِلُ بِالْحَقِّ، وَيُدْخَلَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَمِنَ الْمُحْدَثَاتِ الَّتِي أُحْدِثَتْ بَعْدَ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ الِاحْتِفَالُ بِالْأَيَّامِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا أَحْدَاثٌ؛ كَالْمَوْلِدِ، وَالْإِسْرَاءِ، وَالْهِجْرَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي عَظَّمَهَا النَّاسُ وَاحْتَفَلُوا بِهَا، وَاتَّخَذُوهَا عِيدًا، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ مَهْمَا كَانَتْ مُنَاسَبَتُهُ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْبَاطِلِ وَلَوْ كَثُرَ أَتْبَاعُهُ، وَالْزَمُوا الْحَقَّ وَلَوْ قَلَّ أَهْلُهُ.

وَصَلُوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.37 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]