تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 60 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ميزة جديدة من واتساب ستمنعك من مشاركة رقم هاتفك المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيف يجنب الآباء أطفالهم من اضطراب fomo ويقللون الاعتماد على وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          لاحظها على طفلك.. علامات خطيرة لاضطراب متعلق باستخدام السوشيال ميديا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          خطوات بسيطة يجب اتباعها لضمان تجربة إنترنت آمنة وتعليمية لطفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن تطبيق Essentials الجديد من جوجل.. وأبرز مميزاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          واتساب يتيح ميزة نسخ الملاحظات الصوتية.. اعرف كيفية استخدامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          تطبيق Google Keep يحصل على مميزات الذكاء الاصطناعى.. كيف تستفيد منها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          احم طفلك من الإنترنت.. توصيات رسمية خلى بالك منها وابنك ماسك الموبايل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          لو خايف على أطفالك من فيس بوك.. 5 مميزات لتطبيق ماسنجر كيدز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كيف تحدد وقت استخدام طفلك للإنترنت على فيس بوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #591  
قديم 15-07-2025, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (591)
صــ 216 إلى صــ 225





وقوله "وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات" ، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك بكفِّي عنك بني إسرائيل إذ كففتهم عنك، (1) وقد هموا بقتلك = "إذ جئتهم بالبينات" ، يقول: إذ جئتهم بالأدِلة والأعلام المعجزة على نبوّتك، (2) وحقيقة ما أرسلتك به إليهم. (3) = "فقال الذين كفروا منهم" ، يقول تعالى ذكره: فقال الذين جحدُوا نبوَّتك وكذبوك من بني إسرائيل= "إن هذا إلا سحر مبين" .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته قرأة أهل المدينة وبعض أهل البصرة: إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ يعني: يبين عمَّا أتى به لمن رأه ونظر إليه، أنه سحر لا حقيقةَ له.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: (إن هذا إلا ساحر مبين) ، بمعنى: "ما هذا" ، يعني به عيسى، "إلا ساحر مبين" ، يقول: يبين بأفعاله وما يأتي به من هذه الأمور العجيبة عن نفسه، أنه ساحرٌ لا نبيٌّ صادق. (4)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنَّهما قراءتان معروفتان صحيحتَا المعنى، متفقتان غير مختلفتين. وذلك أن كل من كان موصوفًا بفعل "السحر" ، فهو موصوف بأنه "ساحر" . ومن كان موصوفًا بأنه "ساحر" ، فأنه موصوف بفعل
(1)
انظر تفسير "الكف" فيما سلف 8: 548، 579/ 9: 29/10: 101

(2)
انظر تفسير "البينات" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(3)
في المطبوعة: "وحقية ما أرسلتك" ، غيرها كما فعل مرارًا كثيرة فيما سلف، والصواب ما في المخطوطة، وانظر ما سلف 10: 242، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

"السحر" . فالفعل دالٌ على فاعله، والصفة تدلُّ على موصوفها، والموصوف يدل على صفته، والفاعلُ يدلُّ على فعله. فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في قراءته.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر أيضًا، يا عيسى، إذ ألقيت (1) = "إلى الحواريين" ، وهم وزراء عيسى على دينه.
* * *
وقد بينا معنى ذلك، ولم قيل لهم "الحواريون" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
وقد اختلفت ألفاظ أهل التأويل في تأويل قوله: "وإذ أوحيت" ، وإن كانت متفقة المعاني.
فقال بعضهم، بما:-
12992 - حدثني به محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل
(1)
انظر تفسير "أوحى" فيما سلف 6: 405، 406/9: 399.

(2)
انظر تفسير "الحواريون" فيما سلف 6: 449 - 451.

قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذ أوحيت إلى الحواريين" ، يقول: قدفت في قلوبهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ألهمتهم.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذْ ألقيتُ إلى الحواريين أنْ صدّقوا بي وبرسولي عيسى، فقالوا: "آمنا" ، أي: صدقنا بما أمرتنا أن نؤمنَ يا ربنا = "واشهد" علينا "بأننا مسلمون" ، يقول: واشهد علينا بأننا خاضِعُون لك بالذّلة، سامعون مطيعُون لأمرك.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنزلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر، يا عيسى، أيضًا نعمتي عليك، إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قالوا لعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء - ف "إذ" ، الثانية من صلة "أوحيت" .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "يستطيع ربك"
فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين: (هَلْ تَسْتَطِيعُ) بالتاء (رَبَّكَ) بالنصب، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك؟ أو: هل تستطيع أن تدعوَ ربَّك؟
أو: هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكِّين أن الله تعالى ذكره قادرٌ أن ينزل عليهم ذلك، وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟ (1)
12993 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: كان الحواريون لا يشكّون أن الله قادر أن ينزل عليهم مائدة، ولكن قالوا: يا عيسى هل تَسْتطيع ربَّك؟
12994- حدثني أحمد بن يوسف التَّغْلِبيّ قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا ابن مهدي، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن حسّان بن مخارق، عن سعيد بن جبير: أنه قرأها كذلك: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) ، وقال: تستطيع أن تسأل ربَّك. وقال: ألا ترى أنهم مؤمنون؟ (2)
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والعراق: (هَلْ يَسْتَطِيعُ) بالياء (رَبُّكَ) ، بمعنى: أن ينزل علينا ربُّك، كما يقول الرجل لصاحبه: "أتستطيع أن تنهض معنا في كذا" ؟ وهو يعلم أنه يستطيع، ولكنه إنما يريد: أتنهض معنا فيه؟ وقد يجوز أن يكون مرادُ قارئه كذلك: هل يستجيب لك ربك ويُطِيعك أنْ تنزل علينا؟
* * *
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 325.

(2)
الأثر: 12994 - "أحمد بن يوسف التغلبي" ، مضى قريبًا برقم: 12957، وكان في المطبوعة هنا أيضًا: "الثعلبي" ، وهو خطأ.

و "جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي" ، ثقة عزيز الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/210، وابن أبي حاتم 1/1/498.
"حسان بن مخارق" . قال البخاري: "أراه: الشيباني" ، مترجم في الكبير 2/1/31، وابن أبي حاتم 1/2/235، وقال المعلق على تاريخ البخاري: "في الثقات رجلان، أحدهما في التابعين: حسان بن مخارق الكوفي، يروي عن أم سلمة. روى عنه أبو إسحق الشيباني = والآخر في أتباع التابعين: حسان بن مخارق الشيباني، وقد قيل: حسان بن أبي المخارق، أبو العوام، يروي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: هل تستطيع ربك. روى عنه جابر بن يزيد، وجعلهما ابن أبي حاتم واحدًا" .
وكان في المطبوعة: "حيان بن مخارق" حرف ما هو صواب في المخطوطة.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب، قراءة من قرأ ذلك: (هَلْ يَسْتَطِيعُ) بالياء (رَبُّكَ) برفع "الربّ" ، بمعنى: هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه؟
وإنما قلنا ذلك أولى القراءتين بالصواب، لما بيّنّا قبلُ من أن قوله: "إذ قال الحواريون" ، من صلة: "إذ أوحيت" ، وأنَّ معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريون أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربَّك؟ فبيِّنٌ إذ كان ذلك كذلك، أن الله تعالى ذكره قد كرِه منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه، وأمرهم بالتوبة ومراجعة الإيمان من قِيلهم ذلك، والإقرارِ لله بالقدرة على كل شيء، وتصديقِ رسوله فيما أخبرهم عن ربِّهم من الأخبار. وقد قال عيسى لهم، عند قيلهم ذلك له، استعظامًا منه لما قالوا: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" . ففي استتابة الله إيّاهم، ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم عند قيلهم ما قالوا من ذلك، واستعظام نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كلمتهم = (1) الدلالةُ الكافيةُ من غيرها على صحة القراءة في ذلك بالياء ورفع "الرب" ، إذ كان لا معنى في قولهم لعيسى، لو كانوا قالوا له: "هل تستطيع أن تسأل ربَّك أن ينزل علينا مائدة من السماء" ؟ أن يُستكبر هذا الاستكبار.
فإن ظنّ ظانّ أنّ قولهم ذلك له إنما استُعظِمَ منهم، (2) لأنّ ذلك منهم كان مسألة آيةٍ، [فقد ظنّ خطأ] . (3) فإن الآيةَ، إنّما يسألها الأنبياء مَنْ كان بها مكذّبًا
(1)
السياق: ". . . ففي استتابة الله إياهم. . . الدلالة الكافية. . ." ، وما بينهما عطوف.

(2)
في المطبوعة: "إنما هو استعظام منهم" ، غير ما في المخطوطة وزاد على نصها، فضرب على الكلام فسادا لا يفهم!! و "استعظم" بالبناء للمجهول.

(3)
هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، لا أشك أن الناسخ قد أسقطها غفلة، فاضطرب سياق الكلام، وسياق حجة أبي جعفر، فاضطر الناشر أن يعبث بكلمات أبي جعفر لكي تستقيم معه، فأفسد الكلام إفسادًا بينًا لا يحل له. وقد رددت الكلام إلى أصله، كما سترى في التعليقات التالية.

ليتقرَّر عنده حقيقةُ ثبوتها وصحَّة أمرها، كما كانت مسألة قريش نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يحوِّل لهم الصَّفَا ذهبًا، ويفجر فجَاج مكة أنهارًا، مَنْ سأله من مشركي قومه = وكما كانت مسألة صالح الناقةَ من مكذّبي قومه = ومسألة شُعَيْب أن يسقط كِسْفًا من السماءِ، من كفّار من أرسل إليه. (1)
فإنْ وكان الذين سألوا عيسى أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء، (2) على هذا الوجه كانت مسألتهم، فقد أحلّهم الذين قرءوا ذلك ب "التاء" ونصب "الرب" محلا أعظم من المحلِّ الذي ظنوا أنَّهم يحيدون بهم عنه (3) = أو يكونوا سألوا ذلك عيسى وهم موقنون بأنه لله نبي مبعوث ورسول مرسلٌ، وأن الله تعالى ذكره على ما سألوا من ذلك قادر.
فإن كانوا سألوا ذلك وهم كذلك، وإنما كانت مسألتهم إيَّاه ذلك على نحو ما يسأل أحدُهم نبيَّه، إذا كان فقيرًا، أن يسأل له ربه أن يُغْنيه = وإن عرضتْ له حاجة، (4) أن يسأل له ربه أن يقضيَها، فليسَ ذلك من مسألةَ الآية في شيء، (5) بل ذلك سؤال ذي حاجة عرضت له إلى ربه، فسأل نبيَّه مسألةَ ربه أن يقضيها له.
وخبر الله تعالى ذكره عن القوم، ينبئ بخلاف ذلك. وذلك أنهم قالوا لعيسى، إذ قال لهم: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" = "نُريد أن نأكل منها وتطمئنَّ"
(1)
في المطبوعة: "من أرسل إليهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، فهو صواب محض.

(2)
في المطبوعة: "وكان الذين سألوا. . ." ، حذف "فإن" ، وعطف الكلام بعضه على بعض فاضطرب اضطرابًا فاحشًا.

(3)
في المطبوعة: "الذي ظنوا أنهم نزهوا ربهم عنه" ، سبحانه وتعالى، ولكن ما فعله الناشر بنص المخطوطة جعل هذا الكلام كله لا معنى له. وكان في المخطوطة: "يحمدوا ربهم" ، مضطربة الكتابة، فأساء الناشر قراءتها، وأبلغ في الإساءة حين غير الكلام على الوجه الذي نشره به.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "إن عرضت به حاجة" ، وهو غير عربي، عربيته ما أثبت

(5)
في المطبوعة: "فأنى ذلك من مسألة الآية" ، وفي المخطوطة: "فإن ذلك" وصواب ذلك ما أثبت.

قلوبنا ونعلم أنْ قد صدقتنا ". فقد أنبأ هذا من قِيلهم، (1) أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدَقهم، ولا اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته. فلا بيان أبين من هذا الكلام، في أن القوم كانوا قد خالط قلوبَهم مرضٌ وشك فى دينهم وتصديق رسولهم، وأنهم سَألوا ما سألوا من ذلك اختبارًا."
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
12995 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ليث، عن عقيل، عن ابن عباس: أنه كان يحدِّث عن عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يومًا، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجرَ العامل على من عمل له! ففعلوا، ثم قالوا: يا معلِّم الخير، قلت لنا: "إن أجر العامل على من عمل له" ، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا، ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحدٍ ثلاثين يومًا إلا أطعمنا حين نفرُغ طعامًا، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" = "قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبُنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين" ، إلى قوله: "لا أعذبه أحدًا من العالمين" . قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدةٍ من السماء عليها سبعةُ أحواتٍ وسبعة أرغفة، حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أوّلهم.
12996 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" ، قالوا: هل يطيعك ربُّك، إن سألته؟ فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطَّعام إلا اللحم، فأكلوا منها.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "فقد أنبأ هذا عن قيلهم" ، وهو خطأ محض، مخل بالسياق.

وأما "المائدة" فإنها "الفاعلة" من: "ماد فلان القوم يَميدهم مَيْدًا" ، إذا أطعمهم ومارهم، ومنه قول رؤبة:
نُهْدِي رُؤُوسَ المتْرَفينَ الأنْدَادْ ... إلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ المُمْتَادْ (1)
يعني بقوله: "الممتاد" ، المستعْطَى. ف "المائدة" المطعِمة، سميت "الخوان" بذلك، لأنها تطعم الآكل ممّا عليها. و "المائد" ، المُدَار به في البحر، يقال: "مادَ يَمِيدُ مَيْدًا" .
* * *
وأما قوله: "قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" ، فإنه يعني: قال عيسى للحواريّين القائلين له: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" = راقبوا الله، أيها القوم، وخافوه (2) أن يَنزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا، فإن الله لا يعجزه شيء أراده، وفي شكّكم في قدرة الله على إنزال مائدة من السماء، كفرٌ به، فاتقوا الله أن يُنزل بكم نقمته = "إن كنتم مؤمنين" ، يقول: إن كنتم مصدقيَّ على ما أتوعدكم به من عقوبة الله إياكم على قولكم: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" ؟
* * *
(1)
ديوانه: 40، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 183، واللسان (ميد) ، وسيأتي في التفسير 12: 84 (بولاق) ، من رجز تمدح فيه بنفسه، ومدح قومه تميما وسعدًا وخندفًا. ثم قبله في آخرها يذكر قومه: نَكْفِي قُريشًا مَنْ سَعَى بِالإفْسَادْ ... مِنْ كُلِّ مَرْهُوبِ الشِّقَاقِ جَحَّادْ

ومُلْحِدٍ خَالَطَ أَمْرَ الإلْحَادْ
وقوله: "نهدي" بالنون، لا بالتاء كما في لسان العرب، وكما كان في المطبوعة هنا. و "المترفون" : المتنعمون المتوسعون في لذات الدنيا وشهواتها. و "الأنداد" جمع "ند" (بكسر النون) وهو هنا بمعنى "الضد" ، يقال للرجل إذا خالفك، فأردت وجهًا تذهب إليه، ونازعك في ضده: "هو ندى، ونديدي" . ويأتي أيضًا بمعنى "المثل والشبيه" . ورواية الديوان، ورواية أبي جعفر في المكان الآتي بعد: "الصداد" ، جمع "صاد" ، وهو المعرض المخالف. يقول: نقتل الخارجين على أمير المؤمنين، ثم نهدي إليه رؤوسهم، وهو المسئول دون الناس.
(2)
في المطبوعة: "وخافوا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

القول في تأويل قوله: {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: قال الحواريون مجيبي عيسى على قوله لهم: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" ، في قولكم لي "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" =: إنا إنما قلنا ذلك، وسألناك أن تسأل لنا ربنا لنأكل من المائدة، فنعلم يقينًا قدرته على كل شيء = "وتطمئن قلوبنا" ، يقول: وتسكن قلوبنا، وتستقرّ على وحدانيته وقدرته على كل ما شاء وأراد، (1) "ونعلم أن قد صدقتنا" ، ونعلم أنك لم تكذبنا في خبرك أنك لله رسول مرسل ونبيّ مبعوث = "ونكون عليها" ، يقول: ونكون على المائدة = "من الشاهدين" ، يقول: ممن يشهد أن الله أنزلها حجةً لنفسه علينا في توحيده وقدرته على ما شاء، ولك على صدقكَ في نبوّتك. (2)
* * *
(1)
انظر تفسير "الاطمئنان" فيما سلف 5: 492/9: 165.

(2)
انظر تفسير "الشاهد" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) .

القول في تأويل قوله: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم، أنه أجاب القوم إلى ما سألوا من مسألة ربه مائدةً تنزل عليهم من السماء.
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا" . فقال بعضهم: معناه: نتخذ اليومَ الذي نزلت فيه عيدًا نُعَظِّمه نحن ومن بعدَنا.
* ذكر من قال ذلك:
12997 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا" ، يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نعظِّمه نحن ومن بعدنا.
12998 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله "تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا" ، قال: أرادوا أن تكون لعَقِبهم من بعدهم.
12999 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا" ، قال: الذين هم أحياء منهم يومئذ = "وآخرنا" ، من بعدهم منهم.
13000- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، قال سفيان: "تكون لنا عيدًا" ، قالوا: نصلي فيه. نزلت مرتين.
* * *
وقال آخرون: معناه: نأكل منها جميعًا.
* ذكر من قال ذلك:
13001 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ليث، عن عقيل، عن ابن عباس أنه قال: أكل منها = يعني: من المائدة = حين وضعت بين أيديهم، آخر الناس، كما أكل منها أولهم.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله "عيدًا" ، عائدة من الله تعالى ذكره علينا، وحجة وبرهانًا.
* * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #592  
قديم 15-07-2025, 12:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (592)
صــ 226 إلى صــ 235






قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: "معناه: تكون لنا عيدًا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه، ونصلي له فيه، كما يعبد الناس في أعيادهم" ، لأن المعروف من كلام الناس المستعمل بينهم في "العيد" ، ما ذكرنا، دون القول الذي قاله من قال: "معناه: عائدة من الله علينا" . وتوجيه معاني كلام الله إلى المعروف من كلام من خوطب به، أولى من توجيهه إلى المجهول منه، ما وجد إليه السبيل.
* * *
وأما قوله: "لأولنا وآخرنا" ، فإن الأولى من تأويله بالصواب، قولُ من قال: "تأويله: للأحياء منا اليوم، ومن يجيء بعدنا منا" ، للعلة التي ذكرناها في قوله: "تكون لنا عيدًا" ، لأن ذلك هو الأغلب من معناه.
* * *
وأما قوله: "وآية منك" ، فإن معناه: وعلامةً وحجة منك يا رب، على عبادك في وحدانيتك، وفي صدقي على أنّي رسولٌ إليهم بما أرسلتني به (1) = "وارزقنا وأنت خير الرازقين" ، وأعطنا من عطائك، فإنك يا رب خير من يعطي، وأجود من تفضَّل، لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكَد. (2)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في "المائدة" ، هل أنزلت عليهم، أم لا؟ وما كانت؟
فقال بعضهم: نزلت، وكانت حوتًا وطعامًا، فأكل القوم منها، ولكنها رفعت بعد ما نزلت بأحداثٍ منهم أحدثوها فيما بينهم وبين الله تعالى ذكره.
ذكر من قال ذلك:
13002 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا
(1)
انظر تفسير "آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

(2)
وانظر تفسير "الرزق" فيما سلف من فهارس اللغة (رزق) .

شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلت المائدة، خبزًا وسمكًا.
13003 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا أبي، عن الفضيل، عن عطية قال: "المائدة" ، سمكة فيها طعم كلِّ طعام.
13004- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن فضيل، عن مسروق، عن عطية قال: "المائدة" ، سمك فيه من طعم كل طعام.
13005- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن قال: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا.
13006 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين، خِوانٌ عليه خبز وسمك، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا.
13007 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا المنذر بن النعمان، أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: "أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا" ، قال: نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات = قال الحسن، قال أبو بكر: (1) فحدَّثت به عبد الصمد بن معقل فقال: سمعت وهبًا، وقيل له: وما كان ذلك يُغْني عنهم؟ فقال: لا شيء، ولكن الله حَثَا بين أضعافهن البركة، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون، ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون، حتى أكلوا جميعهم وأفضَلُوا.
13008 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا.
13009 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
(1)
"أبو بكر" هو "عبد الرزاق" ، وهو: "عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري" .

عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "مائدة من السماء" ، قال: مائدة عليها طعام، أُتوا بها؛ حين عرض عليهم العذاب إن كفروا. ألوان من طعام ينزل عليهم. (1)
13010 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن إسحاق بن عبد الله: أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحْوات، يأكلون منها ما شاؤوا. قال: فسرق بعضهم منها وقال: "لعلها لا تنزل غدًا!" ، فرفعت.
13011 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن سماك بن حرب، عن رجل من بني عجل قال: صليت إلى جنب عَمار بن ياسر، فلما فرغ قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال فقلت: لا! قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد. قال: فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا، أو تخونوا، أو ترفعوا، فإن فعلتم فإنّي أعذبكم عذابًا لا أعذّبه أحدا من العالمين! قال: فما تمّ يومهم حتى خبئوا ورَفعوا وخانوا، فعذبوا عذابًا لم يعذبه أحد من العالمين. وإنكم معشر العرب، كنتم تتْبعون أذنابَ الإبل والشاء، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم، تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم على لسان نبيكم أنكم ستظهارون على العرَب، ونهاكم أن تكنزوا الذهبَ والفضة. وايمْ الله. لا يذهبُ الليلُ والنهارُ حتى تكنزوهما، ويعذِّبكم عذابًا أليمًا.
13012 - حدثنا الحسن بن قزعة البصري قال، حدثنا سفيان بن حبيب قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار بن ياسر
(1)
في المطبوعة، غير هذه العبارة تغيرًا شاملا مزيلا لمعناها، فكتب: مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تنزل عليهم "، وأثبت ما في المخطوطة."

أما المعنى الذي صحح الناشر الأول عليه هذا الأثر، فهو مخالف لهذا كل المخالفة، لأنه من قول من قال: "لم تنزل على بني إسرائيل مائدة" ، وهو قول مروي عن مجاهد فيما سيأتي رقم: 13021.
قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت المائدة خبزًا ولحمًا، وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدَّخروا ولا يرفعوا لغدٍ، فخانوا وادّخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير. (1)
13013- حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف بن خالد قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في المائدة قال: كانت طعامًا ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا.
* * *
* ذكر من قال ذلك:
13014- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار قال: نزلت المائدة وعليها ثمرٌ من ثمر الجنة، فأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا، قال: فخان القوم وخبئوا وادَّخروا، فحوّلهم الله قردة وخنازير. (2)
13015 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمرُ من ثمار الجنة، وأمروا أن لا
(1)
الأثر: 13012 - "الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي البصري" ، ثقة. مضى برقم: 8281.

و "سفيان بن حبيب البصري" ، ثقة، مضى برقم: 11302، 11321.
و "خلاس بن عمرو الهجري" ، مضى مرارًا، منها: 4557، 5134، وغيرهما.
وكان في المطبوعة: "جلاس بن عمرو" ، وهو خطأ.
وهذا الخبر، رواه الترمذي في كتاب التفسير من سننه، بإسناده عن الحسن بن قزعة، ثم قال: "هذا حديث رواه أبو عاصم وغير واحد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، عن عمار، موقوفًا. ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة = حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا سفيان بن حبيب، عن سعيد بن أبي عروبة، نحوه، ولم يرفعه. وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة، ولا نعرف للحديث المرفوع أصلا" .
وانظر الأثر التالي رقم: 13014، وهو الخبر الموقوف.
(2)
الأثر: 13014 - انظر التعليق على رقم: 13012، وكان في المطبوعة هنا أيضًا "جلاس بن عمرو" وهو خطأ.

يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد، بلاء ابتلاهم الله به، (1) وكانوا إذا فعلوا شيئًا من ذلك، أنبأهم به عيسى، فخان القوم فيه فخبئوا وادّخروا لغدٍ.
* * *
وقال آخرون: كان عليها من كلّ طعام إلا اللحم.
* ذكر من قال ذلك:
13016 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل، اختلفت عليها الأيدي بكل طعام.
13017 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن ميسرة وزاذان قالا كانت الأيدي تختلف عليها بكل طعام.
13018- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن زاذان وميسرة، في: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدةً من السماء" ، قالا رأوا الأيدي تختلف عليها بكل شيء إلا اللحم. (2)
* * *
وقال آخرون: لم ينزل الله على بني إسرائيل مائدة.
* * *
ثم اختلف قائلو هذه المقالة.
فقال بعضهم: إنما هذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لخلقه، نهاهم به عن مسألة نبيّ الله الآيات.
* ذكر من قال ذلك:
13019 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك،
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "أبلاهم الله به" ، وهو لا يصح، صواب قراءته ما أثبت.

(2)
الأثران: 13017، 13018 - "زاذان الكندي الضرير" ، مضى برقم: 9508.

عن ليث، عن مجاهد في قوله: "أنزل علينا مائدة من السماء" ، قال: مثل ضُرب، لم ينزل عليهم شيء.
* * *
وقال آخرون: إنّ القوم لما قيل لهم: "فمن يكفر بعدُ منكم فإني أعذِّبه عذابًا لا أعذِّبه أحدًا من العالمين" ، استعفَوْا منها فلم تنزل.
* ذكر من قال ذلك:
13020 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: لما قيل لهم: "فمن يكفر بعد منكم" ، إلى آخر الآية، قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل.
13021- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن: أنه قال في المائدة: لم تنزل. (1)
13022 - حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تَنزل عليهم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألتَه ذلك ربَّه.
وإنما قلنا ذلك، للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم، غير من انفرد بما ذكرنا عنه.
وبعدُ، فإن الله تعالى ذكره لا يخلف وعدَه، ولا يقع في خبره الْخُلف، وقد قال تعالى ذكره مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: "إني منزلها عليكم" ، وغير جائز أن يقول تعالى ذكره:
(1)
الأثر: 13021 - "منصور بن زاذان الثقفي الواسطي" ، أبو المغيرة. ثقة، روى عن أبي العالية، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، وابن سيرين. مترجم في التهذيب.

"إني منزلها عليكم" ، ثم لا ينزلها، لأن ذلك منه تعالى ذكره خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن يقول: "إني منزلها عليكم" ، ثم لا ينزلها عليهم، جاز أن يقول: "فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" ، ثم يكفر منهم بعد ذلك، فلا يعذّبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة. وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك.
* * *
وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول. وجائز أن يكون كان سمكًا وخبزًا، وجائزٌ أن يكون كانَ ثمرًا من ثمر الجنة، وغيرُ نافع العلم به، ولا ضارّ الجهل به، إذا أقرَّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) }
قال أبو جعفر: وهذا جواب من الله تعالى ذكره القومَ فيما سألوا نبيّهم عيسى مسألةَ ربهم، من إنزاله مائدة عليهم. فقال تعالى ذكره: إني منزلها عليكم، أيها الحواريون، فمطعمكموها = "فمن يكفر بعد منكم" ، يقول: فمن يجحد بعد إنزالها عليكم، وإطعاميكموها - منكم رسالتي إليه، وينكر نبوة نبيِّي عيسى صلى الله عليه وسلم، ويخالفْ طاعتي فيما أمرته ونهيته = "فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدا من العالمين" ، من عالمي زمانه. ففعل القوم، فجحدوا وكفروا بعد ما أنزلت عليهم، فيما ذكر لنا، فعذبوا، فيما بلغنا، بأن مُسِخوا قردة وخنازير، كالذي:-
13023 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إني منزلها عليكم" الآية، ذكر لنا أنهم حوِّلوا خنازير.
13024- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن أبي المغيرة القوّاس، عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشدّ الناس عذابًا ثلاثة: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون. (1)
13025- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف قال: سمعت أبا المغيرة القوّاس يقول: قال عبد الله بن عمرو: إنّ أشد الناس عذابًا يوم القيامة: من كفر من أصحاب المائدة، والمنافقون، وآل فرعون. (2)
13026 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "فمن يكفر بعد منكم" ، بعد ما جاءته المائدة = "فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" ، يقول: أعذبه بعذاب لا أعذبه أحدًا من العالمين غير أهل المائدة.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمِّيَ إلهين من دون الله" .
* * *
(1)
الأثران: 13025، 13026 - "أبو المغيرة القواس" ، روى عن عبد الله بن عمرو. روى عنه عوف. وسئل أبو زرعة عن اسمه فقال: "لا أعلم أحدًا يسميه" . ضعفه سليمان التيمي، ووثقه ابن معين. مترجم في الكنى للبخاري: 70، وابن أبي حاتم 4/2/439.

(2)
الأثران: 13025، 13026 - "أبو المغيرة القواس" ، روى عن عبد الله بن عمرو. روى عنه عوف. وسئل أبو زرعة عن اسمه فقال: "لا أعلم أحدًا يسميه" . ضعفه سليمان التيمي، ووثقه ابن معين. مترجم في الكنى للبخاري: 70، وابن أبي حاتم 4/2/439.

وقيل: إن الله قال هذا القولَ لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
13028 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت، وزعموا أنّ عيسى أمرَهم بذلك، فسأله عن قوله فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب" إلى قوله: "وأنت على كل شيء شهيد" .
* * *
وقال آخرون: بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة.
* ذكر من قال ذلك:
13029 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، قال: والناس يسمعون، فراجعه بما قد رأيت، وأقرَّ له بالعبودية على نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول: أنه إنما كان يقول باطلا.
13030 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: قال الله: يا عيسى، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله؟ فأُرْعِدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قال، فقال: سبحانك، إن كنت قلته فقد علمته = الآية.
13031 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر،
عن قتادة في قوله: "يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" ؟
= فعلى هذا التأويل الذي تأوَّله ابن جريج، يجب أن يكون "وإذ" بمعنى: و "إذا" ، كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا، [سورة سبأ: 51] ، بمعنى: يفزعون، وكما قال أبو النجم:
ثُمَّ جَزَاهُ اللهُ عَنَّا إذْ جَزَى ... جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلالِيِّ العُلا (1)
والمعنى: إذا جزى، وكما قال الأسود: (2)
فَالآنَ، إذْ هَازَلْتُهُنَّ، فإنَّمَا ... يَقُلْنَ: ألا لَمْ يَذْهَبِ الشَّيْخُ مَذْهَبَا!! ٌٌ (3)
بمعنى: إذا هازلتهن.
(1)
الأضداد لابن الأنباري: 102، والصاحبي: 112، واللسان (طها) وسيأتي بعد قليل في هذا الجزء ص: 317، بزيادة بيت. وقوله: "العلالي" ، جمع "علية" (بكسر العين، وتشديد اللام المكسورة، والياء المشدودة) : وهي الغرفة العالية من البيت. وأرد بذلك: "في عليين" ، المذكورة في القرآن. وقد قال هدبة من خشرم أيضًا، فتصرف: كأنَّ حَوْطًا، جزاهُ اللهُ مَغْفِرَةً ... وَجَنَّةً ذاتَ عِلِّيٍّ وأشْرَاعِ

و "الأشراع" ، السقائف.
(2)
هو الأسود بن يعفر النهشلي، أعشى بني نهشل.

(3)
ديوان الأعشين: 293، والأضداد لابن الأنباري: 101، من قصيدة له، ذهب أكثرها فلم يوجد منها في الكتب المطبوعة، غير هذا البيت، وخمسة أبيات أخرى، في ديوانه، وفي العيني (هامش خزانة الأدب 4: 103) ، وهي أبيات جياد: صَحَا سَكَرٌ مِنْه طَوِيلٌ بِزَيْنَيَا ... تَعَاقَبَهُ لَمَّا اسْتَبَانَ وجَرَّبَا

وَأَحْكَمَهُ شَيْبُ القَذَالِ عَنِ الصِّبَا ... فَكَيْفَ تَصَابِيه وَقَدْ صَار أَشْيَبَا?
وَكَان لَهُ، فِيمَا أَفَادَ، خَلاَئِلٌ ... عَجِلْنَ، إذَا لاقَيْنَهُ، قُلْنَ: مَرْحَبَاٌ!!
فأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بهِ ... أصَعَّدَ فَي عُلْوِ الهَوَى أم تَصَوَّبَا?
طَوَامِحُ بالأَبْصَارِ عَنْه، كَأَنَّمَا ... يَرَيْنَ عَلَيْهِ جُلَّ أَدْهَمَ أجْرَبَا




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #593  
قديم 15-07-2025, 12:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (593)
صــ 236 إلى صــ 245





وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا، وجَّه تأويل الآية إلى: "فمن يكفر بعدُ منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" في الدنيا = وأعذبه أيضًا في الآخرة: "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك، قولُ من قال بقول السدي، وهو أن الله تعالى ذكره قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه، وأن الخبرَ خبرٌ عما مضى، لعلَّتين:
إحداهما: أن "إذْ" إنما تصاحب = في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها = الماضيَ من الفعل، وإن كانت قد تدخلها أحيانًا في موضع الخبر عما يحدث، إذا عرف السامعون معناها. وذلك غير فاشٍ، ولا فصيح في كلامهم، (1) وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل، (2) أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر.
والأخرى: أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء، أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه، فيجوز أن يُتَوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبًا لربه تعالى ذكره: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.
* * *
فإن قال قائل: وما كان وجه سؤال الله عيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله "، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟"
قيل: يحتمل ذلك وجهين من التأويل:
(1)
انظر ما سلف من القول في "إذ" و "إذا" 1: 349 - 444، 493/3: 92، 98/6: 407، 550/7: 333/9: 627. وانظر ما سيأتي ص: 317.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "فتوجيه" بالفاء، والجيد ما أثبت.

أحدهما: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيُه، كما يقول القائل لآخر: "أفعلت كذا وكذا" ؟ مما يعلم المقولُ له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له: "أفعلته" ، على وجه النهي عن فعله، والتهديد له فيه.
والآخر: إعلامه أنّ قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده، وبدّلوا دينهم بعده. فيكون بذلك جامعًا إعلامَه حالَهم بعده، وتحذيرًا له قيله. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأما تأويل الكلام، فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين "، أي: معبودين تعبدونهما من دون الله. قال عيسى: تنزيهًا لك يا رب وتعظيمًا أن أفعل ذلك أو أتكلم به (2) = ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" ، يقول: ليس لي أن أقول ذلك، لأني عبد مخلوق، وأمي أمَةٌ لك، وكيف يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ = (3) "إن كنت قلته فقد علمته" ، يقول: إنك لا يخفى عليك شيء، وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمُرهم به.
* * *
القول في تأويل قوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرةُ من النصارى، أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به، فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت"
(1)
في المطبوعة: "وتحذيره" ، غير ما كان في المخطوطة لغير طائل.

(2)
انظر تفسير "سبحان" فيما سلف 1: 474 - 476، 495/2: 537/6: 423.

(3)
في المطبوعة: "فهل يكون للعبد" ، وفي المخطوطة: "فيكون يكون للعبد" ، هكذا ورجحت قراءتها كما أثبتها.

قلته فقد علمته ". ثم قال:" تعلم ما في نفسي "، يقول: إنك، يا رب، لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطق به ولم أظهره بجوارحي، فكيف بما قد نطقتُ به وأظهرته بجوارحي؟ يقول: لو كنت قد قلت للناس: ا" تخذوني وأمي إلهين من دون الله "، كنت قد علمته، لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به، فكيف بما قد نطقت به؟ =" ولا أعلم ما في نفسك "، يقول: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه، لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه =" إنك أنت عَلام الغيوب "، يقول: إنك أنت العالم بخفيّات الأمور التي لا يطلع عليها سواك، ولا يعلمها غيرك. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول عيسى، يقول: ما قلت لهم إلا الذي أمرتني به من القول أن أقوله لهم، وهو أن قلت لهم: "اعبدوا الله ربي وربكم" = "وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم" ، يقول: وكنت على ما يفعلونه وأنا بين أظهرهم شاهدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم (2) = "فلما توفيتني" ،
(1)
انظر تفسير "علام الغيوب" فيما سلف قريبًا: 211 = وتفسير "الغيب" 1: 236، 237/6: 405/10: 585.

(2)
انظر تفسير: "شهيد" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) = وتفسير "ما دام" فيما سلف 10: 185/ 11: 74.

يقول: فلما قبضتني إليك (1) = "كنت أنت الرقيب عليهم" ، يقول: كنت أنت الحفيظ عليهم دوني، (2) لأني إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم.
وفي هذا تبيانُ أن الله تعالى ذكره إنما عرّفه أفعالَ القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه وتوفاه بقوله: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" .
= "وأنت على كل شيء شهيد" يقول: وأنت تشهد على كل شيء، لأنه لا يخفى عليك شيء، وأما أنا، فإنما شهدت بعض الأشياء، وذلك ما عاينت وأنا مقيم بين أظهر القوم، فإنما أنا أشهد على ذلك الذي عاينت ورأيتُ وشهدت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13032 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدى: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، أما "الرقيب" ، فهو الحفيظ.
13033 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، قال: الحفيظ.
* * *
وكانت جماعة من أهل العلم تقول: كان جواب عيسى الذي أجاب به ربَّه من الله تعالى، توقيفًا منه له فيه. (3)
* ذكر من قال ذلك:
13034 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن معمر،
(1)
انظر تفسير "توفاه" فيما سلف 6: 455 - 461/8: 73/9: 100.

(2)
انظر تفسير "الرقيب" فيما سلف 7: 523.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "توفيقًا" (بالفاء قبل القاف) ، في هذا الموضع وما يليه.

وهو خطأ من الناسخ والناشر لا شك فيه، صوابه ما أثبت. يقال: "وقفت الرجل على الكلمة توقيفًا" ، إذا علمته الكلمة لم يكن يعلمها، أو غابت عنه. أي أنها كانت من تعليم الله إياه، لم يقلها من عند نفسه.
عن ابن طاوس، عن أبيه: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" ، قال: الله وقَّفَه. (1)
13035- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري قال، قرئ على سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه طاوس قال: احتج عيسى، والله وقّفه: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، الآية.
13036 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: قال الله تعالى ذكره: "يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ؟ قال: فأُرعدت مفاصله، وخشى أن يكون قد قالها، فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب" .
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها = "فإنهم عبادك" ، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به = "وإن تغفر لهم" ، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم = "فإنك أنت العزيز" ، (2) في
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "الله وفقه" ، وانظر التعليق السالف، وكذلك ما سيأتي في الأثر التالي.

(2)
انظر تفسير "العباد" ، و "المغفرة" ، و "العزيز" ، و "الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) ، (غفر) ، (عزز) ، (حكم) .

انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه = "الحكيم" ، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب، كالذي:-
13037 - حثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم" ، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام = "فإنك أنت العزيز الحكيم" . وهذا قول عيسى في الدنيا.
13038 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" ، قال: والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: "هذا يوم ينفع الصادقين" . فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب "يوم" .
* * *
وقرأه بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة، وعامة قرأة أهل العراق: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ، برفع "يوم" . فمن رفعه رفعه ب "هذا" ، وجعل "يوم" اسمًا، وإن كانت إضافته غير محضة، لأنه قد صار كالمنعوت. (1)
(1)
في المطبوعة: "لأنه صار" ، أسقط "قد" .

وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل "اليوم" و "الليلة" ، عملهم فيما بعدها. إن كان ما بعدها رفعًا رفعوها، كقولهم: "هذا يومُ يركب الأمير" ، و "ليلةُ يصدر الحاج" ، و "يومُ أخوك منطلق" . وإن كان ما بعدها نصبًا نصبوها، وذلك كقولهم: "هذا يومَ خرج الجيش، وسار الناس" ، و "ليلةَ قتل زيد" ، ونحو ذلك، وإن كان معناها في الحالين "إذ" و "إذا" .
* * *
وكأن من قرأ هذا هكذا رفعًا، وجَّه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة.
* * *
وكذلك كان السدي يقول في ذلك.
13039 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" ، هذا فصل من كلام عيسى، وهذا يوم القيامة.
* * *
يعني السدي بقوله: "هذا فصل من كلام عيسى" : أن قوله: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى قوله: "فإنك أنت العزيز الحكيم" ، من خبر الله عز وجل عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة.
* * *
وأما النصب في ذلك، فإنه يتوجه من وجهين:
أحدهما: أن إضافة "يوم" ما لم تكن إلى اسم، تجعله نصبًا، لأن الإضافة غير محضة، وإنما تكون الإضافة محضة، إذا أضيف إلى اسم صحيح. ونظير "اليوم" في ذلك: "الحين" و "الزمان" ، وما أشبههما من الأزمنة، كما قال النابغة:
عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... وَقُلْتُ ألَمَّا تَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ (1)
والوجه الآخر: أن يكون مرادًا بالكلام: هذا الأمر وهذا الشأن، يومَ ينفع الصادقين = فيكون "اليوم" حينئذ منصوبًا على الوقت والصفة، بمعنى: هذا الأمر في يوم ينفع الصادقين صدقهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب "اليوم" ، على أنه منصوب على الوقت والصفة. لأن معنى الكلام: إنّ الله جل وتعالى ذكره أجاب عيسى حين قال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته" ، إلى قوله: "فإنك أنت العزيز الحكيم" ، فقال له عز وجل: هذا القولُ النافعُ = أو هذا الصدق النافع = يوم ينفع الصادقين صدقهم. ف "اليوم" وقت القول والصدق النافع.
* * *
فإن قال قائل: فما موضع "هذا" ؟
قيل: رفع.
فإن قال: فأين رَافعه؟
(1)
ديوانه: 38، ومعاني القرآن للفراء 1: 327، وسيبويه 1: 369، والخزانة 3: 151 والعيني (هامش الخزانة) 3: 406/ 4: 357، وسيأتي في هذا التفسير 19: 88/ ثم 30: 57، (بولاق) ، ورواية أبي جعفر هنا "ألما تصح" كرواية الفراء، وفي سائر المراجع "ألما أصح" . وهما روايتان صحيحتا المعنى.

وهذا البيت من قصيدته التي قالها معتذرا إلى النعمان بن المنذر، متنصلا مما قذفه به مرة بن ربيعة عند النعمان، يقول قبله: فَكَفْكَفْتُ مِنِّي عَبْرَةً فَرَدَدْتُهَا ... على النَّحْرِ، مِنْها مُسْتَهِلٌّ ودامِعٌ
يقول: عاقبت نفسي على تشوقها إلى ما فات من صباي، فقد شبت وشابت لداتي، وقلت لنفسي: ألم تفق بعد من سكرة الصبا، وعهد الناس بالمشيب أنه يكف من غلواء الشباب!
قيل: مضمر. وكأنه قال: قال الله عز وجل: هذا، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، كما قال الشاعر: (1)
أَمَا تَرَى السَّحَابَ كَيْفَ يَجْرِي ? ... هذا، وَلا خَيْلُكَ يَا ابْن بِشْرِ
يريد: هذا هذا، ولا خيلك.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بينا: قال الله لعيسى: هذا القول النافع في يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك، في الآخرة عند الله = "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" ، يقول: للصادقين في الدنيا، جنات تجري من تحتها الأنهار في الآخرة، ثوابًا لهم من الله عز وجل على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه، فوفوا به لله، فوفى الله عز وجل لهم ما وعدهم من ثوابه = "خالدين فيها أبدًا" ، يقول: باقين في الجنات التي أعطاهموها = "أبدًا" ، دائمًا، لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول. (2)
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى "الخلود" ، الدوام والبقاء. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: رَضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين
(1)
لم أعرف هذا الراجز

(2)
انظر تفسير "أبدًا" فيما سلف 9: 227/10: 185.

(3)
انظر فهارس اللغة فيما سلف (خلد) .

صدقوا في الوفاء له بما وعدوه، من العمل بطاعته واجتناب معاصيه = "ورضوا عنه" ، يقول: ورضوا هم عن الله تعالى ذكره في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه فيما أمرهم ونهاهم، من جزيل ثوابه (1) = "ذلك الفوز العظيم" ، يقول: هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، مرضيًّا عنهم وراضين عن ربهم، هو الظفر العظيم بالطَّلِبة، (2) وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا، ولها كانوا يعملون فيها، فنالوا ما طلبوا، وأدركوا ما أمَّلوا.
* * *
القول في تأويل قوله: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيها النصارى، "لله ملك السموات والأرض" ، يقول: له سلطان السموات والأرض (3) = "وما فيهن" ، دون عيسى الذين تزعمون أنه إلهكم، ودون أمه، ودون جميع من في السموات ومن في الأرض، فإن السموات والأرض خلق من خلقه وما فيهن، وعيسى وأمُّه من بعض ذلك بالحلول والانتقال، يدلان بكونهما في المكان الذي هما فيه بالحلول فيه والانتقال، أنهما عبدان مملوكان لمن له ملك السموات والأرض وما فيهن. ينبِّههم وجميعَ خلقه على موضع حجته عليهم، ليدَّبروه ويعتبروه فيعقلوا عنه = "وهو على كل شيء"
(1)
انظر تفسير "الرضا" فيما سلف 6: 262/9: 480/10: 144.

(2)
انظر تفسير "الفوز" . فيما سلف 7: 452، 472/8: 71.

(3)
انظر تفسير "الملك" فيما سلف 8: 480، تعليق: 3، والمراجع هناك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #594  
قديم 15-07-2025, 01:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (594)
صــ 246 إلى صــ 255






قدير (1) يقول تعالى ذكره: والله الذي له ملك السموات والأرض وما فيهن، قادرٌ على إفنائهن وعلى إهلاكهن، وإهلاك عيسى وأمه ومن في الأرض جميعًا كما ابتدأ خلقهم، لا يعجزه ذلك ولا شيء أراده، لأن قدرته القدرةُ التي لا تشبهها قدرة، وسلطانه السلطان الذي لا يشبهه سلطان ولا مملكة."
* * *
(آخر تفسير سورة المائدة) (2)
(1)
انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر) .

(2)
عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه:

"آخر تفسير سورة المائدة صَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم يَتْلُوهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَنْعَامِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ"
تفسير سورة الأنعام القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الأنعام بسم الله الرحمن الرحيم رَبِّ يسِّرْ
* * *
القول في تأويل قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "الحمد لله" ، الحمدُ الكامل لله وحده لا شريك له دون جميع الأندادِ والآلهة، ودون ما سواه مما تعبده كَفَرةُ خلْقه من الأوثان والأصنام.
وهذا كلام مخرجه مَخرج الخبر يُنْحَى به نحو الأمر. يقول: أخلصوا الحمد والشكر للذي خَلَقَكم، أيها الناس، وخلق السماوات والأرض، ولا تشركوا معه في ذلك أحدًا أو شيئًا، (1) فإنه المستوجب عليكم الحمدَ بأياديه عندكم ونعمة عليكم، لا من تعبدونه من دونه، وتجعلونه له شريكًا من خَلْقه.
* * *
وقد بينا الفصل بين معنى "الحمد و" الشكر "بشواهده فيما مضى قبل. (2) "
* * *
القول في تأويل قوله: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وأظلم الليلَ، وأنارَ النَّهار، كما:-
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "أحدا شيئًا" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(2)
انظر تفسير "الحمد" فيما سلف 1: 135 - 141.

13040 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وجعل الظلمات والنور" ، قال: الظلمات ظلمة الليل، والنور نورُ النهار.
13041 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أمّا قوله: "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور" ، فإنه خلق السَّماوات قبل الأرض، والظلمةَ قبل النور، والجنّة قَبل النار.
* * *
فإن قال قائل: فما معنى قوله إذًا: "جعل" .
قيل: إن العرب تجعلها ظرفًا للخبرِ والفِعْل فتقول: "جعلت أفعل كذا" ، و "جعلت أقوم وأقعد" ، تدل بقولها "جعلت" على اتصال الفعل، كما تقول "علقت أفعل كذا" = لا أنها في نفسها فِعْلٌ. يدلُّ على ذلك قول القائل: "جعلت أقوم" ، وأنه لا جَعْلَ هناك سوى القيام، وإنما دَلَّ بقوله: "جعلت" على اتّصال الفعل ودوامه، (1)
ومن ذلك قول الشاعر: (2)
وَزَعَمْتَ أنَّكَ سَوْفَ تَسْلُكُ فَارِدًا ... وَالمَوْتُ مُكْتَنِعٌ طَرِيقَيْ قَادِرِ
فَاجْعَلْ تَحَلَّلْ مِنْ يَمِينِكَ إنَّمَا ... حِنْثٌ اليَمِينِ عَلَى الأثِيمِ الفَاجِرِ (3)
(1)
انظر ما كتبته على الأثر رقم: 8317، ج 7: 547، تعليق: 6/ ثم الأثر: 12834، ج: 11: 128، تعليق: 1، في قوله: "فذهب ينزل" وقوله: "تذهب فتختلط" ، وقد سميتها هناك ألفاظ الاستعانة. وقد أجاد أبو جعفر العبارة عن هذا المعنى، فقيده وحفظه.

(2)
لم أعرف قائله.

(3)
لم أجد البيتين فيما بين يدي من الكتب، وإن كنت أذكر أني قرأتهما قبل، ثم لا أدري أين؟ وكان البيت الأول في المطبوعة: وَزَعَمْتَ أَنَّكَ سَوفَ تَسْلُك قادِرًا ... وَالموتُ مُتَّسِعٌ طَرِيقي قادِرِ

وهو كلام صفر من المعنى. وكان في المخطوطة هكذا. وزعمتَ أنك سوف تسلك مال را ... الموت ملسع طريقي قادرِ
ورجحت قراءته كما أثبته، وكما أتوهم أني أذكر من معنى الشعر، وأظنه من كلام شاعر يقوله لأخيه أو صاحبه، أراد أن ينفرد في طريقه وحلف ليفعلن ذلك، فسخر منه، وقال له ما قال. وقوله: "فارد" ، أي منفردًا منقطعًا عن رفيقك وصاحبك. وقوله: "والموت مكتنع" ، أي: دان قد أشرف عليك. يقال "كنع الموت واكتنع" دنا وقرب، قال: الراجز: وَاكْتَنَعَتْ أُمُّ اللُّهَيْمِ وَاكْتَنَعْ
و "أم اللهيم" ، كنية الموت، لأنه يلتهم كل شيء.
هذا اجتهادي في تصحيح الشعر، حتى يوجد في مكان غيره.
يقول: "فاجعل تحلّل" ، بمعنى: تحلل شيئًا بعد شيء = لا أن هناك جَعْلا من غير التحليل. فكذلك كل "جَعْلٍ" في الكلام، إنما هو دليل على فعلٍ له اتصال، لا أن له حظًّا في معنى الفعْل.
* * *
فقوله: "وجعل الظلمات والنور" ، إنما هو: أظلم ليلَهما، وأنارَ نَهارَهُما.
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، معجِّبًا خلقَه المؤمنين من كفَرة عباده، ومحتجًّا على الكافرين: إنّ الإله الذي يجبُ عليكم، أيها الناس، حمدُه، هو الذي خلَق السماوات والأرض، الذي جعل منهما معايشَكم وأقواتكم، وأقواتَ أنعامكم التي بها حياتكم. فمن السماوات ينزل عليكم الغيثُ، وفيها تجري الشمس والقمر باعتِقابٍ واختلاف لمصالحكم. ومن الأرض ينبُتُ الحب الذي به غذاؤكم، والثمارُ التي فيها ملاذُّكم، مع غير ذلك من الأمور التي فيها مصالحكم ومنافعكم بها = والذين يجحدون نعمة الله عليهم بما أنعم به عليهم من خلق ذلك لهم ولكم،
أيها الناس = "بربهم" ، الذي فعل ذلك وأحدثه = "يعدلون" ، يجعلون له شريكًا في عبادتهم إياه، فيعبدون معه الآلهة والأنداد والأصنام والأوثانَ، وليس منها شيء شرِكه في خلق شيءٍ من ذلك، ولا في إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم، بل هو المنفرد بذلك كله، وهم يشركون في عبادتهم إيّاه غيره. فسبحان الله ما أبلغها من حجة، وأوجزها من عظة، لمن فكَّر فيها بعقل، وتدبرها بفهم!
* * *
ولقد قيل: إنها فاتحة التوراة.
* ذكر من قال ذلك:
13042 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العَمّي، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب قال: فاتحة التوراة فاتحة "الأنعام" : "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجَعَل الظلمات والنور ثم الذين كَفَروا بربِّهم يعدلون" . (1)
13043 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب، مثله = وزاد فيه: وخاتمة التوراة خاتمة "هود" .
* * *
يقالُ من مساواة الشيء بالشيء: "عدلتُ هذا بهذا" ، إذا ساويته به، "عَدْلا" . وأما في الحكم إذا أنصفت فيه، فإنك تقول: "عَدَلت فيه أعدلُ عَدْلا" . (2)
(1)
الأثر: 13042 - "عبد العزيز بن عبد الصمد العمي" ، "أبو عبد الصمد" ، ثقة حافظ، من شيوخ أحمد، روى له أصحاب الكتب الستة. مترجم في التهذيب.

و "أبو عمران الجوني" هو "عبد الملك بن حبيب الأزدي" ، ثقة، مضى برقم: 80.
و "عبد الله بن رباح الأنصاري" ، ثقة، مضى برقم: 4810.
و "كعب" ، هو كعب الأحبار المشهور بأخباره الإسرائيلية.
(2)
انظر تفسير "العدل فيما سلف 2: 35/11: 43، 44."

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "يعدلون" ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13044 - حدثني ابن محمد عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يعدلون" ، قال: يشركون.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل فيمن عُني بذلك:
فقال بعضهم: عُني به أهل الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
13045 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى قال: جاءه رجل من الخوارج يقرأ عليه هذه الآية: "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربِّهم يعدِلون" ، قال له: أليس الذين كفروا بربِّهم يعدلون؟ قال: بلى! قال: وانصرف عنه الرجل، فقال له رجل من القوم: يا ابن أبزى، إن هذا قد أراد تفسيرَ هذه غير هذا! إنه رجلٌ من الخوارج! فقال: ردّوه عليّ. فلما جاءه قال: هل تدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قال: لا! قال: إنها نزلت في أهل الكتاب، اذهبْ، ولا تضعها على غير حدِّها. (1)
(1)
الأثر: 13045 - "يعقوب القمي" ، هو "يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي" ، ثقة، مضى برقم: 617، 7269، 8158.

و "جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي القمي" ، ثقة، مضى برقم: 87، 617، 4347، 7269.
و "ابن أبزى" هو: "سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي" ، ثقة، مضى برقم: 9656، 9657، 9672.
وأراد السائل من الخوارج بسؤاله، الاستدلال بالآية على تكفير أهل القبلة، في أمر تحكيم علي بن أبي طالب. وذلك هو رأي الخوارج.
وقال آخرون: بل عُنى بها المشركون من عبدةِ الأوثان.
* ذكر من قال ذلك:
13046 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ، قال: [هؤلاء: أهل صراحيه] . (1)
13047- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ، قال: هم المشركون.
13048 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ، قال: الآلهة التي عبَدوها، عدلوها بالله. قال: وليس لله عِدْلٌ ولا نِدٌ، وليس معه آلهة، ولا اتخذ صاحبةً ولا ولدًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره أخبر أنّ الذين كفروا بربهم يعدلون، فعمّ بذلك جميع الكفّار، ولم يخصص منهم بعضًا دون بعض. فجميعهم داخلون في ذلك: يهودهم، ونصاراهم، ومجوسهم، وعبدة الأوثان منهم ومن غيرهم من سائر أصناف الكفر.
* * *
القول في تأويل قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "هو الذي خلقكم من طين" ، أن الله الذي خلق السماوات والأرض، وأظلم ليلهما وأنَار نهارهما، ثم كفر به مع
(1)
في المطبوعة: "هؤلاء أهل صراحة" ، وهو كلام لا معنى له، وفي المخطوطة ما أثبته بين القوسين، لم أستطع أن أحل رموزه، فلعله يوجد بعد في كتاب غير الكتب التي في أيدينا، فتبين صحته.

إنعامه عليهم الكافرون، (1) وعدلوا به من لا ينفعهم ولا يضرُّهم. هو الذي خلقكم، أيها الناس، من طين. وإنما يعني بذلك تعالى ذكره: أنَّ الناس وَلدُ مَنْ خلقه من طين، فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم، إذ كانوا وَلَده.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13049- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "هو الذي خلقكم من طين" ، بدءُ الخلق، خلقَ الله آدم من طين.
13050 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "هو الذي خلقكم من طين" ، قال: هو آدم.
13051- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أمّا "خلقكم من طين" ، فآدم.
13052 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم قال: خلق آدم من طين، وخلق الناس من سُلالةٍ من ماءٍ مَهين.
13053 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "خلقكم من طين" ، قال: خلق آدم من طين، ثم خلقنا من آدم حين أخذَنا من ظهره.
* * *
(1)
في المطبوعة: "فكفر به" ، أما المخطوطة، ففيها الذي أثبته إلا أنه كتب "ثمكفر به" ووصل "ثم" بقوله: "كفر" ، وهذا من عجب الكتابة ولطائف النساخ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #595  
قديم 15-07-2025, 01:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (595)
صــ 256 إلى صــ 265





القول في تأويل قوله: {ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى قوله: "ثم قضى أجلا" ، ثم قضى لكم، أيها الناس، "أجلا" . وذلك ما بين أن يُخْلق إلى أن يموت = "وأجل مسمى عنده" ، وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث.
* ذكر من قال ذلك:
13054- حدثنا ابن وكيع وهناد بن السري قالا حدثنا وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن في قوله: "قضى أجلا" ، قال: ما بين أن يخلق إلى أن يموت = "وأجل مسمى عنده" ، قال: ما بين أن يموت إلى أن يبعث. (1)
13055 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ثم قضى أجلا وأجلٌ مسمى عِنده" ، كان يقول: أجل حياتك إلى أن تموت، وأجل موتك إلى أن تُبْعث. فأنت بين أجَلين من الله تعالى ذكره.
13056 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم: "قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قال: قضى أجل الموت، وكل نفسٍ أجلها الموت. قال: ولن يؤخر الله نفسًا
(1)
الأثر: 13054 - "وكيع" هو "وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي" .

وأبوه: "الجراح بن مليح الرؤاسي" ، مضيا في مواضع مختلفة.
و "أبو بكر الهذلي" مختلف في اسمه قيل هو: "سلمى بن عبد الله بن سلمى" ، وقيل: "روح بن عبد الله" . ومضى برقم: 597، 8376، وهو ضعيف.
إذا جاء أجلها = "وأجل مسمى عنده" ، يعني: أجل الساعة، ذهاب الدنيا، والإفضاءُ إلى الله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم قضى الدنيا، وعنده الآخرة.
* ذكر من قال ذلك:
13057 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: "أجلا" ، قال: الدنيا = "وأجل مسمى عنده" ، الآخرة.
13058 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو عاصم، عن زكريا بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "قضى أجلا" ، قال: الآخرة عنده = "وأجل مسمى" ، الدنيا.
13059- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أجلا" ، قال: الآخرة عنده = "وأجل مسمًّى" ، قال: الدنيا.
13060- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أجلا" ، قال: الآخرة عنده = "وأجل مسمى" ، قال: الدنيا.
13061- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن: "ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قالا قضى أجل الدنيا، من حين خلقك إلى أن تموت = "وأجل مسمى عنده" ، يوم القيامة.
13062 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر،
عن مجاهد وعكرمة: "ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قال: قَضَى أجل الدنيا = "وأجل مسمى عنده" ، قال: هو أجل البعث.
13063- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة: "ثم قضى أجلا" ، قال: الموت = "وأجل مسمى عنده" ، الآخرة.
13064- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله: "قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قالا قضى أجل الدنيا، منذ يوم خلقت إلى أن تموت = "وأجل مسمى عنده" ، يوم القيامة.
13065- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: "قضى أجلا" ، قال: أجل الدنيا = "وأجل مسمى عنده" ، قال: البعث.
13066- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ثم قضى أجلا وأجلٌ مسمى عنده" ، يعني: أجل الموت = "والأجل المسمى" ، أجلُ الساعة والوقوفِ عند الله.
13067 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قضى أجلا" ، قال: أمّا "قضى أجلا" ، فأجل الموت = "وأجل مسمى عنده" ، يوم القيامة.
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
13068 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: "ثم قضى أجلا وأجل"
مسمى عنده "، قال: أمّا قوله:" قضى أجلا "، فهو النومُ، تُقْبض فيه الروح، ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة =" وأجل مسمى عنده "، هو أجل موت الإنسان."
* * *
وقال آخرون بما:-
13069 - حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب في قوله: "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون" ، قال: خلق آدم من طين، ثم خلقنا من آدم، أخذنا من ظهره، ثم أخذ الأجل والمِيثاق في أجلٍ واحد مسمًّى في هذه الحياة الدنيا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم قضى أجلَ الحياة الدنيا = "وأجلٌ مسمى عنده" ، وهو أجل البَعْث عنده.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأنه تعالى ذكره نبَّه خلقَه على موضع حُجَّته عليهم من أنفسهم فقال لهم: أيها الناس، إن الذي يعدِلُ به كفارُكم الآلهةَ والأندادَ، هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين، فجعلكم صورًا أجساًما أحياءً، بعد إذ كنتم طينًا جمادًا، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم، ليعيدكم ترابًا وطينًا كالذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم = وأجل مسمى عندَه لإعادتكم أحياءً وأجسامًا كالذي كنتم قبل مماتكم. (1) وذلك نظير قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، [سورة البقرة: 28] .
* * *
(1)
انظر تفسير "الأجل" فيما سلف 5: 7/6: 43، 76/8: 548.

= وتفسير "مسمى" فيما سلف 6: 43.
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم أنتم تَشكُّون في قدرة من قَدَر على خلق السماوات والأرض، وإظلام الليل وإنارة النهار، وخلقكم من طين حتى صيَّركم بالهيئة التي أنتم بها = على إنشائه إياكم من بعد مماتكم وفنائكم، (1) وإيجاده إيّاكم بعد عدمكم.
* * *
و "المرية" في كلام العرب، هي الشك. وقد بيّنت ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
وقد:-
13070 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "ثم أنتم تمترون" ، قال: الشك. قال: وقرأ قول الله: فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ [سورة هود: 17] ، قال: في شكٍّ منه.
13071 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم أنتم تمترون" ، بمثله.
* * *
(1)
في المطبوعة: "وعلى إنشائه" بزيادة الواو، وهي مفسدة وهي خطأ صرف، لم يفهم سياق أبي جعفر، فإن قوله: "على إنشائه إياكم" متعلق بقوله: "ثم أنتم تشكون في قدرة من قدر. . ." ، أي: تشكون في قدرة من فعل ذلك، على إنشائه إياكم.

(2)
انظر تفسير "الامتراء" فيما سلف 3: 190، 191/6: 472.

القول في تأويل قوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذي له الألوهةُ التي لا تنبغي لغيره، المستحقَّ عليكم إخلاصَ الحمد له بآلائه عندكم، أيها الناس، الذي يعدل به كفاركم مَن سواه، هو الله الذي هو في السماوات وفي الأرض يعلم سِرَّكم وجَهْركم، فلا يخفى عليه شيء. يقول: فربكم الذي يستحقُّ عليكم الحمدَ، ويجب عليكم إخلاصُ العبادة له، هو هذا الذي صفته = لا من لا يقدر لكم على ضرّ ولا نفع، ولا يعمل شيئًا، ولا يدفع عن نفسه سُوءًا أريد بها.
* * *
وأما قوله: "ويعلم ما تكسبون" ، يقول: ويعلم ما تَعمَلون وتجرَحُون، فيحصي ذلك عليكم ليجازيكم به عند معادكم إليه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما تأتي هؤلاء الكفار الذين بربهم يعدِلون أوثانَهم وآلهتهم = "آية من آيات ربهم" ، يقول: حجّة وعلامة ودلالة من حُجج ربهم ودلالاته وأعلامه على وحدانيته، وحقيقة نبوتك، يا محمد، وصدق ما أتيتهم به من عندي (2) = "إلا كانوا عنها معرضين" ، يقول: إلا
(1)
انظر تفسير "كسب" فيما سلف 10: 297، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

أعرضوا عنها، يعني عن الآية، فصدّوا عن قَبُولها والإقرار بما شهدت على حقيقته ودلّت على صحته، جهلا منهم بالله، واغترارًا بحلمه عنهم. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فقد كذب هؤلاء العادلون بالله، الحقَّ لما جاءهم، وذلك "الحق" ، هو محمد صلى الله عليه وسلم (2) كذّبوا به، وجحدوا نبوَّته لما جاءهم. قال الله لهم متوعّدًا على تكذيبهم إياه وجحودِهم نبوَّته: سوف يأتي المكذّبين بك، يا محمد، من قومِك وغيرهم = "أنْباء ما كانوا به يستهزءون" ، يقول: سوف يأتيهم أخبارُ استهزائهم بما كانوا به يستهزئون من آياتي وأدلَّتي التي آتيتهم. (3) ثم وفى لهم بوعيده لمّا تمادَوا في غيِّهم، وعَتْوا على ربهم، فقتلتهم يوم بدرٍ بالسَّيف.
* * *
(1)
انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف 9: 310، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الحق" فيما سلف 10: 377، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف 10: 391، تعليق: 2، والمراجع هناك.

= وتفسير "الاستهزاء" فيما سلف 1: 301 - 303.
القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ألم يرَ هؤلاء المكذبون بآياتي، الجاحدون نبوّتك، كثرةَ من أهلكت من قبلهم من القُرون = وهم الأمم = الذين وطَّأت لهم البلادَ والأرض توطئة لم أوطِّئها لهم، (1) وأعطيتهم فيها ما لم أعطهم؟ كما:-
13072 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم" ، يقول: أعطيناهم ما لم نعطكم.
* * *
قال أبو جعفر: أمطرت فأخرجت لهم الأشجارُ ثمارها، وأعطتهم الأرض رَيْع نَباتها، وجابوا صخورَ جبالها، ودرَّت عليهم السماء بأمطارها، وتفجرت من تحتهم عيون المياه بينابيعها بإذني، فغمَطُوا نعمة ربهم، وعصوا رسولَ خالقهم، وخالفوا أمرَ بارئهم، وبغَوْا حتى حقَّ عليهم قَوْلي، فأخذتهم بما اجترحوا من ذنوبهم، وعاقبتهم بما اكتسبت أيديهم، وأهلكت بعضهم بالرَّجفة، وبعضهم بالصيحة، وغير ذلك من أنواع العذاب.
* * *
ومعنى قوله: "وأرسلنا السماء عليهم مدرارًا" ، المطرَ. ويعني بقوله: "مدرارًا" ، غزيرة دائمةً = "وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين" ، يقول: وأحدثنا من بعد
(1)
في المطبوعة: "وطأة لم أوطئها" ، وأثبت ما في المخطوطة.

الذين أهلكناهم قرنًا آخرين، فابتدأنَا سِواهم.
* * *
فإن قال قائل: فما وجهُ قوله: "مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم" ؟ ومن المخاطب بذلك؟ فقد ابتدأ الخبر في أول الآية عن قوم غَيَبٍ بقوله: "ألم يروا كم أهلكنا من قَبَلهم من قرن" ؟
قيل: إن المخاطب بقوله: "ما لم نمكن لكم" ، هو المخبر عنهم بقوله: "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن" ، ولكن في الخبر معنى القول = ومعناه: قُلْ، يا محمد، لهؤلاء القوم الذين كذبوا بالحقِّ لما جاءهم: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قَرْن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم.
والعرب إذا أخبرت خبرًا عن غائبٍ، وأدخلت فيه "قولا" ، فعلت ذلك، فوجهت الخبرَ أحيانًا إلى الخبر عن الغائب، وأحيانًا إلى الخطاب، فتقول: "قلت لعبد الله: ما أكرمه" ، و "قلت لعبد الله: ما أكرمك" ، وتخبر عنه أحيانًا على وجه الخبر عن الغائب، ثم تعود إلى الخطاب. وتخبر على وجه الخطاب له، ثم تعود إلى الخبر عن الغائب. وذلك في كلامها وأشعارها كثيرٌ فاشٍ. وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
وقد كان بعض نحويي البصرة يقول في ذلك: كأنه أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خاطبه معهم. وقال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [سورة يونس: 22] ، فجاء بلفظ الغائب، وهو يخاطب، لأنه المخاطَب.
* * *
(1)
انظر ما سلف 1: 153 - 154/ 2: 293، 294، 357، 388/ 3: 170/ 6: 564.

القول في تأويل قوله: {وَلَوْ نزلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) }
قال أبو جعفر: وهذا إخبار من الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، عن هؤلاء القوم الذين يعدلون بربهم الأوثانَ والآلهة والأصنام. يقول تعالى ذكره: وكيف يتفقهون الآيات، أم كيف يستدِلُّون على بُطْلان ما هم عليه مُقِيمون من الكفر بالله وجحودِ نبوتك، بحجج الله وآياته وأدلته، وهم لعنادهم الحقَّ وبعدِهم من الرشد، لو أنزلت عليك، يا محمد، الوحيَ الذي أنزلته عليك مع رسولي، في قِرْطاس يعاينونه ويمسُّونه بأيديهم، (1) وينظرون إليه ويقرءونه منه، معلَّقًا بين السماء والأرض، بحقيقة ما تدعوهم إليه، وصحَّةِ ما تأتيهم به من توحيدي وتنزيلي، لقال الذين يعدلُون بي غيري فيشركون في توحيدِي سواي: "إنْ هذا إلا سحرٌ مبينٌ" ، أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر سحرتَ به أعيننا، ليست له حقيقة ولا صحة (2) = "مبين" ، يقول: مبين لمن تدبّره وتأمَّله أنه سحر لا حقيقة له. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13073 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم" ، قال: فمسوه ونظروا إليه، لم يصدِّقوا به.
(1)
انظر تفسير "لمس" فيما سلف 8: 399/ 10: 83.

(2)
انظر تفسير "السحر" فيما سلف 2: 436 - 442.

(3)
انظر تفسير "مبين" فيما سلف 10: 575، تعليق: 3، والمراجع هناك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #596  
قديم 15-07-2025, 01:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (596)
صــ 266 إلى صــ 275





13074 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم" ، يقول: فعاينوه معاينة = "لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبين" .
13075 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم" ، يقول: لو نزلنا من السماء صُحُفًا فيها كتاب فلمسوه بأيديهم، لزادهم ذلك تكذيبًا.
13076- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاس" ، الصحف.
13077- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "في قرطاس" ، يقول: في صحيفة = "فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إنْ هذا إلا سحرٌ مبين" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المكذبون بآياتي، العادلون بي الأندادَ والآلهةَ، يا محمد، لك لو دعوتهم إلى توحيدي والإقرار بربوبيتي، وإذا أتيتهم من الآيات والعبر بما أتيتهم به، واحتججت عليهم بما احتججت عليهم مما قطعتَ به عذرَهم: هَلا نزل عليك ملك من السماء في صورته، (1) يصدّقكَ على ما جئتنا به، ويشهد لك بحقيقة ما تدَّعي من أنَّ الله أرسلك إلينا!
(1)
انظر تفسير "لولا" فيما سلف 2: 552، 553/10: 448 وما سيأتي ص: 343.

كما قال تعالى ذكره مخبرًا عن المشركين في قِيلهم لنبي الله صلى الله عليه وسلم: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [سورة الفرقان: 7] ، = "ولو أنزلنا مَلَكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، يقول: ولو أنزلنا ملكًا على ما سألوا، ثم كفروا ولم يؤمنوا بي وبرسولي، لجاءهم العذابُ عاجلا غيرَ آجل، (1) ولم يُنْظروا فيؤخَّروا بالعقوبة مراجعةَ التوبة، (2) كما فعلت بمن قبلهم من الأمم التي سألت الآيات، ثم كفرت بعد مجيئها، من تعجيل النقمة، وترك الإنظار، كما:-
13078 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، يقول: لجاءهم العذاب.
13079 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، يقول: ولو أنهم أنزلنا إليهم ملكًا، ثم لم يؤمنوا، لم يُنْظَروا.
13080 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "لولا أنزل عليه ملك" في صورته = "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر" ، لقامت الساعة.
13081 - حدثنا ابن وكيع، عن أبيه قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان الثوري، عن عكرمة: "لقضي الأمر" ، قال: لقامت الساعة.
13082- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر" ، قال يقول: لو أنزل الله ملكًا
(1)
انظر تفسير "قضى" فيما سلف 2: 542/4: 195/9: 164.

(2)
انظر تفسير "انظر" فيما سلف 3: 264/6: 577.

ثم لم يؤمنوا، لعجل لهم العذاب.
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
13083- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، أخبرنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قوله: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، قالا لو آتاهم ملك في صورته لماتوا، ثم لم يؤخَّرُوا طرفةَ عينٍ.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلِين بي، القائلين: لولا أنزل على محمّدٍ ملك بتصديقه- ملكًا ينزل عليهم من السماء، يشهد بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرهم باتباعه = "لجعلناه رجلا" ، يقول: لجعلناه في صورة رجل من البشر، لأنهم لا يقدرون أن يروا الملك في صورته. يقول: وإذا كان ذلك كذلك، فسواء أنزلت عليهم بذلك ملكًا أو بشرًا، إذ كنت إذا أنزلت عليهم ملكًا إنما أنزله بصورة إنسيّ، وحججي في كلتا الحالتين عليهم ثابتة: بأنك صادق، وأنّ ما جئتهم به حق.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13084 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "ولو جعلناه"
ملكًا لجعلناه رجلا "، يقول: ما آتاهم إلا في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة."
13085 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" ، في صورة رجل، في خَلْق رجل.
13086 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" ، يقول: لو بعثنا إليهم ملكًا لجعلناه في صورة آدم. (1)
13087 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" ، يقول: في صورة آدمي.
13088 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
13089 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" قال: لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل، لم نرسله في صورة الملائكة.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وللبسنا عليهم" : ولو أنزلنا ملكًا من السماء مصدِّقًا لك، يا محمد، شاهدًا لك عند هؤلاء العادلين بي، الجاحدين آياتِك على حقيقة نبوّتك، فجعلناه في صورة رجل من بني آدم،
(1)
في المطبوعة: "آدمي" ، وأثبت ما في المخطوطة.

إذ كانوا لا يُطيقون رؤية الملك بصورته التي خلقتُه بها= التبس عليهم أمرُه، فلم يدروا أملك هو أمْ إنسيّ! فلم يوقنوا به أنَّه ملك، ولم يصدّقوا به، وقالوا: "ليس هذا ملكًا" ! وللبسنا عليهم ما يلبسونه على أنفسهم من حقيقة أمرك، وصحة برهانك وشاهدك على نبوّتك.
* * *
يقال منه: "لَبَست عليهم الأمر أَلْبِسُه لَبْسًا" ، إذا خلطته عليهم = "ولبست الثوبَ ألبَسُه لُبْسًا" . و "اللَّبوس" ، اسم الثياب. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (2)
13089- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يقول: لشبَّهنا عليهم.
13090 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يقول: ما لبَّس قوم على أنفسهم إلا لَبَّس الله عليهم. واللَّبْس إنما هو من الناس.
13091- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يقول: شبَّهنا عليهم ما يشبِّهون على أنفسهم.
* * *
وقد روي عن ابن عباس في ذلك قول آخر، وهو ما:-
13092 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
(1)
انظر تفسير "اللبس" فيما سلف 1: 567، 568/6: 503 - 505

= وتفسير "اللباس" فيما سلف 1: 567، 568/ 3: 489، 490.
(2)
انظر أثرًا آخر في تفسير هذه الآية فيما سلف رقم: 882 (ج 1: 567) ، لم يذكره في الآثار المفسرة، وهو باب من أبواب اختصاره لتفسيره.

قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، فهم أهل الكتاب، فارقوا دينهم، وكذَّبوا رسلهم، وهو تحريفُ الكلام عن مواضعه.
13093 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يعني: التحريفَ، هم أهل الكتاب، فرقوا كتبهم ودينَهم، وكذَّبوا رسلهم، فلبَّس الله عليهم ما لبَّسوا على أنفسهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن هذه الآيات من أوّل السورة، بأن تكون في أمر المشركين من عبدة الأوثان، أشبهُ منها بأمرِ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بما أغنى عن إعادته. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، مسليًّا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبةَ ما يلقى منهم من أذىَ الاستهزاء به، والاستخفاف في ذات الله: هَوِّنْ عليك، يا محمد، ما أنت لاقٍ من هؤلاء المستهزئين بك، المستخفِّين بحقك فيّ وفي طاعتي، وامضِ لما أمرتك به من الدُّعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيِّهم، وأصَرُّوا على المقام على كفرهم، نسلك بهم سبيلَ أسلافهم من سائر الأمم من غيرهم، من تعجيل النقمة
(1)
انظر ما سلف ص: 254.

لهم، وحلول المَثُلاثِ بهم. فقد استهزأت أمم من قبلك برسلٍ أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك، وفعلوا مثل ما فعل قومُك بك = "فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون" ، يعني بقوله: "فحاق" ، فنزل وأحاط بالذين هزئوا من رسلهم = "ما كانوا به يستهزئون" ، يقول: العذابُ الذي كانوا يهزءون به، وينكرون أن يكون واقعًا بهم على ما أنذرتهم رسلهم.
* * *
يقال منه: "حاق بهم هذا الأمر يَحِيقُ بهم حَيْقًا وحُيُوقًا وحَيَقَانًا" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13094- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فحاق بالذين سخروا منهم" ، من الرسل = "ما كانوا به يستهزئون" ، يقول: وقع بهم العذاب الذي استهزءوا به.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "قل" ، يا محمد = لهؤلاء العادلين بيَ الأوثانَ والأندادَ، المكذِّبين بك، الجاحدين حقيقة ما جئتهم به من عندي= "سيروا في الأرض" ، يقول: جولوا في بلاد المكذِّبين رسلَهم، الجاحدين آياتي مِنْ قبلهم من ضُرَبائهم وأشكالهم من الناس = "ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" ، يقول: ثم انظروا كيف أعقَبَهم تكذيبهم ذلك، الهلاكَ والعطبَ وخزيَ الدنيا وعارَها، وما حَلَّ بهم من سَخَط الله عليهم، من البوار وخراب
الديار وعفوِّ الآثار. فاعتبروا به، إن لم تنهكم حُلُومكم، ولم تزجركم حُجج الله عليكم، عمَّا أنتم [عليه] مقيمون من التكذيب، (1) فاحذروا مثل مصارعهم، واتقوا أن يحلّ بكم مثلُ الذي حلّ بهم.
* * *
وكان قتادة يقول في ذلك بما:-
13095- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" ، دمَّر الله عليهم وأهلكهم، ثم صيَّرهم إلى النار.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمّد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم = "لمن ما في السماوات والأرض" ، يقول: لمن ملك ما في السماوات والأرض؟ ثم أخبرهم أن ذلك لله الذي استعبدَ كل شيء، وقهر كل شيء بملكه وسلطانه = لا للأوثان والأنداد، ولا لما يعبدونه ويتخذونه إلهًا من الأصنام التي لا تملك لأنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضُرًّا.
وقوله: "كتب على نفسه الرحمة" ، يقول: قضى أنَّه بعباده رحيم، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة. (2)
وهذا من الله تعالى ذكره استعطاف للمعرضين عنه إلى الإقبال إليه بالتوبة.
(1)
الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.

(2)
انظر تفسير "كتب" فيما سلف 10: 359، تعليق: 1.

يقول تعالى ذكره: أن هؤلاء العادلين بي، الجاحدين نبوّتك، يا محمد، إن تابوا وأنابوا قبلت توبتهم، وإني قد قضيت في خَلْقي أنّ رحمتي وسعت كل شيء، كالذي:-
13096 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما فرغ الله من الخلق، كتب كتابًا:" إنّ رحمتي سَبَقَتْ غضبي ". (1) "
13097 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: إنّ الله تعالى ذكره لما خلق السماء والأرض، خلق مئة رحمةٍ، كل رحمة ملء ما بين السماء إلى الأرض. فعنده تسع وتسعون رحمةً، وقسم رحمة بين الخلائق. فبها يتعاطفون، وبها تشرب الوَحْش والطير الماءَ. فإذا كان يوم ذلك، (2) قصرها الله على المتقين، وزادهم تسعًا وتسعين. (3)
13098- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن أبي عثمان، عن سلمان، نحوه = إلا أن ابن أبي عدي لم يذكر في حديثه: "وبها تشرب الوحش والطير الماء" . (4)
(1)
الأثر: 13096 - إسناده صحيح. وهو حديث مشهور.

"ذكوان" ، هو "أبو صالح" .
ورواه البخاري (الفتح 13: 325) من طريق أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بغير هذا اللفظ، مطولا.
وانظر تعليق أخي السيد أحمد على المسند رقم: 7297، 7491، 7520.
(2)
في المطبوعة: "فإذا كان يوم القيامة، قصرها" ، وأثبت ما في المخطوطة. وأما سائر المراجع فذكرت ما كان في المطبوعة. والذي في المخطوطة جائز، فإن "ذلك" إشارة إلى معهود معروف، وهو يوم القيامة.

(3)
الأثران: 13097، 13098 - "داود" ، هو "داود بن أبي هند" مضى مرارًا.

و "أبو عثمان" ، هو "أبو عثمان النهدي" : "عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي النهدي" ، تابعي ثقة، أدرك الجاهلية. مترجم في التهذيب.
(4)
الأثران: 13097، 13098 - "داود" ، هو "داود بن أبي هند" مضى مرارًا.

و "أبو عثمان" ، هو "أبو عثمان النهدي" : "عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي النهدي" ، تابعي ثقة، أدرك الجاهلية. مترجم في التهذيب.
13099- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: نجد في التوراة عطفتين: أن الله خلق السماوات والأرض، ثم خلق مئة رحمة = أو: جعل مئة رحمة = قبل أن يخلق الخلق. ثم خلق الخلق، فوضع بينهم رحمة واحدة، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. قال: فبها يتراحمون، وبها يتباذلون، وبها يتعاطفون، وبها يتزاورون، (1) وبها تحنُّ الناقة، وبها تثُوجُ البقرة، (2) وبها تيعر الشاة، (3) وبها تتَّابع الطير، وبها تتَّابع الحيتان في البحر. (4) فإذا كان يوم القيامة، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده. ورحمته أفضل وأوسع.
13100- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان في قوله: "كتب على نفسه الرحمة" ، الآية قال: إنا نجد في التوراة عَطْفتين= ثم ذكر نحوه إلا أنه قال: (5) "وبها تَتَابع الطير، وبها تَتَابع الحيتان في البحر" . (6)
(1)
في المخطوطة، فوق "يتزاورون" ، حرف (ط) ، دلالة على الشك أو الخطأ. ولا أدري ما أراد بذلك، والذي في المخطوطة والمطبوعة، مثله في الدر المنثور.

(2)
في المطبوعة: "تنئج البقرة" ، وفي الدر المنثور: "تنتج البقرة" ، وهو خطأ.

والذي في المطبوعة، صواب في المعنى. يقال: "نأج الثور ينئج" ، إذا صاح. وأما الذي في المخطوطة، فهو صواب أيضًا، ولذلك أثبته، يقال: "ثاجت البقرة تثاج وتثوج، ثوجًا وثواجًا" : صوتت. قال صاحب اللسان: "وقد يهمز، وهو أعرف. إلا أن ابن دريد قال: ترك الهمز أعلى" .
(3)
"يعرت الشاة تيعر يعارًا" : صاحت.

(4)
أنا في شك في قوله "تتابع الطير" و "تتابع الحيتان" ، ولكن هكذا هو المطبوعة والمخطوطة، وهو معنى شبيه بالاستقامة. وانظر التعليق التالي.

(5)
في المطبوعة: "إلا أنه ما قال" ، زاد "ما" ، لأنه استشكل عليه الكلام، فإن الذي قاله في هذا الخبر، هو الذي قاله في الخبر السالف. والظاهر والله أعلم أن الأولى كما ضبطتها هناك "تتابع" (بفتح ثم تاء مفتوحة مشددة) وأن هذه الثانية "تتابع" (بفتح التاء الثانية غير مشددة) على حذف إحدى التاءات الثلاث.

(6)
الأثران: 13099، 13100 - خرجهما السيوطي في الدر المنثور 3: 6، وقال: "أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سلمان. . ." ، وساق الخبر.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #597  
قديم 15-07-2025, 01:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (597)
صــ 276 إلى صــ 285





13101 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال ابن طاوس، عن أبيه: إن الله تعالى ذكره لما خلق الخلق، لم يعطف شيء على شيء، حتى خلق مئة رحمة، فوضع بينهم رحمة واحدة، فعطف بعضُ الخلق على بعض.
13102- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، بمثله.
13103 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، وأخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، حسبته أسنده قال: إذا فرغ الله عز وجلّ من القضاء بين خلقه، أخرج كتابًا من تحت العرش فيه: "إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين" ، قال: فيخرج من النار مثل أهل الجنة = أو قال: "مِثلا أهل الجنة" ، ولا أعلمه إلا قال: "مثلا" ، وأما "مثل" فلا أشك = مكتوبًا ها هنا، وأشار الحكم إلى نحره، "عتقاء الله" ، فقال رجل لعكرمة: يا أبا عبد الله، فإن الله يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [سورة المائدة: 37] ؟ قال: ويلك! أولئك أهلها الذين هم أهلها.
13104- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، حسبت أنه أسنده قال: إذا كان يوم القيامة، أخرج الله كتابًا من تحت العرش = ثم ذكر نحوه، غير أنه قال: فقال رجل: يا أبا عبد الله، أرأيت قوله: "يريدون أن يخرجوا من النار" ؟ = وسائر الحديث مثل حديث ابن عبد الأعلى.
13105- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما"
قضى الله الخلق، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: "إنّ رحمتي سبقت غضبي" . (1)
13106 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو: أنه كان يقول: إن لله مئة رحمة، فأهبط رحمةً إلى أهل الدنيا، يتراحم بها الجن والإنس، وطائر السماء، وحيتان الماء، ودوابّ الأرض وهوامّها. وما بين الهواء. واختزن عنده تسعًا وتسعين رحمة، حتى إذا كان يوم القيامة، اختلج الرحمةَ التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا، (2) فحواها إلى ما عنده، فجعلها في قلوب أهل الجنة، وعلى أهل الجنة. (3)
13107 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال عبد الله بن عمرو: إن لله مئة رحمة، أهبط منها إلى الأرض رحمة واحدة، يتراحم بها الجنّ والإنس، والطير والبهائم وهوامُّ الأرض.
13108 - حدثنا محمد بن عوف قال، أخبرنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج قال، حدثنا صفوان بن عمرو قال، حدثني أبو المخارق زهير بن سالم قال، قال عمر لكعب: ما أوَّل شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتابًا لم يكتبه بقلم ولا مداد، ولكنه كتب بأصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت (4) "أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي" . (5)
* * *
(1)
الأثر: 13105 - رواه أحمد في مسنده بهذا الإسناد رقم: 8112، ولفظه: "غلبت غضبي" . وانظر تعليق أخي السيد أحمد عليه هناك. وانظر التعليق على الأثر السالف رقم: 13096.

(2)
"اختلج الشيء" : جذبه وانتزعه.

(3)
الأثر: 13106 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ.

(4)
هكذا في المطبوعة، وفي الدر المنثور، "يتلوها" ، وهي في المخطوطة كذلك، إلا أنها غير منقوطة، وأنا في ريب من أمر هذا الحرف، أخشى أن يكون محرفًا عن شيء آخر لم أتبينه، وإن كان المعنى مستقيما على ضعف فيه.

(5)
الأثر: 13108 - "محمد بن عوف بن سفيان الطائي" ، شيخ الطبري مضى، برقم: 5445، 12194.

و "أبو المغيرة" : عبد القدوس بن الحجاج الخولاني "، مضى برقم: 10371، 12194."
و "صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي" ، مضى برقم: 7009، 12807.
و "أبو المخارق" : "زهير بن سالم العنسي" . ذكره ابن حبان في الثقات، "روى له أبو داود وابن ماجه حديثًا واحدًا" . وقال الدارقطني: "حمصي، منكر الحديث" ، مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/390، وابن أبي حاتم 1/2/587، وميزان الاعتدال 1: 353.
وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6، ولم ينسبه لغير ابن جرير. وهو خبر كما ترى، عن كعب الأحبار، مشوب بما كان من دأبه في ذكر الإسرائليات.

القول في تأويل قوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ}
قال أبو جعفر: وهذه "اللام" التي في قوله: "ليجمعنكم" ، لام قسم.
* * *
ثم اختلف أهل العربية في جالبها، فكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلت "الرحمة" غاية كلام، ثم استأنفت بعدها: "ليجمعنكم" . قال: وإن شئت جعلتَه في موضع نصب = يعني: كتب ليجمعنكم = كما قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ [سورة الأنعام: 54] ، يريد: كتب أنه من عمل منكم = قال: والعرب تقول في الحروف التي يصلح معها جوابُ كلام الأيمان ب "أن" المفتوحة وب "اللام" ، (1) فيقولون: "أرسلت إليه أن يقوم" ، "وأرسلت إليه ليقومن" . قال: وكذلك قوله: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، [سورة يوسف: 35] . قال: وهو في القرآن كثير. ألا ترى أنك لو قلت: "بدا لهم أن يسجنوه" ، لكان صوابًا؟ (2)
(1)
هكذا في المطبوعة والمخطوطة، وهو في معاني القرآن "جواب الأيمان" ، وهو الأجود.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 328. وهذا نص كلامه.

وكان بعض نحويي البصرة يقول: نصبت "لام" "ليجمعنكم" ، لأن معنى: "كتب" [: فرضَ، وأوجب، وهو بمعنى القسم] ، (1) كأنه قال: والله ليجمعنكم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن يكون قوله: "كتب على نفسه الرحمة" ، غايةً، وأن يكون قوله: "ليجمعنكم" ، خبرًا مبتدأ = ويكون معنى الكلام حينئذ: ليجمعنكم الله، أيها العادلون بالله، ليوم القيامة الذي لا ريب فيه، لينتقم منكم بكفركم به.
وإنما قلت: هذا القول أولى بالصواب من إعمال "كتب" في "ليجمعنكم" ، لأن قوله: "كتب" قد عمل في الرحمة، فغير جائز، وقد عمل في "الرحمة" ، أن يعمل في "ليجمعنكم" ، لأنه لا يتعدَّى إلى اثنين.
* * *
فإن قال قائل: فما أنت قائل في قراءة من قرأ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ، [سورة الأنعام: 54] بفتح "أنّ" ؟
قيل: إن ذلك إذ قرئ كذلك، فإن "أنّ" بيانٌ عن "الرحمة" ، وترجمة عنها. لأن معنى الكلام: كتب على نفسه الرحمة أن يرحم [من تاب] من عباده بعد اقتراف السوء بجهالة ويعفو، (2) و "الرحمة" ، يترجم عنها ويبيَّن معناها بصفتها. وليس من صفة الرحمة "ليجمعنكم إلى يوم القيامة" ، فيكون مبينًا به عنها. فإذ كان ذلك كذلك، فلم يبق إلا أن تنصب بنية تكرير "كتب" مرة أخرى معه، ولا ضرورة بالكلام إلى ذلك، فيوجَّه إلى ما ليس بموجود في ظاهره.
(1)
الزيادة التي بين القوسين، استظهرتها من سياق التفسير، ليستقيم الكلام. وهي ساقطة من المخطوطة والمطبوعة.

(2)
هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام، استظهرتها من معنى الآية. وانظر ما سيأتي في تفسيرها ص: 392، 393.

وأما تأويل قوله: "لا ريب فيه" ، فإنه لا شك فيه، (1) يقول: في أنّ الله يجمعكم إلى يوم القيامة، فيحشركم إليه جميعًا، ثم يؤتى كلَّ عامل منكم أجرَ ما عمل من حسن أو سيئ.
* * *
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، العادلين به الأوثانَ والأصنامَ. يقول تعالى ذكره: ليجمعن الله = "الذين خسروا أنفسهم" ، يقول: الذين أهلكوا أنفسهم وغبنوها بادعائهم لله الندَّ والعَدِيل، فأوبقوها بإستيجابهم سَخَط الله وأليم عقابه في المعاد. (2)
* * *
وأصل "الخسار" ، الغُبْنُ. يقال منه ": خسر الرجل في البيع" ، إذا غبن، كما قال الأعشى:
لا يَأخُذُ الرِّشْوَةَ فِي حُكْمِهِ ... وَلا يُبَالِي خَسَرَ الخَاسِر (3)
(1)
انظر تفسير "الريب" فيما سلف 8: 592، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة "بإيجابهم سخط الله" وهو لا يستقيم صوابه ما أثبت.

(3)
ديوانه: 105، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 187. وهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة "خسر الخاسر" ، ورواية ديوانه وغيره: "غَبَنَ الْخَاسِر" بتحريك الباء بالفتح. والذي نص عليه أصحاب اللغة أن "الغبن" بفتح وسكون، في البيع، وأن "الغبن" (بفتحتين) في الرأي، وهو ضعفه. فكأن ما جاء في رواية ديوان الأعشى، ضرورة، حركت الباء وهي ساكنة إلى الفتح. وأما رواية أبي جعفر، فهي على الصواب يقال: "خسر خسرًا (بفتح فسكون) ، وخسرًا (بفتحتين) ."

وهذا البيت من قصيدته في هجاء علقمة بن علاثة ومدح عامر بن الطفيل، ذكرت خبرها في أبيات سلفت منها 1: 474/2: 131/5: 477، 478. وقبل البيت: حَكَّمْتُمُونِي، فَقَضَى بَيْنَكُمْ ... أَبْلَجُ مِثْلُ القَمَرِ البَاهِرِ
وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (1)
* * *
وموضوع "الذين" في قوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، نصبٌ على الرد على "الكاف والميم" في قوله: "ليجمعنكم" ، على وجه البيان عنها. وذلك أنّ الذين خسروا أنفسهم، هم الذين خوطبوا بقوله: "ليجمعنّكم" .
* * *
وقوله: "فهم لا يؤمنون" ، يقول: "فهم" ، لإهلاكهم أنفسهم وغَبْنهم إياه حظَّها = "لا يؤمنون" ، أي لا يوحِّدون الله، ولا يصدِّقون بوعده ووعيده، ولا يقرُّون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا يؤمن هؤلاء العادلون بالله الأوثانَ، فيخلصوا له التوحيد، ويُفْرِدوا له الطاعة، ويقرّوا بالألوهية، جهلا = "وله ما سكن في الليل والنهار" ، يقول: وله ملك كل شيء، لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكنٌ في الليل والنهار. فمعلوم بذلك أن معناه ما وصفنا= "وهو السميع" ، يقول: وهو السميع ما يقول هؤلاء المشركون فيه، من ادّعائهم له شريكًا، وما يقول غيرهم من خلقه (2) = "العليم" ، بما يضمرونه في أنفسهم، وما يظهارونه بجوارحهم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فهو يحصيه عليهم، ليوفّي كل
(1)
انظر تفسير "الخسار" فيما سلف 10: 409، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة: "من خلاف ذلك" ، غير ما في المخطوطة بسوء رأيه.

إنسان ثوابَ ما اكتسبَ، وجزاء ما عمل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "سكن" ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13109 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وله ما سكن في الليل والنهار" ، يقول: ما استقرَّ في الليل والنهار.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثانَ والأصنامَ، والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك، الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان: أشيئًا غيرَ الله تعالى ذكره: "أتخذ وليًّا" ، أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث، (1) كما:-
13110 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قل أغير الله اتخذ وليًّا" ، قال: أما "الولي" ، فالذي يتولَّونه ويقرّون له بالربوبية.
* * *
= "فاطر السماوات والأرض" ، يقول: أشيئًا غير الله فاطر السماوات والأرض أتخذ وليًّا؟ ف "فاطر السماوات" ، من نعت "الله" وصفته، ولذلك خُفِض. (2)
(1)
انظر تفسير "الولي" فيما سلف 10: 424، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 328، 329.

ويعني بقوله: "فاطر السماوات والأرض" ، مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما، كالذي:-
13111 - حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما "فاطر السماوات والأرض" ، حتى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: "أنا فَطَرتها" ، يقول: أنا ابتدأتها.
13112 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فاطر السماوات والأرض" ، قال: خالق السماوات والأرض.
13113 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فاطر السماوات والأرض" ، قال: خالق السماوات والأرض.
* * *
يقال من ذلك: "فطرها الله يَفطُرُها وَيفطِرها فَطرًا وفطورًا" (1) = ومنه قوله: هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [سورة الملك: 3] ، يعني: شقوقًا وصدوعًا. يقال: "سيف فُطارٌ" ، إذا كثر فيه التشقق، وهو عيب فيه، ومنه قول عنترة:
وَسَيْفِي كَالْعَقِيقَةِ فَهْوَ كِمْعِي، ... سِلاحِي، لا أَفَلَّ وَلا فُطَارَا (2)
(1)
هذه العبارة عن معنى "فطر" ، فاسدة جدًا، ولا شك عندي في أن الكلام قد سقط منه شيء، فتركته على حاله، مخافة أن يكون في نص أبي جعفر شيء لم تقيده كتب اللغة. ومن شاء أن يستوفي ذلك، فليراجع كتب اللغة.

(2)
ديوانه، في أشعار الستة الجاهلين: 384، وأمالي ابن الشجري 1: 19، واللسان (فطر) (عقق) (كمع) (فلل) ، من أبياته التي قالها وتهدد بها عمارة بن زياد العبسي، وكان يحسد عنترة على شجاعته، ويظهر تحقيره، ويقول لقومه بني عبس: "إنكم قد أكثرتم من ذكره، ولوددت أني لقيته خاليا حتى أريحكم منه، وحتى أعلمكم أنه عبد" ! فقال عنترة: أحَوْلِي تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْرَوَيهَا ... لِتَقْتُلَنِي? فَهَا أنَا ذَا، عُمَارَا!

مَتَى ما تَلْقَنِى خِلْوَينَ، تَرْجُفْ ... رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وتُسْتَطَارَا
وَسَيْفِي صَارِمٌ قَبَضَتْ عَلَيْهِ ... أشَاجِعُ لا تَرَى فِيهَا انْتِشَارَا
وسَيْفِي كالعَقِيقِة. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و "العقيقة" : شقة البرق، وهو ما انعق منه، أي: تشقق. و "الكمع" و "الكميع" الضجيع. و "الأفل" : الذي قد أصابه الفل، وهو الثلم في حده.
ومنه يقال: "فَطَر ناب الجمل" ، إذا تشقق اللحم فخرج، ومنه قوله: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ [سورة الشورى: 5] ، أي: يتشققن، ويتصدعن.
* * *
وأما قوله: "وهو يطعم ولا يطعم" ، فإنه يعني: وهو يرزق خلقه ولا يرزق، كما:-
13114 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهو يطعم ولا يطعم" ، قال: يَرْزق، ولا يُرزق.
* * *
وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: (1) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يَطْعَمُ) ، أي: أنه يُطعم خلقه، ولا يأكل هو = ولا معنى لذلك، لقلة القراءة به.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "أنه كان يقول ذلك" ، وهو خلط شديد، صواب قراءته ما أثبت. وهذه القراء التالية، ذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات: 36، ونسبها إلى الأعمش، وذكرها أبو حيان في تفسيره 4: 85، 86، ونسبها أيضًا إلى مجاهد وابن جبير، وأبي حيوة، وعمرو بن عبيد، وأبي عمرو، في رواية عنه.

القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله، ويحثّونك على عبادتها: أغير الله فاطر السماوات والأرض، وهو يرزقني وغيري ولا يرزقه أحد، أتخذ وليًّا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضًا: إني أمرني ربي: "أن أكون أول من أسلم" يقول: أوّل من خضع له بالعبودية، وتذلّل لأمره ونهيه، وانقاد له من أهل دهرِي وزماني = "ولا تكوننَّ من المشركين" ، يقول: وقل: وقيل لي: لا تكونن من المشركين بالله، الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء.
= وجعل قوله: "أمرت" بدلا من: "قيل لي" ، لأن قوله "أمرت" معناه: "قيل لي" . فكأنه قيل: قل إني قيل لي: كن أول من أسلم، ولا تكونن من المشركين= فاجتزئ بذكر "الأمر" من ذكر "القول" ، إذ كان "الأمر" ، معلومًا أنه "قول" .
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين العادلين بالله، الذين يدعونك إلى عبادة أوثانهم: إنّ ربي نهاني عن عبادة شيء سواه = "وإني أخاف إن عصيت ربي" ، فعبدتها = "عذاب يوم عظيم" ، يعني: عذاب يوم القيامة. ووصفه تعالى ب "العظم" لعظم هَوْله، وفظاعة شأنه.
* * *




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #598  
قديم 15-07-2025, 01:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (598)
صــ 286 إلى صــ 295






القول في تأويل قوله: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) }
قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ، بضم "الياء" وفتح "الراء" ، بمعنى: من يُصرف عنه العذاب يومئذ.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: (مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ) ، بفتح "الياء" وكسر "الراء" ، بمعنى: من يصرف الله عنه العذاب يومئذ.
* * *
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي، قراءة من قرأه: (يَصْرِفْ عَنْهُ) ، بفتح "الياء" وكسر "الراء" ، لدلالة قوله: "فقد رحمه" على صحة ذلك، وأنّ القراءة فيه بتسمية فاعله. ولو كانت القراءة في قوله: "من يصرف" ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، كان الوجه في قوله: "فقد رحمه" أن يقال: "فقد رُحِم" غير مسمى فاعله. وفي تسمية الفاعل في قوله: "فقد رحمه" ، دليل بيِّن على أن ذلك كذلك في قوله: "من يَصرف عنه" .
* * *
وإذا كان ذلك هو الوجه الأولَى بالقراءة، فتأويل الكلام: منْ يصرف عنه من خلقه يومئذ عذابه فقد رحمه = "وذلك هو الفوز المبين" ، ويعني بقوله: "وذلك" ، وصرفُ الله عنه العذاب يوم القيامة، ورحمته إياه = "الفوز" ، أي: النجاة من الهلكة، والظفر بالطلبة (1) = "المبين" ، يعني الذي بيَّن لمن رآه أنه الظفر بالحاجة وإدراك الطَّلِبة. (2)
(1)
انظر تفسير "الفوز" فيما سلف ص: 245، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "مبين" فيما سلف ص: 265، تعليق 3، والمراجع هناك.

وبنحو الذي قلنا في قوله: "من يصرف عنه يومئذ" قال أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
13115 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله "من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه" ، قال: من يصرف عنه العذاب.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن يصبك الله (1) = "بضر" ، يقول: بشدة في دنياك، وشظَف في عيشك وضيق فيه، (2) فلن يكشف ذلك عنك إلا الله الذي أمرك أن تكون أوّل من أسلم لأمره ونهيه، وأذعن له من أهل زمانك، دون ما يدعوك العادلون به إلى عبادته من الأوثان والأصنام، ودون كل شيء سواها من خلقه = "وإن يمسسك بخير" ، يقول: وإن يصبك بخير، أي: برخاء في عيش، وسعة في الرزق، وكثرة في المال، فتقرّ أنه أصابك بذلك = "فهو على كل شيء قدير" ، يقول تعالى ذكره: والله الذي أصابك بذلك، فهو على كل شيء قدير (3) هو القادر على نفعك وضرِّك، وهو على كل شيء يريده قادر، لا يعجزه شيء يريده، ولا يمتنع منه شيء طلبه، ليس كالآلهة الذليلة المَهينة التي لا تقدر على اجتلاب نفع على أنفسها ولا غيرها، ولا دفع ضر عنها ولا غيرها. يقول تعالى ذكره: فكيف
(1)
انظر تفسير "المس" فيما سلف 10: 482، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الضر" فيما سلف 7: 157/10: 334.

(3)
انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر) .

تعبد من كان هكذا، أم كيف لا تخلص العبادة، وتقرُّ لمن كان بيده الضر والنفع، والثواب والعقاب، وله القدرة الكاملة، والعزة الظاهرة؟
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وهو" ، نفسَه، يقول: والله الظاهر فوق عباده (1) = ويعني بقوله: "القاهر" ، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنما قال: "فوق عباده" ، لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم. ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه.
فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عبادَه، المذلِّلهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه = "وهو الحكيم" ، يقول: والله الحكيم في علِّوه على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره (2) = "الخبير" ، بمصالح الأشياء ومضارِّها، الذي لا يخفي عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دَخَل. (3)
* * *
(1)
في المطبوعة: "والله القاهر" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب في التفسير.

(2)
انظر تفسير "الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) .

(3)
انظر تفسير (الخبير "فيما سلف من فهارس اللغة (خبر) ."

القول في تأويل قوله: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يكذّبون ويجحدون نبوَّتك من قومك: أيُّ شيء أعظم شهادة وأكبر؟ ثم أخبرهم بأن أكبر الأشياء شهادة: "الله" ، الذي لا يجوز أن يقع في شهادته ما يجوز أن يقع في [شهادة] غيره من خلقه من السهو والخطأ، والغلط والكذب. (1) ثم قل لهم: إن الذي هو أكبر الأشياء شهادة، شهيدٌ بيني وبينكم، بالمحقِّ منا من المبطل، والرشيد منا في فعله وقوله من السفيه، وقد رضينا به حكمًا بيننا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
13116 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "أيّ شيء أكبر شهادة" ، قال: أمر محمد أن يسأل قريشًا، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: "الله شهيد بيني وبينكم" .
13117- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
* * *
(1)
الزيادة بين القوسين لا بد منها للسياق.

القول في تأويل قوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الذين يكذبونك: "الله شهيد بيني وبينكم" = "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" عقابَه، وأُنذر به من بَلَغه من سائر الناس غيركم = إن لم ينته إلى العمل بما فيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، والإيمان بجميعه = نزولَ نقمة الله به. (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
13118 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أيّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا أيها الناس، بلِّغوا ولو آية من كتاب الله، فإنه من بَلَغه آيةٌ من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله، أخذه أو تركه. (2)
13119- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لأنذركم به ومن بلغ" ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلِّغوا عن الله، فمن بلغه آيه من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله.
13120 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي
(1)
قوله: "نزول" منصوب، مفعول به لقوله قبله: "وأنذر به من بلغه" . = وانظر تفسير "الوحي" فيما سلف ص: 217، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
في المخطوطة: "أخذه أو تاركه" ، وجائر أن تقرأ: "آخذه أو تاركه" .

= عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: "لأنذركم به ومن بلغ" ، قال: من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: "ومن بلغ أئنكم لتشهدون" .
13121 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح قال: سألت ليثًا: هل بقي أحدٌ لم تبلغه الدعوة؟ قال: كان مجاهد يقول: حيثما يأتي القرآنُ فهو داعٍ، وهو نذير. ثم قرأ: "لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون" .
13122 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ومن بلغ" ، من أسلم من العجم وغيرهم.
13123- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13124- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن يزيد قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب في قوله: "لأنذركم به ومن بلغ" ، قال: من بلغه القرآن، فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم.
13125 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" ، يعني أهل مكة = "ومن بلغ" ، يعني: ومن بلغه هذا القرآن، فهو له نذير.
13126- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: سمعت سفيان الثوري يحدّث، لا أعلمه إلا عن مجاهد: أنه قال في قوله: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" ، العرب = "ومن بلغ" ، العجم.
13127 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: "لأنذركم به ومن بلغ" ، أما "من بلغ" ، فمن بلغه القرآن فهو له نذير.
13128 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" ، قال يقول: من بلغه القرآن فأنا نذيره. وقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف: 158] . قال: فمن بلغه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نذيره.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى هذا الكلام: لأنذركم بالقرآن، أيها المشركون، وأنذر من بلغه القرآن من الناس كلهم.
* * *
ف "من" في موضع نصب بوقوع "أنذر" عليه، "وبلغ" في صلته، وأسقطت "الهاء" العائدة على "من" في قوله: "بلغ" ، لاستعمال العرب ذلك في صلات "مَن" و "ما" و "الذي" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين، الجاحدين نبوَّتك، العادلين بالله، ربًّا غيره: "أئنكم" ، أيها المشركون = "لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى" ، يقول: تشهدون أنّ معه معبودات غيره من الأوثانَ والأصنام.
* * *
وقال: "أُخْرَى" ، ولم يقل "أخَر" ، و "الآلهة" جمع، لأن الجموع يلحقها،
(1)
انظر معاني القرآن 1: 329.

التأنيث، (1) كما قال تعالى: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى [سورة طه: 51] ، ولم يقل: "الأوَل" ولا "الأوَّلين" . (2)
* * *
ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد = "لا أشهد" ، بما تشهدون: أن مع الله آلهة أخرى، بل أجحد ذلك وأنكره = "قل إنما هو إله واحد" ، يقول: إنما هو معبود واحد، لا شريك له فيما يستوجب على خلقه من العبادة = "وإنني برئ مما تشركون" ، يقول: قل: وإنني بريء من كلّ شريك تدعونه لله، وتضيفونه إلى شركته، وتعبدونه معه، لا أعبد سوى الله شيئًا، ولا أدعو غيره إلهًا.
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود بأعيانهم، من وجه لم تثبت صحته، وذلك ما:-
13129 - حدثنا به هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال، جاء النحَّام بن زيد، وقردم بن كعب، وبحريّ بن عمير فقالوا: يا محمد، ما تعلم مع الله إلهًا غيرَه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، بذلك بعثت، وإلى ذلك أدعو! فأنزل الله تعالى فيهم وفي قولهم: "قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم" إلى قوله: "لا يؤمنون" . (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "أخرى" فيما سلف 3: 459/6: 173.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 329.

(3)
الأثر: 13129 - سيرة ابن هشام 2: 217، وهو تابع الأثر السالف رقم: 12284.هذا، وقد مر هذا الإسناد مئات من المرات، وهو إسناد أبي جعفر إلى ابن إسحق، ثم من ابن إسحق إلى ابن عباس، وهذه أول مرة يذكر أبو جعفر أن هذا الإسناد لم تثبت صحته عنده، كما قدم قبل ذكره.

القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين "آتيناهم الكتاب" ، التوراة والإنجيل = يعرفون أنما هو إله واحد =، لا جماعة الآلهة، وأن محمدًا نبيُّ مبعوث = "كما يعرفون أبناءهم" .
وقوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، من نعت "الذين" الأولى.
* * *
ويعنى بقوله: "خسروا أنفسهم" ، أهلكوها وألقوها في نار جهنم، بإنكارهم محمدًا أنه لله رسول مرسل، وهم بحقيقة ذلك عارفون (1) = "فهم لا يؤمنون" ، يقول: فهم بخسارتهم بذلك أنفسهم لا يؤمنون.
* * *
وقد قيل: إنّ معنى "خسارتهم أنفسهم" ، أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازلَ أهل النار في الجنة، وجعل لأهل النار منازلَ أهل الجنة في النار، فذلك خسران الخاسرين منهم، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار، بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله، وظلمهم أنفسهم، وذلك معنى قول الله تعالى ذكره: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، [سورة المؤمنون: 11] . (2)
* * *
(1)
انظر تفسير "خسر" فيما سلف قريبًا ص: 281، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 329، 230.

وبنحو ما قلنا في معنى قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" قال أهل التأويل. (1)
* ذكر من قال ذلك:
13130 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، يعرفون أنّ الإسلام دين الله، وأن محمدًا رسول الله، يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.
13131- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، النصارى واليهود، يعرفون رسول الله في كتابهم، كما يعرفون أبناءهم.
13132 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، [يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: (2) = "كما يعرفون أبناءهم" ، لأن نَعْته معهم في التوراة] .
13133- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. قال: زعم أهل المدينة عن أهل الكتاب ممن أسلم، أنهم قالوا: والله لنحن أعرف به من أبنائنا، من أجل الصفة والنعت الذي نجده
(1)
انظر تأويل نظيرة هذه الآية فيما سلف 3: 187، 188، [سورة: البقرة 146] .

(2)
الأثر: 13132 - هذا الأثر مبتور في المطبوعة والمخطوطة، والزيادة بين القوسين من الدر المنثور 3: 8، من تفسير السدي، من رواية أبي الشيخ، والظاهر أن هذا النقص قديم في نسخ تفسير أبي جعفر، وأن نسخة السيوطي، كانت مبتورة هنا أيضًا، ولذلك لم ينسب هذا الأثر إلا إلى أبي الشيخ وحده، دون ابن جرير.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #599  
قديم 15-07-2025, 01:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (599)
صــ 296 إلى صــ 305






في الكتاب، وأما أبناؤنا فلا ندري ما أحدثَ النساء! (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن أشدُّ اعتداءً، وأخطأ فعلا وأخطأ قولا = "ممن افترى على الله كذبًا" ، يعني: ممن اختلق على الله قيلَ باطل، (2) واخترق من نفسه عليه كذبًا، (3) فزعم أن له شريكًا من خلقه، وإلهًا يعبد من دونه - كما قاله المشركون من عبدة الأوثان - أو ادعى له ولدًا أو صاحبةً، كما قالته النصارى = "أو كذب بآياته" ، يقول: أو كذب بحججه وأعلامه وأدلته التي أعطاها رسله على حقيقة نبوتهم، كذّبت بها اليهود (4) = "إنه لا يفلح الظالمون" ، يقول: إنه لا يفلح القائلون على الله الباطل، ولا يدركون البقاءَ في الجنان، والمفترون عليه الكذب، والجاحدون بنبوة أنبيائه. (5)
* * *
(1)
يعني: لا يدرون أسلم لهم أبناؤهم من أصلابهم، أم خالطهم سفاح من سفاحهن! وانظر رواية ذلك في خبر عمر بن الخطاب، وسؤاله عبد الله بن سلام، والله أعلم بصحيح ذلك = في معاني القرآن للفراء 1: 329.

(2)
انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف ص: 136، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
"اخترق" و "اختلق" و "افترى" : ابتدع الكذب، وفي التنزيل: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون" (الأنعام: 100) .

(4)
انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

(5)
انظر تفسير "الفلاح" فيما سلف ص: 97، تعليق: 2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المفترين على الله كذبًا، والمكذبين بآياته، لا يفلحون اليومَ في الدنيا، ولا يوم نحشرهم جميعًا- يعني: ولا في الآخرة.
ففي الكلام محذوف قد استغني بذكر ما ظَهر عما حذف.
* * *
وتأويل الكلام: إنه لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا، "ويوم نحشرهم جميعًا" ، فقوله: "ويوم نحشرهم" ، مردود على المراد في الكلام. لأنه وإن كان محذوفًا منه، فكأنه فيه، لمعرفة السامعين بمعناه = "ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم" ، يقول: ثم نقول، إذا حشرنا هؤلاء المفترين على الله الكذب، بادِّعائهم له في سلطانه شريكًا، والمكذِّبين بآياته ورسله، فجمعنا جميعهم يوم القيامة (1) = "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" ، أنهم لكم آلهة من دون الله، افتراء وكذبًا، وتدعونهم من دونه أربابًا؟ فأتوا بهم إن كنتم صادقين!
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم: "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" ؟ = إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك، إذ فتناهم فاختبرناهم، (2)
(1)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص: 89، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسيره "الفتنة" فيما سلف 10: 478، تعليق: 2، والمراجع هناك.

"إلا أن قالوا والله ربّنا ما كنا مشركين" ، كذبًا منهم في أيمانهم على قِيلهم ذلك.
* * *
ثم اختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته جماعة من قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) بالتاء، بالنصب، (1) بمعنى: لم يكن اختبارَناهم لهم إلا قيلُهم (2) "والله ربنا ما كنا مشركين" = غير أنهم يقرءون "تكن" بالتاء على التأنيث. وإن كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. (3) وذلك عند أهل العربية شاذٌ غير فصيح في الكلام. وقد روي بيتٌ للبيد بنحو ذلك، وهو قوله:
فَمَضَى وَقَدَّمَهَا، وكانت عادةً ... مِنْهُ إذا هيَ عَرَّدَتْ إقْدَامُهَا (4)
فقال: "وكانت" بتأنيث "الإقدام" ، لمجاورته قوله: "عادة" .
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفيين: (ثُمَّ لَمْ يَكُنْ) بالياء، (فِتْنَتَهُمْ) بالنصب، (إلا أَنْ قَالُوا) ، بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم.
غير أنهم ذكَّروا "يكون" لتذكير "أن" . (5)
قال أبو جعفر: وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب، لأن "أنْ" أثبت في المعرفة من "الفتنة" . (6)
* * *
(1)
في المطبوعة، حذف قوله: "بالتاء" ، لغير طائل.

(2)
في المطبوعة: "اختبارنا لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو فصيح العربية.

(3)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188.

(4)
من معلقته الباهرة. وانظر ما قاله ابن الشجري في الآية والبيت في أماليه 1: 130.

والضمير في قوله: "فمضى" إلى حمار الوحش، وفي قوله: "وقدمها" إلى أتنه التي يسوقها إلى الماء.
و "عردت" : فرت، وعدلت عن الطريق التي وجهها إليها. وشعر لبيد لا يفصل بعضه عن بعض في هذه القصيدة، فلذلك لم أذكر ما قبله وما بعده. فراجع معلقته.
(5)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188.

(6)
أغفل أبو جعفر قراءة الرقع في "فتنتهم" ، وهي قراءتنا في مصحفنا، قراءة حفص. وأنا أرجح أن أبا جعفر أغفلها متعمدًا، وقد استوفى الكلام في هذه الآية ونظائرها فيما سلف 7: 273-275. وانظر تفسير أبي حيان 4: 95.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ثم لم تكن فتنتهم" .
فقال بعضهم: معناه: ثم لم يكن قولهم.
* ذكر من قال ذلك:
13134 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال قتادة في قوله: "ثم لم تكن فتنتهم" ، قال: مقالتهم = قال معمر: وسمعت غير قتادة يقول: معذرتهم.
13135 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: "ثم لم تكن فتنتهم" ، قال: قولهم.
13136- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبى، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا" ، الآية، فهو كلامهم = "قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" .
13137 - حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك: "ثم لم تكن فتنتهم" ، يعني: كلامهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: معذرتهم.
* ذكر من قال ذلك:
13138 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة: "ثم لم تكن فتنتهم" ، قال: معذرتهم.
13139- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" ، يقول: اعتذارهم بالباطل والكذب.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: معناه: ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم، اعتذارًا مما سلف منهم من الشرك بالله = "إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" ، فوضعت "الفتنة" موضع "القول" ، لمعرفة السامعين معنى الكلام. = وإنما "الفتنة" ، الاختبار والابتلاء (1) = ولكن لما كان الجواب من القوم غيرَ واقع هنالك إلا عند الاختبار، وضعت "الفتنة" التي هي الاختبار، موضع الخبر عن جوابهم ومعذرتهم.
* * *
واختلفت القرأة أيضًا في قراءة قوله: "إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: وَاللَّهِ رَبِّنَا، خفضًا، على أن "الرب" نعت لله.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من التابعين: (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بالنصب، بمعنى: والله يا ربنا. وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ: (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بنصب "الرب" ، بمعنى: يا ربَّنا. وذلك أن هذا جواب من المسئولين المقول لهم: "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" ؟ وكان من جواب القوم لربهم: والله يا ربنا ما كنا مشركين = فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك في الدنيا. يقول الله تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ.
* * *
(1)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف قريبًا ص 297، رقم: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 330.

ويعني بقوله: "ما كنا مشركين" ، ما كنا ندعو لك شريكًا، ولا ندعو سواك. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر، يا محمد، فاعلم، كيف كذَب هؤلاء المشركون العادلون بربهم الأوثانَ والأصنامَ، في الآخرة عند لقاء الله = على أنفسهم بقيلهم: "والله يا ربنا ما كنا مشركين" ، واستعملوا هنالك الأخلاق التي كانوا بها يتخلّقون في الدنيا، (2) من الكذب والفرية.
* * *
ومعنى "النظر" في هذا الموضع، النظر بالقلب، لا النظر بالبصر. وإنما معناه: تبين فاعلم كيف كذبوا في الآخرة.
* * *
وقال: "كذبوا" ، ومعناه: يكذبون، لأنه لما كان الخبر قد مضى في الآية قبلها، صار كالشيء الذي قد كانَ ووُجد.
* * *
= "وضل عنهم ما كانوا يفترون" ، يقول: وفارقهم الأنداد والأصنام، وتبرءوا منها، فسلكوا غير سبيلها، لأنها هلكت، [وأعيد الذين كانوا يعبدونها اجتراء] ، (3)
(1)
انظر ما سلف رقم: 9520 - 9522 (ج 8: 373، 374) .

(2)
في المطبوعة: "بها متخلقين" ، وفي المخطوطة: "بها متخلقون" ، وهذا صواب قراءتها.

(3)
هكذا جاء في المطبوعة ما وضعته بين القوسين، وهو في المخطوطة: "وعبدوا الذين كانوا يعبدونها إصرا" ، غير منقوطة. ولم أهتد إلى الصواب، وأخشى أن يكون سقط من الكلام سطر أو بعضه، فلذلك آثرت أن أضع ما في المطبوعة بين قوسين، ولأني في ريبة من أمره.

ثم أخذوا بما كانوا يفترونه من قيلهم فيها على الله، وعبادتهم إياها، وإشراكهم إياها في سلطان الله، فضلت عنهم، وعوقب عابدُوها بفريتهم.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى "الضلال" ، الأخذ على غير الهدى. (1)
* * *
وقد ذكر أن هؤلاء المشركين يقولون هذا القول عند معاينتهم سَعةَ رحمة الله يومئذ.
ذكر الرواية بذلك:
13140 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عمرو، عن مطرّف، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: أتى رجلٌ ابنَ عباس فقال: سمعت الله يقول: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، (2) وقال في آية أخرى: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، [سورة النساء: 42] ؟ قال ابن عباس: أما قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، فإنه لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام: قالوا: "تعالوا نجحد" ، فقالوا: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم، "ولا يكتمون الله حديثًا" . (3)
(1)
انظر تفسير "الضلال" فيما سلف 10: 124، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة: "أتى رجل ابن عباس فقال، قال الله: والله ربنا. . ." ، أما المخطوطة ففيها خرم، كان فيها: "أتى رجل ابن عباس وقال في آية أخرى" ، ولذلك تصرف ناشر المطبوعة. والذي أثبته هو الصواب، وهو نص الأثر الذي رواه أبو جعفر قديمًا، كما سيأتي في التخريج. وقد صححت حروفًا في هذا الخبر من الأثر السالف ولم أشر إليها هنا.

(3)
الأثر: 13140 - مضى هذا الخبر برقم: 9520 (ج 8: 373) .هذا وقد اختصر أبو جعفر أخبار ابن عباس هذه، فإنه روى هناك خبرين آخرين رقم: 9521، 9522، تبين منهما أن السائل هو نافع بن الأزرق، وكان يأتي ابن عباس ليلقى عليه متشابه القرآن. وهذا من ضروب اختصار أبي جعفر في تفسيره هذا. وأيضًا فإنه سيأتي هنا آثار في تفسير آية سورة النساء: 42 (ج 8: 371 - 375) لم يذكرها هناك، كما سترى في الآثار التالية.

13141 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: قول أهل الشرك، حين رأوا الذنوب تغفر، ولا يغفر الله لمشرك = "انظر كيف كذبوا على أنفسهم" ، بتكذيب الله إياهم.
13142- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
13143 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، ثم قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، [سورة النساء "42] ، بجوارحهم."
13144 - حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا أبي، عن حمزة الزيات، عن رجل يقال له هشام، عن سعيد بن جبير: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: حلفوا واعتذروا، قالوا: "والله ربنا" . (1)
13145- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن سعيد بن جبير قال، أقسموا واعتذروا: "والله ربنا" .
13146- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن حمزة الزيات، عن رجل يقال له هشام، عن سعيد بن جبير، بنحوه.
13147- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن سفيان بن زياد العُصْفري، عن سعيد بن جبير في قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: لما أمر بإخراج رجال من النار من أهل التوحيد، قال من فيها من المشركين: "تعالوا نقول: لا إله إلا الله، لعلنا نخرج مع هؤلاء" . قال: فلم يصدَّقوا. قال: فحلفوا: "والله ربنا ما كنا مشركين" . قال: فقال الله: "انظر كيف كذبوا"
(1)
الأثر: 13144 - "هشام" ، الذي يروي عنه "حمزة الزيات" ، لم أعرفه.

على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ". (1) "
13148 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي: يشركون. (2)
13149- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا المنهال بن عمرو، عن سعيد عن جبير، عن ابن عباس في قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: لما رأى المشركون أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، قالوا: تعالوا إذا سئلنا قلنا: "والله ربنا ما كنا مشركين" . فسئلوا، فقالوا ذلك، فختم الله على أفواههم، وشهدت عليهم جوارحهم بأعمالهم، فودَّ الذين كفروا حين رأوا ذلك: "لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا" .
13150- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا مسلم بن خلف، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يأتي على الناس يوم القيامة ساعة، لما رأوا أهلُ الشرك أهلَ التوحيد يغفر لهم (3) فيقولون: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: "انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون" . (4)
13151- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، قال حدثنا سفيان عن رجل، عن سعيد بن جبير: أنه كان يقول: "والله ربِّنا ما كنا مشركين" ، يخفضها. قال: أقسموا واعتذروا = قال الحارث قال، عبد العزيز، قال سفيان مرة أخرى: حدثني هشام، عن سعيد بن جبير.
* * *
(1)
الأثر: 13147 - "سفيان بن زياد العصفري" ، مضى برقم: 2331.

(2)
في المطبوعة: "يشركون به" بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: "لما رأى أهل الشرك" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو لغة من لغات العرب جائزة.

(4)
الأثر: 13150 - "مسلم بن خلف" ، لم أجد له ترجمة، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف.

القول في تأويل قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء العادلين بربِّهم الأوثانَ والأصنامَ من قومك، يا محمد = "من يستمع إليك" ، يقول: من يستمع القرآن منك، ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك، وأمره ونهيه، ولا يفقه ما تقول ولا يُوعِيه قلبَه، ولا يتدبره، ولا يصغي له سمعه، ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك، إنما يسمع صوتك وقراءَتك وكلامك، ولا يعقل عنك ما تقول، لأن الله قد جعل على قلبه "أكنّة" .
* * *
= وهي جمع "كنان" ، وهو الغطاء، مثل: "سِنان" ، "وأسنة" . يقال منه: "أكننت الشيءَ في نفسي" ، بالألف، "وكننت الشيء" ، إذا غطيته، (1) = ومن ذلك: بَيْضٌ مَكْنُونٌ، [سورة الصافات: 49] ، وهو الغطاء، (2) ومنه قول الشاعر: (3)
تَحْتَ عَيْنٍ، كِنَانُنَا ... ظِلُّ بُرْدٍ مُرَحَّلُ (4)
(1)
انظر ما سلف 5: 102، 103.

(2)
الأجود أن يقال: "وهو المغطى" ، وكأنه كان كذلك، وكأن الذي في المطبوعة والمخطوطة تحريف. ولكن ربما عبر القدماء بمثل هذا التعبير، ولذلك تركته على حاله. وقد قال الطبري في ج 5: 102، وذكر الآية: "أي: مخبوء" .

(3)
هو عمر بن أبي ربيعة.

(4)
ليس في ديوانه، ولكنه من قصيدته التي في ديوانه: 125 - 126، وهو في الأغاني 1: 184، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 46، 188، واللسان (كنن) ، وغيرها. من أبياته التي أولها: هَاجَ ذَا القَلَبَ مَنْزِلُ ... دَارِسُ الآيِ مُحْوِلُ

وقبله في رواية أبي الفرج في أغانيه. أرْسَلَتْ تَسْتَحِثّى وَتُفَدِّي وتَعْذُل ... أَيُّنَا بَاتَ لَيْلَةً بَيْنَ غُصْنَيْنِ يُوبَلُ
وروايته للبيت:
تَحْتَ عَيْنٍ، يُكِنُّنَا ... بُرْدُ عَصْبٍ مُهَلْهَل
ورواية ابن بري، وصحح رواية أبي عبيدة وأبي جعفر: تَحْتَ عَيْنٍ، كِنَانُنَا ... بُرْدُ عَصْبٍ مُرَحَّلُ
"العين" في البيت السحاب. و "المرحل من الثياب، الذي عليه تصاوير الرحال."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #600  
قديم 15-07-2025, 01:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (600)
صــ 306 إلى صــ 315





يعني: غطاؤُهم الذي يكنُهم. (1)
* * *
= "وفي آذانهم وقرًا" ، يقول تعالى ذكره: وجعل في آذانهم ثِقلا وصممًا عن فهم ما تتلو عليهم، والإصغاء لما تدعوهم إليه.
* * *
والعرب تفتح "الواو" من "الوَقْر" في الأذن، وهو الثقل فيها= وتكسرها في الحمل فتقول: "هو وِقْرُ الدابة" . ويقال من الحمل: "أوقرْتُ الدَّابة فهي مُوقَرة" = ومن السمع: "وَقَرْتُ سمعه فهو موقور" ، ومنه قول الشاعر: (2)
وَلِي هَامَةٌ قَدْ وَقَّر الضَّرْبُ سَمْعَهَا
وقد ذكر سماعًا منهم: "وُقِرَتْ أذنه" ، إذا ثقلت "فهي موقورة" = "وأوقرتِ النخلةُ، فهي مُوقِر" كما قيل: "امرأة طامث، وحائض" ، لأنه لا حظّ فيه للمذكر. فإذا أريد أن الله أوقرها، قيل "مُوقَرةٌ" .
* * *
(1)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188، وهو شبيه بنص كلامه.

(2)
لم أهتد إلى قائله، وإن كنت أذكر أني قرأت هذا الشعر في مكان.

وقال تعالى ذكره: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه" ، بمعنى: أن لا يفقهوه، كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [سورة النساء: 176] ، بمعنى: أن لا تضلوا، (1) لأن "الكنّ" إنما جعل على القلب، لئلا يفقهه، لا ليفقهه. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13152 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا" ، قال: يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئًا، كمثل البهيمة التي تسمع النداء، ولا تدري ما يُقَال لها.
13153 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا" ، أما "أكنة" ، فالغطاءُ أكنّ قلوبهم، لا يفقهون الحق = "وفي آذانهم وقرًا" ، قال: صمم.
13154 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ومنهم من يستمع إليك" ، قال: قريش.
13155 - حدثني المثنى قال، حدثنا حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
(1)
انظر ما سلف 9: 445، 446.

(2)
انظر تفسير "فقه" فيما سلف 8: 557.

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (25) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام، الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك = "كل آية" ، يقول: كل حجة وعلامة تدلُّ أهل الحجَا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبوتك (1) = "لا يؤمنوا بها" ، يقول: لا يصدّقون بها، ولا يقرّون بأنها دالّة على ما هي عليه دالة = "حتى إذا جاؤوك يجادلونك" ، يقول: حتى إذا صاروا إليك بعد معاينتهم الآيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به = "يجادلونك" ، يقول: يخاصمونك (2) = "يقول الذين كفروا" ، يعنى بذلك: الذين جحدوا آيات الله وأنكروا حقيقتها، يقولون لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا حجج الله التي احتجَّ بها عليهم، وبيانَه الذي بيَّنه لهم = "إن هذا إلا أساطير الأوّلين" ، أي: ما هذا إلا أساطير الأوّلين.
* * *
و "الأساطير" جمع "إسْطارة" و "أُسطُورة" مثل "أفكوهة" و "أضحوكة" = وجائز أن يكون الواحد "أسطارًا" مثل "أبيات" ، و "أبابيت" ، و "أقوال وأقاويل" ، (3) من قول الله تعالى ذكره: وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ، [سورة الطور: 2] . من: "سَطَرَ يَسْطُرُ سَطْرا" .
* * *
(1)
انظر تفسير "آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

(2)
انظر تفسير "جادل" فيما سلف 4: 141/9: 190، 193.

(3)
يعني بقوله: "أسطارًا" ، جمع "سطر" ، كما هو بين.

فإذ كان من هذا: فإن تأويله: ما هذا إلا ما كتبه الأوَّلون.
* * *
وقد ذكر عن ابن عباس وغيره أنهم كانوا يتأوّلونه بهذا التأويل، ويقولون: معناه: إنْ هذا إلا أحاديث الأوّلين.
13156 - حدثني بذلك المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
13157 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، أمّا "أساطير الأوّلين" ، فأسَاجيع الأولين. (1)
* * *
وكان بعض أهل العلم = وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى = بكلام العرب يقول: "الإسطارةُ" لغةٌ، ومجازُها مجازُ الترهات. (2)
* * *
وكان الأخفش يقول: قال بعضهم: واحده "أسطورة" . وقال بعضهم: "إسطارة" . قال: ولا أراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد، نحو "العباديد" (3) و "المَذَاكير" ، و "الأبابيل" . (4) قال: وقال بعضهم: واحد "الأبابيل" ، "إبِّيل" ، وقال بعضهم: "إبَّوْل" مثل "عِجَّوْل" ، (5) ولم أجد العرب تعرف له واحدًا، وإنما هو مثل "عباديد" لا واحد لها. وأما "الشَّماطيط" ، فإنهم يزعمون
(1)
"الأساجيع" جمع "أسجوعة" : يراد به الكهان على هيئة كلامهم.

(2)
في المطبوعة: "لغة، الخرافات والترهات" غير ما في المخطوطة، وهو نص أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 189. وهذا من سيئ العبث بالكتب!

(3)
في المطبوعة: "عباييد" ، وهو صواب، إلا أني أثبت ما في المخطوطة. يقال: "جاء القوم عباديد، وعبابيد" ، أي متفرقون.

(4)
"المذاكير" ، يقال في الفرد أيضًا. وفي الخبر أن عبدًا أبصر جارية لسيده، فجب السيد مذاكيره = فاستعمله لرجل واحد، وأراد به شيئه، وما تعلق به.

و "أبابيل" : جماعات من هنا، وجماعات من هنا.
(5)
يقال: "عجل" و "عجول" (بكسر العين، وتشديد الجيم المفتوحة، وسكون الواو) : ولد البقرة، وجمعه "عجاجيل" .

أن واحده "شمطاط" . (1) قال: وكل هذه لها واحد، إلا أنه لم يستعمل ولم يتكلم به، لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعًا. (2) قال: وسمعت العرب الفصحاء تقول: "أرسل خيله أبابيل" ، تريد جماعات، فلا تتكلم بها بواحدة. (3) وكانت مجادلتهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها الله في هذه الآية، فيما ذُكِر، ما:-
13158 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "حتى إذا جاءوك يجادلونك" الآية، قال: هم المشركون، يجادلون المسلمين في الذَّبيحة، يقولون: "أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون! وأنتم تتَّبعون أمرَ الله تعالى ذكره" ! (4)
* * *
(1)
"شماميط" : قطع متفرقة، يقال: "ذهب القوم شماميط" : إذا تفرقوا أرسالا.

(2)
في المطبوعة: "جمعا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: "فلا تتكلم بها موحدة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وقد كرهت عبث الناشر بنص أبي جعفر!!

(4)
عند هذا الموضع، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت منه نسختنا، وفيها ما نصه:

"يتلوه القولُ في تأويل قوله"
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَونَ عَنْهُ وَإنْ يُهْلِكُونَ}
{إلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}
وَصَلَّى اللهُ على مُحَمدٍ النبيِّ وَعَلى آلِهِ وَسَلّم كثيرًا الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينِ "ثم يتلوه ما نصه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيمِ رَبِّ يَسِّرْ" .رْ ""
القول في تأويل قوله: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" .
فقال بعضهم: معناه: هؤلاء المشركون المكذبون بآيات الله، ينهونَ الناس عن اتباع محمّد صلى الله عليه وسلم والقبول منه = "وينأَوْن عنه" ، يتباعدون عنه.
* ذكر من قال ذلك:
13159 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث وهانئ بن سعيد، عن حجاج، عن سالم، عن ابن الحنفية: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: يتخلفون عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجيبونه، وينهون الناس عنه. (1)
13160 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، يعني: ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به = "وينأون عنه" ، يعني: يتباعدون عنه.
13161 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، أن يُتَّبع محمد، ويتباعدون هم منه.
(1)
الأثر: 13159 - "هانئ بن سعيد النخعي" ، صالح الحديث، مترجم في الكبير 4/2/233، وابن أبي حاتم 4/2/102.

و "حجاج" هو "حجاج بن أرطاة" ، مضى مرارًا.
و "سالم" ، هو "سالم بن أبي الجعد" ، مضى أيضًا.
و "ابن الحنفية" هو: "محمد بن علي بن أبي طالب" ، مضى أيضًا.
13162 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، يقول: لا يلقونَه، ولا يَدَعُون أحدًا يأتيه.
13163 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول في قوله: "وهم ينهون عنه" ، يقول: عن محمد صلى الله عليه وسلم.
13164 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، جمَعُوا النهي والنأي. و "النأي" ، التباعد. (1) وقال بعضهم: بل معناه: "وهم ينهون عنه" عن القرآن، أن يسمع له ويُعمَل بما فيه.
ذكر من قال ذلك:
13165 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وهم ينهون عنه" ، قال: ينهون عن القرآن، وعن النبي صلى الله عليه وسلم = "وينأون عنه" ، ويتباعدون عنه.
13166 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "وهم ينهون عنه" ، قال: قريش، عن الذكر = "وينأون عنه" ، يقول: يتباعدون.
13167- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قريش، عن الذكر. = "ينأون عنه" ، يتباعدون.
13168- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: ينهون عن القرآن،
(1)
في المخطوطة: "والنهي التباعد" ، وهو خطأ، صوابه ما في المطبوعة بلا شك.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتباعدون عنه.
13169- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ينأون عنه" ، قال: "وينأون عنه" ، يباعدونه. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وهم ينهون عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم = "وينأون عنه" ، يتباعدون عن دينه واتّباعه.
* ذكر من قال ذلك:
13170 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع وقبيصة = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس يقول: نزلت في أبي طالب، كان ينهى عن محمد أن يُؤذَى، وينأى عما جاء به أن يؤمن به.
13171- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب، ينهى عنه أن يؤذى، وينأى عما جاء به.
13172- حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذُوا محمدًا، وينأى عمّا جاء به.
13173- حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة قال: كان أبو طالب ينهى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصدِّقه. (2)
(1)
في المطبوعة: "يبعدون" ، وفي المخطوطة: "يبعدونه" ، وآثرت قراءتها كما أثبتها.

(2)
الأثر: 13173 - "القاسم بن مخيمرة الهمداني" ، "أبو عروة" ، روى عن عبد الله بن عمرو، وأبي سعيد الخدري، وأبي أمامة، وغيرهم من التابعين. ثقة. مترجم في التهذيب. والكبير 4/1/167، وابن أبي حاتم 3/2/120.

13174 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ومحمد بن بشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة في قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب = قال ابن وكيع، قال ابن بشر: كان أبو طالب ينهي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذَى ولا يصدّق به.
13175- حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير، عن أبي محمد الأسدي، عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول في قول الله تعالى ذكره: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، نزلت في أبي طالب، كان ينهى عن أذى محمد، وينأى عما جاء به أن يتّبعه. (1)
13176 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة في قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب.
13177 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب قال: ذاك أبو طالب، في قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" . (2)
13178 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني سعيد بن أبي أيوب قال، قال عطاء بن دينار في قول الله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ،
(1)
الأثر: 13175 - "أبو محمد الأسدي" ، لم أعرف من هو، ولم أجد من يكنى به. وأخشى أن يكون هو "عبد العزيز بن سياه الأسدي" ، الآتي في الأثر رقم: 13177 و "عبد العزيز" يروي عنه يونس بن بكير.

(2)
الأثر: 13177 - "عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، مضى مرارًا كثيرة.

وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبد الله بن موسى" ، وهو خطأ محض.
و "عبد العزيز بن سياه الأسدي" ، ثقة، محله الصدق، وكان من كبار الشيعة. وروى عنه عبيد الله بن موسى، ويونس بن بكير، ووكيع، وغيرهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2/2/383.
وانظر التعليق على الأثر السالف، فإني أرجح أن "أبا محمد الأسدي" ، كنية: "عبد العزيز بن سياه الأسدي" .
أنها نزلت في أبي طالب، أنه كان ينهى الناسَ عن إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينأى عما جاء به من الهدى. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: تأويلُه: "وهم ينهون عنه" ، عن إتباع محمد صلى الله عليه وسلم مَنْ سواهم من الناس، وينأون عن اتباعه.
وذلك أن الآيات قبلَها جرت بذكر جماعة المشركين العادِلين به، والخبرِ عن تكذيبهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، والإعراض عما جاءهم به من تنزيل الله ووحيه، فالواجب أن يكون قوله: "وهم ينهون عنه" ، خبرًا عنهم، إذ لم يأتنا ما يدُلُّ على انصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. بل ما قبل هذه الآية وما بعدها، يدلّ على صحة ما قلنا، من أن ذلك خبر عن جماعة مشركي قوم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يكون خبرًا عن خاصٍّ منهم.
* * *
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: وإن يرَ هؤلاء المشركون، يا محمد، كلَّ آية لا يؤمنوا بها، حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقولون: "إن هذا الذي جئتنا به إلا أحاديث الأوَّلين وأخبارهم" ! وهم ينهون عن استماع التنزيل، وينأون عنك فيبعدون منك ومن اتباعك = "وإن يهلكون إلا أنفسهم" ، يقول: وما يهلكونَ بصدّهم عن سبيل الله، وإعراضهم عن تنزيله، وكفرهم بربهم - إلا أنفسهم لا غيرها، وذلك أنهم يكسِبُونها بفعلهم ذلك، سخط الله وأليم عقابه،
(1)
الأثر: 13178 - "سعيد بن أبي أيوب الخزاعي المصري" ، وهو "سعيد بن مقلاص" ، ثقة ثبت. ومضى في الأثرين رقم: 5615، 6743، غير مترجم. مترجم في التهذيب، والكبير2/1/419، وابن أبي حاتم 2/1/66.

و "عطاء بن دينار المصري" ، من ثقات أهل مصر، مضى برقم: 160.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 121 ( الأعضاء 0 والزوار 121)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 415.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 409.44 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]