شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 85 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ميزة جديدة من واتساب ستمنعك من مشاركة رقم هاتفك المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف يجنب الآباء أطفالهم من اضطراب fomo ويقللون الاعتماد على وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          لاحظها على طفلك.. علامات خطيرة لاضطراب متعلق باستخدام السوشيال ميديا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          خطوات بسيطة يجب اتباعها لضمان تجربة إنترنت آمنة وتعليمية لطفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن تطبيق Essentials الجديد من جوجل.. وأبرز مميزاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          واتساب يتيح ميزة نسخ الملاحظات الصوتية.. اعرف كيفية استخدامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تطبيق Google Keep يحصل على مميزات الذكاء الاصطناعى.. كيف تستفيد منها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          احم طفلك من الإنترنت.. توصيات رسمية خلى بالك منها وابنك ماسك الموبايل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لو خايف على أطفالك من فيس بوك.. 5 مميزات لتطبيق ماسنجر كيدز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كيف تحدد وقت استخدام طفلك للإنترنت على فيس بوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #841  
قديم 03-07-2025, 06:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث (... ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها)


قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد المعنى قالا: حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد ]. هو خالد بن مهران الحذاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم بن ربيعة ]. القاسم بن ربيعة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عقبة بن أوس ]. عقبة بن أوس ، ويقال: يعقوب بن أوس، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.
دلالة الحديث على التقسيم الثلاثي لأنواع القتل


بعض أهل العلم يقول: ليس هناك إلا خطأ وعمد، ولكن هذا الحديث يدل على أن القسمة ثلاثية وليست ثنائية، بل هناك خطأ وشبه عمد وعمد، ودية العمد وشبه العمد واحدة، ولكن في العمد -كما هو معلوم- لو لم يقبل أولياء القتيل أن يتركوا القصاص إلا أن يأخذوا أكثر من ذلك المقدار فإن لهم ذلك؛ كما سبق أن مر بنا في قصة الليثيين الذين شج واحداً منهم عامل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم أرادوا القصاص فأراد افتداءه منهم فأعطاهم ثم أعطاهم ثم أعطاهم.
إسناد طريق أخرى لحديث (... ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل ...) وترجمة رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن خالد بهذا الإسناد نحو معناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى بمعناه. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب ]. وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد ]. هو خالد الحذاء مر ذكره.
شرح حديث (... ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أو فتح مكة على درجة البيت أو الكعبة) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو بمعنى ما تقدم، وفيه بيان أن الخطبة كانت على درجة البيت أو الكعبة، والمقصود بالبيت هو الكعبة ولكنه شك من الراوي؛ لأن الكعبة والبيت معناهما واحد، وكأنه على باب الكعبة، ومعلوم أن الكعبة كانت في زمانه على هذه الهيئة التي هي عليها الآن، حيث كان الباب مرتفعاً وكأنه كان واقفاً على عتبة الباب.

تراجم رجال إسناد حديث (... ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) من طريق أخرى


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. مسدد مر ذكره، وعبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن زيد ]. هو علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر ]. القاسم بن ربيعة مر ذكره. وابن عمر هو الصحابي الجليل وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث (... ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) من طرق أخرى وتراجم رجال الإسناد


[ قال: أبو داود : كذا رواه ابن عيينة أيضاً عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ابن عيينة مر ذكره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه أيوب السختياني عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمرو مثل حديث خالد ]. يعني: ذكر هنا أنه عن عبد الله بن عمرو من طريق أيوب السختياني ، و أيوب السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يعقوب السدوسي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. قوله: [ ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد ]. مر ذكرهما. [ عن يعقوب السدوسي عن عبد الله بن عمرو ]. يعقوب السدوسي هو الذي مر ذكره وهو عقبة بن أوس. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقول زيد و أبي موسى مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عمر رضي الله عنه ]. يعني: أن ما أثر عن زيد بن ثابت و أبي موسى الأشعري مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عمر رضي الله عنه.
شرح أثر (قضى عمر في شبه العمد ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: (قضى عمر رضي الله عنه في شبه العمد: ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها) ]. أورد أبو داود هذا الأثر: أن عمر قضى في شبه العمد ثلاثين حقة، وهي التي أكملت السنة الثالثة ودخلت في الرابعة، وثلاثين جذعة وهي التي أكملت السنة الرابعة ودخلت في الخامسة، وأربعين خلفة، ما بين ثنية إلى بازل عامها يعني: أنها بين هذا السن من ثنية إلى بازل، وهي أسنان متعددة تبدأ بالثنية وتنتهي بالبازل. والخلفة: هي اللقحة التي في بطنها ولدها. والبازل هو من أعلى الأسنان التي سيأتي ذكرها؛ لأنها ثنية ثم رباع ثم سديس وسدس ثم بعد ذلك بازل ثم مثلث.
تراجم رجال إسناد أثر (قضى عمر في شبه العمد ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها)


قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح ]. سفيان هو ابن عيينة ، وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قضى عمر ]. وهذا منقطع؛ لأن مجاهداً لم يدرك عمر.
شرح أثر علي (في شبه العمد أثلاث ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: (في شبه العمد أثلاث: ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها، وكلها خلفة) ]. أورد المصنف رحمه الله أثراً عن علي رضي الله عنه أنه قال: (في شبه العمد أثلاث) يعني: الدية أثلاث: ثلاث وثلاثون جذعة، وثلاث وثلاثون حقة، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها. يعني: هذه الأسنان تبدأ بالثنية وتنتهي بالبازل.
تراجم رجال إسناد أثر علي (في شبه العمد أثلاث ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية...)


قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد أبو السري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن ضمرة ]. عاصم بن ضمرة صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر ابن مسعود (في شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون ...) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وبه عن أبي إسحاق عن علقمة و الأسود قال عبد الله رضي الله عنه: (في شبه العمد خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض ) ]. أورد المصنف الأثر بنفس الإسناد، إلا أنه عن علقمة و الأسود عن ابن مسعود وهو جعلها أرباعاً مقسمة على الأسنان التي تخرج منها الصدقة، وهي: المخاض، واللبون، والحقة، والجذعة، وبدأ بالسنين العليا. ثم السفلى. قوله: [ وبه عن أبي إسحاق عن علقمة و الأسود ]. أبو إسحاق مر ذكره وعلقمة النخعي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. و الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ قال عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود وقد مر ذكره.
شرح أثر علي (في الخطأ أرباع خمس وعشرون حقة ...) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: قال: علي رضي الله عنه: (في الخطأ أرباع: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات لبون، وخمس وعشرون بنات مخاض) ]. الأثر عن علي في شبه العمد أثلاث، وهذا الذي جاء عن علي في الخطأ أرباع، والحنابلة أخذوا هذا في شبه العمد الذي هو خمس وعشرون، وهو مثل قول ابن مسعود في شبه العمد. قوله: [ حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن سفيان ]. سفيان بن سعيد الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: قال علي رضي الله عنه ]. مر ذكرهم جميعاً. وأسانيد هذه الآثار كلها ظاهرها الاتصال، والرجال الذين مر ذكرهم كلهم محتج بهم. وهذه المسألة كلها ترجع إلى الاجتهادات.
شرح أثر عثمان وزيد بن ثابت (في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وفي الخطأ ثلاثون حقة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سعيد عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عثمان بن عفان و زيد بن ثابت : (في المغلظة أربعون جذعة خلفة، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وفي الخطأ ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور، وعشرون بنات مخاض) ]. قوله: [ في المغلظة أربعون جذعة خلفة، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون ]. هذا مطابق لما مر في الحديث الأول الذي قال: (أربعون خلفة في بطونها أولادها) وفيه هذا التفصيل الذي فيه أربعون خلفة في بطونها أولادها. قوله: [ وفي الخطأ ]. هذا في شبه العمد. قوله: [ ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور، وعشرون بنات مخاض ]. وفي الخطأ هذا التقسيم الرباعي: ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور وعشرون بنات مخاض، فيكون المجموع مائة، والتكرار إنما هو في بنات اللبون وبني اللبون، والغالب الذي كان يأتي فيما يتعلق بالصدقة، أنه يؤتى بابن لبون بدل بنت المخاض.
تراجم رجال إسناد أثر عثمان وزيد بن ثابت (في المغلظة أربعون جذعة، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وفي الخطأ ثلاثون حقة...)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عبد الله ]. هو محمد بن عبد الله الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات، ومن الذين روى عنهم الثلاثيات أبو عاصم ومكي بن إبراهيم و محمد بن عبد الله الأنصاري هذا. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد ربه ]. هو عبد ربه بن سعيد أخو يحيى بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عياض ]. هو عمرو بن الأسود العنسي، وهو مخضرم ثقة عابد، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عثمان بن عفان و زيد بن ثابت ]. عثمان بن عفان أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. و زيد بن ثابت رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أثر زيد بن ثابت في بيان الدية المغلظة والخطأ من طريق أخرى، وترجمة رجال الإسناد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت في الدية المغلظة فذكر مثله سواء ]. ذكر المصنف رحمه الله طريقاً أخرى عن زيد بن ثابت وهي مثل ما تقدم عنه وعن عثمان . قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين. وزيد بن ثابت رضي الله عنه مر ذكره. والإسناد فيه تدليس قتادة.
بيان أسماء أسنان الإبل عند أئمة اللغة، وترجمة هؤلاء الأئمة

[ قال أبو داود : قال أبو عبيد وغير واحد: إذا دخلت الناقة في السنة الرابعة فهي حِقٌ، والأنثى حقة؛ لأنه يستحق أن يحمل عليه ويركب ] يعني: إذا أكمل الحق الثالثة ودخل في الرابعة فقد استحق أن يحمل عليه ويركب، وأيضاً الحقة استحقت أن يطرقها الجمل. قوله: [ فإذا دخل في الخامسة فهو جذع وجذعة ] أي: إذا دخل في الخامسة فالذكر يقال له: جذع، والأنثى يقال لها: جذعة. قوله: [ فإذا دخل في السادسة وألقى ثنيته فهو ثني وثنية ]. يعني: إذا أكمل الخامسة ودخل في السادسة فالذكر يقال له: ثني والأنثى يقال لها: ثنية، وهذا أقل شيء يجزئ في الهدي والأضحية؛ لأن أقل شيء يجزئ الثني من الإبل والبقر والماعز، أما الضأن فيجزئ الجذع منه، ومعنى ذلك: أن أسنان الصدقة كلها صغيرة لم تصل إلى حد ما يذبح هدياً أو أضحية، ولعل السبب في ذلك أنها تكون صغيرة صالحة لكونها تنمى وتربى. قوله: [ فإذا دخل في السابعة فهو رباع ورباعية ] يعني: إذا أكمل السادسة ودخل في السابعة فالذكر رباع والأنثى رباعية. قوله: [ فإذا دخل في الثامنة وألقى السن الذي بعد الرباعية فهو سديس وسدس ]. يعني: إذا أكمل السابعة ودخل في الثامنة وألقى السن الذي بعد الرباعية فالذكر سديس والأنثى سدس. قوله: [ فإذا دخل في التاسعة وفطر نابه وطلع فهو بازل ]. يعني: إذا أكمل الثامنة ودخل في التاسعة وفطر نابه فهو بازل. قوله: [ فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ] يعني: إذا أكمل التاسعة ودخل العاشرة فهو مخلف، وعند ذلك تنتهي الأسماء، وبعد ذلك يكرر بأن يقال: بازل عام أو بازل عامين، أو مخلف عام أو مخلف عامين، فيكون التكرار بالأعوام بأن يوصف بازل لسنتين بازل لثلاث بازل لأربع؛ لأنه ليس هناك أسماء فوق العشرة. قوله: [ ثم ليس له اسم، ولكن يقال: بازل عام وبازل عامين، ومخلف عام ومخلف عامين إلى ما زاد ]. أي: مخلف عام ومخلف عامين ومخلف ثلاثة ومخلف أربعة ومخلف خمسة وهكذا؛ لأن الأسماء انتهت عند الاسم العاشر. قوله: [ وقال النضر بن شميل : ابنة مخاض لسنة، وابنة لبون لسنتين، وحقة لثلاث سنين، وجذعة لأربع، والثني لخمس، ورباع لست، وسديس لسبع، وبازل لثمان ]. مثل ما تقدم. [ قال أبو داود : قال أبو حاتم و الأصمعي : والجذوعة وقت وليس بسن ] يعني: كونه جذوعة فقد ذكر أنها أكملت الرابعة ودخلت في الخامسة التي هي الجذعة وكذلك والجذع، على قول هذين الإمامين من أئمة اللغة. قال في اللسان: الجذع: اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط وتعقبها أخرى. يعني: أنهم ذكروها على حسب السنين لا على حسب الأسنان التي في فمها، قوله: [ قال أبو حاتم : قال بعضهم: فإذا ألقى رباعيته فهو رباع، وإذا ألقى ثنيته فهو ثني. وقال أبو عبيد : إذا لقحت فهي خلفة، فلا تزال خلفة إلى عشرة أشهر، فإذا بلغت عشرة أشهر فهي عشراء ]. يعني: في حال حملها إذا لقحت يقال لها: خلفة حتى تبلغ عشرة أشهر فيقال لها: عشراء، بالنسبة إلى العشرة الأشهر. قوله: [ قال أبو حاتم : إذا ألقى ثنيته فهو ثني وإذا ألقى رباعيته فهو رباع ]. [ قال أبو حاتم و الأصمعي ]. أبو حاتم هو سهل بن محمد السجستاني، وهو صدوق ذو دعابة، أخرج له أبو داود و النسائي . والأصمعي هو عبد الملك بن قريب، وهو صدوق، أخرج له مسلم في المقدمة و أبو داود و الترمذي . [ وقال النضر بن شميل ]. النضر بن شميل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو عبيد ]. هو القاسم بن سلام ، وهو ثقة فاضل، قال في التقريب: أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي ."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #842  
قديم 03-07-2025, 06:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [510]
الحلقة (540)





شرح سنن أبي داود [510]

فصَّلت الشريعة الإسلامية الأحكام المتعلقة بالقصاص والديات، وبينت أن القتل على ثلاثة أضرب: عمد، شبه عمد، خطأ، وحددت لكل ضرب دية معينة. وقد جاءت السنة النبوية ببيان ما يتعلق بديات أعضاء الإنسان، وحددت لكل عضو منها ما يستحق من الدية؛ إكراماً لهذا الإنسان، والمرأة كالرجل في تحمل العاقلة عنها في القتل الخطأ، وعقل المرأة في القتل الخطأ يقسم لورثتها، ومن قتل قريباً له فلا ميراث له منه.

ديات الأعضاء


شرح حديث ( الأصابع سواء عشر عشر من الإبل )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ديات الأعضاء. حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا عبدة -يعني ابن سليمان - حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الأصابع سواء عشر عشر من الإبل) ]. قوله: [ باب ديات الأعضاء ] هذه الترجمة تتعلق بديات أعضاء الإنسان، أما الترجمة السابقة فتتعلق بدية الإنسان كاملاًً، سواء كان القتل عمداً أو شبه عمد أو خطأً، وهنا تتعلق بما يلزم لكل عضو، والذي تدل عليه الأحاديث أن ما كان مكوناً من شيئين فإن فيه دية كاملة، كالعينين وكاليدين وكالرجلين، كل هذه تكون فيها الدية كاملة، وما كان متعدداً كأصابع اليدين والرجلين وكذلك الأسنان فإن كل إصبع فيه عشر من الإبل سواء كان إصبع يد أو إصبع رجل، والأسنان كل سن فيه خمس من الإبل، سواء كان سناً أو ضرساً لا فرق بين سن وسن أو ضرس وضرس، كما أنه لا فرق بين إصبع وإصبع، كل إصبع عنه عشر من الإبل وكل سن عنه خمس من الإبل، فيكون في أصابع اليدين والرجلين ديتان، لأن كل إصبع من أصابع اليدين فيها عشر، وكل إصبع من أصابع الرجلين فيها عشر. أورد أبو داود حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأصابع سواء عشر عشر) يعني: كل إصبع فيه عشر، سواء كان من أصابع اليدين أو أصابع الرجلين، ولا يفرق بين إصبع له شأن وله أهمية أكثر من غيره وبين إصبع هو دون ذلك كالإبهام والخنصر، فإن الخنصر والإبهام سواء، مع أن فائدة الإبهام أعظم من فائدة الخنصر؛ لأن الإبهام يكون فيه ملاقات مع الأصابع وفيه الشد معها، بخلاف الخنصر الذي هو الإصبع الأخير فإن فائدته ليست كفائدة الإبهام، ومع ذلك جعلت سواء، وكذلك الأسنان فوائدها مختلفة، ومع ذلك جعلت سواء، كما أنه لا يفرق بين إنسان شريف وغير شريف ولا بين كبير وصغير، بل كلهم على حد سواء فيما يتعلق بالدية، فدية الرجل الكبير والصغير واحدة، ودية الرجل الشريف وغيره واحدة، فكذلك هذه الأشياء أيضاً لا يفرق فيها بين إصبع وإصبع وبين سن وسن.
تراجم رجال إسناد حديث ( الأصابع سواء عشر عشر من الإبل )


قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل ]. هو إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبدة -يعني ابن سليمان- ]. عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن غالب التمار ]. هو غالب بن مهران التمار، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن حميد بن هلال ]. حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق بن أوس ]. مسروق بن أوس مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي موسى ]. هو أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حديث (الأصابع سواء .... ) من طرق أخرى، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن غالب التمار عن مسروق بن أوس عن الأشعري عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الأصابع سواء، قلت: عشر عشر؟ قال: نعم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله: (الأصابع سواء) أي: أن كل واحد فيه عشر عشر. قوله: [ حدثنا أبو الوليد ]. هو هشام بن عبد الملك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن غالب التمار عن مسروق بن أوس عن الأشعري ]. وقد مر ذكرهم. سقط حميد من هذه الطريق؛ بينما الطريق الأولى فيها حميد بين التمار وبين مسروق ، وقد أشار أبو داود إلى الاختلاف في الطرق وأن غالباً سمع من مسروق . [ قال: أبو داود رواه محمد بن جعفر عن شعبة عن غالب قال: سمعت مسروق بن أوس ]. وهذه إشارة إلى طريق أخرى وفيها حذف الواسطة والتصريح بالسماع بين غالب وبين مسروق ، الذي جعل بينه وبينه في الطريق الأولى حميد بن هلال . و محمد بن جعفر هو الملقب بغندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو كثير الرواية عن شعبة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه إسماعيل قال: حدثني غالب التمار بإسناد أبي الوليد ]. إسماعيل بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ ورواه حنظلة بن أبي صفية عن غالب بإسناد إسماعيل ]. حنظلة بن أبي صفية كأنه ليس له رواية عند أصحاب الكتب متصلة، ولهذا لم يترجم له في التقريب.
شرح حديث ( هذه وهذه سواء، يعني: الإبهام والخنصر )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا ابن معاذ حدثنا أبي ح وحدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع كلهم عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هذه وهذه سواء، يعني: الإبهام والخنصر) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذه وهذه سواء، يعني الإبهام والخنصر)، وإن كان بينهما تفاوت إلا أنه جعلهما على حد سواء، كما سوي بين الصغير والكبير، وبين الشريف والوضيع في الدية، فجعلت الأصابع التي بعضها أهم من بعض وأكثر فائدة من بعض سواء.
تراجم رجال إسناد حديث ( هذه وهذه سواء، يعني: الإبهام والخنصر )


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كلهم عن شعبة ]. يعني: الثلاثة الذين هم يحيى القطان و معاذ بن معاذ و يزيد بن زريع رووا عن شعبة. وشعبة مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث ( الأصابع سواء، والأسنان سواء: الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس العنبري حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى قال: [ (الأصابع سواء والأسنان سواء) ] أي: لا فرق بين إصبع وإصبع، ولا فرق بين سن وسن. قوله: [ (والثنية والضرس سواء) ] أي: الشيء البارز والخفي من الأسنان لا فرق بينها. قوله: [ (وهذه وهذه سواء) ] يعني: إشارة إلى الخنصر والإبهام الذي مر في الطريق الأولى السابقة.
تراجم رجال إسناد حديث ( الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء )


قوله: [ حدثنا عباس العنبري ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو صدوق ثبت في شعبة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني شعبة ]. شعبة مر ذكره. [ عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهم.
حديث ( الأصابع سواء والأسنان سواء ...) من طرق أخرى، وتراجم رجال إسناده


[ قال أبو داود : ورواه النضر بن شميل عن شعبة بمعنى عبد الصمد ] يعني: رواه النضر بن شميل عن شعبة بمعنى حديث عبد الصمد السابق. قوله: [ النضر بن شميل ]. النضر بن شميل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : حدثناه الدارمي عن النضر بن شميل ] والدارمي يحتمل شخصين أحدهما: أحمد بن سعيد الدارمي والثاني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الذي هو صاحب المسند، ويقال له: سنن الدارمي ، وهو من الكتب التي تعددت فيها الثلاثيات؛ لأن فيه عدداً من الثلاثيات، ولهذا بعض أهل العلم يجعله الكتاب السادس بدل سنن ابن ماجة وبعضهم يجعل الموطأ. فإذاً: الكتب الخمسة متفق عليها، وأما السادس ففيه ثلاثة أقوال: منهم من يجعله ابن ماجة، ومنهم من يجعله سنن الدارمي ، ومنهم من يجعله موطأ مالك ، ولكن الذي اشتهر مع هذه الكتب وألفت فيه المؤلفات، سواء كان ذلك في الأطراف أو في الرجال سنن ابن ماجة ، وذلك لكثرة زوائده عن الكتب الستة، والتي أخرجها البوصيري في كتاب سماه (مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة ) وزوائده على الخمسة تبلغ ألفاً وثلاثمائة حديث، وهذه الزوائد فيها الصحيح وفيها الضعيف. وكلا هذين الرجلين يروي عن النضر ، لأن في ترجمة النضر في تهذيب الكمال يروي عنه أحمد بن سعيد ويروي عنه عبد الله بن عبد الرحمن وكل منهما ثقة، وهما من الطبقة الحادية عشرة. وأحمد بن سعيد الدارمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
حديث (الأسنان سواء والأصابع سواء) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا على بن الحسن أخبرنا أبو حمزة عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأسنان سواء والأصابع سواء) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأسنان سواء والأصابع سواء) وهو مثل ما تقدم، لا فرق بين سن وسن ولا بين إصبع وإصبع، لا في يد ولا في رجل. قوله: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع ] محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا علي بن الحسن ]. هو علي بن الحسن بن شقيق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو حمزة ]. هو أبو حمزة السكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، واسمه محمد بن ميمون ، ويقال له: السكري نسبة إلى حلاوة منطقه، وليس كما يتبادر إلى الذهن أنه يبيع السكر أو أنه يصنع السكر؛ ولكن لكون منطقه حلواً وكان فصيح اللسان. مثل خالد الحذاء الذي سبق أن مر بنا فهو ما كان حذاءً يبيع الأحذية ولا يصنع الأحذية، ولكنه كان يجالس الحذائين فنسب إليهم، ومثل يزيد بن صهيب الفقير فإنه قد يفهم منه أنه كان فقيراً وليس كذلك وإنما كان يشكو فقر ظهره فقيل له: الفقير، فهذه كلها من النسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهما.
شرح حديث (جعل رسول الله أصابع اليدين والرجلين سواء)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان حدثنا أبو تميلة عن يسار المعلم عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصابع اليدين والرجلين سواء) ]. وهذا حديث ابن عباس من طريق أخرى وفيه التفصيل والتنصيص على أصابع الرجلين واليدين وأنها كلها سواء، يعني: كل إصبع فيه عشر، ومجموع الأصابع في الرجلين واليدين فيها ديتان: مائة من الإبل في أصابع اليدين، ومائة من الإبل في أصابع الرجلين.

تراجم رجال إسناد حديث (جعل رسول الله أصابع اليدين والرجلين سواء)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان ]. عبد الله بن عمر محمد بن أبان صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو تميلة ]. أبو تميلة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، واسمه يحيى بن واضح . [ عن يسار المعلم ]. يسار المعلم أخرج له أبو داود . [ عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس ]. قد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث ( أن النبي قال في خطبته وهو مسند ظهره إلى الكعبة: في الأصابع عشر عشر )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته وهو مسند ظهره إلى الكعبة: في الأصابع عشر عشر) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في خطبته وهو مسند ظهره إلى الكعبة: في الأصابع عشر عشر). يعني: في كل إصبع عشر عشر، وهذا يشمل اليدين والرجلين. قوله: [ (قال في خطبته وهو مسند ظهره إلى الكعبة) ]. هذا يدلنا على أن إسناد الظهر إلى الكعبة ليس فيه عدم احترام لها، ومعلوم أن الخطيب يستقبل الناس ويستدبر الكعبة، وكذلك إذا صلى الإمام وهو بجوار الكعبة فسلَّم فإنه ينصرف إلى الناس ويقابلهم بوجهه وتكون الكعبة وراءه.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قال في خطبته وهو مسند ظهره إلى الكعبة: في الأصابع عشر عشر)


قوله: [ حدثنا هدبة بن خالد ]. هدبة بن خالد ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود . البخاري و أبو داود جاء ذكره عندهم بلفظ هدبة ، وأما مسلم فأحياناً يذكره بلفظ هدبة وأحياناً بلفظ هداب ، و هدبة اسم و هداب لقب، واللقب مأخوذ من الاسم، مثل عبد الله وعباد وعبد الله وعبدان وعبد الرحمن ودحيم وهكذا. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين المعلم ]. حسين المعلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث ( في الأسنان خمس خمس )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب أبو خيثمة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (في الأسنان خمس خمس) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الأسنان خمس خمس) يعني: كل سن فيه خمس، لا فرق بين سن بارز كالأسنان وبين مختفية غير بارزة كالأضراس، وإنما كل سن فيه خمس من الإبل، وعلى هذا فإن مجموعها يزيد عن المائة، لأن عدد الأسنان اثنان وثلاثون سناً، ففي كل سن منها خمس من الإبل، يعني: ليس في الأسنان كلها الدية المقدرة، بل كل سن فيه خمس بلغ ما بلغ، بخلاف الأصابع ففي كل إصبع عشر عشر، ومعلوم أن الإصبع الزائد إذا أزيل بجناية ولم يترتب عليه مضرة ولا تشويه فإنه لا يكون له دية؛ لأن الجمال يكون في ذهابه، ومعلوم أن من عنده إصبع زائد وأراد أن يزيله من غير أن يحصل مضرة فإنه لا بأس بذلك، أما إذا أزيل بجناية وترتب عليه مضرة فيكون فيه حكومة لا دية؛ لأن هذا الأصبع زائد، وليس هو من الأصابع التي يستفاد منها والتي فيها الجمال، بينما قد يكون الجمال في ذهابه.
تراجم رجال إسناد حديث ( في الأسنان خمس خمس )


قوله: [ حدثنا زهير بن حرب أبو خيثمة ]. زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . وهذا من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، فقد روى عنه أكثر من ألف حديث. وهو يلي أبا بكر بن أبي شيبة الذي روى عنه مسلم ألفاً وخمسمائة حديث. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. قد مر ذكرهم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #843  
قديم 03-07-2025, 06:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح حديث (كان رسول الله يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أوعد لها من الورق ويقومها على أثمان الإبل ...)


[ قال أبو داود : وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه، فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة قال: حدثنا شيبان حدثنا محمد -يعني ابن راشد عن سليمان -يعني ابن موسى - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوِّم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق، ويقومها على أثمان الإبل، فإذا غلت رفع في قيمتها، وإذا هاجت رخصاً نقص من قيمتها، وبلغت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين أربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار، وعدلها من الورق ثمانية آلاف درهم، وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل البقر مائتي بقرة، ومن كان دية عقل في الشاء فألفي شاة، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن العقل ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم، فما فضل فللعصبة، قال: وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة، وإذا جدعت ثندوتة فنصف العقل، خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق، أو مائة بقرة، أو ألف شاة، وفي اليد إذا قطعت نصف العقل، وفي الرِّجل نصف العقل، وفي المأمومة ثلث العقل، ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث، أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء، والجائفة مثل ذلك، وفي الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل، وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل، وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها، من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، وهم يقتلون قاتلهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليس للقاتل شيء، وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئاً). قال محمد : هذا كله حدثني به سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. يقول أبو داود : [ وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه، فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة ]. يعني: ذكر أنه وجد في كتابه عن شيبان ، ولكنه لم يسمع منه، وإنما أخرجه عنه بواسطة، حدثه به صاحب له وصفه بأنه ثقة وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأبلي ، ذكره في التقريب وقال عنه: صدوق. قوله: [ صاحب لنا ]. يعني: يحتمل أن يكون من شيوخه؛ لأنه قال في التقريب: أخرج له أبو داود ، لكن قال في عون المعبود: تلميذ له، ويمكن أن يكون زميلاً له وهو الأقرب؛ لأن الزملاء يثبت بعضهم بعضاً فيما غفل بعضهم عن أخذه من الشيخ، كما مر بنا في سنن أبي داود في مواضع عدة يقول: وثبتني فلان. قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق) ]. يعني: أن الأصل في الدية هو الإبل، ولكن أهل القرى الذين ليس عندهم إبل وإنما عندهم نقود فكان يقومها عليهم بالذهب والفضة، وأربعمائة دينار وهذا هو الحد الأدنى، وقد تغلو وتصل إلى ثمانمائة دينار، وقد تنقص، فإذا زادت قيمة الإبل زادت القيمة وإذا نقصت نقصت القيمة، وكان الأمر دائراً بين أربعمائة وبين ثمانمائة دينار، وثمانمائة دينار تعادل ثمانية آلاف درهم. وقد يصير هناك فرق أحياناً بين الدراهم والذهب، إذ معلوم أنها تزيد وتنقص، كما جاء في الحديث: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) . قوله: [ (وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل البقر مائتي بقرة) ]. يعني: وقضى على أهل البقر مائتي بقرة بدل مائة من الإبل. قوله: [ (ومن كان دية عقله في الشاء فألفي شاة) ]. يعني: أهل الشاء وأهل الغنم يصير عليهم ألفا شاة. قوله: (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن العقل ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم، فما فضل فللعصبة) ]. العقل هو الدية، فإذا قتل قتيل وأخذت ديته فإنها ميراث بين الورثة على قدر ميراثهم، وإن بقي شيء فللعصبة لأولى رجل ذكر؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر). والعصبة هم يعقلون عنه إذا أخطأ، ولكنهم لا يرثون إلا ما فضل عن الفرائض المقدرة، وإن استوعبت الورثة فليس للعصبة شيء. والعصبة بالنفس كما هو معلوم هم الذين يحوزون المال إذا انفردوا، وإذا وجد أصحاب فروض أخذوا ما أبقت الفروض. قوله: [ (وقضى صلى الله عليه وآله وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة) ]. يعني: الأنف يكون فيه الدية كاملة.
بيان ما فيه نصف الدية


قوله: [ (وإذا جدعت ثندوته فنصف العقل) ]. يعني: طرفه الذي هو أرنبته ففيه نصف العقل؛ لأن فيه التشويه. قوله: [ (خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق، أو مائة بقرة، أو ألف شاة)] هذه كلها فيها بيان لنصف الدية. قوله: (وفي اليد إذا قطعت نصف العقل) ]. يعني: كل يد فيها نصف الدية، سواء قطعت من الرسغ أو من المرفق أو من أي مكان. قوله: [ (وفي الرجل نصف العقل) ]. أي: وفي الرجل الواحدة نصف الدية.
بيان ما فيه ثلث الدية


قوله: [ (وفي المأمومة ثلث العقل، ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء) ]. المأمومة: هي الشجة التي خرقت الرأس حتى وصلت إلى الغشاوة المحيطة بالدماغ، يعني: كسرت العظم وتجاوزته بحيث لم يبق سوى الغلاف الذي في داخله المخ، ففيها ثلث الدية. وهي ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث. قوله: [ (وثلث) ] يعني: أن فيها الكسر، وهذا يحسب بقيمة، لأن الكسر لا يجزأ وإنما تقدر قيمته. قوله: [ (والجائفة مثل ذلك) ]. الجائفة: هي الطعنة التي تصل إلى الجوف، فإنها مثل المأمومة فيها ثلث الدية. قوله: [ (وفي الأصابع في كل إصبع عشر من الإبل، وفي الأسنان في كل سن خمس من الإبل) ]. وهذا تكرر في الأحاديث السابقة.
بيان من يتحمل عقل المرأة إن هي قتلت شخصاً خطأً


قوله: [ (وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها، من كانوا لا يرثون منها شيئاً إلا ما فضل عن ورثتها) ]. يعني: نص على المرأة؛ لئلا يتوهم أنها تختلف عن الرجل، بل هي كالرجل، أي: أنها لو قتلت خطأً فإن عصبتها هم العاقلة الذين يعقلون عنها ويتحملون جنايتها عن طريق الخطأ، كما أنهم يتحملون جناية الرجل لو حصلت منه جناية خطأً أو حصل منه قتل خطأً، والعاقلة هم العصبة. وهنا نص على المرأة لئلا يفهم أنها ليست كالرجل، وأنها تكون مثل العبد الذي تتعلق جنايته في رقبته، فبين أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن حكم المرأة في هذا كحكم الرجل، فالعصبة هم الذين يعقلون عنها وليس لهم من الميراث شيء إلا إن فضل شيء أو لم يكن لها وارث سوى العصبة، فإن أقرب قريب للعصبة هو الذي يحوز المال.
بيان من يأخذ عقل المرأة إن هي قتلت خطأً أو عمداً


قوله: [ (وإن قتلت، فعقلها بين ورثتها) ]. هناك القتل منها هي التي قتلت، فعاقلتها هم الذين يتحملون الدية كما أن عاقلة الرجل هم الذين يتحملون الدية، وهنا إذا قُتلت هي خطأً وأخذت الدية عنها، أو كان عمداً وتنوزل إلى الدية، فإن الدية هذه ميراث للورثة، فيأخذ أصحاب الفروض فروضهم، وما بقي يكون لأقرب قريب من العصبة؛ لأن الدية هي من جملة المال، وحكمها حكم المال، فتضاف إلى المال وتقسم كما يقسم المال. قوله: (وهم يقتلون قاتلهم) ]. يعني: إذا كان القتل عمداً فإنهم هم الذين يقتلون قاتل المرأة إذا أرادوا، وإذا تنازلوا أخذوا الدية وصارت الدية لهم. فإذاً: الذين لهم حق الميراث هم الذين لهم حق الأخذ بالقصاص، وليس كل من يكون من القبيلة أو من الأقارب وهو غير وارث يكون له حق الاعتراض على القصاص أو التنازل، وإنما الذي من حقه التنازل أو عدمه هو الذي له ميراث، فإذا تنازل واحد منهم فإنه لا يكون القصاص.
حكم من يقتل قريباً له خطأً أو عمداً


قوله: [ (وقال صلى الله عليه وسلم: ليس للقاتل شيءٌ) ]. يعني: أن من قتل قريباً له سواء كان عمداً أو خطأً، فإنه لا ميراث له من الميراث، وإنما يرثه غير القاتل من ورثته؛ لأن القتل من موانع الإرث، كما يقول الرحبي : ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين قوله: [ (وإن لم يكن له وارث فوارثه أقرب الناس إليه، ولا يرث القاتل شيئاً) ]. يعني: إن لم يكن له وارث من أصحاب الفروض ومن الأقارب، فإن أقرب قريب يرثه، أما القاتل فليس له شيء. قوله: [ قال محمد : هذا كله حدثني به سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ومحمد هذا هو محمد بن راشد.
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يقوم دية الخطأ على أهل القرى أربعمائة دينار أو عدلها من الورق على أثمان الإبل...)


[ قال أبو داود : وجدت في كتابي عن شيبان ، ولم أسمعه منه. فحدثناه أبو بكر صاحب لنا ثقة قال: حدثنا شيبان ]. أبو بكر هو أحمد بن محمد بن إبراهيم، وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا شيبان ]. هو شيبان بن فروخ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا محمد -يعني ابن راشد- ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سليمان -يعني ابن موسى- ]. سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض اللين، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن . [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب وأبوه وجده قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : محمد بن راشد من أهل دمشق هرب إلى البصرة من القتل ]. هذا تعريف به، وبيان شيء من أخباره أنه كان من أهل دمشق فهرب إلى البصرة خوفاً من القتل.
شرح حديث (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن بكار بن بلال العاملي أخبرنا محمد -يعني ابن راشد -عن سليمان -يعني ابن موسى - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه). قال: وزادنا خليل عن ابن راشد: (وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فتكون دماء في عميا في غير ضغينة ولا حمل سلاح) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد). يعني: يفيد بأن العقل في العمد وشبه العمد واحد، ولكن العمد إذا لم يوافق أولياء القتيل على أن يأخذوه وأصروا على القصاص إلا أن يعطوا أكثر من الدية فإن لهم ذلك، ولكن إن أرادوا أن يقتصروا على الدية فالدية هي مثل دية شبه العمد، إلا أن هناك فرقاً بين شبه العمد والعمد، وهي أن العمد يقتص فيه من القاتل، وشبه العمد لا يقتص منه، وليس فيه إلا الدية، وهي مغلظة، والخطأ فيه الدية التي دون ذلك. قوله: [ (ولا يقتل صاحبه) ] يعني: لا يقتل صاحب شبه العمد، وإنما عليه الدية. قوله: [ قال: وزادنا خليل عن ابن راشد: (وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس) ]. يعني: هذا مثال لشبه العمد، وهو أن الشيطان ينزو بين الناس ويحدث بينهم مشكلة أو فتنة من غير أن يكون هناك ضغينة، ومن غير أن تكون هناك أسباب سابقة، وإنما تحصل فتنة فيلتحم بعضهم ببعض ويضرب بعضهم بعضاً بشيء لا يقتل في الغالب، ولكنه أدى إلى القتل، بخلاف الخطأ فإنه أراد أن يصيب شيئاً فطاش السهم وأصاب إنساناً، فهذا خطأ؛ لأنه ما أراد قتله ولم يفكر في قتله. وأما شبه العمد فهو مقصود، ولكنه بشيء لا يقتل غالباً. قوله: [ (فتكون دماءٌ في عميَّا) ]. يعني: يختلط بعضهم ببعض ويضرب بعضهم بعضاً فيحصل قتل، مثل ما مر بنا في الحديث السابق: (في عيما ورميا). قوله: [ (في غير ضغينة ولا حمل السلاح) ]. يعني: ما كان هناك حمل سلاح، ولا كانت هناك عداوة سابقة بينهم تدفعهم إلى أن يتقاتلوا، وإنما حصلت فتنه فالتحم بعضهم ببعض.
تراجم رجال إسناد حديث (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه...)


قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن بكار بن بلال العاملي ]. محمد بن بكار بن بلال العاملي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. [ أخبرنا محمد -يعني ابن راشد- عن سليمان -يعني ابن موسى- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. قد مر ذكرهم جميعاً.
شرح حديث ( في المواضح خمس )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين أن خالد بن الحارث حدثهم أخبرنا حسين -يعني المعلم - عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (في المواضح خمس) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (في المواضح خمسٌ) ] المواضح: جمع موضحة، والموضحة: هي الشجة التي تخرق الجلد واللحم وتصل إلى العظم، فيصير ظاهراً وواضحاً. وإذا كانت موضحة واحدة ففيها خمس، أما إذا كانت في عدة أماكن، فإن كل موضحة فيها خمس.
تراجم رجال إسناد حديث ( في المواضح خمس )


قوله: [ حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين ]. أبو كامل فضيل بن حسين ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي. [ أن خالد بن الحارث ]. خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حسين -يعني المعلم- عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو ] . قد مر ذكرهم جميعاً. وهنا قال: [ عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو ] هذا يبين أن شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو؛ لأن كثيراً من الروايات عن أبيه عن جده، وهي محتملة لأن يكون شعيب يروي عن أبيه محمد، وإذا كان هذا فيكون مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي، ولكنه قد صح سماع شعيب بن محمد من جده عبد الله بن عمرو فصار متصلاً؛ ولهذا يقولون: إذا كان الإسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مستقيماً فإنه يقال له: حسن؛ لأن عمراً صدوق، وأبوه شعيب صدوق. والحافظ يقول: قد صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو .
شرح حديث ( قضى رسول الله في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا مروان -يعني ابن محمد - حدثنا الهيثم بن حميد حدثني العلاء بن الحارث حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو : (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية) لأن العين فيها بصر وفيها جمال، وهنا البصر قد ذهب ولكن الجمال موجود، فإذا فقأها شخص، فإنه يكون فيها ثلث الدية؛ لأن العين موجودة على هيئتها وجمالها، وإنما البصر غير موجود، فهي ليست ناتئة بأن تكون بارزة، ولا غائرة بحيث أنها ليست موجودة، وإنما هي قائمة سادة لمكانها، فيكون فيها ثلث الدية.
تراجم رجال إسناد حديث ( قضى رسول الله في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية )


قوله: [ حدثنا محمود بن خالد السلمي ]. هو محمود بن خالد السلمي الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا مروان -يعني ابن محمد- ]. مروان بن محمد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الهيثم بن حميد ]. الهيثم بن حميد صدوق، أخرج له أصحاب السنن . [ حدثني العلاء بن الحارث ]. العلاء بن الحارث صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب وأبوه وجده مر ذكرهم جميعاً.
الأسئلة



الرد على القاضي عياض والنووي في وصفهما لمن فر يوم حنين بالغثاء


السؤال: يقول القاضي عياض في إكمال المعلم في الجزء السادس صفحة (130) في قصة غزوة حنين عند حديث البراء رضي الله عنه: (لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح) قال القاضي : والأخفاء هنا المسارعون المستعجلون. وروى أبو إسحاق الحربي و أبو عبيد الهروي هذا الحرف: (فانطلق جفاء من الناس) بجيم مضمومة وتخفيف الفاء، قال: القتبي و الهروي : أي: سرعانهم شبههم بجفاء السيل. قال القاضي : إن صحت هذه الرواية فإنما معناها ما تقدم من خروج من خرج معهم من أهل مكة، ومن انضاف إليهم ممن لم يستعد للقتال، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان والضعفاء ومن مرض من مُسلمة الفتح، فهؤلاء شبه جفاء السيل الذي لا ينتفع به، ويرميه بجانبيه، وهو الغثاء أيضاً. ومثله قاله الإمام النووي رحمه الله فهل قوله: وهو الغثاء يعتبر سباً للصحابة؟! وإذا قلنا: إنه يعتبر سباً فهل نقول عن هذين الإمامين القاضي عياض و النووي مع أشعريتهما أنهما رافضيان كذلك؟ الجواب: كونه يعبر بهذا التعبير لا يصلح، وإنما الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ينبغي أن يذكروا بالجميل، ولا يذكروا بشيء لا يليق؛ لأن وصفهم بالغثاء غير طيب، ولا يليق أن يوصفوا به، ومعلوم أن الصحابة متفاوتون، وأن فيهم من هو حديث العهد بالإسلام، لكن لا يقال فيهم إلا ما هو جميل، ولا يذكرون إلا بكل حسن. لكن لا يقال عن هذين الإمامين عياض و النووي: إنهما رافضيان، لكن يقال: إنه تعبير خطأ نسأل الله تعالى أن يعفو عنهما، لكن يوجه الحديث: (خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً) على أن الخفيف هو الذي ليس معه سلاح ولا معه ثقل، وإنما جاء ليحصل على غنيمة، ولكن كما هو معلوم حصل الانهزام، والرسول صلى الله عليه وسلم ثبت وثبت معه عمه العباس ، وكذلك ابن عمه أبو سفيان بن الحارث ، وأمر العباس أن ينادي وكان جهوري الصوت، فانعطف الناس مرة ثانية، وعادوا بعدما حصل ذلك الانهزام، وكان النصر بعد ذلك للمسلمين.

ذكر ما في بردة البوصيري من حسن وسيئ، والفرق بين صاحب البردة وصاحب الزوائد


السؤال: هل البوصيري صاحب الزوائد على سنن ابن ماجة هو صاحب البردة؟ الجواب: صاحب الزوائد محدث، وأما ذاك فليس بمحدث، وصاحب البردة توفي سنة (694هـ) وصاحب الزوائد توفي سنة (840هـ). والبوصيري صاحب البردة عنده كلام في البردة جميل، وعنده كلام سيئ للغاية، ومن الكلام الجميل فيها أنه كان يمدح الصحابة في ثباتهم وعلو شأنهم، وتمكنهم في الحرب وركوب الخيل، قال: كأنهم في ظهور الخيل نبت ربى من شدة الحَزْم لا من شدة الحُزُمِ يعني: مثل الشجرة التي فوق جبل، أو فوق مكان مرتفع فهي ثابتة على ذلك المكان الذي هي فيه، فالصحابة على الخيل كهذه الشجرة التي فوق المكان الرابي. وكذلك قوله: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم ويقول أيضاً: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم ومن الكلام السيئ قوله: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هذا كلام سيئ فيه غلو ومجاوزة للحد؛ لأنه جعل علم اللوح والقلم من علمه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وليس كل غيب أطلع الله تعالى نبيه عليه. وسبق أنني أشرت إلى هذا في صحيح البخاري عند حديث: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) وذكرت ما اشتمل عليه كلامه من الغلو والإطراء، وأن هذا لا يسوغ ولا يجوز، فلو قال يخاطب ربه: يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم لكان كلامه صواباً، ولكن كونه يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم فهذا هو الباطل."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #844  
قديم 03-07-2025, 06:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [511]
الحلقة (541)





شرح سنن أبي داود [511]

حرص الإسلام على الجنين وهو لا يزال في بطن أمه، لذا فلا يجوز قتل المرأة الحامل حتى تضع جنينها، وقد جاءت دية الجنين مغايرة للديات الأخرى؛ لأن المعروف أن الديات الأخرى تكون من الإبل والذهب والفضة، فكون دية الجنين تكون غرة عبداً أو أمة، فهذا على خلاف ما هو معروف؛ وقد حكم عمر رضي الله عنه بذلك بعد أن استوثق من صحة نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

مقدار دية الجنين



شرح حديث (أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها فاختصموا إلى النبي ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب دية الجنين. حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة: (أن امرأتين كانتا تحت رجلٍ من هذيل، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال أحد الرجلين: كيف ندي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل؟ فقال: أسجع كسجع الأعراب؟! فقضى فيه بغرة، وجعله على عاقلة المرأة) ]. يقول رحمه الله تعالى: [ باب دية الجنين ]. الطفل ما دام أنه في البطن فإنه يقال له: جنين؛ لأنه مستتر في تلك الجنة التي هي البطن، فهو مأخوذ من حقيقته وهيئته التي هو عليها؛ لأنه في بطن أمه في جنة، فإن خرج ميتاً فهو سقط، وإن خرج حياً فهو طفل أو صبي، والجنين ديته جاءت بها السنة، فمن اعتدى على امرأة وخرج ما في بطنها ميتاً، فإن ديته الواجبة فيه غرة، عبدٌ أو أمة، وتكون على عاقلة الجانية التي حصل منها ذلك، فهذه هي الدية التي جاءت بها السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنين، وقوله: غرة عبد أو أمة، هذا للتنويع وليس للشك، فسواء كان ذكراً أو أنثى فإنه يحصل به المقصود. أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: أن امرأتين من هذيل اختصمتا فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها، فقضى الرسول صلى الله عليه وسلم بديتها على عاقلة الجانية التي قتلتها، وقضى أيضاً بالغرة على عاقلتها، وقد قال أحد أولياء القاتلة الذين طلب منهم العقل: [ (كيف ندي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل؟!) ] يعني: أنه ما أكل ولا شرب ولا صاح ولم يخرج وهو حي حياة مستقرة، وإنما خرج ميتاً فكيف نديه؟ وكيف نعقله؟ قوله: [ (أسجع كسجع الأعراب) ]. وفي بعض الروايات: (كسجع الكهان) المقصود بذلك السجع الذي يكون بباطل، أو فيه الاعتراض على حق، أما السجع الذي ليس من هذا القبيل وليس فيه شيء من التكلف، فإنه لا بأس به، وقد جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه ما هو مسجوع، فدل هذا على أن السجع الممنوع والذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم هو سجع الكهان أو الأعراب، وذلك أنهم يأتون بكلام مسجوع؛ ليروجوا به ما عندهم من الباطل، فهذا هو الذي يكون مذموماً، أما إذ كان السجع ليس من هذا القبيل، فإنه لا بأس به ولا مانع منه. قوله: [ (أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها) ]. فكونها ضربتها بعمود فهذا يشعر أنه شيء قاتل، وذلك أن شبه العمد يكون بشيء غير قاتل، مثل: عصا أو سوط أو شيء لا يقتل غالباً، وأما العمود أو الخشبة الكبيرة أو الصخرة؛ فإن هذه تقتل، وقد جاء في بعض الروايات: (وأمر بها أن تقتل) وجاء في بعضها ذكر الدية، ولعل الذين لهم الحق ما طالبوا بالقتل وإنما رضوا بالدية، فجاء بيانها، أو أنه يكون شبه عمد، فلهذا جاء في بعض الروايات أنه جعل الدية على عاقلتها، ومعلوم أن قتل العمد الجناية فيه على الجاني وليست على العاقلة، فيمكن أن يكون هذا العمود عصاً صغيرة، أو أنه لا يحصل به القتل، وأنه عبر عنه بالعمود لكونه كبيراً وإن لم يكن بالهيئة التي يكون عليها الشيء القاتل. قوله: [ (فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحد الرجلين: كيف ندي من لا صاح، ولا أكل، ولا شرب، ولا استهل؟) ]. هذا يتعلق بالذي بعده، وهي الغرة في الجنين. قوله: [ (فقال: أسجع كسجع الأعراب؟ فقضى فيه بغرة، وجعله على عاقلة المرأة) ]. يعني: يبدو أن فيه تقديماً وتأخيراً؛ لأن السجع جاء بعد الحكم بالغرة، وأنه قضى فيه بغرة، فقال: كيف ندي من كان كذا وكذا؟

تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها فاختصموا إلى النبي ...)


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد بن نضلة ]. عبيد بن نضلة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حديث (أن امرأتين كانت تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى فقتلتها...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور بإسناده ومعناه، وزاد: (فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة، وغرة لما في بطنها) ]. وهذا مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا: عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور . بإسناده ومعناه ]. منصور بإسناده ومعناه، وقد تقدم. [ قال أبو داود : وكذلك رواه الحكم عن مجاهد عن المغيرة ]. الحكم بن عتيبة الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة ]. هو المغيرة بن شعبة، وقد مر ذكره.
شرح حديث (أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة: شهدت رسول الله قضى فيها بغرة عبد أو أمة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و هارون بن عباد الأزدي المعنى، قالا: حدثنا وكيع عن هشام عن عروة عن المسور بن مخرمة: (أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى فيها بغرة: عبد أو أمة ، فقال: ائتني بمن يشهد معك، فأتاه بمحمد بن مسلمة، زاد هارون : فشهد له، يعني: ضرب الرجل بطن امرأته) ]. أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة ، وكذلك أيضاً حديث محمد بن مسلمة ، وهو أن عمر رضي الله عنه استشار الناس في إملاص المرأة، وإملاص المرأة هو كون ما في بطنها يخرج بسبب ضربة حصلت لها من أي جهة كانت؛ فإن الإملاص معناه الانزلاق، يعني: لا يثبت إذا مُسك، بل يخرج من اليد، وكذلك كونه خرج من فرجها ميتاً كما يخرج الشيء الذي لا يمسك، فهذا هو الإملاص. وكذلك الأرض يحصل فيها الانزلاق، فإن الرجل إذا مشى عليها يحصل له انزلاق بسبب هذا الذي في الأرض. قوله: [ (ائتني بما يشهد معك)] يعني: هذا قاله عمر رضي الله عنه، فقد كان من عادته أن يستثبت، وليس معنى ذلك التردد في قبول خبر المغيرة، ويمكن أن يقال: إنه استثبت في هذا لأنه شيء لا يعرف فيما يتعلق بالديات؛ لأن المعروف في الديات إما الذهب وإما الفضة وإما الغنم وإما البقر وإما الإبل، فمن أجل ذلك أراد أن يتحقق وأن يستثبت، فشهد معه محمد بن مسلمة بذلك، فكان يقضي به رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
تراجم رجال إسناد حديث (أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة: شهدت رسول الله قضى فيها بغرة عبد أو أمة ...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و هارون بن عباد ]. عثمان بن أبي شيبة . مر ذكره، و هارون بن عباد مقبول، أخرج له أبو داود. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هو هشام بن عروة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسور بن مخرمة ]. المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن شعبة و محمد بن مسلمة ]. المغيرة بن شعبة قد مر ذكره، و محمد بن مسلمة هو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ زاد هارون: (فشهد له) ]. هارون هو الشيخ الثاني في الإسناد، وهو مقبول. قوله: [ (فشهد له يعني: ضرب الرجل بطن امرأته) ]. يعني: إذا حصل أن الرجل ضرب بطن امرأته وهي حامل وحصل إملاص، يعني: الضرب قد يحصل من الرجل لامرأته فيحصل الإملاص الذي هو خروج ما في بطنها ميتاً، و الألباني صحح الحديث دون هذه الزيادة؛ من أجل أنها جاءت عن طريق هارون .
تفسير أبي عبيد القاسم بن سلام لإملاص المرأة


[ قال أبو داود : بلغني عن أبي عبيد : إنما سمي إملاصاً؛ لأن المرأة تزلقه قبل وقت الولادة، وكذلك كل ما زلق من اليد وغيره فقد ملص ]. يعني: ذكر هذا الأثر عن أبي عبيد القاسم بن سلام في تفسير الإملاص، وأنه الإزلاق، وأن المرأة تزلقه قبل تمام أوانه، فيخرج بهذه الطريقة، كالشيء الذي يكون في اليد فينفلت منها بسبب وجود مادة لزجة فيها. [ قال أبو داود : بلغني عن أبي عبيد ]. هو أبو عبيد القاسم بن سلام، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي جزء القراءة و أبو داود.
حديث إملاص المرأة من طرق أخرى وترجمة رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن هشام عن أبيه عن المغيرة عن عمر رضي الله عنه بمعناه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق آخر وقال: بمعناه، أي: أحال على ما تقدم. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن أبيه عن المغيرة ]. وقد مر ذكرهم. [ عن عمر ]. عمر أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : رواه حماد بن زيد و حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه، أن عمر رضي الله عنه قال ]. الإسناد من طريق أخرى وليس فيه ذكر المغيرة. [ قال أبو داود : رواه حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حماد بن سلمة ]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر قال ]. مر ذكرهم جميعاً.

شرح حديث (... كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله في جنينها بغرة وأن تقتل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مسعود المصيصي حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاوساً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر: (أنه سأل عن قضية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة رضي الله عنه فقال: كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل) ]. أورد أبو داود حديث حمل بن النابغة ، وفيه: أن امرأة قتلت الأخرى بمسطح، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقتل القاتلة، وهذا يشعر بأنها قتلتها بما يحصل به القتل، الذي هو المسطح، والمسطح هو عود من عيدان الخباء. قوله: [ (فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل) ]. لكن جاءت الروايات أنهم أخذوا الدية، بل جاء في بعضها أنها على عاقلتها، ومعلوم أن العمد ليس على العاقلة، وإنما العاقلة تحمل الخطأ وشبه العمد، وأما الجناية التي هي التعمد فإن هذا يكون على الجاني؛ لأنه لو كان كل إنسان يُتحمل عنه جنايته لما تأخر عن الإقدام على الجناية، لكن الشيء الذي حصل خطأً هو الذي جاءت الشريعة بحمله عنه، أما العمد فلا، وإنما هو الذي يتحمل المال إن سلم من القتل، إلا إن أراد غيره أن يتحمل عنه، فهذا شيء آخر.
تراجم رجال إسناد حديث (...كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله في جنينها بغرة وأن تقتل)


قوله: [ حدثنا محمد بن مسعود المصيصي ]. محمد بن مسعود المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع طاوساً ]. هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. [ فقام حمل بن مالك بن النابغة ]. حمل بن مالك بن النابغة صحابي رضي الله عنه، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
معنى قوله (وأن تقتل) وحكمها


قوله: [ (وأن تقتل ) ]. هذا يدل على أنه عمد، وأما كونه أمر بأن الدية على عاقلتها فهذا يدل على أنه شبه عمد، وكون الدية على العاقلة وردت فيها روايات كثيرة، لكن كونه ذكر أنه أمر بها أن تقتل فهذا مشكل؛ لأن الأمر بالقتل لا يكون إلا مع العمد، وكون العاقلة تحمل الدية، فالعاقلة لا تحمل دية العمد، إلا إذا أرادت أن تحمل، أما كونها تلزم فهو ليس بلازم لها؛ لأن لزوم دية العمد يسهل الجناية على الجناة ما دام أنهم سيفعلون وغيرهم يتحمل. يقول الخطابي : قوله: [ (وأن تقتل) ] لم يذكر في غير هذه الرواية. وكأنه يشير إلى شذوذ هذه اللفظة. ويمكن أن تكون مع صحتها شاذة و الألباني صححه وما ذكر شيئاً عن شذوذه. [ قال أبو داود : قال النضر بن شميل : المسطح: هو الصوبج ]. النضر بن شميل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة والصوبج أو الصولج: عود الخباء. [ قال أبو داود : وقال أبو عبيد : المسطح: عود من أعواد الخباء ].
شرح حديث (...كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله في جنينها بغرة عبد أو أمة...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال: (قام عمر رضي الله عنه على المنبر فذكر معناه، لم يذكر: وأن تقتل، زاد: بغرة عبد أو أمه، قال: فقال عمر : الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير هذا)]. أورد أبو داود حديث طاوس رحمه الله تعالى، وليس فيه أنه أمر بها أن تقتل، وإنما فيه أنه أمر بغرة عن الجنين عبد أو أمة، وقال عمر : (الله أكبر لو لم نسمع بهذا لقضينا بغير هذا) يعني: هذا شيء غير معروف في الأحكام، وإنما هذا يعرف عن طريق النص، والاجتهاد يكون فيما عرفت فيه الديات، بأن يكون جزءاً من كذا أو يجتهد فيه، أما أن يكون غرة، فهذا حكم غريب فيما يتعلق بالديات، وهو أصل وحكم مستقل بنفسه، وقد ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا مجال للعدول عما ثبتت به السنة، وأنه لو لم يأت بذلك النص لكان الاجتهاد مؤدياً إلى شيء آخر.
تراجم رجال إسناد حديث (...كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله في جنينها بغرة عبد أو أمة...) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ]. هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو عن طاوس قال: قام عمر ]. عمرو بن دينار و طاوس مر ذكرهما. وقوله: [ (قام عمر) ] هذا فيه انقطاع؛ لأن طاوساً روايته عن عمر مرسلة، وبين وفاة عمر ووفاة طاوس ثلاث وثمانون سنة.
شرح حديث (...فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة فقضى على العاقلة الدية ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار أن عمرو بن طلحة حدثهم قال: حدثنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال: (فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً، وماتت المرأة، فقضى على العاقلة الدية، فقال عمها: إنها قد أسقطت يا نبي الله غلاماً قد نبت شعره، فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، إنه والله ما استهل ولا شرب ولا أكل فمثله يطل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أسجع الجاهلية وكهانتها، أد في الصبي غرة) قال ابن عباس : كان اسم إحداهما: مليكة ، والأخرى: أم غطيف ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال: (فأسقطت غلاماً قد نبت شعره). يعني: في قصة المرأة التي ضربت فأسقطت غلاماً بسبب الضربة. قوله: [ (فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة) ]. يعني: كونه قد نبت شعره فهذا يدل على أنه كبير. قوله: [ (فقضى على العاقلة الدية) ]. يعني: قضى على عاقلة القاتلة الدية. قوله: [ (فقال عمها: إنها قد أسقطت يا نبي الله غلاماً قد نبت شعره، فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، إنه والله ما استهل ولا شرب ولا أكل فمثله يطل) ]. جاء بعد ذلك ذكر الغرة. قوله: [ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسجع الجاهلية وكهانتها؟! أد في الصبي غرة) ]. هذا مثل الذي قبله فيه تقديم وتأخير، وفيه إثبات ديتها على العاقلة، وفيه إثبات أن الصبي الذي سقط ميتاً فيه غرة. قوله: [ قال ابن عباس : كان اسم إحداهما: مليكة والأخرى: أم غطيف ]. يعني: القاتلة والمقتولة.
تراجم رجال إسناد حديث (...فأسقطت غلاماً قد نبت شعره ميتاً وماتت المرأة فقضى على العاقلة الدية...)


قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار ]. سليمان بن عبد الرحمن التمار صدوق، أخرج له أبو داود . [ أن عمرو بن طلحة حدثهم ]. هو عمرو بن حماد بن طلحة، هو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ حدثنا أسباط ]. هو أسباط بن نصر وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وروايته عن عكرمة مضطربة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. والحديث ضعفه الألباني ولعله من أجل رواية أسباط و سماك. فأسباط صدوق كثير الخطأ، و سماك روايته عن عكرمة مضطربة، وهذا منها، لكن الذي فيه مطابق لما تقدم.
شرح حديث (أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد، فجعل رسول الله دية المقتولة على عاقلة القاتلة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا مجالد حدثنا الشعبي عن جابر بن عبد الله: (أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى، ولكل واحدةٍ منهما زوج وولد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة، وبرأ زوجها وولدها، قال: فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا، ميراثها لزوجها وولدها)] أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى، ولكل واحدة منهما زوج وولد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها). يعني: برأهما من أن يكون عليهما شيء من العقل، وجعل لهما الميراث. قوله: [ (قال: فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا، ميراثها لزوجها وولدها) ]. يعني: العقل غير الميراث؛ لأنه كما سبق أن مر بنا فإن العقل يتحمله العصبة، والعصبة إن بقي شيء بعد أخذ الفروض صار لهم، وإلا فإنه لا شيء لهم.
تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد، فجعل رسول الله دية المقتولة على عاقلة القاتلة ...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد ]. يونس بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مجالد ]. هو مجالد بن سعيد، وهو ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. و مجالد ليس بالقوي، ولكنه جاء ما يدل على ما في هذا الحديث.
شرح حديث (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، فاختصموا إلى رسول الله فقضى رسول الله دية جنينها غرة عبد أو وليدة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بيان و ابن السرح قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة عن أبي هريرةقال: (اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول الله! كيف أغرم دية من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان؛ من أجل سجعه الذي سجع) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن امرأتين من هذيل تخاصمتا فضربت إحداهما الأخرى بحجر، وقد سبق أن مر أنها ضربتها بعمود أو مسطح، ولا تنافي بينها، فيمكن أن تكون فعلت هذا وهذا، يعني: رمتها بالحجر وضربتها بالعمود أو المسطح، فقتلتها وما في بطنها. قوله: [ (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم دية جنينها غرة عبد أو وليدة) ]. أي: أن الدية التي تلزم للجنين الذي سقط ميتاً هي غرة عبد أو وليدة. قوله: [ (وقضى بدية المرأة على عاقلتها) ]. يعني: وقضى بالدية التي على المرأة القاتلة على عاقلتها. قوله: [ (وورثها ولدها ومن معهم) ]. يعني: ومن يرث معهم، كالزوج، وهذا شاهد للذي تقدم، فيما يتعلق أنه ورثها زوجها وولدها. قوله: [ (فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي : يا رسول الله! كيف أغرم دية من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟!) ]. يعني: ما دام أنه خرج ميتاً فمثله يهدر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هذا من إخوان الكهان، من أجل سجعه الذي سجع) وذلك أنه كلام فيه مخالفة لحق. وهذا يدل على أن حمل هو الذي قال هذا، وهو الزوج، وقد جاء في بعض الروايات أن القائل أبوها أو عمها، ولا تنافي بينها، إذ يمكن أن يكون كل واحد منهم قال هذا الكلام.
تراجم رجال إسناد حديث (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، فاختصموا إلى رسول الله فقضى رسول الله دية جنينها غرة عبد أو وليدة ...)


قوله: [ حدثنا وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي. [ و ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ، و أبي سلمة ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة باتفاق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
حديث (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة في هذه القصة، قال: (ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بأن ميراثها لبنيها، وأن العقل على عصبتها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، يعني: قضى لها، والمقصود أن المرأة التي توفيت هي المضروبة، وكأنها ما ماتت في الحال، وقضى أن ميراثها لورثتها، وأن العقل على عصبة القاتلة. قوله: [ حدثنا: قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة ]. قد مر ذكرهم.
شرح حديث (أن امرأة خذفت امرأة فأسقطت ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: (أن امرأة خذفت امرأة فأسقطت، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل في ولدها خمسمائة شاة، ونهى يومئذ عن الخذف). قال أبو داود : كذا الحديث: (خمسمائة شاة) والصواب مائة شاة. قال أبو داود : هكذا قال عباس وهو وهم ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن امرأة خذفت امرأة) يعني: رمتها بحصاة. قوله: [ (فأسقطت) ] أي: أسقطت ما في بطنها. قوله: [ (فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في ولدها خمسمائة شاة) ]. يعني: أنها ربع الدية؛ لأن الدية هي: ألفا شاة، وخمسمائة هي ربعها. وقال: أبو داود : إن هذا وهم من عباس العنبري ، فهي ليست خمسمائة وإنما هي مائة شاة، يعني: نصف عشر الدية؛ لأنها من ألفي شاة.
تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة خذفت امرأة فأسقطت ...)


قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبيد الله بن موسى ]. عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يوسف بن صهيب ]. يوسف بن صهيب ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن عبد الله بن بريدة ]. عبد الله بن بريدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
معنى قوله (ونهى يومئذ عن الخذف)

قوله: [ (ونهى يومئذ عن الخذف) ]. الخذف هو الرمي بالحصى، والخذف غالباً يكون بحصى صغيرة تكون بين الأصابع، كما يقال: مثل حصى الخذف التي يرمى بها الجمار، وهي أكبر من الحمص قليلاً، فهو نهى عن الخذف؛ لأنه يحصل به فقء العين.
شرح حديث (قضى رسول الله في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى عن محمد -يعني ابن عمرو - عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل). قال أبو داود : روى هذا الحديث حماد بن سلمة و خالد بن عبد الله عن محمد بن عمرو لم يذكرا: (أو فرس أو بغل) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة وفيه: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل). الذي جاء مطابقاً للأحاديث الكثيرة المختلفة هو غرة عبد أو أمة، وليس فيها ذكر الفرس والبغل، وأيضاً كذلك روى هذا الحديث نفسه جماعة وليس فيه ذكر البغل والفرس، فيكون شاذاً.
تراجم رجال إسناد حديث (قضى رسول الله في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل ...)


قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد -يعني ابن عمرو- ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. أبو سلمة و أبو هريرة قد مر ذكرهما. [ قال أبو داود: روى هذا الحديث حماد بن سلمة و خالد بن عبد الله عن محمد بن عمرو، لم يذكرا: (فرس أو بغل) ]. حماد بن سلمة مر ذكره، و خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أثر الشعبي وربيعة في تقدير الغرة بالنقدين وتراجم رجال الإسناد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سنان العوقي حدثنا شريك عن مغيرة عن إبراهيم و جابر عن الشعبي قال: الغرة خمسمائة درهم. قال أبو داود : قال ربيعة : الغرة خمسون ديناراً ]. أورد أبو داود أثرين: أحدهما عن الشعبي وهو خمسمائة درهم، والثاني عن ربيعة وهو خمسون ديناراً، وهذه آثار مقطوعة. قوله: [ حدثنا محمد بن سنان العوقي ]. محمد بن سنان العوقي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم النخعي وقد مر ذكره. [ وجابر ]. هو جابر الجعفي، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ عن الشعبي ]. الشعبي مر ذكره. [ قال أبو داود : قال ربيعة ]. هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #845  
قديم 03-07-2025, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [512]
الحلقة (542)





شرح سنن أبي داود [512]

إن المتأمل في هذه الشريعة المحمدية ليدرك أنها قد كرمت هذا الإنسان، وحافظت على دمه من الإهدار، حيث وقد جاءت بأحكام خاصة بالمكاتب وأهل الذمة، ومنها: أن المكاتب إذا استحق دية أو ميراثاً، فإنه يثبت له من الدية والميراث بحسب ما عتق منه، ومنها: أن المكاتب إذا قتل، فإن ديته دية حر بقدر ما قد أداه من مكاتبته، وما بقي فإنه يكون دية عبد، ومنها كذلك: أن دية الذمي والمعاهد والمستأمن نصف دية الحر.

ما جاء في دية المكاتب


شرح حديث (قضى رسول الله في دية المكاتب يقتل يودى ما أدى من مكاتبته دية الحر وما بقي دية المملوك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دية المكاتب. حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد وحدثنا إسماعيل عن هشام وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا حجاج الصواف جميعاً عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دية المكاتب يقتل، يودى ما أدى من مكاتبته دية الحر، وما بقي دية المملوك)]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في دية المكاتب ]. المكاتب: هو العبد الذي اتفق معه سيده على أن يسعى للحصول على مال ليدفعه إلى سيده فيعتقه، ويكون منجماً، إذا أدى آخره فإنه يكون حراً، وقبل أن يؤديه يكون باقياً في رقه وفي عبوديته له؛ ولهذا جاء في الأحاديث التي سبق أن مرت : (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وأنه إذا وجد ما يؤدي به المكاتبة، فإنه يُحتجب منه؛ لأنه عند ذلك يكون حراً، يعني: أن سيدته تحتجب منه، فقد كان لها ألا تحتجب منه وهو عبد، كما جاء في القرآن: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31] . أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في المكاتب أنه إذا قتل، فإن ديته دية حر بقدر ما قد أداه من مكاتبته، وما بقي فإنه يكون دية عبد، بمعنى: أنه إذا كان قد أدى نصف ما عليه فإن نصفه يكون دية حر، والنصف الباقي يكون قيمة عبد، فتكون ديته مجموعة من هذا ومن هذا، فهذا هو معنى هذا الحديث وهذا هو مقتضاه، وقد جاء القول به عن بعض العلماء، وقال الخطابي: أجمع عامة الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه. ولكن هذا الحديث نص في الدية وبيان مقدارها، وهو ثابت. فإذاً: مقتضاه أن الدية تكون بهذه الطريقة، ما سبق أن أداه يعامل معاملة الحر، وما بقي عليه ولم يؤده يعامل فيه معاملة العبد.
تراجم رجال إسناد حديث (قضى رسول الله في دية المكاتب يقتل يودى ما أدى من مكاتبته دية الحر وما بقي دية المملوك)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا إسماعيل ]. الذي يبدو أن كلمة حدثنا هذه زائدة؛ لأنه قد يفهم منها أنها راجعة لأبي داود ، و أبو داود لا يروي عن إسماعيل بن علية، وإنما يروي عنه بواسطة والموجود في نسخة عون المعبود بدون حدثنا، فيكون مسدد يروي عن يحيى ويروي عن إسماعيل عن هشام. [ وإسماعيل ]. هو إسماعيل بن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ] هو هشام الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يعلى بن عبيد ]. يعلى بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حجاج الصواف ]. حجاج الصواف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ جميعاً عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهما.
شرح حديث (إذا أصاب المكاتب حداً أو ورث ميراثاً يرث على قدر ما عتق منه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أصاب المكاتب حداً أو ورث ميراثاً يرث على قدر ما عتق منه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أصاب المكاتب حداً أو ورث ميراثاً يرث على قدر ما عتق منه). يعني: أن المكاتب إذا استحق دية أو ميراثاً؛ فإن له على قدر ما عتق منه، ولكن جاء في بعض الأحاديث فيما يتعلق بالميراث: (أنه عبد ما بقي عليه درهم) والأحاديث سبق أن مرت بنا في كتاب العتق، لكن معنى الحديث: أنه إذا كان للمكاتب دية أو ميراث فإنه يثبت له من الدية والميراث بحسب ما عتق منه، كما لو أدى نصف كتابته ثم مات أبوه وهو حر ولم يخلف غيره، فإنه يرث منه نصف ماله.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أصاب المكاتب حداً أو ورث ميراثاً يرث على قدر ما عتق منه)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة ]. مر ذكرهما. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهما.
حديث (إذا أصاب المكاتب حداً أو ورث ميراثاً...) من طرق أخرى وتراجم رجال إسناده


[ قال أبو داود : رواه وهيب عن أيوب عن عكرمة عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. يعني: ذكر طريقاً أخرى وهي عن علي رضي الله عنه. قوله: [ رواه وهيب عن أيوب عن عكرمة عن علي ]. هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن عكرمة عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأرسله حماد بن زيد و إسماعيل عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. يعني: أنه ذكره عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر علياً ولا ذكر ابن عباس . قوله: [ وجعله إسماعيل بن علية قول عكرمة ]. يعني: هو موقوف عليه وليس مرسلاً، وإنما هو يصير من قبيل المقطوع. ورجال الإسناد مر ذكرهم كلهم.
ما جاء في مقدار دية الذمي


شرح حديث (دية المعاهد نصف دية الحر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دية الذمي. حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (دية المعاهد نصف دية الحر) ]. قوله: [ باب في دية الذمي ]. الذمي والمعاهد والمستأمن حكمهم واحد، والدية لهم هي نصف دية الحر كما جاء في هذا الحديث، وجاء في غير هذا الحديث أن دية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دية المعاهد نصف دية الحر). يعني: أنها على النصف، فتكون على هذا خمسون من الإبل.
تراجم رجال إسناد حديث (دية المعاهد نصف دية الحر)


قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن إسحاق ]. عيسى بن يونس مر ذكره، و محمد بن إسحاق هو المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حديث (دية المعاهد نصف دية الحر) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


[ قال أبو داود : رواه أسامة بن زيد الليثي و عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب مثله ]. أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و عبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب مثله ]. يعني: مثل المتن الأول. والإسناد الأول فيه رواية محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب ، وقد روى بالعنعنة وهو مدلس، ولكن المتابعات التي ذكرها أبو داود عن أسامة بن زيد الليثي وعن عبد الرحمن بن الحارث تزيل احتمال التدليس في هذه الرواية.
الأسئلة



مقدار دية المرأة الذمية

السؤال: هل المرأة الذمية على النصف من دية الحرة المسلمة؟ الجواب: يبدو والله أعلم أن المرأة الذمية على النصف من المرأة المسلمة الحرة، ودية الرجل الذمي على النصف من دية الرجل؛ لأنه لو بقيت الذمية على النصف من الرجل المسلم صارت مساوية للمسلمة.

بطلان وصية الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحجرة النبوية


السؤال: إن الوصية المزعومة بوصية الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحجرة توزع في الحرم خصوصاً عند النساء، فحبذا لو تكلم الشيخ عنها؛ لكي يسمع النساء كلام الشيخ؟ الجواب: هذه الوصية يتم إظهارها ونشرها من حين لآخر، وهي مشتملة على باطل واضح، ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمة الله عليه رسالة قيمة في بيان بطلانها وما فيها من الكذب، وأنه لا يجوز النظر فيها، وأنها حقيقة بالتمزيق والإتلاف، وهذه الرسالة مطبوعة ضمن أربع رسائل بعنوان: ((التحذير من البدع)) واحدة منها في بيان بطلان هذه الوصية، ومما يدل على ما فيها من بطلان أن فيها وعداً بأنه من فعل كذا فله كذا، ومن كتبها أو كذا فإنه يكون كذا وكذا، وهذا شيء لا يحصل في القرآن ولا في غيره، فكيف بهذا الكلام الباطل؟!! وفي آخرها يقول: وحلمت يوم الإثنين بأنه من قام بنشر ثلاثين ورقة من هذه الوصية بين المسلمين فإن الله يزيل عنه الهم والغم، ويوسع عليه رزقه، ويحل له مشاكله، ويرزقه خلال أربعين يوماً تقريباً، وقد علمت أن أحدهم قام بنشر ثلاثين ورقة من هذه الوصية، فرزقه الله بخمسة وعشرين ألف (روبية)، كما قام شخص آخر بنشرها فرزقه الله بستة ألاف (روبية). وهذا من أعجب العجائب، وكيف تصدق العقول مثل هذا الكلام؟! أين الفقراء؟! أين أصحاب المشاكل؟! أين هم عن هذا الكلام الباطل، فهم لا يحصلون من ورائه إلا السراب والكلام الباطل؛ فالقرآن نفسه ليس فيه هذا الكلام، وحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو خير الكلام بعد كلام الله عز وجل، ليس فيه هذا الكلام، فكيف يصدق بمثل هذا الباطل؟! الحاصل أن إظهارها ونشرها حرام؛ لأنه نشر للباطل، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) ونشرها هو من نشر الضلال، وكل من ابتلي بها أو حصل له ضرر بسببها فعلى الذي دله عليها أو أرشده إليها مثل آثامه، من غير أن ينقص من آثام الذي ضل شيئاً، بل الضال عليه إثم ضلاله، والمضل عليه إثم إضلاله مع ضلاله.

ضابط قبول تبديع المشايخ لأحد من الناس


السؤال: لو قال أحد المشايخ عن أحد من الناس: هذا مبتدع، هل يلزم الطالب أن يأخذ بهذا التبديع؟ أم لا بد من معرفة وجه التبديع؛ لأنه قد يطلق هذا التبديع على من كان على سنة؟ الجواب: ما كل يقبل كلامه في هذا، إذا جاء عن مثل الشيخ ابن باز أو مثل الشيخ ابن عثيمين فيمكن أن يعول على كلامه، أما من هب ودب، فلا يأخذ منه مثل هذا الكلام.

حكم قبول خبر الثقة دون تثبت


السؤال: هل يقبل خبر الثقة مطلقاً دون تثبت، كأن يقول أحد المشايخ: إن فلاناً سب وطعن في الصحابة، فهل يجب علي أن آخذ بهذا القول وأحكم عليه، أم لا بد من التثبت؟ الجواب: لا بد من التثبت, ولو كان القائل من أهل العلم، إلا إذا عزاه إلى كتاب له، والكتاب موجود وبإمكان الناس أن يرجعوا إليه، أما مجرد كلام من غير أن يذكر له أساساً، لا سيما إذا كان الشخص من الموجودين، أما إذا كان من المتقدمين، وهو معروف بالبدعة، أو من أئمة أهل البدع وكل الناس يعرفه، مثل: الجهم بن صفوان فلو قال: إنه مبتدع فإن كلامه صحيح، أما من يحصل منهم خطأ وزلة، وعندهم جهود عظمية في خدمة الدين، فتجد بعض الناس يقضي عليهم بمجرد هذه الزلة وهذا الخطأ، فهذا غير صحيح.

ضرورة حمل المجمل على المفصل عند التعارض


السؤال: إذا وجد للعالم كلام مجمل في قضية ما، وقد يكون هذا الكلام المجمل ظاهره يدل على أمر خطأ، ووجد له كلام آخر في موضع آخر مفصل في نفس القضية موافق لمنهج السلف، فهل يحمل المجمل من كلام العالم على المفصل؟ الجواب: نعم، يحمل المجمل على المفصل، ما دام الشيء موهماً فالشيء الواضح الجلي هو المعتبر.

دية الضرس المركب إذا خلع


السؤال: الضرس المركب إذا خلع هل فيه دية مثل الضرس الأصلي؟ الجواب: لا، ليس مثل الضرس الأصلي؛ لأن الضرس المركب يمكن أن يركب مكانه من جنسه، وليس الشيء الذي وضع تعويضاً كالشيء الذي أوجده الله عز وجل، بل إن هذا له قيمة وهذا له قيمة."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #846  
قديم 03-07-2025, 06:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [513]
الحلقة (543)





شرح سنن أبي داود [513]

جاء في الدين الإسلامي تحديد دية القتل الخطأ الذي ليس فيه تعمد، ومقابل ذلك حدد مواطن أخرى ليس فيها دية، كمن رفسته دابة فآذته أو قتلته فليس له دية على صاحب الدابة، ومثله من انهدم عليه بئر أو أصابته نار بسبب انتقالها من مكانها دون تدخل من موقدها، أما من تعدى وتجاوز ما ليس أهلاً له كمن تطبب وليس بطبيب فيضمن، وإنما هذا للحفاظ على حياة الناس، وعدم انتشار الفوضى فيهم.

حكم الرجل يقاتل الرجل فيدفعه عن نفسه



شرح حديث يعلى بن أمية (قاتل أجير لي رجلاً فعض يده فانتزعها فندرت ثنيته فأتى النبي فأهدرها ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يقاتل الرجل فيدفعه عن نفسه. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: (قاتل أجير لي رجلاً فعض يده، فانتزعها فندرت ثنيته، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأهدرها، وقال: أتريد أن يضع يده في فيك تقضمها كالفحل؟) قال: وأخبرني ابن أبي مليكة عن جده: أن أبا بكر رضي الله عنه أهدرها، وقال: بعدت سنه ]. قوله: [ باب في الرجل يقاتل الرجل فيدفعه عن نفسه ]. أي: أنه خاصمه وتنازع معه. قوله: [ (قاتل أجير لي رجلاً فعض يده) ]. يعني: أن رجلاً عض يد آخر فنزعها المعضوض فسقطت ثنية العاض بسبب تلك العضة، فلما رفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر ثنيته، ولم يجعل لها دية؛ لأن هذا النزع حصل بسبب الوجع الذي حصل من فعله، ومعلوم أن ذاك ظالم بالعض، ومعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يترك يده يعضها ويقطعها كيف يشاء بأسنانه، فإذا نزعها فهو محق في نزعه، فإذا ترتب على نزعه سقوط أسنانه، فإن ذلك هو الذي جنى على نفسه بالعض؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أتريد أن يضع يده في فيك تقضمها كالفحل؟) يعني: تقضمها بأسنانك كما يقضم الفحل، هذا ليس بمعقول وليس بمسلم، بل إن الإنسان العاض هو الذي جنى على نفسه بكونه عض غيره، فإذا سقطت أسنانه أو بعض أسنانه؛ بسبب نزع المعضوض يده من فيه، فإنه لا يلزم ذلك المعضوض شيء في مقابل ذلك الانتزاع للسن أو الأسنان.
تراجم رجال إسناد حديث يعلى بن أمية (قاتل أجير لي رجلاً فعض يده فانتزعها فندرت ثنيته فأتى النبي فأهدرها ...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صفوان بن يعلى ]. صفوان بن يعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: وأخبرني ابن أبي مليكة عن جده: أن أبا بكر رضي الله عنه أهدرها، وقال: بعدت سنه ]. يعني: قال ابن جريج : وأخبرني ابن أبي مليكة عن جده، و ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جده ]. هو زهير بن عبد الله بن جدعان صحابي، أخرج له البخاري و أبو داود. [ أن أبا بكر ]. أبو بكر الصديق رضي الله عنه، مشهور بكنيته واسمه: عبد الله ، وأبوه: عثمان ، وهو مشهور بكنيته أبي قحافة ، وأبو بكر هو خير أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأفضلهم على الإطلاق، وهو خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأول الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث يعلى بن أمية (قاتل أجير لي رجلاً فعض يده فانتزعها فندرت ثنيته، فأتى النبي فأهدرها ...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب أخبرنا هشيم حدثنا حجاج و عبد الملك عن عطاء عن يعلى بن أمية بهذا، زاد: (ثم قال: يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعاض: إن شئت أن تمكنه من يدك فيعضها ثم تنزعها من فيه. وأبطل دية أسنانه) ]. أورد أبو داود طريقاً أخرى، وفيها: إن شئت أن تجعله يعض يدك ثم تنزعها، وهو لا يفعل ذلك؛ لأنه لا يصبر على الوجع؛ ولكن قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ليبين له أن هذا غير حاصل منك، فكيف تفعله مع غيرك؟ وعليك أن تقيس الناس على نفسك، فلو عض أحد يدك فإنك لا تصبر على تركها في فمه يقضمها ويقطعها، فكذلك عليك أن تفهم أن غيرك لا يصبر على أن تفعل به ذلك الفعل.
تراجم رجال إسناد حديث يعلى بن أمية (قاتل أجير لي رجلاً فعض يده فانتزعها فندرت ثنيته، فأتى النبي فأهدرها ...) من طريق أخرى


قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ] . زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن أرطأة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ و عبد الملك ]. هو عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء عن يعلى بن أمية ]. عطاء بن أبي رباح و يعلى بن أمية قد مر ذكرهما. وهو هنا ذكر أن عطاء يروي عن يعلى وهناك ذكر أنه يروي عن صفوان .
حكم من تطبب بغير علم فأعنت


شرح حديث (من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن تطبب بغير علم فأعنت. حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي و محمد بن الصباح بن سفيان أن الوليد بن مسلم أخبرهم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن) . قال نصر : قال: حدثني ابن جريج. قال أبو داود : هذا لم يروه إلا الوليد لا ندري هو صحيح أم لا ]. قوله: [ باب من تطبب بغير علم فأعنت ]. أعنت يعني: حصل له ضرر بسبب علاجه؛ لأنه غير طبيب وإنما هو متطبب، والمقصود من كونه ضامناً؛ لأنه أقدم على شيء لا يجيده وليس هو من أهله، ومقتضى هذا أن من تطبب أو من طب غيره وهو طبيب فإنه لا يضمن إذا كان لم يحصل منه خطأ، وذلك أنه لو كان طبيباً ماهراً فختن أو قطع الشيء الذي يقطع وحصل ضرر بسبب ذلك فإنه لا يضمن؛ لأنه قطع الشيء الذي يقطع، فإذا حصلت فيه سراية فسرايته هدر، ولكن لو أنه أخطأ وقطع رأس الذكر فإنه يضمن؛ لأنه فعل شيئاً لا يجوز فعله، وأقدم على شيء لا يجوز الإقدام عليه، ويكون على عاقلة الطبيب، وأما المتطبب فهو ضامن إن أخطأ وإن أصاب، يعني: إن أخطأ كما أخطأ الطبيب بأن قطع شيئاً لا يجوز قطعه، أو لم يخطئ ولكنه قطع الشيء الذي يقطع وحصلت سراية، فإنه يكون ضامناً؛ لأنه أقدم على شيء وهو ليس من أهله. إذاً: فهناك طبيب ومتطبب، الطبيب إن حصل منه خطأ بأن فعل شيئاً ليس له أن يفعله خطأً فإنه يضمن، وعلى العاقلة الضمان، وإن كان لم يخطئ ولكن حصلت سراية مع إصابته فإنه لا شيء عليه، وأما المتطبب فهو ضامن سواء أخطأ أو لم يخطئ. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو : (من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن). يعني: يضمن ما تلف بسبب تطببه. قوله: [ (تطبب) ] يعني: أنه تكلف التطبب أو فعل شيئاً لا يجيده. قوله: [ (ولم يعلم منه طب) ] مفهومه: أن من عرف بالطب فإنه لا يضمن، ولكن هذا في حال إصابته، وأما في حال خطئه بأن أقدم على شيء وقطعه خطأً، فإنه يكون ضامناً. والطبيب والمتطبب يضمنان وليس عليهما قصاص؛ لأن المتطبب جاهل فهو ضامن، والطبيب أخطأ فهو ضامن.
تراجم رجال إسناد حديث (من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن)

قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ و محمد بن الصباح بن سفيان ]. محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ أن الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال نصر قال: حدثني ابن جريج ]. يعني: أن الوليد صرح بالتحديث بينه وبين ابن جريج ، وأما محمد بن الصباح الشيخ الثاني فإنه لم يأت بالتصريح بالتحديث. [ قال أبو داود : هذا لم يروه إلا الوليد لا ندري هو صحيح أم لا ]. يعني: أنه متردد في صحته أو عدم صحته، لكن المرسل الذي بعده يشهد له، وفيه تدليس ابن جريج فقط، وأما تدليس الوليد بن مسلم فقد صرح بالتحديث.
شرح حديث (أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت، فهو ضامن) قال عبد العزيز : أما إنه ليس بالنعت، إنما هو قطع العروق والبط والكي ]. أورد أبو داود الحديث من طريق مرسلة عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ولفظه قال: (أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك، فأعنت فهو ضامن). يعني: أي معالج متطبب وليس بطبيب ماهر حصل بسبب تطببه ضرر فهو ضامن. وهذا مثل الذي قبله. قوله: [ أما إنه ليس بالنعت ] يعني: هذا التطبب ليس بالنعت بحيث يصف العلاج، ويقول: هذا ينفع في كذا وكذا، وهذا دواؤه كذا وكذا، وإنما هو الشيء المباشر كالبط والكي وقطع العروق. يعني: أن الذي ينعت الدواء فقط ولا يباشر التطبب بالفعل ليس هو المقصود، وإنما المقصود من قطع عرقاً أو كوى أو بط للجسد فحصل له بسببه ضرر فهذا هو الذي يضمن، أما الناعت فيمكن أن يترك قوله ولا يؤخذ به.
تراجم رجال إسناد حديث (أيما تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن)


قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حفص ]. هو حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ]. عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي ]. لا يعرف أحد منهم.
ما جاء في جناية العبد يكون للفقراء



شرح حديث (أن غلاماً لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء ... فلم يجعل عليه شيئاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في جناية العبد يكون للفقراء. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين: (أن غلاماً لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتى أهله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا أُناس فقراء، فلم يجعل عليه شيئاً) ]. قوله: [ باب في جناية العبد يكون للفقراء ]، أي: أن العبد الجاني تتعلق جنايته وحق غيره برقبته، إما أنه يباع ويؤخذ الحق من قيمته، وإما أن سيده يدفع ذلك الحق الذي تعلق برقبة عبده، وتبقى رقبة العبد الجاني له، وإن لم يدفع فإن الحق متعلق بالرقبة، فصاحب الحق له أن يطالب به، فإما أن يعطى العبد، وإما أن يباع ويأخذ حقه من قيمته، وأما الحر فإن العاقلة هم الذين يتحملون جنايته إن أخطأ، والعاقلة إذا كانوا فقراء ليس عليهم شيء، ولكن الذي يظهر أن هذا يبقى في الذمة، كالحقوق التي لا يمكن أداؤها في الحال، فإنها تبقى متعلقة في الذمة، فإذا أيسروا وإذا قدروا يدفعون، إلا أن يتجاوز عنهم. أورد أبو داود حديث عمران بن حصين: (أن غلاماً لأناس فقراء). أي: أن لفظة الغلام ليست مختصة بالعبد ولا بالحر، بل تكون لهذا ولهذا، فكل واحد يقال له: غلام. قوله: [ (لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء) ] يعني: أنه حصل منه جناية، والذين يتحملون العقل عنه هم فقراء، ومعلوم أن الفقير لا يلزم بشيء لا يطيقه، قال عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ، لكن الأمر كما قال الله عز وجل: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] ، أي: أنه لا يضيع الحق، ولكنه يبقى متعلقاً في الذمة. قوله: [ (فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا أناس فقراء، فلم يجعل عليه شيئاً) ]. لم يجعل عليه شيئاً؛ لأنهم فقراء لا يستطيعون الدفع، والله عز وجل يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. وقوله في الترجمة: [ باب في جناية العبد يكون للفقراء ] الذي يظهر أنه حر وليس عبداً؛ لأن العبد كما هو معلوم الجناية تتعلق برقبته. والحديث واضح بأنه ألزمهم بأن يعقلوا عنه، وهذا يدل على أنه حر وليس عبداً، فبين الترجمة والحديث مباينة. والعقل أو الدية إنما تكون في خطأ أو شبه عمد، أما العمد ففيه القصاص، إلا أن يعفو الولي، وعدم ذكر القصاص في هذا الحديث إما أن يقال: إن الغلام ليس بالغاً فعمده خطأ؛ لأنه غلام، أو يقال: إنه قطعها خطأً، لكن كلمة الغلام لا تعني: أنه صغير، قد يكون صغيراً وقد يكون كبيراً. وكونهم وصفوا بأنهم فقراء فهذا يدل على أنهم يعقلون عنه لكنهم لم يطالبوا بشيء لا يستطيعونه؛ لأن العاقلة إذا كان فيهم فقير وفيهم غني، فالفقير لا يؤخذ منه شيء، وإنما يؤخذ من الأغنياء.
تراجم رجال إسناد حديث (أن غلاماً لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء ... فلم يجعل عليه شيئاً)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. هو هشام الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمران بن حصين ]. هو عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في الدابة تنفح برجلها


شرح حديث (الرجل جبار)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الدابة تنفح برجلها. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن يزيد قال حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الرَّجْل جبار). قال أبو داود : الدابة تضرب برجلها وهو راكب ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب في الدابة تنفح برجلها ]، يعني: ترفس إنساناً أو تضرب إنساناً برجلها، وهذا فيما إذا كانت منفلته ليس معها صاحبها، فإذا جاء شخص إليها فرفسته برجلها، فليس على صاحبها شيء، لكن إذا كانت الدابة صائلة من الصوائل، فتركها صاحبها وآذت الناس، فإنه يكون ضامناً، وكان عليه أن يمسكها وألا يتركها ما دام أنها معروفة أنها من الصوائل، وأما إذا لم تكن صائلة ولكنها دابة ترعى، وجاءها أحد واقترب منها أو لمسها أو أراد منها شيئاً فرفسته برجلها فيكون جباراً، يعني: هدراً لا يضمن صاحبها. إذاً: إذا كانت الدابة صائلة وتركها صاحبها فإنه يضمن، أما إذا انفلتت منه وهو قد ربطها، أو أغلق عليها، فإنه لا يكون ضامناً؛ لأنه لم يفرط، وأما إذا كان راكباً عليها، وحصل أن رفست برجلها، فمن أهل العلم من قال: إن رفسها برجلها لأحد وراءها لا يقدر راكبها أن يتصرف فيها من الوراء، ولكن لو حصل الضرر بمقدمها، فإن عليه أن يحول بينها وبين ذلك، لكونه يستطيع أن يمسك بخطامها، وأن يمنعها من أن تقدم على شيء من الأمام.
تراجم رجال إسناد حديث (الرجل جبار)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ حدثنا محمد بن يزيد ]. هو محمد بن يزيد الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. [ حدثنا سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين ثقة في غير الزهري ، وهنا يروي عن الزهري ، فروايته عن الزهري فيها ضعف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية سفيان بن حسين عن الزهري ، وهو ضعيف في روايته عن الزهري ، وهذا منها، لكن التفصيل الذي ذكرته هو الذي يظهر.
العجماء والمعدن والبئر جبار



شرح حديث (العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العجماء والمعدن والبئر جبار. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة أنهما سمعا أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس). قال أبو داود: العجماء المنفلته التي لا يكون معها أحد، وتكون بالنهار لا تكون بالليل ]. قوله: [ باب العجماء والمعدن والبئر جبار ]. جبار يعني: هدر ليس فيها ضمان. والعجماء هي الدابة، ويقال لها: عجماء جمع عجماوات. والمقصود من ذلك أن الدابة إذا رفست برجلها أو وهي منفلتة ليس معها أحد، ولم تكن صائلة، فإن جرحها جبار، يعني: هدر لا يضمن صاحبها. قوله: [ (والمعدن جبار) ] وهو كون إنسان يستأجر أناساً لاستخراج المعادن، ثم ينهار عليهم ذلك المكان الذي فيه المعادن، فإن الذي استأجرهم ليس ضامناً. قوله: [ (والبئر جبار) ] هو كون إنسان استأجر أناساً يحفرون بئراً، ثم انهارت عليهم البئر فهي مثل المعدن، وهي هدر لا ضمان فيها، وكذلك كون إنسان استأجر إنساناً يبني له عمارة فسقط من العمارة ومات فإنه لا يضمنه، مثل هذه الأشياء لا ضمان فيها؛ لأن الإنسان ليس متسبباً فيه. قوله: [ (وفي الركاز الخمس) ]. الركاز هو الدفن الذي يوجد من دفن الجاهلية للكفار، فإنه يكون فيه الخمس، وأما ما كان من المسلمين فإنه لقطة يعرف سنة، ثم يكون لمن وجده.
تراجم رجال إسناد حديث (العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعا أبا هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. [ قال أبو داود : العجماء المنفلتة التي لا يكون معها أحد، وتكون بالنهار لا تكون بالليل ]. أي: لو أنها دخلت بالنهار في مزرعة وأكلت منها فإنه لا يضمن صاحبها؛ لأن على أهل المزارع أن يحفظوها بالنهار.
حكم النار تعدى


شرح حديث (النار جبار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النار تعدى. حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق ح وحدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا زيد بن المبارك حدثنا عبد الملك الصنعاني كلاهما عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (النار جبار) ]. أورد أبو داود: باباً في النار تعدى، والمقصود من ذلك أن الإنسان لو أوقد في مكانه أو في أرضه ناراً ثم طار منها شرر إلى جهة أخرى، وحصل تلف شيء بسبب ذلك فإنه لا ضمان عليه؛ لأن هذا شيء لا يملكه الإنسان. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (النار جبار) ] يعني: ما حصل بسبب انتقالها من مكان إلى مكان، فإنه لا ضمان على صاحب النار.
تراجم رجال إسناد حديث (النار جبار)


قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا جعفر بن مسافر التنيسي ]. جعفر بن مسافر التنيسي صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا زيد بن المبارك ]. زيد بن المبارك صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الملك الصنعاني ]. عبد الملك الصنعاني لين الحديث، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام بن منبه ]. همام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره.
القصاص من السن


شرح حديث (كسرت الربيع أخت أنس بن النضر ثنية امرأة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: القصاص من السن. حدثنا مسدد حدثنا المعتمر عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: (كسرت الربيع أخت أنس بن النضر ثنية امرأة، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقضى بكتاب الله القصاص، فقال أنس بن النضر ، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها اليوم، قال: يا أنس ! كتاب الله القصاص، فرضوا بأرش أخذوه، فعجب نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره). قال أبو داود : سمعت أحمد حنبل قيل له: كيف يقتص من السن؟ قال: تبرد ]. قوله: [ باب القصاص من السن ]. يعني: السن بالسن، ومن حيث الدية فكما عرفنا أن كل سن من الأسنان فيها خمس من الإبل، ولكن إذا حصل التعمد وطلب أولياء المجني عليه القصاص فإنه يقتص من الجاني، وذلك بنزع سنه إذا كانت السن كلها نزعت، أو ببردها إذا كانت كسرت، حتى تكون مماثلة للسن التي جني عليها. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك قال: (كسرت الربيع أخت أنس بن النضر ثنية امرأة فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بكتاب الله القصاص) يعني: ما دام أنه حصل تعد فإن الحكم في ذلك القصاص. قوله: [ (فقال أنس بن النضر : والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها اليوم) ]. وهذا حلف، وليس المقصود من ذلك الاعتراض على حكم الله، وإنما المقصود من ذلك أنه يريد أن يحصل التنازل، أو يحصل التعويض، ثم إن الله عز وجل سخر أولئك الذين جني عليهم فقبلوا الأرش ولم يصروا على القصاص، فعند ذلك عجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) أي: أنه حلف وحقق الله حلفه ولم يحنث، بأن سخر الله أولئك وتنازلوا عن المقاصة وأخذوا الأرش، فعند ذلك قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلمإن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) يعني: أبر يمينه فلم يحنث فيها. [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل قيل له: كيف يقتص من السن؟ قال: تبرد ]. يعني: لأنه حصل فيها كسر، لأنه قال في الحديث: (كسرت)، ومعنى ذلك: أن أصلها موجود، أما لو أنها نزعت من أصلها فتنزع، وأما الكسر فالأصل موجود وإنما كسر طرفها، فالطريقة أنها تبرد حتى تكون مساوية لسن المجني عليه؛ لأن التماثل يحصل بهذا، وعند ذلك تكون المقاصة بخلاف لو ضربها فإنها قد تزيد.
تراجم رجال إسناد حديث (كسرت الربيع أخت أنس بن النضر ثنية امرأة ...)


قوله: [ حدثنا مسدد عن المعتمر ]. مسدد مر ذكره، و المعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الطويل ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل مر ذكره.
الأسئلة



حكم الإقسام على الله عندما يسأل العبد شيئاً من الأمور


السؤال: هل يجوز للمسلم أن يقسم على الله في سؤاله لشيء من الأمور؟ الجواب: ليس له ذلك، وإنما يسأل الله عز وجل ويلح في الدعاء بدون أن يقسم، ولكن هذا في أمور تتعلق بالناس.

حكم من قتل عبد غيره


السؤال: إذا قتل شخص عبد غيره فماذا عليه؟ الجواب: معلوم أن قيمة العبد لازمة لسيده؛ لأنه مال، وإذا كان هذا القاتل معروفاً بالفساد، فإنه يقتل تعزيراً.

حكم إطلاق عبارة إن المعروف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجبروت والشدة والغلظة
في دين الله


السؤال: هل تصح هذه العبارة: إن المعروف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجبروت والشدة والغلظة في دين الله؟ الجواب: كلمة الجبروت هذه لا تصلح، وأما قضية الشدة والقوة في دين الله، لاشك أنه كان شديداً وقوياً في دين الله؛ ولهذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم له: (ما سلكت فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك) فهو معروف بقوته وشدته في الدين، وأبو بكر رضي الله عنه كان معروفاً بلينه و بسهولته، لكنه كان أشد من عمر فيما يتعلق بالمرتدين وفي مانعي الزكاة، وجاء عن ابن مسعود في الصحيح أنه قال: ( ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر ) وذلك لشدته وقوته، فكان قبل أن يسلم شديداً على المسلمين، وبعد أن دخل في الإسلام صارت شدته على الكافرين، أما كلمة جبروت أو جبار أو أي عبارة قد يفهم منها ما لا ينبغي، فالمطلوب هو سلامة القلوب والألسنة من كل ما لا يليق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لزوم كفارة العتق أو الصيام على القاتل شبه العمد أو الخطأ دون القاتل عمداً


السؤال: هل على القاتل عمداً أو شبه عمد أو خطأ صيام شهرين متتابعين؟ الجواب: القاتل شبه عمد أو خطأ عليه صيام شهرين، أما القاتل عمداً فليس عليه الصيام؛ لأن ذنبه كبير لا يكفره أنه يصوم شهرين، أو أنه يعتق رقبة، وإنما هذه كفارة للخطأ وشبه العمد، وأما العمد فلا يغني فيه التكفير ولا تنفع فيه الكفارة.

طلب الإجازة من الشيخ بتدريس سنن أبي داود من أحد الطلبة


السؤال: يقول أحد الإخوة: قد درسنا معكم خلال أربع سنوات هذا الكتاب، فهل تجيزونا في تدريسه في بلادنا؟ الجواب: والله أنا لا أستطيع أن أجيز كل من سمع وكل من حضر بأن يدرس السنن، ولكن الإنسان هو أدرى بنفسه وهو أعرف بنفسه، فإذا كان يرى من نفسه القوة، فإن له أن يدرس، لكن الأولى له أن يدرس الأمور السهلة واليسيرة ويبدأ بها، هذا إذا كان لم يدرس شيئاً في الحديث غير هذا الكتاب، فلا يذهب ليدرس هذا الكتاب رأساً، وإنما عليه أن يبدأ بالأمور اليسيرة والسهلة قبل ما هو أعلى منها مثل: الأربعين النووية، ومثل: عمدة الأحكام، وعمدة الأحكام كلها أحاديث صحيحة متفق عليها، وإن كان بعضها قد حصل شيء من الوهم للمقدسي رحمه الله فيقول: متفق عليه ويكون في أحد الصحيحين وليس فيهما جميعاً. إذاً: الإنسان يتقي الله ما استطاع وينفع ما استطاع، ولكن لا يقدم على شيء لا يجيده ولا يتمكن من إعطائه ما يستحق.

نصيحة لطلاب العلم باستغلال العطلة الصيفية في الدعوة إلى الله


السؤال: قد أزف وقت الترحال إلى أوطاننا وأنا كلما أردت السفر وضعت لنفسي خطة دعوية وإرشادية أسير عليها في العطلة، ولكن العزائم تضعف بعد السفر وأنشغل بالدنيا، ولا أستطيع أن أؤدي واجبي على ما يرام، وأظن أنني لست وحيداً في هذا الأمر، فقد يشاركني غيري من الزملاء في هذا الشعور، فهل من نصيحة لأمثالي تقوي عزائمنا، ونستطيع إرشاد الأمة في مثل هذا الوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى دعاة ناجحين؟ الجواب: على الإنسان الذي وفقه الله لطلب العلم ودرس مدة من الزمان في تحصيل العلم، أن يبلغ وأن يدعو إلى الله عز وجل، وأن يبصر غيره، وأن يكون هو قبل ذلك عاملاً بعلمه، ثم قبل هذا كله أن يكون صادقاً في دعوته ومخلصا ًلله في قصده، حتى يحصل الأجر والثواب من الله عز وجل، وحتى يكون لدعوته فائدة، ويكون لها ثمرة، ثم عليه أن يحفظ وقته، وأن يقسمه -إذا كان محتاجاً إلى العمل من أجل كسب الرزق- بين الدعوة والتدريس وبين طلب الرزق، فعليه أن يخصص شيئاً من الوقت في هذه المهمة، ويخصص للدعوة أوقاتاً أخرى، وبذلك يكون الإنسان قد جمع بين ما يحتاج إليه وما تتطلبه ظروفه المعيشية من تحصيل القوت الذي يستغني به عن الناس ولا يشغل باله فيه، وفي نفس الوقت يخصص أوقاتاً أخرى للدعوة والتوجيه والإرشاد، ومعلوم أن الإنسان إذا كان ذا همة عالية فإنه ينتهز الفرص ويغتنم الأوقات، وإما أن تكون هناك جهات تجمع الناس ويقوم بتوجيههم وإرشادهم كالمدارس، أو أنه يحرص على أن يتكلم في المساجد بعد الصلوات بكلمات مفيدة بصفة مستمرة، بحيث تكون الكلمات قصيرة ولكنها نافعة، فهذا أمر طيب. إذاً: المسألة تتوقف على قوة العزيمة والصدق والهمة العالية، وإلا فإن الإنسان إذا أرخى لنفسه العنان، ثم بدأ حياته بعد الدراسة بالكسل والخمول، فإنه يستمر على كسله وخموله، ولا تلبث معلوماته التي حصلها فيما مضى أن تتلاشى وتضمحل، ولكنه حين يكون مشتغلاً بالعلم تعلماً ومذاكرة واطلاعاً وتدريساً ودعوة وإرشاداً، فإن هذا هو الذي يبقي على علمه، ويزيد في علمه وفي معلوماته، وفي نفس الوقت ينفع نفسه وينفع غيره، فيكون مفيداً مستفيداً وراشداً مرشداً وهادياً مهدياً، المهم في الأمر قوة العزيمة والهمة العالية، وأسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين إنه سبحانه وتعالى جواد كريم."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #847  
قديم 03-07-2025, 07:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [514]
الحلقة (544)





شرح سنن أبي داود [514]

إن الاختلاف والفرقة سنة من سنن الله التي قدرها على عباده، وكما افترقت الأمم السابقة إلى طوائف شتى فإن هذه الأمة ستفترق كذلك إلى طوائف وفرق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الفرق كلها في النار غير فرقة واحدة، فإنها تبقى متمسكة بطريقته صلى الله عليه وسلم بسنن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
شرح السنة


الفرق بين منهج المتقدمين والمتأخرين في التصنيف في مباحث العقيدة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب شرح السنة. حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [كتاب السنة]، وهذا الكتاب من جملة كتب كتاب السنن لأبي داود ، وهو يتعلق بمباحث العقيدة، ولفظ السنة يأتي عند السلف والمراد به ما يتعلق بالعقيدة، ولهذا نجد أن الكتب التي أفردت بهذا الاسم هي من كتب العقيدة، وغير أبي داود أفرد مباحث العقيدة بكتب، فمنها ما جاء بهذه التسمية وهو: كتاب السنة، وأما أبو داود رحمه الله فقد جعل هذا الكتاب ضمن كتابه السنن، فهو من جنس كتاب التوحيد عند الإمام البخاري ، وكتاب الإيمان عند الإمام البخاري أيضاً، أي: أن الكتاب الجامع يشتمل على كتب في العقيدة: ككتاب الإيمان، وكتاب السنة، وكتاب التوحيد.. وغير ذلك من الكتب التي هي ضمن الكتب الجامعة. ومن المعلوم أن التأليف في العقيدة له حالتان أو طريقتان: إحداهما طريقة المتقدمين، وهي أنهم يذكرون الأحاديث والآثار بالأسانيد، ويخصصون كتباً للعقيدة باسم السنة، أو باسم الإيمان، أو باسم الرد على الجهمية.. أو غير ذلك، ومن العلماء من يجعل في المؤلفات الجامعة العامة كتباً تشتمل على مباحث العقيدة، كما فعل أبو داود رحمه الله في هذا الكتاب، فقد ذكر كتاب السنة ضمن كتابه: (السنن). وأما الطريقة الثانية فهي طريقة المتأخرين، فتجدهم يأتون إلى مباحث العقيدة فيذكرون في كل مبحث ما ورد فيه من الآيات والأحاديث، لكنهم لا يسندون ذلك، بل يعزون ذلك إلى الكتب المسندة، فيقولون مثلاً: روى البخاري في صحيحه كذا، وروى أبو داود في سننه كذا، وروى ابن ماجة في سننه كذا، دون أن يذكروا أسانيدهم بذلك، وإنما يذكر الكتب التي خرجت تلك الأحاديث، وكذلك يذكرون الآثار والرد على المخالفين. ويأتي ضمن تأليفات المتقدمين أسماء عامة يدخل تحتها مسميات كثيرة، فمثل لفظ السنة جاء فيه مؤلفات عديدة، منها ما هو موجود ومنها ما ليس موجوداً، بل فُقد ولم يظفر منه على شيء، ومثال الكتب المؤلفة في السنة: كتاب السنة لابن أبي عاصم ، والسنة للطبراني ، والسنة للالكائي ، والسنة لمحمد بن نصر المروزي ، وكتب كثيرة بهذا اللفظ، ومنها ما هو باسم الإيمان، ومنها ما هو باسم الرد على الجهمية، وأما المتأخرون -فكما قلت- فإنهم يذكرون الآيات والأحاديث والآثار، ويردون على المخالفين في كل موضوع من الموضوعات، وذلك مثل شرح العقيدة الطحاوية، ومثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية كمنهاج السنة، والعقيدة الواسطية والتدمرية والحموية، وغير ذلك من الكتب، ومثل كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ككتاب التوحيد وغيرها من الكتب.
المعاني المرادة من إطلاق لفظ السنة


ولفظ السنة يطلق على أربعة معانٍ، أعمها وأشملها: أن السنة تطلق ويراد بها ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي، سواء كان كتاباً أو سنة، والمراد بالسنة هنا الطريقة، أي: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، ومن أمثلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) أي: طريقته ومنهجه ودينه الذي جاء به عليه الصلاة والسلام؛ فالقرآن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ما جاء به الرسول من الوحي فهو داخل في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى العام، فمن رغب عن سنتي التي جئت بها -سواء كانت في القرآن أو في السنة- فليس مني. والمعنى الثاني: أن تأتي بمعنى الحديث، أي: خصوص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. والمحدثون والفقهاء عندما يأتون إلى الاستدلال على مسائل فإنهم يقولون: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فالمراد بالسنة هنا الحديث؛ لأنها عطفت على الكتاب، فيراد بها خصوص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا ذكروها إجمالاً عادوا إليها تفصيلاً، فقالوا: فأما الكتاب فيقول الله عز وجل كذا وكذا، وأما السنة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، وأما الإجماع فقد حكى فلان الإجماع على كذا، وأما المعقول فإن القياس والعقل يدل على كذا وكذا مما هو مطابق للنقل، لذلك تطلق السنة على الحديث، فيقال: حديث ويقال: سنة، فهما بمعنى واحد، والحديث هو ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف خَلقي أو خُلقي، وهذه هي السنة. المعنى الثالث: أن يؤتى بالسنة في مقابل بدعة، ومنه ما نحن فيه هنا، فإن قوله: كتاب السنة، أي: ما يعتقد طبقاً للسنة، ومخالفاً ما هو مبتدع، وكذلك قولهم: فلان من أهل السنة، أي: ممن هو على عقيدة سليمة وصحيحة، ويقال: هذا سني وذاك بدعي، أي: إذا كان هذا من أهل السنة وذاك من أهل البدع. والمعنى الرابع: أن يراد بالسنة: المندوب والمستحب في اصطلاح الفقهاء، أي: أنها مترادفات عندهم، لذلك فالفقهاء يقسمون الأحكام إلى خمسة أقسام، وهي: واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح، فما أمر به على سبيل الإلزام يقال له: واجب، وهو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وما أمر به ليس على سبيل الإلزام يقال: مندوب ومستحب، وهذا هو الذي يقال له في اصطلاح الفقهاء: سنة، فإذا جاء في كتب الفقهاء يسن كذا، أو يستحب كذا، أو يندب كذا، أو هذا سنة، أو هذا مندوب، أو هذا مستحب، فإنه يقصد بذلك ما كان الأمر فيه ليس على سبيل الإلزام.
شرح حديث (افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة..)


وأورد أبو داود رحمه الله باب: شرح السنة، والمقصود بذلك بيان وإيضاح المراد بالسنة، وقد جاء في حديث معاوية بيان أن المقصود بالفرقة الناجية التي هي واحدة من ثلاث وسبعين فرقة، والتي هي في الجنة، أنها الجماعة، وهم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالمقصود بقوله: شرح السنة، أي: بيان وتوضيح السنة. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة)، وهذا الحديث يدل على حصول الافتراق في الأمم السابقة من اليهود والنصاري، وأنهم فرق شتى، ونحل متعددة، وأن هذه الأمة سيحصل لها مثل ما حصل لهم، وأنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، فرقة واحدة في الجنة، واثنتان وسبعون في النار، أي: أنها مستحقة لدخول النار، وهذا الحديث فيه الإخبار عن أمور مغيبة، ففيه الإخبار عن أمور مضت، وأمور مستقبلة، فالأمور التي مضت هي افتراق اليهود والنصارى إلى هذه الفرق الكثيرة، والأمر المستقبلي هو افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، ولا ينجو منها إلا فرقة واحدة، وهذه هي الفرقة الناجية، وهي الجماعة، أي:جماعة المسلمين الذين كانوا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهجه وطريقته، واثنتان وسبعون فرقة مخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم ليسوا كفاراً، بل هم مسلمون، ولكنهم مستحقون للعذاب، وأمرهم إلى الله عز وجل، فمن شاء أدخله النار، ولكنه لابد أن يخرج منها؛ لأنه لا يبقى فيها أبد الآباد إلا الكفار، ومن شاء الله تعالى أن يعفو عنه عفا عنه وأدخله الجنة ولم يدخل النار، ومن دخلها فإنه لابد وأن يخرج منها، وهذه الفرق هي من أمة الإجابة، فهم مسلمون، ولكن عندهم بدع وأهواء ومخالفات، فهم يستحقون بسببها النار كما ذكرنا سابقاً، ولا يسلم من عذاب الله ويدخل الجنة من أول وهلة إلا فرقة واحدة وهم الجماعة، وهم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وهذا الحديث من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، فإن فيه إخباراً عن أمور ماضية وعن أمور مستقبلة، وقد وقعت تلك الأمور المستقبلة، طبقاً لما أخبر به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو من الأحاديث المشتملة على علامة من علامات نبوته وهو الإخبار عن أمر مغيب. قوله: [ (وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة) ]، المراد بذلك أمة الإجابة؛ لأن أمة الإجابة هم المسلمون الذين دخلوا في الإسلام، وفيهم من هو سالم من البدع، وفيهم من هو واقع في البدع، والأكثرون هم الواقعون في البدع، وهم مستحقون للنار، وأمرهم إلى الله عز وجل، وأمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أمتان: أمة دعوة، وأمة إجابة، فأمة الدعوة هم الإنس والجن، وذلك من حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، أي: أن الدعوة موجهة إليهم، فهم مكلفون ومطالبون بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن دخل في دينه، وآمن به، واتبع ما جاء به فقد سلم، ومن أعرض ولم يدخل فيما جاء به من الدين الحنيف فإنه يكون كافراً، ومآله إلى النار، ولو كان تابعاً لنبي من الأنبياء السابقين؛ لأنه ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم خُتمت الرسالات، وتعين على كل من جاء بعد بعثة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن يدخل في دينه، وإلا فليس أمامه إلا النار، ويكون كافراً من الكفار؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، فقوله في هذه الحديث: (لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصران) المراد به أمة الدعوة؛ لأنه ذكر اليهود والنصارى فيها، واليهود والنصارى هم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم مدعوون ومطالبون بالدخول في دينه، ومن أبى ولم يدخل في دينه فهو كافر، وليس له إلا النار خالداً مخلداً فيها أبد الآباد ولا ينفعه أن يقول: إنه تابع لموسى إذا كان يهودياً، أو إنه تابع لعيسى إذا كان نصرانياً؛ لأن تلك الرسالات قد انتهت ونسخت ببعثة نبينا محمد عليه الصلا والسلام، فشريعته ناسخة لجميع الشرائع، ولا يقبل الله من أحد ديناً سوى الدين الذي جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، نعم ينفعهم قبل أن يبعث النبي عليه الصلاة والسلام أن يتبعوا موسى ويسيروا على طريقته، أو أن يتبعوا ما جاء به عيسى، فهم على حق في ذلك الوقت، وأما بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينفع أحداً أن يدعي أنه تابع لموسى أو عيسى، بل لا بد أن يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم وإلا كان كافراً ليس أمامه إلا النار. وعلى هذا فالأمة أمتان كما ذكرنا سابقاً: أمة دعوة، وأمة إجابة، فأمة الدعوة هي التي جاء ذكرها في حديث: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة..)، وأما أمة الإجابة فهي التي ذكرت في حديثنا هنا، وهو (إن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة: اثنتان وسبعون فرقة في النار، وواحدة في الجنة). وقد جمع الله عز وجل بين الأمتين، وبين أن الدعوة موجهة إليهم على سبيل العموم، وبين من كان موفقاً للدخول في الإسلام، وذلك في قوله: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25]، فقوله: (والله يدعوا إلى دار السلام) فيه حذف المفعول، أي: فكل الناس مدعوون إلى دار السلام، فليس هناك تفريق بين الناس في ذلك؛ ولهذا أثبت الله لنبيه صلى الله عليه الهداية العامة، وهي: هداية الدلالة والإرشاد فقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52]، فالرسول صلى الله عليه وسلم دل وأرشد إلى الطريق المستقيم، وأوضح ذلك الطريق غاية الإيضاح؛ حتى يوصل إلى الله عز وجل، فمن أخذ به سلم، ومن أعرض عنه خسر، وهذا الإرشاد والبيان موجه إلى كل أحد من أمة الدعوة، ثم قال: (( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))، وهؤلاء هم الذين وفقوا للدخول في الإسلام، وهداهم الله إلى الصراط المستقيم، (( وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) منهم من هو على الجادة المستقيمة، ومنهم من عنده خلل، ولكنهم كلهم لا يخلد أحدٌ منهم في النار، وهذا قد بيناه سابقاً.
تراجم رجال إسناد حديث (افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة...)


قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن وقاص الليثي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثرهم حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث (ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل و محمد بن يحيى قالا: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان ح وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية قال: حدثني صفوان نحوه، قال: حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال: (ألا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة). زاد ابن يحيى و عمرو في حديثيهما: (وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه، -وقال عمرو : الكلب بصاحبه- لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله) ]. أورد أبو داود حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه في افتراق الأمم السابقة على اثنتين وسبعين، وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين، وأن اثنتين وسبعين منها في النار، وواحدة في الجنة، وأن هذه الواحدة التي في الجنة هي الجماعة، أي: الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما جاء تفسير ذلك في بعض الروايات بقوله: (هم من كانوا على ما أنا عليه وأصحابي)، والحديث دال على ما دل عليه حديث أبي هريرة من افتراق الأمم السابقة، واللفظ الذي ذكره هو الذي جاء في بعض الأحاديث عن النصارى، وأنهم انقسموا على اثنتين وسبعين فرقة، وهذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهو مطابق لما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم من انقسام هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وأن اثتنين وسبعين فرقة في النار، وواحدة في الجنة، ولكن -كما قلت- هذه الأمة هي أمة الإجابة، وهذه الفرق كلها من المسلمين، ولكن أكثرهم على انحراف عن الجادة، ومستحقون للنار، وأمرهم إلى الله عز وجل، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، أو هم من كان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قوله: [ (وأنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحب) ]، أي: أنه يخرج أقوام وهم من هذه الفرق الثنتين وسبعين التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم في النار، تتجارى فيهم الأهواء، والأهواء هي: البدع التي يتبع فيها الهوى ولا تتبع فيها السنة فيكون عندهم انحراف، مع كونهم مسلمين، (تتجارى بهم الأهواء) أي: أن الأهواء توجد فيهم، وتتمكن من عقولهم (كما يتجارى الكلب بصاحبه)، والكلب: هو الداء الذي يحصل من الكلب الذي أصيب بداء الكلب، فإذا عضّ أحداً فإنه يحصل لذلك المعضوض بسبب هذه العضة ضرر وألم يصل إلى جميع جسده، ولا يبقى منه مفصل أو عرق إلا دخله.
تراجم رجال إسناد حديث (ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحديث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ قالا: حدثنا أبو المغيرة ]. أبو المغيرة هو عبد القدوس بن حجاج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صفوان ]. هو صفوان بن عمرو، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني صفوان ]. صفوان هو ابن عمرو الذي مر ذكره. [ نحوه ]. أي: أن السياق كان على الإسناد الأول، وأما السياق الثاني فهو على نحو السياق الأول. [ حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي ]. أزهر بن عبد الله الحرازي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي عامر الهوزني ]. أبو عامر الهوزني هو عبد الله بن لحي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن معاوية بن أبي سفيان ]. معاوية بن أبي سفيان ، أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ (وهي الجماعة) ]، أي: الذين كانوا على السنة؛ ولهذا يأتي في الكتب التي أُلفت في عقيدة أهل السنة والجماعة: هم جماعة المسلمين الذين هم على الحق، وعلى منهاج النبوة، وعلى ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، فهؤلاء هم الجماعة، وقد جاء تفسيرها في بعض الأحاديث (هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي) بدل ذكر الجماعة. قوله: [ زاد ابن يحيى و عمرو في حديثيهما ]. ابن يحيى هو محمد بن يحيى الذهلي الذي جاء في الإسناد الأول، وعمرو هو الذي جاء في الإسناد الثاني. [ زاد في حديثيهما: (وإنه سيخرج من أمتي أقوام) ]. أي: أن هذه الزيادة ليست عند الإمام أحمد ، وإنما هي عند محمد بن يحيى الذهلي وعمرو بن عثمان . قوله: [ (كما يتجارى الكلب لصاحبه - وقال عمرو -الكلب بصاحبه) ]، أي: أن محمد بن يحيى قال: لصاحبه، والثاني قال: بصاحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #848  
قديم 03-07-2025, 07:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن


شرح حديث (...فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن. حدثنا القعنبي حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري عن عبد الله بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الآية: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ))[آل عمران7] إلى (( أُوْلُوا الأَلْبَابِ ))[آل عمران7]، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) ]. أورد أبو داود باب النهي عن الجدال واتباع المتشابه من القرآن، والمراد: الجدال في القرآن بالباطل وبغير حق، وكذلك اتباع المتشابه من القرآن، وهو الذي يكون في دلالته خفاء، والقرآن فيه محكم ومتشابه، فالمحكم دلالته واضحة جلية لا خفاء فيها، والمتشابه هو الذي دلالته غير واضحة، وطريقة أهل السنة والجماعة في ذلك أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، وأما طريقة أهل الأهواء فإنهم يتركون المحكم ويصيرون إلى المتشابه؛ ولهذا جاء في هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)، أي الذين يتبعون المتشابه، ولا يردونه إلى المحكم، ولو ردوه إلى المحكم لاتضح وتبين، ولكنهم يأخذون بالمتشابه ويفسرونه بما يريدون من الاحتمالات، فأولئك هم الذين ذمهم الله عز وجل، ولهذا قال: (فاحذروهم) أي: الذين هذا شأنهم. وقد وصف القرآن بأنه كله محكم، ووصف بأنه كله متشابه، ووصف بأن منه المحكم ومنه المتشابه، فهناك إحكام عام، وهناك إحكام خاص، وهناك محكم ومتشابه متقابلان، ويفسر كل واحد منهما بمعنى، فمعنى كون القرآن محكماً أي: أنه في غاية الإتقان والإحكام، وهذا هو الإحكام العام، ومعنى كونه متشابهاً، أي: يشبه بعضه بعضاً في الحسن والإتقان، وقد جاء الإحكام العام في أول سورة هود في قوله: (( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ))[هود:1]، وجاء التشابه العام في قوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر:23]، وأما آية آل عمران فقسمته إلى محكم ومتشابه، فالمحكم هو: الواضح الجلي، والمتشابه هو: الذي في دلالته خفاء ويحتمل احتمالات.

تراجم رجال إسناد حديث (...فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري ]. يزيد بن إبراهيم التستري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي مليكة ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم بن محمد ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
مجانبة أهل الأهواء وبغضهم


شرح حديث (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم. حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن رجل عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله) ]. أورد أبو داود باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم، ومجانبة أهل الأهواء تعني البعد عنهم، وعدم مخالطتهم، وبغضهم يكون من أجل الله، ومن أجل ما هم عليه من الأهواء، ومن أجل مخالفتهم للسنة، وارتكابهم للبدع، فهم يُبغضون من أجل ذلك، ويبتعد عنهم، وهذا هو معنى المجانبة، أي: أن يكون المرء في جانب وهم في جانب حتى يسلم من بدعهم وبلائهم، وهو مع كونه يجانبهم ويبتعد عنهم فإنه يبغضهم؛ لأن من شأن المسلم أن يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويحب من يحبه الله ورسوله، ويحب ما يحبه الله ورسوله، ويبغض من يبغضه الله ورسوله، وما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله -أي: أن الحب يكون في الله ومن أجل الله- وأن يكره أن يعود للكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، وهذه الثلاث الخصال من وجدت فيه ذاق طعم الإيمان، وهذا يطابق ما نحن فيه من جهة أنه يبغض أهل الأهواء والبدع من أجل الله؛ لأنهم انحرفوا عن الجادة، وخرجوا عن الصراط المستقيم، وتركوا المنهج القويم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخروج منه قد يوصل إلى حد الكفر، فتكون تلك البدعة مكفرة، ويكون صاحبها كافراً وحكمه حكم الكفار، ومنها ما تكون بدعة مفسقة وليست مكفرة، وهذا هو الذي تدخل فيه الفرق التي مر ذكرها، وهم أمة الإجابة، وأما من كانت بدعته مكفرة فهذا ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم -أمة الإجابة-، وإنما هو من الكفار الذين مآلهم إلى النار، ويبقون فيها أبد الآباد إلى غير نهاية. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)، وهذا الحديث ورد بهذا الإسناد وهو ضعيف، ولكنه ثابت بلفظ: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، والحديث الذي أشرت إليه سابقاً، وهو: (أن يحب المرء لا يحبه إلا لله)، وأن من كان كذلك فقد ذاق حلاوة وطعم الإيمان؛ لأنه يحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويحب من يحبه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام من الأشخاص، ويحب ما يحبه الله ورسوله من الأقوال والأعمال، فهو يحب في الله، ومن أجل الله.
تراجم رجال إسناد حديث (أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا خالد بن عبد الله ]. هو خالد بن عبد الله الطحان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن أبي ذر ]. رجل هنا مبهم، وأبو ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده رجل ضعيف، ورجل مبهم.
شرح حديث (نهي النبي عن كلام الثلاثة الذين خلفوا)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال: (سمعت كعب بن مالك وذكر ابن السرح قصة تخلفه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة،حتى إذا طال عليَّ تسورت جدار حائط أبي قتادة -وهو ابن عمي-، فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام! ثم ساق خبر تنزيل توبته) ]. ذكر حديث كعب بن مالك رضي الله عنه المتعلق بتخلفه عن غزوة تبوك، وقد استنفر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس، وأمرهم بالخروج، على ألا يتخلف إلا معذور، وقد تخلف هؤلاء الثلاثة وهم غير معذورين، فهجرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بعدم مخاطبتهم، فحصل لهم ما حصل، ومكثوا على تلك الحال خمسين يوماً، ثم أنزل الله توبته عليهم، ومحل الشاهد من هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تركهم خمسين ليلة، وأمر الصحابة بهجرهم وتركهم وعدم مخاطبتهم، حتى كانوا لا يردون عليهم السلام، وذلك للمعصية التي وقعوا فيها، وهي: تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، ولكنهم كانوا أهل صدق، فنجاهم الله تعالى بصدقهم، ولما أنزل الله توبته عليهم عاد حالهم إلى ما كانوا عليه من قبل، فالتوبة تجب ما قبلها، وأنزل الله تعالى فيهم قرآناً يتلى في سورة التوبة وهو قوله: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118]، فتاب الله عليهم ونجاهم بصدقهم، ولهذا فكعب بن مالك رضي الله عنه لما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: لماذا تخلفت؟ قال مقالة عظيمة وهي: إنني قد أوتيت جدلاً، ولو كنت مع أحد غيرك من أهل الدنيا لأمكنني أن أتخلص منه، ولكن أما أنت فلو حدثتك بشيء خلاف الواقع فإن الوحي سينزل بتكذيبي، وإنني لا أكلمك إلا بالصدق، فكلمه بالصدق، وأخبره بالذي قد حصل، وأنه لم يكن له عذر، وأنه حصل منه التسويف والتأخر حتى حصل ما حصل، وقدر الله وما شاء فعل. وتركهم الرسول صلى الله عليه وسلم مدة خمسين ليلة، وهذا يدل على أن هجر المبتدع لا يتقيد ولا يتحدد بوقت، وأما الحديث الذي جاء فيه النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنما هو لأمور الدنيا وليس من أجل الدين، وأما إذا كان من أجل الدين فإنه يستمر حتى تحصل المنفعة والفائدة من ورائه إذا كان يترتب على ذلك فائدة. يقول الخطابي رحمه الله: وفيه دلالة على أنه لا يحرج المرء بترك رد سلام أهل الأهواء والبدع. أقول: ولا يصير رد السلام في هذه الحالة واجباً، فقد جاء في حديث كعب بن مالك أنه كان يسلم ولا يردون عليه السلام، كما في هذا الحديث الذي معنا، فقد ذكر أنه تسلق على حائط أبي قتادة الأنصاري -وهو ابن عمه- فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، وكذلك جاء عنه في الحديث الطويل أنه كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه، فينظر إلى شفتيه هل حركهما أو لم يحركهما. وفيه دليل أيضاً على أن من حلف على ألا يكلم رجلاً فسلم عليه، أو رد عليه السلام كان حانثاً؛ لأن هذا كلام، فتلزمه الكفارة.
تراجم رجال إسناد حديث (نهي النبي عن كلام الثلاثة الذين خلفوا)


قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن كعب بن مالك ]. عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، وقيل: له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن كعب بن مالك ]. كعب بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ترك السلام على أهل الأهواء


شرح حديث امتناع النبي عن رد السلام على عمار لتخلقه بالزعفران


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ترك السلام على أهل الأهواء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر قال: (قدمت على أهلي وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسلمت عليه فلم يرد علي، وقال: اذهب فاغسل هذا عنك) ]. أورد أبو داود باب ترك السلام على أهل الأهواء، والمقصود من ذلك هو التأديب لهم، وهذا فيه مصلحة وفائدة لهم؛ لأن المقصود من وراء ذلك هو الإصلاح والإحسان إليهم حتى ينزجروا ويرتدعوا. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه، قال: (قدمت على أهلي وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران) أي: دهنوا يديه المشققتين بالزعفران، وكأن المقصود من ذلك هو التداوي؛ لأنه دواء لتتشقق اليدين، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام وقال: (اذهب فاغسل هذا عنك)، فالإنسان لا يستعمل الزعفران لا في جسده ولا في ثيابه.
تراجم رجال إسناد حديث امتناع النبي عن رد السلام على عمار لتخلقه بالزعفران


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرني عطاء الخراساني ]. هو عطاء بن أبي مسلم الخراساني ، وهو صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمار بن ياسر ]. عمار بن ياسر رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث هجر النبي لزينب بسبب سبها صفية بنت حيي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني عن سمية عن عائشة: (أنه اعتل بعير لصفية بنت حيي، وعند زينب فضل ظهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزينب : أعطيها بعيراً، فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: (إنه اعتل بعير لصفية بنت حيي) أي: أصابه علة، فصار لا يحمل عليه ولا يركب، (وكان عند زينب فضل ظهر) أي: عندها زيادة في الإبل، (فأمرها أن تعطيها بعيراً، فقالت: أنا أعطي هذه اليودية، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهجرها ذا الحجة ومحرم وبعض صفر) وهذا الحديث في إسناده سمية الراوية عن عائشة ، وهي هنا غير منسوبة، وقد قال عنها الحافظ في (التقريب): إنها مقبولة، أي: أنه يحتج بحديثها حيث يعتضد، وقد ضعف هذا الحديث بسببها.
تراجم رجال إسناد حديث هجر النبي لزينب بسبب سبها صفية بنت حيي


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني ] ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمية ]. سمية مقبولة، أخرج لها أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
النهي عن الجدال في القرآن



شرح حديث (المراء في القرآن كفر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الجدال في القرآن. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يزيد -يعني ابن هارون - أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (المراء في القرآن كفر) ]. أورد المصنف هذه الترجمة وهي قوله: [ باب النهي عن الجدال في القرآن ]، أي: بالباطل، وأما البحث عما جاء في القرآن من المعاني والحكم والأسرار، وفهم معانيه على مقتضى اللغة، وعلى ما جاء عن الصحابة والتابعين، فهذا أمر مطلوب، وأما الجدال الذي يكون بالباطل، والذي يكون بغير حق، والذي يترتب عليه ضرر وفتن، والذي يترتب عليه ضلال وتنافر بين الناس فهو منهي عنه. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (المراء في القرآن كفر)، والمراء هو الجدال، والمقصود من ذلك المراء الذي يكون بالباطل، والذي يكون بضرب القرآن بعضه ببعض، بحيث يشكك فيه، أو يؤتى فيه بأمور غير سائغة تصرف الناس عن القرآن، فلا شك أن هذا كفر بالله عز وجل، وهو مخرج من الملة.
تراجم رجال إسناد حديث (المراء في القرآن كفر)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يزيد -يعني ابن هارون- ]. أحمد بن حنبل مر ذكره. و يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. محمد بن عمرو بن وقاص الليثي، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف و أبو هريرة، مر ذكر ثلاثتهم في إسناد سابق.
الأسئلة



حكم استعمال الرجال للحناء


السؤال: ما حكم استخدام الزعفران والحناء للرجال للعلاج، وذلك في اليدين أو في الرجلين؟ الجواب: استعمال الحناء للرجال في حالة العلاج لا بأس به، وأما استعماله للزينة فلا يجوز، وإنما هو للنساء فقط؛ فهن اللاتي يتزين بالحناء، وأما الرجال فلا يتجملون بالحناء.

البدعة أخطر من المعصية


السؤال: الأحاديث التي جاءت في الهجر وترك السلام هي فيمن وقع في معصية، فهل تقاس المعصية على البدعة؟ الجواب: نعم، فالترجمة هي في الأهواء والبدع، وإن كانت الأحاديث التي جاءت هي في المعاصي، إلا أن الحكم واحد؛ لأن هذا كله فيه مخالفة للسنة، إلا أن هذا يتعلق بالاعتقاد، وهذا يتعلق بالعمل، ومعلوم أن البدع أعظم وأخطر من المعاصي، وهي أيضاً أضر من المعاصي، وذلك أن صاحب المعصية يعرف أنه عاص، فهو يشعر بذنبه ويخاف منه، بخلاف المبتدع فإنه يرى أنه على حق، فيموت وهو على بدعته، ولهذا جاء في الحديث: (إن الله حجب التوبة عن صاحب بدعة حتى يتوب عن بدعته)، فلكونه يظن أنه على حق لا يحصل منه توبة، بخلاف العاصي فإنه يعرف أنه عاص، ويعرف أن فعله محرم فيتوب منه.

حكم مدح أهل الأهواء


السؤال: ما حكم من يمدح أهل الأهواء؟ الجواب: إذا كان يمدحهم من أجل بدعهم فهو مدح للباطل -والعياذ بالله-، وأما إذا مدحهم لأمر هو موجود فيهم من صفات حميدة مثلاً فهذا أمره هين، ولكن لا ينبغي أن يمدح أهل البدع؛ لأنه بوجود هذا المدح قد يظنون أن أمرهم هين، وأن بدعهم هينة، وإن كان مدحهم على أمر موجود فيهم كالفصاحة أو البلاغة أو ما إلى ذلك، فعليه بالمقابل أن يحذر من بدعتهم، وهذا مثل ما ذكروا عن واصل بن عطاء المعتزلي، فقد كان فصيحاً بليغاً، وكانت عنده لثغة بالراء، لذلك كان يتجنب النطق بالراء، فكان يأتي بالقصيدة خالية من حرف الراء؛ وذلك لقدرته على صياغة الكلام.

حديث كعب وعمار في الأبواب المتعلقة بأهل الأهواء


السؤال: الإمام أبو داود ترجم بقوله: مجانبة أهل الأهواء، ثم ذكر حديث كعب، وكذا عنون بترك السلام على أهل الأهواء، وذكر حديث عمار بن ياسر ، فقد يفهم من ذلك إنزال لفظ الأهواء على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وحاشاهم من كل لفظ سيئ؟ الجواب: لا ينزل هذا عليهم، وهذه الأمور التي حصلت منهم إنما هي معاص، والترجمة تتعلق بالأهواء، أي أن ذلك من باب أولى، فإذا كان من وقع منهم بعض المعاصي قد هجروا فأصحاب البدع من باب أولى.

اجتماع الحب والبغض في العاصي


السؤال: إذا كانت البدعة غير مكفرة فهل يبغض صاحبها على الإطلاق، أم يجتمع فيه الحب والبغض؟ الجواب: يجتمع فيه الحب والبغض؛ لأن من كان عاصياً -أي: مرتكب الكبيرة- فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فيحب على ما عنده من الإيمان، ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان، ولكن لا يُظهر حبهم ولا يُنشر، بل يحذر منهم."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #849  
قديم 03-07-2025, 07:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [515]
الحلقة (545)





شرح سنن أبي داود [515]

من المسائل المعلومة عند أهل السنة أن كلاً من الكتاب والسنة وحي من الله عز وجل، أوحى الله بهما إلى محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن الفارق بينهما: أن القرآن يتعبد بتلاوته والعمل به، بينما السنة إنما يتعبد بالعمل بها لا بتلاوتها، وقد حذر النبي صلوات الله وسلامه عليه من الإعراض عن السنة بحجة الاكتفاء بما في القرآن من تشريع، وحض صلوات الله وسلامه عليه على التمسك بسنته، وسنة من جاء بعده من خلفائه الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين، وحذر من البدعة، وردها على صاحبها؛ لأنه متهم للنبي صلى الله عليه وسلم بانه قد خان الرسالة.

ما جاء في لزوم السنة


شرح حديث (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في لزوم السنة. حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا أبو عمرو بن كثير بن دينار عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في لزوم السنة]، أي: ملازمتها والثبات عليها والأخذ بها، وعدم التهاون والتفريط بشيء منها. أورد أبو داود رحمه الله حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا إني أوتيت الكتاب) أي: القرآن، فهو كتاب الله عز وجل المتعبد بتلاوته، والعمل به. (ومثله معه): وهي السنة، ومن المعلوم أن كلاً من الكتاب والسنة وحي من الله عز وجل، وأن كل ما يأتي به النبي عليه الصلاة والسلام فهو من عند الله، سواء كان قرآناً أو سنة، وليس الوحي مقصوراً على القرآن بل السنة هي أيضاً وحي؛ ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وجاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء أو كل ذنب -إلى أن قال: إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً) أي: نزل عليه جبريل واستثنى الدين، فقوله (سارني به جبريل آنفاً) هذا يدل على أن ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله عز وجل. فالقرآن وحي والسنة كذلك، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فمتعبد بالعمل بها ولا يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بتلاوة القرآن، فالقرآن يقرأ به في الصلاة ويقرأ به في جميع الأوقات، والسنة ليست كذلك، ولكن حكمهما من حيث العمل، فالكل يجب اتباعه والعمل بما جاء فيه. ومن لم يؤمن بالسنة لن يؤمن بالكتاب، ومن كفر بالسنة فهو كافر بالقرآن، إذ الله سبحانه يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالمنكِر للسنة هو منكر للقرآن، والمكذب بالسنة مكذب بالقرآن، والكتاب والسنة متلازمان، فكل منهما يجب العمل والأخذ به، ولا يمكن أن يقال: إنه يمكن أن يستغني الإنسان بالقرآن عن السنة، ولو كان الأمر كذلك لما استطاع الناس أن يصلوا، ولما استطاعوا أن يزكوا، فالصلاة لم تُعرف أوقاتها ولا ركعاتها ولا هيئاتها وكيفياتها إلا بالسنة، فلا يوجد في القرآن أن الظهر أربع ركعات، ولا أن العصر أربع ركعات، ولا أن المغرب ثلاث ركعات، ولا أن الفجر ركعتان، والعشاء أربع ركعات، فهذا لا وجود له في القرآن، فالإنسان الذي يقول: إنه يأخذ بالقرآن ولا يأخذ بالسنة، نقول له: كيف ستؤدي الصلوات الخمس التي فرضها الله عز وجل على عباده في اليوم والليلة خمس مرات؟ فهذا لا تحصل معرفته إلا عن طريق السنة، وكذلك بالنسبة للزكاة، فلا يوجد في القرآن مقادير الأنصبة، ولا المقدار الذي يخرج في الزكاة،..وهكذا، فالسنة موضحة للقرآن، وشارحة له، ودالة عليه، ومبينة له، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله الكتاب والسنة، فهما وحي من الله عز وجل أوحاه إلى رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، (ألا إنني أوتيت القرآن ومثله معه). قوله: [(ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم في هذا القرآن من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)] أي: أنه يقتصر على ما في القرآن، فما كان في القرآن حلالاً فهو حلال، وما كان في القرآن حراماً فهو حرام، وأما السنة فليست كذلك، ولهذا فإن السيوطي رحمه الله لما ألف كتابه: (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) ذكر في مقدمته ومطلعه: أن سبب تأليفه للكتاب هو أن رافضياً زنديقاً قال: إنما يؤخذ بالقرآن دون السنة، وكان فيما قاله السيوطي : اعلموا رحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء، وإن من الآراء كهيئة الخلاء لا تذكر إلا عند الضرورة، أي: أنها آراء يضطر الإنسان إلى ذكرها وهي قبيحة وخبيثة وسيئة، ولكن الضرورة ألجأت إلى ذلك، وكان الإنسان يحب أن ينزه لسانه من أن يتكلم بمثل هذا الكلام، وكان الأمر الذي ألف كتابه السابق من أجله هو أن رافضياً زنديقاً قال: كذا وكذا..، ثم بين ما جاء من النصوص في الاحتجاج بالسنة، وما جاء عن سلف هذه الأمة في الاحتجاج بالسنة، وأنه يحتج بها مثلما يحتج بالقرآن، ويعمل بها مثلما يعمل بالقرآن، ومن المعلوم أن المكذب بها مكذب بالقرآن؛ لأن الله عز وجل يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. قوله: [(ألا يوشك رجل شبعان)]، كلمة (رجل) هنا ليس لها مفهوم، فالمرأة مثل الرجل في ذلك، ولكن ذكر الرجال على سبيل التغليب؛ لأن الخطاب لا يكون إلا معهم في الغالب، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، إلا أن يأتي شيء يدل على تخصيص أحدهما دون الآخر، فذكر (الرجل) هنا لا مفهوم له، بمعنى: أن النساء قد يحصل منهن ذلك، ولهذا يأتي في كثير من النصوص التنصيص على الرجال في أمور يشترك فيها الرجال والنساء، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم بيوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فهذا يدخل فيه المرأة التي كان من عادتها أن تصوم الإثنين والخميس، ثم وافق الإثنين أو الخميس يوم الثلاثين، وكذلك قوله: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، فكذلك لو وجد متاعه عند امرأة قد أفلست فإنه أحق به، فذكر الرجل هذا لا مفهوم له، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام. قوله: [(ألا يوشك رجل شبعان)]، وهذا يدل على التنعم، وقوله: (على أريكته) أي: سريره، فيقول مثل هذا الكلام دون أن يتعب نفسه في الاشتغال بالعلم وتحصيله، وإنما يقول مثل هذا الكلام الجائر والقبيح لجهله، فيقول: (عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال أحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه) أي: يقتصرون على ذلك ولا يلتفتون إلى السنة. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى أمور ليست في القرآن، وإنما هي في السنة، فقال: (ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي)، فهذا في السنة وليس في القرآن، والواجب الأخذ به كما يؤخذ بما جاء في القرآن، والأخذ به داخل تحت قوله سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. قوله: [(ولا كل ذي ناب من السبع)]، وذلك محرم أيضاً، وهو لا يوجد في القرآن، وإنما يوجد في السنة. قوله: [(ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها)]، أي: إذا تركها واستغنى عنها، والتنصيص على المعاهد لا يعني أن الحكم يختص به، فإذا كان هذا في حق المعاهد الذي بقي في بلاد المسلمين فالمسلم من باب أولى، وقد جاءت النصوص عامة في ذلك، فلا يحل للإنسان أن يتملك اللقطة في الحال إلا إذا عرف أن صاحبها قد تركها مستغنياً عنها، أو كانت من الأشياء التافهة التي لا يؤبه ولا يهتم بها، وإلا فإن الأصل هو التعريف لها. قولهه: [(ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه)] أي: أن يعطوه القرى، وهو الضيافة، قال: (فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه)، أي: أن يأخذ من مالهم بمثل الشيء الذي يستحقه عليهم، وقيل: إن هذا إنما هو في حق المضطر إلى ذلك، وأنه لو لم يحصل منه ذلك فإنه سيعود على نفسه بالضرر، أو يعرض نفسه للهلاك، وأما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يفعل مثل هذا الفعل، وقال بعض أهل العلم: إن هذا منسوخ.
تراجم رجال إسناد حديث (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته...)


قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو عمرو بن كثير بن دينار ]. أبو عمرو بن كثير هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن حريز بن عثمان ]. هو حريز بن عثمان الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي عوف ]. عبد الرحمن بن أبي عوف ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن المقدام بن معد يكرب ]. المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
وجوب العمل بالسنة

في هذا الحديث دليل على أنه لا حاجة أن يعرض الحديث على الكتاب؛ لأنه حكم مستقل، فإذا وجد حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يعمل به دون أن ينظر هل معناه موجود في الكتاب أو لا، وهل يشهد له الكتاب أو لا، نعم هناك أحاديث لها شواهد في الكتاب لكن لا يقال: إن الحكم لا يثبت بها إلا بوجود هذه الشواهد في القرآن، فإن السنة أصل بنفسها، وهي أصل مستقل يؤخذ بما فيها وإن لم يكن ذلك موجوداً في الكتاب، وكما قلت آنفاً فإن في السنة أحكاماً لا بد للناس منها، وهي لا توجد في الكتاب، مثل عدد ركعات الصلوات، والصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومع ذلك فكيفيتها جاء بيانها في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد بيانها وتفصيلها في القرآن. وبعض أهل العلم يقول: لا ينبغي أن يقال: إن السنة في المرتبة الثانية بعد القرآن، وإنما السنة مع القرآن في مرتبة واحدة، وهذا من حيث الاحتجاج والعمل بهما، فكلاهما يتعين الأخذ به، لكن -كما هو معلوم- أن القرآن كله متواتر، وأما السنة ففيها المتواتر وفيها الآحاد. وقد جاء في حديث معاذ المشهور أنه يبحث في القرآن، فإن لم يوجد ففي السنة، فإن لم يوجد فيجتهد برأيه، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم وصححه بعضهم، ولكن يوجد له شاهد يدل عليه في (سنن النسائي )، وقد سبق أن مر بنا، وهو في باب الحكم بما قضى به أهل العلم، وقد جاء فيه أنه يبحث في الكتاب، ثم يبحث في السنة، ثم يقضي بما قضى به أهل العلم، فهذا يدل على أنه يبحث في القرآن أولاً، ثم يبحث في السنة، لكن إذا وجد حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يتعين العمل به، ومن المعلوم أن الإنسان يبحث في القرآن أولاً، فإذا كان الحكم موجوداً في القرآن فالأمر واضح، ولا يحتاج معه إلى شيء آخر، وإن جاء في السنة شيء يوافقه ويؤيده ويدل عليه، فإنهما يكونان متفقين على إثبات ذلك الحكم؛ ولهذا يقولون في بعض المسائل: وهذا الحكم دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فكذا وأما السنة فكذا، وأما أن يغفل الإنسان عن الدليل الذي في القرآن ويذهب للبحث عنه في السنة فهذا قصور، وهذا مثل الإنسان الذي تجده يبحث عن حديث في كتب غير مشهورة، أو كتب غير معروفة بالصحة ويغفل ما هو موجود في الصحيحين، فإنهم يقولون في مثل هذا: أبعد النجعة، وهذه عبارة عند المحدثين والعلماء في مثل هذا، وكذلك لو أخذه من غير الصحيحين فإنه يقال عنه: أبعد النجعة، أي: أنه ذهب بعيداً، وترك الشيء الذي كان يمكنه أن يكتفي به عن غيره، فإذا كان الحديث موجوداً في الصحيحين فلا يحتاج إلى أن يبحث عنه في غير الصحيحين، إلا إذا كان ذلك من ناحية إثبات كثرة المصادر، وكثرة الطرق، وكثرة المخارج، وأما من ناحية الاكتفاء فما جاء في الصحيحين يكفي، وكون الإنسان يعزو شيئاً إلى السنن وهو موجود في الصحيحين فهذا قصور.
شرح حديث (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل و عبد الله بن محمد النفيلي قالا: حدثنا سفيان عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) ]. أورد المصنف حديث أبي رافع وهو بمعنى حديث المقدام بن معد يكرب المتقدم، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا ألفين -أي: لا أجد- أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه من الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه) أي: أننا نقتصر على ما جاء في الكتاب، ولا نأخذ شيئاً لم يأت في الكتاب، وهذا باطل ومخالف للحق.
تراجم رجال إسناد حديث (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي النضر ]. أبو النضر هو سالم المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو رافع رضي الله تعالى عنه، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إبراهيم بن سعد ح وحدثنا محمد بن عيسى حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي و إبراهيم بن سعد عن سعد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد). قال ابن عيسى : قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد) ]. أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد) أي: من أحدث في دين الله عز وجل شيئاً ليس من الدين، وإنما هو من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن ما أحدثه محدث فهو مردود عليه، وأن الأخذ به حرام، وهو من الأخذ بالباطل، وعمل بما هو محدث في الدين وليس منه، وهذا الحديث من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، فإن كل من أحدث في دين الله ما ليس منه فإنه رد، أي: مردود عليه، وإنما يكون الأخذ بما جاء في الكتاب والسنة. وهذا الحديث موجود في الصحيحين بلفظ: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وجاء عند مسلم بلفظ آخر أعم من هذا اللفظ، وهو: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فهذا من أفراد مسلم ، وهو أعم من الجملة الأولى؛ لأن الجملة الأولى فيها إحداث، وأما الثانية ففيها عمل، والعمل يدخل فيه ما كان محدثاً أو ما كان متابعاً لمحدث، أي: أن يكون هو المحدث لتلك البدعة، أو أن يكون سبقه غيره إلى إحداثها ولكنه عمل بها واتبع ذلك المبتدع الذي ابتدعها. وقوله: (رد) بمعنى: مردود عليه، فلا يقبل منه، ولا ينفع صاحبه عند الله عز وجل كونه يتعبد بالبدع والمحدثات التي حذر منها رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). وحديث عائشة هذا يدل على تحريم كل ما أحدث في دين الله مما ليس له أصل فيه، وأما ما كان له أصل فيه، أو تدل عليه نصوص شرعية، أو تدل عليه القواعد العامة فهذا لا يقال: إنه محدث، وإنما يعول على ذلك الأصل الذي أخذ منه، وأما إذا أحدث عبادة، أو أحدث شيئاً ينسب إلى الدين وهو ليس منه فهذا هو الذي حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث العرباض بن سارية ، حيث رغب في السنن، وحذر من البدع. ويؤخذ من هذا الحديث أن الأصل في النهي أنه يقتضي الفساد.
تراجم رجال إسناد حديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)


قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم بن سعد ]. إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن عيسى ]. (ح) معناها التحول من إسناد إلى إسناد آخر، ومحمد بن عيسى هو الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في (الشمائل) و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن جعفر ]. هو عبد الله بن جعفر المخرمي ، وهو ليس به بأس، وذلك بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و إبراهيم بن سعد عن سعد بن إبراهيم ]. سعد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم بن محمد ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وهي عمته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال ابن عيسى : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد) ]. أي: أن هذا اللفظ جاء في رواية محمد بن عيسى الطباع وهو قوله: (من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد) أي: من عمل.

شرح حديث (... وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ثور بن يزيد قال: حدثني خالد بن معدان حدثني قال: عبد الرحمن بن عمرو السلمي و حجر بن حجر قالا: (أتينا العرباض بن سارية رضي الله عنه -وهو ممن نزل فيه (( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ ))[التوبة:92]- فسلمنا وقلنا أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) ]. أورد أبو داود حديث العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه، وهو ممن نزل فيه وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة:92] أي: أنه كان من أهل الحاجة، ومن الفقراء الذين كانوا يحرصون على أن يخرجوا للجهاد، ولكن لم يكن معهم ظهور يركبونها، فأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يحملهم، فاعتذر لهم؛ لأنه لم يجد ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع؛ لأنهم لم يتمكنوا من المجاهدة مع الناس. قوله: [ أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين ] أي: جاءوا لزيارته وعيادته والاستفادة من علمه، فحدثهم بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظهم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون) يعني: حصل التأثر لقلوبهم وعيونهم، فعيونهم بكت، وقلوبهم وجلت، (فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: كأنها موعظة مودع) أي: أنهم خشوا أن تكون نهايته قد قربت، فطلبوا منه أن يعهد إليهم، فالإنسان إذا أراد أن يسافر يبين ما يحتاج إلى أن يفعله أهله من ورائه، فيبين لهم ما يريد أن يفعلوه في حال غيبته، فأوصاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة، فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة)، وتقوى الله عز وجل هي أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقية منه، وذلك يكون بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فهذه هي التقوى بالمعنى الشرعي، وأما معناها اللغوي فهو أوسع من الشرعي، وهو أن يجعل الإنسان بينه وبين أي شيء مخوف وقاية تقيه منه، فكل ما تخافه فإنك تجعل بينك وبينه وقاية، فالبرد مخوف فتجعل بينك وبينه وقاية بلبس الألبسة التي تقيك منه، والشوك والحصى والرمضاء في الأرض مخوف، فتلبس النعال والخفاف، وكذلك تتخذ البيت من أجل أن تتقي الشمس والبرد.. وهكذا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #850  
قديم 03-07-2025, 07:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

الكلام في مسألة تولية العبد ولاية عامة

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالسمع والطاعة لمن ولاه الله الأمر، فقال: (وإن عبداً) أي: وإن كان الذي تولى عليكم عبداً، وهذا مما حذف فيه كان واسمها وبقي خبرها، ومثال ذلك أيضاً: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذا مما حذف فيه كان واسمها، وهذا فيه الإرشاد إلى السمع والطاعة لمن تولى ولو كان عبداً، ومن المعلوم أن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز للعبد أن يتولى، وإنما يكون ولي الأمر حراً لا عبداً؛ لأن العبد منافعه مملوكة لسيده، ومن شأن الذي يتولى أن يكون متصرفاً بمنافعه، وأن تكون منافعه بيده وليست بيد غيره، وقد أجاب العلماء على ما ورد من الأحاديث في السمع والطاعة للمتولي وإن كان عبداً بأربعة أجوبة، أحدها: أن المقصود من ذلك أن يولي ولي الأمر عبداً على ناحية أو على قرية أو على مدينة أو على جماعة، فتكون ولايته خاصة، وتكون صادرة من ولي الأمر، فإذا ولى ولي الأمر عبداً على جماعة سواء كانوا في سفر أو كانوا في حضر فعلى أولئك الذين وُلي عليهم أن يسمعوا ويطيعوا له، وقيل في معناه: أن الشيء يذكر -وإن كان لا يحصل- من باب الإشارة إلى تحتم ولزوم ذلك الشيء لو حصل، مع أنه لا يحصل، ولهذا نظائر وأمثلة، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] مع أنه لا يشرك ولا يحبط عمله، وكذلك ما جاء في بعض الأحاديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة)، والمسجد -كما هو معلوم- لا يكون بهذا المقدار ولا بهذا الحجم، وإنما هذا على سبيل المبالغة، وقال بعض أهل العلم: إن ذلك يكون بالمشاركة، أي: ولو كانت مشاركته بشيء يسير، فيكون بناء المسجد من قبله وقبل غيره، فالمقصود أن الله تعالى يأجره على ذلك وإن كان المسجد صغيراً، وغير ذلك من الأمثلة. وقيل: إن المقصود به أنه يكون في حال توليته حراً، ولكنه كان عبداً فيما مضى، وذلك مثل عبد طرأ عليه عتق، فيقال له عبد باعتبار ما كان، لا باعتبار الحال، وذلك مثل قول الله عز وجل: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2] وقوله: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، مع أنهم لا تدفع إليهم الأموال إلا بعد البلوغ وليس قبل البلوغ، وهم يتامى قبل أن يبلغوا وأما بعده فلا، وقيل لهم يتامى حال إعطائهم باعتبار ما كان؛ لأنه في حال يتمهم لا تدفع لهم الأموال، لأنه تعالى قال وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا [النساء:6] أي: إذا بلغ وصار رشيداً في إنفاق المال وتدبيره وعدم تضييعه وإتلافه بالسفه. وقيل: إن المقصود من ذلك: أنه إذا تغلب وقهر الناس وصار عنده قوة وشوكة، واستتب له الأمن فإنه يُسمع له ويطاع. وهذه الأجوبة الأربعة أجاب بها أهل العلم على ما ورد من الأحاديث في السمع والطاعة لمن تولى إذا كان عبداً، وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجوز أن يولى العبد، فالتوفيق إذن بين ما جاء في النصوص وبين الإجماع المنعقد هو أن الحديث يفسر بأحد هذه التفسيرات. قوله: [(وإن عبداً حبشياً)]، أي: وإن كان المتولي عليك عبداً حبشياً.
الإخبار بحدوث الاختلاف في النحل والعقائد من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم


قوله: [(فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً)]، وهذا إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر سيقع، وهو من دلائل نبوته؛ لأنه يخبر عن الأمور الماضية فتكون واقعة طبقاً لما أخبر به، ويخبر عن الأمور مستقبلة فتقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنه سيوجد الاختلاف، ومع وجوده فإنه يكون كثيراً، وهذا الاختلاف -كما هو معلوم- إنما يكون في النحل والعقائد، وفي الاتجاهات المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك مثل البدع المختلفة التي حصلت في الأمة من التجهم والاعتزال والرفض، وغير ذلك من البدع التي حصلت بعد ذلك طبقاً لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)، وبعد هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من وجود الاختلاف كأن قائلاً يقول: وما هو طريق السلامة والنجاة من هذه الاختلافات؟ لذلك بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك دون أن يسأل عنه؛ لأنه في ظل وجود هذا الاختلاف لابد من سلوك طريق مستقيم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد إخباره بهذا الاختلاف أرشد إلى طريق السلامة والنجاة، فقال: (فعليكم) و(وإياكم)، فرغّب ورهّب.. رغب في السنن، ورهب من البدع، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى السنن ورغب فيها، ثم حذر من البدع المخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إرشاد النبي لأمته إلى اتباع السنة واجتناب البدعة عند ظهور الاختلاف


قوله: [(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ)]، وهذا هو الذي رغب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو اتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا يدل على أن طريق العصمة والسلامة والنجاة عند هذا الاختلاف أن يكون الإنسان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والخلفاء الراشدون هم: أبو بكر و عمر و عثمان و علي ، والحديث يدل على فضل هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم، وعلى فضل خلافتهم، حيث وصفها بأنها راشدة، فهؤلاء الخلفاء راشدون ومهديون، أي: أنهم على هدى ورشاد، وخلافتهم خلافة نبوة، كما جاء في حديث سفينة مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام رفعه: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، فخلافتهم خلافة نبوة. وفي قوله: (وعضوا عليها بالنواجذ) كناية عن شدة التمسك والأخذ بها، وعدم التهاون والتفريط بشيء منها، فعلى الإنسان أن يعول على السنن، وأن يحرص عليها كما يحرص على الشيء الذي يعض عليه بالنواجذ. ثم إنه بعد أن رغب في السنن حذر من البدع، فقال: (وإياكم ومحدثات الأمور)، وهي البدع التي تحدث في دين الله وليست منه، وقد تقدم في حديث عائشة (من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد) أي: فهو مردود عليه، فقوله: (إياكم ومحدثات الأمور) أي: احذروها وابتعدوا عنها ولا تأخذوا بها، واكتفوا واقتصروا على ما جاء في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [(فإن كل محدثة بدعة)] أي: كل محدثة في دين الله بدعة، (وكل بدعة ضلالة)، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فالبدع المحدثة في دين الله كلها ضلالة، فهذا حكم عام يشمل كل ما أحدث في الدين، فهي كلها ضد الهدى، والهدى إنما هو في الكتاب والسنة، وما جاء عن سلف هذه الأمة وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة). فاللفظ عام باق على عمومه فلا يستثنى منه شيء، فكل البدع ضلالة، فلا يقال: إن هناك بدعة حسنة؛ لأنه يصادم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإن كل بدعة ضلالة)، وقد تجد بعض المبتدعة، وبعض من يسهل عليهم الأخذ بالبدع، أو التهاون بشأنها يقولون: هذه بدع حسنة!! أما ما جاء في الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) فهو ليس من هذا القبيل، وإنما المقصود به: أن يحيي سنة قد أميتت، فمثلاً أن يأتي إلى بلد لا توجد فيه تلك السنة بل قد أهملت وأميتت فيحييها، فيكون بذلك محيياً لها لا محدثاً، أو يحمل على ما جاء في سبب الحديث، وهو: أن جماعة من مضر جاءوا وعليهم البؤس والفاقة وشدة الحاجة، ووجوههم شاحبة، وثيابهم بالية، والرسول صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، فتأثر صلوات الله وسلامه عليه، فجمع الناس وحثهم على الصدقة والإحسان إلى هؤلاء، فجاء رجل من الأنصار معه صرة يكاد يعجز عن حملها فوضعها، وتتابع الناس وراءه، فعند ذلك قال عليه السلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها.).
تراجم رجال إسناد حديث (... وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل مر ذكره. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ثور بن يزيد ]. ثور بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثني خالد بن معدان ]. خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي ]. عبد الرحمن بن عمرو السلمي مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ و حجر بن حجر ]. حجر بن حجر مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي ، وهذان أعني: عبد الرحمن السلمي و حجر كل واحد منهما مقبول، والمقبول هو الذي إذا وجد ما يشده ويقويه فإنه يحتج به، فكل واحد منهما هنا كمّل الآخر. [ عن العرباض بن سارية ]. العرباض بن سارية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
شرح حديث (ألا هلك المتنطعون)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثني سليمان -يعني ابن عتيق - عن طلق بن حبيب عن الأحنف بن قيس عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنه قال: (ألا هلك المتنطعون، ثلاث مرات) ]. أورد المصنف حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا هلك المتنطعون، قالها ثلاثاً) أي: كررها ثلاثاً، والمتنطعون: هم المتكلفون المتعمقون، وقد أورده هنا في لزوم السنة؛ لأن فيه مخالفة للسنة، ويدخل في ذلك أهل الكلام الذين يتعمقون في الكلام، ويشتغلون به، ويعولون عليه في عقائدهم، ويهجرون السنن ولا يعولون عليها، فهؤلاء هم المتنطعون، أي: المتعمقون المتكلفون الذين يعولون على العقول ولا يشتغلون بالنقول، أو يتهمون النقول إذا لم تتفق مع العقول، والأصل: هو النقل، والعقول السليمة توافقه، فالعقل الصحيح -العقل السليم- لا يخالف النقل الصحيح، ولشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب اسمه: (درء تعارض العقل والنقل)، وأهل الكلام يعولون على العقول ولا يعولون على النقول، وأهل السنة يعولون على النقول ويعتبرون أن العقول إذا كانت سليمة فإنها لا تخالف النقول، وإذا وجد من العقول شيئاً يخالف النقول فإنه لا يلتفت إليه، ولا يعول عليه، ولهذا فإن العقول تتفاوت، وقد يرى الإنسان في وقت من الأوقات رأياً ثم في وقت آخر يتعجب هذا الرأي، مع أنه في حال رؤيته ذلك الرأي لا يرى أمامه سواه، ثم يتغير حاله، فيرى أن الرأي الذي رآه سابقاً غير صواب، ويتعجب كيف رأى هذا الرأي! ومن أمثلة ذلك ما حصل في صلح الحديبية، فلما أُُبرم العقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، كان من جملة ما اشتمل عليه العقد: أن من جاء من المسلمين إليهم فلا يرد، ومن جاء من الكفار مسلماً فإنه يرد، فتأثر بعض الصحابة رضي الله عنهم من هذا الذي رضي به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: (كيف نعطي الدنية في ديننا)، وكانت النتيجة بعد ذلك أن الذين أسلموا فروا من الكفار، -والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبلهم بناءً على هذا الصلح، وهم لا يريدون أن يرجعوا إلى الكفار- وساروا في طريق على ساحل البحر، فكانوا يعترضون العير التي تأتي لقريش، فعند ذلك تأذى الكفار من هذا الفعل حتى رغبوا هم أنفسهم أن الرسول يقبل هؤلاء حتى لا يبقوا على هذا الوضع الذي هم عليه، مع أنهم هم الذين اشترطوا هذا الشرط ابتداء، فمحل الشاهد: أن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تأثر من هذا العمل، وكانت النتيجة خيراً؛ ولهذا كان بعض الصحابة عندما يحصل شيء يستدل بهذه القصة، فيقول: (اتهموا الرأي في الدين)، قال ذلك سهل بن حنيف رضي الله عنه في إحدى المواقع التي حصلت بين علي و معاوية رضي الله تعالى عنهما، وحصل على إثرها التحكيم، فكان بعض الناس الذين مع علي رضي الله عنه يريدون أن يواصلوا القتال وكان سهل ممن يرى أن يُترك القتال حقناً للدماء ويقول: يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين، ويشير إلى قصة الحديبية. فالعقول متفاوتة، بل إن عقل الإنسان بين حين وأخر يتغير من رأي إلى رأي، ومن حال إلى حال، فالأصل هو النقل، والعقل الصحيح لا يخالف النقل، والعقل إذا كان مخالفاً للنقل فإنه لا يلتفت إليه، وإنما يكون التعويل على النقل، وهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة، فإنهم يعولون على النقل ويتهمون العقل، وهذا بخلاف أهل البدع فإنهم يعولون على العقل ويتهمون النقل. يقول الخطابي : وفيه دليل على أن الحكم يكون بظاهر الكلام، وأنه لا يترك الظاهر إلى غيره ما كان له مساغ، أقول: هذا هو الأصل.

تراجم رجال إسناد حديث (ألا هلك المتنطعون)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سليمان -يعني ابن عتيق - ]. سليمان بن عتيق صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن طلق بن حبيب ]. طلق بن حبيب صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الأحنف بن قيس ]. الأحنف بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

الأسئلة



الكلام على بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج


السؤال: هل لكم في الكلام عن بدعة الرجبية، وعن الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج؟ الجواب: الإسراء هو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم العروج به من هناك إلى السماء حتى تجاوز السماوات، وكلمه الله عز وجل، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان كليماً لله عز وجل كما كان موسى كليماً لله، وكان خليلاً له كما كان إبراهيم خليلاً، فاجتمع فيه ما تفرق في غيره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وليلة الإسراء والمعراج ليست معروفة بالتحديد، ولم يثبت شيء يدل على تحديدها وبيان وقتها، ولو ثبت شيء من في بيان أنها في الليلة المعينة من الشهر الفلاني فلا يجوز لأحد أن يحدث فيها شيئاً، ولا أن يعمل فيها عملاً يخصها؛ لأن الأمور التي يتقرب بها إلى الله عز وجل فإنما يؤتى بها طبقاً للسنة، ولم يأت بذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج مشروعاً لبينه وأوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الذي هو أنصح الناس للناس، والذي هو أفصح الناس لساناً وأكملهم بياناً، ومع ذلك لم يأت عنه شيء من ذلك، فدل على أن هذه من البدع المحدثة التي يجب اجتنابها والحذر منها، ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة قيمة باسم (التحذير من البدع)، وهي تشتمل على أربع بدع؛ بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج هذه، وقد بين وأوضح فيها أن هذه من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان، فعلى الإنسان أن يحرص على اتباع السنن والاكتفاء بها، وألا يخرج منها أو يتجاوزها إلى أمور محدثة مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان.


حكم أفعال الخلفاء الراشدين


السؤال: هل كل ما فعله الخلفاء الراشدون يعتبر سنة؟ الجواب: إذا لم يوجد لهم مخالف ففعلهم حجة، وإذا وجدت أقوال لغيرهم فإن أقوالهم مقدمة على أقوال غيرهم.

الرد على من يرى عدم الاحتجاج بحديث العرباض بن سارية


السؤال: ما الرد على من يضعف حديث العرباض بن سارية ، وحجته في ذلك أن العرباض رضي الله عنه ليس من الصحابة الملازمين للرسول صلى الله عليه وسلم، بل جاء من البادية وأخذ الحديث ورجع، وهذا الحديث على الرغم من أنه موعظة إلا أنه لم يروه إلا العرباض ؟ الجواب: معلوم أن الأحاديث إذا ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق واحدة فإنها كافية، ولا يحتاج إلى أن يبحث لها عن أشياء تساندها، فما دام الحديث ثابتاً بإسناده فإنه يكفي ولو جاء عن شخص واحد، ولو أخذ بمثل هذا المبدأ لقيل في كثير من النصوص مثل هذا الكلام، ولأمكن أن يشكك فيها، فكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق صحابي من أصحاب رسول الله فإنه يقبل، وتقوم به الحجة سواء كان ملازماً أو غير ملازم، ولا يلتفت إلى كونه لم يلازمه، أو لازمه لفترة قليله، فهل يقال عن الذين جاءوا وحضروا حجة الوداع وشهدوا وسمعوا خطبه صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا إلى بلادهم وحدثوا بما سمعوه - هل يقال: لا يقبل الحديث عنهم؛ لأنهم لم يلازموا الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل يقال عمن حضر حجة الوداع وسمع والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، وشاهدوه وعاينوه، وفيهم من لم يره بعد ذلك- هل يقال عنهم: إنهم لا يعول عليهم، ولا يلتفت إليهم!! هذا كلام باطل.

حكم من يتقرب إلى الله تعالى ببدعة ويظن أنه على صواب


السؤال: من كان جاهلاً وعمل ببدعة وهو يظن أنه يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، فهل يثاب على عمله ذلك ويعذر بجهله؟ الجواب: الأصل أن البدع مردودة على صاحبها، سواء عمل بها الإنسان وهو عالم، أو عمل بها وهو جاهل.

صحة مقولة فلان سني مبتدع

السؤال: هل يجوز أن يقال: فلان سني مبتدع؛ لكونه يقول بقول أهل السنة في الأسماء والصفات والربوبية والألوهية، ولكن عنده بعض البدع كالأذان على القبر؟ الجواب: لا يقال: سني مبتدع، وإنما يقال: سني عنده بدعة، أو عنده بعض البدع، وأما سني ومبتدع فهما ضدان، فمعنى سني: أنه على السنة، ومعنى مبتدع: أنه ليس على السنة، وأما أن يكون عنده بدعة، أو عنده مخالفة، أو عنده بعض من الأمور التي تحذر، فهذا يمكن وجوده في السني، وهو مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : (إنك امرؤ فيك جاهلية) فلم يقل له: إنك جاهلي، أو إنك من أهل الجاهلية، ومعنى الحديث: فيك خصلة من خصال الجاهلية."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 332.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 327.07 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]