|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#671
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده [قال أبو داود: روى عبد الأعلى عن ابن إسحاق قال ابن ماجدة رجل من بني سهم: عن عمر بن الخطاب] . ذكر أبو داود طريقاً أخرى للحديث، وفيه أن ابن إسحاق قال: ابن ماجدة -رجل من بني سهم- وهذا زيادة تعريف له، وقال ابن ماجدة بدل أبو ماجدة في الطريق الأولى. وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى حدثنا سلمة بن الفضل حدثنا ابن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي عن ابن ماجدة السهمي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه] . قوله: [حدثنا يوسف بن موسى] . صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة. [حدثنا سلمة بن الفضل] . سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير. [حدثنا ابن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن ابن ماجدة عن عمر] . قد مر ذكرهم. شرح حديث (لا تسلميه حجاماً ولا صائغاً) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق حدثنا العلاء بن عبد الرحمن الحرقي] . وهذا الطريق فيه تصريح ابن إسحاق بالتحديث والسماع من العلاء بن عبد الرحمن الحرقي. قوله: [حدثنا الفضل بن يعقوب] . الفضل بن يعقوب صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة. [حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن ابن ماجدة عن عمر] . قد مر ذكرهم. العبد يباع وله مال شرح حديث (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العبد يباع وله مال. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، ومن باع نخلاً مؤبراً فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع) ] . أورد أبو داود باباً في العبد يباع وله مال، يعني: لمن يكون هذا المال الذي بيده؟ هل يكون للبائع أو يكون للمبتاع الذي هو المشتري؟ أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع عبداً وله مال فماله لبائعه إلا أن يشترط المبتاع) يعني: أن البيع حصل على عين العبد فقط، والمال الذي بيده يكون للبائع؛ إلا أن يشترط المبتاع ويقول: أشتريه والمال الذي بيده. والعبد لا يملك، وما في يده يكون لمالكه، والأصل أن ما بيد العبد هو لسيده، وليس له، فيكون للبائع، ولكن إن اشترط المبتاع ذلك فإنه يكون له، ومثل ذلك أيضاً النخل المؤبر، قال: (ومن اشترى نخلاً قد أبر فهو للبائع إلا أن يشترط المبتاع) أما إذا كان لم يؤبر فإنه يكون داخلاً في المبيع ويكون للمشتري، ولكن بعد أن يخرج من أكمامه ويؤبر، فإنه يكون للبائع؛ لأنه نماء ماله، فهو مثل الولد المنفصل الذي يكون مع أمه من بهيمة الأنعام، فإنه يكون لبائع الأم وليس للمشتري، وهكذا الثمر المؤبر إلا إذا اشترط المشتري أن يكون ذلك الثمر الذي أبر له، فإنه يكون له بالشرط، أما إذا خلا العقد من ذكر من له الثمرة بعد التأبير أو المال الذي بيد العبد؛ فإنه يكون للبائع، وإن حصل اشتراط المشتري على البائع أنه له فالعبرة بهذا الشرط الذي حصل بينهما. تراجم رجال إسناد حديث (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم] . سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. [عن أبيه] . قد مر ذكره. شرح حديث (من باع عبداً وله مال فماله للبائع) من طريق أخرى وذكر الاختلاف فيها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقصة العبد] . أورد أبو داود الحديث عن ابن عمر عن عمر بقصة العبد، يعني أن من باع عبداً وله مال فماله لبائعه ما لم يشترط المبتاع، وليس فيه ذكر التأبير. والتأبير هو تلقيح النخل، يؤخذ شيء من طلع النخل الذكر ويشق الوعاء الذي فيه الثمرة فيوضع أجزاء مما في النخلة الذكر في النخلة الأنثى، وبذلك يصلح، وإلا فإنه يكون شيصاً بمعنى أنه لا يكون جيداً إذا خلا من التأبير، بل يكون حبات صغيرة مستطيلة، وفي ذلك القصة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (أنتم أعلم بدنياكم) . قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر] . وهذا الإسناد خماسي، وفيه رواية صحابي عن صحابي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بقصة النخل] . يعني دون ذكر العبد، فهو عكس الأول، فالطريق الأول في قصة العبد دون التأبير، والطريق الثاني في قصة النخل دون العبد، والطريق الذي قبلهما جمع بين قصة العبد وقصة النخل. [قال أبو داود: واختلف الزهري ونافع في أربعة أحاديث هذا أحدها] . يعني بعضهم ذكر هذا، وبعضهم ذكر هذا. شرح حديث جابر (من باع عبداً وله مال) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني سلمة بن كهيل قال: حدثني من سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) ] . أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه في قصة العبد، وهو: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) ، وفي إسناده رجل مجهول، ولكن هو مطابق لما تقدم، فيشهد له ما تقدم، ولو لم يكن إلا هو لما ثبت، لكن كون الحديث ثبت من طريق أخرى فيكون هذا من جملة الشواهد. قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى] . يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان] . سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني سلمة بن كهيل] . سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: حدثني من سمع جابر بن عبد الله] . جابر بن عبد الله مر ذكره. الأسئلة حكم شراء العبد وما في يده السؤال إذا قال الرجل: اشتريت العبد والذي في يده، ألا يدل أنه اشترى شيئاً مجهولاً فيه غرر؟ الجواب إذا كان لا يعرف ما في يده فلا شك أنه مجهول، لكن إذا كان يراه ويشاهده، فإنه يكون معلوماً. حكم شراء الكلب للحاجة السؤال إن احتاج الرجل إلى كلب للماشية أو الزرع، ووجد من يبيع الكلب، فهل يشتريه والإثم على البائع؟ الجواب لا يشتريه، بل يبحث عن كلب من الكلاب من دون شراء. حكم بيع الحيوانات المفترسة السؤال هل النهي عن بيع الكلب يشمل كل حيوان مفترس من السباع؟ الجواب كل الحيوانات المفترسة لا يجوز بيعها من باب أولى. حكم الخيار في عقد الإجارة السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) هل ينزل عليه الإجارة فإذا تفرقوا تمت الإجارة؟ الجواب نعم؛ لأن الإجارة بيع المنافع، وذاك بيع الأعيان. حكم كسب الأمة بالغناء السؤال ما حكم كسب الأمة إذا كانت مغنية؟ الجواب حرام؛ لأن الغناء حرام. حكم عمل المرأة في البيع في دكان السؤال ما حكم عمل المرأة في البيع في الدكان حيث تخالط الرجال الذين يشترون منها؟ الجواب الرجال لهم أن يشتروا من المرأة إذا احتاجوا إلى ذلك، لكن الذي ينبغي للنساء أن تكون بمعزل عن الرجال، وأن تكون لهن أسواق خاصة تأتيهن النساء، ويشترين منهن، ومن اضطرت إلى أن تبيع وهي متسترة ومتحجبة، فلا بأس، ولكن لا تكون في دكان، بل تأتي إلى مكان في بعض الأحيان مثل أن تجلس في طرف السوق، أما كونها تكون في دكان، ويتعامل معها الرجال، ويدخلون عليها؛ فهذا لا يصح ولا ينبغي أن يكون. حكم الأكل من كسب الزوجة السؤال ما حكم أخذ الرجل من كسب امرأته بما كان فيه شبهه من هذا النوع؟ الجواب الشبهة فيما يتعلق باتهام بالفاحشة، وصعب أن المرأة تتهم بهذا، ولكن الإماء كان عندهن ابتذال، ويحصل منهن ما لا يحصل للحرائر، وكان لهن وضع خاص غير الحرائر، فلا يقال: إن المرأة مثل الأمة التي جاء النهي عن كسبها. حال حديث (نهى عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها) السؤال في حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني طارق بن عبد الرحمن القرشي قال: جاء رافع بن رفاعة إلى مجلس الأنصار فقال: (لقد نهانا نبي الله صلى الله عليه وسلم اليوم) إلخ، هل في هذا انقطاع حيث إن طارقاً لم يسمعه من رافع، ولم يحضر مجلس الأنصار؟ الجواب حكاية القصة بهذا اللفظ تفيد بأنه يوجد انقطاع، لكن هذا الحديث تشهد له الأحاديث الأخرى. حكم اقتسام الورثة لتركة من كان كسبه حراماً السؤال هل يجوز للورثة أن يأخذوا من إرث المورث إذا كان كسبه حراماً؟ الجواب بعض العلماء يقول: إن الذي ينبغي هو التنزه عن هذا، ومعلوم أن الكسب الحرام يصرف في أمور ممتهنة وغير محترمة مثل بناء الحمامات، فإذا تنزهوا عن هذا فهذا هو الذي ينبغي، ويصرفونها في هذه المصارف. حكم العمل في مختبرات التحاليل وفي الصرف الصحي السؤال هل يلحق بمهنة الحجام الذين يعملون في مختبرات التحاليل، وكذلك الذين يعملون في الصرف الصحي؟ الجواب لا شك أن هذه من المهن التي ليست شريفة.
__________________
|
#672
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [393] الحلقة (425) شرح سنن أبي داود [393] شملت الأحكام الشرعية جميع المعاملات، وهذا من مقتضى شمول الشريعة للأزمان والأحوال، ومما بينته السنة من ذلك حكم بيع العبد وله مال، وتلقي الركبان وبيع النجش وبيع حاضر لباد وبيع المصراة والاحتكار. التلقي شرح حديث (لا يبع بعضكم على بيع بعض) قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في التلقي. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق) ] . يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في التلقي) أي: تلقي الركبان، أو تلقي الجلب، أو تلقي السلع التي تجلب ويأتي بها غير أهل البلد، سواء كانوا من بادية أو غير بادية، فلا يجوز لمن كانوا من أهل البلد أن يخرجوا ويستقبلوهم قبل أن يصلوا إلى البلد، فيشتروا منهم السلع كلها، ثم يهبطوا بها إلى البلد؛ لأنهم قد يخدعونهم بأن يقولوا: الأسعار رخيصة، فيشتروا منهم السلع التي معهم كلها، فيكون في ذلك غبن للبائعين، وأيضاً يكون في ذلك إضرار بأهل البلد؛ لأن الجالب الذي يريد أن يبيع بضاعته الناس يشاهدونها، وكل منهم يشتري ويحصل له ارتفاق بهذا الشراء، بخلاف ما إذا اشتراها تاجر من أهل البلد ثم ادخرها، أو حجزها، أو جعلها عنده وباعها بأسعار زائدة، فإن هذا فيه مضرة على الناس. وعلى هذا فتلقي الركبان فيه محذوران: أحدهما يرجع إلى الجالبين: وهو أنه قد يحصل لهم غبن، والثاني: يرجع إلى أهل البلد، وهي أن حاجة أهل البلد يختص بها إنسان من أهل البلد ثم يدخرها، ويضيق عليهم في ذلك. وقد جاء في بعض النصوص أن البائع إذا دخل السوق فله الخيار إذا رأى أنه غبن. وأبو داود رحمه الله عبَّر بالتلقي، ولم يقل: تلقي الركبان، أو تلقي السلع، أو تلقي الجلب بذكر المضاف والمضاف إليه، وإنما أتى بأل، وهي دالة على المضاف إليه لأنها بدل من المضاف إليه، فقوله: (التلقي) أي: تلقي الركبان، فأحياناً يحذف المضاف إليه ويؤتى بأل بدلاً منه، وهذا موجود في اللغة وفي كلام العلماء للاختصار، مثل أسماء الكتب التي هي مكونة من مضاف ومضاف إليه، فكثيراً ما يذكرونها بدون المضاف إليه مع إضافة أل، فمثلاً يقال: كتاب البلوغ، بدل (بلوغ المرام) أو الفتح، بدل (فتح الباري) أو المنتقى، بدل (منتقى الأخبار) . وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال:11] يعني: أقدامكم، وقوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37 - 39] يعني: هي مأواه {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] أي: هي مأواه. ولعل أبا داود رحمه الله اختار التلقي؛ لأنه قد جاء المضاف على ألفاظ متعددة، فقد جاء: تلقي الركبان، وجاء: تلقي السلع، وجاء: تلقي الجلب، وقد جاء عند أبي داود ذكر السلع وذكر الجلب، وهي ألفاظ متعددة، فلعله من أجل تعدد ألفاظ المضاف إليه اختار أن يأتي بلفظ يشمل هذا وهذا، وهو أن يأتي بأل التي تقوم مقام المضاف إليه أو تدل على المضاف إليه. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبع بعضكم على بيع بعض) وهذا يكون فيما إذا حصل بيع بين شخصين وبينهما خيار مجلس أو خيار شرط، فإذا حصل البيع والشراء وهم لا يزالون في المجلس، فلهم خيار المجلس، فكل واحد له أن يفسخ ما دام في المجلس، فيأتي رجل ثالث إلى المشتري ويقول: اترك هذه السلعة التي اشتريتها وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، إذا كانت بعشرة فأنا أبيعك إياها بثمانية، فهذا يعتبر من البيع على بيع أخيه، أو كان في العقد خيار شرط، فقال المشتري: أعطني مدة ثلاثة أيام أفكر، وبعد ذلك أخبرك هل أعزم على الشراء أو أترك، فيأتي شخص آخر إلى المشتري في مدة الخيار فيقول له: اترك هذه السلعة وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، هذا هو البيع على بيع أخيه. وأما الشراء على شرائه فهو مقابل هذا، فيكون البائع والمشتري كل منهما له خيار، فيأتي رجل للبائع ويقول: اترك هذا البيع، وأنا أشتريه منك بأزيد من هذا، فإذا باع السلعة بعشرة على إنسان وهما في خيار مجلس أو خيار شرط يأتي شخص للبائع ويقول له: أنا أشتريها منك بإحدى عشر ريالاً، وأزيدك ريالاً على السعر الذي اشترى منك هذا الشخص، فكل ذلك لا يجوز، لا يبيع على بيع أخيه، ولا يشتري على شراء أخيه. قوله: [(ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق)] . أي: ولا تلقوا السلع فتشترونها من الجالبين قبل أن يصلوا إلى الأسواق، ولكن حتى يهبطوا بها الأسواق، وبعد ذلك كل يشتري؛ لأنها إذا وصلت الأسواق رآها الناس فكلٌّ يشتري منها، وفي ذلك مصلحة لأهل البلد ومصلحة للجالب. تراجم رجال إسناد حديث (لا يبع بعضكم على بيع بعض) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] . عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن مالك] . مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن نافع] . نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر] . عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود. شرح حديث (نهى عن تلقي الجلب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا عبيد الله -يعني ابن عمرو الرقي - عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلق مشتر فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل حديث ابن عمر في النهي عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلق فالبائع بالخيار إذا هبط السوق. وإذا كان أصحاب القرى لا يسيرون إلى السوق، بل يقف أحدهم على أطراف المدينة بسلعته ويشترى منه فلا بأس، ما دام أنه جاء إلى هذا المكان وجلس يبيع فيه، وهذا لا يسمى تلقي ركبان، وإنما الكلام على أناس يريدون الأسواق، فيتلقاهم أناس قبل أن يصلوا إلى الأسواق فيشتروا منهم. تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن تلقي الجلب) قوله: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة] . الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو الرقي] . ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أيوب] . أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن سيرين] . محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً. [قال أبو علي: سمعت أبا داود يقول: قال سفيان: لا يبع بعضكم على بيع بعض أن يقول: إن عندي خيراً منه بعشرة] . هذا تفسير للبيع على بيع أخيه، وهو أن يقول الرجل للمشتري: إن عندي خيراً منه بعشرة، وقد يزيد وقد ينقص عن السعر الذي باعه به، فقد تكون السلعة أحسن والسعر واحداً. وأبو علي المذكور هو الراوي عن أبي داود. وقوله: (قال سفيان) ، قد يكون المقصود به سفيان الثوري أو سفيان بن عيينة، ومعلوم أن كلاً منهما لم يدركه أبو داود، وإنما يروي عنه بواسطة، وكل منهما ثقة. النهي عن النجش شرح حديث (لا تناجشوا) قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في النهي عن النجش. حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تناجشوا) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة وهي النهي عن النجش، والنجش هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، إما أن يريد أن ينفع البائع أو يريد أن يضر المشتري، بحيث إذا جاء رجل يشتري يقول: هذه السلعة مرغوب فيها، فهذا الرجل يزيد فيها، فيكون في ذلك ضرر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تناجشوا) أي: أن الإنسان إذا كانت السلعة يُحرَّج عليها وينادى عليها فإنه لا يزيد إلا إذا كان سيشتري، أما أن يزيد وهو لا يريد أن يشتري، وإنما ليرفع السعر للبائع؛ فهذا محرم، أما إن كان له رغبة في الشراء، وزاد من أجل رغبته في الشراء، فهذا ليس بنجش، وإنما النجش أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ليزيد في الثمن، وقد يكون البائع صديقاً له، وهو يريد أن ينفعه من قبل هذا المشتري. تراجم رجال إسناد حديث (لا تناجشوا) قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح] . أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [حدثنا سفيان عن الزهري] . سفيان هو ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن المسيب] . سعيد بن المسيب وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . قد مر ذكره. النهي عن بيع حاضر لباد شرح حديث (نهى أن يبيع حاضر لباد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي أن يبيع حاضر لباد. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد، فقلت: ما يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة (باب لا يبيع حاضر لباد) والحاضر هو ساكن الحاضرة، والبادي هو ساكن البادية الذي يأتي بسلعة ويجلبها، فيأتيه أحد أهل الحاضرة فيقول: بدلاً من أن تبيعها برخص، اتركها عندي في الدكان، وأنا أبيعها لك على مهل بسعر أغلى ولي جزء من الأجرة، فيكون واسطة -أي: سمساراً- يبيع له، فبدلاً من كونه يبيعها ويأخذ ثمنها ويمشي والناس يستفيدون منه، يحول بين الناس وبين الاستفادة. أما أن يبيع له الحاضر في الحال فلا بأس، مثل أن ينادي بها ويصوت في الحراج، فهذا لا بأس به، وإذا أتى صاحب البادية بالسلع وهو لا يريد أن يبيعها في الحال، فذهب إلى شخص من الحاضرة وقال له: أنا أريد أن تبيع لي هذه السلعة؛ فهذا لا بأس به، وإنما المحذور أن يقول الحاضر للبادي: لا تبع السلع، ولكن دعها عندي أبعها لك؛ فهذا هو الممنوع. تراجم رجال إسناد حديث (نهى أن يبيع حاضر لباد) قوله: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور] . محمد بن عبيد يحتمل أن يكون محمد بن عبيد بن حساب أو محمد بن عبيد المحاربي، وذلك أن كلاً منهما روى عنه أبو داود، وهما رويا عن محمد بن ثور، وكل منهما يحتج به، فـ محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي، ومحمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي. ومحمد بن ثور ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [عن معمر] . معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن طاوس] . عبد الله بن طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] . طاوس بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس] . عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (لا يبع حاضر لباد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب أن محمد بن الزبرقان أبا همام حدثهم -قال زهير: وكان ثقة- عن يونس عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يبع حاضر لباد، وإن كان أخاه أو أباه) ] . أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: (لا يبع حاضر لباد، ولو كان أباه أو أخاه) بمعنى أن يقول له: هذه السلع لا تبعها على الناس، ولكن دعني أتولى بيعها على مهل؛ لأن بيع الجلب في الحال فيه مصلحة للناس، ومصلحة للمالك؛ لأن المالك إذا أخذ القيمة يمكن أن يشتري بها سلعاً ويستفيد منها، ويجلب مرة ثانية، بخلاف ما إذا بيعت على مهل فإنه قد يحصل على ربح زائد، ولكنه لا يجد الفلوس في الحال بحيث يأتي بسلعة أخرى ويجلبها مرة ثانية، فهذا الحديث مثل الذي قبله، وفيه زيادة في التأكيد: (ولو كان أباه أو أخاه) . تراجم رجال إسناد حديث (لا يبع حاضر لباد) قوله: [حدثنا زهير بن حرب] . زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [أن محمد بن الزبرقان حدثهم] . هو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [قال زهير: وكان ثقة] . هذا توثيق لـ محمد الزبرقان. [عن يونس] . يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن] . الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس] . أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كان يقال لا يبع حاضر لباد) [قال أبو داود: سمعت حفص بن عمر يقول: حدثنا أبو هلال قال: حدثنا محمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كان يقال: لا يبع حاضر لباد) وهي كلمة جامعة، لا يبيع له شيئاً، ولا يبتاع له شيئاً] . أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس قال: (لا يبيع حاضر لباد) وهي كلمة جامعة، لا يبيع له شيئاً، ولا يبتاع له شيئاً، يعني لا يقول: دعني أشتري لك، لأنه قد يخص به بعض الناس دون بعض، فإذا ترك وحاله اشترى ممن شاء، أو اشترى من هذا ومن هذا ومن هذا، فيكون في ذلك فائدة لجهات مختلفة متعددة. أما إن كان مشغولاً أو بحاجة إلى من يشتري له، فوكل أحد الناس ليشتري له؛ فلا بأس بذلك. وقائل هذه الكلمة: (هي كلمة جامعة) هو محمد بن سيرين. تراجم رجال إسناد حديث (كان يقال لا يبع حاضر لباد) قوله: [سمعت حفص بن عمر] . حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي. [حدثنا أبو هلال] . أبو هلال الراسبي محمد بن سليم صدوق فيه لين، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [عن محمد عن أنس] . مر ذكرهما. شرح حديث طلحة (نهى أن يبيع حاضر لباد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن سالم المكي أن أعرابياً حدثه أنه قدم بحلوبة له على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزل على طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال: (إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد) ، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فشاورني حتى آمرك أو أنهاك] . أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه جاء رجل بحلوبة له يريد أن يبيعها، وكأنه فهم أنه أراد أن يبيع الحلوبة فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد) ولكن اذهب إلى السوق واعرف الأسعار، وإن أردت بيعها فارجع إلي في ذلك. فهذا الحديث مثل ما تقدم أنه لا يبيع حاضر لباد، ولكن لو أن إنساناً أراد أن يستشيره مثلما جاء في قصة طلحة فلا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث طلحة (نهى أن يبيع حاضر لباد) قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] . موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد] . حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن محمد بن إسحاق] . محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن سالم المكي] . سالم المكي يحتمل أنه ابن شوال، ويحتمل أنه مجهول. [طلحة بن عبيد الله] . طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث ضعيف فيه راو مجهول، وفيه عنعنة ابن إسحاق، أما الأعرابي فهو صحابي. شرح حديث جابر (لا يبع حاضر لباد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا يبع حاضر لباد، وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ] . أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (لا يبع حاضر لباد، وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ، وهذا فيه إشارة إلى استفادة الناس من السلع التي تجلب، ولا يختص بها أحد دون غيره، فلا يقول: لا تبعها، ودعها عندي في الدكان وأنا أبيعها لك على مهل. فيحول بين الناس وبين الاستفادة منها في وقت جلبها، ويحصل هو وحده على الفائدة من ورائها، بحيث يبيعها بغلاء ويحصل أجرة على بيعها. تراجم رجال إسناد حديث جابر (لا يبع حاضر لباد) قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] . عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا زهير] . زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو الزبير] . محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جابر] . جابر بن عبد الله صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود. المصراة شرح حديث (لا تصروا الإبل والغنم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من اشترى مصراة فكرهها. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) ] . أورد أبو داود باب من اشترى مصراة فكرهها. والمصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة التي حبس اللبن في ضرعها مدة حتى صار الضرع كبيراً، فيظن من رآها أن هذا حليب اليوم أو حليب البارحة، وقد يكون مضى عليه عدة أيام، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تصرية الإبل والغنم ومثلها البقر؛ لأن فيه غشاً للناس وتغريراً عليهم، حيث يظنون أنها حلوب، وأنها كثيرة اللبن، فيغتر من يشتريها. فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وجعل من اشترى المصراة بخير النظرين بعد أن يحلبها، ويعرف أن هذا الحليب له مدة في ضرعها، فيكون بخير النظرين إذا سخطها: إن أراد أن يبقيها أبقاها، وإن أراد أن يرجعها فإنه يرجعها وصاعاً من تمر مقابل الحليب الذي حلبه، ولا يرد بدله حليباً بل تمراً كما جاء في هذا الحديث، والتمر كان قوت أهل المدينة وكانوا يدخرونه، أما لو لم يكن عندهم تمر فليرد صاعاً من غير التمر.
__________________
|
#673
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (لا تصروا الإبل والغنم) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد] . أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعرج] . الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . قد مر ذكره. شرح حديث (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب وهشام وحبيب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء ردها وصاعاً من طعام لا سمراء) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أن من اشترى شاة مصراة أو بقرة أو ناقة فإنه بخير النظرين لمدة ثلاثة أيام: إن أبقاها أبقاها، وإن ردها رد صاعاً من طعام لا سمراء، والطعام يطلق على التمر وعلى غيره، فقوله: (لا سمراء) يعني: الحنطة، أي: البر، فيكون المقصود بالطعام هنا هو التمر حتى يتفق مع الحديث الأول؛ لأنه نفى السمراء التي هي البر. تراجم رجال إسناد حديث (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام) قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب] . كلهم مر ذكرهم. [وهشام] . هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وحبيب] . حبيب بن الشهيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة] . مر ذكرهما. شرح حديث (من اشترى غنماً مصراة احتلبها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مخلد التميمي حدثنا المكي -يعني: ابن إبراهيم - حدثنا ابن جريج قال: حدثني زياد أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من اشترى غنماً مصراة احتلبها: فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله، إلا أنه ذكر غنماً، والمقصود أنه عن كل شاة صاع من تمر، وليس المقصود صاعاً عن عدة شياه، ولكن عن كل شاة احتلبها صاع تمر. وبعض أهل العلم لم يقل بحديث المصراة، وقال: إن صاعاً من تمر يخالف القياس، والأصل أنه يرد حليباً بدل الحليب! و الجواب أن ما جاء بالشرع هو أصل بنفسه، فلا يقال إنه خالف القياس أو إنه ليس بأصل؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن يعول عليه، وأن يؤخذ به، فهو أصل بنفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي عين هذا، فيصار إلى ما عينه الرسول صلى الله عليه وسلم. وبعضهم تكلم في أبي هريرة من جهة كونه راوي الحديث، وقال: إنه ليس في الفقه مثل عبد الله بن مسعود، وهذا معناه أنه ليس بفقيه، ففيه لمز له؛ فهذا غلط وخطأ، والحافظ ابن حجر رحمه الله لما ذكر هذا عمن قاله وقال معلقاً عليه: وقائل هذا الكلام إنما آذى نفسه، ومجرد تصوره يغني عن التكلف في رده! وهذا صحيح؛ لأنه كلام باطل لا قيمة له، ثم نقل عن أبي المظفر السمعاني في رده على أبي زيد الدبوسي في كتاب اسمه الاصطلام أنه قال: ولا يجوز التعرض لجناب أحد من الصحابة، والكلام في الصحابة بدعة من البدع. تراجم رجال إسناد حديث (من اشترى غنماً مصراة احتلبها) قوله: [حدثنا عبد الله بن مخلد التميمي] . عبد الله بن مخلد التميمي مقبول أخرج له أبو داود. [حدثنا المكي يعني ابن إبراهيم] . مكي بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري، وهو أحد الذين روى عنهم الثلاثيات. [حدثنا ابن جريج] . عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني زياد] . زياد بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره] . ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [عن أبي هريرة] . مر ذكره. شرح حديث (من ابتاع محصّلة فهو بالخيار ثلاثة أيام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد حدثنا صدقة بن سعيد عن جميع بن عمير التيمي أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ابتاع محصلة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً) ] . أورد أبو داود حديث ابن عمر وفيه: (من ابتاع محصلة) يعني: مصراة حبس اللبن في ضرعها، وفيه: (إن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً) وهذا يخالف ما تقدم من الروايات في أنه يرد تمراً، ولا يرد سمراء، والسمراء هي القمح، وهذا الحديث غير صحيح، والمعتمد والمعول عليه هو الحديث المتقدم الذي في الصحيحين وغيرهما من أنه يرد صاعاً من تمر، وليس قمحاً. تراجم رجال إسناد حديث (من ابتاع محصلة فهو بالخيار ثلاثة أيام) قوله: [حدثنا أبو كامل] . أبو كامل الجحدري وهو فضيل بن حسين وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا عبد الواحد] . عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا صدقة بن سعيد] . صدقة بن سعيد مقبول، أخرجه له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن جميع بن عمير] . جميع بن عمير وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب السنن. [عن عبد الله بن عمر] . عبد الله بن عمر رضي الله عنه وقد مر ذكره. والحديث غير صحيح؛ لأنه فيه من هو متكلم فيه، والأمر الثاني: أنه يخالف الأحاديث السابقة التي في الصحيحين وفي غيرهما في ذكر التمر. الاحتكار شرح حديث (لا يحتكر إلا خاطئ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي عن الحكرة. حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن عمرو بن يحيى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن المسيب عن معمر بن أبي معمر -أحد بني عدي بن كعب - رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) ] . أورد أبو داود باب النهي عن الحكرة، وهو احتكار الطعام الذي يكون الناس بحاجة إليه، فيخفيه ويدخره حتى تشتد الحاجة إليه أكثر ويبيعه بسعر غال، فهذا لا يسوغ ولا يجوز، وذلك أن فيه تضييقاً على الناس في شيء هم بحاجة إليه. أورد أبو داود حديث معمر بن أبي معمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحتكر إلا خاطئ) أي: آثم. تراجم رجال إسناد حديث (لا يحتكر إلا خاطئ) قوله: [حدثنا وهب بن بقية] . وهب بن بقية الواسطي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. [أخبرنا خالد] . خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو بن يحيى] . عمرو بن يحيى المازني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن عمرو بن عطاء] . محمد بن عمرو بن عطاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن المسيب] . مر ذكره. [عن معمر بن أبي معمر] . معمر بن أبي معمر رضي الله عنه، خرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. خلاف العلماء فيما لا يجوز فيه الاحتكار [فقلت لـ سعيد: فإنك تحتكر قال: ومعمر كان يحتكر] . قيل: إن هذا يحمل على شيء ليس الناس بحاجة إليه، وليس من الأشياء الضرورية مثل الطعام أو ما يشبه الطعام. [قال أبو داود: وسألت أحمد: ما الحكرة؟ قال: ما فيه عيش الناس] . يعني: الذي به قوت الناس وطعام الناس، بحيث يسد فاقتهم ورمقهم، هذا هو الذي فيه الحكرة، ولا يكون في كل شيء؛ لأن بعض الأشياء يمكن أن تخزن والناس ليسوا بضرورة إليها، مثل الكماليات التي الناس بغنية عنها وقد لا يحتاجون إليها. [قال أبو داود: قال الأوزاعي: المحتكر من يعترض السوق] . يعني: يترقب الذي يحتاج إليه الناس في السوق للبيع، فيحول بينهم وبينه، هذا هو المحتكر. ويدخل فيه الذي يتلقى الركبان ثم يحتكر الشيء الذي تلقاه والناس بحاجة إليه. شرح أثر (ليس في التمر حكرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فياض حدثنا أبي ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى بن الفياض حدثنا همام عن قتادة قال: ليس في التمر حكرة، قال ابن المثنى: قال عن الحسن، فقلنا له: لا تقل عن الحسن. قال أبو داود: هذا الحديث عندنا باطل] . أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن أنه ليس في التمر حكرة، والتمر هو من القوت والطعام الذي يحتاجه الناس، ولهذا جاء في حديث المصراة أنه يرد صاعاً من تمر؛ لأنه الطعام الذي يأكله الناس. قال أبو داود: هو حديث باطل؛ لأن التمر هو أهم طعام في المدينة، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم (بيت لا تمر فيه جياع أهله) ، لأنه هو الطعام عندهم، فإذا كان التمر ليس فيه حكرة فما هي الحكرة؟ تراجم رجال إسناد أثر (ليس في التمر حكرة) قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فياض] . محمد بن يحيى بن فياض ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [حدثنا أبي] . يحيى بن فياض وهو لين الحديث، أخرج له أبو داود. [قال ح وحدثنا ابن المثنى] . وهذه طريق أخرى، ومحمد بن المثنى هو أبو موسى الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى بن فياض حدثنا همام] . يحيى بن فياض تقدم، وهمام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة] . قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الحسن] . الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [فقلنا له: لا تقل: عن الحسن] . يعني: لا تأت بلفظ فيه تدليس؛ لأن قتادة مدلس، فإذا قال: عن الحسن فهذا اللفظ فيه تدليس، وعلى كل فالأثر غير صحيح. وقد يكون معناه أن الحسن بن أبي الحسن رفيع المنزلة، وكونه يقول مثل هذا الكلام الشاذ أمر ليس بالهين؛ لأن التمر هو قوت للناس، وإذا لم يكن فيه احتكار فلا يكون الاحتكار في شيء. [قال أبو داود: كان سعيد بن المسيب يحتكر النوى والخبط والبزر] . هذا فيه بيان الشيء الذي يجوز أن يحتكر، وهو الشيء الذي الناس ليسوا بحاجة إليه، فمن ذلك نوى التمر، وهو علف للإبل، والعلف يمكن أن يحصل من غيره مما يخرج من الأرض. والخبط هو ورق الشجر. والبزر: هو بذور الأشياء التي تزرع من بقول وغيرها. حكم كبس علف الدواب قال المصنف رحمه الله تعالى: [وسمعت أحمد بن يونس يقول: سألت سفيان عن كبس القت فقال: كانوا يكرهون الحكرة، وسألت أبا بكر بن عياش فقال: اكبسه] . هو علف الدواب، فبدلاً من كونه يباع وهو رطب ويستفاد منه، فقد يدخر لكونه كثيراً زائداً عن الحاجة، فيكبسونه بمعنى أنهم يضمون بعضه إلى بعض وييبسونه، ثم يستعمل وهو يابس، هذا هو الكبس، ثم يبيعونه في وقت آخر وهو يابس، وهذا لا بأس به. وقول سفيان: (كانوا يكرهون الحكرة) هذا لفظ عام، وكأنه أراد منه التعميم، وأنه يدخل فيه احتكار قوت الدواب. وقول أبي بكر بن عياش: (اكبسه) يعني: أنه لا بأس باحتكاره؛ لأنه ليس من الأشياء الضرورية. قوله: [سمعت أحمد بن يونس] . أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [قال: سألت سفيان] . هو الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وسألت أبا بكر بن عياش] . أبو بكر بن عياش ثقة، أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن. الأسئلة حكم تلقي أصحاب البضائع إذا كانوا يعلمون بأسعار السوق السؤال إذا كان تجار البلد يتلقون الركبان في مكان خارج البلد أشبه بالسوق، فيشترون منهم البضاعة بالجملة، وكان البائع عالماً بأسعار السوق، فهل هذا الفعل جائز؟ الجواب إذا كان المكان الذي خرجوا إليه سوقاً فلا إشكال، فإن السوق يكون في عدة أماكن، فإذا كان هناك سوق خارجي يذهب الناس إليه، فلا إشكال، وإنما الكلام في أناس يلتقون بهم في الطريق قبل أن يصلوا إلى الناس ويشترون منهم. حكم البيع في الميناء السؤال هل يندرج في الحديث البيع في الميناء حيث تلقي السفن حمولاتها؟ الجواب لا، فإذا كان الميناء فيه محل للبيع فهو مثل السوق، فإذا كان من عادة الناس أنهم يذهبون إلى الميناء، ويشترون السلع من الميناء، فلا بأس. حكم عرض سعر أرخص لعميل يتعامل مع تاجر آخر السؤال إذا كان هناك شخص يشتري سلعة يومية من محل معين كل يوم بسعر ثابت، فهل يجوز لصاحب محل آخر أن يعرض على المشتري نفس السلعة بثمن أرخص؟ الجواب لا، فهذا فيه محذور؛ لأنه سيترك معاملته ويتحول إلى معاملته هو، فيضر أخاه بأن يأخذ عميله منه، وقد يبيعه برخص في هذه المرة، وبعد ذلك يرفع عليه السعر. النصيحة بالتمهل في البيع ليست من تلقي الجلب السؤال أنا أعرف سعر السوق، ويريد أخي أن يبيع سيارته فقلت له: لا تبعها في هذا الوقت واتركها عندي لأبيعها لك بسعر أعلى، فهل هذا الفعل صحيح؟ الجواب لا بأس بهذا؛ لأن هذا ليس فيه تلقي جلب، ولا فيه أي محذور، فكلاهما من أهل البلد، فإذا كان يعرف أن الأسعار في أوقات يكون فيها هبوط، وفي أوقات يكون فيها ارتفاع فقال مثل هذا لأخيه؛ فلا بأس. حكم بيع الحاضر للبادي بدون أجرة السؤال هل النهي عن بيع الحاضر للبادي ينتفي إذا كان سيبيع له بدون أن يأخذ منه أجرة، بل مساعدة له وإحسان إليه؟ الجواب لا يبيع حاضر لباد ولو بدون أجرة، وفي الحديث: (وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) فكونه يبيع له السلع على مهل يضر أهل السوق. حكم الإجارة على إجارة أخيه السؤال ما حكم الإجارة على إجارة شخص آخر، بحيث يقول للمستأجر: عندي شقة أحسن من هذه، فأنا أؤجرها لك؟ الجواب النتيجة واحدة، فهي مثل البيع على بيع أخيه؛ لأن الإجارة هي بيع المنافع، وهي كبيع الأعيان داخلة تحت البيع على بيع أخيك، لأن هذا يبيع المنفعة، وهذا يبيع السلعة، فلا فرق بين الإجارة والبيع. حكم عرض السلعة على من يريد الشراء حال السوم السؤال ما حكم عرض السلعة على رجل يريد شراء سلعة، وهو يساوم تاجراً فيها؟ الجواب إذا كانت السلعة تسام، ولم يحصل اتفاق بينهما، فلا بأس؛ لأن البيع على البيع يكون في خيار مجلس أو خيار شرط، أي: وقد تم الاتفاق بينهما.
__________________
|
#674
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [394] الحلقة (426) شرح سنن أبي داود [394] نهى الشرع عن الغش في البيع، وحذر منه، ونهى عن التسعير والاحتكار، وأوجب للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر. كسر الدراهم شرح حديث (نهى أن تكسر سكة المسلمين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كسر الدراهم. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معتمر قال: سمعت محمد بن فضاء يحدث عن أبيه عن علقمة بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس) ] . يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب كسر الدراهم. المقصود بكسر الدراهم: عمل شيء في الدراهم لا يحصل معه الاستفادة منها، وذلك بأن تكسر فتكون قطعتين فلا يستفاد منها على هذه الصورة، هذا هو المقصود بالكسر، أي أن يقرض منها شيئاً، أو يجعل الدرهم قطعتين، فإنه في هذه الحالة لا يستفاد منه. ومنه أيضاً تحويل الدراهم إلى زينة وإلى حلي، فيحصل بذلك ضرر على الناس؛ لأن الفضة والذهب تحول من كونها عملة ونقداً إلى كونها حلياً؛ فيترتب على ذلك مضرة بالناس. أورد أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عن عبد الله بن سنان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تكسر سكة المسلمين إلا من بأس) والسكة المقصود بها: النقد. وقوله: (إلا من بأس) ، يعني: إذا حصل فيها شيء من التلف يقتضي أن تكسر، أو حصل فيها اعوجاج أو شيء يخرجها عن هيئتها التي هي عليها، ولا يمكن الانتفاع بها على تلك الصورة؛ فيمكن أنها تكسر ثم تسك من جديد أو تحول إلى حلي. ولم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سكة خاصة للمسلمين، والمقصود السكة التي يتعامل بها المسلمون وإن كانت من غيرهم، وبعدما وجدت السكة للمسلمين فإن الحكم -لو كان ثابتاً- يشملها. والأوراق النقدية لا يجوز أن يعبث بها ويرسم أو يكتب عليها بحيث تشوه صورتها، ويترتب على ذلك أن الناس لا يقبلونها. تراجم رجال إسناد حديث (نهى أن تكسر سكة المسلمين) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معتمر] . معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [سمعت محمد بن فضاء] . محمد بن فضاء، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن أبيه] . وهو فضاء بن خالد وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن علقمة بن عبد الله] . علقمة بن عبد الله بن سنان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [عن أبيه] . وهو صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. التسعير شرح حديث (يا رسول الله سعر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التسعير. حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أن سليمان بن بلال حدثهم قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء فقال: يا رسول الله! سعِّر، فقال: بل أدعو، ثم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله! سعِّر، فقال: بل الله يخفض ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة) ] . أورد أبو داود باب التسعير، والتسعير: هو تحديد السعر، بحيث يقال: لا يباع بأكثر من كذا، ويلزم أن يكون البيع بهذا السعر، هذا هو التسعير، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حرام، ولما طلب منه ذلك قال: (بل أدعو) يعني: بأن تحصل الأرزاق وتكثر ولا يحتاج الناس إلى تسعير، فلما روجع قال: (إني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة) ، وهذا يفيد بأن التسعير من الظلم، فقد يكون صاحب البضاعة اشتراها بثمن غال ثم يلزم بأن يبيعها بسعر رخيص، فيكون في ذلك ظلم عليه؛ لأنه اشترى بثمن غال ثم ألزم بأن يبيع بسعر رخيص، ولكن إذا تواطأ التجار على رفع الأسعار فإنهم لا يمكنون من ذلك؛ لأن هذا تعاون على الإثم والعدوان وتعاون على الظلم، فحينئذٍ تتدخل الدولة فتسعر دفعاً للظلم. قوله: [(أن رجلاً جاء فقال: يارسول الله! سعِّر، فقال: بل أدعو)] . يعني: يدعو الله أن يبسط لهم الرزق ويكثر الخير. قوله: (ثم جاءه رجل، فقال: يارسول الله! سعر، فقال: بل الله يخفض ويرفع) ]. يعني: يحصل منه بسط الرزق ويحصل منه تضييق الرزق، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدر على من يشاء، بمعنى: يضيق، فالتقدير هو التضييق والتقليل. تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله سعر) قوله: [حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي] . محمد بن عثمان الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة. [عن سليمان بن بلال] . هو أبو جماهر سليمان بن بلال، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني العلاء بن عبد الرحمن] . العلاء بن عبد الرحمن صدوق ربما يهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبيه] . هو عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبي هريرة] . أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً. شرح حديث (إن الله هو المسعر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقتادة وحميد عن أنس: (قال الناس: يا رسول الله! غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله هو المسعر، القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال) ] . هذا الحديث مثل الذي قبله، وفيه أن هذا إلى الله عز وجل، فهو الذي يخفض ويرفع ويبسط ويضيق، وهذه من أفعال الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد سبحانه وتعالى، وهو الذي يأتي بالخير ويأتي بالنعم، وإذا شاء أن تقل فكل ذلك يرجع إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى. ولو ألزم التجار بسعر معين، فقد تكون السلع دخلت عليهم بأثمان غالية، فإذا ألزم التاجر أن يبيع بأقل مما اشترى فهذا يعني أنه ألزم بالخسارة، وفي ذلك ظلم له. قوله: [(إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق)] . هذه من أفعال الله عز وجل، والقابض الباسط متقابلان، أي: تضييق الرزق وتوسيعه. والمسعر يعني أن الله هو الذي بيده كل شيء، وهو الذي يحصل منه كثرة الرزق بأيدي الناس ولا يحتاجون إلى طلب تسعير، وقد يحصل خلاف ذلك فيحتاج الناس إلى التسعير، لكن التسعير فيه ظلم للناس كما عرفنا، لكن لا يقال: إن من أسماء الله المسعر؛ لأن هذا من أفعال الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الله بهذه الأشياء، ولا يقال: إن هذا من أسماء الله. والقابض الباسط متقابلان، قال الله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الشورى:12] ، فكل منهما مرتبط بالآخر. والله هو النافع الضار لكن لا يقال: من أسماء الله النافع الضار، فالله عز وجل يوصف بأنه نافع وضار، أعني: يخبر عنه بأنه نافع ضار، لكن لا يقال: إن من أسمائه النافع الضار. والرزاق جاء في القرآن في قوله تعالى: {إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] ، وأما الرازق فجاء في هذا الحديث، وهو إخبار عن أفعال الله سبحانه وتعالى، لكن لا أدري هل جاء اسم الرازق في غير هذا الحديث؟ تراجم رجال إسناد حديث (إن الله هو المسعر) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [حدثنا عفان] . عفان بن مسلم الصفار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد بن سلمة] . حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [أخبرنا ثابت] . ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس] . أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [وقتادة وحميد عن أنس] . قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. النهي عن الغش شرح حديث (ليس منا من غش) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن الغش. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر برجل يبيع طعاماً، فسأله: كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه، فإذا هو مبلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ليس منا من غش) ] . أورد أبو داود باباً في النهي عن الغش، والغش هو الشيء فيه عيب فيخفيه البائع ويبيعه على أساس أن ظاهره السلامة، ولكنه من الداخل على عكس الذي يراه الناس، مثل أن تكون الأطعمة التي تباع ظاهرها جميل، ولكن إذا قلبت ونكست وجد أسفلها يختلف عن أعلاها، فهذا من الغش، والواجب أن يكون أسفل الشيء وأعلاه على حد سواء. والغش حرام لا يجوز؛ لأن فيه إضراراً بالناس، وأكلاً لأموالهم بالباطل. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل يبيع طعاماً فقال: كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك في الطعام فأدخل يده فإذا هو مبلول) يعني: أن الأعلى سليم والداخل مبلول، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من غش) ، وهذا من أحاديث الوعيد الدالة على خطورة هذا الأمر، وأنه أمر ليس بالهين، والمعنى: أنه ليس على منهجنا وعلى طريقتنا وعلى ما يلزم من الاتباع لما نحن عليه، بل هذا مخالف؛ لأن الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو ألا يكون هناك غش، وأن يكون ظاهر ما يباع وباطنه على حد سواء، ولا يكون الظاهر سليماً والباطن سيئاً وأخفي من أجل الغش والخديعة للناس؛ فإن ذلك حرام لا يجوز. وفي بعض الألفاظ أنه قال: (ألا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس) يعني: هذا الذي فيه بلل؛ لأن من الناس من قد يشتري الشيء الذي فيه نقص بسعر أقل، فالسعر يختلف، وليس كل الناس يأخذ هذا الرديء، فقد يكون بعض الناس لا يريد إلا الجيد، لكن من يعرف أنه رديء فإنه يشتريه بثمن يماثل الرديء، فهذا لا بأس به. تراجم رجال إسناد حديث (ليس منا من غش) قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة] . سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة] . مر ذكرهم. كراهة سفيان تفسير حديث (ليس منا من غش) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن الصباح عن علي عن يحيى أنه قال: كان سفيان يكره هذا التفسير: ليس منا: ليس مثلنا] . أورد المصنف أثراً عن سفيان الثوري أنه كان يكره هذا التفسير بأن يقال: (ليس منا) معناه: ليس مثلنا، وكان يحب أن يبقى الحديث على ظاهره، وهكذا أحاديث الوعيد التي فيها الزجر، حتى يحصل للناس منها رهبة وخوف؛ لأن الأمر خطير، فإذا أبقيت على ما هي عليه خاف الناس، فيكون في ذلك زجر لهم. قوله: [حدثنا الحسن بن الصباح] . الحسن بن الصباح البزاز صدوق يهم، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [عن علي] . علي بن عبد الله المديني وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير. [عن يحيى] . يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان] . سفيان هو الثوري كما ذكره المزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإن كان سفيان بن عيينة فهو أيضاً ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. خيار المتبايعين شرح حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في خيار المتبايعين. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار) ] . أورد أبو داود باباً في خيار المتابعين، والخيار هو كون كل واحد من المتبايعين أو أحدهما له حق الاختيار في مدة معينة، إما وقت المجلس، أو المكان الذي تم فيه البيع، أو يشترط أحدهما أو كل منهما الخيار لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو خمسة أيام. وخيار الشرط وخيار المجلس كل منهما صحيح وثابت، وإذا اتفقا على إمضاء البيع في المجلس واختارا عدم ثبوت خيار المجلس فلهما ذلك. وإما إذا تم البيع وحصل السكوت وليس هناك اتفاق على إسقاط خيار المجلس فإنه يثبت لهما الخيار إلى أن يتفرقا بالأبدان، وينفض الاجتماع الذي كانا فيه، وهذا هو التفرق بالأبدان، وهو الذي دل الدليل على أنه هو المقصود. وبعض أهل العلم يقول: إن المقصود التفرق بالكلام، فإذا تم البيع في المجلس ثم صار هناك كلام آخر ليس له علاقة بالبيع؛ فهذا تفرق، ولا خيار لهما في المجلس. ولكن هذا غير صحيح، فالتفرق المراد به بالأبدان، وسيأتي ما يدل عليه، وأنه لو طال الجلوس ولو لمدة يوم وليلة وما تفرقوا فإن خيار المجلس ثابت لهما ما داما جالسين لم يحصل بينهما الفراق. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا، إلا بيع الخيار) ما لم يفترقا، أي بأبدانهما، بأن ينفض الاجتماع وكل يذهب إلى جهته، وعند ذلك يستقر البيع، وأما قبل أن يحصل انفضاض المجلس فكل واحد منهما له أن يترك البيع، وكذلك لو انفض المجلس وقد اشترطا أن يكون لهما الخيار مدة ثلاثة أيام مثلاً، فإنه يعتبر الشرط، ويتم البيع عند انتهاء مدة الشرط، وإذا اتفقا في المجلس على إسقاط خيار المجلس بأن قال أحدهما للآخر: اختر أن البيع قد تم، فإنه يعتبر، ويدل عليه قوله: (إلا بيع الخيار) ، فإنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما يقول لصاحبه: اختر، ويحتمل أنه إذا حصل بينهما اتفاق على أن الخيار يمتد بعد المجلس إلى مدة ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو أربعة أيام فإن الأمر يكون على حسب ما يتفقان عليه. وقد شرع الخيار لأن الإنسان قد يحصل له في المجلس شيء من الندم أو عدم الارتياح للعقد، فيكون بإمكانه أن يتخلص من هذا البيع ما دام في المجلس. أما إذا تفرقا ثم ندم فقد تم البيع فلا رجوع، ولكن يستحب للآخر أن يقيله، ولا يلزمه ذلك. أما إذا تبين في السلعة وجود عيب كان موجوداً من قبل، وليس طارئاً، فهذا يسمى خيار العيب وهو غير خيار الشرط وخيار المجلس. وبعض التجار يكتب في محله: البضاعة لا ترد ولا تستبدل، وهذا هو الأصل، إلا إذا كان في السلعة عيب فيلزمه إرجاعها، وإلا فقد تم البيع بمجرد تفرقهم، لكن إذا وافق البائع على الرد أو الاستبدال فله ذلك، وإن لم يوافق فلا يلزم بذلك. والبيع والشراء من خلال الهاتف جائز، ويعتبر انتهاء المكالمة تفرقاً بالأبدان، فلهما خيار المجلس مدة المكالمة، وبعد انتهائها ينتهي خيار المجلس. تراجم رجال إسناد حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار) قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] . عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [عن مالك] . مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن نافع] . نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر] . هو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمعناه قال: (أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر) ] . أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى بمعناه وفيه: (أو يقول لصاحبه اختر) يعني: نريد أن ننهي الاتفاق وألا نبقي بالخيار، وهذا كما لو كانوا في سفينة أو كانوا في مكان يطول فيه جلوسهم واجتماعهم أو كانوا مسافرين والسفر متصل فيما بينهم، فإذا خير أحدهما صاحبه أو اتفقا على إمضاء البيع في المجلس فإنه يمضي، وينتهي خيار المجلس. أما أن يقول للمشتري: اشتر السلعة لكن ليس لك خيار فهذا لا يصح، فالخيار لا يلغى، ولكن إذا مضى وقت ثم اتفقا على إسقاط الاستمرار فلا بأس، أما كونه عند البيع يقول له: ليس هناك خيار، فلا؛ لأن هذا لا يحصل به المقصود من خيار المجلس، وهو إعطاء الفرصة للشخص؛ لأنه قد يندم بعد دقائق فيكون عنده مجال لفسخ العقد. تراجم رجال إسناد حديث (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار) من طريق أخرى قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] . موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد عن أيوب] . حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. وأيوب السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع عن ابن عمر] . مر ذكرهما.
__________________
|
#675
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله) ] . أورد المصنف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، يعني سواء اتفقا على خيار شرط لعدة أيام أو اتفقا على إنهاء الخيار الذي يكون في المجلس كما مر آنفاً. قوله: [(ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)] أي: خشية أن يفسخ العقد، فيفارقه من أجل أن ينهي مدة الخيار، وهذا قيل إنه ليس على سبيل التحريم وإنما هو على سبيل الكراهة، ولو أنه فارقه من أجل أن يتم البيع صح البيع ولكنه خلاف الأولى، والإنسان يغادر المجلس عندما ينتهي من المجلس. تراجم رجال إسناد حديث (ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] . قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث] . الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عجلان] . هو محمد بن عجلان المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، ويقال في ترجمة ابن عجلان: حملت به أمه أربع سنين. [عن عمرو بن شعيب] . عمرو بن شعيب وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [عن أبيه] . هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن عمرو بن العاص] . عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد فيه بيان أن الجد هو عبد الله بن عمرو؛ لأنه أحياناً يأتي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهنا صرح بالجد وأنه عبد الله بن عمرو وليس محمداً جد عمرو وأبا شعيب؛ لأنه لو كان محمداً لكان الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي. فـ شعيب سمع من جده عبد الله بن عمرو. شرح حديث أبي برزة (البيعان بالخيار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد عن جميل بن مرة عن أبي الوضيء قال: غزونا غزوة لنا فنزلنا منزلاًَ فباع صاحب لنا فرساً بغلام، ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما، فلما أصبحا من الغد حضر الرحيل، فقام إلى فرسه يسرجه فندم، فأتى الرجل وأخذه بالبيع، فأبى الرجل أن يدفعه إليه، فقال: بيني وبينك أبو برزة صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة، فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ، قال هشام بن حسان: حدث جميل أنه قال: ما أراكما افترقتما] . أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، وفيه قصة عن أبي الوضيء قال: غزونا غزوة لنا فباع رجل فرساً بغلام، وعند الرحيل أراد صاحب الفرس الذي بالغلام أن يركب على الفرس، فجعل يسرجه ليستخدمه ويركب عليه، فجاء المشتري الذي دفع العبد في مقابل الفرس وأراد أن يأخذ الفرس، فأبى أن يسلمه إياه، فاتفقا على أن يتحاكما إلى أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، فجاءا إليه وهو في ناحية المعسكر فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالا: نعم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) وما أراكما قد افترقتما، يعني: أن مدة الخيار باقية لصاحب الفرس، فله أن يأخذ فرسه؛ لأنه لا زال في مدة الخيار، وكونهما يصليان مثلاً في المجلس لا يؤثر، وهذا يبين أن مدة خيار المجلس قد تطول ما لم يحصل الافتراق. وفيه دليل على أنه إذا حصل التحاكم إلى شخص صاحب علم ليقضي بين المتخاصمين، فإن ذلك يصح، ولا يلزم أن يكون قاضياً منصوباً من جهة الإمام، فإنهما إذا تراضيا على أن يحكما شخصاً وهو صاحب علم وعنده معرفة ورضيا بحكمه، فإن ذلك صحيح، وقصة أبي برزة رضي الله تعالى عنه دليل على ذلك، ويلزمهما قضاؤه إذا تراضيا عليه. تراجم رجال إسناد حديث أبي برزة (البيعان بالخيار) قوله: [حدثنا مسدد] . مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا حماد] . حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جميل بن مرة] . جميل بن مرة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة. [عن أبي الوضيء] . هو عباد بن نسيب، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة. [عن أبي برزة] . أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي قال: مروان الفزاري أخبرنا عن يحيى بن أيوب قال: كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً خيره، قال: ثم يقول: خيرني، ويقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض) يعني: إذا بقيا في المجلس حتى انتهى المجلس وهما باقيان على البيع وراغبان فيه، فمعناه أن كل واحد منهما في هذه الفترة رضي بما حصل له من الشراء أو البيع. قوله: [كان أبو زرعة إذا بايع رجلاً خيره، قال: ثم يقول: خيرني] . بمعنى أن كل واحد منهما اختار مضي البيع وتمام البيع. تراجم رجال إسناد حديث (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض) قوله: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي] . محمد بن حاتم الجرجرائي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [قال: مروان الفزاري أخبرنا] . مروان الفزاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: قال: مروان أخبرنا، هذا من تقديم الاسم على الصيغة، فبدل أن يقول: أخبرنا مروان قال: مروان أخبرنا، وهذه الصيغة يستعملها بعض المحدثين، فبدل أن يقول: (أخبرنا مروان) يقول: (مروان أخبرنا) ، يعني: بدل أن يكون فعل وفاعل يكون مبتدأ وخبره جملة فعلية بعده. [عن يحيى بن أيوب] . يحيى بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير وهو لا بأس به بمعنى صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي. [عن أبي زرعة] . وهو جده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . مر ذكره. شرح حديث حكيم بن حزام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت البركة من بيعهما) ] . أورد أبو داود حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعاً: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) ، وهذا يتعلق بخيار المجلس. وبعد ذلك ذكر ما يتعلق بحسن المعاملة والصدق وعدم الكذب وعدم إخفاء العيوب فقال: (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) ، قوله: (صدقا) يعني: في بيعهما ولم يخفيا العيوب، (وإن كتما) يعني: حصل كتمان العيوب. وهذا الحديث يفيد بأن الصدق والمعاملة الطيبة سبب لحصول البركة، وأن عكس ذلك من كتمان العيب ومن الكذب سبب في محق البركة. تراجم رجال إسناد حديث حكيم بن حزام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] . هو هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة] . شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة] . قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الخليل] . أبو الخليل هو صالح بن أبي مريم، وثقه ابن معين والنسائي، وأخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن الحارث] . عبد الله بن الحارث بن نوفل، قيل: له رؤية، وقيل: إنه من ثقات التابعين، واتفقوا على توثيقه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حكيم بن حزام] . حكيم بن حزام رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. خلاف الرواة في بعض ألفاظ حديث حكيم بن حزام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) [قال أبو داود: وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة، وحماد وأما همام فقال: (حتى يتفرقا أو يختارا ثلاث مرار) ] . سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وحماد هو ابن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. وهمام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [فقال: (حتى يتفرقا أو يختارا) ثلاث مرات] . يعني: أنه يمكن أن يتم البيع قبل التفرق، وذلك بأن يحصل الاختيار. وقوله: (ثلاث مرار) كأنه كررها ثلاث مرات. موقف طالب العلم من أقوال المجتهدين الإمام أبو حنيفة رحمه الله لم يقل بخيار المجلس، وقد قال هو وغيره من الأئمة: إذا قلت قولاً يخالف حديثاً فخذوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم واتركوا قولي، فالأئمة الأربعة رحمة الله عليهم جميعاً كل واحد منهم جاء عنه ما يدل على أنه إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح فإنه يؤخذ به ولا يؤخذ بقوله، وهذا من إنصافهم وجميل فعلهم رحمة الله عليهم جميعاً. وقد جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد. والناس بالنسبة للعلماء -سواء الأئمة الأربعة أو غيرهم- على ثلاثة أصناف طرفان ووسط: فمنهم من يتعصب ويغلو، ومنهم من يجفو، ومنهم من يتوسط ويعتدل. فالذين يغلون لا يعدلون عن قول الإمام حتى ولو وجد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه، وقالوا: لو كان صحيحاً لعلمه الإمام ولا يخفى على الإمام! وهذا غلو وتعصب، فلا أحد يقول: إنه لا يخفى على الإمام شيء من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث تكون جميع أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم محصورة عند شخص من الناس، ولا يفوته منها شيء، هذا لا يقال في حق أحد. ومن الناس من يجفو فيقول: لا نرجع إلى كلام العلماء، بل نحن رجال وهم رجال! والتوسط بينهما أن يرجع الإنسان إلى كلامهم ويرجع إلى ما كتبوه ودونوه، ويترحم عليهم، ويدعو لهم، ويستفيد من علمهم، ويستعين بهم في الوصول إلى الحق. قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح: العلماء يُحترمون ويُوقرون ويرجع إلى علمهم للاستفادة منهم، ويستعان بهم في الوصول إلى الحق، فإذا وصل إلى الحق اكتفى الإنسان به عن غيره. ثم ضرب لذلك مثلاً فقال: مثل النجوم يهتدى بها في البر إلى جهة القبلة في الظلام وفي الفلوات، لكنه إذا وصل إلى الكعبة ورآها فإنه لا يحتاج إلى أن ينظر في النجوم ليهتدي إلى القبلة؛ لأنه وصل إلى الكعبة ورآها، لكنه عندما يكون بحاجة إلى الاستفادة من النجوم يستفيد منها، وكذلك الإنسان يستفيد من العلماء ما دام أن الحق ما تبين له، وما وقف على الدليل الواضح في المسألة، فيرجع إلى كلام العلماء ويستفيد من علمهم وهذا هو العدل والإنصاف، وهذا هو الذي يريده الأئمة، وهو الذي أوصى به الأئمة، وهو أنه إذا وجد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصار إليه ولا يصار إلى أقوالهم؛ لأن السلامة والعصمة إنما هي في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفيما جاء عن الرسول كتاباً أو سنة، ففيهما السلامة والنجاة، وأما العلماء فهم يخطئون ويصيبون، ولا يعدمون الأجر أو الأجرين، من اجتهد منهم وأصاب الحق فإنه يحصل أجرين، أجراً من أجل اجتهاده وأجراً من أجل إصابته، ومن اجتهد وأخطأ فإنه يحصل أجراً على اجتهاده وخطؤه مغفور. إذاً: المجتهدون لا يعدمون أجراً أو أجرين، وكل مجتهد له نصيب من الأجر، ولا يقال: كل مجتهد مصيب، فالحق واحد. ولهذا قسم النبي صلى الله عليه وسلم المجتهدين إلى قسمين فقال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد وأخطأ فله أجر واحد) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما جعل كل مجتهد مصيباً للحق، بل الحق يصيبه من يصيبه، ويخطئه من يخطئه، لكن لكل مجتهد نصيب من الأجر. الأسئلة حكم الخروج عن أقوال الأئمة الأربعة السؤال هل يصح أن يقال: لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة؛ لأنها حوت الدين وجمعت الأحكام وأصحابها أئمة فضلاء؟ الجواب لا يقال هذا، فقد كان الناس قبل أن يوجد الأئمة الأربعة على خير وعلم أيضاً، والأئمة الأربعة رحمة الله عليهم اجتهدوا، وهم دائرون بين أجر وأجرين، ولا يجوز لأحد أن يتعصب لأحد منهم أو يلتزم بمذهب معين، اللهم إلا أن يكون عامياً لا يعرف الحق بنفسه، ولا يجد من يدله على الحق، فهذا معذور، فكونه يأخذ بقول واحد من الأئمة الأربعة إذا لم يجد من يبين له الحق لا بأس به، والتقليد عند الضرورة إليه سائغ وهو اتباع قول القائل من غير معرفة دليله، وهذا جائز عند الضرورة، كشخص ليس عنده قدرة على الاجتهاد، ولم يجد من يبين له الحق، فعليه أن يتقي الله ما استطاع، ولا بأس بالتقليد له، وأما كون الإنسان يعرف الحق أو يكون قد عرف الحق ثم لا يأخذ به تعصباً لبعض الأئمة فهذا غلط، فكيف يترك الحق بعد أن عرف الدليل؟ كيفية الكتمان من جهة المشتري السؤال جاء في حديث الخيار (وإن كتما وكذبا) كيف يكون الكتمان من جهة المشتري؟ الجواب من جهة الثمن، فقد يكون فيه تزييف، وقد يكون الثمن ليس نقداً، بل كل من البائع والمشتري يعطي الآخر سلعة، فكل واحد قد يكون عنده غش ويكتم العيب. معنى البركة في البيع السؤال ما المقصود بالبركة في البيع؟ الجواب هي حصول الفائدة من السلعة، وأن الله يبارك في أكلها، وإذا نزعت البركة فقد يأكلها ولا يحصل له بركة في أكلها. خيار المجلس في عقد الإجارة السؤال قد يستأجر الإنسان شقة ويتفق مع الحارس، ولم يكتب شيئاً، فهل ينعقد التأجير بمجرد التفرق أو بكتابة عقد الإيجار؟ الجواب إذا تم الأمر بدون كتابة، فإنه يتم البيع أو الإجارة بدون كتابة. حكم التبليغ عن التجار الذين يرفعون الأسعار السؤال إذا وجدت تجاراً متواطئين على رفع سلعة معينة، فهل أرفع أمرهم إلى السلطان؟ الجواب نعم. الحكمة من تحريم التسعير السؤال هل يمكن أن نقول: إن الحكمة من عدم تحديد السعر أن يوجد التنافس بين التجار في تخفيض الأسعار للمسلمين؟ الجواب الحكمة من عدم تحديد السعر هي دفع الظلم؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة) . حكم تسعير الأدوية السؤال ما حكم تسعير الأدوية من قبل وزارة الصحة حتى لا ترتفع قيمة الدواء؟ الجواب لا بأس به؛ لأن مصادر الدواء معروفه، والحاجة له ماسة، وليس مثل الطعام والأشياء التي يحتاج إليها الناس دائماً، فلو ترك الأمر لهم فقد يرفعونها أضعافاً مضاعفة. والآن توجد منتجات غذائية يسعرها المصنع ويكتب عليها قيمتها، بحيث إن الناس يعرفون أن هذه المنتجات سعرها كذا، وهذا التسعير ليس من الدولة، بل صاحب المصنع هو الذي يحدد السعر، فلا بأس به. وإذا سعرت الدولة بعض الأدوية، فيجوز أن تباع برخص من أجل أن يجذب الزبائن. حكم بيع التقسيط المنتهي بالتمليك السؤال ما حكم بيع السيارات بالتقسيط المنتهي بالتمليك؟ الجواب فيه خلاف بين أهل العلم في هذا الزمان، وأكثر المشايخ يقولون: هذا غير سائغ، ولا شك أن تركه أولى للإنسان.
__________________
|
#676
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [395] الحلقة (427) شرح سنن أبي داود [395] يجب على التاجر المسلم أن يكون صدوقاً أميناً رفيقاً، وينبغي له أن يقيل المشتري بيعته، وقد رغب في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحرم على التاجر أن يبيع بالعينة، وهي أن يبيع سلعته ديناً ثم يشتريها ممن باعها له بسعر أقل نقداً، وهي حيلة على الربا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبايع بها، وأخبر أن التبايع بها من أسباب ذل المسلمين، وتسلط الكافرين عليهم، وجاء في الشرع جواز بيع السلم إذا كان بكيل معلوم إلى أجل معلوم بثمن معلوم. فضل الإقالة شرح حديث (من أقال مسلماً أقال الله عثرته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل الإقالة. حدثنا يحيى بن معين حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته) ] . يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في فضل الإقالة، أي: الإقالة في البيع، بأن يندم المشتري بعد أن يلزم البيع، فيرغب إلى البائع أن يقيله، بمعنى أنه يترك البيع بحيث ترجع إلى هذا نقوده، وذاك يأخذ سلعته، أو العكس: بأن يكون البائع هو الذي ندم، فيطلب من المشتري الإقالة بحيث يرد عليه النقود ويأخذ منه السلعة التي باعها عليه، هذه هي الإقالة. ومعناها أن البيع لزم واحتيج إلى الفسخ بموافقة الطرفين؛ لأن أحد الطرفين لا يملك الفسخ بمفرده بعد أن يلزم البيع، فإذا ندم أحدهما وطلب من الآخر أن يعفيه من هذا البيع وأن يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل البيع. وقد ورد في فضلها والترغيب فيها هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أقال مسلماً أقال الله عثرته) أي: من أقال مسلماً بيعته لكونه ندم على البيع -سواء كان البائع أو المشتري- وطلب من الآخر أن يلغي البيع ويرجع السلعة إلى البائع والثمن إلى المشتري، فإن هذا فيه فضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقال الله عثرته) أي: يوم القيامة. وهذا الحديث فيه بيان أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن العمل إقالة البيع، والجزاء إقالة العثرة يوم القيامة، وهو التجاوز عن الذنوب، فهو من الأدلة الدالة على أن الجزاء من جنس العمل، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . تراجم رجال إسناد حديث (من أقال مسلماً أقال الله عثرته) قوله: [حدثنا يحيى بن معين] . يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حفص] . حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش] . هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي صالح] . هو ذكوان السمان مشهور بكنيته أبي صالح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. البيعتان في بيعة شرح حديث (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن باع بيعتين في بيعة. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن زكريا عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة: باب من باع بيعتين في بيعة، والمقصود ببيعتين في بيعة أن تكون عنده سلعة فيبيعها بالنقد بثمن ويبيعها بالأجل بثمن زائد على الثمن الحال، فيأخذ السلعة دون أن يحدد هل أخذها بالحال أو المؤجل، فإنه في هذه الحالة له الثمن الأقل، وإن أخذ الأكثر فإنه يكون قد أخذ ربا؛ لأنه ما دخل على بينة، وإنما دخل في أمر مبهم بين أن يكون حالاً أو يكون مؤجلاً، أما لو دخل على أنه حال أو دخل على أنه مؤجل فإن هذا ليس من قبيل البيعتين في بيعة. فلو اتفق معه على أنه سيأخذ السلعة بالتأجيل بزيادة في الثمن فلا بأس، ولو قال: أنا سآخذه معجلاً بالثمن الأقل فلا بأس، وإنما الذي فيه بأس أن يذكر له البائع هذا السعر وهذا السعر ثم يأخذه المشتري دون اتفاق على أحد الأمرين، فله أوكسهما، أي: أقلهما، وهو سعر الحال، أو الربا إن أخذ الثاني؛ لأنه ما دخل على بينة. وقد ذكر الشوكاني في نيل الأوطار عند شرح هذا الحديث في باب بيعتين في بيعة، أن الحكم الذي فيه المنع هو ما كان على الإبهام، أما لو اتفقا على التأجيل ولو كان السعر زائداً من أجل التأجيل فإنه لا بأس بذلك، وذكر أنه لا يعلم خلافاً في ذلك إلا عن جماعة من أهل البيت منهم علي بن الحسين رحمة الله عليه، وقد ذكر الشوكاني في شرح هذا الحديث أنه ألف في ذلك رسالة خاصة ذكر فيها الأدلة على جواز هذا، وسماها شفاء العليل فيما جاء في زيادة الثمن من أجل التأجيل. تراجم رجال إسناد حديث (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] . أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [عن يحيى بن زكريا] . يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن عمرو] . محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سلمة] . أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا. النهي عن العينة شرح حديث (إذا تبايعتم بالعينة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي عن العينة. حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح ح وحدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي حدثنا حيوة بن شريح عن إسحاق أبي عبد الرحمن -قال سليمان: - عن أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) . قال أبو داود: الإخبار لـ جعفر، وهذا لفظه] . أورد أبو داود: (باب في العينة) ، والعينة: هي أن يبيع الإنسان سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بائعها بسعر أقل معجلاً، فتكون النتيجة أن العين رجعت إلى صاحبها وبقيت ذمة المشتري مشغولة بالزيادة، فقيل لها عينة؛ لأن عين العين المشتراة رجعت إلى صاحبها وبقيت الذمة مشغولة بما اشتراها به المشتري أول مرة، بمعنى أنه باعها مثلاً: بألف ريال لمدة سنة ثم إنه اشتراها ممن اشتراها بثمانمائة ريال، فالسلعة رجعت لصاحبها الأول، وبقيت الذمة مشغولة بمائتين. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: (إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) ، والمقصود من ذلك أنهم ركنوا إلى الدنيا، واشتغلوا بالبيع المحرم -الذي هو العينة- وتركوا الجهاد في سبيل الله وأعرضوا عن الآخرة والاشتغال لها، وذلك لكونهم يحرصون على الدنيا وتحصيلها بأي طريق، فهذا هو المذموم، وليس معنى ذلك أن الاشتغال بالزراعة محرم، وكذلك الأخذ بأذناب البقر بمعنى كونهم يستنبطون عليها الماء ويستفيدون منها، فهذا غير محرم، ولكن المذموم أن يكون همهم الدنيا، وأنهم يأخذون الدنيا ولو بطريق الحرام، ويعرضون عن الجهاد في سبيل الله؛ فإن هذا من أسباب الذل والهوان للمسلمين. وهذا الحديث إسناده صحيح، وهو يدل على تحريم بيع العينة، وكثير من الناس اليوم يتعاملون بها، وبعضهم يعلم بحرمتها ولا يترك التعامل بها! ولو أن شخصاً اشترى سلعة بألف ريال مؤجلة ثم باعها إلى بائع آخر بتسعمائة ريال معجلة، هذه المعاملة لا بأس بها، وتسمى مسألة التورق. فبيع العينة أن يبيعها على من اشتراها منه، وأما التورق فهو أن يبيعها على شخص آخر. تراجم رجال إسناد حديث (إذا تبايعتم بالعينة) قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] . سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [أخبرنا ابن وهب] . عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني حيوة بن شريح] . حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويوجد حيوة بن شريح آخر شامي في طبقة متأخرة، وكل منهما ثقة. [قال: ح وحدثنا جعفر بن مسافر التنيسي] . صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي] . عبد الله بن يحيى البرلسي لا بأس به، بمعنى صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود. [حدثنا حيوة بن شريح عن إسحاق أبي عبد الرحمن] . إسحاق أبو عبد الرحمن الخراساني فيه ضعف، أخرج له أبو داود وابن ماجة. [وقال سليمان: عن أبي عبد الرحمن الخراساني] . يعني أن سليمان -وهو الشيخ الأول- قال: عن أبي عبد الرحمن الخراساني، وما قال: عن إسحاق أبي عبد الرحمن. [عن عطاء الخراساني] . صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن نافع] . نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر] . الصحابي الجليل رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [قال أبو داود: الإخبار لـ جعفر، وهذا لفظه] . (الإخبار لـ جعفر) يعني: الشيخ الثاني، (وهذا لفظه) أي: سياقه، ولهذا أشار أبو داود في أثناء الإسناد إلى لفظ سليمان فيما يتعلق بـ إسحاق أبي عبد الرحمن الذي هو أبو عبد الرحمن الخراساني، ولم يقل: إسحاق؛ لأنه ساقه على لفظ جعفر، ولم يسقه على لفظ سليمان، ثم أشار إلى الاختلاف بين جعفر وبين سليمان. والمقصود بالإخبار: أن رواية سليمان ليس فيها إخبار، وعطاء الخراساني مدلس، ومعنى هذا أن أحد شيخي أبي داود جاء من طريقه التصريح بالإخبار. السلف شرح حديث (من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلف. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبيد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) ] . أورد أبو داود باباً في السلف، والسلف: هو عكس بيع التأجيل؛ لأنه تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، وبيع التأجيل: تعجيل المثمن وتأجيل الثمن. ومثال السلف أن يقدم رجل نقوداً لآخر مقابل تمر إلى وقت الجذاذ من هذا النخل أو من نخل مطلق صفته كذا وكيله كذا. ويقال للسلف: السلم، والسلم لغة أهل العراق، والسلف لغة أهل الحجاز، وقيل: العكس، ولكن الصحيح أن السلف لغة أهل الحجاز، والسلم لغة أهل العراق؛ ولهذا تجد في كتب الحنابلة السلم، وفي كتب المالكية السلف، ويوضح أن لغة أهل الحجاز هي السلف هذا الحديث: (قدم المدينة وهو يسلفون) ، وما قال: يسلمون، والمدينة في الحجاز، وأهل العراق يعبرون بالسلم كالحنابلة والحنفية، وأما المالكية فيعبرون بالسلف. كان أهل المدينة يسلفون في التمر؛ لأن المدينة بلد التمر، وقوتهم التمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) يعني: لا بد أن يعرف مقدار المسلف فيه الذي هو في الذمة، فإن كان مكيلاً فيكون كيله معلوماً، وإن كان موزوناً فيكون وزنه معلوماً، ومثله لو كان معدوداً أو مذروعاً فيكون بأذرع معلومة أو بعدد معلوم، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الكيل والوزن ليبين أن الحكم في المكيلات يكون بمعرفة الكيل، وفي الموزونات يكون بمعرفة الوزن، وهكذا في المعدودات بمعرفة العد، والمذروعات بمعرفة الذرع، وهكذا. قوله: (السنة والسنتين والثلاث) معناه: أن الرجل يدفع الثمن نقوداً مقابل تمر موصوف في الذمة مقداره كذا، وكيله كذا، يستلمه بعد سنة أو سنتين أو ثلاث، وهذا سائغ جاءت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكنه لابد أن يكون منضبطاً بتحديد الكيل وتحديد الأجل، فلا يكون الأجل مطلقاً، بل لابد أن يكون محدداً إما بسنة أو سنتين أو ثلاث، وهكذا. تراجم رجال إسناد حديث (من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم) قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] . عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا سفيان] . سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن أبي نجيح] . هو عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن كثير] . عبد الله بن كثير، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي المنهال] . هو عبد الرحمن بن مطعم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس] . عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ابن أبي أوفى (كنا نسلف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة ح وحدثنا ابن كثير أخبرنا شعبة -وهذا لفظ حفص - أخبرني محمد أو عبد الله بن مجالد قال: اختلف عبد الله بن شداد وأبو بردة في السلف، فبعثوني إلى ابن أبي أوفى رضي الله عنه فسألته فقال: (إن كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الحنطة والشعير والتمر والزبيب) - زاد ابن كثير: إلى قوم ما هو عندهم. ثم اتفقا: وسألت ابن أبزى رضي الله عنه فقال مثل ذلك] . أورد أبو داود حديث ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه، وفيه أنهم كانوا يسلفون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وزاد ابن كثير: إلى قوم ما هو عندهم، يعني في وقت العقد ما هو موجود، ولكن يغلب على الظن وجوده في وقت الوفاء، وهذا فيه بيان أن السلف يكون بالتمر وغيره، وعبد الله بن أبي أوفى قال: يسلفون، وهذا يبين أن السلف لغة أهل الحجاز. تراجم رجال إسناد حديث ابن أبي أوفى (كنا نسلف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قوله: [حدثنا حفص بن عمر] . حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي. [حدثنا شعبة] . شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا ابن كثير] . هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا شعبة أخبرني محمد أو عبد الله بن مجالد] . الصواب أنه ابن أبي مجالد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن ابن أبي أوفى] . عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وسألت ابن أبزى] . هو عبد الرحمن بن أبزى، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. تراجم رجال إسناد طريق أخرى لحديث (كنا نسلف على عهد رسول الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وابن مهدي قالا: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي المجالد وقال عبد الرحمن: عن ابن أبي المجالد، بهذا الحديث قال: عند قوم ما هو عندهم. قال أبو داود: الصواب: ابن أبي المجالد، وشعبة أخطأ فيه] . أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله. قوله: [حدثنا محمد بن بشار] . محمد بن بشار الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى] . يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وابن مهدي] . ابن مهدي هو عبد الرحمن بن مهدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي من رجال الجرح والتعديل، والذهبي رحمه الله في كتاب من يعتمد قولها في الجرح والتعديل وذكر: أن يحيى وعبد الرحمن إذا اجتمعا على تضعيف شخص لا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما مصيبان، وكونهما يتفقان على جرح شخص يعني أنه مجروح. [حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي المجالد وقال عبد الرحمن: عن ابن أبي المجالد] . شعبة تقدم، وعبد الله بن أبي المجالد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [قال أبو داود: الصواب ابن أبي المجالد وشعبة أخطأ] . يعني في الأول قال: ابن المجالد. وصوابه ابن أبي المجالد. من أحكام بيع السلم في قوله: (إلى أجل معلوم) لو قال له: أسلفتك إلى العام القادم، أو الشهر القادم ولم يحدده باليوم، فإن هذا لا يجوز، إذ لابد أن يحدد أوله أو آخره أو وسطه؛ لأن هذا مبهم، وعند النسائي في كتاب المزارعة ذِكْرُ صيغ كانوا يستعملونها للعقود، وكانت في غاية الدقة، يقول مثلاً: غرة المحرم، انسلاخ المحرم، يعبرون بتعبيرات دقيقة، ليس فيها إبهام أو إشكال، أو أي شيء يؤدي إلى الخصام والمنازعة. إذاً: لابد من التحديد وإلا فسوف يبقى الإبهام والإشكال. ومما يذكر: الفرق بين بيع السلم والنهي عن بيع السنين، مع الاشتراك في أن الثمن غير موجود: أن السلم بيع موصوف في الذمة، وأما بيع السنين فهو بيع ثمر نخلات معينة قد تنتج وقد لا تنتج. فالسلم شيء موصوف وثابت في الذمة، فما أسلف في نخلات معينة بأن قال: ما تنتجه هذه النخلة، وإنما يقول: في ذمتي عند حول السنة الفلانية كذا من التمر، أو كذا من البر، أو كذا من الشعير. فالفرق بين السلم وبيع السنين: أنه باعه ثمرة هذا النخل بعد سنتين، وقد لا يحصل بعد سنتين، وأما السلم فهو مقدار من المكيال يكون في ذمته إن كان عنده نخل أوفى من نخله، وإن لم يكن عنده نخل أوفى من خارج النخل؛ لأنه شيء موصوف في الذمة، فيتعلق بالذمة، وليس متعلقاً بأعيان أو بثمرات نخلات معينة.
__________________
|
#677
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (فنسلفهم في البر والزيت سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المصفى حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الملك بن أبي غنية حدثني أبو إسحاق، عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الشام، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في البر والزيت، سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً، فقيل له: ممن له ذلك؟ قال: ما كنا نسألهم) ] . أورد أبو داود حديث ابن أبي أوفى، وأنهم غزوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الشام عزوة تبوك؛ لأن الرسول ما غزا من الشام إلا تبوك في السنة التاسعة. (فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام). أنباط الشام، قيل: إنهم العرب الذين دخلوا في العجم، فنسوا لغتهم، وعرفوا لغة العجم، وقيل: إنهم من نصارى العرب، دخلوا مع العجم. (كنا نسلفهم في البر والزيت سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً)، فقيل: (ممن له ذلك؟) . يعني: ممن له ذلك الشيء المسلف فيه، قال: ما كنا نسألهم، يعني: أنه شيء يكون في الذمة، ولا يلزم أن يكون موجوداً وقت العقد، ولكنه عند حلول الأجل حيث يكون غالباً وجوده، فإنه يجوز فيه السلم. تراجم رجال إسناد حديث (فنسلفهم في البر والزيت سعراً معلوماً وأجلاً معلوماً) قوله: [حدثنا محمد بن المصفى] . محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [حدثنا أبو المغيرة] . أبو المغيرة هو عبد القدوس بن حجاج ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الملك بن أبي غنية] . عبد الملك بن أبي غنية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهو هنا منسوب إلى جده عبد الغني. [حدثنا أبو إسحاق] . أبو إسحاق الشيباني سليمان بن فيروز الشيباني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن أبي أوفى] . عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه وهو صحابي مر ذكره. لو أن الوقت المحدد جاء ولم يخرج التمر، أو أصابته جائحة، فيصح الإتيان بتمر مزرعة أخرى غير المتفق عليه؛ لأن هذا شيء في ذمته، والمهم أن يأتي بتمر. ما جاء في السلم بثمرة بعينها شرح حديث (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلم بثمرة بعينها. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً أسلف رجلاً في نخل فلم تخرج تلك السنة شيئاً فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: بم تستحل ماله؟ اردد عليه ماله، ثم قال: لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه) ] . أورد أبو داود باباً في السلم بثمرة بعينها، يعني: بنخل معين، أو نخلة أو نخلات معينة إذا كانت نخلات معينة وهي قليلة جداً، كنخلة ونخلتين، فهذا لا يصلح، ولكن إن كان في بستان كبير فلا بأس، والموصوف في الذمة لابد منه، إن أتى به وإلا أتى بغيره، أو رد عليه القيمة. أورد أبو داود حديث (أن رجلاً أسلف رجلاً في نخل فلم تخرج تلك السنة شيئاً) . يعني: لم يخرج ذلك النخل شيئاً. (فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بم تستحل ماله؟). يعني: النقود التي أخذتها منه، لأن صاحب النخل لم يخرج نخله ثمراً، وقد وصلته النقود المعجلة فبأي شيء يستحلها. قوله: (اردد عليه ماله) . يعني: النقود التي أعطاها إياك، وإن أعطاه شيئاً مقابله ينطبق عليه الوصف فلا بأس. ثم قال: (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه) . وهذا الحديث ضعيف؛ لأن الناس يسلفون السنة والسنتين كما مر في الحديث السابق فكيف لا يسلف حتى يبدو صلاحه؟ فإذا بدا صلاحه جاز بيعه؛ لأنه قد طاب وبدأت الاستفادة منه، والحديث الذي سبق فيه جواز السلم السنة والسنتين والرسول أقرهم على ذلك، وقال: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم) . وهذا الحديث غير صحيح؛ لأنه ورد في طريقه رجل مجهول مبهم، فالحديث لم يصح، فما جاء فيه من ذكر أنه لا يكون له السلف حتى يبدو صلاحه غير صحيح، وهو مخالف للحديث الصحيح الذي سبق أن مر. قوله في الترجمة: (باب في السلم بثمرة بعينها) . يعني: ثمر نخل بعينه، المهم أن يكون له ثمر ينطبق عليه الشروط التي جرت بينهم. إذاً: في شجرة معينة لا يجوز؛ لأنها قد لا تثمر، لكن كونه بستاناً كبيراً فيه عشرات أو مئات النخل، فلا بأس؛ لأنه في الغالب يوجد فيه، لكن النخلة والنخلتين أو الثلاث قليلة قد لا تنتج. تراجم رجال إسناد حديث (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه) قوله: [حدثنا محمد بن كثير] . محمد بن كثير مر ذكره. [أخبرنا سفيان] . سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي إسحاق] . أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن رجل نجراني] . رجل نجراني مبهم. [عن ابن عمر] . ابن عمر مر ذكره. الفرق بين بيع ما لا يملك وبيع العرايا وبيع السلم بيع ما لا يملك: كونه يبيع سلعة معينة لا يملكها، وليس شيئاً موصوفًا في الذمة يوجد في الوقت المحدد، فهذا لا بأس به؛ لأنه يكون موجوداً في ذلك الوقت، فيعطيه إياه، أما كونه يبيع سلعة لا يملكها، فمعناه أنه لا يملك ثمرة النخل، أو أنه لا يملك النخل، ولكن السلم بيع شيء موصوف في الذمة، وهذا لا بأس به. أما بيع العرايا فهو بيع يكون الثمن فيه تمراً والمثمن تمراً على رءوس النخل، وأما السلم فالثمن فيه دراهم، وأما في العرايا فهو تمر، فصار فيه محذور من جهة أن فيه بيع الشيء بمثله بدون تقابض، وهذا لا يجوز، فلا بد من التماثل والتقابض، لكنه رخص في العرايا لحاجة الناس وبحدود معينة، وأما الذي السلم فليس له دخل في العرايا؛ لأن هذا قدم ثمناً وليس تمراً، وإنما قدم نقوداً والمبيع شيء موصوف في الذمة، هذا شيء وهذا شيء. كما أن السلم ليس مستثنى من أصل مثل العرايا التي أبيحت للحاجة. ما جاء في السلف لا يحول شرح حديث (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السلف لا يحول. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو بدر عن زياد بن خيثمة عن سعد -يعني: الطائي - عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب السلف يحول، يعني: يحول إلى غيره من الثمر، فبدلاً من أن يكون تمراً يحوله إلى بر أو ما إلى ذلك، فهذا هو المقصود بالترجمة، ومعناه أن الذي في الذمة هو الذي يلزم، وأنه لا يحول إلى غيره. والحديث ضعيف، وقد سبق أن مر بنا حديث الذي كان يبيع التمر بالدراهم، ثم يأخذ بالدنانير بدل الدراهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا بأس إذا كان بسعر يومها وحصل التقابض، يعني: بين الذهب والفضة. وهذه المسألة الحديث الوارد فيها ضعيف وكونه يحوله إلى غيره هذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازه، ومنهم من منعه، ولكن إذا كان في أمر لا محذور فيه ولا شبهة ولا ريبة فلا بأس بأن يحوله مثلاً إلى شيء آخر لا يكون فيه ربا، ولا يكون من قبيل الربا الذي يلزم فيه التماثل والتقابض. ومن أمثلة الربويات: التمر يحول إلى بر؛ ففيه شبهة، لأن فيه قبض، فهذا في الذمة وهذا سلم، فالتمر والبر بينهما ربا من حيث التقابض، لا من حيث التفاوت. تراجم رجال إسناد حديث (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] . محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة. [حدثنا أبو بدر] . أبو بدر هو شجاع بن الوليد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن زياد بن خيثمة] . زياد بن خيثمة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن سعد -يعني: الطائي -] . سعد الطائي لا بأس به، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن عطية بن سعد] . عطية بن سعد العوفي صدوق يخطئ كثيراً وهذا علة الحديث عطية العوفي فهو يدلس وروى بالعنعنة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن أبي سعيد الخدري] . أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة حكم التقابض في النقود السؤال هل بيع السلف مستثنى من النهي الوارد في الحديث: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ؛ لأن السلف ليس فيه تقابض؟ الجواب ما دام أن الثمن نقوداً فلا يلزم فيها التقابض، والنقود لا يلزم فيها التقابض أبداً؛ لأنه لو كان لا بيع إلا بالنقود وبالتقابض ما وجد بيع إلا في حاضر، ويجوز تعجيل الثمن وتأجيل المثمن وهو السلم، ويجوز تعجيل المثمن وتأجيل الثمن وهو بيع التقسيط والتأجيل، والمحذور إنما هو في الأشياء التي يجري فيها الربا، وأما بالنسبة للذهب والفضة فهي أثمان الأشياء. مثال لما لا شبهة فيه من السلم السؤال لو تفضلتم بتقديم مثال على السلف المحول الذي لا شبهة فيه؟ الجواب أن يكون عليه تمر، فاتفق مع المشتري على أن يعطيه مكانه سيارة. حكم البيعتين في بيعة السؤال هناك من يستدل بقصة موسى مع شعيب في مهر ابنته: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص:28] في جواز بيعتين في بيعة؟ الجواب نهى الرسول عن بيعتين في بيعة، وهذا شرعنا، وأما هناك فقد ذكر فيه ثمان حجج، وأما الباقي فقد كان تبرعاً، فإذاً لا توجد بيعتان في بيعة، والاتفاق كان على ثمان، والباقي كان أمره إلى موسى عليه الصلاة والسلام. وجه الربا في قوله (فله أوكسهما أو الربا) السؤال في قوله: (فله أوكسهما أو الربا) لم أفهم وجه دخول الربا في ذلك؟ الجواب دخول الربا كونه حصل الاتفاق على شيء غير معين؛ لأنه دائر بين هذا وهذا، فهو إما أن يأخذ الأقل فيكون البيع صحيحاً، وإما أن يأخذ الثاني فيكون محرماً. والربا كأنه جاء بين سعر حاضر وسعر غائب، فالسعر الحاضر هو المعتبر، وما زاد عليه يكون رباً. حكم بيع السلعة للبائع بأكثر من ثمنها السؤال ما الحكم إذا باع المشتري السلعة التي اشتراها لصاحبها بأكثر مما اشتراها منه؟ الجواب لا بأس إذا باعها عليه بأكثر؛ لأن المحذور ألا تبقى ذمة المشتري مشغولة، وأما الآن فليست مشغولة، ولهذا قالوا: (بأقل) ، أما لو كان بأكثر فهذه خارجة عن المحذور. حكم البدء بالاستغفار بعد الصلاة مباشرة السؤال إذا انتهى الرجل من الصلاة فهل يبدأ بالتكبير أم بالاستغفار أو يجمع بينهما؟ الجواب يبدأ بالاستغفار، والتكبير يأتي في الآخر: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر. حكم الصلاة إلى غير القبلة جهلاً السؤال نشأت في بيت قديم أصلي مع والدي في اتجاه معروف للقبلة في البيت، ثم هدم البيت وبني من جديد، واشتريت سجادة بها بوصلة لتحديد القبلة، فغيرت اتجاه القبلة عن الاتجاه القديم المعروف، و السؤال ما حكم صلاة خمسين عاماً في اتجاه القبلة في البيت القديم الذي هدم؟ وهل أتبع اتجاه القبلة السابق أم الاتجاه الذي حددته البوصلة في المصلى؟ الجواب يجتهد في المستقبل، ثم إذا كان الانحراف يسيراً فلا يؤثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) . أما اتجاه القبلة فإذا كانت البوصلة سليمة عمل بها، لكن ينظر أهل الخبرة والمعرفة في تحديد القبلة مثل الجهات المسئولة، هذا إذا كان المقصود النافلة، وأما الفريضة فيجب عليه أن يصليها في المسجد.
__________________
|
#678
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [396] الحلقة (428) شرح سنن أبي داود [396] إن المعاملات المالية ما لم تقم على العدل كانت سبباً في فشو الظلم بين الناس والاعتداء على الحقوق؛ لذا أمر الشارع بوضع الجوائح بين الناس على تفصيل عند أهل العلم، وأمر أصحاب الماء بألا يمنعوا الناس من الماء ليسقوا مواشيهم، وتهدد مانع فضل مائه، إذ الناس شركاء فيه، هذا ما لم يكن أحوج إليه هو أو استخرجه بأموال وتعب فيه، ومما ورد النهي فيه من البيوع: ثمن الكلب والهر والخمر والخنزير والأصنام. ما جاء في وضع الجائحة شرح حديث (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وضع الجائحة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه؛ فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك) ] . أورد أبو داود باباً في وضع الجوائح. والجوائح هي الآفات التي تحصل للثمار كالجراد أو المطر والبرد وغير ذلك من الآفات التي تصيب الثمرة، وسبق أن الثمر لا تباع إلا بعد بدو الصلاح، وأنه قبل بدو الصلاح لا يجوز بيعه أصلاً، والعقد غير صحيح بل باطل، إلا إذا كان سيجز ويباع بسرًا، فإنه لا بأس بذلك، ولكنه إذا اشتراه بعد بدو الصلاح ثم حصلت جائحة، فإنها توضع، بمعنى: أنه لا يلزم المشتري دفع مال مقابل هذا الذي تلف، وإنما يتلف على حساب المالك وليس على حساب المشتري، وقد سبق أن مر بنا الحديث: (بم يأخذ أحدكم مال أخيه) . أورد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمارٍ ابتاعها؛ فكثر دينه) . يعني: خسر فيها، وأنه تركها حتى حصل الجذاذ وأصابتها آفة، أو أنه حصل أن هبطت قيمتها، ولم يكن لها قيمة، فكثر دينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق عليه فجمع له مقداراً من المال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوه وليس لكم إلا ذلك) ، فالمقصود من قوله: (خذوه) : خذوا هذا الموجود والباقي في الذمة، {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] ؛ لأن هذا ليس من قبيل وضع الجوائح فليس من قبيل أن الثمرة بيعت على رءوس النخل بعد ما بدا صلاحها ثم أصابتها جائحة فتوضع، بمعنى أن المشتري ملزم ولهذا قال: (تصدقوا عليه، وقال: ليس لكم إلا ذلك) يعني في الوقت الحاضر، والباقي نظرة إلى ميسرة: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] ، فهو ليس من قبيل وضع الجوائح التي جاء الحديث بوضعها. تراجم رجال إسناد حديث (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] . قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث] . الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بكير] . بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عياض بن عبد الله] عياض بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سعيد الخدري] . أبو سعيد الخدري مر ذكره. شرح حديث (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج. ح وحدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج المعنى أن أبا الزبير المكي أخبره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) ] . أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً أنه قال: (إن بعت من أخيك تمراً) أي: على رءوس النخل، وأما إذا باعه تمراً وسلمه إياه أو خلى بينه وبينه وسلمه في مكانه، فإنه يذهب على حساب المشتري، ولكن المقصود التمر الذي بيع على رءوس النخل وأصابته جائحة، وفيه قال: (بم تأخذ مال أخيك بغير حق) ؛ لأن البائع ما سلمه للمشتري الذي باعه إياه وهو على رءوس النخل، أما إن كانت القضية في أمر قد سلم له وقبضه، ودخل في حوزته، ثم تلف وهو في حوزته، فإنه ليس على حسابه، وليس على البائع أن يرد شيئاً من القيمة، كما لو حصل أن إنساناً باع سلعة وأخذ قيمتها، ثم لما ذهب المشتري جاء اللصوص وأخذوها من هذا المشتري، فلا يرجع إلى البائع يقول: أخذها اللصوص، أعطني القيمة، لأنها ضاعت على حسابه. وهذا الحديث محمول على الثمر الذي على رءوس النخل. والحديث يناسب له وضع الجوائح، وأما الأول فلا علاقة له بوضع الجوائح. ولعل الحديث جاء ضمناً وليس في وضع الجوائح. تراجم رجال إسناد حديث (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة) قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني] . أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود. [أخبرنا ابن وهب] . ابن وهب مر ذكره. [أخبرني ابن جريج] . هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا محمد بن معمر] . محمد بن معمر صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو عاصم] . أبو عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن ابن جريج المعنى أن أبا الزبير] . أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جابر] . جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في تفسير الجائحة شرح أثر (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد) وتراجم رجال إسناده قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في تفسير الجائحة. حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني عثمان بن الحكم عن ابن جريج عن عطاء قال: [(الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق)] . سبقت بعض الأحاديث المتعلقة بوضع الجوائح، وهذه الترجمة تتعلق بتفسير الجوائح، وقد أورد أبو داود رحمه الله أثراً عن عطاء بن أبي رباح المكي رحمه الله أنه قال: (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو حريق) أي: تكون الجائحة بمثل هذا مما يحصل به تلف الثمر، وهذه أمثلة للأمور التي تحصل بها الجوائح للثمار. قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] . سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي. [أخبرنا ابن وهب] . هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني عثمان بن الحكم] . عثمان بن الحكم صدوق له أوهام أخرج له أبو داود والنسائي. [عن ابن جريج] . هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عطاء] . عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح أثر (لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب أخبرني عثمان بن الحكم، عن يحيى بن سعيد أنه قال: (لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال، قال يحيى: وذلك في سنة المسلمين) . أورد المؤلف أثراً عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو: لا جائحة فيما إذا كان الضرر دون الثلث من الثمرة، ولا يتحمله البائع، وإنما يذهب على حساب المشتري. قال: وهذا في سنة المسلمين، وسبق أن مر بنا أن الإمام مالكاً رحمه الله هو الذي يقول بأن الجائحة فيما دون الثلث، وقال أبو داود بأنه لا يعلم شيئاً يدل على التحديد بالثلث، وأن الأمر مطلق، وقول يحيى هذا هو حكاية لعمل أهل المدينة؛ لأن يحيى من أهل المدينة، قوله: [وذلك في سنة المسلمين] يعني: المعمول به في المدينة. معناه: أن الجائحة إذا كانت دون الثلث لا يسقط عن المشتري منها شيء، وإذا كانت فوق الثلث فإنه يسقط، وتعتبر الجائحة فيما فوق الثلث. قوله: [حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عثمان بن الحكم، عن يحيى بن سعيد] . يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ما جاء في منع الماء شرح حديث (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في منع الماء. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) ] . أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في منع الماء، يعني: أن الماء الزائد عن حاجة الإنسان لا يمنعه. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) ، وهذا فيما إذا كان الإنسان عنده بئر وحولها مكان فيه مرعى وكلأ، فلا يعطي الناس من الماء لتشرب مواشيهم، من أجل أن يبتعدوا عن الكلأ فيستفيد منه هو؛ لأنهم إذا لم يحصلوا على ماء عند هذا المكان فإنهم ينتقلون عنه، فيستفيد منه وحده، ويكون في ذلك إلحاق الضرر بالناس. ولكن عليه أنه يسقي مواشيهم، وأن يحسن إليهم بسقي المواشي، ويشاركهم في الكلأ، ويبذل الإحسان إليهم بكونه يسقي مواشيهم، فهذا فيه الإشارة إلى أن إحالة الإنسان بين الناس وبين الكلأ الذي جعله الله في الأرض العامة غير لائق بالمسلم، بل يشاركهم في الانتفاع بالكلأ، ويحسن إليهم في سقي مواشيهم. تراجم رجال إسناد حديث (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [حدثنا جرير] . جرير بن عبد الحميد الضبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعمش] . الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي صالح] . أبو صالح هو ذكوان السمان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب السنة. [عن أبي هريرة] . أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. يلاحظ أن الترجمة في منع الماء، مع أن الحديث في منع فضل الماء، وكما هو معلوم أن الإنسان إذا كان الماء قليلاً وليس فيه زيادة، فنفسه أولى من غيره، وحاجته أولى من غيره، ومعلوم أن النهي إنما ورد في منع الفضل والمقدار الزائد على حاجته، والنهي هنا عام وسيأتي التقييد له. شرح حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف على سلعة بعد العصر -يعني: كاذباً- ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله) يعني: التكليم الذي فيه راحتهم وسعادتهم، وإلا فإن التكليم يمكن أن يكون على وجه التبكيت والتقريع، ويكون هذا ضرراً، ومنه قول الله عز وجل: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] وهذا كلام، لكنه كلام فيه تقريع وتبكيت لا يحصلون من ورائه على فائدة، ولا يحصل لهم السرور والارتياح والاطمئنان، فهذا لا ينافي ما جاء من أن الله تعالى يخاطب الكفار ويقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ؛ لأن المنفي غير المثبت. (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده)، ابن السبيل هو عابر السبيل، سواء كان بنفسه أو معه راحلته أو رواحله، فإن الماء يبذل له، ولا يحال بينه وبينه. (ورجل حلف على سلعة بعد العصر -يعني: كاذباً-)، يعني: ليروجها ولينفقها، كما جاء في الحديث الآخر: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) أي: المروج لها، الذي يأتي بما يجعل المشتري يغتر بحلفه وبكلامه الذي فيه ترويج لها. أما عن بعد العصر فقد قيل: إن هذا من الأوقات التي تكون فيها الأيمان مغلظة، وقد سبق أن مر بنا تغليظ اليمين بالمكان، كما جاء في الحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من حيث الزمان. (ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له) يعني: بايع إمامه أو إمام المسلمين من أجل الدنيا، لا من أجل أن يقوم بالشيء الذي يجب عليه، وإنما بايع من أجل الدنيا، فإن حصل له الذي بايع من أجله رضي، وإن لم يحصل ذلك فإنه يسخط، فبيعته إنما هي من أجل الدنيا، وليست من أجل السمع والطاعة في المعروف على الوجه الذي شرعه الله عز وجل في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] . تراجم رجال إسناد حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] . أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [حدثنا وكيع] . وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الأعمش] . الأعمش مر ذكره. [عن أبي صالح عن أبي هريرة] . وقد مر ذكرهم. شرح حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش بإسناده ومعناه، قال: (ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وقال: في السلعة: (بالله لقد أعطي بهذا كذا وكذا، فصدقه الآخر فأخذها) ] . أورد الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على الأول، فهناك قال: (لا يكلمهم الله) فقط، وهنا قال: (لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) ، وفيه أيضاً: بيان ذكر الحلف، وأنه حلف أنه أعطي بها كذا وكذا، حتى يرغب المشتري فيها، فيكون كذاباً في خبره، وأيضاً أكد ذلك بحلف كاذب بالله لقد أعطي بها كذا وكذا. فيذكر السعر، مائة ريال مثلاً. و (كذا وكذا) كناية عن ذكر السعر من أجل أن يزيد على هذا المقدار، مع أنه ما أعطي هذا المقدار ولا حصل له هذا المقدار من أحد، ولكنه عن طريق الكذب والعياذ بالله. قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش بإسناده ومعناه] . مر ذكرهم. شرح حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا كهمس عن سيار بن منظور -رجل من بني فزارة- عن أبيه عن امرأة يقال لها: بهيسة عن أبيها رضي الله عنه قالت: (استأذن أبي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ] . أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير مسمى، فهذه بهيسة، قيل: إن لها صحبة، وقيل: مجهولة لا تعرف، وهي تحكي عن أبيها أنه دخل بين النبي صلى الله عليه وسلم وقميصه، يعني أنه رفع قميص النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله وقال له: (ما هو الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ، والحديث في إسناده رجلان متكلم فيهما، وفيه هذه المرأة التي لا تعرف. والمقصود بالماء والملح: أن هذه من الأشياء التي يمكن أن يسألها الناس بعضهم بعضاً ولا تمنع، والمقصود من ذلك الشيء الذي فيه مقدار الحاجة، بأن يطلب مثلاً ماء من أجل الشرب، أو الملح من أجل الطعام، وأما حمل الملح فهذا مال يتمول، ويمكن أن يمنع، يعني إذا كان عند إنسان مملحة وكان يبيع الملح، ثم يأتي إنسان ليأخذ منه بالمجان، وهو في أرضه وقد تعب عليه فلا. ولكن يبدو إن صح الحديث أنه من الأشياء التي تبذل ولا يؤخذ لها مقابل عند الحاجة إليها، كأن يكون الناس معهم طعام ولكن ليس معهم ملح يملحون به طعامهم، فيمكن أن يسألوا، وهذا من الأشياء السهلة البسيطة التي يمكن للناس أن يتعاطوها، وأن يسأل بعضهم بعضاً إياها، ولا يعتبر سؤال مثل ذلك عاراً؛ لأن هذه أشياء مبذولة وأمرها سهل، ومن يسألها وهو محتاج إليها لحاجته الحاضرة فلا بأس بذلك. والحديث كما أشرت غير صحيح، ولكنه إن صح فهذا هو معناه: أنه يحمل على الشيء الذي لا يمنع من الأمور السهلة البسيطة التي لا ينبغي للناس أن يتشاحوا فيها. قال الخطابي: الملح إذا كان في معدنه في أرض أو جبل غير مملوك فإن أحداً لا يمنع من أخذه. وهذا صحيح لا إشكال فيه، وهذا مثل الماء الذي في الفلاة، كل يأخذ منه نصيبه، والملح إذا كان غير مملوك يأخذ كل نصيبه، لكن إذا كان في ملك الإنسان، فإذا كان للحاجة الحاضرة فلا بأس، وأما إن كان غير مملوك فهو مبذول لكل أحد. الكلأ مشترك، والملح إذا كان في فلاة مشترك، والماء إذا كان في فلاة مشترك، ولكن الماء إذا كان في حوزة إنسان، وفي إنائه ووعائه وسقائه؛ فإنه ملكه، ولكن يبذله لمن يحتاج إليه. تراجم رجال إسناد حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء) قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] . عبيد الله بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [حدثنا أبي] . معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا كهمس] . كهمس بن الحسن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سيار بن منظور] . سيار بن منظور مقبول أخرج له أبو داود والنسائي. [عن أبيه] . أبوه مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي. [عن امرأة يقال لها: بهيسة] . وقيل: لا تعرف، أخرج لها أبو داود والنسائي. [عن أبيها] . صحابي مقل، قيل: اسمه عمير، أخرج له أبو داود والنسائي]. في السند أربعة كلهم روى لهم أبو داود والنسائي، اثنان مقبولان، والثالثة مجهولة لا تعرف، والرابع صحابي، والصحابة المجهول فيهم في حكم المعلوم، إذ جهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، ولهذا ما من رجل من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى السؤال عن حاله، ليعرف أهو ثقة أم غير ثقة، وأما الصحابي فيكفيه شرفاً وفضلاً ونبلاً أن يقال: إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشرف برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحياة الدنيا، ومتع بصره بالنظر إليه، وشنف سمعه بسماع صوته صلى الله عليه وسلم، فصار لهم فضل وميزة، ولهذا درج العلماء على أن الراوي إذا كان صحابياً لم يزيدوا على أكثر من أن يقولوا: صحابي أو له صحبة، ولا يقولون: ثقة، ولا غيرها من الأشياء التي يحتاج إليها في حق من بعدهم. حكم منع الماء الموقوف في المساجد قد يقال: ما حكم منع الماء الموقوف في المسجد عن الناس إذا احتاجوا إليه، علماً أن الواقف جعل هذا الماء في المسجد لغرض الوضوء والتطهر؟ ف الجواب إن كان يستخدم في داخل المسجد فنعم، أما إن كان المقصود الخروج به والناس مضطرون له وما وجدوا غيره فلا، وإن كان العكس وما يؤثر على الاستعمال في الداخل فلا بأس؛ لأن الذي وضعه لا يمنع كون الإنسان يستفيد منه في الخارج إذا كان مضطراً إليه، كأن تكون هناك صنابير فيها ماء لمن يتوضأ، وأراد إنسان أنه يملأ قربته أو ما إلى ذلك، فإذا كان الماء كثيراً ولا شح فيه ولا تضييق على الذين جعل لهم فلا بأس؛ لأن الذي وضع مثل هذا لا يمنع مثل هذا. شرح حديث (المسلمون شركاء في ثلاث الكلاء والماء والنار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن الجعد اللؤلؤي أخبرنا حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبي عن رجل من قرن ح حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا حريز بن عثمان حدثنا أبو خداش -وهذا لفظ علي - عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثاً أسمعه يقول: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار) ] . أورد أبو داود حديث رجل من المهاجرين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار) ، أي: إذا كان في فلاة وليس في الأرض إنسان، أما إذا كان الكلأ في أرضه وفي ملكه فهو له، ولا أحد يدخل في ملكه من أجل أن يرعى، وإنما يرعى في الفلاة التي ليست ملكاً لأحد، فالمقصود بالأرض الفلاة التي ليست خاصة ولا ملكاً لأحد؛ فإن الناس شركاء فيها، ولا يختص أحد بالكلأ دون أحد، بل هو مبذول لكل من احتاج إليه. وكذلك الماء إذا كان في الفلاة فالناس شركاء فيه، وكذلك إذا احتاج الناس إلى الحصى أو الحجارة التي يقدحون بها النار ويورونها، بحيث يضرب الواحد حجراً بحجر فتقدح، ثم يأخذون منه النار، فإذا كان مثل هذه الأشياء في الفلاة، فإن الجميع شركاء فيها. وكذلك أيضاً إذا احتيج إلى الماء للشرب، فإنه لا يمنع كما مر في الحديث الضعيف: (لا يمنع الماء، ولا يمنع الملح) وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالنار، فكونه يطلب شيئاً يسيراً من أجل أن يوقد به النار، أو جذوة من النار، هذه كلها أمور سهلة وبسيطة، والناس شركاء فيها، فلا يصلح أن تمنع، والناس يحتاج بعضهم إلى بعض، لاسيما إذا كانوا في البراري وليس معهم حاجاتهم الكافية التي لا بد منها. معناه: أن بعضهم يحسن إلى بعض، ولا يشح بعضهم على بعض. تراجم رجال إسناد حديث (المسلمون شركاء في ثلاث في الكلاء والماء والنار) قوله: [حدثنا علي بن الجعد اللؤلؤي] . علي بن الجعد اللؤلؤي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود. [أخبرنا حريز بن عثمان] . حريز بن عثمان ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن حبان بن زيد الشرعبي] . حبان بن زيد الشرعبي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود. [عن رجل من قرن] . رجل من قرن الذين منهم أويس القرني، وهناك قرن من الأزد، وفي النسبة يقال: قَرَني أو قَرْني، وقرن من مراد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أويس بقوله: (يأتيكم رجل من اليمن يقال له أويس من قرن من مراد، وله والدة كان باراً بها) ، وذكر شيئاً من صفاته. [ح وحدثنا مسدد] . مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [حدثنا عيسى بن يونس] . عيسى بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حريز بن عثمان حدثنا أبو خداش] . أبو خداش هو حبان بن زيد الشرعبي. [وهذا لفظ علي] . يعني طريق علي بن الجعد. [عن رجل من المهاجرين] . هو نفسه ذاك الرجل الذي من قرن، وليس رجلاً من قرن يروي عن رجل من المهاجرين، وإنما الرجل الذي من المهاجرين هو نفسه من قرن، فهو متصل، وليس فيه مبهم إلا الصحابي، وإبهام الصحابي لا يؤثر. والحديث صححه الألباني. ومما ينتبه إليه: أنه إذا طلب شخص النار من أجل التدخين لا نعطيه؛ لأن هذا تعاون على الإثم والعدوان.
__________________
|
#679
|
||||
|
||||
![]() ما جاء في بيع فضل الماء شرح حديث (أن رسول الله نهى عن بيع فضل الماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع فضل الماء. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس بن عبد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع فضل الماء) ] . أورد أبو داود باباً في بيع فضل الماء، يعني: حكمه، وهل يجوز أم لا؟ ومن قبل أورد باباً في منع فضل الماء، وأما هذا فهو في منع بيعه على من هو محتاج إليه، كعابر السبيل، أو إنسان يسقي مواشيه، فهذا يعطاه بدون مقابل، وأما إذا حازه في قربته، أو سيارته، أو خزانه، وجعل يبيعه، فلا بأس بذلك إذا فعل هذا من أجل تيسيره وتسهيله على الناس، وكونه في متناولهم. والمنع يأتي فيما إذا كان هناك ضرورة إليه، وأما إذا دخل في ملك الإنسان، وعبأ له (وايت) فله أن يبيعه، ولا مانع من ذلك، ويمكن للإنسان أن يشتري السيارة من أجل أن يعبئ الماء ويبيعه على الناس. ومثل هذا من يبيع الماء وقد صرف على استخراجه من باطن الأرض أموالاً كثيرة، فيبيعه لمن سيزرع مزرعة بجانبه فلا بأس؛ لأنه استنبطه وتعب في إخراجه بواسطة المضخات فهي تحتاج إلى وقود أو كهرباء، وكل ذلك فيه صرف أموال. أما ماء زمزم فلا بأس أيضاً ببيعه إذا حازه الإنسان في سيارة أو قربة، أو وعاء، وهذا فيه تسهيل للناس بدلاً من كونهم يبحثون عن وعاء، ثم يذهبون إلى زمزم، وقد يشق عليهم ذلك، ولا يحصلون عليه بسهولة. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن بيع فضل الماء) قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] . عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار] . داود بن عبد الرحمن العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو بن دينار] . عمرو بن دينار المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي المنهال] . هو عبد الرحمن بن مطعم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن إياس بن عبد] . إياس بن عبد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. ما جاء في ثمن السنور شرح حديث (أن النبي نهى عن ثمن الكلب والسنور) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ثمن السنور. حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ح وحدثنا الربيع بن نافع أبو توبة وعلي بن بحر قالا: حدثنا عيسى وقال إبراهيم: أخبرنا عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور) ] . أورد أبو داود باباً في ثمن السنور. يعني: في حكمه وهل هو جائز أو غير جائز. وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى ثمن الكلب والسنور) ، معناه: أنه لا يباع الكلب ولا يباع السنور، لكن من احتاج إليهما اختص بهما واستفاد منهما، ومن استغنى عنهما أرسلهما وتركهما بدون أن يأخذ لهما ثمناً. والكلب سبق أن مر شيء يتعلق به مع مهر البغي وحلوان الكاهن، وسيأتي أيضاً ما يخصه بعد هذا، والسنور جاءت الأحاديث في المنع من ثمنه، فيكون حكمه حكم الكلب، بمعنى أن من احتاج إليه استفاد منه، ومن استغنى عنه تركه وأرسله دون أن يبيعه. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي نهى عن ثمن الكلب والسنور) قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] . إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا الربيع بن نافع] . الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ثقة، أخرجه حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [وعلي بن بحر] . علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي]. [حدثنا عيسى] . عيسى بن يونس مر ذكره. [وقال إبراهيم: أخبرنا] . يعني: في رواية إبراهيم أنه قال: أخبرنا، وهناك في الإسناد الأول حدثنا. [عن الأعمش] . الأعمش مر ذكره. [عن أبي سفيان] . أبو سفيان هو طلحة بن نافع صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جابر بن عبد الله] . جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن النبي نهى عن ثمن الهرة) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا عمر بن زيد الصنعاني: أنه سمع أبا الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الهرة) ] . أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى، وفيه النهي عن ثمن الهرة. قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] . أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرزاق] . عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عمر بن زيد الصنعاني] . عمر بن زيد الصنعاني ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. [عن أبي الزبير] . أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جابر] . مر ذكره، وكون الحديث فيه ضعيف لا يؤثر؛ لأنه جاء من طرق أخرى. العلة في تحريم ثمن الهرة يبدو والله أعلم أن الهر من الأشياء التي قد يستفيد الناس منها، فهي مثل الاستفادة من الكلب، فمن يستفيد منه يختص به، ومن يستغني عنه فإنه يرسله، ولا تكون مثل هذه الحيوانات محلاً للتجارة والبيع والشراء، وإنما ينتفع بها، فمن احتاج إليها وقد اختص بها أبقاها، ومن استغنى عنها تركها دون أن يأخذ لها ثمناً. أما بقية الحيوانات التي تستخدم للزينة وليست للنفع، مثل الطيور توضع في أقفاص للزينة، فإن حبس الحيوانات في الأقفاص إيذاء لها، وإن أحسنوا إليها وأعطوها ما تحتاج فالأمر أخف، ولكن إن حصل إهمالها أو الغفلة عنها ثم ماتت فإن ذلك فيه خطورة كما جاء في حديث المرأة التي حبست هرة فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا هي سقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، لأنه قد يحصل الغفلة والنسيان، فيترتب على ذلك أنها تموت أو تتضرر، فيكون في ذلك تعذيب للحيوان. ما جاء في أثمان الكلاب شرح حديث (أنه نهى عن ثمن الكلب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أثمان الكلاب. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن) ] . أورد أبو داود باباً في أثمان الكلاب، يعني: وأنها لا تجوز أن تباع ولا أن يؤخذ لها ثمن، وقد سبق أن مر ذلك في حديث: (كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث) ، وهنا أورد حديث أبي مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) . وقد مر ذكر هذه الأشياء فيما مضى. تراجم رجال إسناد حديث (أنه نهى عن ثمن الكلب) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] . قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان] . سفيان هو ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الزهري] . الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكر بن عبد الرحمن] . أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي مسعود] . أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) ] . أورد أبو داود حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) يعني: يحصل على الخيبة؛ لأن الكلاب لا تؤخذ لها أثمان، فمن احتاج إليها استفاد منها، ومن استغنى عنها تركها وأرسلها يستفيد منها من يستفيد منها بدون مقابل يؤخذ عليها. وهذا أيضاً يؤكد التحريم؛ لأن قوله: (وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) ، يعني ليس له إلا الخيبة. تراجم رجال إسناد حديث (وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً) قوله: [حدثنا الربيع بن نافع، حدثنا عبيد الله -يعني: ابن عمرو -] . عبيد الله بن عمرو الرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الكريم] . عبد الكريم بن مالك الجزري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن قيس بن حبتر] . قيس بن حبتر ثقة، أخرج له أبو داود. [عن عبد الله بن عباس] . عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. تنبيه: هناك سؤال يتكرر خاصة إذا درسنا مثل هذا الحديث، ففي الوقت الحاضر لا يمكن امتلاك كلب للاستفادة منه كالحراسة أو الزراعة أو الكلاب البوليسية إلا بشرائه، لكن أقول: لماذا لا يحصل إلا بالشراء؟ فالذي يريدها قد يحصل عليها كما حصل عيلها من يبيعها، أما بيع الدب والنمر وأولادها فكلها من فئة الكلاب، والحيوانات المفترسة لا تباع، ففيها ما هو مفترس وأسوأ من الكلب. وبعض العلماء يقول: يجوز استعمال الحديث على ظاهره، بأن يوضع التراب بكف من طلب الثمن، لكن الذي يظهر أنه من جنس: (وللعاهر الحجر) أي: الزاني لا يحصل ولداً بزناه، وإنما له الخيبة. شرح حديث (أن رسول الله نهى عن ثمن الكلب) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة أخبرني عون بن أبي جحيفة أن أباه رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ثمن الكلب) ] . أورد حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب) ، فهو جاء عن عدد من الصحابة. قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] . أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة] . شعبة بن حجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرني عون بن أبي جحيفة] . عون بن أبي جحيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] . وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة مشهور بكنيته، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي من أعلى ما يكون عند أبي داود. شرح حديث (لا يحل ثمن الكلب) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معروف بن سويد الجذامي أن علي بن رباح اللخمي حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن، ولا مهر البغي) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو مثل ما تقدم في أول هذا الباب وفي أبواب تقدمت ذكر هذه الثلاثة، وأنها حرام. قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] . أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [حدثنا ابن وهب] . ابن وهب مر ذكره. [حدثني معروف بن سويد الجذامي] . معروف بن سويد الجذامي مقبول أخرج له أبو داود والنسائي. [أن علي بن رباح اللخمي] . علي بن رباح اللخمي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [عن أبي هريرة] . أبو هريرة مر ذكره. الأسئلة حكم إعطاء شيء بدلاً عن ثمن الكلب السؤال هل يجوز أخذ الكلب وإعطاء شيء بدلاً عنه؟ الجواب إذا وجد بيع وشراء فلا يجوز، وإما إن أخذه من غير مواطأة، بمعنى أنه أحسن إليه إذ أعطاه إياه، وهو كافأه على ذلك من غير مواطأة، هذا يبدو أنه لا بأس به إن شاء الله؛ لأن هذا ليس ثمناً. حكم ثمن كلب الصيد السؤال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى صحح حديث: (نهى عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد) ؟ الجواب لا أدري عن صحته، لكن إذا صح فيستثنى، ومع ذلك فالأولى ألا يؤخذ له ثمن، ولا يقال: إنه حرام إذا صح، لكن الأولى والذي ينبغي أن الكلاب لا يؤخذ لها أثمان. وما دام أنه جاء الاستثناء في شيء فإنه يوقف عنده، وكأن الحديث جاء بما يتعلق أن الكلاب تستعمل للحراسة وللزرع وللماشية وللصيد، فإذا جاء شيء يخص الصيد لا يلحق به، ويمكن إن صح هذا أن كلاب الصيد يتعب عليها ما لا يتعب على كلاب حراسة الزرع؛ لأن هذه فيها تعليم وتمرين على الصيد، وعلى الإمساك وعدم الأكل، وما إلى ذلك. فإن صح فيقتصر عليه ولا يتجاوز إلى غيره، وفرق بين كونه يحتاج إلى الماشية والزرع، وبين كونه يحتاج إلى الصيد، فالأخير فيه تعب وتعليم، فإن صح فله وجه. وهل يقاس عليها الكلاب التي تكتشف المخدرات ومهربيها؟ إذا صح الحديث في الصيد فالكلاب التي تمرن على اكتشاف المخدرات لا شك أنها تشبه كلب الصيد، وليست مثل كلب حراسة الزرع والماشية. حكم الانضمام لجماعة يبايع فيها أمير على السمع والطاعة السؤال عندنا جماعة في أحد البلدان الإسلامية مشتغلة بالدعوة إلى الله عز وجل، ولها أمير، والأفراد الذين تحت هذه الجماعة ملزمون ببيعة الأمير على السمع والطاعة في المنشط والمكره، على ما يحب ويكره، فهل هذا مشروع؟ الجواب ليس هذا مشروعاً، وهذه الجماعة إذا احتاجت إلى وجود رئيس لها ومسئول عنها فلا يبايع، وهو مثل الأمير في السفر تماماً، وأمير السفر لا يبايع، وإنما يختار من أجل أن يكون مرجعاً لأصحابه، بحيث لو أراد أحد أن يذهب إلى مهمة، أو إلى جهة معينة، يستأذنه حتى يعرف أين ذهب، بخلاف ما لو لم يكن هناك أمير، فلعل كل شخص يمشي ولا يدري أحد عن أحد، لكن إذا جعلوا لهم أميراً، وصار يستأذن، وإذا أرادوا أن ينزلوا منزلاً رجعوا إلى رأيه، وإذا أرادوا أن يرتحلوا رجعوا إلى رأيه، فهذا لا بأس، وهذا من جنسه، وأما قضية البيعة فإنه لا يبايع إلا الإمام الذي يقيم الحدود، ويسمع له ويطاع بالمعروف. أما أمير يبايعونه في الحضر على السمع والطاعة، فإن الحضر مثل السفر، ما دام أنه ليس إماماً وليس والياً، فلا بيعة، لا في الحضر ولا في السفر. معنى حديث (بايع إماماً) السؤال قوله: (ورجل بايع إماماً) في الحديث هل هو مطلق يشمل كل إمام، أم هو خاص بالإمام الأعظم؟ الجواب المقصود الإمام الذي يكون بيده الأمر، سواء كان إماماً أعظم أو ولي مكاناً من الأرض، أو في جزء من الأرض واختص به يقوم بشئونه وهو المسئول عنه؛ لأنه لو كان لا يبايع إلا للإمام الأعظم كان لا يسمع ولا يطاع إلا إذا وجد إمام أعظم يملك الدنيا، ويتولى الأرض كلها، وهذا لا يكون، بل إن وجد فيسمع له ويطاع وإن كان في ناحية فإنه يسمع له ويطاع في المعروف.
__________________
|
#680
|
||||
|
||||
![]() حك استخدام ماء الشرب في التطهر من النجاسة السؤال هل يجوز استخدام الماء الذي أوقف للشرب في غير الشرب، كأن يصيب الإنسان نجاسة، وهو محتاج لإزالتها فيستخدم هذا الماء؟ الجواب إذا كان مضطراً إلى هذا فنرجو أنه لا بأس به؛ لأنه لا يمنع من مثل هذا في العادة. حكم حبس الطير السؤال ما توجيه حديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) ، فقد كان عنده طير وقد حبسه؟ الجواب نعم حبسه؛ فيجوز حبسه مع الإحسان إليه وعدم إيذائه، وحبسها في أقفاص يترتب على ذلك نسيانها وإهمالها، فيعرض الإنسان نفسه للإثم، والحديث صحيح: (يا أبا عمير! ما فعل النغير) ولا يلزم أن هذا النغير محبوس في قفص، بل يكون مثل الدجاج الذي يكون في البيوت مرسلاً يذهب ويأتي ويأكل، بخلاف الذي يكون في القفص، فإنه قد يغفل عنه، وليس مطلقاً بحيث يذهب ويأكل مما في البيت، ففرق بين هذا وهذا. حكم إقامة أمير للجماعة دون بيعة السؤال هل يجوز أن يقام أمير للجماعة دون أن يبايع، ولكن يسمع له ويطاع دون بيعة؟ الجواب كون الناس يعينون أميراً في السفر يسمع له ويطاع، فلا معنى له إذا لم يسمع له ويطاع، ويكون وجود الإمارة حينئذ مثل عدمها. حكم تعدد الجماعات الإسلامية السؤال هل يجوز وجود أكثر من جماعة في البلاد الإسلامية؟ وقد تتمسك بهذا الكلام الجماعات الإسلامية المنحرفة الموجودة في الساحة. الجواب الجماعات الإسلامية المنحرفة الموجودة هي قائمة، ولا تحتاج إلى أن تستفتي، بل هم يفتون أنفسهم، ولكن الكلام هو للذين هم على حق، وعلى سنة، فإذا وجدت الجماعات وصارت تدعو إلى باطلها، فمن حق الذين هم على حق وعلى سنة أن يجتمعوا، وأن يتعاونوا، وأن يجعلوا لهم جماعة، وأن يكون لهم شخص مسئول يرجعون إليه ينظم أمورهم، ويرتب شئونهم، فإذا وجدت هذه الأشياء فلا بأس أن توجد تلك الجماعة التي على حق، وإذا تركت الجماعة هذه لا يجتمعون ولا يتعاونون، فمعناه: أن الميدان صار للمنحرفين والمبطلين ولا مجال للصالحين فيه، فإذا وجد هذا التفرق، ووجدت الجماعات، وصار كل يقوم بالدعوة إلى ما عنده، وإلى ما هو عليه، فالذي ينبغي لمن هم على سنة أن يجتمعوا، وأن يتعاونوا، وأن يكون لهم رئيس يرجعون إليه، وينظم شئونهم, ويرتب أمورهم. حدود طاعة الأمير السؤال بعض طلبة العلم يستدلون بكلامكم السابق في عدم جواز البيعة، وأن هذا الأمير لا يبايع، بل يكون أميراً كأمير السفر، ويلزم من هذا أن طاعة الأمير واجبة في كل شيء، بل إذا أراد أحدهم السفر أو إقامة درس في منزله لا بد أن يوافق له الأمير وإلا عد عاصياً؟ الجواب التنظيم كما هو معلوم لا بد منه، والفوضى ليست طيبة، فإذا اتخذت الجماعة أميراً أو مديراً أو رئيساً أو مسئولاً يرجعون إليه فهذا ينبغي أن يكون مبنياً على تنظيم، ومعلوم أن المقصود من ذلك التنظيم، وإلا فلو أن إنساناً قام بشيء أكثر مما جعل له لم يمنع، فإذا قيل مثلاً: أنت تؤدي محاضرتين في المكان الفلاني فليس معناه المنع من الزيادة على ذلك، ونحن كلامنا مع أهل السنة، فإذا كان الشخص قد نظم له محاضرتين وعنده استعداد لأن يزيد فلا مانع ولا يقال إن هذا فيه معصية؛ لأن المقصود هو النفع. حكم قتل الكلاب التي لا يستفاد منها السؤال هل يجوز قتل هذه الكلاب التي لا يستفاد منها؟ وهل تقتل بالسم مثلاً؟ الجواب الكلاب التي فيها مضرة تقتل، والكلاب التي لا ضرر منها تترك ولا تقتل. حكم العمليات الانتحارية كلام الملقي: هناك أسئلة وجهت لعدة مشايخ، منها سؤال لسماحة العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله نصه: بعض الجماعات تقر الجهاد الفردي مستدلة بموقف الصحابي أبي بصير، وتقوم بما يسمى بعمليات استشهادية، وأقول: انتحارية، فما حكم هذه العمليات؟ فأجاب الشيخ: كم صار لهم؟ السائل: أربع سنوات، فقال الشيخ ناصر: ربحوا أم خسروا؟ السائل: خسروا، فقال الشيخ ناصر: من ثمارهم تعرفون. مسألة العمليات الاستشهادية هل هناك جيش إسلامي يقاتل في سبيل الله؟ وأجاب نفسه قائلاً: الجواب لا، ثم قال: حين يكون هناك جهاد قائم على الأحكام الشرعية له قائد هو الذي ينظم المعارك، وهو الذي يأذن بأن ينتحر فلان في سبيل القضاء على عدد من الكفار؛ فإن هذا الفعل يجوز، والآن هذا غير موجود، ولذلك يجب سد هذا الباب حتى نهيئ الجو الذي نوجد فيه خليفة أولاً، ونوجد قائداً يأتمر بأمر الخليفة، ونوجد جنداً يأتمرون بأمر القائد وهكذا ولذلك فلا بد من: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] . إلى أن قال: هؤلاء الذين ينتحرون الله أعلم بعبادتهم الله أعلم بعاداتهم، قد يكون فيهم من لا يصلي وقد يكون شيوعيا. إلى آخره. لكن كلام الشيخ ناصر غير مستقيم؛ لأن قتل النفس لا يجوز، ولا يجوز أن يقدم الإنسان على شيء فيه قتل نفسه القتل المحقق فيكون قاتلاً لنفسه، وأما كونه يقتل في سبيل الله من غير أن يكون هو الذي قتل نفسه أو السبب في قتل نفسه فلا بأس، وكلام الشيخ ناصر فيه نظر، حتى ولو وجد الإمام. كذلك وجه سؤال للشيخ ابن عثيمين فأجاب بقوله: الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو قاتل لنفسه، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بشيء أنه يعذب به في نار جهنم، وعجباً من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات وهم يقرءون قول الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] , ثم يفعلون ذلك! هل يقصدون شيئاً؟! هل ينهزم العدو، أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات؟ وكما هو مشاهد الآن في دولة اليهود حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكاً بعنجهيتهم، بل إنا نجد أن الدولة اليهودية في الاستفتاء الأخير نجح فيها اليمينيون الذين يريدون القضاء على العرب، ولكن من فعل هذا مجتهداً ظاناً أنه قربة إلى الله عز وجل فنسأل الله تعالى ألا يؤاخذه؛ لأنه متأول جاهل. وأما الاستدلال بقصة الغلام؛ فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام لا نكاية بالعدو؛ ولذلك لما جمع الملك الناس وأخذ سهماً من كنانة الغلام وقال: باسم الله رب الغلام؛ صاح الناس كلهم ربنا رب الغلام، فحصل به إسلام أمة عظيمة، فلو حصلت مثل هذه القصة لقلنا: إن هنالك مجالاً للاستدلال، والنبي صلى الله عليه وسلم قصها علينا لنعتبر بها، لكن هؤلاء الذين يرون تفجير أنفسهم إذا قتلوا عشرة أو مائة من العدو، فإن العدو لا يزداد إلا حنقاً عليهم وتمسكاً بما هم عليه. أما سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للملكة فقد قال: ما وقع السؤال عنه من طريقة قتل النفس بين الأعداء أو ما أسميته بالطرق الانتحارية فإن هذه الطريقة لا أعلم لها وجهاً شرعياً، ولا أنها من الجهاد في سبيل الله، وأخشى أن تكون من قتل النفس، نعم إثخان العدو وقتاله مطلوب، بل ربما يكون متعيناً، لكن بالطرق التي لا تخالف الشرع. وقال الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان: لا شك أن من يعرض نفسه للقتل المؤكد الذي يعلم ويجزم ويتيقن أنه بهذا الفعل ستزهق روحه وتخرج روحه ويعد في عداد الأموات، إذا كان متيقناً من هذا وفعله فإنه يعد قاتلاً لنفسه، وأما إذا كان الأمر مظنوناً كمن يدخل معركة يقاتل وربما يقتل والغالب أنه ينجو، ولكن قد يكون هذا الظن الضعيف يصدق فيقتل، فإن هذا لا يعد قاتلاً لنفسه، بل إذا كان في معركة في سبيل الله لإظهار الحق وإزهاق الباطل فإنه يعتبر شهيداً. ما جاء في ثمن الخمر والميتة شرح حديث (إن الله حرم الخمر وثمنها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ثمن الخمر والميتة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه) . يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في ثمن الميته والخمر، أي: في حكم ذلك، وأنه حرام؛ وذلك أن هذه الأعيان يحرم الانتفاع بها، فتكون أثمانها حراماً، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهي حرام وثمنها حرام، فلا يجوز استعمالها ولا بيعها واستعمال ثمنها؛ لأنها حرام وثمنها حرام. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم الخمر وثمنها) ، فحرم الخمر وحرم الثمن الذي يكون في مقابلها، والشيء الذي حرمه الله حرم ثمنه، أي: لا يجوز بيعه ولا يجوز أخذ الثمن في مقابل ذلك الشيء المحرم. (وحرم الميتة وثمنها) فالميتة حرام وثمنها حرام، (وحرم الخنزير وحرم ثمنه) ، فهذه الأشياء يحرم استعمالها، وثمنها حرام، وأدواتها محرمة، وأثمانها محرمة، والله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه. تراجم رجال إسناد حديث (إن الله حرم الخمر وثمنها) قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] . أحمد بن صالح المصري، ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل. [حدثنا عبد الله بن وهب] . عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معاوية بن صالح] . معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الوهاب بن بخت] . عبد الوهاب بن بخت ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. [عن أبي الزناد] . أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الأعرج] . الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة] . أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. شرح حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود! إن الله لما حرم عليهم شحومها، أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) ] . أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يقول عام الفتح: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) , الميتة كما هو معلوم هي كل ما أزهق روحه من غير ذكاة، وإذا أزهقت بذكاة لا تكون ميتة، وهذا إنما يكون في مأكول اللحم، أما غير مأكول اللحم فذكاته لا تجعله غير ميتة بل هو ميتة ذكي أم لم يذك، وإنما الذي يأكل لحمه إذا لم يذك صار ميتة وإذا ذكي صار حلالاً. والخمر كل ما خامر العقل وغطاه من أي شيء كان (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام على أي وجه كان وعلى أي حال كان، سواء كان سائلاً أو غير سائل، فكل ما فيه إسكار وتغطية وفقدان للعقل فإنه يكون حراماً قليله وكثيره، وما أسكر كثيره فقليله حرام؛ لأنه وإن لم يسكر فإنه وسيلة للمحرم. والأصنام هي الأشياء المنحوتة، والتي كانت تعبد من دون الله عز وجل، فهي أيضاً محرمة وإن كانت من الحجارة، والحجارة في أصلها حلال إلا أنها على هيئتها تلك تكون حراماً، لكنها إذا كسرت وقطعت واستفيد من كسرها في بنيان وفي غير ذلك فلا بأس، وإنما المقصود إذا كانت على هيئتها وعلى كيفيتها تلك، أما إذا كسرت وحطمت وصارت قطعاً وكسراً واستعملت في بنيان وفي غيره فاستعمالها سائغ. (فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؟). أي: أخبرنا عن شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، وتدهن الجلود، ويستصبح بها الناس، يعني: يستضيئون بها، مثل الزيت الذي يستضاء به، فقال: (لا. هو حرام) فمن العلماء من قال: يرجع إلى البيع، ومعنى ذلك: أن الاستصباح وطلاء السفن سائغ، ومن العلماء من قال: إن ذلك يرجع إلى المسئول عنه، وإن الاستصباح به محرم، وكذلك طلاء السفن، ودهن الجلود، فيكون قوله: (لا. هو حرام) أي: هذا الذي سئل عنه، فيكون هذا من أعمال الجاهلية التي كانت موجودة من قبل وحرمها الإسلام. وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: منهم من قال بجواز الاستفادة منها في هذه الأمور، ومنهم من قال بتحريمها وهم الجمهور، يعني: قالوا بأن استعمال الشحوم في جميع الوجوه حرام كاستعمال الميتة، ولا يستثنى من الميتة إلا الجلد إذا دبغ كما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دبغ جلد الميتة فإنه يطهر بالدباغ) وأما غير ذلك فهو باق على التحريم، ولا يخرج منه شيء. قوله: (فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا هو حرام، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة أجملوها) أي أذابوها فباعوها وأكلوا أثمانها، وهذا تحيل واحتيال للوصول إلى الاستفادة من المحرم بتحويله من حال إلى حال، أي: من كونه شحماً إلى أن يصير ودكاً، وأنه تغير اسمه من كونه شحماً إلى كونه مذاباً يقال له: ودك، وهو حرام؛ لأنه لا يجوز استعماله وتحويله إلى أن يكون ودكاً فإنه يكون بذلك حراماً. وأيضاً بيعه وإن كان شحماً محرم لأنه تابع للميتة، وكذلك بعد تحويله إلى ودك فهو أيضاً حرام، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهم جملوها أي أذابوها وباعوها، فأكلوا أثمانها، وهذه من الحيل التي يتوصل بها إلى الأمر المحرم. تراجم رجال إسناد حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] . قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث] . الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن أبي حبيب] . يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عطاء بن أبي رباح] . عطاء بن أبي رباح المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن جابر] . جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب إلي عطاء عن جابر نحوه، ولم يقل: (هو حرام) ] . أورد أبو داود حديث جابر، وهو مثل الذي قبله إلا أنه لم يقل: (هو حرام) ، وإنما قال: لا. قوله: [حدثنا محمد بن بشار] . محمد بن بشار الملقب بندار البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومات قبل البخاري بأربع سنوات، فقد توفي البخاري سنة (256هـ) ، ومحمد بن بشار توفي (252هـ) ، وقد توفي معه في تلك السنة أيضا شيخان للبخاري وهما من صغار شيوخه، وهما أيضاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهما: محمد بن مثنى الملقب بـ الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة من صغار شيوخ البخاري، وقد ماتوا في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. [حدثنا أبو عاصم] . هو النبيل الضحاك بن مخلد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذي يروي عنهم الثلاثيات. [عن عبد الحميد بن جعفر] . عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن يزيد بن أبي حبيب] . يزيد بن أبي حبيب مر ذكره. [عن عطاء عن جابر] . مر ذكرهما. ثبت عند الإمام أحمد في مسنده أن السؤال جاء: (أرأيت بيع شحوم الميتة) لكن الحديث كما في الصحيحين: أن شحوم الميتة تطلى به السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: هو حرام، ولو كان فيه ذكر بيع فإن تحريم الميتة يشمل كل أجزائها سواء شحمها أو لحمها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما به جاء نص استثنائي، وهو الجلد إذا دبغ. شرح حديث (إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاهم المعنى عن خالد الحذاء عن بركة قال مسدد في حديث خالد بن عبد الله: عن بركة أبي الوليد ثم اتفقا: عن ابن عباس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً عند الركن، قال: بصره إلى السماء فضحك، فقال: لعن الله اليهود -ثلاثاً- إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه) ولم يقل في حديث خالد بن عبد الله الطحان: رأيت، وقال: (قاتل الله اليهود) ] . أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند الركن قد رفع رأسه إلى السماء وضحك وقال: (قاتل الله اليهود! إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) ، وهو مثل الذي قبله. قوله: [حدثنا مسدد] . مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي. [أن بشر بن المفضل] . بشر بن المفضل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وخالد بن عبد الله] . خالد بن عبد الله هو الطحان الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن خالد الحذاء] . خالد بن مهران الحذاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, والحذاء هذا لقب لُقب به خالد بن مهران، وقيل: إن سبب تلقيبه بالحذاء ليس على ما يتبادر للذهن من بيع الأحذية أو صنعها، وإنما كان يجالس الحذائين فقيل له الحذاء، وقيل: إنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، يعني: قص من الجلد على هذا النحو الذي رسمته، فقيل له الحذاء، فهو من الإضافة إلى أدنى ملابسة أو أدنى مناسبة، وهو كونه يجلس عند الحذائين. [عن بركة] . بركة أبو الوليد ثقة أخرج له أبو داود وابن ماجة. [عن ابن عباس] . ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (من باع الخمر فليشقص الخنازير) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس ووكيع عن طعمة بن عمرو الجعفري عن عمر بن بيان التغلبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) ] . أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) وقيل معناه: أنه من باع الخمر مستحلاً لها فإنه كذلك يستحل الخنازير، وكل منهما محرم؛ فاستحلاله حرام، واستعماله حرام، فالتشقيص المقصود به الاستحلال، والمقصود: أن من استحل الخمر يستحل الخنزير، ومن استحل الخنزير استحل الخمر؛ لأن كل ذلك حرام، والحديث في إسناده رجل متكلم فيه، فهو ضعيف، ولكن كل من الخنزير والخمر محرمان وكذلك أثمانهما. تراجم رجال إسناد حديث (من باع الخمر فليشقص الخنازير) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] . عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي أخرج له في عمل يوم الليلة. [حدثنا ابن إدريس] . ابن إدريس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ووكيع] . وكيع بن الجراح الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن طعمة بن عمرو الجعفري] . طعمة بن عمرو الجعفري صدوق أخرج له أبو داود والترمذي. [عن عمر بن بيان التغلبي] . عمر بن بيان التغلبي مقبول أخرج له أبو داود. [عن عروة بن المغيرة بن شعبة] . عروة بن المغيرة بن شعبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة بن شعبة] . رضي الله عنه، وحديثة أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث في إسناده هذا المقبول. شرح حديث (حرمت التجارة في الخمر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة فقرأهن علينا وقال: (حرمت التجارة في الخمر) ] . أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه لما نزلت الآيات من أواخر سورة البقرة في الربا التي أولها: (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )) حرم الله التجارة بالخمر، فذكر تحريم الربا وتحريم الخمر وأخبر بتحريم هذا وتحريم هذا، فهو دليل على ما ترجم له من تحريم الخمر والميتة. تراجم رجال إسناد حديث (حرمت التجارة في الخمر) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] . مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة] . شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن سليمان] . سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي الضحى] . أبو الضحى هو مسلم بن صبيح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن مسروق] . مسروق بن الأجدع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة] . عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحده من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (حرمت التجارة في الخمر) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده ومعناه، قال: الآيات الأواخر في الربا] . أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه بيان الآيات الأواخر أنها في الربا، وهو مثل الذي قبله إلا أنه ذكر الأعمش بلقبه، وفي الإسناد الأول ذكر باسمه، ومعرفة ألقاب أصحاب الأسماء فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين بمعنى: أنه يأتي باسمه مرة في إسناد ومرة بلقبه في إسناد، فيظن ظان أن هذا غير هذا فقد جاء مرة سليمان ومرة جاء الأعمش. قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية] . أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 19 ( الأعضاء 0 والزوار 19) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |