|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المقصَدُ الحَقِيقِيُّ مِنَ الأُضْحِيَةِ عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى) الحمدُ للهِ الذي هدانا للإيمان، وشرَعَ لنا شريعةَ الإسلامِ، وجعلَ لنا من الشَّعائرِ ما يُطهِّرُ النُّفوسَ، ويزكِّي القلوبَ، ويقرِّبُنا إليهِ زُلفى، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ سيِّدِ ولدِ عدنان، الذي بلَّغَ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمَّةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِه حتى أتاهُ اليقين. تمهيدٌ: إنَّ من أعظمِ ما شرعه اللهُ عزَّ وجلَّ لعبادِه في هذا الدينِ الحنيفِ: الشَّعائرُ التي تتكرَّرُ في أوقاتٍ مخصوصةٍ، وتُعبِّرُ عن الخضوعِ والطاعةِ، وتربطُ العبدَ بربِّه. ومن هذه الشَّعائرِ: شعيرةُ الأُضْحِيَةِ، التي لها منزلةٌ كبيرةٌ في الشريعةِ، وفضلٌ عظيمٌ، وآثارٌ تربويَّةٌ وروحيَّةٌ واجتماعيَّةٌ لا تُحصى. لكنَّ كثيرًا من الناسِ في عصرِنا غفلوا عن المعنى الجوهريِّ لهذه العبادةِ، فذهبت بهم العاداتُ والتقاليدُ إلى تحويلِها إلى مناسبةٍ اجتماعيَّةٍ، تُقاسُ بكِبَرِ الذبيحةِ، أو نوعِها، أو زينتِها، وتُنسى النيَّةُ، ويُغفَلُ عن حقيقةِ التقرُّبِ. أولًا: الأضْحِيَةُ في ضوءِ القرآنِ الكريمِ قال اللهُ تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]؛ أي: اجعلْ صلاتَك ونحرَك خالصًا لوجهِ اللهِ، لا تُشركْ فيه غيرَه. وقال تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]؛ أي: ليس المقصودُ من الأضاحي وأعمالِ القُربِ ذبحَ البهائمِ، ولا مجرَّدَ إسالةِ الدماءِ، ولكنَّ المقصودَ تقوى القلوبِ، وصِدقُ النيةِ، وحُسنُ الطويةِ. فهاتان الآيتان تُبيِّنان أنَّ المقصدَ الأعظمَ من هذه الشعيرةِ ليس الذبحَ نفسَه، ولا توزيعَ اللحمِ، بل ما يسبقُ ذلك من صدقِ التوجُّهِ، وإخلاصِ النيَّةِ، ورجاءِ ما عند اللهِ. ثانيًا: الأضحيةُ سنةٌ مؤكدةٌ وشعيرةٌ معظَّمةٌ عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: ضحَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بكبشَينِ أملحَينِ، أقرنَينِ، ذبحَهما بيدِه، وسمَّى وكبَّر، ووضعَ قدمَه على صفاحِهما. رواه البخاري (5565) ومسلم (1966). وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ بهِ يومَنا هذا: أن نُصلِّي، ثمَّ نرجعَ فننحرَ، فمَن فعلَ ذلك فقد أصابَ سُنَّتَنا"؛ رواه البخاري (5545). الأضحيةُ سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر: وهذا قول أكثر العلماء، وممن قال به: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبلال، وسويد بن غفلة، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وعطاء، وعلقمة، والأسود. المغني لابن قدامة (9/ 435). ثالثًا: تذكيرٌ بقصةِ الخليلِ إبراهيمَ عليه السلامُ: الأُضْحِيَةُ ليست مجرَّدَ ذبحٍ، بل هي امتدادٌ لمدرسةِ التسليمِ الكاملِ للهِ عزَّ وجلَّ. ألم ترَ أنَّها تُذكِّرُنا بقصةِ إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السلام، حين قال اللهُ تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 103 - 105]. فما أعظمَ هذا الامتثال! وما أعظمَ هذا التسليم! وفي هذا الاختبارِ تمثيلٌ لِكُنهِ الطاعةِ الحقيقيَّةِ، فإنَّ ذبحَ الابنِ ليس بالأمرِ الهيِّن، ومع ذلك قَبِلَ الخليلُ الامتثالَ، وقَبِلَ إسماعيلُ الأمرَ، وكلٌّ منهما بلغَ درجةَ الكمالِ في العبوديَّةِ. رابعًا: المقاصدُ الشرعيةُ من الأضحية: 1. تحقيقُ عبوديَّةِ الذبحِ للهِ وحدَه قال اللهُ تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. والنُّسُكُ هنا يشملُ الذبحَ، كما ذكر ذلك أهلُ التفسير. 2. تذكيرٌ بنِعَمِ اللهِ وفضلِه: قال اللهُ تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ [الحج: 36]؛ أي: في ذبحِها وتوزيعِها، وذكرِ اسمِ اللهِ عليها، والتقرُّبِ بها إليه، خيرٌ دينيٌّ ودنيويٌّ. 3. إحياءٌ لسنَّةِ إبراهيمَ والنبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: الذبحُ للهِ من أفضلِ العباداتِ، وهو سُنَّةُ خليلِ الرحمنِ عليه السلامُ، وأحبُّ إلى اللهِ من الصدقةِ بثمنِ الأُضْحِيَةِ. 4. مواساةُ الفقراءِ والمحتاجينَ: قال اللهُ تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]. قال الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله: أستحبُّ أن يُقسمَ الأُضْحِيَةَ ثلاثةَ أقسامٍ: ثُلثٌ له، وثُلثٌ لأهلِه، وثُلثٌ للفقراء. الأم (ج 2 / ص 223). خامسًا: الأضحيةُ تربيةٌ على التوحيدِ والإخلاصِ عن سفيان الثوري رحمه الله: "ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من نيتي، لأنها تتقلب عليَّ". • "كانوا يتعلمون النية للعمل، كما تتعلمون العمل". قال ابن المبارك رحمه الله: "رُبَّ عملٍ صغير تعظمه النية، ورُبَّ عملٍ كبير تصغره النية". قال الربيع بن خثيم رحمه الله: "كل ما لا يبتغي وجه الله يضمحِلُّ". قال الحسن رحمه الله: "لا يزال العبد بخير ما إذا قال، قال لله، وإذا عمل، عمل لله عز وجل". عن زبيد اليامي رحمه الله، "قال: إني لأُحِبُّ أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب". قال سهل بن عبدالله رحمه الله: "ليس على النفس شيءٌ أشقُّ من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب". قال يوسف بن الحسين الرازي رحمه الله: "أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر!". قال مطرف بن عبدالله بن الشخير رحمه الله: "صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية". قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "في قوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]؛ أخلصه وأصوبه، فإنه إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السُّنَّة". عن شداد بن أوس رحمه الله، أنه قال لما حضرته الوفاة: "إن أخوف ما أخاف عليكم الرياءُ". قال يحيى بن معاذ رحمه الله: "من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زيَّن الله ظاهره باتباع السنة". قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: • "الله يحب من عباده الإخلاص في عبادته، في التوحيد، وسائر الأعمال كلها التي يُعبَد بها، وفي الإخلاص طرح الرياء كله؛ لأن الرياء شرك أو ضرب من الشرك". • "يدخل في الإخلاص التوكل على الله، وأنه لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع على الحقيقة غيره، لأنه لا مانع لِما أعطى، ولا معطيَ لِما منع، لا شريك له". ( جامع العلوم والحِكَم) وقال الحسنُ البصريُّ: "ما نظرتُ ببصري، ولا نطقتُ بلساني، ولا بطشتُ بيدي، ولا نهضتُ على قدمي، حتى أنظر: أفي طاعةِ اللهِ أم في معصيتِه؟ فإن كانت في طاعتِه مضيتُ، وإن كانت في معصيتِه توقَّفتُ." سير أعلام النبلاء (ج 4 / ص 585) فالأُضْحِيَةُ مدرسةٌ في الإخلاصِ، ومنارةٌ في تعظيمِ أمرِ اللهِ تعالى. سادسًا: التحذيرُ من الفهمِ المغلوطِ للشعيرةِ: البعضُ يذبحُ رياءً أو تقليدًا أو للمفاخرةِ، وهذا يفسدُ العملَ. البعضُ يُهملُ النيةَ، أو يتهاونُ في وقتِ الذبحِ. البعضُ لا يحرصُ على ذكرِ اسمِ اللهِ عند الذبحِ. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمالُ بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى."؛ رواه البخاري (1) ومسلم (1907) خاتمةٌ: فليعلمِ المسلمُ أنَّ المقصَدَ الحقيقيَّ من الأُضْحِيَةِ هو تحقيقُ التقوى، وتعظيمُ اللهِ، والتقرُّبُ إليهِ، ومواساةُ الفقراءِ، وإحياءُ شعائرِ التوحيدِ، لا الرياءُ ولا المباهاةُ ولا التقاليدُ الباليةُ. قال اللهُ تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]. نسألُ اللهَ أن يُحييَ قلوبَنا بتقواه، ويُعينَنا على الإخلاصِ له في القولِ والعملِ، وأن يتقبَّلَ منَّا ومنكم صالحَ الأعمالِ. وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |