الصوم ... والتأهيل الحضاري - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4896 - عددالزوار : 1915079 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4466 - عددالزوار : 1236278 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13610 - عددالزوار : 737209 )           »          العز بن عبد السلام (سلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أبعاد التشويه التاريخي للدولة الأموية (أسباب ودوافع – أمثلة وردود) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 181 - عددالزوار : 56193 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 39422 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 32787 )           »          اشتراط الحول والنصاب في الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-05-2025, 12:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,746
الدولة : Egypt
افتراضي الصوم ... والتأهيل الحضاري

الصوم ... والتأهيل الحضاري -1-


ماجد الدرويش





الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:
" الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي"، وذكروا لها عناصر أربعة: "الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون" واعتبروا أنها "تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضيِّ في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها".
وعلى هذا فالحضارة نتاج للشعور بالأمن والاستقرار، ونتيجة من نتائج توجيه القدرات البشرية نحو الخير والصالح العام.
دعوة الأنبياء وانعكاساتها الاجتماعية.
لا يخفى على ذي لب من المسلمين أن الوظيفة الأساس التي خلق الله الخلق لأجلها هي عبادته.
وأن مهمة الرسل إرشاد الخلق للقيام بهذه الوظيفة، وأن هذه المهمة تتحقق من خلال وسائل يجمعها دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام:
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الآية (129) من سورة البقرة.
فبين أن مهمة الرسل في إرشاد الخلق لتحقيق وظيفة العبادة، تقوم على أسس ثلاث، هي:
- تلاوة الآيات. ( بيان دلائل التوحيد ).
- تعليم الأحكام وكيفية تطبيقها.
- التزكية.
وقد استجاب الله تعالى لدعوة أبي الأنبياء، وبيَّن هذه الاستجابة في عدَّة مواضع من القرآن الكريم، مع تعديل طفيف في ترتيب مفردات المهمة، فقال سبحانه في سورة البقرة:
﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ الآية (151).
وقال تعالى في سورة آل عمران: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (164).
وقال تعالى في سورة الجمعة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (2).
في كل هذه المواضع تقديم التزكية على التعلم، مما يدلل على أهمية عملية التزكية قبل تعلم الأحكام الشرعية وتطبيقاتها العملية.
فما هي التزكية؟ ولم هي مقدَّمة على التعليم؟ وما دور شهر الصوم فيها؟








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-05-2025, 12:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,746
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصوم ... والتأهيل الحضاري

الصوم ... والتأهيل الحضاري -2-


ماجد الدرويش


-2-
ما هي التزكية؟ ولم هي مقدَّمة على التعليم؟ وما دور شهر الصوم فيها؟
التزكية لغة واصلاحا:
في معجم مقاييس اللغة: (زَكَى) الزَّاءُ وَالْكَافُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى نَمَاءٍ وَزِيَادَةٍ. وَيُقَالُ الطَّهَارَةُ زَكَاةُ الْمَالِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مِمَّا يُرْجَى بِهِ زَكَاءُ الْمَالِ، وَهُوَ زِيَادَتُهُ وَنَمَاؤُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَتْ زَكَاةً لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ. قَالُوا: وَحُجَّةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103] . وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ رَاجِعٌ إِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُمَا النَّمَاءُ وَالطَّهَارَةُ.
وفي الشرع تطلق على معنيين:
- النماء الحاصل من بركة الله تعالى.

- وعلى التعديل الذي هو ضد الجرح، فإذا كان الجرح طعنا في الشخص فالتزكية توثيق له، والتوثيق مهم في حياة المسلم ليكون من الأمة المزكاة بقوله تعالى: ) كنتم خير أمة أخرجت للناس ( وقوله تعالى: )وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( والشاهد لا تقبل شهادته إن لم يكن موثقا.
فالتزكية في الشهادة اصطلاحا: نسبة الشاهد إلى الطهارة مما يبطلها من الكبائر. لذلك قالوا:
وأصل التزكية نفي ما يستقبح قولا أو فعلا، وحقيقتها الإخبار عما ينطوي عليه الإنسان.
لماذا التزكية قبل التعليم؟
سبق أن مهمة الرسل لخصت بالخطوات الثلاث.
ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وكانت أمته هي التي أنيط بها حمل أمانة الدعوة والإرشاد والتبليغ، كان لا بد أن تكون الأمة مزكاة وموثقة وغير مطعون فيها ليقبل قولها.
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام مزكون خِلْقَةً، فهم من لحظة خروجهم إلى الدنيا تتولاهم عناية الله تعالى بالحفظ والمنع، وهي العصمة الواجبة لهم.

وبالرغم من ذلك وجدنا أن أقوامهم وقفوا منهم هذه المواقف الشديدة بالرغم من أنهم يعرفون تمام المعرفة صدقهم وأمانتهم. فما بالكم بمن ليسوا معصومين من أول الخِلقة؟ وهم هنا أمة سيدنا محمد التي أنيطت بها أمانة الدعوة، فهذه الأمة الوسط، والتي وصفها الله تعالى بالخيرية، لا يمكن أن تنجح بمهمة التبليغ إذا لم تكن على درجة عالية من العدالة والصدق والأمانة ، وأن لا تفعل خطأ تعلمه، أي تتعمد ذلك.
والتاريخ يشهد أن تحقق هذه الأوصاف في كثير من أفراد الأمة قديما كان من أسباب انتشار الإسلام السريع، والتاريخ الحالي يشهد بأن بُعد أفراد كثيرين من الأمة عن هذه الأوصاف من جملة الأسباب التي تساهم ليس في بعد الناس عن الإسلام، وإنما في اتخاذ ذلك ذريعة لعدم الاقتراب منه، وربما لمحاربته. كما قال تعالى حكاية عن دعاء المؤمنين: ) لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (. و)لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (. قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: وَتَكُونُ الْفِتْنَةُ الصَّدَّ عَنِ السَّبِيلِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-05-2025, 12:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,746
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصوم ... والتأهيل الحضاري

الصوم ... والتأهيل الحضاري -3-


ماجد الدرويش




دور الصوم في تحصيل التزكية والتأهيل الحضاري:
وبزكَاءِ النَّفْسِ وطَهارَتِها يَصِيرُ الإِنْسانُ بحيثُ يسْتَحقُّ فِي الدُّنيا الأَوْصافَ المَحْمودَةَ وَفِي الآخِرَةِ الأَجْرَ والمَثُوبَةَ، وَهُوَ أَن يَتحرَّى الإِنْسانُ مَا فِيهِ تَطْهِيره، وَذَلِكَ يُنْسَبُ:
- تارَةً إِلَى العَبْد لاكْتِسابه ذلكَ نَحْو قوْلِه، عزَّ وجلَّ: ﴿قد أَفْلَح مَنْ زَكَّاها﴾ ؛
- وتارَةً يُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ، عزَّ وجلَّ، لكوْنِه فاعِلاً لذلِكَ فِي الحقِيقَةِ نَحْو: ﴿ولكنَّ اللَّهَ يُزَكّي مَنْ يَشاءُ﴾.
- وتارَةً إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم لكوْنه واسِطَة فِي وُصولِ ذلكَ إِلَيْهِم نَحْو قوْلِه: ﴿خُذْ مِن أَمْوالِهم صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهم بهَا﴾ وقوْلُه: ﴿يَتْلُو عَلَيْكم آياتِهُ ويُزَكِّيكم﴾.
- وتارَةً إِلَى العِبادَةِ الَّتِي هِيَ آلَةٌ فِي ذلِك نَحْو: ﴿وَحَنَانًا مِن لدُنَّا وزَكاةً﴾ ، وقوْله تَعَالَى: ﴿لأَهِبَ لكَ غُلاماً زَكِيّاً﴾ أَي مُزَكىً بالخِلْقَةِ وذلكَ على طَريقِ مَا ذَكَرْناه من الاجْتِباءِ، وَهُوَ أنْ يجعلَ بعضَ عِبادِهِ عالِماً لَا بالتَّعَلُّمِ والمُمارَسَةِ، بل بقوَّةٍ إلهيَّةٍ كَمَا يكونُ لكلِّ الأَنْبياءِ والرُّسُل.
والصوم يجمع هذه النسب الأربعة. فالعبد عندما يختار الصوم فهو يعمل على تزكية نفسه لأن الصوم فيه الكثير من هذه المعاني الفاضلة، ويكفي أن نعلم ان الأجر العظيم للصوم لا يحصله الصائم بمجرد ترك المفطرات، بل عليه ان يقرن ذلك بترك سائر المحرمات: من اللغو، والرفث، وقول الزور، والوفاء بالحقوق.
قال الحافظ ابن رجب:
"واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) خرّجه البخاري، وفي حديث آخر: (ليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث). وقال الحافظ أبو موسى المديني: على شرط مسلم.
قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام.
وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر).
وسر هذا: أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل وإن كان صومه مجزئا عند الجمهور بحيث لا يؤمر بإعادته لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوصه دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به هذا هو قول جمهور العلماء.
وفي مسند الإمام أحمد أن امرأتين صامتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكادتا أن تموتا من العطش فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض ثم ذكرتا له فدعاهما فأمرهما أن تتقيآ فقاءتا ملء قدح قيحا ودما وصديدا ولحما عبيطا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان في لحوم الناس).
ولهذا المعنى، والله أعلم، ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل، فإن تحريم هذا عام في كل زمان ومكان بخلاف الطعام والشراب، فكان إشارة إلى أن من امتثل أمر الله في اجتناب الطعام والشراب في نهار صومه فليمتثل أمره في اجتناب أكل الأموال بالباطل فإنه محرم بكل حال لا يباح في وقت من الأوقات. انتهى.
وبهذا الاعتبار يمكن نسب التزكية إلى الله تعالى.
وكذلك يمكن أن ننسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي علمنا كيف يكون الصيام على الوجه المتقبل عند الله تعالى، وعلى الوجه الذي يؤدي الحكمة من الصوم وهو تحقيق التقوى.
وكذلك يمكننا أن ننسبها إلى نفس العبادة ( الصوم ) فهي عبادة جامعة للنية الصادقة ، والتحكمِ بالشهوات المهلكة للنفس، ومَنْ كَبَحَ جماح نفسه عما أحله الله تعالى له في أوقات مخصوصة طاعة لله سبحانه ، كان على أن يمنعها عما حرم الله سبحانه وتعالى في كل الأوقات أقدر.
فتأتي هذه العبادة لتصون النفس عن الشهوات، فتخرجها من دائرة الأنانية المهلكة للأفراد والمجتمعات، إلى دائرة الإيثار وحب الخير للغير الذي يبني روابط المحبة والأخوة بين الناس، وبالتالي يحصن المجتمعات من أسباب الصراع بين أبنائه، هذا الصراع الذي يبدأ عندما يشعر البعض بأن حقوقهم مصادرة، وكرامتهم مهدرة، وأن أصحاب السلطة والمال يستعبدونهم مستغلين حاجتهم. وهذا هو الاستعباد الذي يمارسه أصحاب الأنانيات المفرطة سواء في الحكم أم في المال.
فكم من حاكم قال لقومه: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾ وقال لهم:﴿ ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾.
وكم من صاحب مال جحد نعمة الله تعالى عليه، وجحد حق الفقراء فيما استخلفه الله تعالى فيه، فقال: ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾. وأنكر حق الله تعالى في أن يكون هو الذي يشرع للناس كيف يتصرفون بأموالهم فقال: ﴿أصلاتك تأمرك أن نترك ما كان يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء﴾.
وهل الخلافات المجتمعية ، والثورات الشعبية ، إلا أثر من آثار تلك الأنانيات المفرطة عند الحكام وأرباب المال؟
فاجتماع هذه النسب في عبادة الصوم وتحقيق معانيها في الصائم تجعله عنصرا فاعلا في المجتمع، بل تحوله إلى مفتاح للتغيير الإيجابي كما قال سبحانه: ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ ، كما تجعله عنصر استقرار للمجتمعات ، فلا الفقراء يحسدون الأغنياء على ما آتاهم الله من فضله، ولا الأغنياء يستأثرون بنعمة الله تعالى عليهم دون سائر أصحاب الحاجات. الأمر الذي يحقق التكامل والتكافل في المجتمع، وهو ما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم وصف ( المواساة ) كما في حديث سلمان عند ابن خزيمة في صحيحه.
وإذا اعتبرنا أن الحضارة هي نتاج استقرار المجتمعات، أدركنا مدى تأثير الصوم في الدفع الحضاري.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28-05-2025, 12:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,746
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصوم ... والتأهيل الحضاري

الصوم ... والتأهيل الحضاري -4-


ماجد الدرويش

-4-

المواساة ... وآثارها الحضارية
والمواساة المشاركة والمساهمة بالمعاش والرزق.
وقالوا في المواساة: أن ينزل غيره منزلة نفسه في النفع له والدفع عنه. والإيثار: أن يقدم غيره على نفسه فيهما، وهو النهاية في الأخوة.
وقالوا: المواساة: مشاركة نحو الأصدقاء والأقارب فيما بيده من نحو مال.
والحقيقة أن هناك عموم وخصوص من وجه بين المواساة والمشاركة، فالمواساة لا تكون إلا من كفاف. يعني تعطي غيرك مما أنت تحتاجه أصلا، ولكن لأنه أكثر حاجة منك شاركته بما معك، فتكون المواساة مشاركة أصحاب الحاجات مع الكفاف، وبهذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين كما في حديث أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا رَمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوا بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُمْ).
وبهذا كانت المواساة أخص من مطلق المشاركة، التي يمكن أن تكون مع الكفاف ومع الكفاية، كما في إعطاء الفضل، ويدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ يَضْرِبُ يَمِينًا وَشِمَالًا، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، قال: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ منا في فضل. ( صحيح ابن حبان ).
فهذه المعاني من المواساة والمشاركة تحقق البعد الحضاري، وتعطي الإنسانية معانيها.
واليوم، مع ما نعيشه من ضيق وضنك، ندرك كم هذه المعاني مهمة في حياة الأمم، وكم هذه المعاني مهمة في تحقيق الأمن والاستقرار.
ولو استرسلت بالكلام فلن أنتهي لأن معاني العبادات من الصعب أن يحيط بها عقل إنسان، ولكننا يمكن أن نستخلص منها كيف أن الصوم يحقق الكثير من هذه المعاني الحضارية، ويساهم في الكفاية والأمن المجتمعي. وهل الحضارة إلا هذا؟ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.41 كيلو بايت... تم توفير 3.05 كيلو بايت...بمعدل (3.94%)]