|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبو جعفر بالباب عبد العظيم عرنوس وما برح الزمان تتفتق أكمامه عن الأجاويد الكرام فتتفتح براعمهم من رحم الزهور ، وتطل ثمارهم النضيجة بوجهها الوضيء، فتملأ الوجود نضرة وتزيده جمالا ، وكذلك تضرب الأكمام الأمثال . ولأنه جواد كريم فإنه يحب من عباده أهل الجود والكرم .. روى لحاكم والطبراني عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كريم يحب الكرم.. يقول الشاعر سليم عبد القادر يا من وهبت ليَ الحياة ودفأها *** ومن الحياة العقل والتنزيل آلاؤك الغراء تغمر مهجتي *** غمرا وجودك دائما موصول ولأن الكرم صفة ذاتية ثابتة لله فلا يمنع العطاء عن خلقه .. روى الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ . ولأن جوده متصل لا ينقطع فهو يعطي بدون سؤال ، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى ، وإذا أعطى أدهش وزاد على منتهى الرجاء. ولم أر كالمعروف أما مذاقه *** فحلو وأما وجهه فجميل وما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء وما وطئ الثرى أجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكل كريم يقتبس من مشكاته ، وتهب نسمات جوده من ريحه روى البخاري : عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس ... ليس يعطيك للرجاء ولا الخو *** ف ولكن يلذ طعم العطاء ورى مسلم عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ : لاَ ما قال لا قط إلا في تشهده *** لولا التشهد كانت لاؤه نعم وقد تعطرت ذاكرة تاريخنا المجيد بأجاويد أفذاذ قلَّ نظيرهم، وما زال عبق أذفرهم يضمخ جيد الزمان، وما زال ريح عَرْفهم يعطر الأنام من وراء القرون .. وابن الجوزي رحمه الله صاد لنا واحدا من هؤلاء ، فمن نفائس صيده كما في صيد الخاطر يتحفنا بهذا الصيد الثمين، ويقدمه لنا في قصعة، ويضعه للأكلة على المائدة، يقول ابن الجوزي : روينا أن رجلا استأذن على قاضي القضاة ابن أبي داود وقال : قولوا له : أبو جعفر بالباب . فلما سمع هش لذلك وقال : ائذنوا له . فدخل فقام وتلقاه وأكرمه وأعطاه خمسة آلاف وودعه!! فقيل له : رجل من العوام فعلت به هذا ؟ قال : إني كنت فقيرا ، وكان هذا صديقا فجئته يوما ، فقلت له : أنا جائع فقال : اجلس . وخرج فجاء بشواء وحلوى وخبز ، فقال : كل فقلت : كل معي . قال : لا . قلت : والله لا آكل حتى تأكل معي . فأكل فجعل الدم يجري من فمه !! فقلت : ما هذا ؟ فقال : مرض . فقلت : والله لا بد أن تخبرني فقال : إنك لما جئتني لم أكن أملك شيئا ، وكانت أسناني مضببة بشريط من ذهب ـ فنزعته واشتريت به . فهل أكافئ مثل هذا ؟! وكأن أبا بكر الشبلي يعنيه بشعره: تعوَّدَ بسط الكفِّ حتى لو أنه *** ثناها لقبضٍ لم تُجِبهُ أنامِلُهُ ترَاه إذا ما جئته متهللا *** كأنَّك تُعطيهِ الذي أنتَ آمِلُهُ ولو لم يكن في كفه غيرُ رُوحِهِ *** لجاد بها ، فليتقِّ اللهَ سائلهُ وهذه الصيد الثمين الذي صاده ابن الجوزي له دلالتان: الأولى: بلوغ أبو جعفر هذا غاية الكرم والجود ، والثانية: حفظ قاضي القضاة للعهد فهو الصديق الوفي الذي لم يسمح لمنصبه أن يصيب نفسه بداء الكبر والغرور؛ كما قال الأديب السوري إبراهيم عاصي : إذا أحسنتَ لمحسن إليك فأنت البرُّ الوفي، فخلق الوفاء وحسن العهد من أخلاق وخصال أهل الإيمان، ومن شعب الإيمان كذلك .. روى الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَب عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها قَالَتْ : جَاءَتْ عَجُوز إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : كَيْف أَنْتُمْ ، كَيْف حَالكُمْ ، كَيْف كُنْتُمْ بَعْدنَا ؟ قَالَتْ : بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُول اللَّه . فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ؛ تُقْبِل عَلَى هَذِهِ الْعَجُوز هَذَا الإِقْبَال ؟! فَقَالَ : يَا عَائِشَة ؛ إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَان خَدِيجَة ، وَإِنَّ حُسْن الْعَهْد مِن الإِيمَان. ألا ما أروع أخلاق أهل الإيمان، وبمثل هؤلاء فليقتد المقتدون. يسقط الطير حيث ينتثر الحب *** وتغشى منازل الكرماء
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |