|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#2
|
||||
|
||||
![]() وعليه فالإرادة الكونية تكون فيما يُحبه الله - عز وجل - وما لا يُحبه الله - عز وجل - والإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يُحبه الله - عز وجل - ومن هنا يظهر أن المحبة غير المشيئة؛ لأن المشيئة لا تنقسم إلى مشيئة كونية وإلى مشيئة شرعية، بل هي نوع واحدٌ، وهي مشيئة في كونه - عز وجل - فلفظ المشيئة كوني، ولفظ المحبة ديني شرعي، كما قرَّر ذلك غيرُ واحد، ومنهم العلامة ابن القيم - رحمه الله - في شفاء العليل، وغيره من أهل التحقيق والتأصيل. إذا علمت هذا أدركتَ خطأ أهل الباطل، وأنهم لَما عجزوا عن الفهم والإفهام، تسرَّب إليهم من التسوية بينهما الأوهام، فإنهم جعلوا المحبة هي الإرادة والمشيئة، فقالوا: إن كل ما شاءه الله - عز وجل - فقد أراده وأحبَّه، ولم يفرِّقوا بينهما، ولذلك فإن كلَّ مَن لم يفرق بين المشيئة والمحبة يلزمه -ولا بد - أحد أمرين باطلين لا بد له من التزامه: أما الأول: فالقول بأن الله - عز وجل - يحب الكفر والفسوق والعصيان. وأما الثاني، فهو القول بأنه - عز وجل - ما شاء ذلك ولا قدره ولا قضاه، والعياذ بالله - عز وجل - وقد قال بكلٍّ من القولين طائفة، وانحرفت الطائفتان عن سواء السبيل، والأمر كما قيل: سارَت مُشرقةً وسِرت مُغربَا ![]() شَتَّانَ بينَ مُشرِّق ومُغرِّب ![]() ![]() ![]() وقد بيَّن ذلك وفصَّله غيرُ واحد من أهل التحقيق، وفي كلام العلامة ابن القيم - رحمه الله - في شفاء العليل تدقيق وتحقيق. الفرق الثاني: أن الإرادة الكونية - وهي التقدير الأزلي -: لا بد من وقوع مراد الله - عز وجل - بها؛ إذ هي الإرادة المستلزمة لوقوع المراد، فهي نافذة ولا بد، وواقعة لا مَحالة، ولو كانت غير مرضية. أما الإرادة الشرعية، فليس ذلك بلازمٍ، فقد تقع وقد لا تقع، فلا تستلزم وقوع المراد، لكنها - مع ذلك - مرادة من العباد شرعًا، وهي إلى ذلك مرضية من الله - عز وجل - وإن كانت غير نافذة، ومعنى قولنا: إنها قد تقع وقد لا تقع؛ أي: قد تقع إذا تعلَّق بها النوع الآخر من الإرادة، وهي الإرادة الكونية القدرية، وقد لا تقع إذا لم يتعلَّق بإيجادها إرادته الكونية القدرية، وقد قرَّر هذا غيرُ واحد من أهل العلم، ومنهم ملكُ التَّحْقِيق العلامة ابن تيمية - رحمه الله - المتربع على عرش التدقيق، بكلام متين ولفظ رصين، فأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وأوضح مسالك الخلاف والاختلاف، وقرَّر الصواب بإنصاف، متحاشيًا التكلف والاعتساف، فظهر الحق على التمام، وبيَّنه أتَمَّ البيان. ويأتي معنا بيان الأقسام في هذا من كلامه - رحمه الله - وكذا المحقق الرباني والعلامة ابن القيم شيخ الإسلام الثاني في شفاء العليل (ص: 270)، وهنا أسوق قوله مختصرًا لإيضاح ذلك على عجالة، ومن أراد الاستزادة فليَطلبها في مظانها، فقد قال - رحمه الله -: "فالإرادة بالمعنى الأول - مراده: الإرادة بمعنى المشيئة - تستلزم وقوعَ المراد، ولا تستلزم محبته والرضا به، وبالمعنى الثاني - مراده: الإرادة بمعنى المحبة والرضا - لا تستلزم وقوع المراد وتستلزم محبته، فإنها لا تنقسم بل كل ما أراده من أفعاله، فهو محبوب مرضي له، ففرقٌ بين إرادة أفعاله وإرادة مفعولاته، فإن أفعاله خير كلها وعدل ومصلحة وحكمة، لا شر فيها بوجهٍ من الوجوه، وأما مفعولاته فهي موردُ الانقسام، وهذا إنما يتحقق على قول أهل السنة: إن الفعل غير المفعول، والخلق غير المخلوق، كما هو الموافق للعقول والفِطَر واللغة، ودلالة القرآن والحديث، وإجماع أهل السنة؛ كما حكاه البغوي في شرح السنة عنهم". الفرق الثالث: أن الإرادة الكونية: تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي دون ما لم يحدُث منها. وأما الإرادة الشرعية، فهي المتناولة لِما أمَر به وجعله شرعًا ودينًا، وهي تتناول جميع الطاعات حدثت أو لم تحدُث؛ كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في مجموع فتاواه (8/198). الفرق الرابع: أن الإرادة الكونية: جميع الكائنات داخلة في هذه الإرادة والمشيئة، لا يخرج عنها خيرٌ ولا شر، ولا عُرف ولا نُكر، وهذه الإرادة والمشيئة تتناول ما لا يتناوله الأمر الشرعي، ولذلك فالإرادة الكونية ليست مستلزمة للأمر كما تقدم. أما الإرادة الشرعية الدينية، فهي مطابقة للأمر الشرعي، فلا يمكن أن يختلفان، وقد قرَّر هذا العالم الرباني وشيخ الإسلام ابن تيمية الحراني في مجموع فتاواه (18/132)، والله أعلم. الفرق الخامس: أن الإرادة الكونية: الأمر لا يستلزمها. أما الإرادة الشرعية الدينية، فالأمر يستلزمها. قال ابن أبي العز - رحمه الله - في شرح الطحاوية (ص:114-115) وقد نقل شيئًا منه عن منهاج السنة (3/18) لابن تيمية - رحم الله الجميع -: "الفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل، فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلًا، فهذه الإرادة معلقة بفعله، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلًا، فهذه الإرادة لفعل الغير، وكلا النوعين معقول للناس، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى، فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على ما أمَر به، وقد لا يريد ذلك، وإن كان مريدًا منه فعله، وتحقيق هذا مما يبيِّن فصل النزاع في أمر الله تعالى: هل هو مستلزم لإرادته أم لا؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسُن رُسله - عليهم السلام - بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، ولكن منهم من أراد أن يَخلق فعله، فأراد سبحانه أن يخلق ذلك الفعل ويجعله فاعلًا له، ومنهم مَن لم يُرد أن يخلق فعله، فجهةُ خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها من المخلوقات، غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لِما هو مصلحة للعبد أو مفسدة، وهو سبحانه - إذ أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالإيمان - كان قد بيَّن لهم ما ينفعهم ويُصلحهم إذا فعلوه، ولا يلزم إذا أمرَهم أن يعينهم، بل قد يكون في خلقه لهم ذلك الفعل وإعانتهم عليه وجهُ مفسدة من حيث هو فعل له، فإنه يَخلق ما يخلق لحكمة، ولا يلزَم إذا كان الفعل المأمور به مصلحةً للمأمور إذا فعله أن يكون مصلحةً للآمر إذا فعَله هو، أو جعل المأمور فاعلًا له، فأين جهة الخلق من جهة الأمر؟ فالواحد من الناس يأمر غيره وينهاه مريدًا النصيحة ومبينًا لِما ينفعه، وإن كان مع ذلك لا يريد أن يُعينه على ذلك الفعل؛ إذ ليس كل ما كان مصلحتي في أن آمُر به غيري وأنصَحه، يكون مصلحتي في أن أعاونه أنا عليه، بل قد تكون مصلحتي إرادة ما يضاده، فجهةُ أمره لغيره نصحًا غير جهة فعله لنفسه، وإذا أمكن الفرق في حق المخلوقين، فهو في حق الله أَولى بالإمكان". ثم أخذ في الرد على القدرية في هذا الباب، فانظُره غير مأمور، وانظر: مجموع الفتاوى (8/131)، ومجموعة الرسائل والمسائل (5/151)، والتسعينية (ص:151) لابن تيمية، ولوامع الأنوار البهية (1/156) للسفاريني، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/1275) لعبد الرحمن بن صالح المحمود. والناس في ذلك على أقوال، أشهرها ثلاثة، قال ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل (ص: 280): "مسألة الأمر والإرادة: هل هما متلازمان أم لا؟ فقالت القدرية: الأمر يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع. وقالت المثبتة: الأمر لا يستلزم الإرادة، واحتجوا بحجج لا تندفع. والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية، ولا يستلزم الإرادة الكونية، فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعًا ودينًا. وقد يأمُر بما لا يريده كونًا وقدرًا، كإيمان مَنْ أَمَرَهُ ولم يوفِّقه للإيمان، مرادًا له دينًا لا كونًا، وكذلك أَمَر خليله بذبح ابنه، ولم يُرده كونًا وقدرًا، وأَمَر رسوله بخمسين صلاة، ولم يرد ذلك كونًا وقدرًا". الفرق السادس: أن الإرادة الكونية تتعلق بربوبيته - عز وجل - وخلقه. أما الإرادة الشرعية الدينية، فهي متعلقة بإلهيته وشرعه - عز وجل - كما قرر غيرُ واحد، ومنهم العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابة شفاء العليل (ص: 280) فقال: "فما كان من كوني فهو متعلق بربوبيته وخلقه، وما كان من الديني فهو متعلق بإلهيَّته وشرعه". الفرق السابع: أن الإرادة الكونية تعلُّقها بما يكون، فهي تتعلق بالخلق. وأما الإرادة الدينية الشرعية، فتعلُّقها بالأمر وبما شرَع الله - عز وجل. وبيان ذلك أن الله - عز وجل - له الخلق والأمر، وقد فَرَّقَ الله - عز وجل - بين الخلق والأمر، فقال - عز وجل: ﴿ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف:54]، وهذا دليلٌ ظاهر على اختلاف هذا عن ذاك، وأن الأمر غير الخلق، وقد قرَّر هذا غيرُ واحد من أهل التحقيق، ومنهم العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابة شفاء العليل (ص 280)، فقال: "وهو كما أخبر عن نفسه سبحانه له الخلق والأمر، فالخلق قضاؤه وقدرُه وفعلُه، والأمرُ شرعه ودينه، فهو الذي خلَق وشرَع وأمَر". الفرق الثامن: أن الإرادة الكونية مقصودة لغيرها؛ كخلْق إبليس وهو يَبغَضه، وخلق الشياطين والكفار والأعيان والأفعال المسخوطة له وهو يَبغَضها، والتي فيها من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجودها ما لا يعلَمه إلا الله - عز وجل - وقد نبَّه بعض أهل التدقيق على شيء منها، بل قال بعض أهل التحقيق: إن في ذلك من الحكم ما لا يُحيط بتفصيله إلا الله - عز وجل - فالله - عز وجل - لم يَخلقها عبثًا، ولا قصَد بخلقها إضرارَ عباده وهلاكهم، فكم لله - عز وجل - في خلقه من حكمة باهرةٍ وحُجة قاهرة، وآية ظاهرة ونعمة سابغة. وأما الإرادة الدينية الشرعية، فمقصودة لذاتها. الفرق التاسع: أن الإرادة الكونية عامة شاملةٌ كلَّ شيء، فهي عامة لكل الموجودات، وتشمل الخير والشر، والهدى والضلال، كما تشمل الإيمان والكفر، فكل ما في الوجود فهو مراد لله كونًا. وأما الإرادة الدينية الشرعية، فخاصة ليست شاملة كلَّ شيءٍ، بل هي مختصة بالإيمان والعمل الصالح؛ قال العلامة الرباني محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله - في كتابه قطر الولي على حديث الولي (ص: 266): "فالإرادة الكونية، والأمر الكوني، وهي مشيئته لما خلقه من جميع مخلوقاته إنسهم وجنِّهم، مسلمهم وكافرهم، حيوانهم وجمادهم، ضارهم ونافعهم، والإرادة الدينية والأمر الديني هي محبته المتناولة لجميع ما أمَر به، وجعله شرعًا ودينًا، فهذه مختصة بالإيمان والعمل الصالح". الفرق العاشر: أن الإرادة الكونية متوجهة إلى جميع المخلوقات بما يريد خلقه وإيجاده؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس:82]. وأما الإرادة الدينية الشرعية، فهي متوجهة إلى المكلفين، فالعباد مسؤولون عن مقتضى الإرادة الشرعية بما يجب أن يفعلوه وما يرضاه لهم من الشرائع والعبادات والأخلاق؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف:40]، ولمزيد من البيان تأمل الفرق الحادي عشر. الفرق الحادي عشر: بالنسبة إلى وجود المراد وعدم وجوده، فإن الإرادة الكونية القدرية لا يتخلف عنها المراد، أما الإرادة الدينية الشرعية فقد يتخلف المراد بها، وبيانه أن الإرادة الكونية أعمُّ مطلقًا؛ لأنَّ كلَّ مراد شرعًا يتحقَّق وجوده في الخارج إذا أُريد كونًا وقدرًا، كإيمان أبي بكر، وليس يوجد ما لم يرد كونًا وقدرًا ولو أُريد شرعًا؛ كإيمان أبي لهب، فكلُّ مراد شرعي حصل فبالإرادة الكونية، وليس كلُّ مراد كوني حصل مرادًا في الشرع، وأما بالنسبة إلى تعلُّق الإرادتين بعبادة الإنس والجن لله تعالى، فالإرادة الشرعية أعمُّ مطلقًا، والإرادة الكونية أخص مطلقًا؛ لأن كلَّ فرد من أفراد الجنِّ والإنس أراد الله منه العبادة شرعًا، ولم يُردها من كلهم كونًا وقدرًا، فتعمُّ الإرادة الشرعية عبادة جميع الثقلين، وتختصُّ الإرادة الكونية بعبادة السُّعداء منهم؛ كما قدَّمنا من أن الدعوة عامة والتوفيق خاصُّ، كما بيَّنه الله - عز وجل - بقوله: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]، فصرَّح بأنه يدعو الكلَّ ويهدي من شاء منهم، وليست النسبة بين الإرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص من وجه، بل هي العموم والخصوص المطلق كما بيَّنا، إلا أنَّ إحداهما أعمُّ مطلقًا من الأخرى باعتبار، والثانية أعمُّ مطلقًا باعتبار آخر كما بيَّنا، والعلم عند الله تعالى؛ انظر: دفع إيهام الاضطراب (ص: 122). قال الشيخ محمد خليل هراس في شرح الواسطية (ص: 100): "لا تلازُم بين الإرادتين، بل قد تتعلق كلٌّ منهما بما لا تتعلَّق به الأخرى، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجه. فالإرادة الكونية أعمُّ من جهة تعلُّقها بما لا يُحبه الله ويرضاه من الكفر والمعاصي، وأخص من جهة أنها لا تتعلق بمثل إيمان الكافر وطاعة الفاسق. والإرادة الشرعية أعمُّ من جهة تعلُّقها بكل مأمور به واقعًا كان أو غيرَ واقع، وأخص من جهة أن الواقع بالإرادة الكونية قد يكون غيرَ مأمورٍ به، والحاصل أن الإرادتين قد تجتمعان معًا في مثل إيمان المؤمن، وطاعة المطيع، وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر، ومعصية العاصي، وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر، وطاعة العاصي". وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في مقدمته لكتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص:15): "فبين الإرادة الشرعية الدينية والإرادة الكونية القدرية عمومٌ وخصوص مطلق، يجتمعان في حق المخلص المطيع، وتنفرِد الإرادة الكونية القدرية في حق العاصي، فافهَم ذلك تنجُ من جهالات أرباب الكلام وتابعيهم". وحتى يتبيَّن المراد في هذا فاعلَم أن المخلوقات مع كل من الإرادتين أربعة أقسام: قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (8/188-190): أحدها: ما تعلَّقت به الإرادتان، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرعٍ، فأمر به وأحبَّه ورضِيه، وأراده إرادة كون فوقَع، ولولا ذلك لما كان. والثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الأمر الكفار والفُجارُ، فتلك كلها إرادة دين، وهو يُحبها ويرضاها لو وقَعت ولو لم تقَع. والثالث: ما تعلَّقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدَّره وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها: كالمباحات والمعاصي، فإنه لم يأمر بها ولم يَرْضها ولم يُحبها؛ إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقدرته وخلْقه لها، لَما كانت ولَما وُجدت، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكُن. والرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه، فهذا ما لم يكن من أنواع المباحات والمعاصي، وإذا كان كذلك فمقتضى اللام في قوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، هذه الإرادة الدينية الشرعية، وهذه قد يقع مرادُها وقد لا يقع، والمعنى أن الغاية التي يُحب لهم ويرضى لهم، والتي أُمروا بفعلها هي العبادة، فهو العمل الذي خُلِق العباد له؛ أي: هو الذي يَحصُل به كمالُهم، وصلاحُهم الذي به يكونون مرضيين محبوبين، فمن لم تحصُل منه هذه الغاية كان عادمًا لما يحب ويرضى، ويُراد له الإرادة الدينية التي فيها سعادته ونجاته، وعادمًا لكماله وصلاحه العدمَ المستلزم فسادَه وعذابَه، وقول من قال: العبادة هي العزيمة أو الفطرية، فقولان ضعيفان فاسدان، يظهر فسادهما من وجوه متعددة". الفرق الثاني عشر: أن الإرادة الكونية - كما تقدم -: مرتبطة بمشيئة الله - عز وجل - فهي إرادة مرتبطة بالعلم وبالحكمة، فهي منظور فيها بالحكمة، فالله - عز وجل - يريد بما يوافق الحكمة، فتكون إرادته على وَفْق الحكمة، وحكمة الله - عز وجل - هي القاضية لهذه الأشياء جميعًا في الإرادات، وهذا فرق مهمٌّ يترتَّب عليه ردٌّ على طوائف كثيرة من المبتدعة في مسائل القدر، كما فصَّل ذلك غيرُ واحد من أهل التحقيق في أبواب كثيرة؛ من مثل: أبواب الظلم والعدل، والتحسين والتقبيح، وفعل العبد، وأضرابها، ويطلب تفصيل ذلك في مظانه من كتب أهل العلم -رحمهم الله. أما الإرادة الشرعية، فهي مطلوبة من العبد أمرًا ونهيًا، ومن هنا صار المأمور به والمنهي عنه مرادًا لله - عز وجل - شرعًا، ولَما لم يتنبه أهلُ الباطل إلى هذه النكتة ولم يفرِّقوا بينهما، وقَع منهم الكثيرُ من اللغط والغلط في معصية العاصي وضلال الكافر، فتنبَّه، والله أعلمُ. هذا آخر ما تسنَّى لي ذكرُه في هذا الباب، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |