لماذا لا نحتفل بالكريسماس؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 51 - عددالزوار : 69 )           »          {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          ليبقى كلٌّ منّا على ثغرِه! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          رحمة النبي ﷺ بأمته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          وقفات تربوية مع خلق الحلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من أراد النور فليبحث عنه في كتاب الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فصل بين اليقظة والغفلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التخفيف في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          مواطن صالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-01-2025, 10:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,745
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لماذا لا نحتفل بالكريسماس؟



ثالثًا: أمرنا الشرع بمخالفة المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى:
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين، أحفُوا الشوارب، وأوفُوا اللِّحى))[12].

2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيِّروا الشيب، ولا تشبَّهوا باليهود والنصارى))[13].

3- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم))[14].


قال ابن القيم رحمه الله: "وسر ذلك أن المشابهة في الهَديِ الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل"[15].

ومخالفة المشركين تكون في عباداتهم وأعيادهم وعاداتهم الخاصة بهم؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد دخل في (الذين لا يعلمون) كلُّ من خالف شريعته، و(أهواؤهم) هي ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك، فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه، ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم، ويُسَرُّون به، ويودون أن لو بذلوا مالًا عظيمًا ليحصل ذلك"؛ [انتهى].

4- عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يُصلُّون في نعالهم ولا خِفافهم))[16].

5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اليهود والنصارى لا يصبُغون؛ فخالفوهم))[17].

6- وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صُمْنا اليوم التاسع، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى تُوفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم))[18].

فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى بصيام يوم آخر مع يوم عاشوراء.

ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنها: "صوموا التاسع والعاشر؛ خالفوا اليهود"[19].

فهذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة على النهي عن التشبه بالمشركين، والأمر بمخالفتهم، وهذا يدل على أن ذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية، فعلى المسلمين أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها.

"فإن من مقاصد شريعة الإسلام: (المفاصلة العقائدية والتمايز الديني)؛ فلا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار من النصارى واليهود أو غيرهم في أعيادهم؛ لأن هذا مما يؤثر على عقيدتك تجاههم، ويجعلك تتقرب إليهم وتتودد وتطلب محبتهم، وقد تفعل مثل أفعالهم، وتُهديهم الهدايا، وتقيم معهم بأماكنهم التي لا تخلو من إظهار شعائر الكفر بالله، وقول الزور على الله تعالى"[20].

رابعًا: استدلال البعض بالبر والإقساط المأمور به مع غير المسلمين المسالمين على جواز الاحتفال بعيدهم هو من التلبيس أيضًا، فإن هذا البر والمسامحة مجالها المعاملة وليس العقيدة وأمور الدين، والأعياد من شعائر الدين، والمجاملة على حساب الدين هي من التنازل والمداهنة المنهي عنها؛ قال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ [القلم: 9].

وقد أجازت الشريعة الإسلامية من صور المعاملات بين المسلم والكافر ما يحقق التعايش السلمي في المجتمع، دون المداهنة في الدين أو التنازل عن ثوابت الشرع؛ مثل: البيع والشراء، وقبول الهدية، وصلة القريب الكافر، وعيادة المريض، والزواج بالكتابية المحصنة، والانتفاع بما عندهم من العلوم والخبرات، ويجوز تهنئتهم بمناسباتهم الخاصة؛ مثل: الزواج أو النجاح أو غير ذلك من الأمور الدنيوية، وتعزيتهم دون الترحم على موتاهم، أما تهنئتهم بالأعياد الدينية فلا يجوز؛ لأن الأعياد من شعائر الدين، وأعياد الكفار مرتبطة بشركهم واعتقاداتهم الكفرية.

قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

خامسًا: الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة وإجماع الأئمة على حرمة الاحتفال أو التهنئة بأعياد المشركين:
الأدلة من القرآن الكريم:
1- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72].

قال ابن عباس والضحاك، ومجاهد وأبو العالية، وطاوس ومحمد بن سيرين، والربيع بن أنس، وغيرهم: هي أعياد المشركين[21].

قال ابن سيرين: الزور هو الشعانين، والشعانين: عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح، ويحتفلون فيه بحمل السعف، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس[22].

2- قال تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]؛ قال سلطان العلماء العز بن عبدالسلام: "﴿ الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ﴾ [الحج: 30]: أي عبادتها، و﴿ قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]: الشرك، أو الكذب، أو شهادة الزور، أو أعياد المشركين"[23].

3- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].

قال الإمام الذهبي: "قال العلماء: ومن موالاتهم: التشبه بهم، وإظهار أعيادهم، وهم مأمورون بإخفائها في بلاد المسلمين، فإذا فعلها المسلم معهم، فقد أعانهم على إظهارها، وهذا منكر وبدعة في دين الإسلام، ولا يفعل ذلك إلا كل قليل الدين والإيمان"[24].

الأدلة من السنة:
1- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر))[25].

فلقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَ المدينة أن يحتفلوا بأعياد المشركين التي كانوا يفعلونها سابقًا، وبيَّن أنه لا يجوز ذلك، وأن الله تعالى أبدلهما بهما عيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى، فكيف نستبدل بأعيادنا أعياد الكفار؟ أنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!

2- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم))[26].

قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت، حُشر معهم يوم القيامة"[27]، ومعنى بنى: سكن.

3- عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: ((نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلًا بِبُوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نذرت أن أنحر إبلًا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم))[28]، وفيه الحرص على اجتناب أعياد الكفار من حيث المكان والزمان، وأن هذا الموضع المنذور لو كان فيه عيد من أعياد الجاهلية، لمنع منه النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا من إحياء أعياد الجاهلية، وتعظيم البقاع التي كانوا يُعظِّمونها.

4- حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزاميرُ الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا))[29].

قال الإمام الذهبي رحمه الله: "فهذا القول منه عليه الصلاة والسلام يُوجِب اختصاص كل قوم بعيدهم؛ كما قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، كانوا مختصين به، فلا يشركهم فيه مسلم، كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا في قِبلتهم"[30].

وأما آثار الصحابة وإجماع الأئمة:
1- فقد سبق ذكر أقوال الصحابة في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]، وأنهم فسَّروه بأعياد المشركين.

2- روى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم"[31].

وقال عمر أيضًا: "اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم"، فالنهي هنا عن لقائهم والاجتماع بهم والدخول عليهم، فكيف بمن عمل أعمالهم واحتفل معهم؟

3- ومن ذلك اشتراط عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النصارى ألَّا يُظهِروا أعيادهم في دار الإسلام، فكتب في كتابه المشهور حين صالح نصارى من أهل الشام وشرط عليهم: "وألَّا نخرج شعانينًا"[32].

4- قال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبَّه بهم حتى يموت، حُشِرَ معهم يوم القيامة"[33].

نقول من كلام أهل العلم الثقات من علماء المذاهب الأربعة في تحريم الاحتفال بأعياد الكفار وتهنئتهم بها:
1- نص الإمام أحمد على أنه لا يجوز شهود أعياد اليهود والنصارى؛ واحتج بقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72][34].

2- قال الإمام الشافعي في شروط مصالحة أهل الذمة وكتابتها: "على أن ليس لكم أن تُظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليبَ، ولا تُعلنوا بالشرك، ولا تبنُوا كنيسة، ولا موضع مجتمع لصلاتكم، ولا تضربوا بناقوس، ولا تُظهروا قولكم بالشرك في عيسى ابن مريم، ولا في غيره لأحد من المسلمين"[35].

3- قال ابن حبيب المالكي: "وكره ابن القاسم للمسلم أن يُهديَ للنصراني شيئًا في عيده مكافأة له، ورآه من تعظيم عيدهم وعونًا لهم على كفرهم، ولا يحل للمسلمين أن يبيعوا عن النصارى شيئًا في مصلحة عيدهم، لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا، ولا يُعارُون دابة، ولا يُعاوَنون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، ولا أعلم خلافًا فيه"[36].

وقد سُئل ابن القاسم أحد علماء المالكية عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم، فكرِهَ ذلك مخافة نزول السخط عليهم؛ لكفرهم الذي اجتمعوا له.

4- وقال أبو بكر الكاساني الحنفي: "لا يُمكَّنون من إظهار صليبهم في عيدهم؛ لأنه إظهار شعائر الكفر، فلا يُمكَّنون من ذلك في أمصار المسلمين، ولو فعلوا ذلك في كنائسهم، لا يُتعرَّض لهم، وكذا لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم القديمة لم يُتعرَّض لذلك؛ لأن إظهار الشعائر لم يتحقق، فإن ضربوا به خارجًا منها، لم يُمكَّنوا منه لِما فيه من إظهار الشعائر"[37].

قال شيخ الاسلام ابن تيمية في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): "فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شُعَبِ الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه"[38]، وقال أيضًا: "مشابهتهم في بعض أعيادهم تُوجِب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء، وقال رحمه الله: من أهدى (للمسلمين) هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد، لم تُقبل هديته، خصوصًا إن كانت الهدية مما يُستعان بها على التشبُّه بهم، في مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد، أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم، وكذلك أيضًا لا يُهدى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد، لا سيما إذا كان مما يُستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه"[39].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "أما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالإجماع؛ مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلِم قائله من الكفر، فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئهم بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفَرْجِ الحرام، ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو ببدعة أو كفر، فقد تعرَّض لمقتِ الله وسخطه"[40].

وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي: "من أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم، والهدية لهم وقبول هديتهم فيه"[41].

قال الإمام الذهبي: "فإن قال قائل: إنا لا نقصد التشبه بهم، فيُقال له: نفس الموافقة والمشاركة لهم في أعيادهم ومواسمهم حرام؛ بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ((نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار))، والمصلي لا يقصد ذلك، إذ لو قصده كفر، لكن نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام"[42].

مما سبق من نُقُول الصحابة وأهل العلم يتضح أن القول بتهنئة النصارى بأعيادهم قول يخالف إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولن يستطيع أحد منهم أن يأتي بقول لصحابي أو تابعي إلى عصور متأخرة بجواز تهنئة النصارى أو الكفار بأعيادهم.
وللعلم فالكنيسة الأرثوذكسية لا تهنئ الكنيسة الكاثوليكية بأعياد الميلاد، فكل طائفة تكفِّر الأخرى، وتعتبرها ليست على دين المسيح، فلا يُلام المسلم على ذلك.

فتبين بهذا أن الاحتفال بأعياد الكفار، أو التهنئة بها محرَّم بالكتاب والسنة والإجماع؛ لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر ورضًا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره؛ لأن الله لا يرضى بذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ [الزمر: 7].

وكذلك يحرُم على المسلم التشبُّه بالكفار أو مشاركتهم في أعيادهم بتبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى وأطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال، سواء فعل ذلك مجاملة أو توددًا أو حياءً منهم، أو غير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله عز وجل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء، مما يختص بأعيادهم، لا من طعام، ولا لباس ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة، وغير ذلك، ولا يحل فعل وليمة، ولا الإهداء، ولا البيع بما يُستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد، ولا إظهار زينة"[43].

وعلى المسلم أن يتمسك بالإسلام، ولا يغترَّ بالناس في أفعالهم، بل الواجب أن ينظر إلى الشرع وما جاء به، ويمتثل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يبالي بالناس؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116].

خلاصة ما سبق:
1- الأعياد من أهم شعائر الدين.
2- يحرم على المسلمين المشاركةُ في الاحتفال بأعياد الكفار الدينية اتفاقًا؛ لأن فيه إقرارًا بشعائر دينهم الباطل.
3- يحرم تهنئة الكفار بعيدهم الديني؛ لأنه تهنئة لهم على كفرهم وشركهم بالله جل وعلا.
4- لا يجوز إعانتهم على إقامة أعيادهم ببيع أو إجارة أو إعارة أو غير ذلك.
5- يحرم تخصيص أعيادهم بوليمة أو حفلة أو نزهة، أو أي مظهر من مظاهر الاحتفال.
6- لا يجوز تعطيل الأعمال في ذلك اليوم، ولا الدراسة ولا العمل الرسمي العام ولا الخاص.
7- وأن يكون هذا اليوم وليلته كسائر الأيام والليالي، لا نُظهر فيه أي مظهر من مظاهر الاحتفال.
8- على تجار المسلمين أن يتقوا الله ولا يبيعوا شيئًا مما يُعين على إظهار هذه الشعائر الكُفْرِيَّة.
9- الإسلام هو الدين الحق؛ وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
10- شرع الله لأهل الإسلام عيدين اثنين؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، فلا يجوز في الإسلام مشاركة الكفار في أعيادهم، أو الاحتفال بها، أو تبادل الهدايا معهم.

على كل مسلم أن يتبع شرع الله تعالى، وأن يتمسك بالإسلام؛ فهو سبيل العزة والرفعة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 139].

وأما اتباع الكفار وتقليدهم والتشبه بهم، فهو سبيل الذل والهوان؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وجُعل الذُّلُّ والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم))[44].

اللهم أعزنا بالإسلام، واحفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء الحاسدين، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر يا رب العالمين.

[1] رواه البخاري في صحيحه (3443)، ومسلم (2365).

[2] صحيح البخاري (3535).

[3] موقع الدرر السنية، الموسوعة الحديثية، رابط المادة https://dorar.net/hadith/sharh/150337).

[4]أخرجه البخاري (335) واللفظ له، ومسلم (521).

[5]أخرجه مسلم (153).

[6] مجموع الفتاوى 370 /27.

[7] أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 214)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

[8] رواه مسلم (1218).

[9] صحيح البخاري (1044)، ومسلم (901).

[10] إنجيل لوقا 30:138 الكِتاب المُقَدَّس.

[11] أخرجه أبو داود (1134) واللفظ له، والنسائي (1556)، وأحمد (12006).

[12] رواه مسلم (259).

[13] صحيح الجامع (4168).

[14] صحيح أبي داود (4031).

[15] إعلام الموقعين (107/2).

[16] صحيح أبي داود (652).

[17] رواه البخاري (3462)، ومسلم (2103).

[18] رواه مسلم (1134).

[19] أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في "حجاب المرأة المسلمة" (ص177).

[20] حوار هادئ مع أطروحات فكرية حول مشاركة النصارى وتهنئتهم بأعيادهم، خباب بن مروان الحمد، شبكة الألوكة.

[21] تفسير ابن كثير (130/6).

[22] اقتضاء الصراط المستقيم: (1/537) والمعجم الوسيط: (1/ 488).

[23] تفسير العز بن عبدالسلام (2/353).

[24] تشبيه الخسيس بأهل الخميس (ص: 34).

[25] أخرجه أبو داود (1134) واللفظ له، والنسائي (1556)، وأحمد (12006).

[26] صحيح أبي داود (4031).

[27] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج9/ص392) وإسناده حسن.

[28] صحيح أبي داود (3313).

[29] أخرجه البخاري (952)، ومسلم (892).

[30] تشبه الخسيس (ص:27).

[31] أخرجه عبدالرزاق في المصنف (1609)، والبيهقي بإسناد صحيح في السنن الكبرى (18640)، وابن أبي شيبة (6/208)، وصحح إسناده ابن تيمية في "مسألة في ذم خميس النصارى"، وعزاه الشيخ الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/511) لأبي الشيخ الأصبهاني في شروط أهل الذمة، وساق إسناده منه؛ وقال: "بإسناد صحيح".

[32] رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الجزية، باب الإِمَامُ يَكْتُبُ كِتَابَ الصُّلْحِ عَلَى الْجِزْيَةِ (19186)، وقال ابن تيمية: إسناده جيد.

[33] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج9/ص392) وإسناده حسن.

[34]الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 486).

[35] الأم للشافعي (4/210).

[36] المدخل للعلامة ابن الحاج المالكي (2/4648).

[37] بدائع الصنائع للكاساني (7/ 114).

[38] اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (1/528).

[39] اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ابن تيمية (2/12).

[40] أحكام أهل الذمة (144/1).

[41] فتاوى ابن حجر الهيتمي (4/238).

[42] تشبيه الخسيس بأهل الخميس.

[43] مجموع الفتاوى (2/488).

[44] صحيح الجامع (2831).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.14 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]