|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#23
|
||||
|
||||
|
وقال القرطبي: "لا بد للسَّلَمِ من أجل، وأنه لا بد أن يكون معينًا معلومًا، فلا يصح حالًّا، ولا إلى أجل مجهول، قال ابن المنذر: دلَّ قول الله: ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [البقرة: 282] على أن السَّلَمَ إلى الأجل المجهول غير جائز، ودلَّت سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معنى كتاب الله تعالى؛ ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِم المدينة وهم يستلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أسلف في تمر، فلْيُسْلِفْ في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم))؛ [رواه ابن عباس، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما]"؛ [انتهى]، ﴿ فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282]؛ يعني: الدَّين والأجل، الأمر بكتابة جميع عقود المداينات؛ تجنُّبًا للمغالطات والمشاجرات، والنزاع والنكران التي تنتهي بظالم ومظلوم. 2- العدل في كتابة المداينة: ﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾ [البقرة: 282]، أمَرَ الكاتب أن يكتب، قال عطاء وغيره: واجب على الكاتب أن يكتب، وقاله الشعبي، وذلك إذا لم يوجد كاتب سواه، فواجب عليه أن يكتب بالعدل؛ أي: بالحق والمعدلة؛ أي: لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ولا أقل، وإنما قال: ﴿ بَيْنَكُمْ ﴾ ولم يقل: أحدكم؛ لأنه لما كان الذي له الدَّين يَتَّهِم في الكتابة الذي عليه الدَّين، وكذلك بالعكس، شرع الله سبحانه كاتبًا غيرهما يكتب بالعدل، لا يكون في قلبه ولا قلمه موادَّة لأحدهما على الآخر، وقيل: إن الناس لما كانوا يتعاملون، حتى لا يشذ أحدهم عن المعاملة، وكان منهم من يكتب ومن لا يكتب، أمر الله سبحانه أن يكتب بينهم كاتب بالعدل، الباء في قوله تعالى: ﴿ بِالْعَدْلِ ﴾ متعلقة بقوله: ﴿ وَلْيَكْتُبْ ﴾ وليست متعلقة بـ﴿ كَاتِبٌ ﴾؛ لأنه كان يلزم ألَّا يكتب وثيقة إلا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصبي والعبد والمتحوط إذا أقاموا فقهها، أما المنتصبون لكتبها، فلا يجوز للولاة أن يتركوهم إلا عدولًا مرضيين؛ قال مالك رحمه الله تعالى: لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها، عدل في نفسه مأمون؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾ [البقرة: 282]؛ [القرطبي]. وقال السعدي: "إنه يجب عليه العدلُ بينهما، فلا يميل لأحدهما لقرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن يكون الكاتب عارفًا بكتابة الوثائق، وما يلزم فيها كل واحد منهما، وما يحصل به التوثق؛ لأنه لا سبيل إلى العدل إلا بذلك، قال العلماء: إنه إذا وُجِدت وثيقة بخط المعروف بالعدالة المذكورة، يُعمَل بها، ولو كان هو والشهود قد ماتوا". 3- على الكاتب أن يكتب إذا دُعِيَ لكتابة المداينة: ﴿ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]، فلا يمتنع مَنْ مَنَّ الله عليه بتعليمه الكتابة، أن يكتب بين المتداينين، فكما أحسن الله إليه بتعليمه، فليُحسن إلى عباد الله المحتاجين إلى كتابته، ولا يمتنع من الكتابة لهم، أمَرَ الكاتب ألَّا يكتب إلا ما أملاه مَن عليه الحق. 4- على الكاتب أن يكون أمينًا تقيًّا في كتابته: ﴿ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [البقرة: 282]، فأمَرَ الله تعالى الذي عليه الحق بالإملاء؛ لأن الشهادة إنما تكون بسبب إقراره، وأمره تعالى بالتقوى فيما يُمِلُّ، ونهى عن أن يبخس شيئًا من الحق، والبخس النقص؛ ومن هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ [البقرة: 228]، أمَرَهُ أن يُبيِّن جميع الحق الذي عليه ولا يبخس منه شيئًا، ويكون مرجعه في ذلك تقوى الله ومخافته. وإقرار الإنسان على نفسه مقبول؛ لأن اللهَ أمَرَ مَن عليه الحق أن يُمِلَّ على الكاتب، فإذا كتب إقراره بذلك، ثبت موجبه ومضمونه، وهو ما أقر به على نفسه، ولو ادَّعى بعد ذلك غلطًا أو سهوًا؛ قاله السعدي. 5- إنابة الولي في الإملاء والإقرار: ﴿ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ﴾ [البقرة: 282] فمن لا يقدر على إملاء الحق؛ لصِغَرِهِ، أو سفَهِهِ، أو خَرَسِهِ، أو نحو ذلك، فإنه ينوب وليُّه منابَه في الإملاء والإقرار؛ ويقول السعدي: "أنه يلزم الولي من العدل ما يلزم مَن عليه الحق من العدل، وعدم البخس؛ لقوله: ﴿ بِالْعَدْلِ ﴾، وأنه يشترط عدالة الولي؛ لأن الإملاء بالعدل المذكور لا يكون من فاسق، العشرون: ثبوت الولاية في الأموال، وأن إقرار الصغير والسفيه، والمجنون والمعتوه، ونحوهم وتصرفهم غير صحيح؛ لأن الله جَعَلَ الإملاء لوليِّهم، ولم يجعل لهم منه شيئًا لطفًا بهم ورحمة؛ خوفًا من تلاف أموالهم، وتصرف السفيه المحجور عليه دون إذن وليِّه فاسدٌ إجماعًا، مفسوخ أبدًا، لا يُوجِب حكمًا ولا يؤثر شيئًا، ويشترط عدالة الولي؛ لأن الإملاء بالعدل المذكور لا يكون من فاسق"؛ [انتهى، السعدي]. 6- الشهادة على المكاتبة: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [البقرة: 282]؛ قال القرطبي: "﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [البقرة: 282] الاستشهاد: طلب الشهادة، واختلف الناس هل هي فرض أو ندب؟ والصحيح أنه ندب"؛ [انتهى]. 7- ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282]؛ يقول السعدي: "فنِصاب الشهادة في الأموال ونحوها رجلان، أو رجل وامرأتان، ودلَّت السُّنَّةُ أيضًا أنه يُقبَل الشاهد مع يمين المدَّعِي، ويستدل أيضًا أن شهادة الصبيان غير مقبولة لمفهوم لفظ الرجل، وأن شهادة النساء منفردات في الأموال ونحوها لا تُقبَل؛ لأن الله لم يقبلهن إلا مع الرجل، والله أعلم، أن شهادة العبد البالغ مقبولة كشهادة الحر؛ لعموم قوله: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [البقرة: 282]، والعبد البالغ من رجالنا، وأن شهادة الكفار - ذكورًا كانوا أو نساء - غير مقبولة؛ لأنهم ليسوا منا، ولأن مبنى الشهادة على العدالة، وهو غير عدل"؛ [انتهى]. 8- ﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ [البقرة: 282]؛ يقول القرطبي: "﴿ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ [البقرة: 282]، وقال تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [الطلاق: 2] فـ﴿ مِنْكُمْ ﴾ خطاب للمسلمين، وهذا يقتضي قطعًا أن يكون معنى العدالة زائدًا على الإسلام ضرورة؛ لأن الصفة زائدة على الموصوف، وكذلك ممن ترضون مثله، ثم لا يُعلَم كونه مرضيًّا حتى يُختبَر حاله، فيلزمه ألَّا يكتفي بظاهر الإسلام" [انتهى]. 9- ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾ [البقرة: 282] يجب على الشاهد إذا دُعِيَ للشهادة، وهو غير معذور أن يستجيب، لا يجوز له أن يأبى؛ لقوله: ﴿ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ﴾ [البقرة: 282]، ومن لم يتصف بصفة الشهداء المقبولة شهادتهم، لم يجب عليه الإجابة لعدم الفائدة بها، ولأنه ليس من الشهداء؛ هذا قول السعدي في تفسيره، أما القرطبي فيقول: "قال ابن عطية: والآية كما قال الحسن جمعت أمرين على جهة الندب، فالمسلمون مندوبون إلى معونة إخوانهم، فإذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق، فالمدعوُّ مندوب، وله أن يتخلَّف لأدنى عذر، وإن تخلَّف لغير عذر، فلا إثم عليه ولا ثواب له، وإذا كانت الضرورة وخِيف تعطُّل الحق أدنى خوفٍ، قوِيَ الندب، وقرُب من الوجوب، وإذا عُلِمَ أن الحق يذهب ويتلف بتأخُّر الشاهد عن الشهادة، فواجبٌ عليه القيام بها، لا سيما إن كانت محصلة، وكان الدعاء إلى أدائها، فإن هذا الظرف آكد؛ لأنها قلادة في العنق، وأمانة تقتضي الأداء"؛ [انتهى]. 10- وفي قوله: ﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ﴾ [البقرة: 282]، النهي عن السآمة والضَّجَر من كتابة الديون كلها، من صغير وكبير، وصفة الأجل، وجميع ما احتوى عليه العقد من الشروط والقيود. 11- والحكمة في مشروعية الكتابة والإشهاد في العقود، يُبيِّنها سبحانه وتعالى في قوله: ﴿ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾ [البقرة: 282]؛ يقول ابن كثير: "هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجَّلًا هو ﴿ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 282]؛ أي: أعدل، ﴿ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ ﴾ [البقرة: 282]؛ أي: أثبت للشاهد إذا وضع خطَّه، ثم رآه، تذكر به الشهادة؛ لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه، كما هو الواقع غالبًا، ﴿ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ﴾ [البقرة: 282]: وأقرب إلى عدم الرِّيبة، بل ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه، فيفصل بينكم بلا ريبة"؛ [انتهى]، وقال السعدي: "يُؤخَذ من ذلك أن من اشتبه وشكَّ في شهادته، لم يَجُزْ له الإقدام عليها، بل لا بد من اليقين"؛ [انتهى]. 12- ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ﴾ [البقرة: 282]؛ أي: إذا كان البيع بالحاضر يدًا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة؛ لانتفاء المحذور في تركها. 13- ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 282]؛ عن سعيد بن جبير في قول الله: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 282]؛ يعني: أشهدوا على حقِّكم، إذا كان فيه أجل أو لم يكن، فأشهدوا على حقِّكم على كل حال، قال: ورُوِيَ عن جابر بن زيد، ومجاهد، وعطاء، والضحاك نحوُ ذلك، وقال الشعبي والحسن: هذا الأمر منسوخ بقوله: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾ [البقرة: 283]، وهذا الأمر محمولٌ عند الجمهور على الإرشاد والندب، لا على الوجوب"؛ [ابن كثير]، والله أعلم. 14- ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ [البقرة: 282]، قيل: معناه: لا يُضارَّ الكاتب ولا الشاهد، فيكتب هذا خلافَ ما يُملى، ويشهد هذا بخلاف ما سمع، أو يكتمها بالكلية، وهو قول الحسن وقتادة وغيرهما، وقيل: معناه: لا يُضَر بهما، كما قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في هذه الآية: ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ [البقرة: 282] يأتي الرجل فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة، فيقولان: إنا على حاجة، فيقول: إنكما قد أُمِرْتُما أن تُجيبا، فليس له أن يضارهما، ﴿ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾ [البقرة: 282]؛ أي: إن خالفتم ما أُمِرْتُم به، وفعلتم ما نُهِيتم عنه، فإنه فسقٌ كائن بكم؛ أي: لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه؛ [ابن كثير]، وفيه أن الأوصاف كالفسق والإيمان والنفاق، والعداوة والولاية، ونحو ذلك، تتجزأ في الإنسان، فتكون فيه مادة فسق وغيرها، وكذلك مادة إيمان وكفر؛ لقوله: ﴿ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾ [البقرة: 282]، ولم يقل: فأنتم فاسقون أو فُسَّاق؛ قاله السعدي في تفسيره. 15- ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 282]، فاعملوا بما أمركم به، ولا تخالفوا شرعه وقوانينه. 16- ﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، فالله عز وجل أنزل لنا القرآن ليزكِّينا، ويُعلِّمنا ما ينفعنا من أمور ديننا ودنيانا، وهو العليم بكل شيء، كل ما ينفع مَن خَلَقَ وكل ما يضرهم. أحكام الرهان: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 283]. • فإن كنتم مسافرين، وتداينتم إلى أجل مسمًّى، ولم تجدوا كاتبًا يكتب لكم؛ قال ابن عباس: أو وجدوه، ولم يجد قرطاسًا أو دواةً أو قلمًا، ﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: 283]؛ أي: فليكن بدل الكتابة رهانٌ مقبوضة في يد صاحب الحق. • وقد استدل بقوله: ﴿ فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: 283] على أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، كما هو مذهب الشافعي والجمهور. • وقد ثبت في الصحيحين، عن أنس ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفِّيَ ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وَسْقًا من شعير؛ رهنها قوتًا لأهله، وفي رواية: من يهود المدينة، وفي رواية الشافعي: عند أبي الشحم اليهودي))، قال الشعبي: إذا ائتمن بعضكم بعضًا، فلا بأس ألَّا تكتبوا أو لا تُشهِدوا. • ﴿ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ [البقرة: 283]؛ يعنى: المؤتَمَن. • ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ﴾ [البقرة: 283]؛ أي: لا تُخفوها وتغلوها ولا تُظهروها. • ﴿ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283]؛ قال ابن عباس وغيره: شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك. • ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 283]؛ [ابن كثير]. خاتمة السورة: وفيها تقعيد لأركان الإيمان، مشفوعة بعهد المؤمنين لله ورسوله بالسمع والطاعة، وسؤال المغفرة على كل تقصير، يُردفها الرحمن الرحيم بآية التخفيف عن عباده رحمةً بهم، ودعاء المؤمنين ربهم بالنصرة على معسكر الكفر: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 284 - 286]. ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]. أورد ابن كثير في تفسيره لهذه الآية حديث قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبدالله بن عمر، وهو يطوف، إذ عرض له رجلٌ، فقال: يا بنَ عمر، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يدنو المؤمن من ربه عز وجل، حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: ربِّ أعرف – مرتين - حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، قال: فيُعطى صحيفة حسناته - أو كتابه - بيمينه، وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رؤوس الأشهاد: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]))؛ [هذا الحديث مخرَّج في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة]. وروى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لما نزلت: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 284] إلى آخر الآية، قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم برَكوا على الرُّكَب، فقالوا: أي رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نُطيق؛ الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نُطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَينِ من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا، وإليك المصير، قالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا، وإليك المصير، فلما اقترأها القومُ ذلَّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، فلما فعلوا ذلك، نسخها الله تعالى؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، قال: نعم، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ [البقرة: 286]، قال: نعم، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نعم، ﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286] قال: نعم)). وختام سورة البقرة لها فضلٌ عظيم: • روى مسلم في صحيحه، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((بينما جبريلٌ قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمِع نقيضًا من فوقه فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فُتِحَ اليوم، لم يُفتح قط إلا اليوم، فنزل منه مَلَكٌ، فقال: هذا مَلَكٌ نزل إلى الأرض، لم ينزل قطُّ إلا اليوم، فسلَّم، وقال: أبْشِرْ بنورَينِ أُوتيتَهما لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك؛ فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيتَه)). • وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، كَفَتَاه))؛ [متفق عليه]. تمَّت حلقات وقفات ودروس من سورة البقرة، ولله الحمد والمنة. نسأل الله القبول، والعفو والمغفرة على كل خطأ أو زَلَلٍ. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم. وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |