المعاني الإيمانية لأسماء الله: الصبور - الحليم - الشكور - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حكم الإشتراك فى صفح على النت فيها أخطاء شرعية ،التعليق على صفحة فيها منكرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حكم زيارة القبور للنساء والفتيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          لا يجوز للمسلم أن يحمل أو يلبس ما فيه شعار الكفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          النوم بعد صلاة الصبح لا يحرم وتركه أفضل ولكن ما أضرار النوم وقت الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التحذير من مصاحبة أهل السوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مفاسد مجالسة أهل المنكر والكفر، وهل يجب نصح الكافر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          قيام الليل دأب الصالحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          موالد مصر: بين الجهل والاستغلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 12 )           »          الاستغلال السياسي لبدعة المولد النبوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أهمية الكتابة لطالب العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-02-2024, 03:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المعاني الإيمانية لأسماء الله: الصبور - الحليم - الشكور



وفي حديثٍ آخرَ: «إِنَّ الناسَ لم يُعطَوْا في هذه الدُّنيا شيئًا أفضلَ مِن العفوِ والعافيةِ، فسلوها اللهَ عز وجل».

وقال لعَمِّه العباس: «يا عمِّ أكثِرْ من الدُّعاءِ بالعافيةِ».

وفي الترمذي: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، علِّمني شيئًا أسألْهُ اللهَ؟ قال: «سلِ اللهَ العافيةَ» فمكثتُ أيامًا، ثم جئتُ فقلتُ: علِّمْنِي شيئًا أسألْهُ اللهَ؟ فقال لي: «يا عبَّاسُ، يا عمَّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سلِ اللهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ»[40].

وكان عبدُ الأعلى التيميُّ يقولُ: «أكثِروا مِن سؤالِ اللهِ العافيةَ؛ فإنَّ المُبْتَلَى وإنِ اشتدَّ بلاؤه ليس بأحقَّ بالدُّعاء مِن المُعافَى الذي لا يَأمَنُ البلاءَ، وما المُبْتَلَوْنَ اليومَ إلا مِنْ أهلِ العافيةِ بالأمسِ، وما المُبْتَلَوْن بَعْدَ اليومِ إلا مِنْ أهلِ العافيةِ اليومَ.

ولو كان البلاءُ يجرُّ إلى خيرٍ ما كُنَّا مِن رجالِ البلاءِ، إِنَّه رُبَّ بلاءٍ قد أَجهَد في الدُّنيا وأَخزَى في الآخرةِ، فما يُؤمَنُ مَنْ أطالَ المقامَ على معصيةِ اللهِ أَنْ يكُونَ قد بَقيَ له في بقيَّةِ عُمُرِهِ مِن البلاءِ ما يجهدُه في الدُّنيا ويفضحُه في الآخرةِ، ثم يقولُ بعد ذلك: الحمدُ للهِ الذي إِنْ نعُدَّ نِعَمَهُ لا نُحْصِها، وإِنْ ندأبْ له عملًا لا نَجزِها، وإِنْ نُعمَّرْ فيها لا نُبْلِها».

وفي صحيح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم عاد رجلًا قد هَفتَ – أي: هُزِلَ - فصار مثلَ الفرْخِ، فقال صلى الله عليه وسلم: «هل كنتَ تدعو الله بشيءٍ أو تسألُه إيَّاه؟» قال: نَعَمْ، كنتُ أقولُ: اللهُمَّ ما كنتَ معاقبني به في الآخرةِ فعجِّلْه لي في الدنيا، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَهُ، لَا تُطِيقُهُ وَلَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»[41]، فدعا اللهَ له فشفاهُ.

وقال شيبانُ: كان الحسَنُ إذا جلسَ مَجْلِسًا يقولُ: «لك الحمدُ بالإسلامِ، ولك الحمدُ بالقرآنِ، ولك الحمدُ بالأهلِ والمالِ، بَسَطْتَ رزقَنَا، وأظهرْتَ أمننَا، وأحسنْتَ مُعافاتَنا، ومِن كلِّ ما سألناك أعطيتَنا، فلك الحمدُ كثيرًا كما تُنعِمُ كثيرًا، أعطيتَ خيرًا كثيرًا، وصَرَفْتَ شرًّا كثيرًا، فلِوجهِك الجليلِ الباقي الدائمِ الحمدُ».

وكان بعضُ السَّلفِ يقولُ: «اللهُمَّ ما أصبحَ بنا مِن نعمةٍ، أو عافيةٍ، أو كرامةٍ في دِينٍ، أو دُنيا جَرتْ علينا فيما مضى وهي جاريةٌ علينا فيما بَقِيَ، فإنها مِنْك وحدَك لا شريكَ لك، فلك الحمدُ بذلك علينا، ولك المَنُّ ولك الفضلُ، ولك الحمدُ عددَ ما أنعمتَ به علينا وعلى جميعِ خلقِكَ لا إلَه إلَّا أنتَ».

وقال مُجاهِدٌ: إذا كان ابنُ عُمَرَ في سَفرٍ، فطلعَ الفجرُ رفعَ صوتَه ونادى: «سَمعَ سامِعٌ بحمدِ اللهِ ونعمِهِ وحُسْنِ بلائه علينا» ثلاثًا، «اللهمَّ صاحِبْنا فأفضِلْ علينا، عائذٌ باللهِ مِن النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله» ثلاثًا.

وقال الحسنُ: «خَلَقَ اللهُ آدمَ حين خلقَهُ، فأخرجَ أهلَ الجَنَّةِ مِن صفحتِه اليُمنى، وأَخْرَجَ أهلَ النارِ مِن صفحتِه اليُسرى، فدَبُّوا على وجْهِ الأرضِ منهمُ الأعمى والأصمُّ المُبتلى، فقال آدم: يا رَبِّ ألَا سَوَّيتَ بين ولدي؟ قال: يا آدمُ إني أريدُ أن أُشْكَرَ».

وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قال حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، إِلَّا أدَّى شُكْرَ ذَلِكَ اليَوْمِ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ».

ويُذكَرُ عنه صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه أَوصَى رجلًا بثلاثٍ، فقال: «أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ المَوْتِ؛ يَشْغَلْكَ عَمَّا سِوَاهُ، عَلَيْكَ بِالدَّعَاءِ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى يُسْتَجَابُ لَكَ، وَعَلَيْكَ بِالشُّكْرِ؛ فَإِنَّ الشُّكْرَ زِيَادَةٌ».

ويُذكر عنه صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه كان إذا أكلَ قال: «الحمدُ للهِ الذي أطعمَني وسَقاني وهداني، وكلَّ بلاءٍ حسَنٍ أبلاني، الحمدُ للهِ الرزَّاقِ ذي القوةِ المتينِ، اللهُمَّ لا تَنْزِعُ مِنَّا صالحًا أعطيتَنَا ولا صالحًا رزقتنا، واجعلنا لكَ مِن الشَّاكرين».

ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه إذا أكلَ قال: «الحمدُ للهِ الذي أطعمَ وسقَى وسوَّغَه وجعلَ له مَخْرَجًا»[42].

وكان عروةُ بنُ الزبيرِ إذا أُتِيَ بطعامٍ لم يزَل مُخمَّرًا حتى يقولَ هذه الكلماتِ: «الحمدُ للهِ الذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعَّمنا، اللهُ أكبرُ، اللهم ألْفَتْنا نعمتُك ونحنُ بكل شَرٍّ فأصبحنا وأمسينا بخيرٍ، نسألُ تمامَها وشكرَها، لا خيرَ إلَّا خيرُك، ولا إلهَ غيرُك، إِلهَ الصالحين وربَّ العالمين، الحمدُ للهِ، لا إله إلا اللهُ، ما شاءَ اللهُ، لا قوَّةَ إلا باللهِ، اللهم بارِك لنا فيما رزقْتَنا، وقِنا عذابَ النارِ».

وقال وهبُ بن مُنبّه: «رؤوس النِّعمِ ثلاثةٌ: فأوَّلها نعمةُ الإسلامِ التي لا تتمُّ نعمةٌ إلَّا بها، والثانيةُ العافيةُ التي لا تطيبُ الحياةُ إلَّا بها، والثالثةُ نِعمةُ الغِنى التي لا يتمُّ العيشُ إلا به».

ومَرَّ وهبٌ بمبتَلًى أعمى مجذومٍ مُقعدٍ عُريانٍ به وضَحٌ، وهو يقول: الحمدُ للهِ على نِعَمِه، فقال رجلٌ كان مع وهبٍ: أي شيء بَقِيَ عليك مِن النعمةِ تَحْمدُ اللهَ عليها؟ فقال له المبتلى: ارمِ ببصركِ إلى أهلِ المدينةِ، فانظرْ إلى كثرةِ أهلِها، أفلا أحمدُ اللهَ أنه ليس فيها أحدٌ يَعْرفُه غيري.

ويُذكَرُ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: «إِذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَحَمِدَهُ عِنْدَهَا فَقَدْ أَدَّى شُكْرَهَا».

وذكر عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ بختنصَر أَتى بدانيالَ، فأمرَ به فحُبِسَ في جُبٍّ، وأضرى[43] أسَدَين ثم خلَّى بينهما وبينه، ثم فتحَ عليه بعد خمسةِ أيامٍ فوجده قائمًا يُصلِّي والأسَدَانِ في ناحيةِ الجُبِّ لم يَعْرضا له.

فقال له: ما قلتَ حين دُفِعَ عنك؟
قال: قلتُ: «الحمدُ للهِ الذي لا يَنْسَى مَنْ ذكَرَه، والحمدُ للهِ الذي لا يُخيِّبُ مَنْ رجاه، والحمدُ للهِ الذي لا يَكِلُ مَنْ توكَّل عليه إلى غيرِه، والحمدُ للهِ الذي هو ثقتُنا حين تَنْقَطِعُ عنَّا الحِيَلُ، والحمدُ للهِ الذي هو رجاؤنا حين يسُوءُ ظنُّنا بأعمالِنا، والحمدُ للهِ الذي يَكْشِفُ عنَّا ضُرَّنا بَعْد كُرْبَتِنا، والحمدُ للهِ الذي يَجزي بالإحسانِ إحسانًا، والحمدُ للهِ الذي يَجزي بالصَّبرِ نجاةً».

وقال ابنُ سيرينَ: كان ابنُ عمرَ يُكْثِرُ النظرَ في المرآةِ، وتكونُ معه في الأسفارِ، فقلتُ له: ولم؟ قال: أَنظُر فما كان فيَّ وجهي من زينٌ وهو في وجهِ غيري شينٌ أحمدُ الله عليه.

وسئل أبو بكرِ بنِ أبي مريمَ: ما تمامُ النِّعمةِ؟ قال: «أَنْ تَضَعَ رِجْلًا على الصراط ورِجْلًا في الجَنَّةِ.

وقال بكرُ بنُ عبدِ اللهِ: يا ابنَ آدم، إنْ أردْتَ أن تعرفَ قَدْرَ ما أنعمَ اللهُ عليك فغمِّضْ عينيك.

وقال مقاتلٌ في قوله: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان: 20]، قال: «أما الظاهرَةُ فالإسلامُ، وأما الباطنة فسترُه عليكم المعاصيَ».

وقال ابنُ شَوذَبَ: قال عبدُ اللهِ – يعني: ابنَ مسعودٍ رضي الله عنه: «إِنَّ للهِ على أهلِ النَّارِ مِنَّةً لو شاء أَنْ يُعذِّبَهم بأشدَّ منِ النَّارِ لعذَّبَهم».

وقال أبو سليمان الداراني: «جُلَساءُ الرَّحمنِ يومَ القيامةِ مَنْ جَعَلَ فيه خصالًا: الكرمُ، والسَّخاءُ، والحِلمُ، والرأفةُ، والرَّحمةُ، والشُّكرُ، والبِرُّ، والصبرُ».

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «مَنْ رأى صاحِبَ بلاءٍ فقال: الحمدُ للهِ الذي عافاني ممَّا ابتلاكَ به، وفضَّلني عليك وعلى جميعِ خَلْقِه تفضيلًا، فقد أدَّى شُكْرَ تلك النِّعمةِ».

وقال عبدُ اللهِ بنُ وهبٍ: سمعتُ عبدَ الرحمنِ بنَ زيدٍ يقولُ: «الشكرُ يأخُذ بجِذْعِ الحمدِ وأصْلِه وفرْعِه، قال: يَنظرُ في نعمِ اللهِ: في بَدَنِه، وسَمْعِه، وبصرِه، ويديه، ورجليهِ، وغيرِ ذلك، ليس مِنْ هذا شيءٌ إلا فيه نعمةٌ مِن اللهِ، حقٌّ على العبدِ أن يَعملَ في النِّعمةِ التي في بَدَنِه للهِ في طاعتِه، ونعمةٍ أخرى في الرِّزقِ، وحقٌّ عليه أن يعملَ للهِ فيما أنعمَ عليه به مِنْ رِزقٍ بطاعته، فمَنْ عمِلَ بهذا كان قد أخَذ بجِذْعِ الشُّكرِ وأصْلِه وفرْعِه».

وقال كعبٌ: «ما أَنعَمَ اللهُ على عبدٍ مِن نعمةٍ في الدُّنيا، فشَكَرَها للهِ وتواضعَ بها للهِ، إلَّا أعطاهُ اللهُ نفْعَها في الدُّنيا، ورفعَ له بها في الأخرى، وما أَنعَمَ اللهُ على عبدٍ نعمةً في الدُّنيا فلم يشكُرْها للهِ ولم يتواضع بها، إلا عدمَه اللهُ نفْعَها في الدُّنيا، وفتحَ له طبقاتٍ مِن النارِ يُعَذِّبُه إِنْ شاءَ أو يتجاوزُ عنه».

وقال الحسنُ: «مَنْ لا يَرَى للهِ عليه نعمةً إلَّا في مَطْعمٍ أو مَشْربٍ أو لباسٍ، فقد قصر علمه وحضرَ عذابُه».

وقال الحسنُ يومًا لبكرٍ المُزَني: هاتِ يا أبا عبدِ اللهِ دعواتٍ لإخوانك، فحمِدَ اللهَ وأثنى عليه، وصلَّى على النبيِّ، ثُمَّ قال: واللهِ ما أدري أيُّ النِّعْمَتَين أفضلُ عليَّ وعليكم: أَنِعْمةُ المسلَكِ أم نعمةُ المَخْرجِ إذا أخرجَهُ منا؟ قال الحسَنُ: إنها لمِنْ نعمةِ الطعامِ.

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: «ما مِنْ عبدٍ يَشرَبُ الماءَ القَراحَ، فيَدْخلُ بغيرِ أذًى ويخرجُ بغيرِ أذًى، إلا وَجَبَ عليه الشُّكْرُ».

قال الحسَنُ: «يا لها من نعمةٍ تدخلُ كلَّ لذَّةٍ وتخرجُ مَسْرحًا، لقد كان مَلِكٌ مِن مُلوكِ هذه القريةِ يَرى الغلامَ مِنْ غِلمانِه يأتي الحَبَّ فيكتالُ منه ثُمَّ يُجرجِرُ قائمًا، فيقولُ: يا ليتَني مِثْلُكَ، ما يشربُ حتى يُقطعَ عنه العطشُ، فإذا شَرِبَ كان له في تلك الشَّربةِ موتاتٌ، يا لها مِنْ نِعْمَةٍ».

وكتبَ بعضُ العلماءِ إلى أَخٍ له: «أمَّا بَعْدُ؛ فقد أَصْبحَ بنا مِن نِعمِ اللهِ ما لا نُحْصيه مع كثرةِ ما نَعْصيهِ، فما نَدْري أيهما نشكُر: أجميلَ ما نَشَرَ، أم قبيحَ ما سَتَرَ».

وقِيلَ للحسنِ: ههنا رجلٌ لا يُجالسُ النَّاسَ، فجاءَ إليه فسألَهُ عن ذلِكَ فقال: إِنّي أُمسِي وأُصبِحُ بين ذنبٍ ونعمةٍ، فرأيتُ أَنْ أشغلَ نفسي عن النَّاسِ بالاستغفارِ من الذنبِ والشكرِ للهِ على نِعَمِه، فقال له الحسَنُ: أنت عندي يا عبدَ الله أفقهُ مِن الحسَنِ، فالزمْ ما أنتَ عليه.

وقال ابنُ المباركِ: سمعتُ عليَّ بنَ صالحٍ يقولُ في قولِه تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7]، قال: «أي: مِن طاعتِي».

والتَّحْقيقُ أنَّ الزيادة مِن النِّعمِ، وطاعتُه مِنْ أجلِّ نعمِه.

وذكر ابنُ أبي الدُّنيا أَنَّ محارِبَ بنَ دثارٍ كان يقومُ بالليلِ ويرفعُ صوتَهُ أحيانًا: «أنا الصغيرُ الذي ربَّيْتَهُ فلك الحمدُ، وأنا الضعيفُ الذي قوَّيته فلك الحمدُ، وأنا الفقيرُ الذي أغنيتَهُ فلك الحمدُ، وأنا الصُّعلوكُ الذي موَّلتَه فلك الحمدُ، وأنا العزَبُ الذي زوَّجتَهُ فلك الحمدُ، وأنا السَّاغِبُ الذي أشبَعْتَهُ فلك الحمدُ، وأنا العاري الذي كسَوْتَه فلك الحمدُ، وأنا المسافِرُ الذي صاحَبْتَهُ فلك الحمدُ، وأنا الغائِبُ الذي ردَدْتَه فلك الحمدُ، وأنا الراجِلُ الذي حملْتَهُ فلك الحمدُ، وأنا المريضُ الذي شفيتَهُ فلك الحمدُ، وأنا السائلُ الذي أعطيتَه فلك الحمدُ، وأنا الداعي الذي أجبْتَهُ فلك الحمدُ، ربَّنا ولك الحمدُ حمدًا كثيرًا».

وكان بعضُ الخُطَباءِ يقولُ في خُطبتِه: «اختَطَّ لك الأنِفَ فأقامَهُ وأتمَّه فأحسَن تمامَهُ، ثم أدار منك الحدَقَة فجعلها بجفونٍ مُطبقةٍ، وبأشفارٍ مُعلَّقةٍ، ونقلك مِن طبقةٍ إلى طبقةٍ، وحنَّنَ عليك قلبَ الوالدين برقَّةٍ ومِقَةٍ، فنعمُه عليك مورِقَةٌ، وأياديه بك مُحْدِقَةٌ».

وكان بعضُ العلماءِ يقولُ في قولِه تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [إبراهيم: 34]: «سُبحان مَنْ لم يجعلْ لحدِّ معرفةِ نعمِهِ إلا العِلمَ بالتقصيرِ عن معرفتِها، كما لم يجعلْ لحدِّ إدراكِه أكثرَ مِن العِلمِ أنَّه لا يُدرَكُ، فجعلَ معرِفَة نعمِه بالتقصيرِ عن معرفتِها شكرًا، كما شكرَ عِلمَ العالمينَ أنَّهم لا يُدرِكونه فجعلَه إيمانًا عِلمًا منه أَنَّ العبادَ لا يَتَجاوزون ذلك».

وقال ابنُ المباركِ: عن شبلٍ، عن أبي نُجيعٍ، عن مجاهدٍ في قولِه تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا [الإسراء: 3]، قال: «لم يأكلْ شيئًا إلا حَمِدَ اللهَ عليه، ولم يشرَبْ شَرابًا قطُّ إلا حَمِدَ اللهَ عليهِ، ولم يَبطشْ بشيءٍ قطُّ إلا حَمِدَ اللهَ عليه؛ فأثنى اللهُ عليه أَنَّه كان عبدًا شكورًا».

وقال محمد بنُ كعبٍ: «كان نوحٌ إذا أكلَ قال: الحمدُ للهِ، وإذا شَرِبَ قال: الحمدُ للهِ، وإذا لَبِسَ قال: الحمدُ للهِ، وإذا ركبَ قال: الحمدُ للهِ؛ فسمَّاه اللهُ عبدًا شكورًا».

وقال ابنُ أبي الدُّنيا: بلَغَني عن بعضِ الحُكماءِ قال: «لو لم يُعَذِّبِ اللهُ على معصيتِه لكان ينبغي ألا يُعْصى لشكرِ نعمتِه».

وللهِ تبارك وتعالى على عبدِه نوعانِ مِن الحُقوقِ لا ينفكُّ عنهما:
أحدُهما: أمْرُه ونهْيُه اللذانِ هما محْضُ حقِّه عليه.

والثاني: شكْرُ نعمِه التي أَنعَمَ بها عليه، فهو سُبْحَانَهُ يُطالِبه بشكْرِ نعمِه، وبالقيامِ بأمرِه، فمشهدُ الواجبِ عليه لا يزالُ يشهدُه تقصيرَه وتفريطَه، وأنه مُحتاجٌ إلى عفْوِ اللهِ ومغفرتِه، فإِنْ لم يدَّارِكْهُ بذلك هَلَك، وكُلَّما كان أفقَهَ في دِينِ اللهِ كان شهودُه للواجبِ عليه أتمَّ وشهودُه لتقصيرِه أعظمَ، وليس الدِّينُ بمجرَّدِ ترْكِ المحرَّماتِ الظاهرةِ، بل بالقيامِ مع ذلك بالأوامرِ المحبوبةِ للهِ، وأكثرُ الدَّيَّانين لا يَعبؤون منها إلا بما شاركَهُم فيه عمومُ النَّاسِ، وأما الجهادُ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ، والنصيحةُ للهِ ورسولِهِ وعبادِه، ونصرةُ اللهِ ورسولِهِ ودينِه وكتابِه، فهذه الواجباتُ لا تخطرُ ببالِهم، فضلًا عن أَنْ يريدوا فعْلَها، وفضلًا عن أَنْ يفعلوها، وأقلُّ الناسِ دينًا وأمقتُهم إلى اللهِ مَنْ تركَ هذه الواجباتِ، وإِنْ زهِدَ في الدُّنيا جميعِها، وقلَّ أَنْ ترى منهم مَنْ يُحمِّرُ وجهَه ويُمعِّرُه للهِ، ويغضبُ لحرماتِه، ويبذلُ عِرضَه في نُصرةِ دِينِه، وأصحابُ الكبائرِ أحسنُ حالًا عند اللهِ مِنْ هؤلاءِ.

وقد ذكرَ أبو عُمرَ وغيرُه: أَنَّ اللهَ تعالى أمَرَ ملكًا مِن الملائكةِ أَنْ يخسِفَ بقريةٍ، فقال: يا ربِّ إنَّ فيهم فلانًا العابدَ الزاهِدَ، قال: به فابدأْ، وأَسمِعني صوتَه، إِنَّه لم يتمعَّرْ وجهُه في يومٍ قَطُّ.

وأما شُهودُ النِّعمةِ، فإنه لا يَدعُ له رؤيةَ حسنةٍ مِن حسناتِه أصلًا، لو عمِلَ أعمالَ الثقلين، نِعَمُ اللهِ سُبْحَانَهُ أكثرُ مِن أعمالِه، وأدنى نعمةٍ مِن نعمِه تَسْتَنْفِدُ عملَهُ، فينبغي للعبدِ ألَّا يزال ينظرُ في حقِّ اللهِ عليه.

قال الإمامُ أحمدُ: حدَّثنا حجاجٌ، حدثنا جَرِيرُ بنُ حازمٍ، عن وَهْبٍ، قال: «بلَغَني أَنَّ نبيَّ اللهِ موسى؛ مرَّ برجُلٍ يدعو ويتضرَّعُ، فقال: يا ربِّ ارحمْه فإني قد رَحِمتُه، فأوحى اللهُ إليه: لو دعاني حتى تنقطعَ قُواه ما استُجيبَ له حتى ينظرَ في حقِّي عليه»، فمشاهدةُ العبدِ النعمةَ والواجبَ لا تدعُ له حسنةً يراها، ولا يزالُ مزريًا على نفسِه ذامًّا لها، وما أقربَهُ مِن الرَّحمةِ إذا أَعطى هذين المشهدين حقَّهما... واللهُ المستعانُ[44].

في الحُكمِ بين الفريقين، والفصلِ بين الطائفتين:
فيقولُ: كلُّ أمْرين طُلِبَتِ الموازنةُ بينهما، ومعرفةُ الراجحِ منهما على المرجوحِ فإِنَّ ذلك لا يُمكنُ إلا بعد معرفةِ كلٍّ منهما، وقد ذكرْنا حقيقةَ الصَّبرِ وأقسامَه وأنواعَه، ونذكرُ حقيقةَ الشُّكرِ وماهيتَهُ.

قال في الصِّحاحِ: الشُّكرُ الثناءُ على المُحسِنِ بما أَوْلَاكَهُ مِن المعروفِ، يُقال: شكرتُه وشكرتُ له، واللام أفصحُ، وقولُه تعالى: ﴿ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9]، ويحتملُ أَنْ يكونَ مصدرًا كالعُقودِ، وأنْ يكونَ جمعًا كالبُرودِ والكفُورِ، والشُّكرانُ خلافُ الكفرانِ، وتشكَّرْتُ له مثلُ شكرتُ له، والشَّكورُ مِن الدَّوابِّ ما يكفيه العلفُ القليلُ، واشتكَرَتِ السماءُ اشتدَّ وقْعُ مطرِها، واشتكَر الضَّرعُ امتلأ لبنًا، تقولُ منه: شكِرتِ النَّاقةُ بالكسرِ تشكرُ شكرًا فهي شِكرةٌ، وشكرتِ الشجرةُ تشكر شكرًا إذا خرج منها الشكِيرُ وهو ما ينبتُ حولَ الشجرةِ مِن أصلِها.

فتأمَّلْ هذا الاشتقاقَ، وطابِقْ بينه وبين الشُّكرِ المأمورِ به، وبين الشُّكرِ الذي هو جزاءُ الربِّ الشَّكورِ، كيف نجدُ في الجميعِ معنى الزيادةِ والنماءِ، ويُقالُ أيضًا: دابَّةٌ شكورٌ إذا أظهرَتْ مِن السِّمَنِ فوقَ ما تُعطَى مِن العَلَفِ.

وشُكرُ العبدِ يدورُ على ثلاثةِ أركانٍ، لا يكُونُ شَكورًا إلا بمجموعِها:
أحدُها: اعترافُه بنعمةِ اللهِ عليه.
والثاني: الثَّناءُ عليه بها.
والثالث: الاستعانةُ بها على مرضَاتِهِ.

وأما قولُ النَّاسِ في الشُّكرِ، فقالت طائفةٌ: هو الاعترافُ بنعمةِ المُنعِمِ على وجهِ الخُضوعِ، وقيل: الشكرُ هو الثناءُ على المُحسِنِ بذكْرِ إحسانِه إليه، فشكْرُ العبدِ ثناؤه عليه بذكْرِ إحسانِه إليه.

وقِيلَ: شُكْر النعمةِ مشاهدةُ المِنَّةِ وحفظُ الحُرْمَةِ والقيامُ بالخِدْمةِ.

وقِيلَ: شكْرُ النِّعمةِ أَنْ تَرى نفسَك فيها طفيليًّا، وقِيلَ: الشُّكرُ معرفةُ العَجْزِ عن الشُّكْرِ، ويُقال: الشُّكْرُ على الشكْرِ أتمُّ مِنَ الشُّكْرِ، وذلك أن ترى شكْرَك بتوفيقِه، وذلك التوفيقُ مِن أجلِّ النِّعمِ عليك، وتشكرُ على الشكْرِ، ثُمَّ تشكرُه على الشُّكْرِ، ألَّا ترى نفسَك للنعمةِ أهلًا، وقِيلَ: الشكرُ استفراغُ الطاقةِ في الطاعةِ.

وقِيلَ: الشاكِرُ الذي يشكرُ على الموجودِ، والشَّكور الذي يشكر على المفقودِ.

وقِيلَ: الشاكِرُ الذي يشكرُ على الرَّفْدِ، والشَّكور الذي يشكر على الرَّدِّ.

وقِيلَ: الشاكِرُ الذي يشكرُ على النَّفعِ، والشَّكور الذي يشكر على المَنْعِ.

وقِيلَ: الشاكِرُ الذي يشكرُ على العطاءِ، والشكور الذي يشكرُ على البلاءِ.

وقال الجُنيدُ: كنتُ بين يدي السَّري ألعبُ وأنا ابنُ سبعِ سنينَ، وبينهما جماعةٌ يتكلَّمون في الشّكرِ، فقال لي: يا غلامُ، ما الشكرُ؟ فقلتُ: ألَّا تعصي الله بنعمِه، فقال: يوشكُ أَنْ يكونَ حظُّك مِن اللهِ لسانَك، فلا أزالُ أبكي على هذهِ الكلمةِ التي قالها السريُّ.

وقال الشِّبلي: الشكْرُ رؤيةُ المُنعِمِ لا رؤيةُ النِّعمِ، وهذا ليس بجيِّدٍ بل مِن تمامِ الشُّكْرِ أَنْ تشهَدَ النِّعمةَ مِن النِّعمِ.

وقِيلَ: الشكرُ قيدُ الموجودِ وصيدُ المفقودِ.

وقال أبو عثمان: شكْرُ العامَّةِ على المَطْعَمِ والمَلْبَسِ، وشُكرُ الخواصِّ على ما يَرِدُ على قلوبِهم مِن المعاني.

وحبسَ السلطانُ رجُلًا، فأرسلَ إليه صاحبُه اشكُرِ اللهَ، فضُرِبَ، فأرسلَ إليه اشكُرِ اللهَ، فجيءَ بمحبوسٍ مجوسيٍّ مبطونٍ، فقُيِّدَ، وجُعِلَ حلقةٌ مِن قيدِه في رجلِه، وحلقةٌ في الرَّجُلِ المذكورِ، فكان المجوسيُّ يقوم بالليلِ مراتٍ، فيحتاجُ الرَّجُلُ أن يقفَ على رأسِهِ حتى يفرغَ، فكتب إليه صاحبُه اشكُرِ اللهَ، فقال له: إلى متي تقولُ: اشكُرِ اللهَ؟ وأيُّ بلاءٍ فوقَ هذا؟ فقال: لو وُضِعَ الزِّنارُ الذي في وسطِه في وَسطِك كما وُضِعَ القيدُ الذي في رِجْلِه في رِجْلِك ماذا كنتَ تصنعُ؟ فاشكرِ اللهَ.

ودخل رَجُلٌ على سهلِ بنِ عبدِ اللهِ، فقال: اللِّصُّ دخَل داري وأخذَ متاعي، فقال: اشكُرِ اللهَ، فلو دخل اللِّصُّ قلبك - وهو الشيطانُ - وأفسدَ عليك التوحيدَ، ماذا كنتَ تصنعُ؟

وقِيلَ: الشُّكرُ التلذُّذُ بثنائهِ على ما لم يَستَوجِبْهُ مِن عطائِه.

وقِيلَ: إذا قصُرَتْ يدُك عن المكافأةِ فليَطُلْ لِسانُكَ بالشُّكرِ.

وقِيلَ: أربعةٌ لا ثمرةَ لهم: مُشاورةُ الأصمِّ، ووضعُ النِّعمةِ عند مَنْ لا يشكرُها، والبَذْرُ في السِّباخِ، والسِّراجُ في الشمسِ.

والشكرُ يتعلَّقُ بالقلبِ واللسانِ والجوارحِ، فالقلبُ للمعرفةِ والمحبَّةِ، واللسانُ للثناءِ والحمدِ، والجوارحُ لاستعمالِها في طاعةِ المشكورِ وكفِّها عن معاصيه.

وقال الشَّاعِرُ:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً
يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ المُحَجَّبَا




والشُّكرُ أخصُّ بالأفعالِ، والحمدُ أخصُّ بالأقوالِ، وسببُ الحَمْدِ أعمُّ مِن سَببِ الشُّكْرِ.

ومُتَعلَّقُ الشُّكْرِ وما به الشُّكرُ أعمُّ مما به الحمدُ، فما يُحمَدُ الربُّ تعالى عليه أعمُّ مما يُشكرُ عليه، فإنه يُحمَدُ على أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه ونِعَمِهِ، ويُشكَرُ على نِعَمِهِ، وما يُحمَدُ به أخصُّ مما يُشكرُ به، فإنَّه يُشكرُ بالقلبِ واللسانِ والجوارحِ ويُحمَدُ بالقلبِ واللسانِ.

إذا عُرِفَ هذا، فكلٌّ مِنَ الصَّبرِ والشُّكْرِ داخِلٌ في حقيقةِ الآخرِ، ولا يُمكِنُ وجودُه إلا به، وإنما يُعبَّرُ عن أحدِهما باسمِه الخاصِّ بِهِ باعتبارِ الأغلبِ عليه والأظهرِ منه، وإلا فحقيقةُ الشُّكرِ إنما يلتئِمُ مِن الصَّبرِ والإرادةِ والفعلِ، فإِنَّ الشُّكْرَ هو العملُ بطاعَةِ اللهِ وترْكُ معصيَتِه، والصبرُ أصلُ ذلك، فالصَّبرُ على الطاعةِ وعن المعصيةِ هو عينُ الشُّكرِ، وإذا كان الصَّبرُ مأمورًا به، فأداؤُه هو الشُّكْرُ.

فإِنْ قِيلَ: فهذا يُفهَمُ منه اتحادُ الصَّبرِ والشكرِ، وإنهما لمسمَّى واحدٍ وهذا مُحالٌ عقلًا ولغةً وعُرفًا، وقد فَرَّقَ اللهُ سُبْحَانَهُ بينهما.

قِيلَ: بل هما معنيانِ مُتغايرانِ، وإنَّما بيَّنَّا تلازمَهما وافتقارَ كلِّ واحدٍ منهما في وجودِ ماهيتِه إلى الآخرِ، ومتى تجرَّد الشكرُ عن الصَّبرِ بطلَ كونُه شُكرًا، وإذا تجرَّدَ الشُّكرُ عن الصَّبرِ بطلَ كونُه صبرًا، أما الأوَّلُ فظاهرٌ، وأما الثاني إذا تجرَّدَ عن الشُّكْرِ كان كُفورًا، ومنافاةُ الكُفورِ للصَّبرِ أعظمُ مِن منافاةِ السّخُوطِ.

فإِنْ قِيلَ: بل ههنا قسمٌ آخرُ، وهو ألا يكونَ كَفورًا ولا شَكورًا، بل صابرًا على مَضَضٍ وكراهةٍ شديدةٍ، فلم يأتِ بحقيقةِ الشُّكْرِ، ولم يخرُجْ عن ماهيةِ الصَّبْرِ.

قِيلَ: كلامُنا في الصَّبرِ المأمورِ به الذي هو طاعةٌ، ولا في الصَّبرِ الذي هو تجلُّدٌ كصبرِ البهائمِ، وصبرُ الطاعةِ لا يأتي به إلا شاكِرٌ، ولكن اندرَج شُكرُه في صبرِه فكان الحكمُ للصَّبرِ، كما اندرجَ صبرُ الشُّكورِ في شكرِه، فكان الحكمُ للشُّكرِ، فمقاماتُ الإيمانِ لا تُعدمُ بالتنقُّلِ فيها، بل تندرِجُ ويَنطوي الأدنى في الأعلى، كما يَندرِجُ الإيمانُ في الإحسانِ، وكما يَندرِجُ الصَّبرُ في مقاماتِ الرِّضا لا أَنَّ الصبرَ يزولُ، ويندرِجُ الرِّضا في التفويضِ، ويندرِجُ الخوفُ والرَّجاءُ في الحُبِّ لا أنهما يزولانِ، فالمقدورُ الواحدُ يتعلَّقُ به الشكرُ والصبرُ، سواء كان محبوبًا أو مكروهًا، فالفقرُ مثلًا يتعلَّقُ به الصَّبرُ، وهو أخصُّ به لما فيه مِن الكراهَةِ، ويتعلَّقُ به الشُّكرُ لما فيه مِن النِّعمَةِ، فمَنْ غلبَ شُهودُ نعمتِه وتلذَّذَ به واستراحَ واطمأنَّ إليه عدَّه نعمةً يشكرُ اللهَ، ومَنْ غلبَ شُهودُ ما فيه مِنَ الابتلاءِ والضِّيقِ والحاجةِ عدَّه بليةً يصبرُ عليها، وعكسُه الغِنى.

على أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ابتلى العبادَ بالنِّعمِ كما ابتلاهم بالمصائبِ، وعدَّ ذلك كلَّه ابتلاءً.

فقال: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35].

وقال: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر: 15، 16].

وقال: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف: 7].

وقال: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2].

وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7].

فأَخبَرَ سُبْحَانَهُ أنَّه خَلَقَ العالمَ العُلويَّ والسُّفليَّ، وقدَّرَ أجَلَ الخَلْقِ، وخلَقَ ما على الأرضِ، للابتلاءِ والاختبارِ، وهذا الابتلاءُ إنما هو ابتلاءُ صبْرِ العبادِ وشكْرِهم في الخيرِ والشَّرِّ والسرَّاءِ والضرَّاءِ، فالابتلاءُ مِن النِّعمِ مِنَ الغنى والعافيةِ والجاهِ والقُدرةِ وتأتِّي الأسبابِ أعظمُ الابتلاءين، والصبرُ على طاعةِ اللهِ أشقُّ الصَّبرين، كما قال الصحابةُ رضي الله عنهم: ابتُلِينا بالضرَّاءِ فصبَرْنا، وابتُلينا بالسرَّاءِ فلم نصبِرْ، والنعمةُ بالفقرِ والمرضِ وقبضِ الدُّنيا وأسبابِها وأذى الخَلْقِ، وقد يكُونُ أعظمَ النعمتين، وفرضُ الشكرِ عليها أوجبُ مِن الشكْرِ على أضدَادِها.

فالربُّ تعالى يَبتلي بنِعمِه، ويُنعِمُ بابتلائِه، غيرَ أَنَّ الصبرَ والشُّكْرَ حالتانِ لازمتانِ للعبدِ في أمْرِ الربِّ ونهْيِه وقضائِه وقدَرِهِ، لا يستغني عنهما طرفةَ عينٍ.

والسؤالُ عن أيِّهما أفضلُ، كالسؤالِ عن الحسِّ والحركةِ أيُّهما أفضلُ، وعن الطعامِ والشرابِ أيُّهما أفضلُ، وعن خوفِ العبدِ ورجائِه أيُّهما أفضلُ، فالمأمورُ به لا يُؤدَّى إلا بصبرٍ وشُكرٍ، والمحظورُ لا يُترك إلا بصبرٍ وشُكرٍ، وأما المَقدورُ الذي يُقدَّرُ على العبدِ مِن المصائبِ، فمتى صَبَرَ عليه اندرجَ شكرُه في صبرِه، كما يندرِجُ صبرُ الشَّاكِرِ في شكْرِه.

ومما يوضِّحُ هذا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ امتَحَنَ العبدَ بنفسِه وهواه، وأوجبَ عليه جهادَهُما في اللهِ، فهو في كلِّ وقتٍ في مجاهدةِ نفسِه حتى تأتيَ بالشُّكْرِ المأمورِ به، ويصبِرُ عَنِ الهوى المنهيِّ عن طاعتِه، فلا ينفكُّ العبدُ عنهما غنيًّا كان أو فقيرًا، معافًى أو مُبتَلًى.

وهذه هي مسألَةُ الغنيِّ الشَّاكِر والفقيرِ الصابرِ أيُّهما أفضلُ؟ وللناسِ فيها ثلاثةُ أقوالٍ، وهي التي حكاها أبو الفرَجِ بنُ الجوزي وغيرُه في عمومِ الصَّبرِ والشُّكْرِ، أيُّهما أفضلُ، وقد احتجَّتْ كلُّ فرْقةٍ بحُجَجٍ وأدلَّةٍ على قولِها.

والتحقيقُ أَنْ يُقالَ: أفضلُهما أتقاهما للهِ تعالى، فإنْ فُرِضَ استواؤُهما في التقوى استوَيا في الفضلِ، فإنَّ الله سُبْحَانَهُ لم يُفضِّلْ بين الفقرِ والغِنى، كما لم يُفضِّلْ بالعافيةِ والبلاءِ، وإنما فضَّلَ بالتقوى، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا فَضْلَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبيٍّ إِلَّا بِالتَّقْوَى، النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»[45].

والتقوى مبنيَّةٌ على أصْلَين: الصَّبرُ والشُّكْرُ، وكلٌّ مِنَ الغَنِيِّ والفقيرِ لا بُدَّ له منهما، فمَنْ كان صبرُه وشكرُه أتمَّ كان أفضلَ[46].

[1] أخرجه البخاري (6099) في الأدب، باب: الصبر على الأذى، ومسلم (2804) في صفات المنافقين، باب: لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

[2] صحيح: وقد تقدَّم قبل قليل.

[3] لم أجده.

[4] صحيح: وقد تقدَّم.

[5] صحيح: وقد تقدَّم وهو بالمعنى هنا.

[6] صحيح: وقد تقدَّم، وهو لفظ الحديث السابق.

[7] صحيح: أخرجه ابن ماجه (3792) في الأدب، باب: فضل الذكْر، وأحمد في مسنده (2/ 540)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الألباني في صحيح الجامع (1906): «صحيح».

[8] صحيح: وقد تقدَّم.

[9] حسَن: أخرجه الترمذي (3010)، وأحمد (14467) بسند حسَن، وقال الترمذي: حسَن غريب.

[10] صحيح: أخرجه الترمذي (2472) في صفة القيامة، باب: (15)، وابن ماجه (151) في المقدِّمة، باب: في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحمد في مسنده (3/ 120، 286)، وابن حبان في صحيحه (6560) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال الألباني في صحيح الجامع (5125): صحيح.

[11] لعلَّه يُشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم (1905) في الإمارة، باب: مَن قاتَلَ للرِّياء والسُّمعة استحقَّ النار، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[12] هو والد جابر، صاحب الحديث السابق.

[13] حسَن: وهو يُشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود (4547) في الديات، باب: في دية الخطأ شبه العمد، و (4588)، باب: دية الخطأ شبه العمد، مِن حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال الألباني في صحيح سُنن أبي داود: «حسن» اهـ، وفي الباب عن غيره.

[14] أخرجه البخاري (2365) في المساقاة، باب: فضل سقي الماء، ومسلم (2242) في السلام، باب: تحريم قتْل الهرَّة، وفي البِرِّ والصِّلة، مِن حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[15] عدة الصابرين (ص: 65).

[16] صحيح: أخرجه الترمذي (2486) في صفة القيامة، باب: رقم (15)، وابن ماجه (1764) في الصيام، باب: فيمن قال: الطاعم الشاكر كالصائم الصابر، وأحمد في مسنده (2/ 283، 289)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الألباني في صحيح الجامع (3942): «صحيح».

[17] حسَن: أخرجه ابن ماجه (3375) في الشربة، باب: مدمن الخمر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الألباني في صحيح سُنن ابن ماجه: «حسَن».

[18] أخرجه البخاري (1904) في الصوم، باب: هل يقول: إني صائم إذا شُتم، ومسلم (1151) في الصيام، باب: فضل الصيام، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[19] صحيح: أخرجه النسائي (4/ 165) في الصيام، باب: ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، مِن حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وقال الألباني في صحيح سُنن النسائي: «صحيح».

[20] أخرجه البخاري (1894) في الصوم، باب: فضل الصوم، ومسلم (1151) في الصيام، باب: حفظ اللسان للصائم، وفي باب: فضل الصيام، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[21] صحيح: أخرجه البخاري (1903) في الصوم، باب: مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّور، والعمل به في الصوم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[22] صحيح: أخرجه مسلم (1826) في الإمارة، باب: كراهة الإمارة بغير ضرورة، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

[23] صحيح: وقد تقدَّم.

[24] أخرجه البخاري (1130)، ومسلم (2819).

[25] صحيح: أخرجه أبو داود (1522) في الصلاة، باب: في الاستغفار، والنسائي (3/ 53) في السهو، باب: نوع آخر مِن الدعاء، وقال الألباني في صحيح سُنن أبي داود: «صحيح، وهو ليس عند الترمذي، كما قال المصنف رحمه الله».

[26] أخرجه مسلم (2734) في الذكْر والدعاء، باب: استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، مِن حديث أنس رضي الله عنه.

[27] صحيح: وقد تقدَّم، وانظر ما بعده.

[28] حسَن: أخرج طرفَهُ الأول النسائي (5/ 79) في الزكاة، باب: الاحتيال في الصدقة، وابن ماجه (3605) في اللباس، باب: البسْ ما شئتَ ما أخطأك سرَف أو مخيلة، وبتمامه عند أحمد في مسنده (2/ 181، 182)، والحاكم في مستدركه (4/ 150)، وقال الألباني في صحيح سُنن النسائي: حسَن.

[29] صحيح: وقد تقدَّم.

[30] أخرجه البخاري (29) في الإيمان، باب: كفران العشير، وكفر بعد كفر، ومسلم (884) في أوَّل كتاب العيدين، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[31] حسَن: أخرجه الترمذي (3291) في التفسير، باب: ومن سورة الرحمن، وقال الألباني في صحيح سُنن الترمذي: حسَن.

[32] ذكره المتَّقي الهندي في كنز العمال (15/ 40850) ونسبه للنسائي، وابن ماجه، وابن السني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي، قلتُ: الذي عند ابن ماجه (3283) مختصرًا عن هذا، وعن أبي سعيد، وليس أبو هريرة رضي الله عنه.

[33] أخرجه البيهقي، وابن عساكر، عن ابن عباس، كما في كنز العمال (15/ 43467).

[34] مرسل: فالحسَن، هو البصري، تابعيٌّ مشهور.

[35] لم أجده هكذا، لكن في صحيح مسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللِه عَلَيْكُمْ».

[36] أخرجه أحمد في مسنده (1/ 191) بسند حسَن.

[37] صحيح: أخرجه البخاري (5673) في المرضى، باب: تمنِّي المريض الموت، ومسلم (2816) في صفة القيامة، باب: لن يَدخل أحدٌ الجَنَّةَ بعَمله، بل برحمة الله تعالى، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[38] تقدَّمَ.

[39] حسَن صحيح: أخرجه الترمذي (3558) في الدَّعوات، باب: رقم (118)، وأحمد في مسنده (1/ 7)، وقال الألباني في صحيح سُنن الترمذي: حسَن صحيح.

[40] أخرجه أحمد في مسنده (1/ 209)، والترمذي (3514) وقال: هذا حديث صحيح.

[41] صحيح: أخرجه مسلم (2688) في الذكْر والدُّعاء، باب: كراهة الدُّعاء بتعجيل العقوبة في الدُّنيا.

[42] صحيح: أخرجه أبو داود (3851) في الأطعمة، باب: ما يقول الرجُل إذا طعِم، وقال الألباني في صحيح الجامع (4681): صحيح.

[43] أي: جَوَّع.

[44] عدة الصابرين (ص: 144).

[45] رجاله رجال الصحيح، أخرجه أحمد في مسنده (5/ 411) عن أبي نضرة، عمَّن سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 269): «رجاله رجال الصحيح».

[46] عدة الصابرين (ص: 188).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.95 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]