وفد الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أخــــــــــلاق إسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 421 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2343 )           »          من أساليب التربية في القرآن الكريم ، أسلوب الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          موقظة في تعريف عقد البيع في الفقه الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الوجيز في أحكام التداولات المالية المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 14 )           »          حكم التورق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          حكم التلفيق بين أقوال المذاهب الفقهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          فائدة في كفارة اليمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          حكم التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية، البدائل الإسلامية للمعاملات المصرفية نموذجا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 37 )           »          الاستنثار حال الوضوء وبعد القيام من النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-12-2023, 07:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,195
الدولة : Egypt
افتراضي وفد الله

وفد الله
الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم


الحمد لله الذي جعل بيته الحرام مثابة للناس وأمنًا، أفئدة المؤمنين تهوي إليه، ونفوس الصالحين تعكف عليه، لا يسأم من تكرار حجه العارفون، ولا يفتُر عن التشوق إليه المخبتون، ولا يزهد في الوصول إليه إلا الجهلة والغافلون، والصلاة والسلام على نبيه خير ناسك، ورسوله الذي بيَّن بقوله وبفعله جميع المناسك، صلى الله عليه وسلم وعلى آله أهل السقاية والوفادة، وصحابته ذوي العلم والإفادة، وعلى تابعيهم ومن سار على نهجهم من أهل الصلاح والسعادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.

أيها الإخوة المؤمنون:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الحُجَّاج والعُمَّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم))[1].

نعم، إنهم وفد الله، فما تيمموا تلك البقاع إلا لأجله، ولا فارقوا أهلهم وأولادهم، وأموالهم وديارهم، إلا من أجله، بذلوا الأموال، وكابدوا المشاق، وتحملوا الصعاب، كل ذلك لأجله، فهم بحقٍّ وفده وضيوفه، فما أجدرهم بعطاياه! وما أحقهم بعفوه ولطفه ومغفرته! ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لِما بينهم، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[2]، ولِمَ لا وقد لبَّوا نداء خليله إبراهيم الذي نادى بأمر مولاه سبحانه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]؟

عباد الله:
لقد بدأت ركائب تلك الوفود تغادر ديارها، وتودِّع أهلها وأصحابها، متوجهين إلى الله، تاركين كل شيء خلف ظهورهم؛ ولسان حالهم يقول:

جعلنا إلهَ العرش نُصب عيوننا
ومَنْ دونه خلف الظهور نبذناهُ
وسِرنا نشق البِيد للبلد الذي
بجهد وشِق للنفوس بلغناهُ
رجالًا وركبانًا على كل ضامر
ومن كل ذي فج عميق أتيناهُ
نخوض إليه البر والبحر والدُّجى
ولا قاطعَ إلا وعنه قطعناهُ
ونطوي الفلا من شدة الشوق للقا
فتمسي الفلا تحكي سجلًّا قطعناهُ
ولا صدنا عن قصدنا فَقْدُ أهلنا
ولا هجر جارٍ أو حبيب ألِفناهُ
وأموالنا مبذولة ونفوسنا
ولم نُبْقِ شيئًا منهما ما بذلناهُ
فمن عرف المطلوب هانت شدائدٌ
عليه ويهوى كل ما فيه يلقاهُ
فيا لو ترانا كنت تنظر عصبة
حيارى سكارى نحو مكة وُلاهُ
فلله كم ليلٍ قطعناه بالسُّرى
وبر بسير اليَعْمَلات بَرَيْناهُ


هذه هي المشاعر، هذه هي الخواطر، هذا هو الهوى، هذا هو العشق الحق الذي يُحيي النفوس، ويزكي الأرواح، ويرفع الهمم، ويعلي الشأن.

فيا من أكرمك الله ومنَّ عليك ويسر لك أن تكون من بين هؤلاء ومن جملتهم، اعلم أن هذا الشوق وهذا الحنين والهوى والعشق ليس لمجرد السفر والعودة، ولا لمجرد المسير والتعب، ولا من أجل أن تتجول بين المشاعر كسائح من السياح، ولكن من أجل طاعة مولاك، والفوز برضوانه، والظَّفَر بما جعل في الحج من الأجر والثواب، والمغفرة والرضوان، والفوز بالسعادة الأبدية، والفلاح الدائم، في الدنيا وفي الآخرة؛ وذلك لن يكون إلا بأمور:
الأمر الأول:
الإخلاص: كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]؛ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات...))؛ [الحديث متفق عليه].

وفي عكس الإخلاص؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمِل عملًا أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه))[3].

ومن أجل تحقيق الإخلاص والتذكير به، كان شعار الحج تلك التلبية الدالة على التوحيد، والمعلنة بالإخلاص: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).

فهل تعقل ما تقول؟ وهل تدري ما المراد بهذه التلبية؟ أليست إعلانًا منك أن جميع أعمالك وأقوالك هي لله وحده لا شريك له؟ إذًا لتكن هذه التلبية رقيبًا عليك، ومعينًا لك كلما خطر على بالك شيء غير الله، فلا يبقى لك قصد ولا هدف إلا الله، لا تبتغي بشيء من أعمالك، ولا أقوالك، غير مولاك سبحانه، وتيقن أن الرياء هو الشرك الأصغر.

الأمر الثاني:
المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أعمال حجِّك؛ بمعنى أن تحرص على أن تؤدي هذه الفريضة صحيحة كاملة قدر الاستطاعة، فحافظ على أركان الحج وواجباته، وسننه ومستحباته، وتأدب بآدابه؛ فقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم الأمة مناسك حجها، فخطبها وعلَّمها، وأفتى السائلين عما سألوا عنه من ذلك، وكان حريصًا عليهم وعلى أن يقتدوا به في مناسكهم؛ فكان في كل مناسبة يقول: ((أيها الناس، لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هذه))[4].

وعلى ذلك فاحرص أن تتعلم أحكام حجك قبل سفرك، اقرأ في الكتب الميسرة في الحج، أو احضر الدروس والدورات المخصصة لذلك، أو اسأل أهل العلم على ما تحتاج إليه، اسأل قبل أن تقدم على عمل لا تدري أهو صحيح أو غير صحيح؛ لأنك لو عملته بجهل ربما لم يُقبَل منك، حتى ولو صادف أن كان صحيحًا؛ يقول صاحب الزبد:
وكل من بغير علم يعمل
أعماله مردودة لا يُقبل




فكيف إن كان غير صحيح؟

إن من أسوأ الأسئلة هي أسئلة من يسأل بعد فوات الأوان؛ حيث لا يمكنه تدارك الخطأ، فليكن تعلمك وسؤالك قبل العمل، وقبل السفر إن أمكن.

الأمر الثالث: إياك أن تجمع المال من أي وجه كان، دون تفريق بين حلال وحرام من أجل أن تحج به؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ: يا رَبِّ يا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ))[5]، فإياك أن تحج بالمال الحرام:
إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ = فَمَا حَجَجْتَ وَلَكِنْ حَجَّتِ الْعِيرُ
لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ = مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ

يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].

الأمر الرابع: يقول سبحانه وتعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))[6].

إذًا تأدب بآداب الحج، واعلم أنك في وفد متجه إلى الله، إلى ملك الملوك، فتأهب للقدوم عليه، ودخول بيته على أكمل وجه، احفظ لسانك وبصرك، وكف أذاك، وتحمل أذى الآخرين، وتذكر إذا تجردت من ثيابك، ولبست الثوب الأبيض ثوب الإحرام أن تتجرد من هواك، من أنانيتك، من نزواتك وشهواتك، تجرد من كل ذلك؛ لعل حجك أن يكون مبرورًا فترجع بالجنة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-12-2023, 07:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,195
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وفد الله


الأمر الخامس: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه))[7]؛ يعني: رجع مغفورًا له، وهذا من أعظم أهداف الحج أن يحصل الحاج على تكفير ذنوبه ومعاصيه، لكن هل يُغفَر له وهو مصر على العودة إليها؟ هل يُغفر له وهو مصمم على الاستمرار فيها؟ الذي يتبادر إلى ذهن كل عاقل أنه إنما يُغفر له، ويرجع بريئًا منها، إذا تاب واستغفر وصحت توبته، أما إذا كان مصممًا على أن يعود إليها، فلا.

لذا من الآن اعرف ذنوبك، واعرف شؤمها وقبحها، وآثارها عليك، واعزم عزمًا صادقًا على التوبة منها، وأكد ذلك العزم هناك وأنت تطوف بالبيت، وأنت تسعى بين الصفا والمروة، وأنت واقف بعرفة، وأنت واقف بمزدلفة في تلك المشاعر العظيمة:
وأفضل ما فيها التضرع والدعاء
وتوبة أهل الفسق والذكر والبكا
ويعظمه عبدٌ كان بالأمس غافلًا
إذا عاهد الرحمن أن يتنسكا


الخطبة الثانية
الحمد لله القائل: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ * إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 32، 33].

والقائل سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد القائل: ((لَزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم))[8]، والقائل: ((لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن، لأكبَّهم الله في النار))[9]، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
الوصية بالتقوى.

عباد الله:
حضرموت عُرفت منذ أعماق التاريخ بسلامة الصدر، وطيب النفس، وحب الخير، والبعد عن الشر، ليس من طبع الحضرمي العدوانُ، وليس من طبعه حب الانتقام، وتسلط الهوى الذي يحمله على الحماقات، ويدفع به إلى الإفساد والقتل والاغتيالات، إنه الحلم وليس الجبن، والعقل وليس الخور، والخوف من الله، وليس الخوف من البشر.

وبهذا الخصال وغيرها صار الحضرمي محبوبًا مقدرًا ومحترمًا حيثما حلَّ وأينما ارتحل، فما لنا اليوم نشاهد ما يخالف ذلك، ويعاكس تلك السجية الطيبة؟

ما لنا صرنا نسمع عن القتل، ونصدم بالحوادث المرعبة والأعمال الشنيعة على أرض حضرموت؟

ما لنا نشهد تغيرًا في الطباع، وانحرافًا في السلوك، ونكسة في الأخلاق، تصل إلى إراقة الدماء بشكل مرعب، وطريقة مقززة، تؤذِن بأخطر العواقب؟ إنه لمن المقت والشناعة العظيمة أن يحصل في خلال أسبوع واحد حادثان شنيعان على أرض حضرموت، تذهب ضحيتها أنفس كثيرة، وتُراق فيها دماء غزيرة، كان أشدهما وأنكأهما وأشنعهما ذلك الحادث الإجرامي الذي حصل على طريق العبر، دون مبرر أو سبب مقبول، إلا الانحراف الفكري والعقائدي الذي انحدر إليه من يقف وراء الحادث، وأسوأ من ذلك أنه في الشهر الحرام وباسم الجهاد، ومن نفَّذه يبتغي به الأجر والثواب حسب زعمه.

فهو جرائم مضاعفة، وظلمات بعضها فوق بعض، وعلينا جميعًا أن نتحمل مسؤوليتنا تجاهه، وأن نعمل على البحث عن جذور المشكلة، والتعرف على أسبابها، ثم علاجها العلاج الشرعي الناجع والحاسم، وأول من يتحمل المسؤولية الدولةُ، فالإمام راعٍ في الناس ومسؤول عن رعيته، إنها مسؤولة عن هذا الجيل من الشباب الذي ينهج هذه المناهج الضالة، ويسلك تلك الطرق المنحرفة، على أن تقوم برعايته وحمايته من تلك الأفكار، وأن تقوم بواجب التوجيه والإرشاد، والتعليم والإصلاح، وألَّا يشغلها شاغل مهما كبر وعظم عن هذه الوظيفة، ولديها الوسائل والإمكانات لذلك من مؤسسات تعليم وإعلام وغير ذلك، لكن تلك الوسائل للأسف لا تقوم بواجبها، بل إن بعضها ليعمل في الاتجاه المعاكس، ولو بغير قصد.

إن هذا النوع من الفكر لن يزيله أقلام ساخرة مستهزئة، ولا برامج مستفزة، ولا كتابات تنطلق من حقد وعداوة لهذه الفئة من الشباب؛ فإن ذلك كله إنما يدفع إلى المزيد من العناد، وردود الأفعال، وحب الانتقام.

ولكن الذي ينفع هو التوجيه بالقول أو الكتابة أو الحوار، الذي ينطلق من قلوب مِلْؤها الحب والحنان والشفقة والنصيحة لأولئك الشباب الذين يُرجى تحصينهم من تلك الأفكار، أو علاجهم منها، مع إزالة الأسباب الدافعة إلى تبني تلك الأفكار والإصرار عليها.

وثاني من يتحمل المسؤولية هم العلماء والدعاة، الذين يجب عليهم أن يبذلوا كل جهد ممكن وكل إمكانية متاحة لتعليم المنهج الصحيح، وتحبيبه إلى الناس، وغرسه في صدورهم وتحذيرهم مما يخالفه، بالنصيحة الخالصة، والأسلوب الأمثل، والتجرد التام، وبذل النفس والنفيس في بيان الحق والصدع به، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الكبير والصغير، دون محاباة أو مداهنة لأحد، أو رغبة في مدح، أو خوف من نقد.

وثالث من يتحمل المسؤولية هم الأسرة والمجتمع؛ وذلك بإحسان التربية وصواب التوجيه، والحفاظ على الأولاد من الانحرافات، ومسايرة ومماشاة المنحرفين أو أصحاب الأفكار الضالة، وربط أولادهم بالعلماء الثقات وأهل الصلاح ومن عُرفوا بالاستقامة والاعتدال، لعلنا إذا قمنا جميعًا بما يجب علينا - كلٌّ فيما يخصه - حصَّنا أنفسنا ومجتمعنا، وحافظنا على أمننا واستقرار بلدنا، وما التوفيق إلا بالله.

وأما المقتلة الأخرى التي حدثت في حجر، فهي كذلك جريمة وكارثة يجب أن يُحقق فيها بنزاهة متناهية، ويُعرف المتسبب فيها، وما الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه؟ فإن الاكتفاء بالنظر إلى النتائج دون النظر إلى الأسباب والبواعث لا يؤدي إلى حل بأي شكل، فلنتعلم من هذه الحوادث كيف تنبع أسباب الفساد والانحراف والظواهر الغريبة على مجتمعنا، ثم نعمل على إزالتها بكل إخلاص وتجرد، ولعل أهم سبب لحدوث مثل هذه الأعمال هو الفساد المستشري، والانفلات الزائد، وعدم شعور الإنسان بقدرته على أخذ حقه بالطرق الشرعية.

[1] رواه البزار من حديث جابر رضي الله عنه، وأورده الألباني في صحيح الجامع 3173، محسنًا له.

[2] متفق عليه، البخاري 2/ 929، برقم 1683، مسلم 2/ 983، برقم 1349، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] رواه مسلم 4/ 2289، برقم 2985، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] رواه مسلم 2/ 943، برقم 1297.

[5] رواه مسلم 2/ 703، برقم 1015.

[6] رواه البخاري 2/ 553، برقم 1449.

[7] رواه البخاري رقم 1723، ومسلم رقم 1350.

[8] رواه الترمذي 4/ 16، برقم 1395.

[9] رواه الترمذي 4/ 17، برقم 1398.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.23 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]