|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
إلى من صام عاشوراء
إلى من صام عاشوراء الشيخ عبدالله بن محمد البصري فاتقوا الله أيها المسلمون وأطيعوه، واشكروه ولا تَكْفُروه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]. أيها المسلمون، مما نراه في المجتمع من الْمُبشِّرات بالخير أنه ما يمر بالمسلمين يومٌ من أيام الله التي يُسَنُّ صيامها، كالأيام الست من شوال ويوم عرفة ويوم عاشوراء، إلا وجدت الصائمين أكثر من المفطرين، وهذا من أثر تذكير الناس بعضهم بعضًا في وسائل التواصل، مع ما يعظهم به الخطباء ويحثونهم عليه ويأمرونهم به من الخير، وما يَرَونه من قدوات أمامهم وبين أيديهم. يصوم كثيرون؛ كبارًا وصغارًا، ورجالًا ونساءً، ويُمْسِكون عن الْمُفْطِرات حتى لا تكاد تجد فيهم مفطرًا إلا المعذور، فما أجمل المسلمين وهم يحرصون على فعل السنن ويستكثرون من النوافل؛ اقتداءً بنبيهم عليه الصلاة والسلام، وتأسِّيًا به، ورغبةً فيما عند الله من عظيم الأجر ومضاعف الثواب، وسلوكًا لطرق الخير المتنوعة، واستنزالًا لِما عند الله من الرحمات، ورغبةً في الصعود في الجنة إلى أعلى الدرجات! غير أن ثَمَّ ما هو أجمل وأكمل؛ وهو أن يُعلَم أن الاهتمام بالسُّنَّة كما يظهر في السُّنَنِ الموسمية التي تمر في العام مرةً أو مرتين، يحسُن أن يبرُزَ في السنن اليومية كذلك؛ فإن من عَلَتْ هِمَّتُهُ فإنه يحرص على السنن في كل يوم، ويتحرَّى الإتيان بها في كل حين، ولا يغفُل عنها في أي موقف من مواقف حياته المختلفة، بل إنه سيكون إلى الواجبات أسبقَ، وعلى الفرائض أحرصَ، وبها أشد عنايةً وأكثر اهتمامًا، لعلمه أنه ليس من الفقه أن يكون صائمًا صيام تطوع؛ لأنه يكفِّر السيئات، ثم لا ينشط للسنن الرواتب قبل الصلوات المفروضة وبعدها، وهي التي يُبنَى له بها بيت في الجنة، أو يفرِّط في صلاة الضحى، وهي التي تجزئ عن أكثر من ثلاثمائة وستين صدقةً، أو يترك الوتر وهو الذي ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في حضر ولا سفر، أو يصوم تطوعًا ثم يقصر في صلاة الجماعة، أو يعُقُّ والديه أو يقطع أرحامه، أو يغفل عن رعاية أسرته وتربية أبنائه وبناته، أو يتجاوز حدوده في التعامل مع الآخرين ويؤذيهم، أو يتهاون بأكل الحرام ولا يتحرى الحلال، أجل أيها المسلمون، إنه لمن المفرح أن تفعل السنن ويحرص على النوافل، ولكن فعل الواجبات واجتناب المحرمات ألزم من كل شيء وآكد، والحرص على السنن والنوافل كلها أكمل من أخذ قليل منها وترك الكثير، وليس هذا تزهيدًا ولا تشديدًا، ولن نقول لمن لم يكمل الواجبات أو يقع في شيء من المحرمات: لا تأتِ بشيء من النوافل، ولا لمن يتساهل في بعض السنن: لا تأتِ بالأخرى، بل نقول لمن وُفِّق لسُنَّة: احرص على فعلها؛ فإنك مأجور على حرصك، ومثاب على اتباعك سنة نبيك، وهذا دليل على ما في نفسك من حب للخير، ولكنه يجب عليك أن تضع كل أمر في نِصابِهِ، وألَّا تختلط عليك الأمور فتقصر في فرض أو واجب، أو تأتي محرمًا أو منهيًّا عنه، أو تزهد في نوافل أخرى فيها أجور عظيمة، فتخسر بذلك كثيرًا، واعلم أن الواجبات مستمرة مع العبد طول حياته، ولا خيار له في أن يفعل منهيًّا عنه اتباعًا لهوى نفسه، أو يترك مأمورًا به تكاسلًا أو تهاونًا، وكما أن ثمة نوافلَ تكون في العام مرةً أو مرتين، فثم نوافل عظيمة تتكرر كل يوم، وفعلها سهل ميسور، وفيها حسنات عظيمة وأجور، ولها آثار حسنة على العبد في دنياه وأخراه، فإذا تقرب العبد إلى ربه بأحب الأعمال إليه؛ وهو أداء الفرائض، وفعل الواجبات، وترك المحرمات، ثم تزوَّدَ قدر المستطاع من النوافل والمستحَبَّات، فهنيئًا له ثم هنيئًا؛ قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه))؛ [رواه البخاري]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم))؛ [رواه البخاري ومسلم]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما من عبدٍ مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعةً تطوعًا غير فريضة، إلا بنى الله له بيتًا في الجنة، أو إلا بُنِيَ له بيتٌ في الجنة))؛ [أخرجه مسلم وغيره]، ألَا فلْنَتَّقِ الله أيها المسلمون، ومن أراد أن يتقبل الله منه السنة، فليحافظ على الفريضة، ومن أراد الكمال في التعبد، فليبتعد عن المكروه قبل ترك المحرَّم، ومن طمع في بلوغ مرتبة الإحسان وتحقيق العروة الوثقى، فلْيُسْلِمْ وجهه إلى الله، ولْيَنْقَدْ إليه بالطاعة، جاعلًا كل أعماله صغيرها وكبيرها لله، غير ممتثل لأمر وتارك لآخر، ولا مجتنب لمحرم وواقع في غيره، ومن صام الست أو يوم عرفة أو يوم عاشوراء، فليتذكر أن الصلوات المفروضة أعظمُ وأهمُّ، ومن حرَص على أخذ حظِّه من الصيام المسنون، وأمْسَكَ عما أحله الله، فليحذر من أن يفطر على ما حرم الله، من عقوق والديه أو قطع أرحامه، أو إيذاء عباد الله وبَخْسِهم حقوقَهم؛ فإن صوم القلوب عن الغل والحقد، وامتناع الجوارح عن المعاصي والأذى، هو الصوم الذي يجب أن يستمر مع المرء طول دهره؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22]، وقال جل وعلا: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. الخطبة الثانية أما بعد:فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]. أيها المسلمون، إنه يجب على المسلم أن يكون عبدًا ربانيًّا مخلصًا أعمالَه لله، متابعًا في كل ما يأتي ويَذَرُ سُنَّةَ محمدٍ رسولِ الله، فبذلك يتم له الأجر ويُكتب له الثواب؛ ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، فأسلِموا وجوهكم لله وأحسِنوا، واتبعوا ملة الحنيف إبراهيم عليه السلام؛ فبذلك أُمِرَ نبيكم، وما أنتم إلا أتباعه وإخوانه: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 161، 162].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |