|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
التعليم المهاري
التعليم المهاري د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر تعاني الأجيال المتأخرة من ضَعف المهارات الحياتية، خصوصًا الأعمال اليدوية التي يحتاجها كل شخص في حياته اليومية؛ مثل: الصيانة الخفيفة للسيارة، وأعمال الكهرباء، والسباكة المنزلية، وصيانة أجهزة الحاسب ونحوها، خصوصًا مع ارتفاع أجور الأيدي العاملة، ولذا نجد في كثير من الدول المتقدمة يقدم التعليم مواد خاصة بالمهارات الحياتية، وتقام الدورات التدريبية لأجل ذلك. ولما كان التعليم المدرسي لا يقدم هذه المهارات بالشكل المطلوب، فإنه حري بالمسؤول عن تربية الطفل أن يقدم له البديل بتعليمه وتدريبه؛ لأن من أهم واجبات ولي الطفل تعليمَه الاعتمادَ على النفس، وقد روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال له: تنحَّ حتى أريك، فإني لا أراك تُحسن تسلخ، قال: فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم قال صلى الله عليه وسلم: هكذا يا غلام فاسلخ؛ رواه أبو داود (185)، وابن ماجه برقم (3179)، والمعني أنه دفع بقبْضة يده بقوة وخِفة؛ ليسهل سَلْخُ الشاة. ومن المهارات التي تُدر المال للطفل إذا كبر، وتُعينه على الاعتماد على نفسه - مهارة التسويق بالبيع والتجارة، وقد كان السلف يحثون على تعليم الأطفال هذه المهارة، قال علي بن جعفر: مضي أبي إلى أبي عبدالله - يعني الإمام أحمد - وذهب بي معه، فقال له: يا أبا عبدالله، هذا ابني، فدعا لي، وقال لأبي: ألزِمه السوق وجنِّبه أقرانه. ولما توفي والد البراثي وكان صبيًّا، جاء بشر بن الحارث فقال له: «يا بني، إن أباك كان رجلًا صالحًا، وأرجو أن تكون خلفًا منه، برَّ والدتك ولا تعقَّها ولا تخالفها، يا بني والزَم السوق فإنها من العافية، ولا تصحَب من لا خير فيه». بل إن السلف يرون أن إكساب المهارة للطفل خيرٌ من بذل المال له مجانًا وإحسانًا؛ لأن في أخذه المال دون جهد تربيةً له على الدعة والكسل، والاعتماد على الآخرين، ولذا فقد سئل يونس بن عبيد عن يتيم يرفق به ويُحسن إليه، فقال: السوق خير له، فأعادوا عليه، فقال: السوق خير له. ولذا تُنصَح الجهات الخيرية أن يحرصوا على تدريب الفقير؛ ليحصُل على كسب دائم، بدلًا من صرف الأموال عليه وتعويده على الأخذ دون إعطاء؛ مما يجعله عالة على مجتمعه وثروة معطلة. بل إن الأمر وصل إلى أن بعض المحسنين يوقفون أموالًا لتدريب الأطفال على المهارات؛ ليجدوا مصدر كسب دائم لهم، فقد شاهد ابن بطوطة وقفًا لما يكسر من صحون الفخار وغيرها لمتعلمي الحرفة من الأحداث؛ جبرًا لخاطر الطفل، ودفعًا للعقاب عنه، وتعويضًا للصانع عما يكسر له. ويذكر الأستاذ محمد بن البشير وجود مثل هذا الوقف في المغرب إلى عهد قريب، وذلك في كتاب نحو تطبيق النظام الاقتصادي والاجتماعي الإسلامي ص 69. ومن أهم ما يحرص عليه المربي أن يستخدم طريقة التربية بالمخالطة بأهل التجارب، فعلى سبيل المثال تُعد الجرأة على طرح الأفكار دون خجلٍ أو وجلٍ أمرًا نادرًا في الصغار، مع كونها من أهم ما يبني شخصية الصغير، وهذه المهارة إنما تحصل بمجالسة العقلاء الكبار؛ ليكبر عقله وينضج تفكيره، فمن الخطأ الشائع أن يُمنَعَ الصغيرُ من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص رضي الله عنه على حلقة من قريش، فقال: «ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه، فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قومٍ، وقد كنتم صغار قوم، فأنتم اليوم كبار قوم». بل كان ابن شهاب الزهري رحمه الله يشجع الصغار ويقول: «لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقوله». ولذا نجد أن المتخصصين في التربية الحديثة يرون ضرورة استشارة الطفل في الأمور التي تخصه؛ كملابسه ولُعَبه؛ ليشعر بالاهتمام به، وتنمو شخصيته وقدراته في الاختيار واتخاذ القرار.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |