الرقابة (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 10234 )           »          إصدارات لتصحيح المسار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 1320 )           »          ذكــرى فتـح الأنـدلس – وثمانية قرون من المجد والحضارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          غزوة بدر الكبرى .. يوم الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          رمضــان والرجـــوع إلـى اللـه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          تفسير آيات الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 221 )           »          رمضان في عيون العلماء والدعاة مدرسة إيمانية وتربوية وسلوكية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 23 )           »          ينهى صاحبه عن المعاصي وهو سبيل إلى شكر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 22 )           »          هكذا كفل الإسلام حق اللجوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الديَّان – المنان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-09-2022, 02:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي الرقابة (قصة قصيرة)

الرقابة (قصة قصيرة)
د. شريف عوض الدخميسي




وكان يومًا مختلفًا، على غير مألوف عادَة السوق، هادئ هدوءًا عجيبًا! تَحسب أنَّ هدوءه لخَواء الناس منه، أو قلَّةٍ في مرتاديه.



لكن ما يثيرُ العجَبَ أنه مكتظٌّ أيما اكتِظاظٍ، سوق مَملوء وهادئ! وكأنَّه ثُقبٌ أسودُ يَبتلع الأصواتَ بداخله، اللَّافتات الصغيرة باسم السِّلعة وثمنها مَكتوبةٌ بخطٍّ واضِح في مكان ظاهر، على غير ما اعتدتُ أن أراه يَوميًّا بين أن تكون مَطموسة، أو منكَّسة، أو غير موجودة! والسِّلَع رُصَّتْ بعضها فوقَ بعض وكأنَّها تصاميم هندسيَّة بديعة، وأهمُّ ما لفَت انتِباهي، وأخَذ بتلابيب اهتِمامي: أنَّ الباعة أصبَحتْ أصواتهم منخفضَةً، بالكاد تُسمَع، ترتسم على وجوههم الابتسامةُ في كلِّ تعاملاتهم مع الزبائن، والأكثر غرابةً تحوُّل هؤلاء الباعة بعضهم مع بعض مِن ديوك مُتشاكسة متنافِرة متصايحة حُبِستْ في حَظيرةٍ واحدة، كنتَ تنصتُ إلى معاركهم الكلاميَّة؛ حتى تزيد مِن كلمات معجمك في العاميَّة - إلى أن كل واحد فيهم جالس يَختلي بنفسه وبضاعته، تنزَّلتْ عليه الرحمةُ وتغشَّتْه السَّكينةُ.



ذهَبتُ أشتري سمَكًا، وجدتُ سِعْرَه أرخَص مِن كلِّ يوم، وكان بائع السَّمك هذا لا يحبُّ أن يُقلِّب أحدٌ في بضاعته ولا يلمسها، إلَّا أنَّ طيبته المفاجئة جعَلتْني أتشجَّع لكي أُقلِّب في السمك وأتخيَّر أحسنَه كيفما شئتُ، والغريب أنَّ البائع لا يزيد عن ابتسامة، وكأنَّه مَعقود اللِّسان، وسمعتُ بائعَ اللُّحوم المشهور عنه أنَّه يطفِّف في الميزان يقول للزبون:

"إلَّا الميزان؛ نخاف ربَّنا، وأعِدِ الوزنَ عند غيري".



وردَّد:

ويلٌ ثمَّ ويلٌ للمطفِّفين.

أهذا حدَث بين عشيَّة وضحاها؟!

فكنت غير مصدِّق ما يحدث! أأمطرَتِ السماء ضميرًا فنَبتَ في صدور الباعة؟! أرِياحُ الأمانة هبَّتْ عليهم فأذهَبتْ كلَّ سيِّئ مِن قلوبهم؟! أشَرِبوا مِن ماء الصِّدقِ فلم يَعُد لسانهم ينطق إلَّا حقًّا؟!



وأخذتُ السَّمكَ وذهبتُ إلى صديقٍ قديم، زميل الطُّفولة والمرحلة الابتدائية، تتقاذفني أمواجُ الحيرة، ويتخطَّفني التعجُّب ممَّا رأيتُ، فبادرتُه:

يا سمير، إنَّ الناس غير النَّاس، ماذا حدَث لهم؟ ماذا ألَمَّ بهم؟!



فأشار بيده في اتِّجاه شَخصٍ جالس في منتصف السُّوق بجوار جدار متداعٍ:

كلمة السرِّ هذا! ممدٌّ عينَيه ومصوِّبها كبندقيَّة مستعدًّا للقَنْص، ومطرِقٌ سَمْعَه، لا يَترك شاردةً ولا واردةً، يقول الناسُ: إنَّه شُرطي جالس منذ ثلاث ساعات يراقِب.



وعندها علمتُ أنَّه لا يوجد أمطارُ ضَميرٍ، ولا رِياحُ أمانة، ولا ماء صِدْق! الناس خافَتْ مِن الشُّرطي، وشكَرتُ في نفسي الشرطةَ الباسلة التي أصبَحتْ في خِدمة الشَّعب، والمجلسَ البلدي الذي اهتمَّ بالمواطِن، وأعلى مِن شأنه، وجعَل أموره نُصْبَ عينيه.


وتجاذبتُ أطرافًا مِن أحاديث الصبا مع سَمير، حتى انتهى عُمَّاله مِن شَوْي السمك الخاص بي، وشكرتُ له كبيرَ شكر، وتركتُه واتَّجهتُ للخروج مِن السوق وأنا ممتنٌّ كلَّ الامتنان إلى المسؤولين.



وعندها حدَّثَتني نَفسي:

أليس مِن الاحترام والتشجيع أن أوجِّهَ الشُّكرَ لهذا الشرطي الجالس الذي انتظَمتْ على يديه حرَكةُ السوق وأخلاقُ الباعة؟



واتَّجهتُ إليه فوجدتُه يتحدَّثُ إلى شابٍّ صغير بجانبه يعنِّفه، وصراخه يَعلو في غضب:

أنا جالسٌ منذ ثلاث ساعات في انتظارك، أين كنتَ؟ وما الذي أخَّرَك؟!

فتحسَّس هو عصاه، ووضَع نظَّارتَه السوداء، وأخذ الشابُّ الصغير بيده وانصرف!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 48.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.53 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.47%)]