فرشاة طلاء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 6084 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4594 - عددالزوار : 1302125 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4139 - عددالزوار : 828820 )           »          معركة.. نافارين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 272 )           »          "عدالة الجرافات".. ظاهرة عدوانية جديدة تستهدف المسلمين في الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          فقد الأحبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 250 )           »          الوصية بـ (أحب للناس ما تحب لنفسك) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 129 )           »          فضل الرباط في سبيل الله عز وجل (شرح النووي لصحيح مسلم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 113 )           »          شرح حديث : كل امرئ في ظل صدقته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 117 )           »          تأمّلات في قول الرسول.. "ما نقصت صدقةٌ من مال" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 310 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-08-2022, 04:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,297
الدولة : Egypt
افتراضي فرشاة طلاء

فرشاة طلاء


مروة سعيد علي







استيقظ الابن على صَخَبٍ في البيت، هجر نومه وهَرْوَلَ إلى أبيه يَسأله عن سِرِّ هذا الصخب، ابتسم الأب وقال:
"إنهم عَّمالُ طِلاء الجدران، أحضرتُهم لأُجمِّلَ الدار ليليقَ بك يا ولدي؛ فقد صِرتَ بعد تخرُّجِك فخرًا لي".
لم تلتفتْ عيونُ الابن لأبيه وهو يتكلَّم، وسأل وهو يتأفَّف:
"وما الذي سيغيِّره طلاءُ الجدران؟ لن تكفيَ ألفُ فُرشاة لكي تمحوَ شيبَ تلك الجدران"!
"شيب الجدران! شيبُ الجدران يروي تاريخ أجدادك يا ولدي".
"وأنا لا أريد أن أسكن أطلالَ الأسلاف".
وخرج الابن وقد عقد العزم على عدم العودة، وترك والده صريعَ الحسرة ينعَى ولدًا ما زال على قيد الحياة، وسار الابن في دُرُوبٍ مزدحِمة، حتى وقعتْ عيونه ذات يوم على قصرٍ عريقٍ يبدو عليه - مِن أول وهلة - رغدُ العيش، فسأل في طيَّات نفسه: "لماذا لا أصبح مِن سكان هذا القصر؟ ولكن كيف؟".

في القصر فتاةٌ عزَف عنها الخُطَّاب لقبحٍ في الوجه، فقال في نفسه: "لا بأس سأتزوجها"...، وتزوَّجَها بالفعل؛ ولكن الابن الضالَّ لم يجدْ في القصر ما كان يرجوه!
"خَدَمُ القصر لا يطيعون لي أمرًا، وكلما سِرْتُ في الطُّرُقات أسمع مِن خلفي ضحكات، وهذا يعني.... لا بأس، في الغد سيعرف كلٌّ منهم أنني أصبحتُ سيِّدًا مِن سادات هذا القصر.
لزوجتي أخٌ لا يرُدُّ عليَّ سلامي، ولا يناديني باسمي إن أراد أن أقوم عنه ببعض المهامِّ، فقط يُشير لي بإصبعين بينهما سيجار، وكأنني... لا بأس، في الغد سأصبح له بمثابة الأخ".
وبعد سنواتٍ لا يتذكَّرُ عددَها، ولم يصل فيها إلى ما كان يرجوه، تُوفي لزوجته الأبُ، فشعر بفرحة في القلب... "سيصبح للزوجة إرث، سيكون لي ولأبنائي الحقُّ أن يعلوَ لنا الصوت".
وهيهات أن يتحقق له ما تمنَّى؛ فالأبُ كتب لابنه القصر، وأصبح وجودُه وزوجته في القصر شفقةً من قلب الأخ، ولم يمرَّ الشهر حتى انهالَ أبناءُ الخال على صغاره بالضرب؛ فازداد غضبه، وسأل زوجته:
"لماذا كتب أبوكِ القصر لأخيكِ الذي لا يحمل للأبناء محبَّةَ الخال؟"، وانهال عليها بالسبِّ، فسمعه الأخ فانهال عليه باللَّعَنات؛ ثأرًا للأخت التي لم تهتمَّ ببكاء الأبناء، ولم يشغلْها غيرُ إرضاء الأخ لتبقى في القصر، وعلا صوتُها على زوجها الذي باع شبابَه لها طمعًا في الإرث، وقالت:
"ما زالت أدراجي تحمل ملابسك الرَّثَّة؛ إن كنت نسيت مَن أنت"!
"أصار الأمر على هذا النحو؟ لن أمكُثَ يومًا في هذا القصر".

واهتزَّت الأرض تحت قدميه، وهو يُهرول قاصدًا الأبواب، فإذا بابنه الأكبر يلحَق به وهو يُردِّد:
"لا تغضبْ يا أبتي؛ لقد أشعلتَ غضبَ الخال بجدالِك وعلوِّ الصوت، ولكن يا أبتي... لا بأس، سأسأل أمي أن تطلبَ منه الصَّفحَ؛ ولكن بعد أن تبادرَها أنت بطلب العفو...، بعضُ الكلمات يا أبتي لن تنقصَ منك شيئًا".
"أهذا قَدْري في عينيك يا ولدي؟ ألهذا الحدِّ تضاءلْتُ؟ لن أبقى يومًا بعد اليوم في هذا القصر".
وغادر القصر مُطأطئَ الرأس.
"والآن إلى أين؟".
ولم يجدْ مكانًا يأويه إلا بيت أبيه فعاد إليه، ولم يجدْ في البيت غيرَ أطلال الأسلاف، فنظر إلى الجدران التي تُصارع الموت، وقال:
"رحمةُ الله عليك يا أبتي، ليس لي غير هذه الدار كما قلتَ لي مِن قبلُ؛ ولكن الجدران ازدادت شيبًا، وأصبحت الدار سكنًا للحشرات والجُرذان، سأصلحها، وأجعلها تبدو كالقصر، وسأحضر أبنائي.
صنبور بلا ماء... يا له مِن عناء! سأصلحه قبل النوم".
وبدأ يصلح ما أفسده الدهر، يداوي شقوقًا تروي حكايات الأهل، وظلَّ يُصارِع الجرذان والحشرات طوال الليل، وحارب أترِبةً كجبال الألب، وهو يطلب لأبيه الرحمة.

وفي صباح أحد الأيام، طرق البابَ طارقٌ لم يكن يتوقَّع قدومه إليه، كان الطارقُ ولديه، دخلا الدار ليجداه ملطَّخًا بألوان الطلاء:
"جئنا إليك يا أبتي؛ لتعود معنا إلى القصر".
"بل ائتيا أنتما لتعيشا معي في هذه الدار، وإن أرادت أمُّكما أن تأتيَ سيكون لها مني الترحاب".
"نحيا هنا، كيف؟!"، سأل الابن الأكبر وهو يتعجَّب.
"أعلم أن الدار ليست كالقصر، ولكن بعد طلاء الجدران ستكون بخير".
"بل تبقى أنتَ، أمَّا نحن فلا، عذرًا يا أبتي، قد يحلو لك أن تحيَا في دار يسكنها الجرذان حيث وُلدتَ ونشأتَ، أما نحن وُلدنا في قصر، واعتدنا أن نحيا في قصر، ولن نقبلَ أن نمكث بين جدران يكسوها الشيب".

قتلتْ قسوةُ كلماتِ الابن الأكبر في قلب أبيه الفرحةَ، وتذكَّر ما كان بينه وبين والده مِن قبل:
"رحمة الله عليك يا أبتي، ها هو ابني يكرِّر على سمعي ما قلتُه لك مِن قبل؛ ولكن يا أبتي، كيف تحمَّلت؟!".
وخرَج الابن الأكبر، وعاد حيث أحبّ، أما الابن الأصغر فنظر إليه الأب، وقال:
"عُدْ يا ولدي حيث ولدت".
نظر الولد إلى الأرض، وخطا خطواتٍ نحو الباب لا ليخرج منه؛ بل ليمسِك بدلوِ الألوان الموجود بجوار الباب، وحمله عائدًا إلى أبيه، وهو يقول بعينيه:
"سأبقى معك يا أبتي".
ذرَف الأب مِن عينيه الدَّمعَ، وردَّد لابنه:
"ما أنجبتُ يا ولدي إلا أنت".

وأمسك بالفرشاة ليُكمِل الطلاء؛ ولكن أنهكه الحزن، فخرَّتْ قواه، وسقط على الأرض وهو ممسِك بالفرشاة، وهرول الابن نحوه يَطلُب منه البقاء؛ ولكن هيهات فات الأوان، وحلَّت بالدار ظلمةُ الليل، فملأتْ قلب الصغير بالخوف، وظلَّ ينظر إلى الجدران، ويراها أشباحًا تزُجُّ به نحو الموت، ومكث الصغير بجوار الأبواب ينتظر بزوغَ الشمس؛ حتى يفرَّ مِن هذا البيت، وأقبل الصباح فهرول تجاه الباب وأمسك به، ثم تذكَّر قسوةَ الجَدِّ، وصياحَ الخالِ، وركلات أبناء الخال:
"لا... لا... لن أعودَ إلى القصر، سأبقى هنا، وأكمل ما لم يُكملْه أبي".
وأمسك الابن الفرشاة بإحدى يديه، والأخرى تمسح دموعًا ذرَفتْها طفولتُه رغمًا عنه، وأكمل الطلاء، وازداد ضياء الدار، وفرَّتْ منه أشباح الليل، وأصبحت الدار مزارًا للزُّوار مِن أهل الحي، والكل يردد:
"ما مات مَن أنجبك يا ولدي، بُورِك فيك".
ومرتْ سنوات وسنوات أصبح فيها الصغيرُ كبيرًا، بل أكثر مِن ذلك، أصبح أبًا لأبناء صغار لا يحلو لهم العبثُ إلا بجدران البيت، والأب يهرول كلَّ حينٍ إلى الفرشاة ليطليَ الجدران، وهو يكرر على مسامع الأبناء قصَّةَ والده مع تلك الفرشاة، ودخل عليه أخوه الأكبر الذي اختار منذ سنوات القصر، وضحِك الأخ الأكبر ساخرًا حين رأى الفرشاة:
"أما زلتَ تحمل تلك الفرشاة؟!".

وجلس الأخوان يتسامران، والأكبر يتفاخر بما لديه في القصر، فأنهى الأصغر كلام أخيه بالسؤال عن أبناء الخال:
"أورِث أبناء الخال علوَّ الصوت من الجَدِّ؟ وأولادك، أيحيون في القصر يَضربون ويُضربون كسائر الأطفال، أم لا يحقُّ لهم غيرُ تلقي الركلات كما كان حالنا مِن قبل؟".
"ما جئتُ إليك إلا لأُخبرك أن أبناء الخال يسألون عنك، يرجون أن تُحضِرَ أولادَك للقصر".
"سأفعل إن شاء الله".

وذهب الأب بصغاره للقصر، وقابله كلُّ مَن هناك بالترحاب، فهمس الأخ الأكبر في أذن أخيه:
"يسعَد بك وبأولادك أبناءُ الخال".
"نعم لأنني وأبنائي جئنا زوَّارًا".
وهمَّ بالانصراف، فلاحظ انبهارَ صغارِه بالقصر، واسترق ليلًا السمع، فعلِم أن أضواء القصر تُوشِك أن تلتهمَ صغاره، فأسرع إليهم وهو يُردِّد:
"لن أَدَعَ مباهجَ القصر توقعُ أبنائي في الفخِّ".
فدخل على الصغار وهم في أسِرَّتِهم، وقال لأكبرهم الذي تمنَّى أن يحيا في القصر ولو يومًا:
"بيتُ أبيك - إن أمعنتَ النظرَ إليه يا ولدي - قصرٌ، تحيا فيه ملِكًا، لا تُؤمر، لا تُضرب، لن تُطردَ منه مهما فعلتَ".

وحلَّ الشيبُ بالأب، وأصبح جَدًّا لصغار يعبثون دومًا بالجدران، وهو يُردِّد والضحكات تملأ الوجه:
"أين فرشاةُ طلائي؟ أين هي؟".
"هوِّنْ عليك يا جدي، سأُحضر عمَّالَ الطلاء ليطلوها بدلًا منك، ما عدتَ تقوى على هذا الكَدِّ".

"لا لن يطليَ جدران بيتي أحدٌ غيري".
"اتركْه وشأنَه يا ولدي؛ فهو يتمنى أن يموتَ وبيده فرشاة الطلاء، كما مات أبوه بالأمس".
"أحقًّا يا جدي، مات أبوك وهو ممسك بالفرشاة؟".
"ها قد وجدتُ فرشاتي، كفَى صياحًا، اصطفُّوا والتزموا الصمت؛ لأرويَ لكم ما كان بين أبي وفرشاة الطلاء".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.41 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]