والدي يقرض الناس ولا يسدون!

[ابوالوليد المسلم]

والدي يقرض الناس ولا يسدون!
أ. فيصل العشاري



السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرًا على ما تقدِّمونه.

مشكلتي أن أبي لديه ضعفٌ في حُسن إنفاق ماله، مع طيبته الزائدة في إقراض الناس، ويستغل هذا مَن لا خلاق له، ومَن لا يخاف الله، فلا يؤدِّي الحقوق بعد إقراضه!

فيأخذ بعضُهم المال مرة وأخرى ولا يسدِّد، ويضيق الحال على والدي وإخوتي ووالدتي، علمًا بأن والدي ليس من أصحاب المال، بل حاله ضعيف ماديًّا!

كذلك قام بتأجير شقة لأحد الأشخاص، ودفع له مبلغًا كبيرًا من المال، لكن والدتي رفضتْ، ووضعتْه في مقارنةٍ إما هي، أو الشخص؟ وأصرَّتْ على ترك البيت إذا لم يعدْ في قراره، فما رأيكم في هذا كورقة ضغط عليه ليعود عن فِعله؟

كذلك هو متسرِّع جدًّا في دخول المشاريع، ويخسر خسائر مادية متتالية منذ سنوات، بسبب الطيبة والثقة الزائدة، هو متدين ولله الحمد، لكنه عصبي ويُصِرُّ على رأيه، ونادرًا ما يراجع نفسه.


الجواب:
الأخ الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نشكرك على تواصُلك معنا، ونرَحِّب بك في شبكة الألوكة .

لا شك أنَّ صفة الكرم التي عند الوالد هي صفة إيجابيَّة يُحْمَد عليها عند الله وعند الناس، نعم تحتاج إلى نوعٍ مِن الضبط؛ حتى لا تضيعَ الحقوقُ الأخرى، وهذا ما سنُحاول بيانُه.

ولكن لك أن تفخرَ بهذا الوالد الذي قَلَّ نظيرُه في هذا الزمان؛ فهذه صفةُ الصحابة الكرام: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].

وعلى حد قول الشاعر:
وَتَرْكِي مُواسَاة الأَخِلَّاء بالذي
تنال يدي ظلمٌ لهم وعُقوقُ

وإني لأسْتَحْيي مِن الله أن أرى
بِحال اتِّساعٍ والصديق مضيقُ


ولأنَّ نفس الكريم عادةً تُؤَدِّي ما عليها، ولا تسأل ما لها، وهذا ما يفعله والدُك الكريمُ، ولكن مع كلِّ هذا الكرَم والعطاء لا بد مِن ضبط الأموال بتوثيقها، وكذلك بتحديد مدة السداد؛ حتى يُمكن المطالَبة بها لاحقًا.

ولأنَّ والدك الكريم ربما لا يتقبَّل منكم التوجيه المباشرَ - كما يظهر مِن وَصْفِك له بأنه (عصبي، ويُصِرُّ على رأيه) - فيُمكن اتخاذ خطوات أخرى تُعين على حلِّ هذه المشكلة، منها على سبيل المثال:
- أن يكونَ له محاسِبٌ خاصٌّ، أو سكرتير يقوم بتوثيق هذه الديون.

- ولحلِّ مشكلة الإقراض غير المحدود يُفَضَّل أن يجعلَ هذا الأمر موكولًا إلى المحاسب، أو لجنةٍ تخصَّص لهذا الغرَض، كما في الشركات؛ حيث يتمُّ دراسة الطلب بناءً على تقدير الحاجة، ووجود المتوفر في الميزانيَّة.

كذلك الحال بخصوص الخسائر المتتالية بسبب التسرُّع في بعض المشاريع، هذه تحتاج إلى تنبيهه إلى ضرورة عمل دراسة جَدْوى للمشروع الجديد، والتخطيط الجيِّد، ويمكن الاستعانة بخبراء أو مكاتب استشاريَّة - كما هو معروفٌ في هذا المجال.

أما بخصوص القضيَّة الأخيرة - قضية الشخص المستأجر للشقة - ومحاولة استخدام هجر الوالدة كسلاحٍ لإثناء الوالد عن قرار تأجيره لهذا الشخص، فالهجرُ يكون صالحًا في حالات، ويكون غير مُجْدٍ في حالات أخرى.

والذي يظهر مِن حالة الوالد النفسية، وأنه (شخص عصبي) حسب وصفك، فالأفضلُ عدم اللجوء لهذه الوسيلة؛ لاحتمال حصول نتائج عكسيَّة، واستخدام وسائل بديلة، مِن قبيل النُّصْح مِن أحد الأشخاص المؤَثِّرين على الوالد، هذا فضلًا عن أنَّ هجْرَ الزوجة لزوجها لا يجوز.

كما يُمكن الحديث معه حول مسألة ترتيب الأولويات مِن ناحيةٍ شرعيةٍ، فالقيامُ بالواجب مُقَدَّم على فِعل المسنون، فكفايةُ الأسرة والعيال واجبٌ، وإقراضه للآخرين مسنون.

كما يمكن استخدام نفس الأسلوب العاطفي لإثنائه عن رأيه الأخير، كما يستخدمه الأشخاصُ الآخرون، وأنتم أدرى بالمداخل التي يمكن أن تنفذوا منها لقلْبِ الوالد الكريم؛ فأهلُ مكة أدرى بشِعابها!

نسأل الله أن يهديَ والدكم الكريم للتي هي أقْوَم، وأن يُيَسِّر أموركم، ويغفر ذنوبكم

والله الموفِّق