الأدب وسيلة جعلوه غاية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4457 - عددالزوار : 882559 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3992 - عددالزوار : 416847 )           »          رمضان شهر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          رؤية هلال رمضان .. قصص من التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 58 - عددالزوار : 5080 )           »          جمهورية القرم الإسلامية .. وتاريخ من المعاناة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          المخدرات كارثة…تهدد بنيان المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          المسير إلى عرفة والوقوف بها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 49 )           »          الاستفادة من الأطفال في الدعوة إلى الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          معاناتي مع القولون العصبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-05-2021, 01:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,704
الدولة : Egypt
افتراضي الأدب وسيلة جعلوه غاية

الأدب وسيلة جعلوه غاية


محيي الدين صالح








البيان منحة عظيمة من الله - سبحانه وتعالى - امتنَّ الله بها على الإنسان قبل أن يمنَّ عليه بنِعَمِه الأخرى الكثيرة، التي لا تعدُّ ولا تُحْصَى، مثل الشمس والقمر، والنجم والشجر، والسماء المرفوعة بما عليها، ومرج البحرين، والجواري المنشآت، وما إلى ذلك مما جاء في سياق أول سورة الرحمن، وهذا يلفتنا إلى أهمية هذا البيان، إذا استُخدم في الغرض الأسمى الذي منحناه من أجله، وخطورته إذا استُغل في عكس المقصود.

وفيما يتعلَّق باللسان العربي المبين، فإن هذا البيان الذي يحتوي كلَّ ألوان الأدب الإنساني، قد ظلَّ يرتقي وينصهر ويتجانس ويتفاعل ويتكامل، إلى أن أصبح اللسان العربي، أو اللغة العربية أهلاً لحمل رسالة الله الخالدة للعالمين، وكانت المنافسات الشعرية التي تأجَّجت في جزيرة العرب قبل بعثة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بعشرات السنين، ربما بمئات السنين، من أهم العوامل التي أدَّت إلى ارتقاء الذوق العربي في التعامل مع اللغة، حتى وصل أهل البيان بلسانهم إلى أعلى مستوى يمكن أن يصل إليه الفكر الإنساني بلغته.

وعند هذه النقطة وفي هذا التوقيت، وبتقدير قدَّره الله - سبحانه وتعالى - بحكمةٍ بالغةٍ، كان نزول القرآن الكريم بإعجازه البلاغي والبياني ليتحدَّى أمةً ظنَّت أنها ارتقت بلغتها إلى أسمى الدرجات، وقد استمرَّ البيان في الساحة يؤدِّي دورَه مناصرًا للدعوة الإسلامية ورسولها، ومفنِّدًا مزاعم الشرك والديانات التي حُرِّفت، وبدأ يظهر منذ فجر الإسلام، وفي حياة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأثناء تتابع الوحي من السماء - دورُ الشعراء والأدباء في نشر الدعوة الإسلامية، جنبًا إلى جنب الدعاة المتخصصين، وسفراء الإسلام، وكان هذا انطلاقًا من مدلول الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن ماجه: ((إن من الشعر لحكمةً وإن من البيان لسحرًا))، وأيضًا ما جاء في الأثر عن قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لمن حوله من الشعراء: ((ما بال الذين ناصروا الإسلام بأسنَّتهم، لا يناصرونه بألسنتهم؟))، ولأن الشعر العربي عميق الأثر في النفوس - وكان العرب يعرفون هذه الحقيقة - فإنهم اتَّهموا رسول الله بأنه شاعرٌ عندما لاحظوا تأثير القرآن الكريم في قلوب السامعين، وكيف ينفذ إلى أعماقهم، بل زعموا أنه ساحرٌ.

وكان - رضوان الله عليهم أجمعين - (حسان بن ثابت، وعبدالله بن رواحة، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير، ولبيد بن ربيعة) ورفاقهم من الرعيل الأول من الشعراء، هم الذين أسَّسوا ثم شيَّدوا وثبَّتوا دعامات الأدب الإسلامي، ودوره وأهميته وأثره في الدعوة إلى الإسلام، كما قاموا بتصحيح مسار الشعر العربي من الخط الجاهلي الذي كان يلتفُّ حوله الغاوون، إلى الخط الإسلامي الذي سار على نهجه كلُّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الأدباء والشعراء.

وتتابع على الدرب بعد ذلك كثيرٌ من الشعراء عبر كل العصور المتلاحقة، وراحوا ينشرون فضائل الإسلام وتعاليمه بقوافيهم المحكمة في حِلِّهم وترحالهم، ويذودون عن الإسلام كلما تعرَّض للهجوم من أعدائه؛ سواء كان هذا الهجوم على رموز الدين أم على تعاليمه، ولم يخل جيلٌ من الأدباء تقريبًا من هؤلاء المخلصين، الذين نذروا بلاغتهم وفصاحتهم للدعوة إلى الله، حتى في فترات ضعف المجتمع العربي الإسلامي أو الدولة الإسلامية، أو أثناء تعرضها للغزوات الفكرية الدخيلة، أو انصراف بعض ولاة الأمر إلى عرَض الدنيا الزائل.

وقد ارتفع قدرُ الأمة الإسلامية عندما التزم الشعراء بحقيقة دور الأدب في المجتمع، متخذين منه وسيلةً للارتقاء بوجدان الناس إلى ما فيه الخير والصلاح، حتى صار تعريف الأدب في القاموس كما جاء في "تاج العروس"؛ للزبيدي، وأيضًا في "القاموس المحيط": "أن تؤدِّب الناس إلى المحامد وتنهاهم عن المقابح"، ثم بدأ هذا الدور في الخفوت والتلاشي في بعض مراحل حياة الأمة العربية حال ضعفها، وانقلب الوضع رأسًا على عقب، عندما اتَّخذ الأدباء أدبهم غايةً في حدِّ ذاته. فأصبح الأدب - في كثير من المحافل - معولاً للهدم وتفتيت أخلاقيات المجتمع، بل صار مدخلاً لبعض القِيَم الشاذة التي ابتُلِي بها بعض الأمم الأخرى، حين تمَّ نقله بعيوبه إلى أعماق كياننا الإسلامي.

وحينما أقول: إن الأدب ليس غايةً فحسب، فإنه يتوارد إلى الذاكرة ما رُوي عن أحد الخلفاء، عندما أتى إليه أحدُ المهرة وهو يحمل صندوقًا فيه كمية كبيرة من إبر الخياطة، أصرَّ على مقابلته، وعندما سمح له بالمقابلة، جلس على بُعد أمتارٍ من الستائر المعلَّقة، وأخذ يقذف الإبر التي كانت معه في اتجاه الستائر بمهارة فائقةٍ، يرشقها واحدةً تلو الأخرى بجوار بعضها البعض، فلما انتهى من صنيعه كانت النتيجة أن كتب على الستائر بخط جميل: (حفظ الله الخليفة العادل)، فأمر الخليفة أعوانه بإعطاء الرجل مائة دينارٍ؛ لمهارته فيما لا يقدر عليه غيره، كما أمر بجلده مائة جلدةٍ؛ لأنه أضاع الوقت فيما لا يفيد الراعي أو الرعية، وهذا الأمر أولى به الأدب والأدباء - على ما أرى - أما بخصوص الأدب الذي يُتَّخَذ معولاً للهدم، فأراني في حل من ذكر نموذج له؛ حتى لا أساعد على إلقاء الضوء عليه، ولو من بعيد، أو بشكل غير مباشر.

نعود إلى الدور الإيجابي للأدب؛ لنرى كيف كان أثره حتى على الدين، لم تكن اللغة العربية هي لغتهم الأصلية، فلقد دخل الإسلام إلى أرض السودان مع الهجرة الأولى في عهد النجاشي من خلال أسمى وأرقى ألوان البلاغة والأدب الذي حملته سورة (مريم)، فثبت في وجدان الناس تأثير البيان على أفئدتهم، فصاروا أهل تذوق، خاصةً أن أهل السودان الشرقي لإفريقيا في ذلك الوقت لم تنتشر بينهم عبادة الأصنام كثيرًا، حيث كان زعيم القبيلة هو المرجع الديني، وأحيانًا المعبود لديهم، كما كانوا أهل فطرةٍ، وكأنهم كانوا في انتظار من يطرق عليهم باب الفكر بدعوة التوحيد بأسلوب يتماشى مع أذواقهم الحياتيَّة، فتشبثوا بذلك الوافد الذي عزف على أوتار الشعر وأوزانه وإيقاعاته، وراحوا يتمايلون طربًا بكلِّ ما يداعب قلوبهم البكر ذات الفطرة النقيَّة، ثم شبُّوا عن الطوق وأصبحوا يتداولون البيان المؤثِّر، حتى ظهرت المقولة الشهيرة التي ترى أن الأدب "كُتِب في مصر، وطُبِع في الشام، وقُرِئ في السودان"، وهذه المقولة وإن كان فيها شيءٌ من المبالغة، فهي ليست خاليةً من بعض الصواب، أو الدلالة الثقافية والأدبية.

ومع مرور السنوات وتوالي الأيام، أصبح قُرَّاء الأمس يتعاطون فنون الأدب وقرض الشعر؛ للإدلاء بدلوهم في ساحات الأدب العربي، بل تصدَّر بعضُهم للذود عن حِمى الإسلام ولغته، التي حملت رسالة القرآن الكريم والسنَّة النبوية المطهَّرة، ومن النماذج الدالة على ذلك ما قاله الشاعر السوداني المعاصر عبدالله عبدالرحمن الأمين:













يَا أَيُّهَا الْعَرَبُ الْكِرَا مُ الْأَصْلِ مِنْ قَاصٍ وَدَانْ
الضَّادُ مَوْطِنُكُمْ وَمِنْ حَقِّ الْمَوَاطِنِ أَنْ تُصَانْ
وَالُعِلْمُ يَدْعُو لِلِتَّآ خِي وَالتَّعَاونِ وَالتَّدَانْ
وَكَذَا الثَّقَافَةُ يَنْبَغِي أَلاَّ يَكُونَ لَهَا مَكَانْ
إِنَّ الْحَيَاةَ تَدَاوُلٌ وَكَمَا تَدِينُ بِهَا تُدَانْ
وَاللهُ يَحْمِي مَنْ حَمَى مِنْ دِينِهِ هَذَا الِّلسَانْ



والحقيقة أن الأدب يجب أن يظلَّ وسيلةً فقط، ولا يكون غايًة بأيِّ حالٍ من الأحوال، مع الحرص الشديد في كلِّ ما يأتي منِّا قولاً أو فعلاً؛ لأننا مؤاخذون بما نقول بألسنتنا، فما بالنا بما نوثِّقه مكتوبًا بأقلامنا؟! وكما قال الجاحظ فيما نُسِب إليه:

وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلاَّ سَيَفْنَى وَيُبْقِي الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاه
فَلا تَكْتُبْ بِخَطِّكَ غَيْرَ شَيءٍ يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاه



ولا شك أننا - كأمةٍ إسلاميَّة - على يقينٍ تامٍّ من أنَّ قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]، تشمل كلَّ أنواع القول ضمن ما تشمله من معاني الالتزام الديني بكل تفسيرات الآية، ولا يقتصر على جانب دون جانب.

ولعلِّي لا أبالغ أو أتجاوز إذا قلت: إننا أحقُّ وأولى بالالتزام بما طرحه الشاعر الجاهلي: زهير بن أبي سُلمى، عندما قال في معلقته الشهيرة:


وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ صُورَةُ الَّلحْمِ وَالدَّمِ



والبيان فضلٌ من الله - سبحانه وتعالى - أعطى منه نصيبًا وافرًا للأدباء والشعراء، واستخدامه في غير محلِّه هو أشدُّ أنواع البخل، بل هو بعينه الشح المطاع، الذي نهى عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وإن كان البيت الأخير من هذه المقطوعة نسبه بعضُ الرواة إلى المتنبي، فإن الأمر لا يختلف كثيرًا؛ لأننا نقصد في المقام الأول أهمية الالتزام بالمنهج الأخلاقي في كلِّ ما نقول أو نكتب، ولسنا بصدد تحقيق التراث الأدبي، والنماذج في هذا المضمار كثيرةٌ جدًّا، وكلها تحفزنا للتمسك بالقِيَم النبيلة التي توارثناها من السلف الصالح، إضافةً إلى ما اكتسبناه من معارف من علماء الإسلام المحدثين.

خلاصة القول:
يجب أن نلتزمَ بتراثنا الفكري والديني، حينما نكتب الأدب، شعرًا كان أم نثرًا، ولا ننبهر بمعطيات الثقافات التي لا تراعي للدين حرمته، ونعيد للأدب مكانته الحقيقية باتخاذه وسيلةً نصل بها إلى الغايات، ولا يكون الأدب للأدب وكفى، ولا ينبغي - أيضًا - لأمةٍ تحترم عقيدتها، وتؤمن بقوله - تعالى -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، لا ينبغي لها أن تشارك في العبث بأيِّ صورةٍ من الصور، مهما كانت خافيةً، ومهما تُدثِّر بالمصطلحات البراقة الخادعة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.29 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.09%)]