كيف نحسن صلاتنا ونعيش أغنياء في حياتنا؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وصفات طبيعية لتفتيح منطقة الأنف وتوحيد لون البشرة.. هتحسى بفرق كبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          7 قطع لتزيين الحمام بأقل تكاليف.. أبرزها الشموع العطرية والنباتات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          طريقة عمل الكريب في البيت بنصف كوب دقيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          6 نصائح لاختيار الستائر المثالية للصيف.. تمنح الخصوصية وتساعد في التبريد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          مستحضرات العناية بالبشرة مش كفاية.. 4 أسرار لوجه نضر ومشرق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عصائر طبيعية تعتبر كبسولة النجاح لطلاب الثانوية العامة 2024 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          طريقة عمل البيض باللحم المفرومة.. طبق شهي بأقل المكونات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          4 أشكال لغرف أطفال تناسب جميع الأعمار هتساعدك على الاختيار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          زيت جوز الهند والعسل.. 3 وصفات طبيعية لشفاه نضرة ووردية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          طريقة عمل الدجاج بصلصة الليمون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-03-2021, 11:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,297
الدولة : Egypt
افتراضي كيف نحسن صلاتنا ونعيش أغنياء في حياتنا؟

كيف نحسن صلاتنا ونعيش أغنياء في حياتنا؟


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد



إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
نلاحظ أن كثيراً منا نحن المسلمين المؤمنين المصلين من يحب أن يكون عملُه صواباً صحيحاً متقبلاً عند الله سبحانه وتعالى، أن يكون عمله حسناً لا شائبة فيه، وإلا لِـمَ يعمل؟ لِـمَ يقوم بالعبادة والطاعة؟ حتى يقبلها الله عز وجل، ويكون هذا العبد من المقبولين عند الله سبحانه وتعالى.
فكثير من الناس من هؤلاء الصفوة إن شاء الله، يريدون أن يحسنوا صلاتهم.
يريد العبد أن تكون صلاته متقبلة عند الله عز وجل، لكنه يجد في نفس الوقت أنه إذا بدأ في الدخول في الصلاة لا يشعر بأنه يصلي، يؤدي حركاتٍ، ويقول كلماتٍ، لا يجد لها لذة في قلبه، يأتيه الوسواس الخناس، فيذكره بما يجري حوله من أحداث، وما يجري في نفسه من شهوات الأكل والشرب ونحوها، فينسى أنه في صلاة...
فكيف يحسن العبد صلاته؟
يحسنها إذا دخل في الصلاة يعلم أنه بين يدي الله، بين يدي رب العالمين، بين يدي ملك الملوك سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ[المؤمنون: 1، 2] فالعبد يحسن صلاته بالخشوع فيها، وحضور القلب، والمناجاة.
اخشع يا عبد الله، وإن لم تجد الخشوع فتخشّع، إذا لم تتحصل على الخشوع، والقلبُ فارغٌ من الخشوع، فحاول أن تأتي بالخشوع، تخشع يا عبد الله، فالخشوع يحسن الصلاة، وبالخشوع تكون المناجاة بينك وبين الله، لا يعلم بك أحد ما تقول؛ لا يسمعك أحد، لا يدري عنك أحد إلا الله؛ لأنك بين يدي الله تعالى.
مسلم مؤمن موحِّد، يريد أن تكون صلاته لله سبحانه وتعالى، فبالخشوع يأتِي ذكر الموت، إذا ذكرت الموت وآلامه وسكراته وشدته، وذكرت القبر وظلمته وضغطته، وسؤال الملكين، إذا ذكرت هذا وأنت في الصلاة تقرأ الآيات، وأنت مقبل على الله عز وجل، متذكِّرٌ للموت، هذا يحسن من صلاتك.
إذا دخلت في صلاتك يحسنها أن تظن هذه آخرَ صلاة، لا تفكر أنك تصلي بعدها صلاة أخرى، ثقوا تماماً: من كانت هذه في قلبه فإن صلاته ستتحسن، وتقبل عند الله سبحانه وتعالى بمشيئة الله.
دليل ذلك ما ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله - تعالى - عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (اذْكُرِ الْمَوْتَ فِي صَلاتِكَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ فِي صَلَاتِهِ لَحَرِيٌّ) (حَرِيٌّ): جدير وخليق وحقيق (أَنْ يُحْسِنَ صَلَاتَهُ، وَصَلِّ صَلَاةَ رَجُلٍ لَا يَظُنُّ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً غَيْرَهَا، وَإِيَّاكَ وَكُلَّ أَمْرٍ يُعْتَذَرُ مِنْهُ). أخرجه الديلمي (1/ 431، رقم: 1755)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (849)، الصَّحِيحَة: (2839).
وَأيضا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ) (عِظْنِي وَأَوْجِزْ) (قَالَ: "إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ")، ("كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ")، ("وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا")، ("وَأَجْمِعْ الْيَأسَ") ("مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ") ("تَعِشْ غَنِيًّا"). (جة) (4171)، (حم) (23545), انظر صَحِيح الْجَامِع: (742), الصَّحِيحَة: (401)، (طس) (4427), انظر صَحِيح الْجَامِع: (3776), الصَّحِيحَة: (1914).
وهكذا يبيِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف نحسن صلاتنا، لنكون من المقبولين عند الله سبحانه، وذلك بقبول صالح أعمالنا، فتحسين صلاتنا يكون بالخشوع فيها، وبذكر الموت في الصلاة، فكلما ذكرنا الموت واستحضرناه في صلاتنا، الموت وما فيه من شدة وسكرة، والقبر وما فيه من ظلمة وضغطة، وسؤال الملكين، فكلما ذكرنا ذلك كلما أحسنا منها، أحسنا من صلاتنا، وخشعنا فيها، وأخلصنا لله سبحانه وتعالى في أدائها، فخرج وانطرد من قلوبنا الرياء، وخرجت السمعة، فالصلاة لله لا رياء فيها ولا سمعة، ("اذْكُرِ الْمَوْتَ فِي صَلاتِكَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ فِي صَلَاتِهِ لَحَرِيٌّ") ("أَنْ يُحْسِنَ صَلَاتَهُ").
وحتى نحسن من صلاتنا نظن أنها آخر صلاة نصليها، وربما نُسَلِّمُ منها، أو يأتينا أجلنا قبل إنهائها والسلام منها، ("وَصَلِّ صَلَاةَ رَجُلٍ لَا يَظُنُّ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً غَيْرَهَا").
[إنّ من كانَ يحسِّن صلاتَه لعلمه بنظر مخلوقٍ إليه؛ فإنه ينبغي أن يحسِّنَها لعلمه بنظر الله إليه؛ فإن المصلي يناجي ربه، وهو قريب منه ومطّلع على سره وعلانيته...]. (فتح الباري) لابن رجب (2/ 357).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: ("يَا فُلَانُ!") -وهو أحد المصلين خلفه، ناداه باسمه- ("أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟!") ("أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟! فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ")، -كيف رآه النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف علم أنه لم يحسن من صلاته وهو يصلي خلفه؟ الجواب في قوله صلى الله عليه وسلم: ("إِنِّي وَاللهِ! لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ"). (م) 108- (423).
النبي صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وهذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى خللاً في صلاة أحد صحابته، فهداه إلى الصواب وبين له أن يحسن من صلاته، فالمراقبة في الصلاة تحسِّنها.
لو أنك تصلي وشيخك ينظر إليك، فهل صلاتك هذه تشبه صلاتك لو كنت في بيتك لا أحد يراك؟ إنك ستحسن الصلاة أمام الشيخ أو العالم أو ما شابه ذلك. تحسنها، فكيف إذا كان من يراقبك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! كيف ستفعل في صلاتك؟ وإذا كان رسول الله لا يراقبك، ولا يراك الآن، فكيف والله يراك سبحانه وتعالى، فأنت تصلي والله يراك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، سبحانه وتعالى.
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ) (عِظْنِي وَأَوْجِزْ) أريدك أن تعظني موعظة موجزة، سهلة الحفظ، حتى أقوم بها، وأعلمها غيري. قَالَ عليه الصلاة والسلام: ("إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ")، أي: شرعت فيها، فكبرت تكبيرة الإحرام، ("فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ")، أي؛ صلاةَ من لا يرجع إليها أبداً، آخر صلاة، وذلك أن المصلي سائرٌ إلى الله بقلبه، فيودِّع هواه ودنياه، وكلَّ ما سواه، "فصل صلاة مودع"، أي: كصلاةِ المودع؛ بالخشوع وتدبُّرِ القراءة والذكر، ("كَأَنَّكَ تَرَاهُ")، أي: كأنك ترى الله سبحانه وتعالى، ("فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ")، لا يخفى عليه شيء من أمرك.
فإن كتب الله لك حياةً بعد الصلاة، وسلمت منها، وخرجت منها بخير والحمد لله، فلا تنس ما كنت فيه في الصلاة، واذكر الموت، أيضا بعد الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم:
("وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا")، لأنه في غير أوقات الصلاة ينطلق لسان الإنسان، فيتكلم وربما يرجع عن كلامه، ويحتاج إلى الاعتذار، ولكن لماذا لا يتكلم بالكلام الذي يعتذر منه غدا؟ وذلك لقبحه، وعدمِ مطابقته، فيه كذب مثلا، أو لما فيه من الإثم والعقاب، فالاعتذار إمَّا إلى الله بالتوبة؛ لأنّ ترك الذنب خيرٌ من طلب المغفرة، أفضل من أن تقول: أستغفر الله أترك الذنب أصلا، أفضل من أن تقول اللهم اغفر لي ذنبي الفلاني، أفضل منه أن تترك هذا الذنب أصلا.
أو طلب الاعتذار من الناس؛ فالمراد لا يأتي بما يعتذر منه، بل لا يتكلم إلا بكلام لا يعتذر منه.
وهذا الكلام: عطفه على قوله: "صلِّ صلاة مودِّع"، بعدها قال: (ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا)؛ يعني أنه لا ينبغي له أن يقدِّرَ وقتًا يبقى فيه بعد صلاته، أنت صليت صلاةَ مودِّعٍ، وقدرت أن هناك وقتا بعدها فلا تتكلم بكلام تعتذر منه، بل كأنه آخر زمانه.
وكذلك لا يأتي بما يعتذر منه حتى يقدِّر وقتًا يعتذر فيه من قبيح ما أتاه؛ ربما يقول قولا يحتاج إلى اعتذار، يفعل فعلا يحتاج إلى اعتذار، وأين الوقت لذلك، وأن تصلي صلاة مودع، فكيف تنتظر وقتا آخر أن يأتيك حتى تعتذر، بل يفعل ويقول وهو مقدِّر أنه لا وقت بعد ذلك يتقيه، فلا يأتي بما يعتذر منه، فلا تنطق ولا تتكلم بشيء يوجب أن تطلب من غيرك رفع اللوم عنك بسببه.
فإذا انصرفت من صلاتك فإنك ستعامل الناس، ("وَأَجْمِعْ الْيَأسَ") مما في أيدي الناس، شيء مهم يغني الناس جميعا، ويشعرون أنهم في غنى فلا ينظرون إلى ما في أيدي الناس، لا ينظر بعضهم إلى ما في أيدي بعض، أجمع اليأس، أي: اعزم وصمِّم على قطع الأملِ، ("مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ") عما في يد غيرك من العباد؛ من متاع الدنيا، فإنك إن فعلت ذلك؛ وقطعت الأمل واليأس وأيست مما في أيدي الناس، ولم تطمع مما في أيديهم استراح قلبك، ولا يتمُّ ذلك إلاّ بتقصير الأمل، يقصر الإنسان أمله في هذه الدنيا، وتقدير أنه لا زمان تعيش فيه وتؤمِّله من الأوقات المستقبلة...
فإذا قطعت أملك مما في أيدي الناس ("تَعِشْ غَنِيًّا") عنهم بالله سبحانه وتعالى، فإنك إن فعلت ذلك استراح قلبك، فإن الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، ويجعلك مطمئنا لا يتعلَّق قلبُك إلا بمولاك سبحانه. انظر التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 174)، السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (1/ 162).
فـ[(إياك)... وكلمة إياك تحذير، أي: باعد واتق، إياكَ (وكلَّ أمرٍ يعتذر منه)، أي: احذر أن تتكلم بما تحتاج أن تعتذر عنه.
وما أكثر الكلام في هذه الأيام، الكلام الشفوي أو المكتوب، أو المرقوم على الفسبكة وما شابه ذلك، ثم يأتي وقت فسيعتذر الإنسان عنه، وهل يأتي هذا الوقت أم لا يأتي؟ هو عند الله سبحانه وتعالى.
وقيل: (ثلاثة من أعلام الكمال): ثلاثة أشياء تدل علامة أنها علم على كمال هذا الإنسان.
(وزنُ الكلام قبلَ التفوُّهِ به)، أن يزنه قبل أن يخرج ويحتاج إلى اعتذار، أم هو خير يقوله.
(ومجانبةُ ما يحوج إلى الاعتذار)، يبتعد من فعل أو قول يعتذر منه.
(وتركُ إجابةِ السفيهِ حلما عنه)، السفهاء والحمقى وما أكثرهم، تسمع وتقرأ لهم اتركهم جانبهم، لا ترد عليهم يموتوا بغيظهم.
وأخرج أحمد في الزهد، عن سعد بن عبادة أنه قال لابنه: (إياك وما يعتذر منه من القول والعمل، وافعل ما بدا لك). وفي رواية: (فإنه لا يُعتذر من خير). فالخير لا يعتذر منه.
وأخرج القالي في أماليه عن بعضهم: (دعَ ما يسبقُ إلى القلوب إنكارُه، وإن كان عندك اعتذارُه، فلست بموسِع عذراً كلّ من أسمعته نُكْرًا)... انظر فيض القدير (3/ 117، 118).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فحسِّن صلاتك بذكر الموت، حسن صلاتك بالخشوع لله، حسن صلاتك بأنها صلاة مودع وأنها آخر صلاة، وحسن كلامك ولسانك مع غيرك من الناس، وايأس مما في أيدي الناس، نرجع إلى حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
[عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِظْنِي وَأَوْجِزْ). فَقَالَ: («إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعذر مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعِ الْيَأْسَ مِمَّا فِي أَيْدِي الناس»). رواه أحمد.
هذه الوصايا الثلاث يا لها من وصايا، إذا أخذ بها العبد: تمّت أمورُه وأفلح - في دينه ودنياه.
فالوصية الأولى: تتضمَّن تكميلَ الصلاة، والاجتهاد في إيقاعها على أحسن الأحوال، وذلك بأن يحاسِبَ نفسه على كلِّ صلاة يصليها، وأنه سيتم جميع ما فيها من واجب، وفرضٍ وسنة، وأن يتحقق بمقام الإحسان الذي هو أعلى المقامات؛ وذلك بأن يقوم إليها مستحضرا وقوفه بين يدي ربه -سبحانه-، وأنه يناجيه بما يقوله من قراءة وذكر ودعاء، ويخضع له في قيامه وركوعه، وسجوده وخفضه ورفعه.
ويعينه على هذا المقصد الجليل، توطينُ نفسه على ذلك من غير تردُّدٍ ولا كسلٍ قلبيٍّ، ويستحضرُ في كلِّ صلاةٍ أنها صلاةُ مودِّع، كأنه لا يصلي غيرها.
ومعلوم أنّ المودِّعَ يجتهدُ اجتهادًا يبذل فيه كلّ وسعه، ولا يزال مستصحبا لهذه المعاني النافعة، والأسبابِ القوية، حتى يسهلَ عليه الأمر، ويتعوّدَ ذلك.
والصلاةُ على هذا الوجه، تَنهَى صاحبَها عن كلِّ خُلُقٍ رذيل، وتحثه على كل خلق جميل؛ لما تؤثره في نفسه من زيادة الإيمان، ونورِ القلبِ وسروره، ورغبته التامة في الخير.
وأما الوصية الثانية - من الوصايا النبوية -: فهي حفظ اللسان ومراقبتُه، فإن حفظ اللسان عليه المدار، وهو ملاك أمر العبد، فمتى ملك العبد لسانه ملك جميع أعضائه، ومتى ملكه لسانُه؛ فلم يصنه عن الكلام الضارّ، فإن أمره يختلّ في دينه ودنياه، فلا يتكلم بكلام، إلا قد عرف نفعه في دينه أو -في- دنياه، وكلُّ كلام يحتمل أن يكون فيه انتقاد -للمتكلم- أو اعتذار فليدعه، فإنه إذا تكلم به ملكه الكلام، وصار أسيرا له، وربما أحدث عليه ضررا لا يتمكن من تلافيه.


وبعد الوصية بالصلاة، وبعد الوصية بحفظ اللسان، الوصية الثالثة:
وأما الوصية الثالثة: فهي توطين النفس على التعلُّق بالله وحده، في -أموره-؛ أمور معاشه ومعاده، فلا يسأل إلا اللهَ، ولا يطمع إلا في فضله، ويوطن نفسه على اليأس مما في أيدي الناس؛ فإن اليأس عصمة، ومن أيس من شيء استغنى عنه، فكما أنه لا يسأل بلسانه إلا الله، فلا يعلق قلبه إلا بالله، فيبقى عبدا لله حقيقة، سالما من عبودية الخلق، قد تحرر من رِقِّهم، واكتسب بذلك العزَّ والشرف؛ فإن المتعلق بالخلق يكتسب الذلّ والسقوط بحسب تعلقه بهم. والله أعلم]. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، ط. الوزارة، للسعدي (ص: 150، 151).
قال سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16].
نسأل الله أن نكون من هؤلاء.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا همًّا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا أسيرا إلا فككته، ولا معتقلا إلا أطلقته، ولا غائبا إلا رددته إلى أهله سالما برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم كن معنا ولا تكن علينا، اللهم أيدنا ولا تخذلنا.
برحمتك يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم غيثاً مغيثاً سحاً غدقاً طبقاً هنيئاً مريئاً مربعاً يا رب العالمين.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق ولا بلاء ولا فتنة برحمتك يا أرحم الراحمين، اسق البلاد وارو العباد، اللهم اسق البلاد وارو العباد، اللهم اسق البلاد وارو العباد، اللهم اسق البلاد وارو العباد، برحمتك يا أرحم الراحمين.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.04 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]