|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية د. محمد بن هائل المدحجي العقم.. الأسباب والعلاج.. نظرة شرعية(1) الحلقة الأولى إن من أهم أسباب حدوث النوازل هو التقدم العلمي في شتى جوانب الحياة، ولعل المجال الطبي قد أخذ حيزاً كبيراً من هذا التقدم، فكثير من نوازل العصر لها تعلق بالجانب الطبي، ومن المجالات التي تطورت فيها علوم الطب تطورا هائلا ما يتعلق بالعقم وعلاجه، والذي تترتب عليه أحكام فقهية كثيرة. والعقم في اصطلاح الأطباء هو: «عدم قدرة الزوجة على الحمل بعد مرور سنة كاملة من العلاقة الزوجية القائمة بين زوجين بالغين وفي مرحلة الإخصاب، مع استمرار الاتصال الجنسي، ودون استخدام وسائل لمنع الحمل»، فلا يحكم طباً بوجود العقم إلا بعد مرور سنة كاملة على الزواج وبشرط أن يكون الزوج مقيماً مع الزوجة بصفة دائمة أو شبه دائمة وبينهما علاقة زوجية قائمة ومنتظمة، أما إذا كان الزوج مسافراً أو يحضر على فترات متقطعة فإن ذلك ربما يكون سبباً مفسراً لعدم حدوث الحمل دون وجود مانع لذلك في الحقيقة. والملاحظ أن الأطباء اعتنوا في تعريفهم للعقم بذكر مدة محددة يصدق بعدها وصف العقم، وهذا ما لا نجده في تعريف اللغويين أو الفقهاء للعقم الذي هو " العجز عن الإنجاب مع عدم ما يمنع منه ظاهراً "؛ وذلك لأن الغرض من تعريف العقم عند الأطباء هو علاجه بالدرجة الأولى، ومن ثمّ احتاجوا إلى تحديد الوقت الذي يمكن أن يكون الشخص بعده مصاباً بالعقم، وبالتالي يبدأ بالبحث عن تشخيص لحالته وعلاجها. ويصنف الأطباء العقم إلى نوعين أساسيين هما: (أ) العقم المطلق (Sterility): ويعني عدم إمكانية حدوث حمل مطلقاً لأسباب غير قابلة للعلاج: كعدم وجود رحم أو مبيضين أو خصيتين، وهو حالة نادرة الحدوث. (ب) العقم النسبي (Infertility): ويعني وجود عوائق تعيق حدوث الحمل يمكن علاجها، وقد أوضحت الدراسات أن ما بين 10-15% من الأزواج ما بين 15 - 45 سنة ويرغبون في الإنجاب يعانون من مشكلة العقم النسبي.وينقسم العقم النسبي بدوره إلى نوعين: (أ) عقم أوليّ: ويعني عدم حدوث حمل مطلقاً بعد الزواج. (ب)عقم ثانويّ: ويعني تأخر الإنجاب لمدة سنة دون سبب ظاهر يمنع منه رغم حدوث حمل في السابق، سواء نتج عن هذا الحمل إسقاط أو حمل طبيعي. ولا بد من التنبه هنا إلى أن العقم النسبي الثانوي لا يجعله اللغويون ولا الفقهاء داخلاً في العقم بحال من الأحوال، وإنما تجوّز الأطباء فعدوه عقماً؛ والسبب في هذا - فيما يبدو - هو عدم وجود فرق تشخيصي أو علاجي بينه وبين العقم النسبي الأولي. أسباب العقم هناك أسباب متعددة للعقم يذكرها الأطباء، ولعلي أسلط الضوء على بعض الأسباب التي يذكرها الأطباء حتى غير المسلمين منهم، ومنها: [1] الأمراض الجنسية: إن الأمراض الجنسية هي السبب الرئيس لحالات العقم وخاصة في المجتمعات الغربية، فمثلاً: في أمريكا 40% من حالات العقم سببها الالتهابات الناتجة عن الأمراض الجنسية؛ إذ تؤدي هذه الالتهابات إلى تليف الأنسجة في الأعضاء التناسلية وقفلها بحيث لا تستطيع القيام بوظائفها وبالتالي يؤدي ذلك إلى العقم، وهذه الأمراض الجنسية تنتج عن فعل الفواحش من الزنا واللواط، والشريعة الإسلامية جاءت بتحريم اقتراف هذه الفواحش، فقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...} (الأعراف:33)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط"، وقال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" وقال صلى الله عليه وسلم: "ما ظهر في قــوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل". [2] الإجهاض: فبسبب الإباحية في المجتمعات غير الإسلامية انتشر الإجهاض فيها انتشاراً كبيراً، وتكفي الأرقام التالية للدلالة على خطر هذه الآفة على التناسل والتكاثر: فقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد حالات الإجهاض التي تجرى سنوياً في العالم بين 36 و 55 مليون حالة، كما دلت الإحصاءات على أن (40-57)% من النساء اللواتي أجريت لهن عملية إجهاض مفتعل أصبن بالعقم، والشريعة الإسلامية كما حرمت الممارسات الإباحية، حرمت أيضاً الجناية على الأجنــــة - لاسيما بعد نفــــــخ الروح-، قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى:{...وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ...} (الممتحنة:12) «وهذا يشمل قتله بعد وجوده كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق، ويعم قتلَه وهو جنين كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء». [3] الجماع في الحيض والنفاس: فالجماع في مدة الحيض أو النفاس يؤدي أحياناً إلى إصابة المرأة بأمراض خطرة؛ بسبب انتشار الجراثيم بسهولة في المسالك التناسلية، مما يسبب لها عقماً أكيداً؛ وذلك لأن شرايين الرحم بعد الولادة وفي مدة الحيض تكون منتفخة ومفتوحة يتدفق منها الدم إلى الخارج مما يسهل دخول الجراثيم بسهولة عن طريقها إلى الرحم وملحقاته، وقــد حرم الله جل وعلا الجماع في الحيض لما فيه من الأذى والضرر، فقال سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة:222) ووطء النفساء كـــوطء الحائض حـــــرام باتفاق الأئمة. [4] تعاطي المسكرات والمخدرات: فتأثير شرب المواد الكحولية على خصوبة الرجل قد تأكد في جميع الأبحاث التي أجريت على نطاق واسع وأُثبتت نتائجها مرات عديدة، كما ظهر في الإحصائيات المختلفة في جميع أنحاء العالم أن الكحوليات لها تأثير ضار وسام مباشر على الخلايا المنتجة للحيوانات المنوية بالخصية مما يجعلها تفرز حيوانات منوية قليلة العدد وضعيفة الحركة مع ارتفاع في نسبة المشوهة منها،أما المواد المخدرة مثل: الحشيش، والأفيون، والأنواع الأقوى مثل: الهيروين، والكوكايين فتأثيرها على خصوبة الرجل وفحولته أكثر بكثير من المشروبات الكحولية،أما بالنسبة للنساء فقد أثبتت الدراسات والأبحاث بالإضافة إلى ما تتركه هذه الآفات من آثار سلبية على صحة المرأة أنها تؤثر على نشاط مراكز المخ المتحكمة في انتظام الدورة والتبويض مما يؤدي إلى العقم، هذا بالإضافة إلى تأثير المخدرات على الغدة النخامية مما يؤثر على عمل الهرمونات الأنثوية، وهذا يؤدي إلى عدم انتظام الدورة الشهرية وعدم تكوّن البويضات. وهذه المسكرات والمخدرات من الأمور المحرمة في الشريعة الغراء، فالعقل له منزلة جليلة في الإسلام، وقد جعله الله سبحانه وتعالى وسيلة للفهم والإدراك، ومناطًا للتكليف، وأمر الله جل وعلا بحفظه ورعايته وصيانته عن كل ما يؤثر عليه من المسكرات والمخدرات، وتعاطي ما يزيل العقل ويغيّبه محرم إجماعاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:90) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمــــر، وشاربها وساقيها، وبائعها ومُبتاعهـــــا، وعاصرها ومُعتصرها، وحاملهـــا والمحمولة إليـــه"، والمخدرات أشد تحريماً من الخمـــــر، يقـــــول شيخ الإسلام ابن تيمية – في الحشيشة: "فهي بالتحريم أولى من الخمــــــر؛ لأن ضـــرر آكل الحشيشة على نفسه أشد من ضرر الخمر"[مجموع الفتاوى (34/224)]، أضف إلى هذا الأضرار الجسيمة لكل من المسكرات والمخدرات، والإسلام حرّم كل ما فيه ضرر، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ". [5] التدخين: فالتدخين له آثار ضارة على الجهاز التناسلي ويمكن أن يؤدي إلى العقم، ومن هذه الآثار ما يلي: (أ) يؤثر التدخين على القلب وعلى الدورة الدموية وعمل الشرايين، فهو يؤدي إلى تقلص الأوعية الدموية مما يتسبب في حدوث انسداد في الأوردة، ومنها الأوعية الدموية للأعضاء التناسلية وخاصة الخصيتين، وهذا يؤدي إلى خلل في إنتاج الحيوانات المنوية. (ب) يقلل التدخين من عدد الحيوانات المنوية وحركتها، ويؤدي إلى ظهور نسبة من الحيوانات المنوية غير طبيعية الشكل أو عديمة الفائدة والوظيفة، كما يسبب عدم قدرة هذه الحيوانات المنوية على تلقيح البويضة. (جـ) يؤدي التدخين إلى خلل وظيفي في الغدد الصماء والهرمونات، ومن ذلك ما يؤديه من خلل في هرمونات الذكورة مما يؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية في الخصيتين. أما بالنسبة للنساء فقد أثبتت الدراسات أن التدخين يؤدي إلى صعوبة الحمل، وإلى خلل في التبويض، ويؤثرعلى حيوية البويضة نفسها وعلى نضجها، بالإضافة إلى تأثيره على عنق الرحم, وقنوات المبيض , وعلى الاتزان الهرموني , بل ويجعل فرصة نجاح التلقيح الصناعي أضعف، حيث: (أ) يؤثر النيكوتين على نضوج البويضة، و على القدرة على حدوث التلقيح؛ وذلك بسبب ما يحدثه من اختلالات كروموسومية في البويضة نفسها. (ب) تؤثر المواد السامة الموجودة في التبغ على إفرازات عنق الرحم, حيث تستقر خلاصة التبغ في هذه الإفرازات، الأمر الذي يؤثر على الحيوانات المنوية. (جـ) للتدخين أثر على قنوات المبيض بتأثيره على الأهداب، وبالتالي تأثيره على قدرة القنوات على القيام بوظائفها في نقل البويضة سواء الملقحة أو غير الملقحة. (د) وجدت علاقة بين التهابات الحوض المزمنة والتدخين، فاحتمالية إصابة المدخنات بهذه الالتهابات تفوق غير المدخنات بنسبة 70%. (هـ)هناك أبحاث كثيرة أثبتت تأثر نسب نجاح عمليات أطفال الأنابيب بتدخين الزوجة, وخلصت هذه الأبحاث إلى ما يلي: 1) فرص نجاح عملية أطفال الأنابيب للمدخنات هي نصف النسبة لدى غير المدخنات. 2) المواد السامة التي يحتويها التبغ وخلاصته تؤثر على هرمون (الإستروجين) بالتأثير على تصنيعه وإنتاجه أو بالتأثير على نتائجه لتكون أقل فاعليّة , كما أن تلك المكونات السامة تؤثر على قابلية البويضة للتلقيح بحيث تقللها، ومن جهة أخرى فإنها تؤدي إلى ارتفاع هرمون (FSH)، والذي يؤدي ارتفاعه قبل البدء ببرنامج التنشيط لعملية أطفال الأنابيب إلى فشل العملية. 3) يؤثر التدخين على عدد الحويصلات المنشطة والتي تكون أقل لدى المدخنات، كما أن عدد البويضات المستخلصة من الحويصلات بعد عملية السحب تكون أقل، وإمكانية تلقيحها تكون أضعف. وضرر التدخين على أجهزة الجسم المختلفة أصبح معروفاً للجميع، وخاصة جهاز التنفس والرئتين والدورة الدموية والشرايين، وأكدت عشرات الدراسات الطبية أن الدخان هو السبب الرئيس لكثير من الأمراض القاتلة كالسرطان، والشريعة الإسلامية جاءت بتحريم كل ما فيه ضرر أو إهلاك للنفس، يقول الله تعالى: {...وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (النساء:29)، ويقول سبحانه: {... وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...} (البقرة:195) ويقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم {...وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ...} (الأعراف:157) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ). [6] اقتحام المرأة لميدان العمل في أعمال لا تناسب المرأة: وهذه المشاركة ينتج عنها ضغط نفسي كبير بسبب أعباء العمل غير المناسبة لطبيعة المرأة، فنسبة كبيرة من العاملات يعانين من التوتر والقلق الناجمين عن المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهن، وهذه النسبة جاوزت في الولايات المتحدة 40% من النساء العاملات، وفي السويد 60% منهن، وفي ألمانيا 30%، وذكرت بعض الإحصاءات أن 76% من نسبة الأدوية المهدئة تصرف للنساء العاملات.والشد العصبي والنفسي الشديد يسبب خللاً واضطراباً في عمل غدة تحت المهاد (الهيبوثالاموس)، وهذا الاضطراب يعتبر من أكثر الأسباب شيوعاً لعدم انتظام التبويض. كما ينتج عن مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل: تأجيل الزواج والحمل بسبب الطموح المهني والبحث عن المستقبل وقبل ذلك عن لقمة العيش، وقد أثبتت الدراسات أنه كلما زاد سن المرأة كلما قلت نسبة حدوث الحمل، وأن عدد ونوعية البويضات يتناقص مع تقدم العمر، وتصل نسبة الحمل للنساء اللاتي يبلغ عمرهنّ الأربعين إلى 10% فقط؛ حيث يصبح نصف البويضات في هذه السنّ غير طبيعي من ناحية الكروموسومات، ويتضاعف عدد البويضات غير الطبيعية إلى 90% عند سن 42 عاماً. أضف إلى هذا ما يحصل بسبب مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل من اختلاط المرأة بالرجال الأجانب، وما ينتج عن ذلك من انتشار الفاحشة وهي من أسباب العقم - كما تقدم -. والإسلام قد أحاط المرأة بسياج يحميها من ذلك كله، فالأصل قرار المرأة في بيتها، وعملها خارج بيتها خروج عن هذا الأصل، فمهمتها الأساسية أن تكون راعية لأسرتها مربية لأطفالها، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ... } (الأحزاب:33) وقد خفض الإسلام للمرأة جناح الرحمة والرعاية في أمر الأعباء الاقتصادية، فكفل لها من أسباب الرزق ما يصونها عن التبذل ويحميها من عناء الكدح في الحياة، فأعفاها من كافة أعباء المعيشة وألقاها على كاهل الرجل، فالنفقة حق للمرأة وليست تفضلاً أو منّة من الرجل، بل هي نصيب مفروض لا يسع تركها مع القدرة، قال تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...} (النساء:34)، وقال سبحانه: {... وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...} (البقرة:233)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف). فالإسلام دين يتلاءم مع الفطرة، ولا يكلف نفساً إلا وسعها، وقد راعى طبيعة المرأة وأسقط عنها بعض الواجبات التي تستلزم الخروج من البيت: كصلاة الجماعة، والجهاد، والحج إذا لم يتيسر لها محرم، فالإسلام لا يريد أن يرهق المرأة من أمرها عسراً، فكما أن الرجال لا يصلحون للقيام بحضانة الأطفال ورعايتهم، فكذلك النساء لا يصلحن للمهن الشاقة، وإن كان هناك تجاوزات في هذا الشأن فإنها تتعارض مع طبيعة المرأة وفطرتها قبل أن تتعارض مع الإسلام وأحكامه. والإسلام لا يحرم خروج المرأة للعمل مطلقاً، بل هناك شروط وضوابط إذا تحققت كان خروجها للعمل جائزاً وإلا فلا، وأهم هذه الشروط والضوابط ما يلي: 1.أن يأذن لها وليها. 2.ألا يكون عملها صارفاً لها عن الزواج أو الإنجاب. 3.ألا يكون عملها على حساب واجباتها نحو زوجها وأولادها وبيتها. 4.ألا يكون من شأن هذا العمل أن يحملها فوق طاقتها، بل يجب أن يتفق مع طبيعتها وأنوثتها وخصائصها البدنية والنفسية. 5.أن يكون عملها لحاجة خاصة بها أو عامة للمجتمع وألا يكون مجرد ترف. 6.أن يكون عمل المرأة مشروعاً في ذاته. 7.أن تخرج للعمل باللباس الشرعي الساتر لجميع جسدها، بأوصافه وشروطه. 8.ألا تخالط الرجال الأجانب في عملها. [7] لبس المـــــرأة الملابس الضيقــة: أثبتت الدراسات الطبية أن ارتداء الملابس الضيقة في مرحلة المراهقة قد يسبب التهابات بطانة الرحم - وهي حالة مؤلمة قد تسبب العقم -؛ فهذه الملابس تسبب ضغطاً كبيراً حول الرحم وقنوات المبيض، وحتى عند خلع هذه الملابس فإن الضغط يبقى لبعض الوقت في جدران الرحم السميكة بالرغم من انخفاضه حول قنوات المبيض، وهذا يتسبب بدوره في توجه الخلايا إلى الخارج لتصل إلى المبايض، وتكرار هذه العملية لسنوات عدة بعد البلوغ يؤدي إلى تجمع وتراكم الخلايا من بطانة الرحم إلى منطقة أخرى من الجسم مما يسبب الإصابة بالمرض، والمــــــــرأة المسلمـــة منهية عـــــن لبس الضيق، ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«قد فسر قوله صلى الله عليه وسلم: (كاسيات عاريات) بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفاً واسعاً» [مجموع الفتاوى (22/146)]. [8] العوامل النفسية: وهي قد تكون مسببة للعقم، وبعض العوامل النفسية المسببة للعقم ناتجة عن عدم الإيمان بالقضاء والقدر الذي هو ركن من أركان الإيمان، ولو علم الإنسان أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه لطابت نفسه ورضي وسلم، كما قال جل وعلا:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ...} (التغابن:11)، قال ابن مسعود رضي الله عنه:(هو الذي إذا أصابته مصيبة رضي وعرف أنها من الله)، وصدق الله تعالى حيث يقول:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً...} (طه:124). وبنظرة تأمل في الأسباب السابقة للعقم يمكننا أن نقول بأن أهم سبب للعقم ولانتشاره المخيف - وخاصة في بلاد الغرب - هو مخالفة شريعة الله جل وعلا كما قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41)يقول الدكتور محمد علي البار_الطبيب المشهور _:« إن العلاج الحقيقي لعدم الإخصاب يتمثل أساساً في محاربة أسباب انتشار الأمراض الجنسية، ومنع الإجهاض، ومنع استخدام اللولب، وتطبيق تعاليم الإسلام في منع الزنا واللواط، ومنع العلاقة المحرمة بين الزوجين -كإتيان المرأة في المحيض -، وبيان المخاطر المترتبة على ذلك، والعودة بالمرأة إلى وظيفتها الأساسية في البيت بعيداً عن مظاهر الاختلاط، مما يوفر على المسلمين الملايين التي تنفق في بلاد الغرب لمحاربة الأمراض الناتجة عن العلاقات المحرمة بين الجنسين، ويجعل الخصوبة في بيوت المسلمين عالية مع نسل سليم صالح بإذن الله، كما أن في تطبيق تعاليم الإسلام توفيراً لمئات الملايين من الدولارات التي تنفق أو ستنفق في علاج عدم الخصوبة في هذه الدول» [أخلاقيات التلقيح الصناعي ص39 ]. ومن هنا نعلم أن حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء، يقول ابن القيم رحمه الله:«فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل» [زاد المعاد (1/69-70) ]،وقد عقد الإمام ابن القيم- في أول الجزء الثاني من كتابه (مفتاح دار السعادة) مقارنة بين حاجة الناس إلى علم الطب وحاجتهم إلى علم الشريعة، فبيَّن فيها أن حاجة الناس إلى الشريعة أعظم من حاجتهم إلى علم الطب مع شدة حاجة الناس إليه لصلاح أبدانهم، وبيّن أن الحاجة إلى الرسل، وعلومهم عليهم الصلاة والسلام، أكثر من الحاجة إلى الطعام والشراب بل والنَفَس. ولا أجد ما أختم به هذه المسألة الجليلة أفضل من القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية- بقوله: قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة، وبيان أن السعادة والهدى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الضلال والشقاء في مخالفته، وأن كل خير في الوجود: إما عام وإما خاص فمنشؤه من جهة الرسول، وأن كل شر في العالم مختص بالعبد فسببه مخالفة الرسول أو الجهل بما جاء به، وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة. والرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء. والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة... الخ» [مجموع الفتاوى (19/93)]. وللحديث بقية بإذن الله تعالى... والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() علاج العقم بالوسائل الحديثة ... نظرة شرعية(7) د. محمد بن هائل المدحجي التصرف في البويضات الملقحة الفائضة من عملية التلقيح الصناعي الحلقة السابعة ما زال الحديث مستمراً مع التلقيح الصناعي وأحكامه ، ومن ذلك الأحكام المتعلقة بالتصرف في البويضات الملقحة الفائضة من عملية التلقيح الصناعي . والبويضات الملقحة الفائضة هي : البويضات الملقحة التي يتم تجميدها لاستخدامها في حال فشل التلقيح الصناعي في المرة الأولى. والأصل أن لا يكون هناك فائض من البويضات الملقحة، وقد نصت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية على أن الوضع الأمثل هو أن لا يوجد فائض منها، بل إن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي أوجب ذلك، حيث جاء في قراره رقم ( 55 ) بشأن (البييضات الملقحة الزائدة عن الحاجة) ما نصه: "في ضوء ما تحقق علمياً من إمكان حفظ البييضات غير الملقحة للسحب منها، يجب عند تلقيح البييضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة، تفادياً لوجود فائض من البييضات الملقحة" . ومما يستدل به على الأصل المتقدم ما يلي: [1] أن منع وجود البويضات الملقحة الفائضة فيه احترام للحياة الإنسانية، ومنع للأطباء الذين لا يلتزمون بالقيم الدينية والخلقية من العبث بهذه البويضات. [2] أن الزوجة قد تطلب نقل البويضات الملقحة لها بعد وفاة زوجها، مع حرمة ذلك؛ لأن وفاة الزوج تنهي الحياة الزوجية. [3] حتى لا يوجد فائض يحتار الفقهاء في كيفية التصرف فيه. [4] أن وجود هذه البويضات الملقحة الفائضة يجعلها عرضة للاختلاط الذي يترتب عليه اختلاط الأنساب. وقد أشار قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق إلى البديل الذي يتحقق به المقصود، وهو حفظ البويضات غير الملقحة للسحب منها عند الحاجة، فيقوم الطبيب المعالج حينئذٍ بتلقيح العدد الذي يحتاجه في كل عملية تلقيح صناعي خارجي. إلا أنه إذا وجد فائض من البويضات الملقحة لأي سبب من الأسباب، فلا خلاف بين الفقهاء المعاصرين في تحريم استخدام البويضة الملقحة لتحقيق حمل لغير صاحبة البويضة، وأنه لابد من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البويضة الملقحة في حمل غير مشروع.جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي رقم (55)بشأن (البييضات الملقحة الزائدة عن الحاجة) ما نصه: "يحرم استخدام البييضة الملقحة في امرأة أخرى، ويجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البييضة الملقحة في حمل غير مشروع " . وفيما عدا ذلك اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم تجميد البويضات الملقحة عند قيام الحاجة لذلك، مدة من الزمان، ووفق ضوابط محددة تمنع من اختلاطها : فالقول الأول: أنه يجوز تجميد البويضات الملقحة بأربعة شروط هي: [1] أن يكون هناك حاجة لتجميد البويضات الملقحة. [2] أن يشرف على حفظ البويضات الملقحة جهة مركزية موثوقة، تعتمد إجراءات موثوقة ومضمونة تكفل عدم اختلاط الأنساب، ويشرف عليها أشخاص ثقات في دينهم وعلمهم. [3] أن يصدر قانون من الدولة ينظم هذه العملية بحيث يترتب على المخالفين والمتلاعبين عقوبات رادعة. [4] ألا تطول مدة التخزين خشية وقوع طلاق أو وفاة الزوج أثناءها. وإلى هذا القول ذهبت جمعية العلوم الطبية الإسلامية المنبثقة عن نقابة الأطباء الأردنية، وهو قول بعض الباحثين. والقول الثاني: أنه يحرم تجميد البويضات الملقحة، وإليه ذهب مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو قول أكثر الباحثين. والراجح والله أعلم هو القول الأول القاضي بجواز تجميد البويضات الملقحة بشروطه التي تقدمت ، وسبب الترجيح هو: [1] أن الشروط التي اشترطها أصحاب هذا القول كفيلة بتفادي المحاذير التي من أجلها ذهب أصحاب القول الثاني إلى التحريم. [2] أن الحاجة ملحة لتجميد البويضات الملقحة بسبب نسبة الفشل العالية لعمليات التلقيح الصناعي والتي تزيد عن (70 %) ومن ثم نجد أن كل مراكز علاج العقم في العالم تقوم بتجميد اللقائح، ومن حرم تجميد البويضات الملقحة إنما حرمه من باب سد الذريعة، والقاعدة أن " ما حرم سداً للذريعة يباح للمصلحة الراجحة " لكن بالتأكيد مع اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع المحظور، والله تعالى أعلم. وحيث قلنا بجواز تجميد البويضات الملقحة من حيث الأصل لمصلحة تحقيق الإنجاب للزوجين، فإنه لا بد من تقييد ذلك بعدم وجود ضرر في استخدام هذه الأجنة المجمدة ؛ إذ القاعدة الشرعية أنه " لا ضرر ولا ضرار" وتجميد الأجنة ما زال في الحقيقة في مرحلة التجارب، ولم يتبين إلى الآن مدى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن استخدام الأجنة المجمدة لمدة طويلة، وعليه فلا بد من قصر الجواز على مدة زمنية يكون استعمال اللقائح المجمدة خلالها مأمون العاقبة، والله تعالى أعلم. ومن الأحكام المتعلقة بالبويضات الملقحة الفائضة : حكم إتلاف هذه البويضات الملقحة: وقد اختلف الباحثون المعاصرون في حكم إتلاف الأجنة المجمدة الزائدة عن الحاجة في عمليات التلقيح الصناعي: فمنهم من رأى جواز إتلافها، ومنهم من رأى عدم جواز ذلك وأنه يجب تركها حتى يتوقف نموها وتنتهي حياتها دون تدخل من أحد. وخلافهم هنا مبني على خلافهم في تحديد بداية الحياة الإنسانية للجنين، فمن رأى أن بداية الحياة الإنسانية تكون من لحظة تلقيح البويضة بالحيوان المنوي مطلقاً رأى أن إتلاف البويضة الملقحة هو إتلاف لحياة محترمة فلا يجوز، في حين رأى أكثر الباحثين أن البويضة الملقحة لا حرمة لها ما لم تكن في داخل جسد المرأة - سواء منهم من يرى أن بداية الحياة الإنسانية بنفخ الروح في الجنين، أو من يرى أن بداية الحياة من الانغراس في بطانة الرحم، أو من يرى أنها من التلقيح إذا كانت داخل جسد المرأة -، ولا شك أن القول الثاني هو الصحيح . فالصحيح جواز إتلاف الأجنة المجمدة الفائضة ؛ إذ مآلها إلى التلف من جهة، ثم من جهة أخرى إتلافها يسرع في منع عبث العابثين بها ممن لا يخاف الله عز وجل - سواء في تحقيق حمل غير مشروع، أو في تجارب لا تتوافق مع مقاصد الشرع -، في حين أن تركها دون عناية حتى تهلك يعطي بعض الوقت لمثل هؤلاء العابثين يمكن أن يستغلوه في عبثهم، ومن ثَم ّ فقد صرح بعض الفقهاء المعاصرين بوجوب إتلافها فور إنتهاء حاجة الزوجين لها، وهو متجه لما فيه من قطع الطريق على الراغبين في العبث بهذه الأجنة المجمدة. وقد جاء في توصيات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت في ندوتها التي عقدت في (20-23) شعبان ( 1407 هـ) الموافق (18-21) إبريل (1987م) بعنوان (الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية): " أما إذا حصل فائض، فترى الأكثرية أن البويضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة " والله تعالى أعلم. حكم الاستفادة من البويضات الملقحة في الأبحاث والتجارب : هذا محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين ، لكن الصحيح أنه يجــــــوز إجـــراء الأبحاث والتجارب على الأجنــــة المجمــــدة، وإليه ذهب المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي ، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت بالأكثرية: فقد جاء في قرار المجمع بشأن الخلايا الجذعية في الدورة السابعة عشرة المنعقدة في( 19-23/10/1424هـ) الموافق( 13-17/12/2003م) : " يجوز الحصول على الخلايا الجذعية وتنميتها واستخدامها بهدف العلاج أو لإجراء الأبحاث العلمية المباحة , إذا كان مصدرها مباحاً , ومن ذلك - على سبيل المثال - المصادر الآتية: 5- اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب إذا وجدت وتبرع بها الوالدان مع التأكيد على أنه لا يجوز استخدامها في حمل غير مشروع ". و جاء في توصيات ندوة (رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشرية) المنعقدة في (23-26) ربيع الأول( 1410هـ ) الموافق (23-26) أكتوبر( 1989م) مانصه: " على رأي الأكثرية (الذي خالفه البعض) من جواز إعدام البييضات الملقحة قبل انغراسها في الرحم بأي وسيلة، لا مانع من إجراء التجارب العلمية المشروعة عليها ". لكن هذا الجواز له شروط ستة : [1] أن تتفق هذه الأبحاث مع المقاصد العامة للشريعة، فلا يجوز إجراء التجارب التي يراد بها تغيير فطرة الله، أو استغلال العلم للشر والفساد. [2] أن يكون المقصود من الأبحاث والتجارب تحقيق مصالح شرعية معتبرة لا تقل عن الحاجيات، ولا تنزل إلى مرتبة التحسينات، فلا يصح أن يكون الغرض من إجراء التجارب على الأجنة استخراج مستحضرات التجميل على سبيل المثال. [3] عدم وجود البديل عن البويضات الملقحةلتحقيق المصالح المبتغاة بحيث يتعين إجراء التجارب عليها. [4] عدم نقل اللقائح المستخدمة في البحث العلمي إلى الرحم. [5] موافقة الزوجين موافقة صريحة. [6] موافقة الجهـات المختصة، والقيام بالأبحاث تحت إشرافها للتحقق من توفر الشروط المتقدمة. والأدلة على جواز إجراء التجارب بالشروط السابقة على البويضات الملقحة ما يلي: [1] أن الأبحاث والتجارب على البويضات الملقحة لا تجرى على جنين ولا على إنسان، وإنما تجرى على مجموعة من الخلايا. [2] أن هناك مصالح كثيرة مترتبة على إجراء الأبحاث والتجارب على البويضات الملقحة، وهذه المصالح تتمثل في تحقيق الإنجاب للزوجين، ومعرفة قدرة الحيوان المنوي على التلقيح، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى علوق البويضة الملقحة في جدار الرحم أو عدمه، وغير ذلك من المصالح، والحياة الموجودة فيها مهدرة بالنسبة لهذه المصالح ؛ لأن الاحترام لها إنما يكون بعد نفخ الروح فيها. [3] أن البويضات الملقحة الزائدة لا تخلو من أحد احتمالين: (أ) أن تترك في أنبوب الاختبار لتنمو، ومآلها إلى التلف ؛ لأن أقصى مدة سجلت لنموها ستة عشر يوماً. (ب) أن تحفظ بعد التبريد لإجراء الأبحاث والتجارب عليها. وفي كلا الاحتمالين يستوي مصير البويضات الملقحة ؛ إذ أن مآلها إلى الموت، ولا شك أن الاحتمال الثاني أولى ؛ لما يترتب عليه من المصالح. ونأتي الآن لبيان حكم آخر من أحكام التلقيح الصناعي وهو : حكم إتلاف الأجنة الزائدة عن الحاجة بعد نقلها إلى رحم المرأة : حيث يلجأ الأطباء إلى نقل عدد زائد من البويضات الملقحة إلى الرحم لزيادة نسبة النجاح لعملية التلقيح الصناعي؛ إذ في كثير من الأحيان يرفض الرحم البويضة الملقحة، فبزيادة العدد إلى أربعة أجنة أو خمسة تزيد فرصة النجاح. لكن يحدث أحياناً أن تعلق هذه الأجنة كلها وتنمو كلها، بحيث يصبح نموها جميعاً يهدد نجاح عملية التلقيح الصناعي على العكس من الغرض الذي وضعت من أجله، فيلجأ الأطباء إلى التخلص من عدد معين من هذه الأجنة والإبقاء على اثنين إلى ثلاثة منها؛ وذلك لأن وجود حمل متعدد يغلب عليه الانتهاء بالإسقاط، أو الولادة المبكرة، أو حدوث مضاعفات للأم أولاً، ثم للأجنة ثانياً،كما أن تخفيض العدد يحسن من فرصة نمو بقية الأجنة واستمرار الحمل. ويتم تشخيص وجود هذا العدد الزائد من الأجنة بواسطة جهاز الفحص بالموجات فوق الصوتية، ويتم التشخيص ما بين الأسبوع الخامس إلى السادس. ويتم تخفيض عدد الأجنة عن طريق حقن مادة كلور البوتاسيوم في التجويف الصدري للأجنة الزائدة عن طريق المهبل، بالاستعانة بجهاز الأشعة الصوتية المهبلية، مما يؤدي إلى توقف الأجنة الزائدة عن النمو دون أن تؤثر على باقي الأجنة. وحكم إجهاض الأجنة الزائدة عن الحاجة بعد نقلها إلى رحم المرأة فينبني أولاً على المرحلة التي يتم فيها إجهاضها، وظاهر مما تقدم أن إجهاضها يكون قبل نفخ الروح فيها، والفقهاء- رحمهم الله - مختلفون في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين - أي قبل تمام أربعة أشهر -، فمن قال بالجواز سيقول هنا بالجواز من باب أولى ؛ لأن الحاجة للإجهاض هنا ظاهرة. أما على القول بتحريم الإجهاض قبل نفخ الروح - ولو في مرحلة دون مرحلة - فالظاهر أنه من باب تحريم الوسائل، وأنه حرّم سداً للذريعة، وأن المقصود الرئيس هو منع الإجهاض بعد نفخ الروح، وما حرّم سداً للذريعة يباح عند الحاجة، ومن ثمّ أجاز عامة الفقهاء المعاصرين إجهاض الجنين المشوه لهذا المعنى، والحاجة هنا ظاهرة لإجهاض بعض الأجنة للحفاظ على الأم وعلى الأجنة الباقية فيجوز ، والله تعالى أعلم. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |