كرهت نفسي وحياتي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التسويف.. أكــــاذيــب علــــــى النفـــــــس!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 110 )           »          مشكلات في طريق الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 163 )           »          أحوال الناس يوم القيامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          ماذا أعددنا لكشف الضر والبلاء؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          الرحمن الرحيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 140 )           »          أسباب فقدان السمع لدى الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          صنـائـع المعـروف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          السير من مزدلفة إلى منى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4465 - عددالزوار : 928817 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-01-2021, 05:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,887
الدولة : Egypt
افتراضي كرهت نفسي وحياتي

كرهت نفسي وحياتي


أ. عائشة الحكمي


السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ أدرُس في كلية التمريض، تَعِبتُ مِن نفسي، أرغبُ في تغيير أسلوب حياتي للأفضل، لكن لا أستطيعُ، وكلُّ محاولاتي فاشلة، أشعرُ أنَّ كلَّ مَن حولي أصبح يبتعدُ عني، ولكن لا أعرف السببَ، في الكلية يمرُّ أحيانًا يومٌ كامل، ولا أنطِقُ بحرف واحد، أشعرُ أنَّ كل مَن حولي سعيدٌ، إلاَّ أنا!!


دائمًا أشعرُ بالحزن، وأن لا أحدَ يُريدني، رغمَ أنَّني إنسانةٌ تُحبُّ الغيرَ، وتهتمُّ لأمورهم، شخصيتي جذَّابة - كما يقول الكثير - ولا يَنقُصني شيءٌ، ورغمَ هذا لا أشعر بالسعادة!


البعضُ يَنعتني بالغرور واللامبالاة، والبعضُ من صديقاتي أصبح يَنتقدُني، ويَزعمون أنَّني مريضة نفسيًّا، وأنَّني كئيبةٌ لدرجة أنَّني في بداية دخولي الكلية، أصبحَ لي ثلاثُ صديقات، في البداية كنتُ أشعرُ بالاهتمام منهنَّ، ولكن مِن كثْرة حُزني غير المعروف سببُه، أصبحتُ أؤلِّف قصصًا؛ لأوهمَ صديقاتي عن سبب حزني، انسحبتُ من دراستي؛ لأنِّي لم أعدْ أُطيقُها، وفي بداية الدِّراسة في العام التالي تعرَّفتُ على فتاة، كانتْ عندي أغلى من رُوحي، وهي بطبعها تحبُّ الحياة، مَرِحة واجتماعيَّة جدًّا، أحببتُها، ولم أُفكِّر في شيء سواها.


ذات يومٍ قالتْ لي: إنَّ فُلانةً تُريدني صديقةً لها، وأنَّها تحبني، وأنها لا تريدك، ابتسمتُ، وفي اليوم التالي جلستُ معها، وحدَّثْتُها عن إحساسي تُجاهَها؛ أنِّي أُحبُّها، ولا أريد أحدًا سواها، وهي تفاعلتْ معي جدًّا، رغم كلِّ أحزاني غير المعروف سببُها، إلاَّ أنَّني أصبحتُ أشعرُ بسعادة مع حزن معها!!


ومرَّتِ الأيَّام، وفي يوم طلبتْ منِّي أن تمارِسَ السِّحاق معي، فقبلتُ دون تردُّد، وأنا لا أحبُّ السِّحاق أبدًا، وأستحقِرُ البنات السِّحاقيَّات، وليس لديَّ خبرة، وفعلاً مارستُ معها السِّحاق بكلِّ سعادة، ولاحظتُ اهتمامَها بي، أصبحتُ لا أتحدَّثُ إلاَّ معها، ومع سواها لا أتحدَّث سوى بـ "صباح الخير" فقط.


ومرَّتِ الأيَّام، والألَم والحزن يَخنُقني، وأنا أتكلَّم معها - وبكلِّ صراحة - عن أحاسيسي، الكلمة المفضَّلة، والتي لا تُفارِق لساني: أتمنَّى الموت، رسائل لها كلُّها حزن، أغاني كلها حُزْن، أحبُّ أجواء الحُزْن، وفي داخلي أتمنَّى السعادة كغيري!!


أصبحتُ أرى الصُّدودَ من صديقتي واهتمامها بغيري، ضاقتْ بي الدنيا بما رَحُبَتْ، وزاد حُزني، كلَّمتُها عن مدى حُزني، ولكن لا جَدوى، زاد بُعدُها عنِّي دون أن أعرفَ الأسباب، أصبحتُ أوهم نفسي السَّعادة والضحك والفرح أمامَها، فما وجدتُ إلاَّ الاستهزاء بي كقولها: أنتِ كلك أحزان، ما تَعوَّدْنا عليك الضحك!


وأصبحتُ أبحثُ عن سبب ابتعادها، فقالت لي: أنتِ كئيبةٌ، وأنتِ سواء فهَّمْناكِ أو لم نُفهِّمْك لا تتغيَّرين أبدًا، ضاقتْ بي الدنيا، أصبحتُ أشعر بأنِّي منبوذةٌ ممَّن حولي بسبب كآبتي، أنا لا أعلم؛ هل أحتاجُ إلى طبيب نفسي أو لا؟


أُريدُ أن أُثبتَ لها ولغيرها وللجميع أنِّي تَغيَّرتُ للأفضل، وأنِّي أصبحَ كُلِّي حيويَّةً وفرحًا، وأرى الحياةَ بمنظار ثانٍ، هي لم تَعُدْ تهمُّني كما كان في السابق، وندمتُ على ممارساتي معها، وحبِّي لها وخوفي منها، واستغلالها لي.


أرجو الردَّ في أسرع وقت، قبلَ أن تنهار حياتي أكثرَ، وأنا في داخلي حماس كبيرٌ للتغيير.


مع العلم أنِّي لا أُصلِّي، وأسمع الأغاني الحزينة بكثرة، والقصص الحزينة، آخِر مَرَّة سجدتُ فيها كانتْ قبل 6 أشهر واحتمال أكثر، أعلم أنَّني مُخطِئة، وحاولتُ جاهدةً أن أصلِّي، ولكن لا جَدوى، دائمًا محاولاتي فاشلة، لا أعلمُ لماذا؟! أعلم أنَّ ذنوبي كثيرة، وكل ما بي عقاب من ربِّ العالمين، ورغمَ هذا مستمرة!!


أرجوكم ساعدوني قدرَ المستطاع، وأنا متفائلةٌ خيرًا – إن شاء الله.

ولظروف المجتمع المحيط لا أرغبُ في زيارة طبيب نفسي، أتمنَّى أن أعالِجَ نفسي بنفسي، وأطلب العونَ من الله، ثم منكم، وآسفةٌ على الإطالة.

فهذا جزءٌ يسير مِن معاناتي اليوميَّة


دمتم بود

الجواب

أختي العزيزة "الكئيبة"، أبعد الله عنكِ الحزن والكآبة.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


يرفض أصحابُ الفِطرةِ السليمة أن تُخدَش فِطرُهم السليمة بالسِّحاق، وفعْل قوم لوط؛ لأنَّها تُسقِط إنسانيتَهم من علوٍّ، وتقلب موازينَهم الطاهرة رأسًا على عقب، ولهذا عُوقِب قومُ لوط بأن رفع جبريل - عليه السلام - قُرَاهم إلى السماء، ثم أسْقَطها مقلوبةً إلى الأرض؛ {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ} [هود: 82].


ومَن يسقط من علوٍّ ينكسر فيه أقوى ما فيه، ويتَّسخ بما في سافل الأرض من وَحَل وقَذَر، وربَّما مات كبهيمة مترديَّة، فأرجو أن تكوني قد تُبتِ من هذا الفعل الشائن، الذي يَضيق صدري عندَ الحديث عنه، حتى ليعتريني شعورٌ بأنَّ الحروفَ والكلماتِ قد تدنستْ بذِكْره، فهي بحاجة أيضًا إلى الطُّهر والاغتسال؛ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].

أمَّا الصلاة، فقد كُتِب في فضلِها، والحثِّ عليها، وعقوبة تاركِها - الكثيرُ والكثير من الفتاوى والمقالات والتسجيلات والمجلَّدات، ولستُ أَزيد على ما قال العلماء أكثرَ مما قالوا، غير أنِّي أريد سؤالَكِ عن أمر سألتُه سابقًا: لو أنَّ حبيبًا لكِ هو أحبُّ إليكِ مِن نفسك، ثم اصطفاه اللهُ إلى جوارِه، وكان أن تَرَك لكِ وصية يشقُّ عليكِ تنفيذُها، ألستِ مِن شدَّة حُبِّك لصاحب الوصية أن تُحبِّي وصيتَه - وإن شقَّت عليكِ؟! ألن تَسعَيْ جاهدةً لتنفيذها حتى آخر عُمركِ؟!


اعلمي إذًا أنَّ الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم، والذي هو أحبُّ إلينا من أنفسنا ووالدينا والناس أجمعين - قد تَرَك لنا وصيةً كانتْ آخِرَ كلماته - صلوات الله وسلامه عليه - فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كانتْ عامَّة وصية رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين حضرتْه الوفاة، وهو يُغرْغر بنفسه: ((الصلاةَ، وما ملكتْ أيمانكم))؛ رواه ابن ماجه، وفي "الزوائد": إسناده حسن.



لا تستهيني بالصَّلاة وتَرْكها، فإنَّها لا تُترك حتى في أشدِّ حالات المرض، وأصعبِ ساعات الحَرْب، ولم تُفرضْ علينا وحْدنا كمسلمين، بل هي فريضةٌ على الناس في كلِّ دِين، ووصية الله الأولى للأنبياء والمرسَلين:



قال إبراهيم - عليه السلام -: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].


وامتدحَ الله ابنَه إسماعيل - عليه السلام - بقوله - عزَّ وجلَّ -: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54 - 55].


وموسى وهارون - عليهما السلام -: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87].


وقد قال عيسى - عليه السلام - {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].


كما كانتِ الصلاة إحدى وصايا لقمان الحكيم لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17].


المسألة عظيمةٌ يا عزيزتي، فلا تجعلي للشيطانِ مدخلاً؛ ليحولَ بينكِ وبين صلاتكِ؛ {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].


إنَّكِ كمُمرِّضة مستقبليَّة - إن شاء الله - تُدركين جيِّدًا أنَّ عقاقيرَ التخدير (البنج) التي تُعطى للمريض قبلَ خضوعه للجراحة، تُعطي تأثيرًا تنويميًّا مؤقتًا تُغيِّبه عن الواقع، وتُذهِب شعورَه بالألم، ثم لا تلبثُ أن تَزيدَ من آلامِه بعدَ زوال تأثير المخدِّر عنه، وربَّما كانتْ سببًا في وفاته إذا زادتْ عن حدِّها الطبيعي.


ما تفعله المعاصي بنا يُشبه تمامًا ما يفعله عقارُ التخدير بالجِسم، يقتلُ إحساسَنا بالألم مؤقَّتًا، ثم يلهبه، فيشتدُّ ألَمُ الرُّوح والقلْب، وإن كنَّا - يا أُخيَّتي - نتألَّم وتضيق بنا الدنيا على وُسْعِها، ونحن نسعى جاهدين للارتباط بربِّ العالَمين، فكيف بنا إذا ابتعدنا عنه – جلَّ وعلاَ - وارتحلنا مع الشيطان إلى دروب المعاصي والذنوب؟!!


تعلمين أنَّ الله صادقٌ، ولا أصدق منه تعالى في وعْده ووعيده، وقد توعَّد ربُّنا المعرضِين عنه بتعبِ العيْش في الدنيا؛ قائلاً في كتابه الكريم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124].


فاذكُري الله أولاً، واستغفري لذنبكِ، ثم تُوبي إليه، ولا تعودي لِمَا يُغضِب ربَّكِ، فهذه أولُ خُطوة على طريق التغيير؛ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135- 136].


تَفصِلنا عن رمضانَ أيَّامٌ قليلة، فهي فُرصتُكِ الذهبيَّة للاقتراب أكثرَ من ربِّ العالَمين، رُوحيًّا وقلبيًّا وجسديًّا؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.


بالنِّسبة لشخصيتك والحُزْن الغالب عليها، وعدم الاستمتاع بمباهج الحياة، والشُّعور الدائم بالإحباط، واجترار الفَشَل، وتمنِّي الموت، ولَوْم النفس - هي في الغالب سماتُ الشخصيَّة الاكتئابية Depressive Personality disorder، وهي ليستْ مرضًا، لكنَّها تُصنَّف ضمنَ الشخصيات (اللاَّسويَّة)، ولا تُجدي معها أدويةُ الاكتئاب غالبًا، بل تحتاجين معها إلى نوعَيْن من العلاج النفسي: معرفي، واستبصاري؛ لتصحيح نظرتِك إلى الحياة، والناس، والذات.


وما دمتِ تمتلكين الرغبةَ والدافعيَّة للتغيير، فأُبشِّرُكِ بأنَّ الحل في متناول يدكِ لإعادة صياغة مزاجكِ، ورسم خارطة تفكيركِ والله - عز وجل - يقول: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].


طبعًا تحتاجين إلى جلسات متفرِّقة مع الاختصاصيَّة النفسيَّة، وكلُّ ما يمكنني فِعْله الآن هو مناقشةُ أفكارِك السلبيَّة الواردة في استشارتِك:

• "لا أستطيع، كلُّ محاولاتي فاشلة":
لا يوجدُ شخصٌ لا يستطيع، فالاستطاعة بمقدور الجميع، فأوْقِفي فورًا هذه التقريعات الذاتيَّة، وتسلَّحي بـ(أستطيع)، و(سأنجح، إن شاء الله)؛ لأنَّ العقلَ الباطن يُسجِّل كلَّ أقوالِكِ كما هي، ويعمل على أساسها، فحينما تَقولين بأنَّكِ لا تستطيعين، فإنَّ عقلَكِ يؤكِّد ذلك، ويترجمه بأفعال، وليس مجرَّد أقوال، فتنبَّهي!
"في الكلية يمرُّ أحيانًا يوم كامل، ولا أنطِق بحرف واحد": السُّكوت فضيلةٌ، وقد تمرُّ بنا أوقاتٌ عديدة، نفقِد فيها الرغبة بالكلام، حتى مع أقربِ الناس إلينا، وربَّما كنِساء تلعب الهرمونات دورًا رئيسًا في "مِزاجياتنا"، فلا تتصوَّري أنَّ الوضع غير طبيعي، ولا تتصوري أنَّ كثرةَ الكلام أيضًا دليلُ صِحَّة، ثمَّة أوقاتٌ من كلِّ شهر يحتاج فيها كلُّ مَن حولنا إلى أن نصمتَ، غير أنَّنا لا نصمت!!
"أشعر أنَّ كلَّ مَن حولي سعيدٌ إلاَّ أنا، دائمًا أشعر بالحزن": مخطئة؛ إذ ما أكثرَ مَن يبتسم والحزن يُمزِّق قلبَه تمزيقًا، فلا يخدعنَّك بريقُ الأسنان، ثمَّة أشخاصٌ تلامس أحزانُهم الحدَّ الفاصل بين الفَرَح والحُزْن، فيختلط على مَن حولهم حقيقةُ شعورهم تُجاهَ الحياة.

"لا أحدَ يُريدني":
لا يُريدكِ الناس ليس لأنَّكِ (س) من الناس؛ ولكن لأنَّ لدَى الناس مشكلاتهم وأحزانهم، ولا يَرغبون في إضافةِ المزيد مِن الأحزان إلى أحزانهم، وأنتِ بحُزنكِ تُبدِّدين بقيَّة الفَرَح في دواخلهم، مِن أجل ذلك يتجنَّبونكِ، ومثلما تُحبِّين الاختلاطَ بالشخصيات المَرِحة والاجتماعيَّة، فغيرُكِ أيضًا يحبُّ ذلك - وإن شاء الله - تعود لكِ ابتسامتُكِ، وتجدين الناس ملْتفين مِن حوْلكِ.
"لا يَنقصني شيء، ورغم هذا لا أشعر بالسعادة": لأنَّكِ لم تشكري نِعمَ الله عليكِ! تَعلَّمي شُكرَ النِّعم، وإن قلَّت، وستظفرين حتمًا بالسعادة، بلْ وبزيادة النِّعم؛ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

"من كثرة حُزني غير المعروف سببُه أصبحتُ أؤلِّف قصصًا لأوهم صديقاتي عن سبب حزني":
لستِ مُضطرةً للتبرير والكذب؛ لأنَّ المؤمن صادقٌ لا يكذب، وفي الموطَّأ عن صفوان بن سليم: أنَّه قال: قيل لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال: ((نعم))، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: ((نعم))، فقيل له: أيكون المؤمن كذَّابًا؟ فقال: ((لا)).


الحزن جزءٌ من شخصيتك، وربَّما تلعب بعضُ العوامل في بيتِك في إظهار ذلك، ولو جلستِ قليلاً مع نفسك وفكرتِ كثيرًا في سبب حزنك، فربَّما وقعتِ على السَّبب، أو الأسباب الحقيقيَّة.

"في يومٍ طلبتْ مني أن تمارسَ السِّحاق معي، فقبلتُ دون تردُّد":
دون تردُّد؟! عجيبة هذه! أوَتظنِّين أنَّ ارتكابَ المعصية، وعصيان الخالق سيُكسبُكِ صديقةً؟!

القاعدةُ الفقهية تقول: "ما بُنِيَ على باطل فهو باطل"، والله - عزَّ وجلَّ - قد أنعم علينا بنِعمة العقل؛ لنختارَ ونفكِّر ونمحِّص الأمور، والعاقل مَن يختار اللهَ ورِضاه على كلِّ ما في الحياة مِن مُتع ومحببات، وشهوات وملذَّات؛ لأنَّه يعلم يقينًا أنَّ كلَّ هذه الأمور زائلة؛ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26 - 27].

"الكلمة المفضَّلة، والتي لا تُفارق لساني: أتمنَّى الموت": لقد نهى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن تمنِّي الموت؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ لضُرٍّ نزل به، فإنْ كان لا بدَّ متمنيًا للموت، فليقل: اللهمَّ أحيني ما كانتِ الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي))؛ متفق عليه.

ثم مَن يتمنَّى الموت يُفترض أنَّه قد قدَّم الحسناتِ، وليس السيِّئات؛ ليلقَى ربَّه وهو راضٍ عنه، أليس كذلك؟!

"أحبُّ أجواء الحزن، وفي داخلي أتمنَّى السعادة": أجواء الحزن، والقصص والروايات الحزينة، وكلُّ ما يَمتُّ للحزن بصلة، لا ضيرَ فيها إن لم يكنْ لدينا استعدادٌ نفسي للتأثُّر سلبًا، ومثلُكِ من ذوات الشخصيَّة الاكتئابية أكثرُ عُرضةً للتأثُّر سلبًا بتلك الأجواء، فأُفضِّل لكِ الابتعادَ عنها، ولو مؤقَّتًا، حتى تتوازني نفسيًّا.

"أعلمُ أنَّ ذنوبي كثيرة، وكل ما بي عقابٌ من ربِّ العالمين، ورغم هذا مستمرة!": لِتعلمي أنَّ الشيطان قد أخرجَ أبوينا آدم وحواء - عليهما السلام - من الجَنَّة من قبلُ؛ {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]، فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، كلَّما وسوس لكِ بمعصية؛ {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]، ولا تجعليه قرينًا مُصاحِبًا لخطواتك؛ {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قَرِينًا} [النساء: 38].

اقتربي مِن الله ليحبَّكِ، وإن أحبَّكِ الله فأبشِري بحبِّ الناس لكِ في الأرض، والملائكةِ في السَّماء.


عزيزتي،هكذا تَعلمِين بأنَّ علاجَك يَكْمُن في تصحيح بعض الأفكار السلبيَّة لدَيْكِ، جَرِّبي تصحيحَها، ولا تستهيني بأيِّ كلمة كتبتُها لكِ، وبإذن الله تُبشِّريننا في المستقبل القريب عن مدى تَحسُّنكِ، وكلُّ أبوابنا في (الألوكة) مُشْرَعة لكِ، فحياكِ الله، ونحن في انتظاركِ.



دمتِ بألف خير، ولا تنسيني من صالِح دعائك






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.81 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.51%)]