|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
((وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس))
((وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)) بسام ناصر يعيش الإنسان في كنف الإيمان وظلاله حياة تختلف عن حياة أولئك الذين لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، ففي ظلال الإيمان يترقى فهم الإنسان ليشاهد فضل الله عليه سابغاً، ونعمه تتنزل عليه متتابعة، وهو وإن مسه ضيق في العيش، أو ألمت به مصيبة من مصائب الدنيا؛ إلا إنه بإيمانه النابض، والمتدفق؛ يحتمل ذلك كله بنفس طيبة راضية. وحينما تستقر كلمة التوحيد بمعانيها العظيمة، ومضامينها الفاعلة والمؤثرة في قلب الإنسان المؤمن؛ فإن ثمارها تظهر على جوارحه، وتنعكس على سلوكياته، ومعاملاته مع الآخرين، والرضا هو أحد ثمرات الإيمان اليانعة لأن المؤمن يعلم يقيناً في مبدأ قصة حياته أنه قد جاء إلى الدنيا بفضل الله ومنته، فهو قبل أن يخرج إلى الحياة من بطن أمه لم يكن شيئاً مذكوراً، فمنّ الله عليه ابتداء بنعمة الإيجاد، ثم توالت نِعم مولاه عليه بالإمداد، فلولا إمداد الله له بأسباب الحياة لكان في عداد الأموات، وهو ما سيكون في يوم من الأيام. في قطعة من حديث رواه الترمذي بَيَّن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مآلات الرضا وثمراته، وما الذي يحدثه في نفس الإنسان المؤمن، جاء فيه (وارض بما قسم الله تكن أغنى الناس) تلك حالة نفسية يعيشها المؤمن، فرضاه عما قسمه الله له، وقناعته به؛ ناتجة عن إدراكه أن ما أتاه من رزق هو تقدير الله له، وتقادير الله من معاني ربوبيته - سبحانه -، فهو العادل الرحيم بعباده، وأفعاله جارية وفق سنن العدل، فلمَ لا يرض العبد بما قسمه له وهو المالك له وللكون كله بمن فيه؟ حالة الرضا تنبع من معنى آخر ذكره الرسول - عليه الصلاة والسلام - في حديث آخر، يقول فيه ((انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله)) أخرجه مسلم. حينما يأخذ المؤمن بهذا التوجيه النبوي الحاني فإن ثمرته تنعكس على نفس المؤمن، فتورثه استشعار عظيم نعم الله عليه، فينطلق لسانه بالشكر والثناء على الله، بما تفضل به وأنعم عليه، وفي الوقت نفسه يلجم نفسه عن الاسترسال مع هواها حينما تنظر إلى ما وسع الله به على آخرين من خلقه، فتستبد بنفسه الرغبات الجامحة في أن يكون لها مثل ما عندهم، ولقصر ذات اليد، وعدم التمكن من امتلاك ما يمتلكه الآخرون، فإنها تتسخط وتتذمر، وترى أنها محرومة، فتزدري نعمة الله عليها، ولا تراها شيئاً يستحق الذكر حينما تقارنها مع حالة من هم أغنى منها، وأوسع رزقاً. ماذا ينتج عن الرضا بما قسمه الله للإنسان؟ وماذا ينتج عن عدم الرضا بما قسمه الله له؟ في حالة الرضا تجد الإنسان الراضي مطمئن النفس، قرير العين، يحمد الله من كل قلبه على ما أتاه وأنعم به عليه، ويرى نفسه محظياً بنعم وافرة، أما عدم الرضا فإنه يورث النفس التسخط والتذمر، ويشيع فيها القلق والاضطراب والاكتئاب، وهو من بعد ذلك كله لن يحصل شيئاً مما عند الآخرين بتسخطه، بل سيزيده ذلك غماً وهماً ونكداً. عندما تستوطن الأمراض المستعصية جسد الإنسان؛ فلا سبيل أمامه مع أخذه بأسباب العلاج إلا التكيف مع تلك الحالات، والصبر على أوجاعها وآلامها المبرحة، فإن كان راضياً بما قسم الله له؛ فإنه يصبر ويحتسب، ويوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، فليس أمامه إلا الامتثال لأمر ربه الذي قدر عليه هذا المرض ابتلاء وامتحاناً، فيرى أن مولاه يريد أن يرفع درجته، ويعلي من قدره؛ بتكفير ذنوبه، وتكثير حسناته. أما حينما يتسخط الإنسان بسبب ما يصيبه من أمراض مزمنة ومستعصية؛ فتراه دائم الشكوى والتذمر، وقد يدفعه ذلك إلى التلفظ بألفاظ قبيحة، كأن تسمع أحدهم بعد أن يرفع بصره إلى السماء يقول: "يا رب لم تجد أحداً من خلقك غيري حتى تصيبه بهذا المرض؟ ماذا فعلت حتى تقدر علي هذا المرض العضال؟ فإن ذلك يسقطه من عين الله، ويحط من قدره عنده، ويجعله قلق النفس، مضطرب الوجدان. صور عدم الرضا عما قسمه الله للعبد كثيرة ومتعددة، منها تسخط بعضهم من خلقته التي خلقها الله عليها كأن يكون قصير القامة؛ فيتسخط من ذلك، طامحاً أن يكون من ذوي الطول الفارع، وقد تكون المرأة حنطية البشرة فتضيق ذرعاً بذلك، فتديم تذمرها الذي يدفعها إلى إساءة الأدب مع خالقها، لكن الإنسان المؤمن الراضي بما قسمه الله له في كل شؤون حياته يستشعر في كل حال من أحواله عظيم نعم الله، وواسع فضله وعطائه، فهو إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن حلت به المصائب قابلها بالصبر والاحتساب، ولم يقابلها بالمعايب كما يفعل المتسخطون. وخلاصة الموضوع وفحواه تقول: إن الغنى الحقيقي هو غنى النفس، والثروة الحقيقية هي الثروة الباقية، وأعظم تلك الثروة ما يستقر في قلب المؤمن من رضاه عن خالقه ومولاه، الذي يتمثل في رضاه عما قسمه الله، فيورثه حالة من هناءة العيش، على قلة ذات اليد، ويرزقه راحة البال مع كثرة المنغصات، وطمأنينة النفس في بيئات مسكونة بكثير من الأمراض النفسية المستعصية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |