تكوين الجماعة المؤمنة وإعدادها لمواجهة الأحداث - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فضل سنة الظهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فما أسرع الفساد إلى القلوب الخاوية. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          استمطار التوفيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الحكمة من كثرة بكاء الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          خاطرة حول العتاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التثبّت خُلُقُ العقلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أهمية الزمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ما يطيقه البشر وما لا يطيقونه من التكليف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          هل الكلب طاهر أم نجس؟ دراسة فقهية موجزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الخطاب القرآني في الإنصاف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-12-2019, 02:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تكوين الجماعة المؤمنة وإعدادها لمواجهة الأحداث



8- كما أن التكوين للجماعة المؤمنة يعني تحرير الولاء والبراء لله ورسوله والمؤمنين، فلا ولاء ولا نصرة ولا محبة لكافر ولا لمشرك يحارب الله ورسوله وشريعته وعباده المؤمنين مهما كان قدره وشأنه كما قال تعالى: ï´؟ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾[المجادلة: 22]. وكما قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ï´¾[المائدة: 51 ،52].


وكما قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام: ï´؟ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ï´¾ [الممتحنة: 4]، وكما قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ï´¾[آل عمران: 100 ،101].


9- كما أن التكوين للجماعة المؤمنة يعني إعداد الأنفس وتزكيتها بمنهج الله تعالى، إعداد تربوي شامل، وإعداد إيماني صحيح، وإعداد أخلاقي رفيع، وإعداد تعليمي واعي، وإعداد اقتصادي قوي، وإعداد عسكري مانع، كل هذا من الإعداد المأمور به شرعاً كما قال تعالى: ï´؟ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ï´¾[الأنفال: 60].


10- كما أن التكوين للجماعة المؤمنة يعني بعد كل ذلك:تحقيق الصفات المنشودة في جيل التمكين الموعود. فجيل التمكين الرباني أهله يعيشون في الدنيا بقلوب أهل الآخرة، ويعيشون فوق الأرض وقلوبهم تهفو إلى رضا المولى عز وجل ودخول جناته، ورفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وأبرز ما يميزهم عن غيرهم أنهم مخلصون لله رب العالمين، فإذا جاءتهم الدنيا جعلوها في أيديهم ولم يدخلوها في قلوبهم، لا يعبدون الأشخاص، ولا الأهواء، ولا الطاغوت أيا كان فقد تبين لهم الرشد من الغي، فكفروا بالطاغوت وآمنوا بالله وحده فاستمسكوا بالعروة الوثقى لا انفصام لها.


وجيل التمكين يشعر بمعية الله عز وجل، وهذا الشعور يدفع العبد المؤمن إلى الصدع بالحق ويطلق صاحبه الجبن والخوف والهلع، ويحدث في النفس انقلابا نفسيا في حياة الداعية، ولنتذكر حين قال أصحاب موسى: ï´؟ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ï´¾ قال موسى - عليه السلام -: ï´؟ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ï´¾[الشعراء: 62].


وجيل التمكين هو الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس" رواه مسلم. والمسلم إذا شرح الله صدره للإسلام وملأ قلبه بالإيمان يستسهل كل صعب ويستعذب كل كدر، إن هذا الغريب يرسل للناس من الأشعة الهادية ما ينير لهم الطريق، فهي ليست غربة عزلة وفرار، ولكنها غربة رفعة وسمو وحرص على إيصال دعوته للجميع، فهو لا يعيش في برج عاج بعيدًا عن الناس، بل يتفاعل معهم ويحمل همومهم ويعاونهم في حل مشاكلهم، فالناس جزء منه وهو جزء منهم فلا يتصور أن يتعالى عليهم.


وجيل التمكين طلاب آخرة: لعلمهم بأن متاع الدنيا قليل وبأنه ينتهي ويزول ï´؟ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ï´¾[النساء: 77]، ولذلك تنشئ سعة في نفوسهم، ورقة في مشاعرهم، وتحررا من المادة وظلامها.


وجيل التمكين يجب أن يتربى على الحذر من معصية الله أكثر مما نحذر من أعداء الله، ويجب أن نخاف المعاصي، والمسالك التي تقرب منها سدا للذريعة وبعدا عن الفتنة واتقاء للشبهة، ونستغفر الله ونذكره كثيرا إذا وقعنا في معصية، فهذه ميزة الصالحين ï´؟ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ï´¾[آل عمران: 135].


ورحم الله عمر الفاروق - رضي الله عنه - عندما وصى سعد بن أبي وقاص وهو في مسيره إلى حرب الفرس، فقال: "...
أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، وعدتنا ليست كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا ولن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل - لما عملوا بالمعاصي - كفار المجوس ï´؟ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ï´¾[الإسراء: 5]. وسلوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم.." [6].


وجيل التمكين جيل الصدق، وهو سلوك وصف الله عز وجل به أنبياءه عليهم السلام: ï´؟ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا ï´¾ [مريم: 54]، واتصف به حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - حتى قبل بعثته، ووصف به ربنا سبحانه الرجال، فقال تعالى: ï´؟ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ... ï´¾[الأحزاب: 23].


وجيل التمكين جيل الحب والإيثار، أي يرى الأخ أن إخوانه أولى به من نفسه، فهو يحب لهم الخير ويعمل على هدايتهم، ولابد أن يفصح لهم عن حبه لهم ويخبرهم به، وأن يترجمه لهم في تصرفاته، فإن هذا أدعى إلى التفاف الناس حوله واستجابتهم له. وأعلى مراتب الحب الإيثار وأدناها سلامة الصدر، وأن يكون لإخوانه كالبنيان يشد بعضه بعضا[7]، قال تعالى: ï´؟ وَإِن يُّرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾[الأنفال: 62، 63].


وجيل التمكين يجب أن يتولد لديه شعور ذاتي بمسئولية العمل للإسلام، واستعداد كامل لتلبية حاجات هذه المسئولية من النفس والجهد، فهو لا ينتظر التكليف الحركي لينهض بالأعباء والمسئوليات، وإنما يتولد في أعماقه شعور بالمسئولية ويجري في عروقه إحساس رباني بالتكليف.


فهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عندما التزم بالإسلام تفجرت فيه الذاتية الحركية فذهب إلى بلال بن رباح، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان والزبير بن العوام، ودعاهم للإسلام فأسلموا، وقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة مؤمن آل فرعون وكيف قام بدعوة قومه إلى الإيمان بدعوة موسى عليه السلام.


وجيل التمكين جيل دعوة وجهاد: كما كان الصحابة من المهاجرين والأنصار لا يشغلهم جهاد عن جهاد ولا ميدان عن ميدان، فهم دائما في صراع متواصل مع الفجرة في الداخل والكفرة في الخارج، لا يلقون سلاحهم ولا يستريحون من كفاحهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.


قد ترى أحدهم وهو العربي يقاوم الزحف الشيوعي الأحمر في أفغانستان، وترى آخر وهو أفغاني يقاتل الصرب في البوسنة، فالكفر ملة واحدة ï´؟ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ï´¾ [الأنفال: 73]. ï´؟ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ï´¾[التوبة: 71]، يجاهدون في سبيل الله في كل معركة تطلبهم وبكل سلاح يمكنهم.


ذلكم هو الجيل الذي ننشده وتنشده معنا الأمة بكاملها، وهو الجيل الذي تعمل القوى العالمية على إجهاضه، وشغله عن معاركه ومعارك أمته الكبرى بمعارك جانبية تافهة، وإغراقه في دوامة من الجدل لا يخرج منها، إن هذا الجيل هو جيل النصر الذي تتحرر على يديه كل أرض دنسها الطواغيت والفجار، هو الذي ترتفع به راية الله في أرض الله، هذا الجيل هو الجدير بأن يتنزل عليه نصر الله عز وجل[8].

11- كما أن التكوين للجماعة المؤمنة يعني الصبر والثبات على منهج الله حتى النصر والتمكين، أو الموت والشهادة في سبيل الله تعالى كما ثبت السابقون الأولون من قبلنا، ويكون الصبر على الإيذاء والسخرية الذي يتعرض له الدعاة إلى الله، على طول الطريق، فإن طريق التمكين ليست بالسهلة اليسيرة، لأنها تحتاج إلى علم وحكمة وعمل، وكذا صبر دائم دؤوب.


لأن الابتلاء للدعاة والمصلحين سنة من سنن الله تعالى، ï´؟ لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ï´¾ [الأنفال: 37]، فالدعاة يبتلون بأذى الكفرة والمشركين والملحدين والمنافقين بالقول والكيد والتعذيب، ونحن نرى كل يوم على صفحات الجرائد والصحف والمجلات التي تشرع للعهر والدعارة، وتعلن الحرب على مسلمات هذا الدين، وعلى الدعاة إلى الله، وتعمل على النيل منهم والتشهير بهم وتشويه صورتهم، وكل هذه الألوان من أنواع الابتلاء وسننه. إن البلاء قد يشتد بالدعاة إلى درجة كبيرة، ومع ذلك فهم صابرون محتسبون على طول الطريق وآلامه، وشعارهم في ذلك:
نحن الذين بايعوا محمداً
على الجهاد ما بقينا أبدًا



فعلى الداعية المسلم أن يقابل الأذى الذي يلقاه من أعدائه وخصومه بالصبر الجميل، فإن هذا الصبر، هو الطريق الثقيل لإعداد الرجال، وتربية الأبطال، وصناعة الأمة الإسلامية من جديد لذلك أمر به النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ابتداءً كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً ï´¾[المزمل: 5]، وقال تعالى: ï´؟ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ï´¾[النحل: 127].


ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية يوم أن عرف حقيقة هذا الطريق، وحقيقة السير فيه فأفصح قائلاً: "ما يفعل بي أعدائي، أنا جنتي معي، وبستاني في صدري، إن قتلي شهادة، ونفيي سياحة، وسجني خلوة، وتعذيبي جهاد في سبيل الله".


إن الذين حاربوا الدعوة والدعاة ومبادئ الإسلام وعقائده ذهبوا في مزبلة التاريخ وبقيت لنا أمثالهم عبرة وعظة.


وإن الذين صبروا وجاهدوا على دعوتهم ومبادئهم المثلى، انقلبوا إلى فضل من الله ورضوان، ولم يمسسهم سوء بل فازوا بإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة وبقيت لنا ذكراهم عاطرة فواحة ï´؟ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ï´¾ [الصافات: 174]، وصدق القائل:
هذي الدماء على الطريق منائر
قدسية الأضواء والألوان

تدعوا الغفاة الراقدين تنبهوا
وتحرروا من ربقة الإدمان

ما جنة الفردوس مأوى ساكت
عن حقه ومنافق وجبان

درب الشهادة لم تزل خطواته
مشتاقة لقوافل الفرسان

الرافعين رءوسهم صوب العلا
يرجون دار الروح والريحان



نقول أخيرًا إن الذين يحاولون إحياء روح الدعوة والعودة إلى الكتاب والسنة نقول لهم: ï´؟ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ï´¾[الأعراف: 128].


12- كما أن التكوين للجماعة المؤمنة يعني قيام الجماعة المؤمنة بواجبها الشرعي في التصفية والتربية على منهج وبصيرة، نعم تصفية للدين مما شابه من انحرافات وخرافات وبدع وأهواء، وتربية على منهج صحيح واضح، أما عن ضرورة اتباع هذا المنهج فيقول العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى: "إن الخلاص إلى أيدي هؤلاء الشباب يتمثل في أمرين لا ثالث لهما؛ التصفية والتربية.


التصفية: وأعني بالتصفية: تقديم الإسلام على الشباب المسلم مصفىًّ من كل ما دخل فيه على مِّر هذه القرون والسنين الطوال؛ من العقائد ومن الخرافات ومن البدعوالضلالات، ومن ذلك ما دخل فيه من أحاديث غير صحيحة قد تكون موضوعة، فلا بد منتحقيق هذه التصفية؛ لأنه بغيرها لا مجال أبداً لتحقيق أمنية هؤلاء المسلمين، الذين نعتبرهم من المصطفين المختارين في العالم الإسلامي الواسع.فالتصفية هذه إنما يراد بها تقديم العلاج الذي هو الإسلام، الذي عالج ما يشبه هذه المشكلة، حينما كان العرب أذلاء وكانوا من فارس والروم والحبشة من جهة، وكانوا يعبدون غيرالله تبارك وتعالى من جهة أخرى.


نحن نخالف كل الجماعات الإسلامية في هذه النقطة، ونرى أنه لا بد من البدء بالتصفية والتربية معاً، أما أن نبدأ بالأمور السياسية، والذين يشتغلون بالسياسة قد تكون عقائدهم خراباً يباباً، وقد يكون سلوكهم منالناحية الإسلامية بعيداً عن الشريعة، والذين يشتغلون بتكتيل الناس وتجميعهم على كلمة - إسلام - عامة ليس لهم مفاهيم واضحة في أذهان هؤلاء المتكتِّلين حول أولئك الدعاة، ومن ثم ليس لهذا الإسلام أي أثر في منطلقهم في حياتهم، ولهذا تجد كثيراً من هؤلاء وهؤلاء لا يحققون الإسلام في ذوات أنفسهم، فيما يمكنُهم أن يطبِّقوه بكلسهوله. وفي الوقت نفسه يرفع هؤلاء أصواتهم بأنه لا حكم إلا لله، ولا بد أن يكون الحكم بما أنزل الله؛ وهذه كلمة حقٍّ، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه.


العلة الأولى الكبرى: بُعدهم عن فهم الإسلام فهماً صحيحاً، كيف لا وفي الدعاة اليوم من يعتبر السلفيين بأنهم يضيعون عمرهم في التوحيد، ويا سبحان الله، ما أشد إغراق من يقول مثل هذا الكلام في الجهل؛ لأنه يتغافل - إن لم يكن غافلاً حقًّا - عن أن دعوة الأنبياء والرسل الكرام كانت ï´؟ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ï´¾ [النحل: 37]. بل إن نوحاً عليه الصلاة والسلام أقام ألف سنة إلا خمسين عاماً، لا يصلح ولا يشرع ولا يقيم سياسة، بل: يا قوم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. هل كان هناك إصلاح؟ هل هناك تشريع؟ هل هناك سياسة؟ لا شيء، تعالوا يا قوم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، فهذا أول رسول - بنص الحديث الصحيح - أُرسل إلى الأرض، استمرَّ في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاماً لا يدعوا إلا إلى التوحيد، وهو شغل السلفيين الشاغل، فكيف يُسفُّ كثير من الدعاة الإسلاميين وينحطُّوا إلى درجة أن ينكروا ذلك على السلفيين" [9].

أما عن ضرورة ملازمة التربية كمنهج تربوي تمكين الجماعة المؤمنة فيقول: "التربية: والشطر الثاني من هذه الكلمة يعني أنه لا بد من تربية المسلمين اليوم، على أساس ألا يفتنوا كما فُتِن الذين من قبلهم بالدنيا. ويقول الرسول عليهالصلاة والسلام: "ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تُفتح عليكم زهرة الحياة الدنيا، فتهلككم كما أهلكت الذين من قبلكم". ولهذا نرى أنه قَّل مَنْينتبه لهذا المرض فيربي الشباب، لا سيما الذين فتح الله عليهم كنوز الأرض، وأغرقهم في خيراته - تبارك وتعالى - وفي بركات الأرض، قلَّما يُنبه إلى هذا.


مرض يجب على المسلمين أن يتحصنَّوا منه، وأن لا يصل إلى قلوبهم "حب الدنيا وكراهة الموت"، إذاً فهذا مرض لا بد من معالجته، وتربية الناس على أن يتخلصوا منه. الحل وارد في ختام حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "حتى ترجعوا إلى دينكم".


الحل يتمثل في العودة الصحيحة إلى الإسلام، الإسلام بالمفهوم الصحيحالذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته. قال تعالى: ï´؟ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ï´¾ [محمد: 7]وهي التي أجمع المفسرون على أَنَّ معنى نصر الله: إنما بالعمل بأحكامه، فإذا كان نصر الله لا يتحقق إلا بإقامة أحكامه، فكيف يمكننا أن ندخل في الجهاد عملياً ونحن لم ننصر الله؛ عقيدتنا خراب يباب، وأخلاقنا تتماشى مع الفساد، لابد إذاً قبل الشروع بالجهاد من تصحيح العقيدة وتربية النفس، وعلى محاربة كل غفلةٍ أو تغافُل، وكلِّ خلافٍ أو تنازع ï´؟ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ï´¾ [الأنفال: 46] وحيننقضي على هذا التنازع وعلى هذه الغفلة، ونُحِلُّ محلها الصحوة والائتلاف والاتفاق؛ نتجه إلى تحقيق القوة المادية ï´؟ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ï´¾ [الأنفال: 60].


أخلاق المسلمين في التربية خراب يباب. أخطاء قاتلة، ولا بد من التصفيةوالتربية والعودة الصحيحة إلى الإسلام، وكم يعجبني في هذا المقام قول أحد الدعاة الإسلاميين من غير السلفيين، ولكن أصحابه لا يعملون بهذا القول: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم دولته في أرضكم".


إن أكثر الدعاة يخطئون حين يغفلون مبدأنا هذا، وحين يقولون: إن الوقت ليس وقت التصفية والتربية، وإنما وقت التكتل والتجمُّع. إذ كيف يتحقق التكتُّل والخلاف قائم في الأصول والفروع. إنه الضعف الذي استشرى في المسلمين. ودواؤه الوحيد يتلخَّص فيما أسلفتُ في العودة السليمةإلى الإسلام الصحيح، أو في تطبيق منهجنا في التصفية والتربية، ولعلَّ في هذاالقدر كفاية. والحمد لله رب العالمين"[10].

13- كما أن التكوين للجماعة المؤمنة يعني اليقين القلبي بأن المستقبل للإسلام ودعوته، نعم هذا اليقين المسلم به عند الصادقين المؤمنين، كما قال تعالى في كتابه: ï´؟ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ï´¾[المجادلة: 21]. وقال تعالى: ï´؟ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ï´¾[النور: 55]. وقال تعالى: ï´؟ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ï´¾[الروم: 60]. وقال تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ï´¾[التوبة: 33]، وقال تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ï´¾[الفتح: 28].


وفي سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الزاد الكبير من هذا لما استضعف المؤمنون وأوذوا ونكل بهم وعذبوا وقتلوا ولكنهم ثبتوا وأيقنوا أن الله ناصر دينه، ممكن لعباده، ولو بعد حين، والله غالب على أمر ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فما علينا إلا أن نعمل لدين الله، وأن نصبر حتى يأتي وعد الله.

[1] رحم الله أبا الحسن لو قدم الإيمان واليقين في قلب عمر لكان خيراً وأولى من عبقريته أولاً.

[2] ماذا خسر العالم (102 وما بعدها).

[3] رسالة مشكلات الشباب.

[4] المصدر السابق.

[5] مشكلات الشباب. لابن عثيمين.

[6] إتمام الوفاء. للخضري (72).

[7] نظرات في رسالة التعاليم (294).

[8] فقه النصر والتمكين. للصلابي (395-404) بتصرف.

[9] التصفية والتربية. الألباني.

[10] المصدر السابق.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.94 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]