قصة يوسف وامرأة العزيز: فوائد وأحكام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4962 - عددالزوار : 2066989 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4538 - عددالزوار : 1335923 )           »          في آخر الزمان تصبح السنة بدعة والبدعة سنة (اخر مشاركة : عبد العليم عثماني - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 606 - عددالزوار : 339535 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 379 - عددالزوار : 156455 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 394 - عددالزوار : 92500 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 14134 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 53386 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 47043 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 15477 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-01-2025, 09:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,002
الدولة : Egypt
افتراضي قصة يوسف وامرأة العزيز: فوائد وأحكام

قصة يوسف وامرأة العزيز: فوائد وأحكام

د. محمود بن أحمد الدوسري



الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:فَقَدْ تَكَامَلَتْ دَوَاعِي الْفِتْنَةِ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ وَامْرَأَةِ الْعَزِيزِ تَكَامُلًا عَجِيبًا؛ فَقَدْ رُكِّبَ فِي طَبْعِ الرَّجُلِ الْمَيْلُ إِلَى النِّسَاءِ، وَيُوسُفُ شَابٌّ أَعْزَبُ، غَيْرُ مُحَصَّنٍ بِزَوْجَةٍ- وَشَهْوَةُ الشَّابِّ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ- وَكَانَ غَرِيبًا عَنْ بَلَدِهِ، وَدَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، ﴿ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾ [يُوسُفَ: 23]؛ أَيْ: هَلُمَّ وَأَقْبِلْ إِلَى مَا أَدْعُوكَ إِلَيْهِ، وَهِيَ سَيِّدَتُهُ الَّتِي تَأْمُرُهُ، وَجَمَعَتْ لَهُ صَاحِبَاتِ الْوَجَاهَةِ فِي الْمَدِينَةِ؛ لِتَسْتَعِينَ بِهِنَّ عَلَيْهِ، وَتَوَعَّدَتْهُ بِالسَّجْنِ وَالْإِذْلَالِ وَالصَّغَارِ- إِذَا لَمْ يَسْتَجِبْ لِرَغْبَتِهَا: ﴿ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ [يُوسُفَ: 32]، وَلَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ تَهْدِيدٍ؛ بَلْ سُجِنَ بِالْفِعْلِ: ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ [يُوسُفَ: 35]، وَمِنْ أَهَمِّ الدُّرُوسِ وَالْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ وَالْأَحْكَامِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ:
1- الْحَذَرُ مِنَ الْخُلْوَةِ بِالنِّسَاءِ، وَلَا سِيَّمَا الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

2- السَّبَبُ فِي امْتِنَاعِ يُوسُفَ عَنْ إِجَابَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ، ثُمَّ تَعْظِيمُهُ خِيَانَةَ مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَأَهْلِهِ: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾، وَالْمَقْصُودُ: الْعَزِيزُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ حِينِ كَانَ غُلَامًا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَرَبَّاهُ.

3- مَنْ دُعِيَ إِلَى مَعْصِيَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِيَعْصِمَهُ اللَّهُ مِنْهَا: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾؛ سَوَاءٌ كَانَ الدَّاعِي هُوَ الشَّيْطَانَ، أَوْ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ، أَوْ هَوَى النَّفْسِ.

4-فِي قَوْلِهِ تَعَالَى – عَنْ يُوسُفَ: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَذُكِرَ وَصْفُ الرَّبِّ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ؛ احْتِمَالِ أَنَّهُ اللَّهُ، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَيِّدُهُ؛ فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ تَعَالَى فَتَجِبُ طَاعَتُهُ وَشُكْرُهُ عَلَى نِعْمَةِ الْإِيجَادِ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدَهُ الْعَزِيزَ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ لَهُ، وَعَدَمُ خِيَانَتِهِ.

5- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى – عَنْ يُوسُفَ: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْمَ "الرَّبِّ" قَدْ يُرَادُ بِهِ السَّيِّدُ، وَكَمَا فِي قَوْلِ يُوسُفَ أَيْضًا – لِغُلَامِ الْمَلِكِ: ﴿ اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾، وَكَذَا عَنِ الْغُلَامِ: ﴿ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ﴾ [يُوسُفَ: 42].

6- ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾، الْهُمُّ دَاعٍ مِنْ دَوَاعِي النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَهُوَ طَبِيعَةٌ لِأَغْلَبِ النَّاسِ.

7- هَمَّتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ هَمَّ عَزْمٍ بِمُوَاقَعَةِ الْفَاحِشَةِ مَعَ يُوسُفَ.


8- هَمَّ يُوسُفُ بِهَا؛ وَلَكِنْ كَانَ هَمُّهُ خَاطِرًا عَارِضًا، وَحَدِيثَ نَفْسٍ، مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، وَلَا عَزْمٍ، وَقَدْ صَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَصَمَهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ؛ بِمَا أَوْدَعَهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ عِلْمٍ يَقِينِيٍّ بِحُرْمَةِ هَذَا الْفِعْلِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا؛ كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

9- تَرَكَ يُوسُفُ هَذَا الْهَمَّ الْعَارِضَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَغَلَّبَ خَشْيَةَ اللَّهِ عَلَى دَاعِي النَّفْسِ وَالْهَوَى؛ فَكَانَ مِمَّنْ ﴿ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النَّازِعَاتِ: 40]، وَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: «رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: "إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

10- فِي صَرْفِ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ عَنْ يُوسُفَ، وَكَوْنُهُ مِنَ الْمُخْلِصِينَ؛ دَلِيلٌ عَلَى عِصْمَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

11- الْهَمُّ الَّذِي يُلَامُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ؛ هُوَ الْهَمُّ الَّذِي يُسَاكِنُهُ، وَيَصِيرُ عَزْمًا، وَرُبَّمَا اقْتَرَنَ بِهِ الْفِعْلُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا؛ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

12- الْقُلُوبُ الْمُعْرِضَةُ عَنِ اللَّهِ، وَالْفَارِغَةُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى تُبْتَلَى بِعِشْقِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا امْتَلَأَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَالْخَوْفِ مِنْهُ؛ دَفَعَ عَنْ صَاحِبِهِ مَرَضَ عِشْقِ الصُّوَرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى – فِي حَقِّ يُوسُفَ: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعِشْقِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَتُهُ وَنَتِيجَتُهُ.

13- يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ – إِذَا رَأَى مَكَانًا فِيهِ فِتْنَةٌ، وَأَسْبَابُ مَعْصِيَةٍ – أَنْ يَفِرَّ مِنْهُ، وَيَهْرُبَ، وَلَا يَسْتَسْلِمُ لِلْمُنْكِرَاتِ وَالْفِتَنِ، وَالْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ ﴾؛ أَيْ: تَسَابَقَا نَحْوَ الْبَابِ، هِيَ تَطْلُبُهُ وَتُرَاوِدُهُ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهَا؛ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ شَرِّهَا.

14- ﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِوَلَمْ يَقُلْ: "سَيِّدَهُمَا"؛ لِأَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَدْخُلْ فِي رِقٍّ، وَلَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ الْمَخْلُوقِينَ بِالسَّادَةِ.

15- نَجَّاهُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ مِنَ الْفِتْنَةِ: ﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ﴾ فَكُشِفَ أَمْرُهَا وَفُضِحَتْ، فَلَمْ تَتَوَقَّعْ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجُهَا فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ الْحَرِجَةِ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الْحَجِّ: 38].

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنَ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ وَالْأَحْكَامِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ:
16- دَافَعَتْ عَنْ نَفْسِهَا؛ بِالِافْتِرَاءِ عَلَى يُوسُفَ، وَاتِّهَامِهِ بِالْمُرَاوَدَةِ: ﴿ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًافَقَدْ يَدَّعِي الْمُجْرِمُ الْبَرَاءَةَ، وَيَتَّهِمُ خَصْمَهُ، وَيُغَلِّفُ جَرِيمَتَهُ بِالْكَذِبِ، وَالْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ، لِيُصَدِّقَهُ النَّاسُ؛ مِثْلَمَا فَعَلَ إِخْوَةُ يُوسُفَ - مِنْ قَبْلُ: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ... وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ [يُوسُفَ: 16-18]، وَقَدْ لَا يَتَكَلَّمُ الْمَظْلُومُ؛ لِضَعْفِهِ، وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ جَوَابُهُ مُقْتَضَبًا؛ مِثْلَمَا قَالَ يُوسُفُ: ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

17- قَدَّمَ الشَّاهِدُ أَمَارَةَ صِدْقِهَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ زَوْجُهَا:﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ اهْتِمَامٌ بِهَا، وَفِي الْحَقِيقَةِ تَقْرِيرٌ لِكَذِبِهَا مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى بِاللُّزُومِ، وَالثَّانِيَةُ بِالْمُطَابَقَةِ.

18- الْحُكْمُ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ إِذَا غَابَتِ الْبَيِّنَاتُ، فَالْقَرَائِنُ الْجَازِمَةُ رُبَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَاتِ؛ لِأَنَّ يُوسُفَ لَمَّا بَهَتَتْهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، وَاضْطُرَّ إِلَى الدِّفَاعِ، وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ، وَلَا شَيْءٌ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُصَدِّقُهَا، جَاءَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ، وَجَعَلَ شَقَّ قَمِيصِهِ مِنْ دُبُرٍ قَرِينَةً عَلَى صِدْقِهِ، وَكَذِبِ الْمَرْأَةِ.

19- لِلنِّسَاءِ مِنَ الْمَكْرِ وَالْحِيَلِ وَالْكَيْدِ -فِي إِتْمَامِ مُرَادِهِنَّ- مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ وَلِذَا قَالَ الْعَزِيزُ لِزَوْجَتِهِ: ﴿ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾؛ أَيْ: إِنَّ هَذَا الْكَذِبَ الَّذِي ادَّعَيْتِهِ عَلَى يُوسُفَ مِنْ جُمْلَةِ مَكْرِكُنَّ وَحِيَلِكُنَّ – أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، إِنَّ مَكْرَكُنَّ وَاحْتِيَالَكُنَّ عَظِيمٌ، وَشَدِيدُ التَّأْثِيرِ فِي النُّفُوسِ؛ فَقَدْ وُصِفَ كَيْدُ النِّسَاءِ بِالْعِظَمِ – وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَلْطَفُ كَيْدًا بِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ، وَبِمَا تَفَرَّغْنَ لَهُ، وَاكْتَسَبَ بَعْضُهُنَّ مِنْ بَعْضٍ، وَهُنَّ أَنْفَذُ حِيلَةً.

20- فِي قَوْلِ الْعَزِيزِ: ﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ ذَنْبًا، وَيَسْتَغْفِرُونَ مِنْهُ – وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ – وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ مُشْرِكِينَ؛ وَهُمْ يُحَرِّمُونَ الْفَوَاحِشَ، وَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ مِنْهَا.

21- بَيَّنَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ بَرَاءَةَ يُوسُفَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي؛ فَقَدْ شَهِدَ كُلُّ مَنْ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالْقِصَّةِ بِبَرَاءَتِهِ؛ [وَهُمْ: يُوسُفُ، وَالْمَرْأَةُ، وَزَوْجُهَا، وَالنِّسْوَةُ، وَالشُّهُودُ]، وَشَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا بِبَرَاءَتِهِ، وَاعْتَرَفَ بِهِ إِبْلِيسُ.

فَأَمَّا جَزْمُ يُوسُفَبِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ: فَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾.

وَأَمَّا اعْتِرَافُ الْمَرْأَةِ، فَفِي قَوْلِهَا لِلنِّسْوَةِ: ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ﴾.

وَأَمَّا اعْتِرَافُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ، فَفِي قَوْلِهِ: ﴿ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾.

وَأَمَّا اعْتِرَافُ الشُّهُودِ، فَفِي قَوْلِهِ: ﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.

وَأَمَّا شَهَادَةُ اللَّهِ بِبَرَاءَتِهِ، فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾.

وَأَمَّا إِقْرَارُ إِبْلِيسَ بِطَهَارَةِ يُوسُفَ وَنَزَاهَتِهِ؛ فَلِأَنَّهُ قَالَ: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82-83]، فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِغْوَاءُ الْمُخْلَصِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ يُوسُفَ مِنَ الْمُخْلَصِينَ، فَظَهَرَتْ دَلَالَةُ الْقُرْآنِ مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.21 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]