|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عز القناعة إبراهيم الدميجي الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى؛ أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن المؤمن بالله قانع بما آتاه الله، فالقناعة تدخل دخولًا أوليًّا في معاني الرضا بالله تعالى والإيمان به، والمسلم القنوع مفلح حقًّا وسعيد صدقًا؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه))[1]، وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((طوبى لمن هُدِيَ للإسلام، وكان عيشه كَفافًا، وقنع))[2]. ومهما تراكمت أموال المترفين، فإنهم في الحقيقة فقراء ما لم يدركهم فضل الله بالقناعة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الغِنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغِنى غِنى النفس))[3]، والعرض هو المال. إذا ما كنتَ ذا قلب قنوعٍ ![]() فأنت ومالكُ الدنيا سواءُ ![]() ![]() ![]() عباد الرحمن، لقد وعد الله المؤمنين الصالحين بأن يملأ قلوبهم قناعة؛ فقال سبحانه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]، وقد فسَّر جمع من السلف الحياة الطيبة بالقناعة؛ كعلي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهما، والحسن البصري، وزيد بن وهب، ووهب بن منبه، رحمهم الله[4]. ومن رضي بالله وقنع برزقه له واشرأبَّ بجدٍّ إلى معالي درجات الجنة، أقرَّ الله عينه في الدنيا، وأسعده في الأخرى؛ فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غِناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة))[5]، ومما نُسب للشافعي رحمه الله: ألا يا نفسُ أن ترضَي بقوت ![]() فأنتِ عزيزة أبدًا غنيةْ ![]() دعي عنكِ المطامع والأماني ![]() فكم أمنية جلبت منيَّةْ ![]() عباد الله، القناعة مال لا تضيعه النفقة، ولا يُفقَد مع مُضِيِّ الزمان، ولا تناله السُّرَّاق، كما قيل ولا يصح حديثًا: "القناعة كنز لا يفنى، ومال لا ينفد"، وكما أن الحرص والشَّرَهَ سجن للقلب، وغُلٌّ في اليد والعنق، وقيد في الرِّجل؛ فالقناعة حرية من ذلك كله، فلا آسِرَ له سوى مولاه، كما قيل: "الشرف في التواضع، والعز في التقوى، والحرية في القناعة"، وقال وهب رحمه الله: "خرج الغِنى والعز يجولانِ، فلقيا القناعة، فاستقرا". أفادتني القناعة كل عز ![]() وهل عزٌّ أعزُّ من القناعة ![]() ![]() ![]() وروي[6] أن عيسى عليه السلام قال لأصحابه: "لأنتم أغنى من الملوك"، قالوا: كيف يا روح الله ولسنا نملك شيئًا؟ قال: "أنتم ليس عندكم شيء ولا تريدونها، وعندهم أشياء ولا تكفيهم". إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ![]() فكل ما في الأرض لا يُغنيكا ![]() ![]() ![]() والقناعة لا بد لها من كَيْسٍ حتى لا تنحرف بصاحبها ذات اليمين بإفراط أو الشمال بتفريط؛ قال ابن القيم رحمه الله: "إذا انحرفتَ عن القناعة انحرفتَ إما إلى حرص وكلب، وإما إلى خِسَّة ومهانة وإضاعة"[7]. والعاقل بين الناس هو القنوع، "فإن النعم التي تقتضي شكر الله وعبادته على كل أحد كثيرة، فإن الخَلْقَ والرزق وما يحتاج إليه وتتوقف مصالحه عليه حاصل للكل، غاية ما في الباب أن حال الناس في الإتراف متقارب، فيقال في حق البعض بالنسبة إلى بعض: إنه في ضر، ولو حمل نفسه على القناعة لكان أغنى الأغنياء، وكيف لا والإنسان إذا نظر إلى حاله يجدها مفتقرة إلى مسكن تأوي إليه، ولباس الحر والبرد، وما يسد جوعه من المأكول والمشروب، وغير هذا من الفضلات التي يحمل عليها شح النفس؟ ثم إن أحدًا لا يغلب عن تحصيل مسكن باشتراء أو اكتراء، فإن لم يكن فليس هو أعجز من الحشرات، لا تفقد مدخلًا أو مغارة، وأما اللباس فلو اقتنع بما يدفع الضرورة، كان يكفيه في عمره لباس واحد، كلما تمزق منه موضع يُرقِّعه من أي شيء كان. بقي أمر المأكول والمشروب، فإذا نظر الناظر يجد كل أحد في جميع الأحوال غير مغلوب عن كسرة خبز وشربة ماء، غير أن طلب الغِنى يورث الفقر؛ فيريد الإنسان بيتًا مزخرفًا، ولباسًا فاخرًا، ومأكولًا طيبًا، وغير ذلك من أنواع الدواب والثياب، فيفتقر إلى أن يحمل المشاق، وطلب الغنى يورث فقره، وارتياد الارتفاع يحط قدره، وبالجملة شهوة بطنه وفَرْجِه تكسر ظهره. على أننا نقول في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾ [الواقعة: 45]، لا شك أن أهل القبور لما فقدوا الأيدي الباطشة، والأعين الباصرة، وبانت لهم الحقائق، علموا: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾ [الواقعة: 45] بالنسبة إلى تلك الحالة"[8]، والترف المذموم هو ما ألهى عن الآخرة. عباد الرحمن، القناعة راحة من نَصَب الغِنى، ومكابدة المال، وحراسة الغلات؛ قال ابن القيم رحمه الله: "إن الرضا يثمر سرور القلب بالمقدور في جميع الأمور، وطيب النفس وسكونها في كل حال، وطمأنينة القلب عند كل مفزَع مهلع من أمور الدنيا، وبَرْد القناعة، واغتباط العبد بقسمه من ربه، وفرحه بقيام مولاه عليه، واستسلامه لمولاه في كل شيء، ورضاه منه بما يجريه عليه، وتسليمه له الأحكام والقضايا، واعتقاد حسن تدبيره وكمال حكمته. ويذهب عنه شكوى ربه إلى غيره، وتبرمه بأقضيته؛ ولهذا سمى بعض العارفين الرضا حُسْنَ الخُلُقِ مع الله، فإنه يُوجِب ترك الاعتراض عليه في ملكه، وحذف فضول الكلام التي تقدح في حسن خلقه، فلا يقول: ما أحوج الناس إلى مطر! ولا يقول: هذا يوم شديد الحر أو شديد البرد، ولا يقول: الفقر بلاء، والعيال هم وغم، ولا يسمي شيئًا قضاه الله وقدره باسم مذموم، إذا لم يذمه الله سبحانه وتعالى، فإن هذا كله ينافي رضاه. وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: أصبحت وما لي سرور إلا في مواقع القدر، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: الفقر والغنى مطيتان، ما أبالي أيهما ركبت، إن كان الفقر فإن فيه الصبر، وإن كان الغنى فإن فيه البذل"[9]. "واعلم - يا عبدالله - أن الدنيا إذا عظمت وجلَّت في قلبِ عبدٍ، فإن ذلك العبد يعظم قدر من أقبلت عليه الدنيا، ويتمنى أن ينال منها ما نال، فإن كل إنسان يعظم ما اشتهت نفسه، وهذه صفة عبيد الدنيا وعبيد أهوائهم، وهي صفةُ مَن أسْكَرَتْهُ الغَفْلَةُ، وخرجت عظمة الله عز وجل من قلبه؛ وإلى هذه الإشارة بقوله تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 79]؛ الآية، فكل محب للدنيا، مستغرق في حبها، فهو لاحق بالذين تمنَّوا زينة قارون. واعلم أن الدنيا إذا رسخت في القلب واستوطنت، ظهر ذلك على جوارح العبد بتكالبه عليها، وشدة رغبته فيها، فيسلبه الله تعالى لذة القناعة، ويمنعه سياسة الزاهدين، ويبعده عن روح العارفين؛ فإن القلب إذا لم يقنع - لو ملك الدنيا بحذافيرها - لم يشبع. وقال بعض الحكماء: القناعة هي الغِنى الأكبر، ولن تخفى صفة القانعين، ومآل الراغبين في الدنيا هو مآل قارون من الفناء والذهاب تحت التراب"[10]. وميزان المؤمن دقيق في تدبير أمر الدارين، فالكفة الراجحة هي دار أبد الأبد لا دار الفناء والخراب، بل إنه ليجعل الدنيا مطيةً صالحة يرحل بها لدار الكرامة في جوار الرب الكريم سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾ [القصص: 77]، "أي: أطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن من حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في التجبر والبغي. هي القناعة لا تبغِ بها بدلًا ![]() فيها النعيم وفيها راحة البدنِ ![]() انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ![]() هل راح منها بغير القطنِ والكفنِ ![]() بارك الله لي ولكم...
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |