الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         صلاة ركعتين عند الإحساس بالضيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          زكاة الأرض المعدة للتجارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أسباب تقوية الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          من أحكام اليمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          براءة كل من صحب النبي في حجة الوداع من النفاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الثمرات اليانعات من روائع الفقرات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 23 - عددالزوار : 5896 )           »          ميتٌ يمشي على الأرض! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          احفظ الله يحفظك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كلمات فواصل في استخدام وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-09-2022, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,720
الدولة : Egypt
افتراضي الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن}

الخليل عليه السلام (8): {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن}
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ، الْبَرِّ الرَّحِيمِ؛ ﴿ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الْحَجِّ: 75]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَأَيَّدَهُمْ بِالْوَحْيِ الْمُبِينِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَهَدَى النَّاسَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ فَمَنْ أَطَاعَهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّعِيمِ، وَمَنْ عَصَاهُ عُذِّبَ فِي الْجَحِيمِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ؛ «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا، يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ».

أَيُّهَا النَّاسُ: سِيرَةُ نَبِيِّ اللَّهِ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَعْجَبِ السِّيَرِ الَّتِي كُرِّرَتْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَهِيَ سِيرَةٌ حَافِلَةٌ بِأَحْدَاثٍ كَثِيرَةٍ؛ فَفِيهَا هِجْرَةُ الْخَلِيلِ وَرِحْلَاتُهُ، وَفِيهَا دَعْوَتُهُ لِلْمُشْرِكِينَ وَمُنَاظَرَاتُهُ، وَفِيهَا صَبْرُهُ وَثَبَاتُهُ فِي ابْتِلَاءَاتِهِ. وَمَا ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ بِهَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ إِلَّا لِيَسْتَفِيدَ مِنْهَا قُرَّاءُ الْقُرْآنِ، وَلَا سِيَّمَا فِي أَزْمِنَةِ الْمِحَنِ وَالْفِتَنِ، وَتَبْدِيلِ الدِّينِ، وَتَحْرِيفِ الشَّرِيعَةِ، وَلَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَبَيْعِ الدِّينِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، بَلْ بَذْلُهُ بِالْمَجَّانِ؛ لِإِرْضَاءِ الْخَلْقِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَفِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ التَّمْكِينُ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ، وَالْإِمَامَةُ عَقِبَ الثَّبَاتِ؛ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 124]. فَمَا هِيَ هَذِهِ الِابْتِلَاءَاتُ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى نَالَ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ، وَخَلَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ فِي الْعَالَمِينَ؛ فَأَخْبَارُهُ تُتْلَى فِي الْقُرْآنِ بَعْدَ نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ مِنْ وَفَاتِهِ، وَإِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.

وَإِذَا أُطْلِقَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَهِيَ تَشْمَلُ كَلِمَاتِهِ الشَّرْعِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ، أَيْ: مَا فَرَضَهُ عَلَى الْبَشَرِ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَمَا قَضَاهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْدَارِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَإِتْمَامُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِي: عَمَلَهُ بِشَرَائِعِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا، وَدَعْوَةَ النَّاسِ إِلَيْهَا، وَجِهَادَهُمْ عَلَيْهَا. وَتَسْلِيمَهُ لِأَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرِضَاهُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ بِهَا. وَقَدْ تَنَوَّعَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَتَمَّهَا الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَجْمَعُهَا: شَرَائِعُهُ الْمُنَزَّلَةُ، وَأَقْضِيَتُهُ الْمُقَدَّرَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «مَا ابْتُلِيَ أَحَدٌ بِهَذَا الدِّينِ فَقَامَ بِهِ كُلِّهِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ». وَمِنْ تِلْكُمُ الِابْتِلَاءَاتُ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
أَنَّ الْخَلِيلَ ابْتُلِيَ بِقَوْمٍ مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ؛ فَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ؛ ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 51-56].

فَلَمَّا لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ حَطَّمَ أَوْثَانَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا لَمْ تَنْفَعْ نَفْسَهَا، وَلَمْ تَدْفَعِ الضُّرَّ عَنْهَا، فَكَيْفَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَنْفَعُهُمْ وَتَضُرُّهُمْ؛ ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 58]. وَحَرَّكَ عُقُولَهُمْ قَائِلًا لَهُمْ: ﴿ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 66-67].

وَابْتُلِيَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعَزْمِ قَوْمِهِ عَلَى حَرْقِهِ حَيًّا بَعْدَ تَحْطِيمِهِ لِأَوْثَانِهِمْ فَثَبَتَ وَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ، وَقَالَ: حَسْبِي اللَّهُ، فَكَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرَّهُمْ، وَبَرَّدَ عَلَيْهِ نَارَهُمْ؛ فَلَمْ تَضُرَّهُ شَيْئًا؛ ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 68-70].

وَابْتُلِيَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِصَابِئَةٍ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، فَنَاظَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَحَجَّهُمْ بِأُفُولِ الْكَوْكَبِ وَأُفُولِ الْقَمَرِ وَأُفُولِ الشَّمْسِ، فَقَطَعَ حُجَّتَهُمْ، وَتَبَرَّأَ مِنْ شِرْكِهِمْ، وَأَعْلَنَ تَوْحِيدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى قَائِلًا: ﴿ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 78-79].

وَابْتُلِيَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمُفَارَقَةِ قَوْمِهِ، وَالْهِجْرَةِ مِنْ وَطَنِهِ، فَهَاجَرَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الْعَنْكَبُوتِ: 26]، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 48]، فَهَاجَرَ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى مِصْرَ؛ فَابْتُلِيَ بِطَمَعِ الْفِرْعَوْنِ فِي زَوْجَتِهِ سَارَّةَ لِجَمَالِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَجَّاهَا مِنْ شَرِّهِ. ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى مَكَّةَ فَوَضَعَ فِيهَا إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ، وَقَفَّى بِزَوْجِهِ سَارَّةَ إِلَى الشَّامِ، وَهُوَ فِي هِجْرَتِهِ الطَّوِيلَةِ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثَابِتًا عَلَى دِينِهِ، مُوقِنًا بِوَعْدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ.

وَابْتُلِيَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَالْأَذَانِ بِالْحَجِّ؛ فَرَحَلَ مِنَ الشَّامِ إِلَى مَكَّةَ لِتَنْفِيذِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقِيَامِ بِهِ، فَلَمَّا الْتَقَى بِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ «قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 127]، ثُمَّ أَذَّنَ بِالْحَجِّ، وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ؛ ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الْحَجِّ: 27]، فَقَامَ الْخَلِيلُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ خَيْرَ قِيَامٍ.

وَابْتُلِيَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَأَخُّرِهِ فِي إِنْجَابِ الْوَلَدِ؛ فَإِسْمَاعِيلُ وُلِدَ لَهُ وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ مِنْ عُمُرِهِ، وَمَا كَادَ يَفْرَحُ بِهِ وَقَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ السَّعْيِ وَالنَّفْعِ لِأَبِيهِ حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَبْحِهِ؛ ابْتِلَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَأَثْبَتَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ مَحَبَّتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى تَفُوقُ مَحَبَّتَهُ لِوَلَدٍ جَاءَهُ عَلَى كِبَرٍ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ، فَلَمَّا هَمَّ بِذَبْحِهِ فَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَاوَزَ الْخَلِيلُ الْبَلَاءَ، وَأَتَمَّ الْكَلِمَاتِ؛ ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 103 - 111].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ....


الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 131-132].


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اسْتَحَقَّ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى لِلَّهِ تَعَالَى بِدِينِهِ، وَأَتَمَّ كَلِمَاتِهِ، فَوَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النَّجْمِ: 37]، قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِشَيْءٍ إِلَّا وَفَّى بِهِ»، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: «فَقَامَ بِجَمِيعِ الْأَوَامِرِ، وَتَرَكَ جَمِيعَ النَّوَاهِي، وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، فَاسْتَحَقَّ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النَّحْلِ: 123]».

وَقَدْ دَعَا الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْإِمَامَةِ لِذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَاخْتَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْ سَارَ عَلَى مَنْهَجِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَبْعَدَ عَنْهَا مَنْ حَادَ عَنْهُ؛ ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [الْبَقَرَةِ: 124]؛ فَتَبْدِيلُ دِينِ الْخَلِيلِ ظُلْمٌ يُبْعِدُ صَاحِبَهُ عَنِ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ، وَيَنَالُ الْإِمَامَةَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَنْ تَمَسَّكَ بِحَنِيفِيَّتِهِ؛ كَمَا نَالَهَا الْأَنْبِيَاءُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الْأَنْبِيَاءِ: 73]، وَنَالَهَا الصَّالِحُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّنْ لَزِمُوا دِينَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السَّجْدَةِ: 24]. فَالشَّرْطُ فِي نَيْلِ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ الَّذِي تَحَلَّى بِهِ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كُلِّ مَا مَرَّ بِهِ مِنَ ابْتِلَاءَاتٍ، وَسَتَبْقَى الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي جَدَّدَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى وَثَبَتَ عَلَيْهَا، وَصَبَرَ عَلَى الِابْتِلَاءِ فِيهَا؛ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ. وَمَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَحَادَ عَنْهَا حُرِمَ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ.

هَذَا؛ وَإِنَّ مِنَ الظُّلْمِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ، وَيَجْلِبُ سَخَطَ اللَّهِ تَعَالَى؛ خَلْطَ مِلَّةِ الْخَلِيلِ بِغَيْرِهَا مِنَ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ، وَالشَّرَائِعِ الْمُحَرَّفَةِ؛ بِاسْمِ الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ، أَوِ الدِّينِ الْإِبْرَاهِيمِيِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ تَعَالَى نَفَى الشِّرْكَ وَالْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ الْمُحَرَّفَتَيْنِ عَنِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67- 68]. فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْمَنَاهِجِ الْمُنْحَرِفَةِ الَّتِي تَلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ لِتَرْوِيجِ الْبَاطِلِ عَلَى النَّاسِ، وَخِدَاعِهِمْ بِهِ؛ فَالْحَقُّ بَاقٍ، وَالْبَاطِلُ زَائِلٌ؛ ﴿ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يُونُسَ: 82].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.39 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]