شهر حرام ويوم عظيم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 375 - عددالزوار : 156357 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 394 - عددالزوار : 92390 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 14111 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 53255 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 46922 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 15433 )           »          الثقافة والإعلام والدعوة في مواجهة الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 21 )           »          أساليب نشر العلمانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3626 )           »          الصوابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-02-2020, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,994
الدولة : Egypt
افتراضي شهر حرام ويوم عظيم

شهر حرام ويوم عظيم
عبد الله بن محمد البصري




الخطبة الأولى
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عز وجل -؛ فَإِنَّ مَن لَزِمَهَا سَلِمَ وَنَجَا، وَجَعَلَ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخرَجًا ( فَأَنذَرتُكُم نَارًا تَلَظَّى * لا يَصلاهَا إِلاَّ الأَشقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلىَّ * وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتقَى).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، شَهرٌ عَظِيمٌ مِنَ الأَشهُرِ الحُرُمِ، وَفِيهِ يَومٌ عَظِيمٌ مِن أَيَّامِ اللهِ ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثنَا عَشَرَ شَهرًا في كِتَابِ اللهِ يَومَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم)، وَفي الصَّحِيحَينِ، قَالَ - عليه الصلاة والسلام -: (( إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ استَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ، السَّنَةُ اثَنَا عَشَرَ شَهرًا، مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو القَعدَةِ وَذُو الحَجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَينَ جُمَادَى وَشَعبَانَ))، وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (( أَفضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفضَلُ الصَّلاةِ بَعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيلِ )) رَوَاهُ مُسلِمٌ.
في شَهرِ المُحَرَّمِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ نَتَذَكَّرُ أَنَّ الحَقَّ مَنصُورٌ وَإِن ضَعُفَ أَتبَاعَهُ، وَأَنَّ البَاطِلَ مَهزُومٌ وَإِن قَوِيَت شَوكَتُهُ، وَأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ، وَأَنَّ اللهَ مُخزِي الكَافِرِينَ، في الصَّحِيحَينِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَا هَذَا اليَومُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ " فَقَالُوا: هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَومَهُ، وَغَرَّقَ فِرعَونَ وَقَومَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكرًا فَنَحنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " فَنَحنُ أَحَقُّ وَأَولى بِمُوسَى مِنكُم )) فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ البَاطِلَ زَاهِقٌ مَهمَا ظَهَرَ وَعَلا، وَالحَقَّ عَالٍ مَهمَا تَرَاجَعَ أَوِ اختَفَى، فَذَلِكُم فِرعَونُ ذُو الأَوتَادِ، قَد طَغَى في البِلادِ فَأَكثَرَ فِيهَا الفَسَادَ، وَبَالَغَ في الكُفرِ وَالعِنَادِ، وَعَلا في أَرضِ مِصرَ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعًا وَفَرَّقَهُم، إِذْ رَأَى في المَنَامِ أَن مُلكَهُ يَزُولُ عَلَى يَدِ غُلامٍ مِن بَني إِسرَائِيلَ، فَأَسرَفَ في تَقتَيلِ الذُّكُورِ، وَاستَبقَى النِّسَاءَ لِخَدمَتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ بِقُوَّتِهِ وَقُدرَتِهِ وَحِكمَتِهِ، أَبى إِلاَّ أَن يَعِيشَ مُوسَى وَيَبقَى، بَل وَيَتَرَبَّى في قَصرِ فِرعَونَ وَبِنَفَقَتِهِ، وَيُكرِمُ اللهُ مُوسَى بِالنُّبُوَّةِ، فَيُقَابِلُهُ فِرعُونُ بِالعِنَادِ وَالتَّكذِيبِ، وَيُبَالِغُ في تَعذِيبِ قَومِهِ وَالتَّنكِيلِ بِهِم، حَتى يَأذَنَ اللهُ لَهُم بِالفَرَجِ وَالمَخرَجِ ( وَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُتَّبَعُونَ * فَأَرسَلَ فِرعَونُ في المَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخرَجنَاهُم مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَورَثنَاهَا بَني إِسرَائِيلَ * فَأَتبَعُوهُم مُشرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ * فَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنِ اضرِبْ بِعَصَاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظِيمِ * وَأَزلَفنَا ثَمَّ الآخَرِينَ * وَأَنجَينَا مُوسَى وَمَن مَعَهُ أَجمَعِينَ * ثُمَّ أَغرَقنَا الآخَرِينَ * إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ) هَذا هُوَ مَشهَدُ الحَيَاةِ في كُلِّ حِينٍ ـ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ قَومٌ مُتَكَبِّرُونَ مُتَجَبِّرُونَ مُتَغَطرِسُونَ، قَد غَرَّتهُمُ القُوَّةُ وَالمُلكُ وَالسُّلطَانُ، وَآخَرُونَ مُؤمِنُونَ مُستَضعَفُونَ، قَد حَرَّقَ قُلُوبُهُم انتِظَارُ النَّصرِ، وَهُم مَعَ ذَلِكَ صَابِرُونَ مُحتَسِبُونَ، فَيَأتي يَومٌ عَظِيمٌ مِن أَيَّامِ اللهِ كَيَومِ عَاشُورَاءَ، وَتَتَكَرَّرُ قِصَّةٌ كَقِصَّةِ مُوسَى وَفِرعَونَ، يُرِيدُ البَاطِلُ أَن يَعلُوَ، وَاللهُ يُرِيدُ الحَقَّ وَهُوَ يَهدِي السَّبِيلَ، وَلا يَكُونُ في النِّهَايَةِ وَالخِتَامِ، إِلاَّ مَا يُرِيدُهُ المَلِكُ العَلاَّمُ، قَالَ - سبحانه - في أَوَّلِ سُورَةِ القَصَصِ مُختَصِرًا هَذَا المَشهَدَ الطَّوِيلَ: ( نَتلُو عَلَيكَ مِن نَبَإِ مُوسَى وَفِرعَونَ بِالحَقِّ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ * إِنَّ فِرعَونَ عَلا في الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعًا يَستَضعِفُ طَائِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا في الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُم في الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنهُم مَا كَانُوا يَحذَرُونَ).
وَمِنَ العَجِيبِ أَنَّ سُورَةَ القَصَصِ نَزَلَت وَالمُسلِمُونَ في مَكَّةَ، قِلَّةٌ مُستَضعَفُونَ، وَالمُشرِكُونَ هُم أَصحَابُ الحَولِ وَالطَّولِ، وَأَهلُ الجَاهِ وَالسُّلطَانِ وَالمَكَانَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ أَرَادَ أَن يُبَشِّرَ المُستَضعَفِينَ بِأَنَّهُم سَوفَ يَنتَصِرُونَ، مُبَيِّنًا لَهُمُ المَوَازِينَ الحَقِيقِيَّةَ لِلقُوَى وَالقِيَمِ، مُقَرِّرًا أَنَّ هُنَاكَ قُوَّةً وَاحِدَةً في هَذَا الوُجُودِ هِيَ قُوَّةُ اللهِ، وَأَنَّ هُنَاكَ قِيمَةً وَاحِدَةً في هَذَا الكَونِ هِيَ قِيمَةُ الإِيمَانِ، فَمَن كَانَ مَعَ اللهِ بِالإِيمَانِ فَلا خَوفٌ عَلَيهِ وَلَو كَانَ مُجَرَّدًا مِن كُلِّ مَظَاهِرِ القُوَّةِ الدُّنيَوِيَّةِ البَشَرِيَّةِ، وَمَن كَفَرَ وَطَغَى وَبَغَى، فَلا أَمنَ لَهُ وَلا طُمَأنِينَةَ وَلَو سَانَدَتهُ جَمِيعُ قُوَى الأَرضِ، فَمَا أَحوَجَ الأُمَّةَ اليَومَ وَهِيَ في اختِلافٍ وَفُرقَةٍ، وَلا تَدرِي مِن أَينَ تَتَلَقَّى الطَّعنَ أَمِنَ الشَّرقِ أَم مِنَ الغَربِ، أَو بِيَدِ الكُفَّارِ أَوِ المُنَافِقِينَ، مَا أَحرَاهَا أَن تَتَذَكَّرَ أَنَّ هَذِهِ مَرحَلَةٌ سَتُقطَعُ وَلَيلٌ سَيبزُغُ بَعدَهُ الفَجرُ، تُحتَلُّ الأَرضُ المُبَارَكَةُ أَو يُغلَقُ المَسجِدُ الأَقصَى، أَو تُستَبَاحُ الحُرُمَاتُ أَو يُقتَلُ الرِّجَالُ، أَو تُرَمَّلُ النِّسَاءُ وَتُهَانُ الصَّبَايَا وَيُقهَرُ الأَيتَامُ، أَو تُقصَدُ طَائِفَةُ الحَقِّ أَو يُحَارَبُ أَهلُ السُّنَّةِ، أَو يُطَوِّقُهُمُ البَاطِنِيُّونَ في الشَّامِ وَالعَرَاقِ وَاليَمَنِ، فَسَيَأتي يَومُ كَيَومِ عَاشُورَاءَ، وَسَتَتَكَرَّرُ قِصَّةٌ كَقِصَّةِ مُوسَى وَفِرعَونَ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ، وَلا عُدوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ( وَلَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرسَلِينَ * إِنَّهُم لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ) ( أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ * الَّتي لم يُخلَقْ مِثلُهَا في البِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخرَ بِالوَادِ * وَفِرعَونَ ذِي الأَوتَادِ * الَّذِينَ طَغَوا في البِلَادِ * فَأَكثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصَادِ).

نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ للهِ أَيَّامًا يَنصُرُ فِيهَا عِبَادَهُ وَأَولِيَاءَهُ المُؤمِنِينَ وَإِن كَانُوا قِلَّةً مُستَضعَفِينَ، وَيَخذُلُ أَعدَاءَهُ مِنَ الطُّغَاةَ وَالمُنَافِقِينَ وَالمُلحِدِينَ وَالمُتَكَبِّرِينَ وَإِن كَانُوا في الظَّاهِرِ هُمُ الغَالِبِينَ، غَيرَ أَنَّ لِهَذَا النَّصرِ ثَمَنَهُ الَّذِي يَجِبُ أَن يُعَضَّ عَلَيهِ بِالنَّوَاجِذِ وَيُتَمَسَّكَ بِهِ ( وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَانصُرُوهُ يَنصُرْكُم، اُنصُرُوهُ بِالقِيَامِ بِدِينِهِ، اُنصُرُوهُ بِالدَّعوَةِ إِلى سَبِيلِهِ، اُنصُرُوا أَولِيَاءَهُ وَجَاهِدُوا أَعدَاءَهُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم * ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم * أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم دَمَّرَ اللهُ عَلَيهِم وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَولى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لا مَولى لَهُم)
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم، وَانصُرُوهُ يَنصُرْكُم.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَومُ عَاشُورَاءَ يَومٌ عَظِيمٌ مِن أَيَّامِ الطَّاعَةِ، وَمَعَ هَذَا فَقَد ضَلَّ فِيهِ قَومٌ فَاتَّخَذُوهُ يَومَ عِيدٍ وَمَوسِمَ سُرُورٍ؛ زَاعِمِينَ أَنَّهُم يَفرَحُونَ لِنَصرِ اللهِ لِمُوسَى وَقَومَهُ، وَآخَرُونَ جَعَلُوهُ يَومَ حُزنٍ وَنِيَاحَةٍ وَلَطمٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ، مُدَّعِينَ أَنَّهُم يَنتَصِرُونَ لِسِبطِ رَسُولِ اللهِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ - رضي الله عنهما - وَكِلا الطَّائِفَتَينِ عَلَى ضَلالَةٍ، وَأَمَّا الأُمَّةُ الوَسَطُ وَالطَّائِفَةُ المَنصُورَةُ مِن أَهلِ الحَقِّ وَالسُّنَّةِ، فَهُم يَحمَدُونَ اللهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِن نَصرِ الحَقِّ وَإِزهَاقِ البَاطِلِ في هَذَا اليَومِ، وَيَدِينُونَ اللهَ بِحُبِّ الصَّحَابَةِ جَمِيعًا بِلا استِثنَاءٍ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلى اللهِ بِاتِّبَاعِ هَديِ نَبِيِّهِم وَأَصحَابِهِ، وَيَفعَلُونَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الصَّومِ، وَيَأتُونُ مَا رُغِّبُوا فِيهِ مِن عَظِيمِ الأَجرِ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ مِن حَدِيثِ أَبي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَن صَومِ يَومِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: (( أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ )) وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: " مَا رَأَيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيرِهِ إِلاَّ هَذَا اليَومَ، يَومَ عَاشُورَاءَ..." رَوَاهُ الشَّيخَانِ.
أَلا فَصُومُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ يَومَ عَاشُورَاءَ، وَمَن أَرَادَ زِيَادَةَ الأَجرِ وَحُسنَ الاقتِدَاءِ بِسَيِّدِ البَشَرِ، فَلْيَصُمِ اليَومَ التَّاسِعَ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَومٌ يُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( لَئِن بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ )) رَوَاهُ مُسلِمٌ.
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ صُومُوا وَحُثُّوا أَهلِيكُم وَأَبنَاءَكُم عَلَى الصِّيَامِ؛ فَإِنَّ الأَنصَارَ - رضي الله عنهم - لَمَّا أُمِرُوا بِصَومِهِ امتَثَلُوا جَمِيعًا، قَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنتُ مُعَوِّذٍ - رضي الله عنها -: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعدَ ذَلِكَ وَنُصَوِّمُ صِبيَانَنَا الصِّغَارَ، وَنَجعَلُ لَهُمُ اللُّعبَةُ مِنَ العِهنِ، وَنَذهَبُ بِهِم إِلى المَسجِدِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُم عَلَى الطَّعَامِ أَعطَينَاهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ عِندَ الإِفطَارِ. أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمُ.
هَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ، وَهَكَذَا ظَلَّ المُسلِمُونَ مِن بَعدِهِم، يَصُومُونَ هَذَا اليَومَ عَمَلاً بِالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَالتي بَلَغَت حَدَّ التَّوَاتُرِ وَعَادَت لا تَقبَلُ الشَّكَّ، وَاليَومَ يَأتي مِنَ المُغَرَّرِ بِهِم مَن يُشَكِّكُونَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ، فَاحذَرُوهُم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلا تُصغُوا إِلَيهِم، فَإِنَّما هُم جُزءٌ مِن مَنظُومَةٍ خَبِيثَةٍ صَنَعَهَا أَعدَاءُ الإِسلَامِ، هَدَفُهَا تَشكِيكُ المُسلِمِينَ في دِينِهِم، وَتَهوِينُ شَعَائِرِهِ في قُلُوبِهِم،، وَلا يَخفَى عَلَيكُم مَا سَبَقَ لَهُم مِن ضَلالاتٍ، كَتَهوِينِ شَأنِ الزِّنَا والرِّبَا، بِإِبَاحَةِ المُسَاهَمَةِ في المَصَارِفِ الرِّبَوِيَّةِ، وَتَسوِيغِ اختِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَسَفَرِ المَرأَةِ بِلا مَحرَمٍ، وَسُفُورِهَا وَتَبَرُّجِهَا، وَآخِرُ ذَلِكَ التَّشكِيكُ في صِيَامِ الأَيَّامِ الفَاضِلَةِ وَالمَسنُونَةِ، كَيَومِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ، وَسِتِّ شَوَّالٍ وَعَشرِ ذِي الحَجَّةِ، وَوَاللهِ لَئِن تَابَعَ المُسلِمُونَ هَؤُلاءِ المَخذُولِينَ المَطبُوعَ عَلَى قُلُوبِهِم، لَتُنقَضَنَّ عُرَى الإِسلامِ عُروَةً عُروَةً، حَتَّى لا يَبقَى لَهُم مِنهُ شَيئًا، فَاتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُ ـ ( وَلَا تُطِعْ مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا ).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.32 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]