|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (41) من وسائل الصحابة في خدمة السنة تبليغ الحديث ومن صوره: ب/ مجالس الإملاء: كما اتخذ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مجالس للتحديث، اتخذوا كذلك مجالس للإملاء يملون فيها على تلاميذهم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. فعن هشام بن عمار حدثنا معروف الخياط، قال:" رأيت واثلة بن الأسقع يملى على الناس الأحاديث، وهم يكتبونها بين يديه" (1). ج/ الخطب: لقد كانت خطب الجمعة والعيدين وأنواع شتى من الخطب في مناسبات أخرى، وسيلة من وسائل تبليغ السنة، إذ من البديهي أن يستدل الصحابي في خطبته بالقرآن والحديث، ويسمع منه الجمع الكثير الذي يحضر للصلاة. فمن ذلك: ما رواه أوسط بن إسماعيل – ويقال ابن عامر – البجلي، قال: خطبنا أبو بكر -رضي الله عنه-، في رواية بعدما قُبِض النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنة – فقال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقامي هذا عام الأول، وبكى أبو بكر فقال:" سلوا الله المعافاة، عليكم بالصدق، فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا ،ولا تدابروا، وكونا إخواناً كما أمركم الله".(2) وعن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-على المنبر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه". (3) وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت عثمان يخطب على المنبر، وهو يقول: كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم بنو قينقاع، فأبيعه بربح فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:" يا عثمان، إذا اشتريت فاكتل، وإذا بعت فكل".(4) وعن ربعى بن حراش، أنه سمع عليا -رضي الله عنه- يخطب يقول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" لا تكذبوا عليّ، فإنه من يكذب عليّ يلج النار".(5) وخطب الصحابة -رضوان الله عليهم- التي ضمنوها رواياتهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرة جداً. وهكذا كانت الخطب وسيلة مهمة من وسائل تبليغ السنة، وأدائها للأجيال التالية. (1) - أخرجه الخطيب في الجامع( 2/56 رقم 1167)، وعزاه السيوطي في التدريب( 2/105) لابن عدي والبيهقي في المدخل، وذكره في السير( 3/386). (2) - أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، رقم( 3849)، وأحمد في المسند( 1/3-7)، والحميدي في المسند( 1/3-6 رقم 2-7)، والبخاري في الأدب المفرد رقم ( 724)، وابن حيان في صحيحه، انظر: الإحسان( 13/43 رقم 5734). وأخرجه مختصراً: الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب سلوا الله العفو والعافية، رقم( 3558) وقال: حسن غريب من هذا الوجه عن ابي بكر، والحاكم في المستدرك( 1/529)، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (3) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، رقم( 1) وفي مواضع متعددة، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم" إنما الأعمال بالنيات" رقم( 4927). (4) - أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب بيع المجازفة، رقم( 2230)، وأحمد في المسند( 1/62، 75)، والبيهقي في السنن الكبرى( 5/315). (5) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم( 106)، ومسلم في صحيحه، المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم( 2).
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (46) من وسائل الصحابة في خدمة السنة ثالثا/ كتابة الحديث: كان من الوسائل التي أخذ بها الصحابة في خدمة السنة، كتابتها وتدوينها، ومن المعروف عند العلماء أن آخر الآمرين منه صلى الله عليه وسلم الإذن بكتابة الحديث وذلك بعد أن أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم في الكتابة عنه، وانتفت موانع الكتابة للبعض الآخر(1). وقد أثبتت المصادر الموثوق بها والمعتبرة عند أئمة الحديث نسبة( أحاديث) و( صحف) و( نسخ) مكتوبة لبعض الصحابة – رضوان الله عليهم – كتبوها لأنفسهم أو كانت تكتب لهم بصريح رغبتهم، أو وجدت عند بعضهم من ذلك: 1- نسخة أبي بكر الصديق رضي الله عنه – وكانت فيها فرائض الصدقة (2). 2- نسخة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهي من كتاب صدقات النبي صلى الله عليه وسلم (3). 3- الصحيفة الصادقة لعلى ابن أبي طالب – رضي الله عنه (4). 4- كتاب قضاء علي (5)،كتبه عبدالله بن عباس – رضي الله عنهم – وكانت له صحيفة في التفسير(6). 5- صحيفة السيدة فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – وكانت تشتمل على بعض الأحاديث النبوية (7). 6- كتب سعد بن عبادة الأنصاري – رضي الله عنه (8). 7- نسخة في التفسير لأبي بن كعب – رضي الله عنه(9). 8- كتاب عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه(10). 9- كتاب الفرائض لزيد بن ثابت الأنصاري – رضي الله عنه(11). 10- صحيفة سمرة بن جندب – رضي الله عنه(12). 11- الصحيفة الصادقة لعبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه(13). 12- كتاب المغيرة بن شعبة الذي أملاه على وراد كاتب معاوية (14). 13- أحاديث أنس بن مالك، كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يمليها على تلامذته (15). هذه الصحف والكتب التي دونت في هذا العصر المبكر مثلت باكورة التأليف في السنة، وهي إن ذابت مستقبلا – في بطون كتب الأمهات، نظراً لتعدد الرواة وتطور التأليف إلا أنها – ونظائرها – كانت حجر الزاوية عند جمع السنة وتدوينها(16). وإذا كانت السنة قد حظيت بالكتابة في عصر الصحابة فإنه قد برزت بعض الضوابط لكتابة الأحاديث عند الصحابة، والتي نمت وظهرت واضحة بعد ذلك، من هذه الضوابط: حفظ الكتاب: فكان الإمام علي – رضي الله عنه – يحفظ الصحيفة التي كتبها في الديات في قراب سيفه(17). كما أن تلاميذ أبي هريرة كتبوا أحاديثهم فأخذ أبو هريرة هذه الكتب وحفظها عنده حتى لا يغير في أحاديثه أو يبدل فيه، حتى يكون مقياساً عنده لما ينسب إليه من الأحاديث الكثيرة التي بثها في التابعين (18). وهكذا كانت الكتابة – كتابة السنة – وسيلة من الوسائل التي أخذ بها الصحابة في خدمة السنة النبوية. (1) - انظر: تفصيل ذلك في السنة قبل التدوين ص 303-321- دراسات في الحديث للدكتور الأعظمي 1/71-142- الحديث والمحدثون ص 122-125، توثيق السنة ص 43-54. (2) - أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب العرض في الزكاة( 3/312) باب لا يجمع بين متفرق( 3/314) باب ما كان من خليطين( 3/315) باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاص( 3/316) باب زكاة الغنم( 3/317) وأخرجها الحاكم في المستدرك، كتاب الزكاة، باب من تصدق من مال حرام( 1/390) وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، باب في زكاة السائمة( 2/214)، لكن يلاحظ أن كتاب الصدقة الذي لأبي بكر – رضي الله عنه – هو كتاب الصدقة الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، راجع ذلك في: سنن الدارمي، كتاب الزكاة، باب زكاة الإبل( 1/382) عن ابن عمر، لكن الذي يهمنا هو أنه كانت لديه نسخة منها. (3) - الأموال لأبي عبيد ص 370: دار الكتب العلمية، وفيه عرض نافع على ابن عمر هذه الصحيفة مرات. (4) - أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب العلم( 1/204) وأخرجها مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة( 2/995). (5) - صحيح مسلم، المقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء( 1/13) سنة الرسول للشيخ التيجاني ص 54، الطبقات الكبرى لابن سعد( 5/216) وقال ابن سعد: إنه كانت له كتب حمل بعير. (6) - تقييد العلم للخطيب ص 91-92، مفتاح السعادة 2/64-65. (7) - مسند أحمد 6/283، مكارم الأخلاق للخرائطي ص 37ط: السلفية القاهرة. (8) - مسند أحمد 5/285. (9) - مفتاح السعادة 2/69، وقال: فعنده نسخة كبيرة، يرويها أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه، وهذا إسناد صحيح، انظر: كشف اللثام 1/113. (10) - جامع بيان العلم وفضائله 1/42. (11) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة 2/325، كتاب الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة 11/133. (12) - راجع صحيفته في الاستيعاب 2/653، تهذيب التهذيب 4/236، الأعلام 3/204. (13) - أخرجها الدارمي في سننه، باب من رخص في كتابة العلم 1/127، طبقات ابن سعد 2/373، 4/262، 7/494، المحدث الفاصل ص 367. (14) - انظر: أسد الغابة 3/117- الإصابة 4/236- كتاب العلم لأبي خيثمة ص 117. (15) - تاريخ بغداد للخطيب 8/258. (16) - انظر: كشف اللثام 1/117-118. (17) - صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة 2/995، فتح الباري 1/182-183. (18) - جامع بيان العلم وفضله 1/89.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (49) من قواعد الرواية: 6- وضع قواعد علم الرجال ( الجرح والتعديل ) : بدأت بواكير القواعد في علم الرجال في عصر الصحابة، وكان هدفهم من وضع تلك القواعد رغم ثبوت العدالة لجميعهم، هو التحوط من وقوع بعضهم في الخطأ من ناحية، ولرسم الطريق لمن جاء بعدهم من ناحية أخرى، لكي يعملوا على التحري والدقة في صيانة السنة والحفاظ عليها . سأل ابن عمر أباه عن رواية سعد بن أبي وقاص، فقال عمر : " إذا حدثكم سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تسأل غيره " (1). ولما روى عمر عن عبدالله الرحمن بن عوف قال فيه : " العدل الرضا " (2). فلما حدثت الفتنة بمقتل عثمان رضي الله عنه افترقت الأمة، وظهرت الفرق المنحرفة وراح المبتدعة يبحثون عن مستندات من النصوص يعتمدون عليها في كسب أعوان لهم – الأمر الذي جعلهم يضعون الحديث، ويختلفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله – عند ذلك جد الصحابة في المحافظة على الحديث، بالغوا في التشديد للرواية . يقول ابن عباس رضي الله عنهما معلنا عن المنهج الذي بدأ يسود ذلك العصر في تلقي السنة : " إنا كنا إذا سمعنا رجلا يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف " (3). لقد كان في ذلك التثبت إنشاء لعلم جديد من علوم الحديث، وهو علم الجرح والتعديل الذي كانت قد وضعت أسسه، وأصلت قواعده في الأصلين : القرآن والسنة، فابن عباس رضي الله عنه، يعلن هنا عن بداية حقبة جديدة للرواية، تختلف عن الحقبة السابقة لها، حيث لم يكن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحقبة السابقة، إلا من زكاهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضي الله عنهم، الذين لم يكن يستلزم قبول ما يروونه إلا سماعه منهم، أما الحقبة التي يتكلم عنها ابن عباس رضي الله عنه، فقد بدأ من لم يكن له لقي بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبة، بالحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لم يلقوه، فحديثهم عنه صلى الله عليه وسلم لابد أن يكون لهم إليه فيه واسطة، ثم إنهم هم أنفسهم ليس لهم شرف الصحبة، ولا لهم تعديل من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن دبت الفتنة ( وركب الناس الصعب والذلول ) كان لابد من معرفة الواسطة المحذوفة في مرسل ذلك التابعي، للتوثق من ثقة تلك الواسطة، وذلك بالطبع – بعد التوثيق من ثقة ذلك التابعي نفسه الذي أرسل الحديث أولاً . فكان هذا أول تطبيق عملي ظاهر لعلم الجرح والتعديل، وأول السؤال عن الإسناد، ورفض المراسيل، وذلك لظهور علتين اقتضت ذلك، هما : علتا رواية المجروح، والإرسال وعدم الإسناد . وفي الحقيقة ، فإن علة الإرسال عائدة إلى العلة الأولى، لأن عدم قبول المرسل إنما كان لاحتمال كون المحذوف مجروحاً (4). وقد أرخ بداية نشوء هذين العلمين – على الإسناد وعلم الجرح والتعديل – من علوم الحديث، أحد أئمة التابعين، وهو محمد بن سيرين ( تـ110هـ ) . عندما قال : " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا : سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم " (5). وبذلك نشأ علم ميزان الرجال ( الجرح والتعديل ) الذي هو عمود أصول الحديث، فقد تكلم من الصحابة في الرجال: عبدالله بن عباس، وعبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، وكان كلاما قليلا، لقلة الضعف وندرته . 7- نقد المتن : لم يقتصر اهتمام الصحابة على إسناد الحديث فقط، بل اهتموا بالمتن أيضا فنقدوه وناقشوا الصحابي فيما روى من أحاديث، إذا كانت هذه الأحاديث تبدو متعارضة مع النقل أو العقل – المحكوم بالشرع – أو مبادئ الإسلام العامة، ولم يكن نقدهم للمتن مبنيا على اعتدادهم بالعقل بل لحرصهم على توثيق السنة مما قد يوهم التعارض . ومن الأمثلة على ذلك : ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مليكه، قال : توفيت ابنة عثمان – رضي الله عنه – بمكة، وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمرو وابن عباس- رضي الله عنهم – وإني لجالس بينهما أو قال : جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبدالله بن عمرو بن عثمان : ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه؟ فقال ابن عباس – رضي الله عنهما – قد كان عمر – رضي الله عنه – يقول بعض ذلك، ثم حدث قال : صدرت مع عمر – رضي الله عنه – من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة فقال : اذهب فانظر من هؤلاء الركب، قال : فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته فقال : ادعه لي ، فرجعت إلى صهيب، فقلت ارتحل فالحق بأمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي، يقول : " واأخاه وا صاحباه" فقال عمر : يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه" ؟ . قال ابن عباس : فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها – فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه " وقالت حسبكم القرآن " ولا تزر وازرة وزر أخرى " قال ابن عباس – رضي الله عنهما – عند ذلك والله " هو أضحك وأبكى "(6) . وأخرج الإمام مسلم من رواية عروة بن الزبير، قال : ذكر عند عائشة أن ابن عمر يرفع إلى النبي : " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " فقالت : وهل ابن عمر ( أي غلط ونسى ) إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن " وذلك مثل قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى من المشركين فقال لهم ما قال : " إنهم يسمعون ما أقول " وقد وهل إنما قال : " إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " ثم قرأت : " إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور "(7) . يقول الدكتور همام سعيد : " هكذا ناقشت عائشة رضي الله عنها روايات عمر وعبدالله – رضي الله عنهما – بأدلة نقلية من الآيات والأحاديث والمبادئ الإسلامية العامة، وهذا المقال نوع من نقد المتن لم يغفل عنه الصحابة الكرام – رضي الله عنهم . ولكن جمهور المحدثين يرون صحة ما روى عمر بن الخطاب وابنه عبدالله – رضي الله عنهما – وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الباب بقوله : " باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يعذب الميت ببكاء أهله عليه " إذا كان النوح من سنته " فيكون البخاري حمل البكاء على ما إذا كان من عادة أهل الميت قبل موته أن يسمع النواح من أهله فلا يمنعهم ولا ينهاهم ويرضى بذلك منهم، أو إذا أوصى بالبكاء عليه بعد موته، والحديث الذي يروى عن عمر – رضي الله عنه – لا يقدح فيه نقد عائشة – رضي الله عنها – ويحمل على مثل هذا التوجيه . وعلى كل فقد وقفنا على صورة من صور الحوار النقدي الجاد بين الصحابة – رضي الله عنهم – وهذه الصورة تكشف لنا عن منهجهم في عدم التسليم لبعضهم فيما يروون، إذا كان ما يروى يعارض النقل أو العقل ولا يعني هذا قبول النقد أو صواب الناقد بل قد يقبل، أو يرد، أو يؤخذ منه، ويترك " (8). ومن خلال هذا العرض للقوانين والقواعد التي سلكها الصحابة في الحفاظ على السنة، والتي تقوم على خدمة الإسناد والمتن، يتضح لنا أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا هم أول من بدأ بإنشاء ما عرف بعد بـ ( علوم الحديث ومصطلحه ) . (1) - الحديث أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب المسح على الخفين 1/365. (2) - الإصابة 4/177، الرفع والتكمل ص 136، وهذه الأقوال صارت من ألفاظ التعديل والتوثيق المستعملة عند علماء الجرح والتعديل فيما بعد، فنجد ابن معين حين يسأل عن أبي عبيد يقول : مثلي يسأل عن أبي عبيد؟ أبو عبيد يسأل عن الناس، ويقول الخطيب معلقا على كلمة عمر : " العدل الرضا " وهذا القول كاف في التزكية لأن الوصف بالعدالة جامع للخلال التي قدمناها في باب صفة العدالة، والقول بأنه رضا تأكيده الكفاية ص 108-110. (3) - أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/12-13، والحاكم في مستدركه 1/112، والدارمي في سننه، المقدمة، باب في الحديث عن الثقات 1/125. (4) - انظر : المنهج المقترح لفهم المصطلح ص 29-30. (5) - أخرج هذا الأثر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه 1/15، والإمام الترمذي في العلل الصغير بآخر السنن 5/74، والدارمي في سننه، المقدمة، باب في الحديث عن الثقات 1/123. (6) - صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " يعذب الميت ببكاء أهله " ( 3/180، 181). (7) - صحيح مسلم، كتاب الجنائز ، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه ( 2/641-642) . (8) - الفكر المنهجي عند المحدثين ص 55-56.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (51) السنة في عصر التابعين أولاً : أسباب عناية التابعين بالسنة : التابعون تلامذة الصحابة تسلموا منهم راية حمل السنة وروايتها وحفظها وتوثيقها وكانت هناك الدوافع نفسها التي دفعت الصحابة إلى العناية بالسنة وتوثيقها من ترغيب القرآن والسنة في حمل العلم وتبليغه وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على تلقي ما صدر عنه من تشريع حتى يحظوا بما وعد به من أجر ومثوبة حين قال : " نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "(1) بالإضافة إلى : 1- أنهم يعلمون أن الأمر دين، أمر الله بتحقيقه والتوثق منه والتثبت فيه، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... )(2). يقول محمد بن الحسن : ( إن الفاسق إذا أخبر بحل أو حرمة فالسامع عليه أن يحكم رأيه فيه لأن ذلك أمر خاص لا يستقيم طلبه وتلقيه من جهة العدول دائما، فوجب التحري في خبره، فأما هنا في رواية الحديث فلا ضرورة في المصير إلى روايته، وفي العدول كثرة وبهم غنية، إذ يمكن الوقوف على معرفة الحديث بالسماع منهم فلا حاجة إلى الاعتماد على خبر الفاسق )(3) . 2- حث الصحابة للتابعين على مذاكرة السنة والعناية بها وتبلغيها للناس عملاً بقول صلى الله عليه وسلم ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )(4) . ومما يروي في هذا أن ابن عباس، رضي الله عنهما ، كان يحض طلابه على مذاكرة الحديث فيقول : ( تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم ، فإنه ليس بمنزلة القرآن، القرآن مجموع محفوظ، وإنكم إن لم تذاكروا هذا الحديث تفلت منكم، ولا يقل أحدكم حدثت أمس، لا أحدث اليوم، بل حدث أمس، وحدث اليوم ، وحدث غدا ) (5). كما كان يقول رضي الله عنه ( إذا سمعتم منا شيئا فتذاكروه بينكم ) (6). ووقف عمرو بن العاص على حلقة من قريش فقال : " ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا وأوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم "(7). وكان أبو أمامة الباهلي يقول لطلابه: ( إن هذا المجلس من بلاغ الله إياكم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أرسل به، وأنتم فبلغوا عنا أحسن ما تسمعون ) . وفي رواية : كان يحدثهم حديثا كثيرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا سكت قال : اعقلوا، بلغوا عنا كم بلغتم (8). 3- أنه قد جدت أمور في عهد التابعين دفعتهم إلى أن يزيدوا من هذه العناية وهذا التوثيق وهي ظهور الحركات المضادة لمسيرة الإسلام منذ عهد عثمان وعلي رضي الله عنهم كحركات الشيعة والخوارج وما صاحب كل فرقة من اتجاه محموم للانقضاض على الإسلام وأهله . ولقد أدى ظهور هذه الحركات إلى إحداث الفرقة في صفوف المسلمين كما أدى إلى وضع الأحاديث التي تدعم رأى كل فريق وتقوي حزبه وتؤازر فكره ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى أمرين : الأول : تدوين المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدوينا رسميا عاما بحيث يكون الرجوع إليه والصدور عنه، وهذا ما أسس لعلم الحديث رواية وهو الخاص بنقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقيه أو خلقية ....إلخ . الثاني : نقد الرواية وتحقيق صحة السنة وتمييز المقبول من غير المقبول، وذلك ما أسس لعلم الحديث دراية، وهو الخاص، بالقواعد والقوانين التي يعرف بها أحوال السند والمتن لتمييز المقبول من غيره (9). 4- دخول أهل البلاد المختلفة وأسئلتهم عن أمور تتعلق بالسنة أدى إلى اهتمام التابعين وتحريهم حتى تنقل السنة إلى هذه البلاد نقية . (1) - الحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 2/31، وأخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع 5/33-34، وقال : أبو عيسى : حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب من بلغ علما 1/84-86، وأخرجه أحمد في مسنده 1/437. (2) - سورة الحجرات /86. (3) - أصول البزدوي 3/740-741. (4) - الحديث تقدم تخريجه . (5) - شرف أصحاب الحديث ص 95، المحدث الفاصل ص 547. (6) - شرف أصحاب الحديث ص 95. (7) - شرف أصحاب الحديث ص89- المحدث الفاصل ص 194. (8) - شرف أصحاب الحديث ص 96. (9) - انظر : شذرات من علوم السنة 1/192-193 السنة قبل التدوين ص 187-189، محاضرات في علوم الحديث ص 199.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (54) من وسائل التابعين في حفظ السنة 7- كتابة السنة : لقد تلقى التابعون علومهم على يدي الصحابة وخالطوهم، وعرفوا كل شيء عنهم وحملوا الكثير الطيب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريقهم، وعرفوا متى كره هؤلاء كتابة الحديث ومتى أباحوه فتأسوا بهم، فمن الطبيعي أن تتفق آراء التابعين وآراء الصحابة حول حكم التدوين، فإن الأسباب التي حملت الخلفاء الراشدين والصحابة على الكراهة هي نفسها التي حملت التابعين عليها، فذا هم يكرهون الكتابة ما دامت أسباب الكراهة قائمة، ويجمعون على الكتابة وجوازها عند زوال تلك الأسباب ، ولن نستغرب أن نرى خبرين عن تابعيين أحدهما يمنع الكتابة والآخر يبيحها ما دمنا نوجه كل مجموعة من هذه الأخبار وجهة تلائم الأسباب التي أدت بها . وعليه فإن كراهية بعض كبار التابعين للكتابة، كعبيدة بن عمرو السلماني المرادي ( 72هـ) والذي لم يرض أن يكتب عنده أحد ولا يقرأ عليه أحد (1). وكإبراهيم النخعي ( 96هـ ) والذي كره أن تكتب الأحاديث في الكراريس وتشبه بالمصاحف (2)وكان يقول : ( ما كتبت شيئا قط ) (3)حتى أنه منع حماد بن سليمان من كتابة أطراف الأحاديث (4)ثم تساهل في كتابتها . قال ابن عون : ( رأيت حمادا يكتب عن إبراهيم فقال له إبراهيم : ألم أنهك؟ قال : إنما هي أطراف ) (5). وكقتادة الذي كان يكره الكتابة فإذا سمع وقع الكتاب أنكره والتمسه بيده (6) ونسمع عامرا الشعبي ( 103هـ ) يردد عبارته المشهورة ( ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل حديثا فأردت أن يعيده علي ) (7). وإنما دفعهم إلى ذلك خوفهم من اختلاط السنة بآرائهم الشخصية وفي هذا يقول أستاذنا الدكتور يوسف العش : ( وأما من ورد عنهم الامتناع عن الإكتاب من هذا الجيل فيؤول امتناعهم بما لا يخالف ما انتهينا إليه، فهم جميعا فقهاء، وليس بينهم محدث ليس بفقيه، والفقيه يجمع بين الحديث والرأي، فيخاف تقييد رأيه واجتهاده إلى جانب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم )(8) . ويوضح هذا بأمثله تثبت ما ذهب إليه فيقول : ( إننا نجد في الواقع أخبارا تروى كراهتهم لكتابة الرأي كاعتذار زيد بن ثابت عن أن يكتب عنه كتاب مروان .. وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب – وهو من الفقهاء والذين روى امتناعهم عن الإكتاب – فسأله عن شيء فأملاه عليه ثم سأله عن رأيه فأجابه فكتبه الرجل ، فقال رجل من جلساء سعيد أيكتب يا أبا محمد رأيك، فقال سعيد للرجل: ناولينها، فناوله الصحيفة فخرقها(9)، وقيل لجابر بن زيد إنهم يكتبون رأيك، قال : تكتبون ما عسى أرجع عنه غدا )(10) . وكل هذه الأقوال رويت من علماء، حدث المؤرخون عنهم أنهم كرهوا إكتاب الناس وهي تدل دلالة صريحة على أن الكراهة ليست في كتابة الحديث بل في كتابة الرأي، وأن الأخبار التي وردت في النهي دون تخصيص إنما قصد بها الرأي خاصة، ويشابه هذا الأمر ما حدث في أمر كراهية الرسول والصحابة الأولين من التباس الحديث بالقرآن أو الانكباب عليه دونه، فما كانوا يخشونه من الحديث أصبح خشية التابعين الأولين من الرأي والتباسه بالحديث(11). ويقوى هذا الرأي ما ورد عن هؤلاء التابعين من كتابتهم للحديث عن الصحابة، من أخبار يحثون فيها على الكتابة، ويسمحون لطلابهم أن يكتبوا عنهم، خاصة بعد أن فرق الطلاب بين النهي عن كتابة الرأي، والنهي عن كتابة الرأي مع الحديث، فهذا سعيد بن جبير ( 95هـ ) يكون مع ابن عباس فيستمع منه الحديث فيكتبه في واسطة الرحل فإذا نزل نسخة )(12). وعنه قال : ( كنت أسير بين ابن عمر وابن عباس فكنت أسمع الحديث منهما، فأكتبه على واسطة الرحل حتى أنزل فاكتبه ) (13). وهذا عامر الشعبي بعد أن كان يقول : ( ما كتبت سوداء في بيضاء ) يردد قوله : ( الكتاب قيد العلم )(14) وكان يحض على الكتابة ويقول : ( إذا سمعتم مني شيئا فاكتبوه ولو في حائط ) (15)، وكان عطاء بن أبي رباح ( 114هـ ) يكتب لنفسه، وكان طلابه يكتبون بين يديه )(16). وقد بالغ في حض طلابه على التعلم والكتابة ، فعن أبي حكيم الهمداني، قال : ( كنت عند عطاء بن أبي رباح، ونحن غلمان، فقال : يا غلمان، تعالوا اكتبوا، فمن كان منكم لا يحسن كتبنا له، ومن لم يكن معه قرطاس أعطيناه من عندنا ) (17). وكان نافع مولى ابن عمر يملى علمه وطلابه يكتبون بين يديه(18) . وكان عمر بن عبدالعزيز ( 101هـ ) يكتب الحديث، روى عن أبي قلابه قال : خرج علينا عمر بن عبدالعزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس، ثم خرج علينا لصلاة العصر وهو معه، فقلت له : يا أمير المؤمنين، ما هذا الكتاب؟ قال : حديث حدثني به عون بن عبدالله فأعجبني فكتبته (19)، وانتشرت الكتب حتى قال الحسن البصري ( 110هـ ) : ( إن لنا كتبا كنا نتعاهدها )(20). ونشطت الحركة العلمية وازدادت معها الكتابة ويصور لنا قتادة بن دعامة السدوسي ( 118هـ ) بإجابته لمن يسأله عن كتابة الحديث – موقف هذا الجبل من التابعين من الكتابة إذ يقول : وما يمنعك أن تكتب ، وأخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب ( قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى )(21). وهذا يدل على أن الكتابة قد شاعت بين مختلف الطبقات ولم يعد أحد ينكرها في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني، وقد كثرت الصحف والكتب في ذلك الوقت حتى لنرى مجاهد بن جبر ( 103هـ ) يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلى غرفته فيخرج إليهم كتبه فينسخون منها(22) ،وكان أن ظهرت المصنفات المستقلة في العلوم المختلفة ومنها السنة، ومن أبرز المؤلفات الحديثية في هذا العصر : 1- المغازي والسير، وكان أول من ألف فيها- فيما أعلم – هو عروة بن الزبير الذي صنف كتابه المغازي والسير (23). 2- كتب الأطراف – وكان أول من ألف فيها – فيما أعلم – محمد بن سيرين الذي كتب أطراف حديث عبيدة السلماني(24) . 3- السنن، وكان أول من ألف فيها – فيما أعلم – هو مكحول الشامي الذي صنف كتاب " السنن في الحديث " (25). ويلاحظ أن كتابة السنة قد أخذت طورا أعمق في عهد التابعين منه في عهد الصحابة وأنها بدأت تأخذ طابعا خاصا ومساراً جديداً لكل مجموعة من الأحاديث، وأن التأليف المنهجي أخذ يبرز إلى ساحات العلم ولعل أول بادرة له كانت بكتاب السنن لمكحول الدمشقي، كما لا يخفى أن هذه المؤلفات هي مؤلفات لأنواع جديدة لم تكن في سلفهم من الصحابة كما أن تلك الأنواع التي كانت في عهد الصحابة قد ألف فيها التابعون (26)، ومن أشهر تلك المؤلفات ( صحيفة همام بن منبه ) والتي كتبها عن أبي هريرة، ونقلها المصنفون بعد ذلك في القرن الثاني وما بعده(27)وقد نقلها الإمام أحمد بن حنبل في مسنده في موضع واحد بسند واحد في أول الأحاديث (28). (1) - جامع البيان العلم ص 84 – تقييد العلم ص 45-46 – العلم ص 144. (2) - سنن الدارمي 1/121، جامع بيان العلم ص 84- تقييد العلم ص 48. (3) - تقييد العلم ص 60. (4) - العلم لزهير بن حرب ص 141. (5) - سنن الدارمي 1/120- جامع بيان العلم ص 92- العلم ص 141-146. (6) - سنن الدارمي 1/120. (7) - جامع بيان العلم ص 85. (8) - تقييد العلم، مقدمة المحقق ص 20. (9) - جامع بيان العلم 2/144. (10) - جامع بيان العلم وفضله 2/31. (11) - مجلة الثقافة المصرية الصفحة 8-9 من العدد 352 في السنة السابعة، نقلا عن السنة قبل التدوين ص 323-325. (12) - جامع بيان العلم ص 92. (13) - تقييد العلم ص 98. (14) - تقييد العلم ص 99- المحدث الفاصل ص 375. (15) - العلم لزهير ص 144- طبقات ابن سعد 6/257. (16) - سنن الدارمي 1/129. (17) - السنة قبل التدوين ص 327. (18) - سنن الدارمي 1/129. (19) - سنن الدارمي 1/130. (20) -جامع بيان العلم ص 95. (21) - تقييد العلم 103، والآية 52 من سورة طه. المحدث الفاصل 372، شرح السنة 1/296. (22) - سنن الدارمي 1/128، تقييد العلم ص 105. (23) - كشف الظنون 2/1747. (24) - جامع بيان العلم 2/9. (25) - هدية العارفين 2/470- الفهرست لابن النديم 318. (26) - كشف اللثام 1/132، وانظر أمثلة أخرى بكتاب دراسات في الحديث النبوي للدكتور محمد الأعظمي ( 1/143-167) فقد عرض لنماذج كثيرة من كتابة التابعين، والكتابة عنهم . (27) - طبعت هذه الصحيفة بتحقيق الدكتور رفعت فوزي ونشرتها مكتبة الخانجي 1406هـ- 1985م . (28) - المسند 2/314-319.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (56) التدوين الرسمي للسنة من المعلوم أن السنة لم تدون تدوينا رسميا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دون القرآن، عدا ما دونه بعض الصحابة في صحف خاصة بهم – كما تقدم بيانه وفي عصر الخلفاء الراشدين كانت هناك محاولات لجمعها وتدوينها فقد عزم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على كتابة السنة وتدوينها ثم تراجع عن ذلك خشية أن تلتبس بكتاب الله عز وجل . يقول عروة بن الزبير : ( إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار عليه عامتهم بذلك ، فلبث عمر شهرا يستخير الله في ذلك شاكا فيه، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال : إني كنت قد ذكرت لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكرت، فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم، قد كتبوا مع كتاب الله كتبا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا، فترك كتاب السنن )(1) . وهكذا ظلت السنة في عصر الصحابة محفوظة في صدورهم، ثم نقلوها إلى التابعين مشافهة وتلقينا كما تحملوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأول من فكر في جمع السنة وتدوينها رسميا من التابعين الخليفة العادل الورع التقي أمير المؤمنين : عمر بن عبدالعزيز ( 101هـ ) والذي قوى عزمه لجمع السنة عدة أسباب نوجزها فيما يلي (2): 1- أنه قد مر على القرآن الكريم زمن طويل، وحفظه من المسلمين خلق كثير ودون في مصاحف استقرت في الأمصار، وبهذا استقر القرآن في الصدور والمصاحف، وأصبح في مأمن من اللبس والشك، فلا حرج إذا في كتابة السنة وتدوينها. 2- موت الكثير من حفظة الحديث بمرور الزمن، وقلة الضبط وضعف ملكة الحفظ كلما تقدم الزمن بالناس . 3- كثرة المذاهب الدينية والسياسية التي عبثت بالحديث وكادت تذهب بالثقة فيه، الأمر الذي جعل العلماء يقومون بالدفاع عنه، ويعملون على حفظه بوسائل مختلفة كان من أهمها جمعة وتدوينه . يشهد لذلك قول ابن شهاب الزهري ( 124هـ ) : ( لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها ولا نعرفها ما كتبت حديثا ولا أذنني في كتابته )(3) . من أجل هذه الأسباب قوى عزم عمر بن عبدالعزيز على جمع السنة، والمحافظة عليها من الفناء والدرس ونقلها من الصدور إلى السطور والخروج بها إلى دائرة التدوين والتصنيف والجمع والدرس ولتصبح مرجعاً محفوظاً يرجع إليه من يريد الارتشاف من نبعها الصافي ومعينها الوافي . فأمر عمر بن عبدالعزيز من يثق به في دينه وحفظه بكتابتها وتدوينها، وبذلك حقق عمر بن عبدالعزيز رغبة جده عمر بن الخطاب التي جاشت في نفسه مدة ثم عدل عنها خوفا من أن تلتبس بالقرآن أو يصرف الناس إليها . روى البخاري في صحيحه في باب كيف يقبض العلم ( وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم عامله على المدينة – انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه – فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم – ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً )(4). وقد علق الحافظ ابن حجر على هذا الأثر بقوله : ( ويستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر بن عبد العزيز، وكان على رأس المائة الأولى، من ذهاب العلم بموت العلماء، رأى في تدوينه ضبطا له وإبقاء، وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ : كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق : انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه ) (5). وروى الإمام مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن : ( إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة أو حديث عمرة، أو نحو هذا فاكتبه لي فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ) (6). وفي رواية أمره أن يكتب له العلم الذي عند عمرة بنت عبدالرحمن ( 98هـ ) والقاسم ابن محمد ( 107هـ ) فكتبه له (7). كما أمر ابن شهاب الزهري ( 124هـ ) وغيره بجمع السنن (8)، وربما لم يكتف عمر بن عبدالعزيز بأمر من أمرهم بجمع الحديث، فأرسل كتبا إلى الآفاق يحث المسئولين فيها على تشجيع أهل العلم على دراسة السنة وإحيائها، ومن هذا ما يرويه عكرمة بن عمار قال : سمعت كتاب عمر بن عبدالعزيز يقول : ( أما بعد فأمروا أهل العلم أن ينتشروا في مساجدهم، فإن السنة كانت قد أميتت ) (9). بل هناك أخبار تثبت أن عمر بن عبدالعزيز قد شارك العلماء في مناقشة بعض ما جمعوه ومن ذلك ما رواه أبو الزناد – عبدالله بن ذكوان القرشي ( 131هـ ) قال : ( رأيت عمر بن عبدالعزيز جمع الفقهاء فجمعوا له أشياء من السنن فإذا جاء الشيء الذي ليس العمل عليه، قال : هذه زيادة ليس العمل عليها ) (10). من هنا يتبين لنا أن عمر بن عبدالعزيز قد بذل جهدا كبيرا في المحافظة على السنة مع قصر مدة خلافته، فقد طلب من أبي بكر بن حزم جمع الحديث، وأبو بكر هذا من أعلام عصره، قال فيه مالك بن أنس : ( ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ولا أتم حالا ... ولي المدينة والقضاء والموسم (11)وعنه قوله : " لم يكن عندنا أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي بكر "(12)، وكان قد طلب منه أن يكتب إليه حديث عمرة بنت عبدالرحمن وهي خالته، نشأت في حجر عائشة، وكانت من أثبت التابعين في حديث عائشة رضي الله عنها )(13) . وأما القاسم بن محمد بن أبي بكر ( 107هـ ) الذي ذكر في بعض الروايات فهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، عالم أهل زمانه، تلقى علمه عن عمته عائشة رضي الله عنها، وعائشة أم المؤمنين معروفة بعلمها وتعمقها في السنة وهي غنية عن التعريف . وأما ابن شهاب أحد الذين شاركوا في الجمع والكتابة فهو أحد أعلام ذلك العصر كان قد كتب السنن وما جاء عن الصحابة أثناء طلبة العلم(14)، وكان ذا مكانة رفيعة، فقد روى عن أبي الزناد أنه قال : ( كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس ) (15). وإذا كانت المنية قد اخترمت الخليفة الراشد الخامس قبل أن يرى الكتب التي جمعها أبو بكر – كما يذكر ذلك بعض العلماء (16)فإنه لم تفته أولى ثمار جهوده التي حققها ابن شهاب الزهري الذي يقول : ( أمرنا عمر بن عبدالعزيز بجمع السنن فكتبنا دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتر )(17). وعلى هذا يحمل ما قاله المؤرخون والعلماء ( أول من دون العلم ابن شهاب )(18) وله أن يفخر بعمله هذا فيقول : ( لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني )(19) . وقد اعتبر علماء الحديث تدوين عمر بن عبدالعزيز هذا أول تدوين للحديث ورددوا في كتبهم هذه العبارة : ( وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبدالعزيز ونحوها )(20) . ويفهم من هذا أن التدوين الرسمي كان في عهد عمر بن عبدالعزيز ، أما تقييد الحديث وحفظه في الصحف والرقاع والعظام فقد مارسه الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقطع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ، بل بقى جنبا إلى جنب مع الحفظ حتى قيض الله للحديث من يودعه المدونات الكبرى . (1) - تقييد العلم ص 50- جامع بيان العلم 1/64. (2) - عناية المسلمين بالسنة للدكتور الذهبي ص 18- دراسات في مناهج المحدثين ص 78-79. (3) - تقييد العلم ص 108. (4) - صحيح البخاري، كتاب العلم باب كيف يقبض العلم ( 1/234 ) فتح . (5) - فتح الباري 1/194. (6) - موطأ مالك، المقدمة لعبدالحي اللكنوي 13، تقييد العلم ص 105،سنن الدارمي ، المقدمة، باب من رخص في كتاب العلم 1/137. (7) - مقدمة الجرح والتعديل ص 21، والمراد أن يكتب له حديث عمرة لأنها توفيت قبل سنة ( 99هـ) السنة التي تولى فيها عمر بن عبدالعزيز الخلافة وواضح هذا في الخبر الذي قبله . (8) - جامع بيان العلم 1/76. (9) - المحدث الفاصل ص 153- السنة قبل التدوين ص 330. (10) - قبول الأخبار ص 30 نقلا عن السنة قبل التدوين ص 330. (11) - تهذيب التهذيب 12/39. (12) - تهذيب التهذيب 12/39. (13) - تهذيب التهذيب 12/438، وقال سفيان بن عيينة: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبدالرحمن. انظر مقدمة الجرح والتعديل ص 45. (14) - جامع بيان العلم 1/76. (15) - جامع بيان العلم 1/73. (16) - قواعد التحديث ص 47. (17) - جامع بيان العلم 1/76. (18) - جامع بيان العلم 1/76- حلية الأولياء 3/363. (19) - الرسالة المستطرفة ص 4. (20) - قواعد التحديث ص 71- توجيه النظر ص 7 وإرشاد الساري 1/14.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (59) أئمة الحديث من التابعين كان للجهود التي بذلها التابعون في الحفاظ على السنة ونشرها ثماراً مباركة فقد خرجت أفذاذا من الجيل حازوا قصب السبق في هذا الميدان لاجتهادهم وإخلاصهم فيه فكان لهم من الخلف مزيد الثناء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . قال جعفر بن ربيعه : قلت لعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة ؟ قال : أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقهم فقها وأعلمهم علما بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثا فعروه بن الزبير، ولا تشاء أن تفجر من عبيدالله بن عبدالله بحرا إلا فجرته، وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب، فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه . وقال الزهري : العلماء أربعة : سعيد بن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن بالبصرة، ومكحول الشام . وقال أبو الزناد : كان فقهاء أهل المدينة أربعة : سعيد بن المسيب، وقبيضة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وعبدالملك بن مروان . وقال الزهري : أربعة من قريش وجدتهم بحوراً : سعيد بن المسيب، وعروة ابن الزبير، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وعبيد الله بن عبدالله . وقال ابن سيرين : قدمت الكوفة وبها أربعة آلاف يطلبون الحديث، وشيوخ الكوفة أربعة: عبيدة السلماني، والحارث الأعور، وعلقمة بن قيس، وشريح القاضي، وكان أحسنهم . وقال الشعبي : كان الفقهاء بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكوفة من أصحاب ابن مسعود هؤلاء : علقمة وعبيدة، وشريح، ومسروق، وكان مسروق أعلم بالفتوى من شريح، وشريح أعلم بالقضاء، وكان عبيدة يوازيه . وقال ابن عون وقيس بن سعد : لم ير في الدنيا مثل ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، وطاووس باليمن . وقال قتادة : أعلم التابعين أربعة : عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وسعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وعكرمة مولى ابن عباس أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والحسن أعلمهم بالحلال والحرام . وقال سليمان بن موسى : إن جاءنا العلم من ناحية الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإن جاءنا من البصرة عن الحسن البصري قبلناه، وإن جاءنا من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإن جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه، وكان هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام . وقال أبو داود الطيالسي: وجدنا الحديث عند أربعة : الزهري وقتادة والأعمش وأبي إسحاق، قال : وكان الزهري أعلمهم بالإسناد، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، وكان أبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وعبدالله، وكان عند الأعمش من كل هذا (1). من خلال هذا العرض لكلام العلماء في أئمة الحديث من التابعين نجد أن عددهم قد بلغ ستة وعشرين راويا هم : 1- سعيد بن المسيب . 2- عروة بن الزبير . 3- عبدالله بن عبيدالله . 4- ابن شهاب الزهري . 5- الشعبي . 6- الحسن البصري . 7- مكحول الدمشقي . 8- قبيضة بن ذؤيب . 9- عبدالملك بن مروان . 10-أبو سلمة بن عبدالرحمن . 11-عبيدة السلماني . 12-الحارث الأعور . 13-علقمة بن قيس . 14-شريح القاضي . 15-مسروق الأجدع . 16-محمد بن سيرين . 17-القاسم بن محمد . 18-رجاء بن حيوه . 19-طاووس . 20-عطاء بن أبي رباح . 21-سعيد بن جبير . 22-عكرمة . 23-ميمون بن مهران . 24-قتادة . 25-أبو إسحاق السبيعي . 26-الأعمش . وهؤلاء الرواة عدا قليل منهم عليهم تقوم أصح الأسانيد والتي تعرف بسلاسل الذهب منها مثلا : 1- الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس عن عمر . 2- محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي . 3- علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص. 4- الأعمش عن إبراهيم بن علقمة عن ابن مسعود . 5- الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة . 6- مالك عن الزهري عن أنس . (2) (1) المنهج الحديث في علوم الحديث للدكتور – محمد السماحي ص 201-202، تدريب الراوي 2/399-401. (2) انظر ألفية السيوطي بشرح الشيخ أحمد شاكر ص7-9.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (61) منهج أتباع التابعين باختصار ونستطيع مما سبق أن نلخص منهج أتباع التابعين في أمور ثلاثة : الأول/ أنهم نقدوا الإسناد والمتن : كانوا يحفظون الروايات ويقارنون بعضها ببعض، وقد أكسبهم ذلك خبرة تامة في نقد المتون، وبصيرة ناقدة في أحوال الرواة . الثاني/ أنهم كشفوا عن الكذابين وحذروا الناس منهم : لقد تتبعوا الكذبة في كل مكان، وكشفوا عن أحوالهم، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم عن تجريحهم والتشهير بهم ورع ولا حرج، وحذروا الناس من سمومهم حتى أصبح عند عوام الناس وعي جيد يميزون به بين المتطفلين على الحديث وأهله ورجاله الثقات، يدل على هذا ما رواه الحافظ بن حجر عن يزيد بن هارون قال : ( كان جعفر بن الزبير وعمران بن حدير في مسجد واحد مصلاهما، وكان الزحام على جعفر بن الزبير، وليس عند عمران أحد، وكان شعبة يمر بهما فيقول : يا عجبا للناس !! اجتمعوا على أكذب الناس، وتركوا أصدق الناس، قال يزيد فما أتى عليه قليل حتى رأيت ذلك الزحام على عمران، وتركوا جعفر وليس عنده أحد )(1). الثالث/ أنهم بينوا من تقبل روايته ومن لا تقبل : يدل على ذلك قول الإمام مالك المتقدم : لا يؤخذ العلم عن أربعة، ويؤخذ مما سوى ذلك : لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه وإن كان من أروى الناس، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا أتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث(2). وقيل لشعبة بن الحجاج : ( متى يترك حديث الرجل ؟ قال : إذا روى عن المعروفين مالا يعرفه المعرفون فأكثر، وإذا أكثر الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثا غلطا مجتمعا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه، طرح حديثه ، وما كان غير ذلك فارووا عنه )(3). وبهذا المنهج الفريد حفظ الله السنة في عصر اتباع التابعين كما حفظها من قبل في عصر الصحابة والتابعين . (1) تهذيب التهذيب : ج 2ص 91( ترجمة جعفر بن الزبير ) . (2) الجرح والتعديل : ج 1ص 32. (3) نفس المصدر والموضع .
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين ا.د.فالح بن محمد الصغير الحلقة (63) يتبع/ موطأ الإمام مالك عدد رجال الموطأ : قال الحافظ صلاح الدين العلائي : ( عدة رجال مالك الذين روى عنهم في هذا المسند وسماهم خمسة وتسعون رجلا ، وعدة من روي له فيه من رجال الصحابة خمسة وثمانون رجلا، ومن نسائهم ثلاث وعشرون امرأة، ومن التابعين ثمانية وأربعون رجلا كلهم من أهل المدينة إلا ستة رجال وهم : أبو الزبير من أهل مكة، وحميد الطويل من أهل البصرة، وعطاء بن عبد الله من أهل خراسان، وعبد الكريم من أهل الجزيرة ، وإبراهيم بن أبي عبلة من أهل الشام (1). عدد أحاديث الموطأ : قال أبو بكر الأبهري : جملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثا، المسند منها ستمائة حديث، والمرسل مائتان واثنا وعشرون حديثا ، والموقوف ستمائة وثلاثة عشر، ومن أقوال التابعين مائتان وخمسة وثمانون(2) . وقال ابن حزم : ( أحصيت ما في موطأ مالك فوجدت فيه من المسند خمسمائة ونيفا، وفيه ثلاثمائة ونيف مرسلا، وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيه أحاديث وماما جمهور العلماء )(3). درجة أحاديث الموطأ: اختلف العلماء في منزلة الموطأ من كتب السنة، فمنهم من جعله مقدما على الصحيحين كالإمام أبي بكر بن العربي، قال : ( الموطأ هو الأصل الأول واللباب وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب، وعليهما بني الجميع كمسلم والترمذي )(4). ويدل على ذلك أيضا قول الشافعي : ( ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك)(5)، قال السيوطي : ( هذا قبل وجود صحيح البخاري ومسلم ) (6). ومنهم من جعله في مرتبتهما كالإمام الدهلوي(7)، حيث قسم كتب الحديث إلى خمس طبقات وجعل الطبقة الأولى منحصرة في ثلاثة كتب : الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم. وممن ذهب إلى ذلك الشيخ أحمد شاكر حيث قال : إن ما في الموطأ من الأحاديث الموصولة المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحاح كلها، بل هي في الصحة كأحاديث الصحيحين، وأن ما فيه من المراسيل والبلاغات وغيرها يعتبر فيها ما يعتبر في أمثالها، مما تحويه الكتب الأخرى، وإنما لم يعد في الكتب الصحاح لكثرتها وكثرة الآراء الفقهية لمالك وغيره(8). وبعض العلماء كان يرى أن أصول الحديث سبعة، هي الكتب الستة ومعها الموطأ، ويجعل بعضهم بدلا منه سنن الدارمي . وليست أحاديث الموطأ كلها مسندة، بل فيه المرسل، والمعضل، والمنقطع وغير ذلك، وقد ذكر العلماء أن جميع ما فيه من قوله ( بلغني ) وقوله : ( عن الثقة ) من غير أن يسنده ( 61) لكنها مسندة من طرق أخرى غير طريق مالك نفسه، ولذلك تصدى ابن عبد البر النمري إلى تأليف كتاب حاول به أن يصل ما في ( موطأ مالك ) من الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة(9). شروح الموطأ : اعتنى الناس بكتاب الموطأ، وعلقوا عليه كتبا جمة، ومن أجود ذلك : كتابا ( التمهيد) و ( الاستذكار ) للشيخ أبي عمر بن عبد البر النمري القرطبي المتوفى سنة ( 463 ) هـ(10). كذلك شرح الموطأ أبو محمد بن السعيد النحوي البلطيوسي المتوفى سنة ( 525هـ ) وسماه ( المقتبس ) ، والقاضي أبو بكر محمد بن العربي المغربي المتوفى سنة ( 546هـ ) وسماه : ( القبس ) . وشرحه الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة ( 911هـ ) وسمى شرحه : ( كشف المغطى في شرح الموطأ ) واختصره في شرحه : ( تنوير الحوالك على موطأ الإمام مالك ) وألف السيوطي في رجال : ( إسعاف المبطأ برجال الموطأ ) وقد طبع مع شرحه : ( تنوير الحوالك ) بمصر . وممن ألف في شرح غريبه : البرقي، وأحمد بن عمران الأخفش، وأبو القاسم العثماني المصري (11). وشرحه الإمام عبد الحي اللكنوي الهندي وسمى شرحه : ( التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد ) . (1) مقدمة تنوير الحوالك : ج 1ص10. (2) مقدمة تنوير الحوالك: ج 1ص9. (3) نفس المصدر، وانظر تدريب الراوي :ج 1ص111. (4) مقدمة تنوير الحوالك : ج 1ص6. (5) المصدر السابق : ج 1ص7. (6) تدريب الراوي : ج 1ص91. (7) في كتابه : حجة الله البالغة : ج 1ص133 ط : دار المعرفة بيروت . (8) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث : ص 24. (9) علوم الحديث ومصطلحه للدكتور / صبحي الصالح : ص 387. (10) اختصار علوم الحديث لابن كثير : ص 25. (11) مقدمة تنوير الحوالك ص 12.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |