|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (11) الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الحادي عشر بسم الله الرحمن الرحيم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}(البقرة). اقتتل قبل الإسلام بقليل حيان من العرب ، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يُقتل بالعبد منا الحرُّ منهم والمرأةِ منا الرجلُ منهم فنزل فيهم: { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ }، ثم نسخت بقوله تعالى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}(المائدة). عن ابن عباس في قوله { وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ } وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ } فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم .وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } ، وروى القرطبي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي بالمرأة ذهب أبو حنيفة إلى أن الحر يُقتل بالعبد لعموم آية المائدة وإليه ذهب الثوري وغيره ،قال البخاري وجماعة : يقتل السيد بعبده لعموم حديث الحسن عن سمرة ( من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن أخصاه أخصيناه ) وخالفهم كثيرون، فقالوا لا يقتل الحر بالعبد لأن العبد سلعة لو قتل خطأ لم يجب فيه دية وإنما تجِبُ فيه قيمته . وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يقتل مسلم بكافر ) ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا ومذهب الأئمة الأربعة والجمهور أن الجماعة يقتلون بالواحد : قال عمر في غلام قتله سبعة فقتلهم وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم ولا يعرف له في زمانه مخالف من الصحابة وذلك كالإجماع وخالفهم ابن الزبير ومروان بن الحكم والإمام أحمد وغيرهم. وقوله تعالى { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } دعوة إلى العفو وقبول الدية بعد استحقاق الدم وهنا يأتي الاتباع بالمعروف والإحسان إلى القاتل عن ابن عباس قال : كتب على بني إسرائيل القصاص في القتلى ولم يكن فيهم العفوُ فقال الله لهذه الأمة { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَىٰ بِالْأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، ذلك تخفيف مما كتب على بني إسرائيل من كان قبلكم { ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } فرحم الله هذه الأمة وأطعمهم الدية ولم تحل لأحد قبلهم فكان لأهل التوراة قصاصٌ وعفو ليس بينهم أرش ( أقلُّ من الدية ) وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو أمروا به وجعل لهذه الأمة القصاص والعفو والأرش. العفوُ: في اللغة البذل. قال تعالى :{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}(الأعراف) ولهذا يقول العلماءُ : خذ العفوَ وما سَهُل . والإحسان صدقة والصدقة هنا كفارة كما أن تساقط الديات بين الأطراف مقاصّة. فكانت الديّة تخفياً من الله تعالى عن المسلمين. { فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } إن من يقتل بعد أخذ الدية أو قبولها فله عذاب من الله أليم موجع شديد. قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها ) روى الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية ) يعني لا أقبل منه الدية بل أقتله . يذكر القرطبي رحمه الله تعالى: أن كثيراً من العلماء استدلوا على قتل المسلم بالذمي في أنه إذا سرق المسلم مال الذمي قطعت يده ولأن الذمّيّ آمن في البلد الإسلامي فحقوقه حقوق المسلم. وقال: فلا يصح في الباب إلا حديث البخاري , وهو يخصص عموم قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } الآية , وعموم قوله : { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } . ومن روائع بيان القرآن الكريم قوله { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } فقتل القاتل حكمة عظيمة وهي بقاء المهج وصونها فإذا علم القاتل أنه يقتل كفَّ عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس ، قالت العرب : (القتل أنفى للقتل) فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ }، قال أبو العالية جعل الله القصاص حياة ،فكم من رجل يريد أن يقتل فيمتنع مخافة أن يقتل وما ينتهي عن ذلك إلا أولو الألباب وأصحاب العقول. يقول القرطبي أن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر , مخافة أن يقتص منه فحيَيا بذلك معا . وكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر حمي قبيلاهما وتقاتلوا وكان ذلك داعيا إلى قتل العدد الكثير , فلما شرع الله القصاص قنع الكل به وتركوا الاقتتال , فلهم في ذلك حياة . كما أنه لا يجوز لأحد أن يقتص من أحد حقـَّه دون السلطان , وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض , وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك , وجعل الله السلطان ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض . كما يُقتص من السلطان نفسه إن تعدى على أحد من رعيته فهو واحد منهم , وإنما له مزية النظر لهم كالوصي والوكيل , وذلك لا يمنع القصاص , وليس بينهم وبين العامة فرق في أحكام الله عز وجل , لقوله جل ذكره : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } , وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرجل شكا إليه أن عاملا قطع يده : لئن كنت صادقا لأقيدنك منه , وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا إذ أكب عليه رجل , فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه , فصاح الرجل , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعال فاستقد ) . قال : بل عفوت يا رسول الله . وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ألا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه , فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين , لئن أدَّب رجل منا رجلا من أهل رعيته لتقصنه منه ؟ قال : كيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه , ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم , فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه , وذكر الحديث بمعناه . إن مِن أولي الألباب من يتفكر ويتدبر ويعمل بكتاب الله تعالى في نفسه وأهله ومجتمعه بتقوى الله ، ليبني مجتمعاً مسلماً يشهد التاريخ والعالم كله بعدله وحضارته. إنه – سبحانه - ينادينا ، فهل نعي ذلك يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الحادي والعشرون يقول الله تعالى في سورة الأحزاب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه , ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم . وذكر الله وتسبيحه سهل على الإنسان ميسر له ، وقد قال تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }؟ . ولعظم الأجر فيه قال ابن عباس : لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله . وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ) . والذكر الكثير المقبول الذي يثقل الميزان ما كان صادراً عن القلب , ومن معنى الذكر الصلاةُ بكرة وأصيلا , والصلاة تسمى تسبيحا . وخص الفجر والمغرب والعشاء بالذكر لما فيها من آيات بينات تراها يومياً في تغيُّر الليل والنهار ، وهذا من عظيم قدرة الله تعالى، قال تعالى {.. وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14)}(طه). وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}(الأعراف) ويشمل الذكرُ التفكرَ كما جاء فى سورة آل عمران : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ...(195)، يتفكر الإنسان العاقل بتقلبات الليل والنهار، فمن قدَر على ذلك قدَر على إعادتنا يوم القيامة وقت يشاء وأن الله ما خلقنا إلا لأمر جلل (عبادته سبحانه) فأرسل النبي عليه الصلاة والسلام ينادينا إلى الإيمان بالله والعمل بما يرضيه، فمن استجاب نجا ،ومن أمعن في الجهالة خاب وخسر بل يشمل الذكرُ مع التسبيح الكفَّ عن المعصية خشيةً الله جل وعلا حين يتذكر المتّقى ربه فيكثر من الاستغفار ويسارع إلى العمل الصالح ويتقرب إلى الناس يرضي - بالإحسان إليهم - خالقهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}(الاعراف) ، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}(آل عمران). ولا بد فى الذكر من الخشوع القلبي والتضرع خفيَة- فالذكر الخفي يدل على الإخلاص ، يقول ربنا فى سورة الاعراف : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} كما أن التضرع إلى الله يكسب الخوف منه والحب فيجتمعان ليرقيا بالمرء إلى العمل الصالح: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205)}(الاعراف)، فالخشوع والتضرع إلى الله في كل وقت يملآن القلوب إيماناً وعلماً ومعرفة ويزرعانه يقيناً وثباتاً على الصراط المستقيم، ويبعدانه عن الغفلة ، أما الغافل فتسيّره أهواؤه وتطغيه . والدعاء من الذكر لِما جاء فى وصف دعاء النبى زكريا عليه السلام { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6)}(مريم) إن الذكر الكثير دليل على تعلق المرء بمن أحب ، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره وأطاعه فعمل بما أمر وانتهى عما نهى . والذكر الكثير يرفع الدرجات ويمحو السيئات ،ويُربي الحسنات ،ويحيي القلب ويقرّب إلى الحق، ويسمو بالنفوس فتترفع عن الدنايا ، ومن ذكر اللهَ ذكره اللهُ . والتسبيح لله أمر مطلوب في كل الأوقات ،إلا أنه يتجلى أثرُه في ساعات معينة منصوص عليها في القرآن الكريم عند طلوع الشمس وعند غروبها، وفي الليل حيث يخلو المحبون بحبيبهم والناس غُفْل نائمون، وفي قيام الليل وفي أول الليل وآخره حين تغيب النجوم استعداداً لاستقبال النهار : { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)}(طه) { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}(الطور) { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)}(ق). - إن مخلوقات الله كلها إلا الكفار من الإنس والجن تسبح ربها ،فالرعد يسبح والملائكة ، قال تعالى : { وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلآئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ...(13)}(الرعد). وقالت الملائكة { وَإِنَّا لَنَحْنُ المُسَبِّحُونَ (166)}(الصافات) ومن الملائكة المسبحين حمَلَةُ العرش الذين يستغفرون للمؤمنين ..وما أجمل أن يستغفر لنا – معشر المؤمنين – الملائكةُ حملة العرش { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ واتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيم (7)}(غافر). والطير تسبح مع أهل السموات : { ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ واللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)}(النور). وهذه الجبال العظيمة تسبح الله تعالى والطيور كذلك: {... وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}(الأنبياء) . من روائع ما فعله سيدنا زكريا وقد فقد النطق ثلاثة أيام أنه لم يمنعه ما هو فيه من عدم القدرة على الكلام أن يدعو الناس إلى تسبيح ربهم :{ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمُ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)} (مريم) . وهذا سيدنا محمد رسول الله يأمره المولى أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وان الله مؤيده وما عليه في أداء رسالته إلا أن يسبح الله فينال القوة والثبات في سعيه { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)}(الطور) . ولما سال موسى عليه السلام مشاركة أخيه هارون بالرسالة علل ذلك بقوله: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33)}(طه) . وكلما نادى الكافرون بالباطل كان التسبيحُ الجوابَ بلسان العزة والجبروت. أ- فحين زعموا أن لله شركاء أبطل زعمهم وأمرنا بتسبيحه عظم شأنه، فقال : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)}(الأنبياء). وقوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)}(الطور) . ب- وحين زعموا لله ولداً وحّد ذاته وأمرنا بتسبيحه جل شأنه: { وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)}(الأنبياء) ، { مَااتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)}(المؤمنون) . ج- وحين نسي المسلمون أن يظنوا الخير بإخوانهم وخاضوا في بهتان عريض دون بينة نبههم إلى العودة إلى الحق وأمرهم بتسبيحه جل شأنه. د- وفي رد الملائكة على من اخطأ فعبدهم دون الله أنكروا ذلك وسبحوا بحمد الله : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجِنِّ أَكْثَرُهُمْ بِهِم مُؤْمِنُونَ (41)}(سبأ) . هـ- إن التسبيح نجّى المؤمنين من مصائب كثيرة ومنها نجاة سيدنا يونس في بطن الحوت: { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)}(الصافات). وينجيهم مما يخافون ، ومن الأمثلة على ذلك هذا الدعاء الرائع الذي يصل العبد بربه ، فيرجو النجاة : { وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُواْ عَلَىَ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}(الزخرف). إن من سمات المؤمنين أنهم كلما ذكروا الله تعالى سجدوا لعزته وسبحوا بحمده فقرنوا بين الذكر والتسبيح وثابروا على ذلك. فأجمل اللحظات حين يكون المرء قريباً من ربه. { إنَّمَا يُؤْمِنُ بِئَايَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (15)}(السجدة) . إنه ليس اقرب إلى الله تعالى من ذكره وتسبيحه ،والقرآن الكريم والحديث الشريف مزدانان بهذين الكنزين الرائعين. فهل وعينا ذلك وتقربنا إلى الله بهما ؟ إنه سبحانه ينادينا .. فهل سمعنا النداء ووعيناه؟ يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السادس والعشرون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}(الزمر). قلنا نقف في مقالاتنا هذه على الآيات التي تخاطب المؤمنين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وقد يتساءل أحدنا بناء على هذا : أين الآية أو الآيات التي تبدأ بهذا النداء هنا؟ فأقول : حين بدأت هذه الآية بقوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا } ،فكأنه سبحانه قال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } وكان الخطابُ لهذه الفئة الطيبة تحديداً، { الَّذِينَ آمَنُوا }. يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالاستمرار على طاعته وتقواه : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ } فمن أحسن العمل في دنياه نال الأجر فيها وفي أخراه ومن رأى المعصية تنتشر في بلده ويُدعى إليها بالقول الفاسد والعمل السيء ، ولم يستطع أن يُصلِح لقوة الفساد آنئذٍ ، ولم يجد أعواناً على الخير ، بل خاف على نفسه فليهاجر إلى أرض أقلَّ شروراً أو أرضٍ صالحة يعبد الله فيها ، فأرض الله واسعة لا ينبغي أن يظل المرء في مكان يخاف فيه على نفسه وأهله وعياله، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‘إذ هاجروا إلى المدينة حين رأوا الظلم يستفحل في مكة . أرض الله واسعة فإن ضاقت الأرض في مكان فقد يجد في غيرها الأمن والأمان . وما ينبغي لحبِّ لأرض أن يكون سبباً في بقاء المسلم على الضيم أو يُضيّع دينه ويخسر آخرته ، وما أروع قوله سبحانه وتعالى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، فالأجر مضاعف يناله المسلم الذي فرَّ بدينه إلى ربه ، فيغرف الله تعالى له الثواب بما لا يتوقع – بغير حساب – وحين يرى الكريم من عبده إليه إقبالاً ، وعن الدنيا إدباراً، ووجد فيه صبراً عن حطام الدنيا وترفعاً عن سفسافها أجزل له العطاء وزاد في إكرامه أن يدخله الجنة خالداً فيها منعماً، ويُنعم عليه برضاه. وتعال معي إلى رحمة الله تعالى وحبه لعباده الذين أنابوا إليه بعد بعدهم عنه، وقربِهم منه بعد نأي وجفوة ،بل ينادي الغارقين في الذنوب علَّهم يثوبون إلى رشدهم ، فهو – سبحانه – يناديهم نداء المحب على الرغم من كثرة ذنوبهم وإسرافهم فيما لا ينبغي أن يفعلوه ينادي على مسمع الزمان : { يَا عِبَادِي } { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}(الزمر). إنهم أسرفوا في ذنوبهم فابتعدوا عن درب الهداية ، ولربما رغبوا في التوبة فقال لهم شياطين الإنس والجن : لن يقبل الله توبتكم وقد تماديتم في الضلال ، فيسمعون النداء العلويّ يبعث فيهم الأمل ويزرع في نفوسهم التفاؤل : لا يقنط المرء من رحمة الله وعفوه ،ولا ييئس من غفرانه ورضاه ، فهو سبحانه غفار الذنوب ستار العيوب ، من دنا منه شبراً دنا منه باعاً ومن دنا منه باعاً دنا الله منه ذراعاً ، وهو سبحانه لَيفرحُ بالعبد التائب المقبل بكليته عليه مادام فيه نفَسٌ يراوح، وقلب ينبض ولسانٌ يذكر ، باب التوبة مفتوح ما دام المرء حياً لم يغرغر، فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى لله عليه وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله إن لي غدراتٍ وفجرات فهل يُغفرُ لي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( ألست تشهد أن لا إله إلا الله ؟) قال : بلى وأشهد أنك رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( قد غفر لك غدراتك وفجراتك ) رواه أحمد. يتوب الله تعالى على عبده حين يؤوب إليه ويسلك درب الإيمان ويعمل بما يرضيه ، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رحمة الله حين نظر الصحابة إلى امرأة من السبي لزقَتِ ابنها في صدرها وأرضعته فقال : ( لَلهُ ارحمُ بعباده من هذه بولدها ) . وروى ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولَه صلى الله عليه وسلم : ( ما أحِبُّ أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ })، ولأنّ باب الرحمة والتوبة واسع قال الله تعالى " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ...؟" نقول : بلى : إنه هو الغفور الرحيم بعباده . خلقنا الله تعالى ناقصين :{ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}(الأنبياء) وهو العالم بضعفنا يعيننا على التوبة ،ويهيء لنا سبل الهداية .وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ( والذي نفس محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم ) رواه الإمام أحمد. ومن رحمة الله أنه أرسل رسله لمدّعي الألوهية أن يتوبوا ومثالهم فرعون ،ولمن قتلوا العشرات والمئات ومثالهم الذي قتل تسعة وتسعين فأكمل بالعابد المئة. قال الحسن البصري رحمة الله عليه انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه ،وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة. وما أروع ما رواه الفاروق رضي الله عنه إذ قال: كنا نقول: ما الله بقابلٍ ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة ،عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم :{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ...} الآيات . قال عمر رضي الله عنه فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص، فقال هشام لما أتتني جعلت أقرأها بذي طوى أصعِّد بها فيه وأصوِّت ،ولا أفهمها حتى قلت :اللهم أفهمنيها. قال فألقى الله عز وجل في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا، فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة . ويظل باب الأمل والرجاء بعفو الله تعالى وغفرانه مفتوحاً إلى أن يموت المرء ، والندمُ كفارة الذنب ، ولا ينفع الندم بعد الموت. ولا الحسرة – إذ ذاك- والاعتراف بالذنب ولا الرغبة في العودة إلى الدنيا ، فهذا محال ، نسأل الله تعالى كمال الإيمان والعمل بما يزين حياتنا في الدارين . يروي القرطبي في شرح هذه الآية حواراً بين رب العزة وإبليس اللعين وأبينا آدم عليه السلام : " إن إبليس - لعنه الله تعالى - قال يا رب إنك أخرجتني من الجنة من أجل آدم وإني لا أستطيعه إلا بسلطانك . قال فأنت مسلط . قال يا رب زدني . قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله . قال يا رب زدني . قال : أجعل صدورهم مساكنَ لكم وتَجرون منهم مجرى الدم . قال :يا رب زدني . قال : { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}(الإسراء) . فقال آدم عليه الصلاة والسلام : يا رب قد سلطته علي وإني لا أمتنع إلا بك. قال تبارك وتعالى : لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء. قال يا رب زدني . قال : الحسنة عشر أو أزيد، والسيئة واحدة و أمحوها . قال يا رب زدني . قال :باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد . قال يا رب زدني. قال : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } . إنه سبحانه ينادينا للعودة إلى رحابه والتوبة والإنابة إليه ..... فهل سمعنا النداء ووعيناه؟ يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الحادي والثلاثون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) سورة الحشر جاءت هذه الآيات تتويجاً للآيات التي سبقتها ، فقد عاقب الله تعالى يهود بني النضير حين أرادوا قتل نبيه الكريم غيلة بالخوف يغزو قلوبهم ، فأجلاهم عن المدينة وجعل ديارهم للمسلمين ، ثم مدح المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعاً ،فالمهاجرون تركوا ديارهم للحفاظ على دينهم ، والأنصار احتضنوهم وقدموهم على أنفسهم. ثم فضح المنافقين وجبنهم ، واليهود وخوفهم ، ووصف المنافقين -الذين وعدوا اليهود بمنعهم والدفاع عنهم ثم نكولهم السريع عن ذلك خوف المسلمين -بالشيطان الذي زيّن للمرء الكفر ودعاه إليه ، فلما وقع فريسة لوسوسته تبرّاَ منه، فهما معاً في جهنّم. هكذا كان عقاب من نسي الله تعالى وجاهره بالعداوة ،فكان النداء للذين آمنوا أنْ : 1- يتقوا الله في أنفسهم قولاً وعملاً. 2- أن يعملوا للآخرة حين لا ينفع مالٌ ولا بنون، والنجاح فقط لأهل الإيمان الذين كان خوف الله تعالى وإرضاؤه زادهم إليه. 3- التنبيه إلى علم الله بما بعمل المرء وما يقول ، فلا يخفى على الله شيء،والإنسان محاسب على كل صغيرة وكبيرة . 4- من نسي الله وأوامره ونواهيه ضل وسقط في سعيه، وفُضح أمرُه كما فُضح المنافقون في وعدهم لليهود بمساعدتهم ضد المسلمين ،فباءوا جميعاً بالخزي والهوان. فمن نسيَ أو تناسى ما كُلّف به عامله الله بالمثل فتناساه، 5- ومن تعامى عن دين الله وهجَرَه كان فاسقاً ، والفاسقون من أهل النار، والعياذ بالله . 6- المؤمنون يفوزون برضاء الله وجنته ، والفاسقون يبوءون بغضب المولى وناره ، وشتان ما بين النهايتين فأصحاب الجنة أهل النعيم المقيم والحياة الرغيدة الخالدة. إن القرآن هو الهادي إلى الخير المحض وما عداه سراب لا حقيقة له: { إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}(سورة الإسراء) . وفي سورة الحشر هذه نجد المعنى نفسه يُضاف إليه المثال الذي يُثبت في النفس الفكرة ويؤيدها : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)} . فإذا كانت الجبال تعي حقيقة كتاب الله وتتمثله فهماً وتطبيقأ ، ومعنىً ولفظاً فتخشع له، وتكاد صخوره الصمّاء تتشقق وتتهاوى من خشية الله ووعِظَمِ جلاله سبحانه، أفلا تتطامن نفوس البشر فتعلمَ المهمة الملقاة على عاتقها وتعمل ليوم تتقلب فيه القلوب والأبصار؟! لقد ذكر التفكر في القرآن في صيغ متعددة يأمر بها الناسَ أن يتفكروا في أنفسهم وفيما حولهم زهاء أربع عشرة مرة ، إن الفرق بين الإنسان والحيوان الأعجم ( التفكر والتدبّر ) ثم العمل السليم الذي يحقق الهدف ويصل بالمرء إلى شاطئ السلامة فإذا فكر المرءُ وتدبّر وصل إلى اليقين بأنّ الله تعالى : { هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}(سورة الحشر) إنه سبحانه يدعونا إلى النأي عن وسوسة الإنس والجنّ وإلى التفكر في الحياة وسببها ومآل الإنسان بعد الموت .. وإلى العمل الصالح .فهل نعي ونتدبر؟ .. من فعل ذلك كان من الناجين وفي عِداد الفائزين. يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السادس والثلاثون بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)سورة التغابن يوم التغابن : يوم القيامة، فيغبن أهل الجنّة أهلَ النارِ حين يدخلون الجنّة ،ويرثون خيرات من كانت النار نصيبه ، ويرث الكفارُ في جهنم نصيبَ أهل الجنة في النار ، في هذا اليوم يجمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد، قال تعالى : { قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (50)}(الواقعة) ، وقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } ، وقال مقاتل بن حيان لا غُبْنَ أعظمُ من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ويذهب بأولئك إلى النار . وفي الحديث : ( ما من عبد يدخل الجنة إلا أُرِيَ مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخلُ النار إلا أرِيَ مقعدَه من الجنة لو أحسَنَ ليزداد حسرة ). وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة بين يديه فيقول الله تعالى لهما قولا فما أنتما بقائلين ، فيقول الرجل : يا رب أوجبت نفقتها علي فتعسفتها من حلال وحرام ، وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ، ولم يبقَ لي ما أوفي به . فتقول المرأة : يا رب وما عسى أن أقول : اكتسبَه حراما وأكلتُه حلالاً ، وعصاك في مرضاتي ولم أرضَ له بذلك ، فبُعدا له وسُحقا ، فيقول الله تعالى : قد صدقت . فيؤمر به إلى النار ويُؤمر بها إلى الجنة ، فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول له : غبنَّاك غبنَّاك ، سعِدنا بما شقيتَ أنت به " فذلك يومُ التغابن . تبدأ السورة الكريمة بتسبيح الله وحمده فهو الإله العظيم الذي يستحق التسبيح والحمدَ ، خلقنا وهدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، فآمن السعداء وكفر الأشقياء. ومن قدرته أنْ خلق السموات والأرض وصوَّر البشر في في أجمل هيئة ، وعظّمَ الله ذاته العلية حين ذكر في هذه السورة بعض صفاته ، فهو الله الحميد القديرُ الخالقُ المُصوِّرُ العليمُ، عالم الشهادة ، العزيزُ الحكيم... وردّ على منكري البعث والنشور قصور نظرهم وضعفَ تفكيرهم.ونبّهنا إلى مصارع الأمم الكافرة ،وأمرنا بالإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ليغفر لنا ويرزقنا رضاه والجنّة في نعيم أبديٍّ خالد، وهدد الكافرين بالنار وبئس المصير، ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبَه وعوَّضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقينا صادقا وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه . ثم نادانا سبحانه منبهاً إلى : 1- أن بعض الزوجات والأولاد يُبعدون المرء عن القيام بواجباته في صلة الرحم وطاعة الله ، إذ يستاثرون به عن وأمه وأبيه وأهله وأقاربه . رُوِيَ أنَّ رجالاً أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدَعوهم ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعدَ لأيٍ - رأوا الناس قد فقهوا في الدين فَهَمُّوا أن يعاقبوهم لأنهم كانوا السبب في ابتعادهم وتأخرهم ،فأنزل الله تعالى هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)} 2- والحذرُ بمعنى تقديم طاعة الله ورسوله على حب النساء والذرية - وإن كان عليه أن يسعى في خدمتهم-إلا أنَّ مطالب الاسرة تكثر وتتتابع فيقصر المرء في واجبه نحو دينه وقد ينسى او يتناسى كثيراً من الواجبات فيخسر الثواب ويستحق العقاب. 3- قد يؤدي التشاغل في خدمة الأسرة إلى الشحِّ والبخل فتقلُّ الصدقات أو تنعدم ، ويستغرق الرجل في تأمين مستلزمات الحياة الرغيدة لأسرته وينشغل بها عن كثير من واجباته الدينية ، فيُستهلك في تنفيذها . 4- لئن انتبه الرجل إلى خطئه فليتحمّلْ مسؤوليته وحده ، فلا يعاقب غيره لأنه كان صاحب القرار فتخلّى عنه ، فإن رأى أنهم ضغطوا عليه –وقد يكون- فليَعفُ وليغفر وليتصف بما أراد الله تعالى له من حِلم وصفح وعفو. 5- فتنة النساء والأولاد والمال كبيرة لا يتعدّاها إلا أولو العزم الذين ينالون الثواب الكبير والأجر العظيم. 6- لا يكلف الله نفساً إلا وسعَها فلنتَّق الله ما استطعنا ، ولنبذُل جهدنا في تقواه ورضاه سامعين مطيعين متصدّقين ، فإن فعلنا ذلك فزنا بالفضل والقرب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ). 7- إن الصدقة تطفئ غضب الربِّ ، وهو سبحانه ينمّيها كما ينمّي الرجل فُلُوّه ، فيصير مثل الجبل، وما يُنفق المرء من شيء فهو – سبحانه- يخلفه ومهما تصدقنا من شيء فعليه جزاؤه ونزل ذلك منزلة القرض : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}(البقرة)، ثم يحوطنا فضله بمغفرته ويكفر عنا السيئات ، فهو الحليم الشكور. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّـهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِن تُقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}(سورة التغابن). فهل سمعنا نداء الملك العليم العلاّم الذي يصفح ويغفر ويستر ويتجاوز عن الذنوب والزلات والخطايا والسيئات الذي يعلم كل شيء ويرى كل شيء ولا يغيب عنه شيء، إنه عزيز حكيم. يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (12) الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثاني عشر* في سورة آل عمران نداء لأهل الكتاب قبل نداء المؤمنين، فعلى أهل الكتاب إذا جاءهم رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أن يتبعوه يتجلى هذا النداء في ثماني آيات تدعو أولاها إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده ،{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}. وفي ثانيها ردّ على مزاعم أهل الكتاب من النصارى واليهود إذ يدّعي كل من الفريقين أن إبراهيم عليه السلام كان منه، وإبراهيم عليه السلام كان قبل موسى عليه السلام بألف وسنة وجاء عيسى عليه السلام بعد موسى بألف سنة ، فكيف يكون إبراهيم يهوديا أو نصرانياً ؟ ما يقول بهذا عاقل: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}. وفي ثالثها يعيب على أهل الكتاب كفرهم وهم يشهدون الحق في كتبهم فيعرضون عنه : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}. وفي رابعها تراهم يخلطون بين الحق والباطل ليفسدوا الأمور ويكتموا الحقيقة التي يعلمونها ضمناً فياتي النداء يتبعه الاستفهام يقرّعهم ويؤنبهم: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}. ويوبخهم المولى تعالى في خامسها على كفرهم بآيات الله وتكذيبها ، دون أن يكترثوا بمتابعة الله تعالى لهم وإحصائه ما يفعملون، فالله تعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة مما يعملون: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ (98)}. وتراهم في آخر نداء أهل الكتاب يصدون الناس عن الإيمان بالله ورسوله ، ويحبذون حياة الغي والفساد على الرغم أن كتبهم تشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الرسل الذي بشرت به رسلهم. { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)}. ثم ينتقل القرآن الكريم إلى تنبيه المسلمين إلى وجوب التمسك بدينهم وعدم طاعة المشركين من اليهود والنصارى كي لا يرتدوا كفاراً مثلهم ، فالطاعة عبادة ، ومن أطاع غير الله ورسوله انحرف عن طريق الهداية وعبَدَ الطاغوت: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)}. قد يتساءل بعضنا : فينا كتاب الله نغترف من معينه ونعمل بهديه ونعيش بنوره ، لكنْ كيف يكون رسول الله فينا وقد انتقل إلى ربه منذ قرون طويلة ؟ والجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا في سيرته المطهرة وحديثه العطر المدوّن حتى صار أحدُنا يعرف عن نبيّه دقائق حياته الشريفة اكثر بآلاف المرات مِمّا يعرف عن أبيه الذي عايشه وصاحبه ، إنه معنا بما تعلمْنا من أحواله التي أوصلها إلينا صحابتُه الكرام، نتابعه في سلمه وجهاده ،صباه وشبابه وكهولته ، طعامِه وشرابه، ليلِه ونهاره،مع ضيوفه وآل بيته ، وكأننا نراه صلى الله عليه وسلم بيننا: { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}. روى البخاري عن مُرَّة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حق تقاته أن يطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر ) . وقال ابن عباس : ألا يعصى طرفة عين . وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} ، قالوا : يا رسول الله , من يقوى على هذا ؟ وشق عليهم فأنزل الله عز وجل : { فاتقوا الله ما استطعتم ...(16)}(التغابن) ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها . هل يجوز أن يركن المسلم إلى الكفار؟ . والجواب أنه : لا ، فلماذا؟ يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : 1- { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ } فالكفار والمنافقون لسنا منهم وليسوا منّا ،إنهم أصحاب أهواء وفساد دينيّ وخُلُقيّ، إن الطيور على أشكالها تقع ، قال الشاعر : عن المرء لاتسل وسل عن قرينه,,,,, فكل قرين بالمُقارن يقتدي و( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدُكم من يخالل ) : هذا ما علّمَناه النبيُّ عليه الصلاة والسلام.2- { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } والخبال الفساد، فهم إن لم يستطيعوا قتال المسلمين اجتهدوا في المكر والخديعة . جاء عمرَ كتابٌ فقال لأبي موسى : أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس ؟ فقال : إنه لا يدخل المسجد . فقال لم ! أجنب هو ؟ قال : إنه نصراني ; فانتهره وقال : لا تُدنِهم وقد أقصاهم الله , ولا تكرمهم وقد أهانهم الله , ولا تأمنْهم وقد خوَّنَهُمُ الله ... 3- { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قد بدت البغضاء من افواههم } ، وهم يحبون أن يروا المسلمين في ضنك وحزن وألم وحياة تعيسة كما يفعلون الآن في دعم النظام الاسدي الكافر بالمال والسلاح والرجال ،وهم بعملهم هذا مكشوفون وإن كانوا يُظهرون غير ذلك ، ويسعَون بكل ما يستطيعون لإرهاق المسلمين ،وكثيراً ما ينِدّ عنهم زلة لسان أو عمل فاضح أو تصرّف شائن. 4- { وما تخفي صدورُهم أكبر } ولئن ظهر منهم بعض ما يُكِنّون من كره وبغضاء للمسلمين فإن ما يُخفونه أكبرُ مما يُظهرونه. ويُذيّل القرآنُ هذه الاية محذّراً ومعلماً: { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} ، فمن كان له قلب حيٌّ وفكرٌ سديد علم أنّ الحذر من غير المسلمين نجاة وحرز منهم. - ثم تأتي هاتان الآيتان: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)} توضحان أن طاعة الكافرين تؤدّي إلى النكوص إلى الكفر، وما بعد الكفر إلا الخسارة الأبدية في الجحيم. يحب المنافقون الحياة أيّاً كانت : ذليلة وعاديّة ويكرهون الموت ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم المقرئين إلى بئر معونة فقتلهم المشركون غيلة ادّعى المنافقون أنّ هؤلاء الشهداء لو حذروا فلم يخرجوا ما ماتوا. وبهذا ينكشف سترهم وتظهر دخيلتُهم ويبقى كلامهم حسرة في صدورهم في الدنيا إذ انكشفوا وفي الآخرة إذ هم من أهل النار ، ولو علموا أن لكل أجل كتاباً ما قالوا كلمتهم هذه . إن كل شيء بيد الله سبحانه فهو المحيي وهو المميت وهو الذي يعلم ما في الصدور فيثيب الصالح ويعاقب المسيء: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}. ونرى نداء لا علاقة له ظاهرة بالجهاد والمجاهدة - يتحدث عن جريمة أكل الربا يتخلل- الايات الصريحة في حال المسلمين في غزوة أحد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)}. فإذا علمنا أن عاقبة الربا حربٌ من الله ورسوله وجدنا المنحى العام – وهو الجهاد – يشمل الاية، وكان وجودها متسقاً مع الآيات الأخرى في الحذر من الوقوع في الخطأ الذي يغضب المولى سبحانه. ويختم الله سبحانه وتعالى سورة آل عمران بوصية النجاحين ( نجاح الدنيا ونجاح الاخرة ) فحض على الصبر على الطاعات والبعد عن الشهوات ، وأمر بمصابرة الأعداء وانتظار الفرج من الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}. فما بعد الصبر إلا الفرج ، وما بعد مقارعة الأعداء بثبات إلا النصر والفوز ، والرباط في الثغور في سبيل الله والجهاد ذروة سنام الإسلام ، وأهل الإسلام اليوم في رباط أمام الأعداء الذين لا يألون جهداً في اغتنام غفلة من المسلمين يدمّرون فيها بيوتهم ويقتلون رجالهم ونساءهم وأطفالهم ، إنها حرب إبادة يُطلب فيها المصابرة والرباط ، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمِن الفتان ) كما أن ملاك الأمر كله التقوى ، ففيها الفلاح كله والنجاة أجمعها. ... إنه سبحانه ينادينا ، فهل سمعنا النداء؟! * بتصرف بسيط جدا
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (13) الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الثالث عشر جاء النداء في سورة النساء موجهاً إلى ثلاثة أنواع ، فقد: أ- نادى الناس جميعاً ثلاث مرات ، في أول السورة وآخرها: 1- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} 2- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)} 3- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)} لا بد من تنبيه البشر كلهم إلى الهدف الذي خلقهم الله تعالى له وإعلامهم بمهمتهم التي سوف يُسألون عن أدائها في اليوم الموعود ،فتُقام عليهم الحُجّة .فكانت الاية الأولى في هذه السورة للناس وكذلك الآية الأخيرة (عود على بدء) إنّ الخطاب الإيماني للجميع ، فما خلق الله تعالى الإنس والجن إلا ليعبدوه.ولا تكون العبادة إلا بتقوى الله الذي خلقنا من آدم وحواء ، ونبه إلى أن أصلنا واحد ،ينبغي أن تسوده المحبة والوئام ويتجلى ذلك – أولاً – في صلة الأرحام . وحدد طريقَ الإيمان الحق الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،فالدين عند الله الإسلام، ومن سلك غيره بعد أن بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ضل ، وبهذا نبهنا إلى الطريق الذي يجتمع فيه الأمم جميعاً في توجُّهها إلى الله تعالى : إنه الإسلام ليس غير. فكان القرآن الكريم ذلك الضياء أنزله الله تعالى إلى البشرية ليهتدوا به في طريقهم إلى رضا الله وعفوه وغفرانه. وعلى هذا كان واجبُ المسلمين – وما يزال- دعوةَ الأمم كلها إلى عبادة الله وحده والعمل بما أمر ولا ينجح الداعية في مهمته إلا إذا كان فيها القدوةَ الصالحة. ب- ونادى أهل الكتاب مرتين : 1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)} 2- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)} آمن أهل الكتاب بالله تعالى حين أُرسل إليهم الأنبياء الكرام ، فلما طال عليهم العهد انحرفوا وبدّلوا فلما جاء الإسلام يوحد البشرية في عبادة الله وحده دعا أهل الكتاب أن يؤمنوا بهذا الدين الذي ينقذهم من الضلال ويضعهم على الصراط المستقيم ، فما الإسلام إلا امتدادٌ وتأصيلٌ للشرائع التي سبقته وآمن بها اليهود ثم النصارى ، وكان عليهم – وهم أهل التوحيد – أن يسارعوا إلى فلاحهم في الدنيا والآخرة ، فلا يعادوه إنما يكونون جنوداً في نشره ، فإذا تنكّبوا وأبَواعوقبوا أشدّ العقاب جزاءً وفاقاً. غالى أهل الكتاب في عقائدهم حين جعلوا المسيح عليه السلام – وهو عبد الله ورسوله – ابناً لله فاتخذوه إلهاً ، وجعلوه ثالث ثلاثة ، فضلوا ضلالاً بعيداً وكذلك فعل اليهود إذ اتخذوا عُزيراً ابناً لله تعالى ، ويضل الناس حين يًسقطون على ذات الله صفاتهم البشرية وهو الله الذي لا إله غيره تعالى عن الشبيه والمثيل والشريك. وفي متابعة خطاب القرآن للناس جميعاً ولأهل الكتاب نجده يؤكد على وحدانية الله وإفراده بالألوهية والعبادة . ج- ونادى المؤمنين تسع مرات: 1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} 2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} 3- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)} 4- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)} 5- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا (71)} 6- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} 7- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)} 8- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136)} 9- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144)} في خطاب القرآن للمؤمنين الموحدين نقف على أمور عدة ، منها : 1- الثبات على التوحيد 2- النزاهة في التعامل ، والحفاظ على حقوق الناس 3- طاعة الله ورسوله. 4- الجهاد في سبيل الله ، والحذر في قتال العدو. 5- الإيمان بالرسل كلهم. 6- التنزه عما يعيب المسلم 7- ( اسلوب تربوي مهم) التدرّج في التزام الشرائع 8- ديننا يسر يستوعب أحوال الناس وحاجاتهم. من ذلك معاملة الزوجة بالحسنى ( استوصوا بالنساء خيراً ) فلها في الحياة حقوقٌ كما أنّ عليها واجبات .فلا يكرمهنّ إلا كريم ولا يظلمهنّ إلا لئيم . ولا يجوز إيذاؤهنّ وأكلُ مهورهنّ أو إيلاؤهنّ والتضييقُ عليهنّ ليتنازلن عن بعض حقوقهنّ. والمسلم يحفظ حقوق جيرانه وأهله وأقاربه وشركائه فلا يعتدي على حق أحد منهم أكان مالاً أم عقاراً أم أمانة وغير ذلك . ولا يأكل الربا ولا مال اليتيم ولا ينتحر أو يستبيح دماء المسلمين وأهل الذمّة. يحافظ على حرية الآخرين وجمال الحياة في المجتمع. ولعلنا نجد التدرّج في التزام الشريعة في قصة تحريم الخمر، وهذا دليل على بناء المجتمع المسلم بشكل صحيح يشد عراهّ ويقوي أساسه. وقد يُنكر بعضهم التدرّج في عودة إلى الشريعة هذه الأيام بعد أن استقرت الأحكام ،فالجواب انّ مجتمعنا الذي نعيشه جاهلي بعيد عن الدين فنأخذه إليه خطوة خطوة .منبهين إلى أن المسلم لا يكون مسلماً إلا إذا أسلم امره إلى شرع الله ونبذَ الكفر. كما أن ذروة سنام الإسلام الجهادُ في سبيل الله والدفاع عنه ونشره بالحسنى في أرض الله والعملُ بنشاط ودأب لتحقيق ذلك ، وليس للمسلم أن يكفِّر المسلمين ويحكم عليهم بالردة لمجرد أنهم خالفوه في بعض المفاهيم المختلف فيها، وحادثة أسامة بن زيد حين قَتَل من نطق بالشهادتين دليل على حرمة دم المسلم. وتدعو هذه الآيات الكريمة إلى الإيمان الكامل بالله ورسله واليوم الآخر والكتب السماوية كلها والملائكة ولا يتم الإيمان إلا إذا تحققت فيه كل أركان الإيمان ، ولاء المسلم لله ورسوله وللمؤمنين فإن تغير الولاء إلى غيرهم من أهل الكتاب والمشرين سقط صاحبه في بؤرة الضلال وغضب الله عليه ووكله إلى فساده وضلاله . هذا بعض ما أوحت به آيات النداء في سورة النساء ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ....إنه سبحانه ينادينا ..فهل سمعنا النداء؟!
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (14) الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الرابع عشر خوطب أهل الكتاب في هذه السورة – سورة المائدة - خمس مرات أن يؤمنوا بالله الواحد ويصدّقوا النبي محمداً عليه الصلاة والسلام . وأن لا يغالوا في دينهم فيخرجوا إلى الإشراك، وأنهم بدلوا دينهم فغيّروا وغلبهم الهوى ، ولو ظلت كتبهم سليمة غير محرفة لعلموا أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم حقٌّ فاتبعوه، لكنهم فسقوا وضلوا ،وطغوا وبغوا. 1- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)} 2- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} 3- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)} 4- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)} 5- { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77)} ونودي المؤمنون في سورة المائدة ست عشرة مرة راوحت بين : ما فرض عليهم في الحج و وجوب الطاعة في ذلك ، والطهارة للصلاة. والامتناع عن الصيد في الحج، وعقوبة ذلك. وأن يشهدوا بالقسط. وأن يشكروا نعمة الله عليهم. وأن يجاهدوا في سبيل الله . وأن لا يأمنوا إلى أعداء الله . وأن يثبتوا على الإيمان الحق وأن يبتغوا الوسيلة إلى الله . وأن يجاهدوا في سبيل الله . وأن لايُلحوا في الاسئلة ، بل ينتظرون ما يقوله الرسول لهم. وأن يكونوا دعاة إلى الله . وأن يشهدوا بالحق فيصل المال لى أصحابه الشرعيين. 1- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)} أتى رجلٌ عبد الله بن مسعود فقال : اعهد إلي. فقال إذا سمعت الله يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } فأرِعْها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه . وهذه لفتة رائعة من مُرَبٍّ مشهود له بالفهم والدراية وحسن الصحبة . وإذا سألنا عن العهود فهي ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حدَّ في القرآن كله ،فلا غدر ولا نُكثَ ثم شدد القرآن في ذلك فقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ...(25)}(الرعد) ويدخل فيها ما أحل الله وحرم وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم . وعلمنا الالتزام بالنظام من أوامر ونواهٍ ، فإذا سألنا عن السبب في هذه الأوامر والنواهي فالجواب أننا عباد لله نفعل ما نُؤمر وننتهي عما نُهينا عنه. وما يريد الله تعالى بنا إلا الخير سبحانه من لطيف بعباده. 2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} فإذا وفّينا بالعقود لزمنا حدود الله فلم نتعدّها وعملنا بما رسمه لنا من شعائرالله ومناسك ، فلا قتال في الأشهر الحرُم { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ...(217)}(البقرة) ، إلا إذا استبيحت بيضة المسلمين فيها. وهذا ما يفعله الكفار في المسلمين إذ لا عهد للمشركين ولا ذمّة وعلى الحجاج أن لا يتركوا الإهداء إلى البيت الحرام فإن فيه تعظيم شعائر الله ويميزونها عما عداها من الأنعام ليُعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء وتشجعُ على الإهداء إلى البيت بمثلها ،لما حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بات بذي الحليفة وهو وادي العقيق فلما أصبح طاف على نسائه وكن تسعا ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين ثم أشعر هديه وقلده وأهلَّ للحج والعمرة وكان هديه إبلا كثيرة تنوف على الستين من أحسن الأشكال فكان هذا تعظيماً لله : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}(الحج). كان أهل الجاهلية يتقلدون من شجر الحرم فيأمنون فنهى الله عن قطع شجره. ومن امّ البيت الحرام من المشركين فلا يُستحل قتاله وقد نُسخ هذا الحكم بقوله تعالى تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .. (28)}(التوبة) وقد أمّرَ رسولُ الله الصديق ثم أمر علياً أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان لقوله تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فنفى المشركين من المسجد الحرام ،فإذا فرغ المسلمون من إحرامهم وأحلّوا منه منه فقد أباح لهم ما حرّم عليهم في الإحرام ، ولما منع المشركون المسلمين في الحديبية من العمرة أراد المسلمون بعد فتح مكة أن يقتصوا منهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه والعدل به قامت السموات والأرض. ويأمرنا الله تعالى أن نتعاون على فعل الخيرات من البر وترك المنكرات يأمرنا بالتقوى وينهانا عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم. ومن التناصر قولُه صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قيل يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ قال : ( تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره ) . وما أروع قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) . ورأس الأمر في هذا التقوى ، وقد افلح من كان تقياً. 3- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} يريد الله تعالى بنا اليسر ويحضنا على الطهر، فنشكره، فيتم نعمته علينا. ولا بدّ للصلاة من طهارة ووضوء فإذا عزَ الماءُ فالتيمم يجزئ ولكل مريض يؤذيه الماء أن يتيمم أو يمسح على الجبيرة ،وملامسة النساء غير لمسهنّ فالملامسةُ أكثر عرضة لنقض الوضوء ففيه التفاعل بين الطرفين وللمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام غير المقيم فله المسح خمس صلوات ، وشُرع التيمم ليُزل المولى سبحانه الحرج عن عباده ، فيبقى المسلم على اتصال بخالقه في صلاته المكتوبة وقراءته القرآنَ. 4- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} من سمات المسلم أن يحكّم الحق في كل تصرفاته وانفعالاته حتى مع أعدائه أو ظاميه، ويريد المولى لنا أن نكون قوامين بالحق للحقّ لا للسمعة والرياء وأن نشهد بالعدل وننبذ الجور حتى في صغار الأمور وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : (أكل ولدك نحلت مثله ؟) قال لا قال : ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) - وقال - (إني لا أشهد على جور) قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة ، إن التقوى تتجلى في إحقاق العدل بين الناس جميعاً أحببتَهم أم كرهتَهم ، لذا قال تعالى : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } والتقوى سمة المؤمنين وعنوان الرجال العاملين. 5- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)} عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا ( للقيلولة) وتفرق الناس في العضاه (شجر الصحراء) يستظلون تحتها وعلق النبي سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني قال : الله عز وجل قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله قال فشام الأعرابي السيف ،(تركه) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه. أما بنو النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ووكلوا عمرو بن جحش بن كعب بذلك وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤوا عليه فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية أنّ من توكل على الله كفاه الله ما أهمه وحفظه من شر الناس وعصمه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدوا إليهم فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم . فإذا عرفنا نعمة الله وحفظناها ،وتوكلنا على الله كان معنا وكفّ أيدي الناس عنا.وما أحوجنا هذه الأيام إلى ذلك. 6- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)} يأمرنا الله تعالى في هذه الآية بثلاثة أمور : أ - تقوى الله سبحانه وتعالى ، والأمر بالتقوى يتكرر دائماً لأنه السبيل السليم الصحيح لرضا الله تعالى ب - وأمر بعدها بطاعته فهي الوسيلة إلى مرضاته { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } وهي التقرب إليه { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } وهذا الذي قاله الأئمة والوسيلة ما يُتوصل بها إلى تحصيل المقصود ،والوسيلة أيضا أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وداره في الجنة وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة ) ج - وأمر بالجهاد ،قال ابن كثير :لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم والتاركين للدين القويم ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة : من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة الحسنة مناظرها الطيبة مساكنها التي من سكنها ينعم لا ييأس ويحيا لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه. 7- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} موالاة اليهود والنصارى الذين –و هم أعداء الإسلام وأهله – انحراف خطير،يقع فيه من لم يخالط الإيمان قلبه ،فهؤلاء اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فمن تولهم وأطاعهم فقد دخل في زمرتهم وباء بالخسران ، إنه تهديد ووعيد يقصمان الظهر ويؤديان إلى غضب المولى { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وقد أمرعمرُ أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد (كتاب واحد) وكان لأبي موسى كاتب نصراني فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال : إن هذا لحفيظ هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام فقال : إنه لا يستطيع فقال عمر : أجنب هو قال لا بل نصراني قال : فانتهرني وضرب فخذي ثم قال : أخرجوه ثم قرأ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء } وأبو موسى استعمله ولم يوالِه ، فماذا نقول بمن أحبهم وأطاعهم وأعانهم على المسلمين وكان في صفوفهم يضرب بسيوفهم؟! 8- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} إنّ من يودُّ أهل الكتاب على ودّ المسلمين ويخدم مصالحهم ويعمل بامرهم خائن لله ولرسوله وللمؤمنين ، نصرَ غيرَ المسلمين ووالى أعداءهم ، فماذا بقي له من الإسلام ؟ ، لقد جاءت هذه الآية بعد أختها مباشرة لتوضح أن أمثال هؤلاء في خانة المرتدين ،فمن تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خيرٌ لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا يحبهم الله تعالى ويبادلونه سبحانه حباً بحب وينصرونه وينصرون دينهم وإخوانهم ويعملون لخدمتهم بكل إخلاص ويدفعون عنهم أذى أعدائهم ويجاهدون في سبيل الله هذه صفات الكمال في المؤمنين، أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه ،وصدق فيهم قولُه تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ..(29)}(الفتح) وفي صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه الضحوك القتال فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه وقوله عز وجل : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } . قال ابن كثير رحمه الله: لا يردهم - عما هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - راد ولا يصدهم عنه صاد ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل. عن الحسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ( ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم ) تفرد به" أحمد وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن زبيد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقالٌ فلا يقول فيه. فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول مخافة الناس فيقول إياي أحق أن تخاف ) ورواه ابن ماجه إن الثبات على الحق والعمل به والدفاع عنه ورفع رايته سمات المؤمن الذي هداه الله إليه ورزقه الخير ، نسأل الله أن يزينّا بالحق ويجعلنا من أهله. 9- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)} وكيف يوالي المسلم – لوكان مسلماً حقاً – من يهزأ بدينه ويسخر منه ويظهر عداوته للإسلام وأهله جهاراً نهاراً إلا إذا كان مسخاً ليس في قلبه ذرة من إيمان ، ألم يصفهم المولى سبحانه بالغدر وسوء الطوية ( لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ،وأولئك هم المعتدون) إن التقيّ من يوالي الله ورسوله والمؤمنين ، فهل نعي هذا؟ وقد فعل اليهود ما نُهينا عنه ونُهوا عنه فعجّل الله تعالى لهم العقوبة في الدنيا فجعلهم قردة وخنازير فكانوا عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قال تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)} 10- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)} عن عائشة رضي الله عنها أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في الدنيا فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فنزلت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ }. إن الله تعالى أعلم بنا منا فهو خالقنا وفرض علينا ما ينفعنا ونهانا عمّا يضرنا، والعمل بشرعه إرضاء له سبحانه والبعد عن ذلك اعتداء على أمره وعصيان له فمن بالغ في التضييق على نفسه بتحريم المباحات فحرم الحلال فقد اعتدى على حق الله تعالى بل نأخذ من الحلال ما يكفينا، ولا نتجاوز فيه الحد ،إن الله تعالى يقول: {... وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}(الأعراف) ومدح المقسطين فقال: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}(الفرقان) فلا إفراط ولا تفريط بل يسر وتسهيل ما لم نتجاوز ذلك. 11- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)} وللحفاظ على الإنسان ، عقله وصحته وماله ودينه وضح الله تعالى ضرر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وقال : إنه من عمل عدوّنا وعدوّ الإنسانية ( الشيطان ) الذي نذر نفسه أن يضل الناس جميعاً فيدخلوا معه جهنّم والعياذ بالله . فالخمر يُذهب العقل – والعقل زينة ابن آدم- ومن ضيّع عقله استوى والحيوان ، فآذى نفسه وغيره ، والميسر يبذر العداوة ويزرع الكره والبغضاء في المجتمعات ، فيأكل الناسُ بعضُهم أموال بعض ، وتأخذهم حُميّا الميسر للاستمرار في تضييع الوقت – وهو العمر الذي ينبغي الحفاظ عليه واستغلاله بما يفيد ، فتضيع الصلاة ويضيع العمل المفيد . والأنصاب تبعد البشر عن خالقهم وتدعوهم إلى عبادة غيره ، والأزلام تعوّدهم على حياة الوهم والتواكل . وكان تحريم الخمر والميسر على سبيل التدرّج بعد أن كان المجتمع غارقاً فيهما لا يكاد يتركهما .وهذا اسلوب تربوي رائع يستل من نفوس القوم ما اعتادوا عليه ، إنه الانتقال خطوة خطوة إلى سبيل الهداية والنور ، فلما جاء السؤال المشوب بالنهي قالوا : انتهينا ، انتهينا . 12- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)} لا بدّ من الابتلاء والاختبار ، هكذا الحياة ، وهكذا يعيش المرء إلى أن يلقى ربّه، وكان الصيد دَيدَن العرب وسمة حياتهم، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم , كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت , ابتلاهم ببعض الصيد وهو الصيد البريُّ فقط فمن التزم أثبت تقواه حين خاف ربه فأطاعه ، ومع الطاعة يربح المرء رضا الكريم ، ومع العصيان العقوبة .لا بدّ من الثواب والعقاب. 13- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ) وما عدا ذلك فلا يجوز مما يُؤكل ويدخل في الكلب العقور الحيوانات المفترسة ، ويدخل مع العقرب الحيّةُ يقتلها المحرم في الحرم. فإن فعل قدّم هدياً مثليّاً في الحرم أو وزّع ثمنه بين فقرائه، يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة في غير المثل عدلان من المسلمين ، فإن لم يجد صام وللعلماء آراء في الصيام حسب حجم الحيوان المرميّ { عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف } في ايام الجاهلية ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة ، ونلاحظ التشديد في العقوبة فالله عزيز ذو انتقام يفعل ما يشاء . 14- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} من الأدب الذي أدب الله تعالى به عباده المؤمنين أن لا يسألوا عن أشياء لم تُذكر لهم ولم تُفرض عليهم ، فقد تسوءهم إن ظهرتْ ويشق عليهم سماعها ،فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال : (لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم ) فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي ؟ قال : ( أبوك حذافة ) قال ثم قام عمر أو قال فأنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا عائذا بالله أو قال أعوذ بالله من شر الفتن قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لم أر في الخير والشر كاليوم قط صورت الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط ) أخرجاه من طريق سعيد ورواه معمر عن الزهري عن أنس بنحو ذلك أو قريبا منه . قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة ما رأيت ولدا أعق منك قط أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رءوس الناس فقال والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته . ولما نزلت هذه الآية : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...(97)}(آل عمران) قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي كل عام ؟ فسكت قال : ثم قالوا أفي كل عام ؟ فقال : (لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم ) فأنزل الله هذه الآية تنبه المسلمين إلى عدم اللجاجة في السؤال 15- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} واجب المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير ما وسعهم ، فمن أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس. كل امرئ بما كسب رهين، إن خيرا فخير وإن شرا فشر وعلى المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكنا . قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودعِ العوام فإن من ورائكم أياما ،الصابرُ فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم ) وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل إذا اهتديت . رواه ابن جرير . إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم إلى يوم القيامة. 16- { يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)} قد يدرك الموتُ الرجل في طريق سفره أو تجارته ، فيعطي المال لرجلين يظنهما قادرين على إيصال المال إلى ورثته فإذا ارتاب أهل الميت بكلامهما ساءلوهما بعد صلاة العصرعند اجتماع المصلين، فيحلفان بالله أنهما ما خانا ولاغلاّ فيحلفان حينئذ باللهأنهما لا يبيعان الآخرة الباقية بالدنيا الزائلة وأنهما لا يكتمان شهادة الله، فإن فعلا فإنهما آثمان، ولن يكونا كذلك. فلا بدّ من التمحيص واستجلاء الأمور ، كما أن المسلم يحسب للآخرة حسابها ويحرص على رضا الله وعفوه وغفرانه حيث لا ينفع - هناك - مال ولا بنون. إنه سبحانه وتعالى ينادينا ، ويحثنا على طاعته فهل سمعنا النداء؟!
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا (15) الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم الخامس عشر في سورة الأعراف ينادي الله سبحانه بني آدم مبيناً فضله عليهم، داعياً إياهم إلى التقوى ، ويحذرهم من الشيطان وأحابيله ،ويأمرهم بالتزام آداب زيارته في بيوته، وأنه سبحانه لم يكن ليتركهم يعيشون الحياة الدنيا دون توجيه وتربية وتعليم فأرسل إليهم أنبياءه الكرام. ثم ينبه الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به وطاعة نبيه ليكونوا من المهتدين . ليس في هذه السورة نداء خاص للمؤمنين إنما هو نداء للناس جميعاً دون استثناء أن يكونوا عباده الصالحين ، فهو سبحانه يريد الخير لهم في الدنيا والآخرة وسيجزيهم – إن لبّوا وأطاعوا خير الدنيا والآخرة. وفي هذه السورة الكريمة أربعة نداءات لبني آدم ونداء واحد للناس كلهم : يا بني آدم : 1- { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} إن الله تعالى يمُنُّ على عباده بما جعل لهم من لباس يسترعوراتهم من ضرورات الحياة وزينتها. لبس أبو أمامة ثوبا جديدا فلما بلغ ترقوته قال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ، ثم قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استجَدَّ ثوبا فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حيا وميتا ) . إلاّ أن لباس التقوى والإيمان أعظم ما يتزين المرء به وبه يتجمّل ويُعرف. وما أروع ما رواه عثمانُ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لباس التقوى : ( والذي نفس محمد بيده ما أسرَّ أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر ) فمهما أراد الإنسان أن يتزيا بما ليس فيه فضحه الله وعرّاه. ثم قرأ هذه الآية { وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فقد جمّلنا المولى بالثياب المادية على اجسادنا وجمّلنا بالأخلاق والأعمال الحسنة التي تكتب في صحائفنا وتتجلّى في حركاتنا وسكناتنا إن كنّا صالحين عاملين بما نقول . 2- { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)} . قال ابن كثير رحمه الله : يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله مبينا لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه وما هذا إلا عن عداوة أكيدة وهذا كقوله تعالى { ...#أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}(الكهف) "كما أن الشيطان نفسه قال موضحاً ما في نفسه من عداوة لبني البشر : { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}(الحجر) وإذا كان الشيطان عدوَّنا الأول مصرحاً وملمحاً أفلالا ينبغي الحذر منه والناي عنه؟.ولئن استطاع أبليس أن ينزع عن أبوينا لباسهما فتظهر سوءاتهما إنه في الارض ينزع الإيمان والشرف زالمروءة والطهر والعفاف من قلوب البشر وعقولهم وصدورهم.ومما يساعده على تنفيذ مهمّته العدائية أنه يرانا ولا نراه فهو يوسوس لنا إذ يجري في ابن آدم مجرى العروق من الدم. ويلتقم قلوب اتباعه ويخدّر عقولهم ويجثم على صدورهم أعاذنا الله من إبليس وذريته وأتباعه. 3- { يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}. هي دعوة لعمارة المساجد أولاً والحفاظ على نظافتها الظاهرة ثانياً مع التنبّه إلى نظافة القلوب والافئدة مما يسيء إلى الأهل الإيمان ، فلا غلّ ولا كراهية ولا حقد ولا حسد. يدخلها المسلم بثياب نظيفة متعطّراً لا يشم أخوه منه غير الرائحة الطيبة ، والثياب زينة وستر، والتجمل في الصلاة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك ومن أفضل اللباس البياض كان المشركون يطوفون بالبيت عراة :الرجال نهاراً والنساء ليلاً وكانت المرأة تقول : اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم ،وكفنوا فيها موتاكم ،وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر )قال بعض السلف جمع الله الطب كله في نصف آية : { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ#} وقال البخاري قال ابن عباس : كل ما شئت والبس شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت ) . ولعلنا نقع في هذا كثيراً غذ نهتم بالمأكل والمشرب اكثر مما ينبغي. 4- { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}. لا يُترك البشر يعيشون على غير هدى ، يقودهم الشيطان وتدفعهم الشهوات إلى المهالك، فبعث إليهم رسلا يقصون عليهم آياته، ورغَّب وحذَّر، وعلّم وبيّن كيلا يكون لهم حجة يوم القيامة . والناجح في سعيه من كان تقياً (عَلِم وعمل) وأصلح ما كان أخطأ فيه فإن فعل ذلك نجى من العقوبة وفاز بالثواب فكان من أهل الجنة يعيشون أبد الدهر في أمن وأمان وسعادة ورخاء. دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} . 1- لا بد من التصريح بدعوة الله ، وهذا ما فعله الحبيب المصطفى إذ أمره المولى سبحانه أن يدعو إلى عبادة الله وحده وطاعته. 2- وهو – صلى الله عليه وسلم- رسول الله إلى البشر كافّة، وهذا من شرفه وعظمته صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين. 3- يستحق الله تعالى العبادة لان الأمر كله بيده ، فهو الخالق المحيي ، وهو القابض المميت ، بيده الحياة والرزق ، والنفع والضرّ 4- والرسول أو الداعية قدوة يؤمن بما يدعو إليه وكلما كان الداعية مخلصاً لله كان قريباً إليه أثيراً لديه. 5- إن اتباع القدوة الصالحة طريق معبّدة إلى الله تأخذ بيده على هدى مستقيم إلى الغاية والهدف . وعلى هذا نسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ) . 6- ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامّة عرّف بالله تعالى فقال: ( إن الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم ) فإذا عرف الإنسان الغاية وفهمهما ، وتعرّف إلى ربه سبحانه أحبّه وأطاعه ..اللهم اتجعلنا من عبادك هؤلاء. إنه سبحانه ينادينا ، ويأخذ بايدينا إلى مرضاته لنكون من السعداء الناجين ... فهل سمعنا النداء؟.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() سلسلة إنه ـ سبحانه ـ ينادينا الدكتور عثمان قدري مكانسي القسم السادس عشر نجد القرآن الكريم – في سورة التوبة – ينادي المؤمنين سبع مرات، فيها : 1- البراءة من موالاة الكفار. 2- ومنعهم عن المسجد الحرام بعد فتح مكة . 3- فضح للذين يأكلون الدنيا بالدين والتحذير منهم. 4- والحض على الجهاد في سبيل الله ، ووجوب قتال الكفار. 5- التعامل مع المشركين بالقوة الرادعة. 6- التقرب إلى الصادقين والتحبب إليهم. فقال سبحانه: 1 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)} أهناك أقرب من الأب والولد والأخ ؟ وهل تكون ولايةٌ ومناصرة إلا بين الأقارب أولاً ؟ إن الولاء يكون – عادة - بين المتحابين المتقاربين ولاتكون الولاية بين المؤمنين والكافرين . كان العرب قبل الإسلام يتناصرون على الحق والباطل يلتزمون القريب ضد عدوّه أكان محقاً أم غير ذلك ،ولعلنا نتذكر المقولة المشهورة بينهم " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فلم يكن اعتبار الحق والعدل قائماً ، إنما هي المصلحة القبلية في التناصر ، حتى قيل : "أنا وأخي على ابن عمي ، وأنا وابن عمي على الغريب" فجاء الإسلام يهذب هذا المثل ويشذب هذه القاعدة فغير مفهومها إلى نصرة الحق وأهله بغض النظر عن القرابة الظالمة التي لا تعرف – في كثير من الأحيان- للحق حرمة. نفى الإسلامُ الموالاة الخاطئة ، بينهم كما نفاها بين المسلمين والمشركين عامّة والمشركين من أهل الكتاب بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء ...}(51)}(المائدة) ليبين أن القربَ قربُ الأديان لا قرب الأبدان . ويعجبني قول الشاعر: يقولون لي دار الأحبة قد دنت * وأنت كئيب ،إنَّ ذا لعجيب قالت أسماء بنت ابي بكر الصديق: يا رسول الله , إن أمي قدمت عليَّ راغبة وهي مشركة أفأصلها ؟ قال : ( صلي أمك ) . إنها صلةٌ لا موالاة ، والفرق بينهما كبير.فقـلت وما تغـني ديـارٌ قريبـة * إذا لم يكن بين القلوب قريب فكم من بعيد الدار نال مراده * وآخرَ جار الجنب فيه كئيب إن من والى الكافر وناصره على المؤمن ظلمَ نفسه فبرئت منه ذمّة الله تعالى وخرج عن الإيمان.ولا يعي هذا إلا المؤمنُ الفطنُ الذي رُبّيَ على حب الإيمان وأهله. 2 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} لا يقربُ المسجدَ الحرامَ إلا المؤمنُ ، إنَّ الطاهر لا يقربه إلا الطاهر أما المشرك فنجس القلب والعقل ، والمسجد لله سبحانه الذي لا يقبل شريكاً . نزلت هذه الآية في سنة تسع للهجرة ،ولهذا بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى أبي بكر رضي الله عنهما عامئذ وكان أبو بكر أميرَ الحجّ إذ ذاك وأمره أن ينادي في الناس : أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فأتم الله بذلك أمر الدينَ وحكم به شرعا وقدرا . قال بعض الناس ممن تقومُ تجارتهم على أمثال هؤلاء : (لتقطعن عنا الأسواق ولتهلكن التجارة وليذهبن عنا ما كنا نُصيب فيها من المرافق) فأنزل الله : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء ..." فعوّضهم الله تعالى ما تخوّفوه من قطع تلك الأسواق وفتح عليهم أبواب الرزق تفتح لهم خيراً وبركة ، إن الرزق من عند الله ، الم يقل الله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}(الذاريات). 3 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ،وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} كان شداد بن أوس رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات :اللهم إنى أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ،وأسألك حسن عبادتك ،وأسألك قلبا سليما ،وأسألك لسانا صادقا ،وأسألك من خير ما تعلم ،وأعوذ بك من شر ما تعلم ،وأستغفرك لما تعلم ،إنك أنت علام الغيوب ) . ويحذر الله تعالى من علماء السوء من اليهود والنصارى الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ، يفسُد بفسادهم الكثيرُ من العوام وضعاف الإيمان . قال سفيان بن عيينة : من فسد من علمائنا كان فيه شَبهٌ من اليهود، ومن فسد من عُبّادنا كان فيه شبهٌ من النصارى وفي الحديث الصحيح : ( لتركبن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ) قالوا اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ؟) . إنهم يأكلون الدين بالدنيا من رياسة ظالمة تفرض على الناس المكوس والضرائب والهدايا وما شابه ذلك. يقول ابن كثير رحمه الله تعالى :وهم مع أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع الحق ويلبِّسون الحق بالباطل ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعونهم إلى الخير وليسوا كما يزعمون بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، فإذا فسدت العلماء فكنزوا المال ولم ينفقوه في وجوهه الصحيحة فسدت أحوال الناس، ((وهل أفسد الدين إلا الملوكُ وأحبار سوء ورهبانها)) كما قال ابن المبارك رحمه الله. ولا يكون المال مكنوزاً – على كثرته إذا أُدّيت زكاتُه وتُصًدِّق منه حين قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبا للذهب تبا للفضة ) يقولها ثلاثا شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا فأي مال نتخذ ؟ فقال عمر رضي الله عنه أنا أعلم لكم ذلك ، فقال : يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم ،وقالوا فأي المال نتخذ ؟ قال : ( لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة تعين أحدكم على دينه ) . ولا يملأ عينَ ابن آدم إلا التراب، ياتيه المال كثيراً فيجمعه ويكدسه وينسى حق الله وحق العباد فيه ، إنّ الذين يكنزون المال من حل ومن حرام ويتمتعون بجمعه ولا ينفقونه في سبيل الله تعالى وعلى مستحقيه يجدون عقوبة ذلك في الآخرة ، إذ يُحمى هذا الكنز الذي جمعه فتكوى به أجسادهم - جباههم وجنوبهم وظهورهم - وهذه عقوبة بدنية ، يصاحبها العقوبة النفسيّة من لوم وتقريع ( هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون ) ، فهل من عاقل يعلم ما ينفعه في دنياه وآخرته، فيغلق باب الشر ويفتح أبواب الخير؟ 4 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)} إنه عتابٌ من الله تعالى لمن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارّة القيظ إذ دعاهم رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد في سبيل الله " فتثاقل بعضهم وتكاسل ومال إلى حياة الدعة والاسترخاء،وإلى حياة الخفض وطيب الثمار ، فكأنهم زهدوا في الآخرة وفضَّلوا الدنيا عليها. ثم رغبنا المولى في الآخرة فقال رسوله صلى الله عليه وسلم: ( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بما ترجع ؟) وأشار بالسبابة .أخرجه مسلم . قال ابن كثير: روى ابن أبي حاتم حدثنا بشر بن مسلم بن عبد الحميد الحمصي بحمص حدثنا الربيع بن روح حدثنا محمد بن خالد الوهبي حدثنا زياد يعني الجصاص عن أبي عثمان قال : قلت يا أبا هريرة سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة ) قال أبو هريرة : بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة ) ثم تلا هذه الآية : { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها ، هي عند الله قليل . وقال الثوري عن الأعمش في الآية: { فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } قال كزاد الراكب ، وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال : ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه، فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال : أما لي من كبير ما أخلِّف من الدنيا إلا هذا ؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أف لك من دار إنَّ كثيرك لقليل وإنَّ قليلك لقصير وإن كنا منك لفي غرور . 5 - { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} وحين يخاطب المولى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فالخطاب موجّه إلى أتباعه من المؤمنين ، إن الله يأمر نبيه الكريم أن يجاهد الكفار والمنافقين وأن يغلظ عليهم وأمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة إنّ الله تعالى أمر بجهاد الكفار بالسيف وأغلظ على المنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم ، فإذا كانت النار – في الآخرة – مأواهم فلعل التشديد عليهم في الدنيا يدفعهم إلى الحق ويأطرهم عليه. ولعل بعضهم يؤوب إلى اللحق ويلتزمه. 6 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} إنّ الصادقين مع الله صادقون من خلقه ، فمن كان معهم ولزم غرزهم كان منهم ونجا بنجاتهم وفرّج الله عنهم ،وأوصلهم إلى بر الأمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) أخرجاه في الصحيحين ذكر ابن كثير رضي الله عنه أنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل اقرءوا إن شئتم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } ثم قال : فهل تجدون لأحد فيه رخصة ؟ وعن عبد الله بن عمر في قوله : { اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } قال مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقال الحسن البصري إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا والكف عن أهل الملة . فإذا كنا مع الصادقين كانت حبالنا موصولة بالله تعالى ، والله تعالى يحب الصدق والصادقين ويكره الكذب والكاذبين . ومن كان مع الصادقين كان على نور من ربه وهدى ، ومن كان مع الكاذبين فكأنه يحتطب بليل يجره إلى حفرة فيها هلاكُه. 7 - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)} قال ابن كثير رحمه الله : بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب الأقربَ فالأبعد ثم فتح مكة والمدينة والطائف وجنوب الجزيرة وشرقها وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا ثمّ شرع في قتال أهل الكتاب فكان الرومُ أقرب الناس إلى جزيرة العرب وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام ، أنهم أهل الكتاب، فقاتلهم في مؤتة ثم قاتلهم في تبوك . ثم قام خليفتُه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فثبّت الله به الإسلام في جزيرة العرب ، فوطد القواعد وثبت الدعائم وردَّ شارد الدين وهو راغم ورد أهل الردة إلى الإسلام وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغاة ، وبيَّنَ الحق لمن جهله . وأدى عن الرسول ما حمله ، ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم النصارى وإلى الفرس المجوس ففتح الله عليه وكان النصر مبيناً . وتمَّ الأمر على يدي الفاروق شهيد المحراب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين ، وقمع الطغاة والمنافقين ،واستولى على الممالك شرقا وغربا . وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعدا وقربا . ففرقها على الوجه الشرعي والسبيل المرضي, فظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ،وعلت كلمة الله وظهر دينه ،وبلغت الملة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها ،وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار. إن المؤمن الكامل هو الذي يكون رفيقا بأخيه المؤمن غليظا على عدوه الكافر كقوله تعالى " وقد وصف المولى سبحانه رسوله الكريم وصحبه في سورة الفتح فقال: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ...(29)} . وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا الضحوك القتـّال )" يعني أنه ضحوك في وجه وليّه قتـّال لِهامَة عدوه " وما يفعل ذلك إلا التقيُّ الذي يجعل العمل بشرع ربه ديدنه وهدفَه . اللهم نبرأ إليك من ضعفنا وقلة حيلتنا ، ونسألك أن تردنا إلى ديننا ردّاً جميلاً ، وأن تصلحنا وتنصر الإسلام على أيدينا ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. إنه سبحانه ينادينا – معشر المؤمنين- فهل سمعنا النداء؟!
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |